al-baghdady
25-07-2010, 11:25 PM
دعبل الخزاعي و أدبه
http://www.shia-today.com/media/pics/1275231165.jpg
ـ تاریخه: ولد دعبل فی الكوفة سنة 148هـ / 765 م. صاحب الشطّاروالصعالیك فنشأ نشأة سوء.
قصد بغداد فنال عند الرشید حظوة و تشجیعا. كان علویا متعصبا لآل البیت فهجا العباسییّن؛ و قد أكثر من التجول ، وفي ولّی علی أسوان. وفی سنة 246 هـ / 860 م قتل بسبب سلاطة لسانه.
2ـ أدبه: له شعرمبثوث في كتب الأدب و أكثره فی الهجاء و فی مدح اهل البیت و رثائهم.
3ـ شاعرالهجاء: كان دعبل مبغضا لخلفاء بنی العباس و لأعداء آل البیت (ع).
4ـ شاعر المدح و الرثاء: أجمل شعره المدحیّ و الرثائی فی آل البیت؛ و هو یذوب رقّة و سلاسة و صدق عاطفة.
5ـ قیمة شعره: دعبل نزاع الی البادیة و أسالیبه ، و شعره حافل بالسلاسة و الإنسجام و السهولة. و هو لا یخلو من التصنیع و التنمیق.
دعبل الخزاعی شاعر المدح و الرثاء
1ــ تاریخه:
هو دعبل بن علیّ بن رزین الخزاعیّ الأزدریّ، و كنیته أبوعلیّ. ولد فی الكوفة سنة 148 هـ / 765 م، و تخرّج فی الشعر علی مسلم بن الولید، ونحا ناحیة بغداد و اتّصل بالرّشید فلقی لدیه حظوة و تشجیعاعلی قول الشعر. و بعد موت الرشید لم یتّصل دعبل بأحد من الخلفاء العباسیین ، بل عاداهم و هجاهم لأنه كان علویّا و یرید الإمامة للعلویین، و قضی حیاته قلقا ناقما ینتقل من مكان الی مكان ، و فی نحو سنة 815 ذهب الی الحجّ ثم الی مصر حیث آواه أمیرها المطّلب بن عبدالله بن مالك الخزاعی وولاّه علی مدینة أسوان ثم طردّه بعدما بلغه أنه هجاه، وممّا جاء فی ذلك الهجاء:
أمـــطلب أنـت مســتعذب
سمسام الأفاعی و مستقبل
ستأتیك إماوردت العراق
صــحائف یأثــرها دعبــل
مــنــمقة بــــین أثنائـــــها
مــخاز تــخط فــلا ترحـل
وظلّ دعبل علی هذه الحال لا یسلم أعداء آل البیت (ع) من هجائه سواء أحسن إلیه أو لم یحین الی أن قتل سنة 246 هـ / 860 م.
2ــ أدبه:
جاء فی معجم الأدباء لیاقوت أن لدعبل كتاب « طبقات الشعراء » و دیوان شعر. ولكنّ هذا الدیوان لم یصل إلینا منه إلا بعض الهجاء و الرثاء و المدح و بعض
المقطوعات المختلفة الموضوعات.
3ــ شاعر المدح و الرّثاء:
أكثر مدح دعبل فی آل البیت (ع) من العلویین ، و كان مدحه ورثاؤه لهم حافلین بالعاطفة الصادقة، حافلین بالتوجّع، نتصاعد من أوزانها و قوافیها موسیقی لیّنة تفیض حنانا. و من أشهر شعره فیهم قصیدته التّائیّة، و هی من أشهر الشعر و أحسنه ، قال فیها راثیا و مادحا:
مدارس آیات خلت من تلاوة، و منزل وحی مقفر العرصات...
قفا نسأل الدّارالتی خفّ أهلها،
متی عهدها بالصوم والصّلوات؟
وأین الألی شطّت بهم غربة النوی
أفــانین فـی الآفــاق مـفترقات
هم أهل میراث النبی إذاعتزلوا و
هم خیر قادات و خیر حماة...
جاء فی معجم الأدباء: « قصیدته التّائیة فی أهل البیت من أحسن الشعر و أسنی المدائح ، قصد بها أبا علّی بن موسی الرّضا بخراسان فأعطاه عشرة آلاف درهم و خلع علیه بردة من ثیابه... و یقال إنه كتب القصیدة فی ثوب و أحرم فیه و أوصی بأن یكون في أكفانه.»
4ــ قیمة شعره:
دعبل نزّاع أبدا الی البادیة بأسلوبه، و كلامه علی حدّ قول البحتری « أدخل في كلام العرب من كلام مسلم بن الولید، ومذهبه أشبه بمذاهبهم.»
