مشاهدة النسخة كاملة : من مخازي عثمان الخميس 1
المسلم المؤدب
26-07-2010, 01:46 PM
ادعاءات الشيخ عثمان الخميس
حول واقعة الطف وبطلانها
ذكر الشيخ عثمان الخميس جُملة مِن الاعتراضات والإشكالات حول واقعة الطف، وأثار حولَها الكثير من الأكاذيب والأباطيل التي لا يقول بِها إلا مَن أعمى الهوى بصيرته، بل ادَّعى ادعاءات زاعمًا صحة أسانيدها التاريخية، متبعًا في ذلك كله أسلوب التجريح والتزوير والتكذيب والتشكيك والتدليس ـ وهذه هي بضاعته ـ، وسوف نثبت للملأ ـ بتوفيق وتسديد من الله جل شأنه ـ أنَّ كل ما أتى به مطعون فيه سواء من حيث السَّند أم من جهة الدلالة، وأنَّ ادَّعاءاته ما هي إلا كذب وانتحال لا أصل لَها، وأنَّ ما استدل واستشهد به لا يُمكن وصفه بالدليل العلمي ولا بالبَرهان المنطقي، لأنه مُخالف لآداب الرد وعُرف النقد وقواعد المناظرة فلا يقتضي علمًا ولا عملاً، بل هو أوهَن مِن بيت العنكبوت، حيث شحن كتابه بعبارات القدح والقذع، وأودع فيه تحاملاته ومقالاته الجوفاء التي لَم نجد فيها ردًّا ولا تفنيدًا ولا دحضًا ولا تدليلاً، وهذا ما سيعرفه القارئ في الصفحات الآتية وفي مطاوي نقضنا لِمزاعمه في هذا الكتاب.
الادعاء الأول
أن يزيد بن معاوية ليس فاسقًا
يقول الشيخ عثمان الخميس صاحب كتاب " حقبة من التاريخ " ص101 ما نصُّه: (فالفسق الذي نسِب إلى يزيد في شخصه كشرب خمر أو ملاعبة قردة كما يقولون أو فحش أو ما شابه ذلك لَم يثبت عنه بسند صحيح فهذا لا نصدقه والأصل العدالة..).
أقول: يظهر أن هناك بعض الأيادي الأموية حرَّكت الشيخ عثمان الخميس للدفاع عن يزيد بن معاوية، لذا نراه ينكر فسقه ولا يصدقه بل يدعي عدالته، في حين أن المتسالَم عليه عند علماء الشيعة قاطبة وعند كثير من علماء أهل السنة ثبوت كُفر يزيد بن معاوية ـ فضلاً عن فسقه وعدم عدالته ـ.
فقد نقل السيوطي والذهبي أن عبد الله بن حنظلة قال ـ في وصف يزيد بن معاوية ـ: (إنه رجل ينكح أمهات الأولاد، والبنات، والأخوات، ويشرب الخمر، ويدَع الصلاة) ( السيوطي: تاريخ الخلفاء ـ ص167. وانظر الذهبي: سير أعلام النبلاء ـ ج3 ص324. وأيضًا ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص449و450. وأيضًا ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ـ ج6 ص19 )
وقال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء ـ ج4 ص37و38: (وكان ناصبيًّا، فظًّا، غليظًا، جلفًا، يتناول المسكِر ويفعل المنكر، افتتح دولته بِمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرَّة، فمقتَه الناس، ولَم يبارَك في عمره، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين..) .
وقال عنه أيضًا ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج4 ص440 ـ ردًّا على ما زعمه عثمان الخميس بأن الأصل فيه العدالة ـ: (مقدوح في عدالته، ليس بأهل أن يُروَى عنه..)
وجاء في تاريخ ابن الجوزي المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ـ ج5 ص322: (أنَّ الإمام أحمد سُئِل: أيُروَى عن يزيد الحديث؟ فقال: لا، ولا كرامة) .
ولِهذا قال الشوكانِي في نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار ـ ج7 ص176: (أفرط بعض أهل العلم كالكرامية ومَن وافقهم في الجمود.. حتى حكموا بأن الحسين السبط رضي الله عنه وأرضاه باغٍ على الخمير السكير الهاتك لحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم الله..) .
وقال التفتازانِي: (والحق أنَّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، مِمَّا تواتر معناه، وإن كان تفصيله آحادًا.. فنحن لا نتوقف فِي شأنه، بل فِي
كفره وإيمانه، لعنة الله عليه..) (ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص123).