و دعبل ذو قریحة فیّاضة، توسل الشعر ممتثلا بالسلاسة و الإنسجام و السهولة ، و هو ذو حیویّة نبّاضة تبعث فی شعره حیاة و حركة . و هو، علی تبدّیه ، لا یهمل فی شعره جانب التصنیع ، فیعمد الی البدیع و یوشّی به أقواله فی اقتصاد واتزان.
دعبل الخزاعی و مكانته الادبیة و الشعریة
لا یزید ما تبقی فی أیدینا من شعر دعبل بن علی الخزاعی الی الیوم عن الالف بیت و هو قدر ضئیل إذا قیس الی مجموع شعره الذی صنعه فی نهایات القرن الثالث و اوائل القرن الرابع صائع الدواوبین المعروف ابوبكربن یحیی الصولی ( ت 220 هـ )، فی ثلاثمائة ورقة علی ما یقول ابن الندیم صاحب الفهرست (227)، عدّة أبیاتها نحو من عشرة آلاف بیت. و اكثر ما تبقی منها الیوم مقطعات قومه من الیمانیة ، و استثنینا معهما قصائد اخری قلیلة لا یبعد أن یكون بعضها اجتزئ اجتزاء من الدیوان أو نقل من الختیار الذی صنعه ابن طیفور احمد بن أبی طاهر (ت: 280هـ) فی النصف الثانی من القرن الثالث ، أو إجتزئ منه ایضا. و نرجح ان تكون نسخة من نسخ الدیوان الذی صنعه الصولی ، غیر بعیدة من حیاة دعبل التی انتهت فی منتصف القرن الثالث (246هـ)، انتهت الی صلبه، مع نسخة من كتابه المعروف (طبقات الشعراء). وأشار إلیهما فهرس الكتب الذی ضمّ ما یقرب من اسماء الف كتاب انتخبها صانعه المجهول، لخرم وقع في اولی صفحاته، مما وجده في خزائن الكتب بحلب أواخر القرن السابع (694هـ) و سمّاه (المنتخب مما في خزائن الكتب بحلب)، ونشره أحد المستشرقین في القاهرة (paulslath) سنة1945 م و لا یبعد كثیرا فی رأینا أن نقع علی هذه النسخة من الدیوان، فی یوم من الایام ، في إحدی خزائن الكتب، في الشرق أو الغرب، وقد نقع معها علی نسخة كتابه في (طبقات الشعراء). و حینذاك ینفع المجموع الذی صنفّناه في هذا القرن من شعر دعبل،و من مقطّعات كتابه (طبقات الشعراء) فی التوثیق و الموازنة. فأما الیوم فلا مفرّ من أن نكتفی بهذا القدر المجموع من شعر الإشارات التی نقع علیها فی مصادرنا الأدبیة، إلی كتابه الآخر ( الواحدة فی مناقب العرب و مثالبها ).
في درس هذا الشاعر و فی تحدید مكانته الادبیة و الشعریة بین أدباء العرب و هو موضوع كلامنا الیوم علی أننا ینبغی ــ لمّا نذكر من ضیاع شعره و كتبه ــ أن نتحوّط في أحكامنا، و إن كنا بصورة عامة نقترب فیها كثیرا من احكام القثدامی الذین كان مجموع شعر الشاعر و كتبه في أیدیهم . ومن هنا تكتب بعض احكام القدامی اهمیتها فی الدرس الیوم.
بما یجعلنا علی نحوما ــ نطمئن الی صواب أحكامنا، أو إلی قربها من الصواب، و لكنا مع ذلك ، نرید نتجاوز إلی أحكام اعم في تحدید مكانة الشاعر من شعراء العرب في القدیم ، و في ما یمكن أن یؤدیه هو و شعره لحیاتنا من النضج الأدبي و الإجتماعی و السیاسي جمیعا، فإنا الیوم و نحن فی مرحلة من أقسی مراحل تاریخنا مند ظهور الإسلام الی الیوم، احوج ما نحتاج إلی من یعلمنا الصبر علی النضال و التمسك بالحق و التضحیة في نصرته بما هو أغلی من الحیاة، یأمن النفس و سكینتها و استقرارها علی نحو ما فعل دعبل الخزاعی للفوز بما هو أغلی من الحیاة ایضا: كرامة الإنسان و سلامة الضمیرو شرف العقیدة.
ثم إننا في حاجة الی أن نتعلم الیوم أنّ للمعارضة في إطار كلّ نظام سیاسي و اجتمعاعي، الحقّ في ان یكون لها صوتها، و أن تمتلك القدرة علی نقله الی الناس، و أن یسمعه الناس منا آمنین علی أرواحهم و اموالهم و حریاتهم . ثم أن یكون لهم الحق بعدها في أن یختاروا مذاهبهم في التفكیر و التعبیر المشروع عنها. و هو ما قضی دعبل حیاته فی الدفاع عنه، مطاردا مشرّدا في الآفاق، یحمل خشبته علی كتفه ــ كما قال ــ لا یجد من یصلبه علیها. ثم إنّ في شعر دعبل من قوة الروح، و حرارة التفكیر، و سطوع الوجدان و قدرة التأمل في الاشیاء و جمال تصویرها، و التعبیر عنها، و عن المعانی و القیم التي الداره علیها، ما نغنی به ثقافتنا الی الیوم، و نجمل حیاتنا، و نمدّ آفاقها الی حیث تلامس ضمیر كلّ البشریة التي تدافع بشرف عن مستقبل الانسان. و فی كتبه من المعرفة بالشعر و طبائع الناس و اختلاف الاقوام ما یضاف إلی ثروتنا الثقافیة ، و یزید من معرفتنا بأنفسنا. من هذا الذی قلنا یقع تحدید مكان دعبل ، و مكان شعره و أدبه، من ادب العرب و أدبائهم . لقد عاش دعبل ما یقرب من قرن كامل « من منتصف القرن الثانی الی منتصف القرن الثالث»، في أزهی عصور بنی العباس ، و هو العصر الذی بدأ فیه العرب ینتقلون من طور الترجمة ؛ ترجمة ثقافات الامم التی خالطوها، الی طور التمثل و النظر.
وبدأ علماؤهم و نقادهم یجمعون معارفهم العلمیة و النقدیة في رسائل و كتب أنشئت المكتبات الضخمة لا حتوائها و تنظیمها، و نشأت تیارات فكریة، و مذاهب فلسفیة تحاول أن توفق بین العقل و الدین، بین ما تدعو الیه الحیاة المتطورة، و ما یملیه الوحي. بین ما تقود الیه الحضارة المزدهرة من یقظة الحواس، و ما تلزم به أخلاقیات الدین من التماسك و التعفف و الزهد في متع الحیاة و لذائذها، و شهوات الجسم التی تیسّر لها سبل الإشباع في هذا العصر علی كل وجه.
یستوی في التأثر النسبي بهذا المناخ الحضاري: الحاكم و المحكوم علی السواء، و العالم و الجاهل و الغنی و الفقیر و یكون الشاعر بحكم تكوینه أشدّ تأثرا به، و أقدر علی التعبیر عن متناقضاته. ابونواس مثلا في هذا العصر ، و بشهادة شعره أیضا العالم بالحدیث و التفسیر، و المطلع علی التاریخ و سیر رجاله و أنبیائه ، وعلی مجمل مقولات العصر الفكریة و الفلسفیة ، و تراث العرب الادبي. و خلیفة مثل المأمون مثلا حیّ الفكر، بالغ الحرص علی التوحید في رأیه، بالغ الحرص علی هیبة الخلافة و مكانتها ، و منشی دار الحكمة، و منشّط الثقافات و رأعیها، یدخل علیه أحد شهود العیان ــ في قول ابي الفرج: الأغاني 19 / 128 ــ فیری بین یدیه ــ فی أحد الأعیادــ عشرین و صیغة ، قد تزنرن و تزین بالدیباج، و علقن في أعناقهن صلبان الذهب، و في أیدیهنّ أغصان الزیتون. فلم یزل المأمون ــ في قول شاهد العیان ــ یشرب، و الوصائف یرقصن بین یدیه حتی سكر، فأمر أن ینثر علی الجواری ثلاثة آلاف دینار! فدعبل أبن هذا العصر بمجمل تیاراته ، و مذاهبه الفكریة و الأخلاقیة و تقالیده الإجتماعیة و الثقافیة: إطلع علی تراث العرب، كما اطلع علیه الشعراء في عصره. و ألّف في الأدب و غیره كتابا، كما ألف بعض معاصیره من الشعراء ( مثل أبي تمام و البحتري ). و تكسب بالشعر في بعض مراحل حیاته، كما تكسب غیره في بلاط العباسیین ، و إن لم یحفظ التاریخ بعض مدائحه فیهم و شهد ــ بشهادة شعره هنا ــ مجالس اللهوو العبث و الشراب، و وصف الخمرة و صفا قریبا من وصف شعرائها في هذا العصر، و في غیره. و دافع عن قومه من