وقد نقل ابن خلكان في ( وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ـ ج3 ص287 ) وصف الفقيه الشافعي الكيا الهراسي ليزيد بن معاوية بقوله: (.. وهو اللاعب بالنرد، والمتصيِّد بالفهود، ومُدمِن الخمر، وشِعره في الخمر معلوم..) .
وذكر ابن كثير في (البداية والنهاية ـ ج8 ص 185) أنه كان في يزيد (إقبال على الشهوات، وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات، وإماتتها في غالب الأوقات) .
وقال المنذر بن الزبير ـ عن يزيد بن معاوية ـ: (والله إنه لَيشرب الخمر، وإنه ليسكر حتى يَدَع الصلاة) (ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ـ ج6 ص7. وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص450. وأيضًا الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص350و351. وأيضًا ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص173 ).
ومع أنَّ ابن كثير ـ في تاريخه ـ قد نصب نفسه مُحاميًا ومدافعًا عن يزيد بن معاوية إلا أنه لَم ينكر فسقه ـ كما أنكره عثمان الخميس ـ، حيث نص على أنه فاسق بقوله في البداية والنهاية ـ ج8 ص186 : (بل قد كان فاسقًا) .
قال ابن الأثير في الكامل في التاريخ ـ ج3 ص465: (قال عمر بن سبيئة: حج يزيد في حياة أبيه، فلما بلغ المدينة جلس على شراب له..)
وجاء في تاريخ ابن كثير البداية والنهاية ـ ج8 ص183 أنه (كان يزيد في حداثته صاحب شراب، يأخذ مأخذ الأحداث..) .
وقال ابن تيمية في منهاجه (منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ـ ج2 ص253)ـ المعوَج ـ: (ولِهذا قيل لأحمد: أتكتب الحديث عن يزيد؟ قال: لا، ولا كرامة، أوَ ليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل).
أقول: هذه بعض آراء علماء أهل السنة في يزيد بن معاوية، كلها تصرِّح بفسقه وعدم عدالته، بل وكفره أيضًا، ذكرناها ليَرى كل منصف أنَّ الشيخ عثمان الخميس ليس لديه هَمٌّ سوى الدفاع عن أعداء أهل البيت عليهم السلام وإنكار الثابت عند المسلمين.
أما ما نقله (عثمان الخميس: حقبة من التاريخ ـ ص101) من أنَّ مُحمد بن الحنفية مدح يزيد بن معاوية ونفى عنه شرب الخمر وترك الصلاة ، فالمفروض أن يذكر لنا " الشيخ " سَند الرواية، لنرى مبلغ صحتها ومدى وثاقة رجال إسنادها، لا أن يحتج بِها مكتفيًا بنقل ابن كثير لَها في تاريخه، وذلك لأن ابن كثير نفسه لَم يذكر سَند الخبَر، أي أنه روى خبَرًا مرسلاً، والمرسل ـ كما هو معلوم ـ لا يَجب العمل به ولا النزول عليه.
المسامح
26-07-2010, 02:16 PM
السلام عليكم
احسنتم بارك الله بكم
وعثمان الخميس يقول لم يثبت بسند صحيح
وهو يستشهد باشياء لا اسناد لها
قمة التناقض...................
تحياتي والسلام عليكم
المسلم المؤدب
26-07-2010, 02:57 PM
الادعاء الثاني
أن الصحابة حاولوا مَنع الحسين عليه السلام مِن الخروج
يقول الشيخ عثمان الخميس في حقبة من التاريخ ص107: (وكان كثير مِن الصحابة قد حاولوا منع الحسين بن علي من الخروج وهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن الزبير ومُحمد بن الحنفية) .
أقول: إنَّ الشيخ المتخبِّط عثمان الخميس خَلَط بين أمرين، ولَم يُميِّز الفرق بينهما، فالمتأمِّل في النصوص التاريخية يَجد أن الصحابة لَم يَمنعوا الحسين عليه السلام من الخروج على يزيد بن معاوية والثورة عليه، ولَم يعارضوه في ذلك كما لَم ينهوه عن الخروج، ويدل على ذلك أمران:
الأمر الأول: أن الصحابة كانوا يعرفون أن الحسين عليه السلام سيد شباب أهل الجنة ، وأنه ريحانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه مِن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورسول الله منه، وهذه المراتب أعطِيت له مقابل عبادته وعمله وجهاده عليه السلام، فمَنع الصحابة له ومعارضتهم إياه يتنافَى مع المقام الذي جعله الله سبحانه فيه.