الیمنیة و هجا المضریة ، علی نحو ما فعل كثیر من شعراء العصر. و دعته الحاجة، كما دعت بعضا من الشعراء الی اخافة الناس، و تمزیق حرماتهم و العبث بأنسابهم ، لیدفعهم الی البذل و المسارعة الی العطاء. و تبذل في الهجاء أحیانا، تبذیلا مروّعا، لم یرع فیه قیمة من القیم الإجتماعیة، نحو ما فعل مع ابن وهب و القاضی ابی دوّاد ( انظر شعر دعبل ــ فهرس الأعلام ): و كان یمكن أن یقف دعبل عند هذا الحدّ، و احدا من شعراء العصر الذین أحسنوا المدیح لنفع أنفسهم ، و كان یمكن أن یقف دعبل عند هذا الحدّ، واحدا من شعراء العصر الذین أحسنوا المدیح لنفع أنفسهم، و احسنوا الهجاء، وأمعنوا فیه ، و مضوا علی سنّة الشعراء المجیدین في الوصف و رثاء الاهل و الاصدقاء، و الفخر بأنفسهم و بشعرهم و أقوامهم و الدفع عنها ، و مداعبة بعض الكتّاب و الجیران و شكوی الزمان و عذر الاخوان. و الزهو بأتققان أداته الشعریة (اللغة) و وعي غریبها، و الاطلاع علی مناقب قومه، و المبالغة فیها و بما أشاعت من أساطیر تاریخها، و علی مثالب خصومهم ، و التزید فیها، و خلطها بروایات التاریخ و بعض كتب الادیان. كان یمكن أن یقف دعبل عند هذا الحد لولا تمیّز و أفرده من شعراء العصر علی نحو مثیر، و أفردوه ــ مع شعراء قلیلین ــ من شعراء العرب قاطبة علی مدی العصور. هذا التمییز هو الایمان بحق آل البیت (ع) المهدور، و بما حاق بهم من ظلم الامویین و العباسیین و عمالهم ، و ملاحقتهم و تشریدهم ، و تقتیل ساداتهم بالسیف احیانا و بالسمّ احیانا أخری، و تعلیق رؤوسهم و جثثهم علی الاعواد، أو الطواف بها في انحناء الدولة.
هذا الإیمان هو الذی رفع الشاعر في تاریخ الادب العربی الی مرتبة شعراء القصائد المضطهدة، و رفع شعره الی مرتبة الدعوات ذات المحتوی الانسانی الباهر الاثر فی تاریخ الكفاح من أجل العدالة، و صدق السلوك، و جدارة الحاكم، و إستقامة معنی الحكم. سواء بعدها أن یكون الذی أوقف الشاعر ــ في رأینا ــ موقفه التاریخی هذا میل الی التمرد علی كل نظام سائد، بحكم تكوینه النفسي ، كما یقول البعض ( العقاد: مراجعات في الفن و الآداب و الفنون 164 )، أو النهوض الی نصرة المظلوم و احقاق الحق فی رأیه، و الاتزام بشرع الله ، فانّ ذلك یظل اجتهادا في الرأی تسوق الیه جملة من اخبار الشعر التی نقلتها الروایات الینا و نحن نری أن نلتزم شعر الشاعر في مثل هذه الأحكام، فهو الوثیقة الحیّة التي لا یسهل تحریفها، أو تزویرها. و شعره الذي یصور موقفه من نظام العصر السیاسي ، ما اصاب آل البیت (ع) فیه ، و فی ما تقدمه من العصور لم تمله نفس فطرت علی التمرد، أو جبلت علی الشر، و قطع الطریق علی الناس، كما تقول بعض مصادرنا الأدبیة، ولكن تملیه نفس مرهفة مستوحشة مأزومة، تفتقد العدل و تستشعر جبروت الباطل و قدرته علی البطش و التنكیل، و تنكره لمعانی الرحمة، و التعفف عن أذی النفوس التی تعجز عن مواجهة الشر بالشر، لأنها تتمسك بأخلاق النبوات و تقالید حملة الرسالات ، فتصبر علی الآذیة ، و تعف عن الثأر:
ألم ترأنّي مذثلاثون حجة
أروح و أغدو دائم الحسرات؟
أری فیئهم في غیرهم متقسما و
أیدیهم من فیئهم صــفرات
فال رسول الله نحف جسومهم
و آل زیـاد غلــظ الفــقرات
بنات زیاد في القصور مصونة
و آل رسول الله في الفلوات
إذا وترو امدّوا الی واتریهم أ
كفا عن الاوتار منقبضات
يتبع
http://www.shia-today.com/media/pics/1275231165.jpg
ـ تاریخه: ولد دعبل فی الكوفة سنة 148هـ / 765 م. صاحب الشطّاروالصعالیك فنشأ نشأة سوء.
قصد بغداد فنال عند الرشید حظوة و تشجیعا. كان علویا متعصبا لآل البیت فهجا العباسییّن؛ و قد أكثر من التجول ، وفي ولّی علی أسوان. وفی سنة 246 هـ / 860 م قتل بسبب سلاطة لسانه.
2ـ أدبه: له شعرمبثوث في كتب الأدب و أكثره فی الهجاء و فی مدح اهل البیت و رثائهم.
3ـ شاعرالهجاء: كان دعبل مبغضا لخلفاء بنی العباس و لأعداء آل البیت (ع).
4ـ شاعر المدح و الرثاء: أجمل شعره المدحیّ و الرثائی فی آل البیت؛ و هو یذوب رقّة و سلاسة و صدق عاطفة.
5ـ قیمة شعره: دعبل نزاع الی البادیة و أسالیبه ، و شعره حافل بالسلاسة و الإنسجام و السهولة. و هو لا یخلو من التصنیع و التنمیق.
دعبل الخزاعی شاعر المدح و الرثاء
1ــ تاریخه:
هو دعبل بن علیّ بن رزین الخزاعیّ الأزدریّ، و كنیته أبوعلیّ. ولد فی الكوفة سنة 148 هـ / 765 م، و تخرّج فی الشعر علی مسلم بن الولید، ونحا ناحیة بغداد و اتّصل بالرّشید فلقی لدیه حظوة و تشجیعاعلی قول الشعر. و بعد موت الرشید لم یتّصل دعبل بأحد من الخلفاء العباسیین ، بل عاداهم و هجاهم لأنه كان علویّا و یرید الإمامة للعلویین، و قضی حیاته قلقا ناقما ینتقل من مكان الی مكان ، و فی نحو سنة 815 ذهب الی الحجّ ثم الی مصر حیث آواه أمیرها المطّلب بن عبدالله بن مالك الخزاعی وولاّه علی مدینة أسوان ثم طردّه بعدما بلغه أنه هجاه، وممّا جاء فی ذلك الهجاء:
أمـــطلب أنـت مســتعذب
سمسام الأفاعی و مستقبل
ستأتیك إماوردت العراق
صــحائف یأثــرها دعبــل
مــنــمقة بــــین أثنائـــــها
مــخاز تــخط فــلا ترحـل
وظلّ دعبل علی هذه الحال لا یسلم أعداء آل البیت (ع) من هجائه سواء أحسن إلیه أو لم یحین الی أن قتل سنة 246 هـ / 860 م.
2ــ أدبه:
جاء فی معجم الأدباء لیاقوت أن لدعبل كتاب « طبقات الشعراء » و دیوان شعر. ولكنّ هذا الدیوان لم یصل إلینا منه إلا بعض الهجاء و الرثاء و المدح و بعض
المقطوعات المختلفة الموضوعات.
3ــ شاعر المدح و الرّثاء:
أكثر مدح دعبل فی آل البیت (ع) من العلویین ، و كان مدحه ورثاؤه لهم حافلین بالعاطفة الصادقة، حافلین بالتوجّع، نتصاعد من أوزانها و قوافیها موسیقی لیّنة تفیض حنانا. و من أشهر شعره فیهم قصیدته التّائیّة، و هی من أشهر الشعر و أحسنه ، قال فیها راثیا و مادحا:
مدارس آیات خلت من تلاوة، و منزل وحی مقفر العرصات...
قفا نسأل الدّارالتی خفّ أهلها،
متی عهدها بالصوم والصّلوات؟
وأین الألی شطّت بهم غربة النوی
أفــانین فـی الآفــاق مـفترقات
هم أهل میراث النبی إذاعتزلوا و
هم خیر قادات و خیر حماة...
جاء فی معجم الأدباء: « قصیدته التّائیة فی أهل البیت من أحسن الشعر و أسنی المدائح ، قصد بها أبا علّی بن موسی الرّضا بخراسان فأعطاه عشرة آلاف درهم و خلع علیه بردة من ثیابه... و یقال إنه كتب القصیدة فی ثوب و أحرم فیه و أوصی بأن یكون في أكفانه.»
4ــ قیمة شعره:
دعبل نزّاع أبدا الی البادیة بأسلوبه، و كلامه علی حدّ قول البحتری « أدخل في كلام العرب من كلام مسلم بن الولید، ومذهبه أشبه بمذاهبهم.»