الأمر الثانِي: أن هؤلاء الصحابة كانوا على عِلم باعتناء الله تبارك وتعالى بقضية الحسين عليه السلام، وأنه تعالى سينتقم لِمقتله، كما أنهم على معرفة ودراية بإخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بِمقتل الحسين عليه السلام وببكائه المتكرر عليه، ورؤيته لتربته، وأن الحسين عليه السلام مقتول لا مَحالة، وهم الذين رووا هذه الأخبار، فهل يصح في منطق العقل السليم أن يَمنعونه من الخروج الذي أخبَرهم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعارضونه وينهونه عنه، وهم يعلمون بإخبار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن مقتله؟
ولو سلَّمنا ـ جدلاً ـ بأن بعض الصحابة عارضوا الحسين عليه السلام وحاولوا منعه من الخروج، فالمفروض أن يُرجَّح رأي الحسين عليه السلام، لا رأي غيره، كما أن الواجب على الصحابة أن يطيعوه وينصروه، لأنه سيد شباب أهل الجنة والإمام ـ بنص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ
إنَّ المتتبِّع لِمقدِّمات واقعة الطف يلاحظ جيِّدًا بأن بعض الصحابة قدَّموا نصائح للإمام الحسين عليه السلام خوفًا وشفقة عليه من القتل، وعلى اعتبار أن أهل العراق أهل غدر وخيانة ونفاق، ولَم يعارضوه أو ينهوه أو يَمنعوه مِن الخروج، وإنما عرضوا عليه بدائل أخرى.
ولكن الذي يُؤسَف له هو أن الشيخ عثمان الخميس لا يُفرِّق بين النصيحة وبين المعارضة والنهي والمنع، ولا يُميِّز بين الأمرين، فلم يستطع أن يفهم كلمات هؤلاء الصحابة ولا أن يستوعِبها، فظن أنهم عارضوا الحسين عليه السلام في خروجه ونهوه وحاولوا منعه.
وفيما يلي نستعرض نصائح الصحابة التي نقلها في كتابه " حقبة من التاريخ " ونناقشها بإيجاز:
أولاً: نصيحة عبد الله بن عباس
نقل الشيخ عثمان الخميس قول ابن عباس ـ مخاطبًا الحسين عليه السلام لَمَّا أراد الخروج ـ: (لولا أن يزري بِي وبك الناس لَشبثت يدي في رأسك فلم أتركك تذهب) .
أقول: ليت الشيخ عثمان الخميس أكمل قول ابن عباس لِيعرف الجميع الموقف الحقيقي الذي اتخذه هذا الصحابِي إزاء خروج الحسين عليه السلام، فالشيخ عثمان الخميس فضَح نفسه من خلال عدم إكماله للنص التاريخي، فكشف للعام والخاص عدم أمانته في نقل النصوص، حيث أورد العبارة التي توافق أهواءه وميوله الأموية، ولَم يكمل بقية الفقرة.
وإليك أخي القارئ قول ابن عباس كما ورد في مصادر التاريخ كاملاً غير منقوص.
روى ابن كثير في البداية والنهاية ـ ج8 ص128 عن ابن عباس أنه قال: (استشارنِي الحسين بن علي في الخروج، فقلت: لولا أن يزري بِي وبك الناس لنشبت يدي في رأسك، فلم أتركك تذهب، فكان الذي رد علَي أن قال: لأن أقتَل في مكان كذا وكذا أحب إلَي من أن أقتَل بِمكة، قال: فكان هذا الذي سلَّى نفسي عنه) .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ـ ج9 ص195: (رواه الطبَرانِي ورجاله رجال الصحيح) .
أقول: إنَّ هذا الخبَر يدل بشكل واضح وصريح على إقرار ابن عباس لخروج الحسين عليه السلام واستسلامه لرأيه، كما يدل على أن بني أمية كانوا عازمين على قتله عليه السلام، وأن السبب الذي دعاه إلى الخروج من مكة هو حِرصه على أن لا يُستحَل الحرم.
ويؤكِّد ذلك ما رواه ابن الأثير (الكامل في التاريخ ـ ج3 ص400 ) والطبَري : ( تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص295 و296 ) من أنه عليه السلام قال: (والله لأن أقتَل خارجًا منها ـ أي من مكة ـ بشِبر أحب إلَي من أن أقتَل فيها، ولأن أقتَل خارجًا منها بشِبرين أحب إلَي من أن أقتَل خارجًا منها بشِبر) .