و دعبل ذو قریحة فیّاضة، توسل الشعر ممتثلا بالسلاسة و الإنسجام و السهولة ، و هو ذو حیویّة نبّاضة تبعث فی شعره حیاة و حركة . و هو، علی تبدّیه ، لا یهمل فی شعره جانب التصنیع ، فیعمد الی البدیع و یوشّی به أقواله فی اقتصاد واتزان.
دعبل الخزاعی و مكانته الادبیة و الشعریة
لا یزید ما تبقی فی أیدینا من شعر دعبل بن علی الخزاعی الی الیوم عن الالف بیت و هو قدر ضئیل إذا قیس الی مجموع شعره الذی صنعه فی نهایات القرن الثالث و اوائل القرن الرابع صائع الدواوبین المعروف ابوبكربن یحیی الصولی ( ت 220 هـ )، فی ثلاثمائة ورقة علی ما یقول ابن الندیم صاحب الفهرست (227)، عدّة أبیاتها نحو من عشرة آلاف بیت. و اكثر ما تبقی منها الیوم مقطعات قومه من الیمانیة ، و استثنینا معهما قصائد اخری قلیلة لا یبعد أن یكون بعضها اجتزئ اجتزاء من الدیوان أو نقل من الختیار الذی صنعه ابن طیفور احمد بن أبی طاهر (ت: 280هـ) فی النصف الثانی من القرن الثالث ، أو إجتزئ منه ایضا. و نرجح ان تكون نسخة من نسخ الدیوان الذی صنعه الصولی ، غیر بعیدة من حیاة دعبل التی انتهت فی منتصف القرن الثالث (246هـ)، انتهت الی صلبه، مع نسخة من كتابه المعروف (طبقات الشعراء). وأشار إلیهما فهرس الكتب الذی ضمّ ما یقرب من اسماء الف كتاب انتخبها صانعه المجهول، لخرم وقع في اولی صفحاته، مما وجده في خزائن الكتب بحلب أواخر القرن السابع (694هـ) و سمّاه (المنتخب مما في خزائن الكتب بحلب)، ونشره أحد المستشرقین في القاهرة (paulslath) سنة1945 م و لا یبعد كثیرا فی رأینا أن نقع علی هذه النسخة من الدیوان، فی یوم من الایام ، في إحدی خزائن الكتب، في الشرق أو الغرب، وقد نقع معها علی نسخة كتابه في (طبقات الشعراء). و حینذاك ینفع المجموع الذی صنفّناه في هذا القرن من شعر دعبل،و من مقطّعات كتابه (طبقات الشعراء) فی التوثیق و الموازنة. فأما الیوم فلا مفرّ من أن نكتفی بهذا القدر المجموع من شعر الإشارات التی نقع علیها فی مصادرنا الأدبیة، إلی كتابه الآخر ( الواحدة فی مناقب العرب و مثالبها ).
في درس هذا الشاعر و فی تحدید مكانته الادبیة و الشعریة بین أدباء العرب و هو موضوع كلامنا الیوم علی أننا ینبغی ــ لمّا نذكر من ضیاع شعره و كتبه ــ أن نتحوّط في أحكامنا، و إن كنا بصورة عامة نقترب فیها كثیرا من احكام القثدامی الذین كان مجموع شعر الشاعر و كتبه في أیدیهم . ومن هنا تكتب بعض احكام القدامی اهمیتها فی الدرس الیوم.
بما یجعلنا علی نحوما ــ نطمئن الی صواب أحكامنا، أو إلی قربها من الصواب، و لكنا مع ذلك ، نرید نتجاوز إلی أحكام اعم في تحدید مكانة الشاعر من شعراء العرب في القدیم ، و في ما یمكن أن یؤدیه هو و شعره لحیاتنا من النضج الأدبي و الإجتماعی و السیاسي جمیعا، فإنا الیوم و نحن فی مرحلة من أقسی مراحل تاریخنا مند ظهور الإسلام الی الیوم، احوج ما نحتاج إلی من یعلمنا الصبر علی النضال و التمسك بالحق و التضحیة في نصرته بما هو أغلی من الحیاة، یأمن النفس و سكینتها و استقرارها علی نحو ما فعل دعبل الخزاعی للفوز بما هو أغلی من الحیاة ایضا: كرامة الإنسان و سلامة الضمیرو شرف العقیدة.