وما رواه ابن كثير ( البداية والنهاية ـ ج8 ص132) من قوله عليه السلام: (لأن أقتَل بِمكان كذا وكذا أحب إلَي من أقتل بِمكة وتُستحَل بِي).
وبِهذا يتبيَّن فساد ما زعمه الشيخ عثمان الخميس، مِن أنَّ ابن عباس
حاول منع الحسين عليه السلام وعارضه ونهاه عن الخروج.
ثانيًا: نصيحة عبد الله بن عمر
يقول الشيخ عثمان الخميس في (حقبة من التاريخ ـ ص107): (قال الشعبي: كان ابن عمر بمكة فبلغه أن الحسين قد توجَّه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاث ليالٍ فقال: أين تريد؟ قال: العراق.. قال ابن عمر: لا تأتِهم، فأبَى الحسين إلا أن يذهب، فقال ابن عمر: إنِي مُحدثك حديثًا إن جبريل أتَى النبي صلى الله عليه وسلم فخيَّره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولَم يُرِد الدنيا..) .
أقول: إنَّ هذا الخبَر لا يُمكن الوثوق به، لأن في سنده " شبابة بن سوار " وهو من المرجئة، قال ابن حجر العسقلاني ( تهذيب التهذيب ـ ج2 ص474و475) في ترجمته: (قال أحمد بن حنبل: تركته لَم أكتب عنه للإرجاء.. وقال ابن خراش: كان أحمد لا يرضاه.. وقال العجلي: كان يرى الإرجاء.. وقال أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل: كان يدعو إلى الإرجاء، وحكى عنه قول أخبث من هذه الأقاويل..).
كما ذكره الذهبِي في ميزانه ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج2 ص260) وقال عنه: (قال أحمد بن حنبل: كان
داعية إلى الإرجاء، وقال أبو حاتم: لا يُحتَج به.. وروى أحمد بن أبِي يَحيى عن أحمد بن حنبل قال: تركت شبابة للإرجاء، قيل له: فأبو معاوية كان مرجئًا، قال: كان شبابة داعية) .
وعلى فرض صحة الخبَر، فإنه ليس غريبًا على ابن عمر أن ينصح الحسين عليه السلام بعدم الخروج والثورة على يزيد بن معاوية، ويتَّهمه بأنه يريد الدنيا، وذلك لأن ابن عمر كان يسير على منهج الخضوع للحاكم الجائر، وكان مبدؤه هو تثبيت إمامة الفسقة والفجَرة وقبولُها، وهذا التاريخ يحدثنا بأن ابن عمر امتنع عن مبايعة أمير المؤمنين علي بن أبِي طالب عليه السلام، بالرغم من مبايعة الصحابة وغالبية الأمة له، لكنه بايع معاوية بن أبِي سفيان، ثُم يزيد بن معاوية، بل وحتى عبد الملك بن مروان، ولِهذا أصبح ابن عمر إمامًا للجماعة وفقيهًا بارزًا في دولة بني أمية.
روى البخاري في صحيحه ( ج9 ص690) عن نافع أنه قال: (لَمَّا خَلَع أهل المدينة يزيد بن معاوية، جَمَع ابن عمر حشمه وولده فقال: إنِي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يُنصَب لكل غادر لواء يوم القيامة، وإنا قد بايعنا هذا الرجل ـ يعني يزيد بن معاوية ـ على بيع الله ورسوله، وإنِي لا أعلم غدرًا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله، ثم ينصِب له القتال، وإنِي لا أعلم أحدًا منكم خَلَعَه ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه) .
وروى في صحيحه أيضًا( ج9 ص724) عن عبد الله بن دينار قال: (لَمَّا بايع الناس عبد الملك ـ أي عبد الملك بن مروان ـ، كتب إليه ابن عمر: إلَى عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين، إنِي أقر بالسمع والطاعة.. على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت، وإن بني قد أقروا بذلك) .
أما الحسين عليه السلام فيختلف منهجه اختلافًا كُليًّا عن موقف ومنهج ابن عمر، حيث كان عليه السلام يعتقد ويفضِّل بأن يُراق دمه، ويُقتَل هو وأولاده وأصحابه، وتسبَى نساؤه، بدلاً من أن يبايع يزيد بن معاوية ويعطي الشرعية لخلافته، فكان موقفه عليه السلام يتجلَّى في رفض الفساد والظلم، والسعي للإصلاح.