ثم إننا في حاجة الی أن نتعلم الیوم أنّ للمعارضة في إطار كلّ نظام سیاسي و اجتمعاعي، الحقّ في ان یكون لها صوتها، و أن تمتلك القدرة علی نقله الی الناس، و أن یسمعه الناس منا آمنین علی أرواحهم و اموالهم و حریاتهم . ثم أن یكون لهم الحق بعدها في أن یختاروا مذاهبهم في التفكیر و التعبیر المشروع عنها. و هو ما قضی دعبل حیاته فی الدفاع عنه، مطاردا مشرّدا في الآفاق، یحمل خشبته علی كتفه ــ كما قال ــ لا یجد من یصلبه علیها. ثم إنّ في شعر دعبل من قوة الروح، و حرارة التفكیر، و سطوع الوجدان و قدرة التأمل في الاشیاء و جمال تصویرها، و التعبیر عنها، و عن المعانی و القیم التي الداره علیها، ما نغنی به ثقافتنا الی الیوم، و نجمل حیاتنا، و نمدّ آفاقها الی حیث تلامس ضمیر كلّ البشریة التي تدافع بشرف عن مستقبل الانسان. و فی كتبه من المعرفة بالشعر و طبائع الناس و اختلاف الاقوام ما یضاف إلی ثروتنا الثقافیة ، و یزید من معرفتنا بأنفسنا. من هذا الذی قلنا یقع تحدید مكان دعبل ، و مكان شعره و أدبه، من ادب العرب و أدبائهم . لقد عاش دعبل ما یقرب من قرن كامل « من منتصف القرن الثانی الی منتصف القرن الثالث»، في أزهی عصور بنی العباس ، و هو العصر الذی بدأ فیه العرب ینتقلون من طور الترجمة ؛ ترجمة ثقافات الامم التی خالطوها، الی طور التمثل و النظر.
وبدأ علماؤهم و نقادهم یجمعون معارفهم العلمیة و النقدیة في رسائل و كتب أنشئت المكتبات الضخمة لا حتوائها و تنظیمها، و نشأت تیارات فكریة، و مذاهب فلسفیة تحاول أن توفق بین العقل و الدین، بین ما تدعو الیه الحیاة المتطورة، و ما یملیه الوحي. بین ما تقود الیه الحضارة المزدهرة من یقظة الحواس، و ما تلزم به أخلاقیات الدین من التماسك و التعفف و الزهد في متع الحیاة و لذائذها، و شهوات الجسم التی تیسّر لها سبل الإشباع في هذا العصر علی كل وجه.
یستوی في التأثر النسبي بهذا المناخ الحضاري: الحاكم و المحكوم علی السواء، و العالم و الجاهل و الغنی و الفقیر و یكون الشاعر بحكم تكوینه أشدّ تأثرا به، و أقدر علی التعبیر عن متناقضاته. ابونواس مثلا في هذا العصر ، و بشهادة شعره أیضا العالم بالحدیث و التفسیر، و المطلع علی التاریخ و سیر رجاله و أنبیائه ، وعلی مجمل مقولات العصر الفكریة و الفلسفیة ، و تراث العرب الادبي. و خلیفة مثل المأمون مثلا حیّ الفكر، بالغ الحرص علی التوحید في رأیه، بالغ الحرص علی هیبة الخلافة و مكانتها ، و منشی دار الحكمة، و منشّط الثقافات و رأعیها، یدخل علیه أحد شهود العیان ــ في قول ابي الفرج: الأغاني 19 / 128 ــ فیری بین یدیه ــ فی أحد الأعیادــ عشرین و صیغة ، قد تزنرن و تزین بالدیباج، و علقن في أعناقهن صلبان الذهب، و في أیدیهنّ أغصان الزیتون. فلم یزل المأمون ــ في قول شاهد العیان ــ یشرب، و الوصائف یرقصن بین یدیه حتی سكر، فأمر أن ینثر علی الجواری ثلاثة آلاف دینار! فدعبل أبن هذا العصر بمجمل تیاراته ، و مذاهبه الفكریة و الأخلاقیة و تقالیده الإجتماعیة و الثقافیة: إطلع علی تراث العرب، كما اطلع علیه الشعراء في عصره. و ألّف في الأدب و غیره كتابا، كما ألف بعض معاصیره من الشعراء ( مثل أبي تمام و البحتري ). و تكسب بالشعر في بعض مراحل حیاته، كما تكسب غیره في بلاط العباسیین ، و إن لم یحفظ التاریخ بعض مدائحه فیهم و شهد ــ بشهادة شعره هنا ــ مجالس اللهوو العبث و الشراب، و وصف الخمرة و صفا قریبا من وصف شعرائها في هذا العصر، و في غیره. و دافع عن قومه من الیمنیة و هجا المضریة ، علی نحو ما فعل كثیر من شعراء العصر. و دعته الحاجة، كما دعت بعضا من الشعراء الی اخافة الناس، و تمزیق حرماتهم و العبث بأنسابهم ، لیدفعهم الی البذل و المسارعة الی العطاء. و تبذل في الهجاء أحیانا، تبذیلا مروّعا، لم یرع فیه قیمة من القیم الإجتماعیة، نحو ما فعل مع ابن وهب و القاضی ابی دوّاد ( انظر شعر دعبل ــ فهرس الأعلام ): و كان یمكن أن یقف دعبل عند هذا الحدّ، و احدا من شعراء العصر الذین أحسنوا المدیح لنفع أنفسهم ، و كان یمكن أن یقف دعبل عند هذا الحدّ، واحدا من شعراء العصر الذین أحسنوا المدیح لنفع أنفسهم، و احسنوا الهجاء، وأمعنوا فیه ، و مضوا علی سنّة الشعراء المجیدین في الوصف و رثاء الاهل و الاصدقاء، و الفخر بأنفسهم و بشعرهم و أقوامهم و الدفع عنها ، و مداعبة بعض الكتّاب و الجیران و شكوی الزمان و عذر الاخوان. و الزهو بأتققان أداته الشعریة (اللغة) و وعي غریبها، و الاطلاع علی مناقب قومه، و المبالغة فیها و بما أشاعت من أساطیر تاریخها، و علی مثالب خصومهم ، و التزید فیها، و خلطها بروایات التاریخ و بعض كتب الادیان. كان یمكن أن یقف دعبل عند هذا الحد لولا تمیّز و أفرده من شعراء العصر علی نحو مثیر، و أفردوه ــ مع شعراء قلیلین ــ من شعراء العرب قاطبة علی مدی العصور. هذا التمییز هو الایمان بحق آل البیت (ع) المهدور، و بما حاق بهم من ظلم الامویین و العباسیین و عمالهم ، و ملاحقتهم و تشریدهم ، و تقتیل ساداتهم بالسیف احیانا و بالسمّ احیانا أخری، و تعلیق رؤوسهم و جثثهم علی الاعواد، أو الطواف بها في انحناء الدولة.
هذا الإیمان هو الذی رفع الشاعر في تاریخ الادب العربی الی مرتبة شعراء القصائد المضطهدة، و رفع شعره الی مرتبة الدعوات ذات المحتوی الانسانی الباهر الاثر فی تاریخ الكفاح من أجل العدالة، و صدق السلوك، و جدارة الحاكم، و إستقامة معنی الحكم. سواء بعدها أن یكون الذی أوقف الشاعر ــ في رأینا ــ موقفه التاریخی هذا میل الی التمرد علی كل نظام سائد، بحكم تكوینه النفسي ، كما یقول البعض ( العقاد: مراجعات في الفن و الآداب و الفنون 164 )، أو النهوض الی نصرة المظلوم و احقاق الحق فی رأیه، و الاتزام بشرع الله ، فانّ ذلك یظل اجتهادا في الرأی تسوق الیه جملة من اخبار الشعر التی نقلتها الروایات الینا و نحن نری أن نلتزم شعر الشاعر في مثل هذه الأحكام، فهو الوثیقة الحیّة التي لا یسهل تحریفها، أو تزویرها. و شعره الذي یصور موقفه من نظام العصر السیاسي ، ما اصاب آل البیت (ع) فیه ، و فی ما تقدمه من العصور لم تمله نفس فطرت علی التمرد، أو جبلت علی الشر، و قطع الطریق علی الناس، كما تقول بعض مصادرنا الأدبیة، ولكن تملیه نفس مرهفة مستوحشة مأزومة، تفتقد العدل و تستشعر جبروت الباطل و قدرته علی البطش و التنكیل، و تنكره لمعانی الرحمة، و التعفف عن أذی النفوس التی تعجز عن مواجهة الشر بالشر، لأنها تتمسك بأخلاق النبوات و تقالید حملة الرسالات ، فتصبر علی الآذیة ، و تعف عن الثأر:
ألم ترأنّي مذثلاثون حجة
أروح و أغدو دائم الحسرات؟
أری فیئهم في غیرهم متقسما و
أیدیهم من فیئهم صــفرات
فال رسول الله نحف جسومهم
و آل زیـاد غلــظ الفــقرات
بنات زیاد في القصور مصونة
و آل رسول الله في الفلوات
إذا وترو امدّوا الی واتریهم أ
كفا عن الاوتار منقبضات
يتبع