ولِهذا كان من الطبيعي والمتوقع أن لا يعبأ عليه السلام بنصيحة ابن عمر المخزية، ولا يعتد بِموقفه السيء المتخاذل، فلم يَخرج عليه السلام طلبًا للدنيا ـ كما اتهمه ابن عمر ـ، بل كان خروجه من أجل نيل الشهادة وتحصيل رضا الله عز وجل.
وعلى كل حال، فإن المستفاد من نصيحة ابن عمر ـ على فرض ثبوتِها ـ أنه كان مشفقًا على الحسين عليه السلام لأنه يعلم بغدر أهل العراق
وعدم ثباتِهم على موقفهم، لا أنه عارضه ومنعه ونهاه عن الخروج والثورة ـ كما زعم ذلك الشيخ عثمان الخميس ـ.
ثالثًا: نصيحة عبد الله بن الزبير
ذكر الشيخ عثمان الخميس في (حقبة من التاريخ ـ ص107) أن عبد الله بن الزبير قال للحسين عليه السلام: (أين تذهب؟! تذهب إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك، لا تذهب. فأبَى الحسين إلا أن يخرج) .
أقول: نعوذ بالله من شطحات المجانين، ونستجير به من هَذي النواصب والشياطين، فالشيخ عثمان الخميس يُحاول أن يَملأ كتابه بروايات توافق هواه ودعواه، حتى ولو كانت ضعيفة ومُخالفة لِما تسالَم عليه أرباب التاريخ، فهو يَنقل أن ابن الزبير نهى الحسين عليه السلام عن الخروج، مع أن الرواية في سندها " عبد الله بن شريك "، قال عنه العسقلانِي في (تهذيب التهذيب ـ ج3 ص165و166): (.. وقال ابن عرعرة: كان ابن مهدي قد ترك التحديث عنه.. وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي.. وقال الجوزجانِي: مختاري كذاب.. وقال النسائي في خصائص علي: ليس بذاك.. وقال أبو الفتح الأزدي: من أصحاب المختار لا يُكتَب حديثه..)
بل إنَّ المصادر التاريخية تؤكد على أنَّ عبد الله بن الزبير كان يُصِر على الحسين عليه السلام بأن يخرج إلى العراق، ويحثُّه على ذلك، فقد روى ابن كثير في ( البداية والنهاية ـ ج8 ص 128) وكذا (ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص400) و(الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص295 ) أن ابن الزبير قال للحسين عليه السلام: (أمَا لو كان بِها مثل شيعتك ما عدَلت عنها، فلما خرج من عنده قال الحسين: قد علم ابن الزبير أنه ليس له من الأمر معي شيء، وأن الناس لَم يعدلوا بِي غيري، فود أنِي خرجت لتخلو له) .
ولَم يكتفِ ابن الزبير بذلك، بل لزم الحَجَر (وجعل يُحرِّض الناس على بني أمية، وكان يغدو ويروح إلى الحسين، ويشير عليه أن يقدِم العراق ويقول: هم شيعتك وشيعة أبيك) (ابن كثير في البداية والنهاية: ج8 ص130).
وقد علم ابن عباس بذلك، فخاطب ابن الزبير قائلاً: (قد أتَى ما أحببت، هذا الحسين يخرج ويتركك والحجاز، ثم تمثَّل:
خلا لك الجو فبيضي واصفري ... يا لك من قنبَرة بِمعمر
ونقري ما شئت أن تنقري)( السيوطي: تاريخ الخلفاء ـ ص165. وانظر ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص128و132.وأيضًا الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص295. وأيضًا ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ـ ج5 ص328 ).
والمتحصِّل أن عبد الله بن الزبير لَم يَنهَ الحسين عليه السلام عن الخروج،
ولَم يعارضه، ولَم يَمنعه، بل العكس حيث لَم يكن ناصحًا له، وإنَّما مؤيدًا ومُصِرًّا على خروجه عليه السلام، لا كما ادَّعَى الشيخ عثمان الخميس.
رابعًا: نصيحة أبي سعيد الخدري
نقل الشيخ عثمان الخميس في (حقبة من التاريخ ـ ص108) أن أبا سعيد الخدري قال للحسين عليه السلام: (يا أبا عبد الله إنِي لك ناصح وإنِي عليكم مشفِق قد بلغني أنه قد كاتبكم قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم فلا تخرج إليهم فإنِي سَمعت أباك يقول في الكوفة: والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملونِي وأبغضونِي وما يكون منهم وفاء قط ومن فاز بِهم فاز بالسهم الأخيب والله ما لَهم نيات ولا عزم على أمر ولا صبر على سيف) .
أقول: إنَّ هذه الرواية لَم تثبت بسند معتبَر، فقد رواها بعض الضعفاء والمتروكين، من أمثال " مجالد بن سعيد " الذي ذكره الذهبي في ميزانه ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج3 ص438) وقال: (قال ابن معين وغيره: لا يُحتَج به، وقال أحمد: يرفع كثيرًا مِمَّا لا يرفعه الناس، ليس بشيء.. وقال الدارقطني: ضعيف، وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد يضعفه، وكان ابن مهدي لا يروي عنه) .
وزاد ابن حجر كما في ( تهذيب التهذيب ـ ج5 ص372 ) في ترجمته لِمجالد: (.. وكان أحمد بن حنبل لا يراه شيئًا، وقال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: مجالد؟ قال: في نفسي منه شيء.. وقال أبو طالب عن أحمد: ليس بشيء.. وقال الدوري عن ابن معين: لا يُحتَج بحديثه، وقال ابن أبِي خيثمة عن ابن معين: ضعيف واهي الحديث.. وقال ابن أبِي حاتم: سُئِل أبِي: يُحتَج بِمجالد؟ قال: لا.. وقال ابن سعد: كان ضعيفًا في الحديث.. وقال ابن حبان: لا يَجوز الاحتجاج به) .
كما أنَّ أحد رواة الخبَر " يونس بن أبِي إسحاق "، وقد ورد في ترجمته كما في تهذيب التهذيب(ج6 ص273و274): (.. وقال صالِح بن أحمد عن علي بن المديني: سَمعت يحيى وذكر يونس بن أبِي إسحاق فقال: كانت فيه غفلة شديدة.. وقال الأثرم: سَمعت أحمد يضعف حديث يونس عن أبيه.. وقال عبد الله ابن أحمد عن أبيه: حديثه مضطرب.. وقال أبو أحمد الحاكم: ربَّما وهم في روايته) .
أما الذهبي فقد ذكره في الميزان (ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج4 ص483) وقال: (.. وقال ابن خراش: في حديثه لين، وقال ابن حزم في المحلى: ضعفه يحيى القطان وأحمد بن حنبل
جدًّا.. وقال أحمد: حديثه مضطرب) .
ولو فرضنا ثبوت الرواية، فإنها لا تدل إلا على شفقة أبِي سعيد على الحسين عليه السلام، واعتقاده أن أهل الكوفة لا وفاء لَهم، فأين المعارضة والنهي والمنع الذي زعمه الشيخ عثمان الخميس؟
والغريب أنَّ " الشيخ " لَم يذكر النص التاريخي لِمنع محمد بن الحنفية خروج الحسين عليه السلام ونَهيه له ومعارضته إياه، مِمَّا يدل على عدم وجود رواية صحيحة بِهذا الشأن، وعلى فرض وجودها، فإن حالَها كحال نصيحة أبِي سعيد الخدري، بمعنى أنها تُحمَل أنه نصح الحسين عليه السلام وقدَّم له بدائل أخرى، نظرًا لِشفقته عليه وعلمه بغدر أهل الكوفة.
افتراء الشيخ عثمان الخميس على عبد الله بن عمرو
ذكر الشيخ عثمان الخميس أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان من الذين حاولوا منع الحسين عليه السلام من الخروج على يزيد بن معاوية وعارضوه ونهوه عن ذلك.
ولَيتَه يُخبِرنا مَن هو العالِم الذي نقل هذا الخبَر؟ وفي أي كِتاب مِن كُتبِه؟ ومَن هُم رواته ورجال سنده؟ ولِماذا يا ترى لَم يذكر الشيخ عثمان الخميس كل ذلك؟
إنَّ كتب التاريخ تخلو من أي لقاء وحوار حصل بين الحسين عليه السلام وعبد الله بن عمرو، وهذا يدل على الكذب الصريح والاختلاق والتزوير الذي ارتكبه الشيخ عثمان الخميس.
ولو أنه تتبَّع وبَحث عن الحق، لَوجد أن عبد الله بن عمرو كان مِن المؤيدين لخروج الحسين عليه السلام، وكان يَحض الناس على الالتحاق بركبه.
روى الذهبِي كما في (سير أعلام النبلاء ـ ج3 ص293) عن الفرزدق ـ الشاعر المعروف ـ أنه قال: (لَمَّا خرج الحسين لقيت عبد الله بن عمرو، فقلت: إنَّ هذا قد خرج، فما ترى؟ قال: أرى أن تخرج معه، فإنك إن أردت دنيًا أصبتها، وإن أردت آخرة أصبتها..) .
قال الذهبي وفي نفس الجزء والصفحة ـ مُعَلِّقًا على هذه الرواية ـ: (هذا يدل على تصويب عبد الله بن عمرو للحسين في مسيره، وهو رأي ابن الزبير وجماعة من الصحابة شهدوا الحرة) .
أقول: هذه هي النصوص التاريخية، لا يوجد واحد منها يدل على أن الصحابة حاولوا منع الحسين عليه السلام من الخروج أو أنهم نهوه وعارضوه، بل كلها تدل إما على شفقتهم عليه وخوفهم من غدر أهل العراق، وإما على تأييدهم لخروجه عليه السلام.
هذا وقد أجاب سيد الشهداء عليه السلام على كل مَن نصحه، وذلك في الجواب الذي كتبه ردًّا على رسالة عبد الله بن جعفر الذي حذَّره مِن أهل العراق، حيث قال عليه السلام: (إنِّي رأيت رؤيا، رأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمِرت فيها بأمر أنا ماضٍ له، علَي كان أو لِي.. وما أنا مُحدِّث بِها أحدًا حتى ألقَى ربِّي) (ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص402. وانظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص297).
وفي رواية ابن كثير أنه عليه السلام قال: (إنِي رأيت رؤيا، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنِي بأمر، وأنا ماضٍ له، ولست بِمخبِر بِها أحدًا حتى ألاقي عملي) (ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص131و134. وانظر الذهبي: سير أعلام النبلاء ـ ج3 ص297 ).
وقد روى البخاري في (صحيحه: ج9 ص653 ) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (مَن رآنِي في المنام فقد رآنِي، فإن الشيطان لا يتمثَّل بِي..) ، فكيف إذا كان الرائي سبطه وريحانته من الدنيا وسيد شباب أهل الجنة، ألَن تكون الرؤيا صادقة؟!
فالحسين عليه السلام ثار وهو متيقن بأن الحق معه، مُمتثلاً أمر الله سبحانه، ويؤكد ذلك قوله عليه السلام للفرزدق الشاعر: (إن نزل القضاء بِما نحب فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء، فلم يَعتد مَن كان الحق نيته والتقوى سريرته) ( ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص401و402. وانظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص296. وأيضًا ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص133 ).
المسلم المؤدب
26-07-2010, 03:02 PM
الادعاء الثالث
أن الحسين عليه السلام أراد أن يَرجع
لكنه نَزَل على رأي أبناء مسلم بن عقيل
يقول الشيخ عثمان الخميس في (حقبة من التاريخ ـ ص108): (وجاء الحسين خبَر مسلم بن عقيل عن طريق الرسول الذي أرسله عمر بن سعد، فهَمَّ الحسين أن يرجع فكلَّم أبناء مسلم بن عقيل فقالوا: لا والله لا نرجع حتى نأخذ بثأر أبينا، فنزل على رأيهم) .
أقول: إن هذا الكلام لا يصح لعدة وجوه:
الوجه الأول: إنَّ هذه الرواية أوردها الطبَري في تاريخه، وفي سندها " خالد بن يزيد القسري "، وقد ذكره الذهبِي في " ميزان الاعتدال ج1 ص647" وقال: (سَاق له ابن عدي جُملة وقال: أحاديثه كلها لا يُتابَع عليها لا إسنادًا ولا متنًا.. وهو عندي ضعيف.. وقال العقيلي: لا يُتابَع على حديثه) ، وعليه فالرواية ضعيفة وغير معتبَرة.
الوجه الثانِي: إنَّ قول الشيخ عثمان الخميس: (فهَمَّ أن يرجع) غير صحيح إطلاقًا، إذ لا يُعقَل أن يتراجع الحسين عليه السلام عن موقفه
بِهذه السرعة، ويتزعزع رأيه ومبدؤه عند مواجهته لأول مشكلة، في حين أنه خرج وهو يعلم بشهادته وبِما سيجري عليه، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبَر بذلك وبكى مرارًا ـ كما تقدَّم ـ.
الوجه الثالث: إنَّ ما ينقله البعض مِن أنَّ الحسين عليه السلام شاوَرَ أبناء مسلم بن عقيل ـ لو سلَّمنا بصحته ـ، فإنَّ هذه المشاورة لَم تكن إلا من باب المواساة وما تقتضيه طبيعتها، فلو فرضنا أنهم لَم تكن لديهم نية مواصلة المسير، لَما تغيَّر موقف الحسين عليه السلام ومبدؤه، ولأقدَم على الشهادة والتضحية، فهو مِن أول الأمر يعلم أن مصيره القتل.
الوجه الرابع: لا يُمكن أن ينزل الحسين عليه السلام على رأي أبناء مسلم بن عقيل، لأنهم أتباعه وتحت أمره وقيادته، فهُم الذين يتبعون أمره ويخضعون لرأيه، لأنه إمامهم وسيدهم المطاع، والآمِر الناهي هو عليه السلام لا سواه.
المسلم المؤدب
26-07-2010, 03:05 PM
الادعاء الرابع
أن الحسين عليه السلام أراد أن يضع يَده في يَد يزيد بن معاوية
يقول الشيخ عثمان الخميس في (حقبة من التاريخ ـ ص109): (ولَمَّا وصل جيش عمر بن سعد كلَّم الحسين وأمره أن يذهب معه إلى العراق حيث عبيد الله بن زياد فأبَى، ولَمَّا رأى أنَّ الأمر جد قال لعمر بن سعد: إنِي أخيِّرك بين ثلاثة أمور فاختر منها ما شئت.. أن تدَعَني أرجع، أو أذهب إلى ثغر من ثغور المسلمين، أو أذهب إلى يزيد حتى أضَع يدي في يده..) .
أقول: مِن الواضح أن الشيخ عثمان الخميس يُفكِّر بغير عقله ويكتب بغير قلمه، وإلا فهل هناك عاقل يقول إن الحسين عليه السلام أراد أن يذهب إلى يزيد بن معاوية لِيبايعه؟ ألَم يخرج الحسين عليه السلام وهو رافض لِخلافة يزيد بن معاوية؟ ألَم يصطحب معه النساء والأطفال لِيثور على هذا الطاغية؟ ألَم يُخبِر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بِمقتل الحسين عليه السلام بكربلاء وبانتقام الله تعالى له؟ ألَم يبكيه أبوه أمير المؤمنين عليه السلام لَمَّا حاذَى نينوى وهو ذاهب إلى صفِّين؟ ألَم يتحدَّث الحسين عليه السلام نفسه عن حتميَّة قتله؟ أبَعد كل ذلك يريد الحسين عليه السلام أن
يذهب إلى الشام لِيضَع يده في يد يزيد؟ وهل هذه هي الكيفية السليمة لقراءة التاريخ عند الشيخ عثمان الخميس؟ وهل أصبح الحسين عليه السلام ساذجًا ـ والعياذ بالله ـ إلى هذه الدرجة في نظره؟
ثُم ما هذا المنطق الأهوَج الذي يتبنَّاه الشيخ عثمان الخميس، فهو يقول: (ولَمَّا رأى ـ أي الحسين عليه السلام ـ أنَّ الأمر جد، قال لعمر ابن سعد إنِي أخيِّرك بين ثلاثة أمور..) ، فهل كان الأمر عند الحسين عليه السلام هَزَلاً مِن المدينة إلى مكة وإلى طوال فترة مسيره، ثُم أصبح جدِّيًا في نظره بعد وصول جيش عمر بن سعد؟
أما الرواية التي عوَّل عليها الشيخ عثمان الخميس، فلا يُمكن الأخذ بِها، لأنَّ فيها " حجاج بن محمد " وهو أعور مخلط، قال عنه العسقلانِي في التهذيب ج1 ص446: (.. وقال إبراهيم الحربِي: أخبَرنِي صديق لِي قال: لَمَّا قدم حجاج الأعور آخر قدمة إلى بغداد خلط، فرأيت يحيى بن معين عنده، فرآه يحيى خلط فقال لابنه: لا تدخِل عليه أحدًا.. وذكره أبو العرب القيروانِي في الضعفاء بسبب الاختلاط) .
فمِن الممكن أن يكون كل من " حجاج بن مُحمد " و " عثمان الخميس " قد نقلا الرواية وهُما يَخلطان، وبالتالِي ستكون الرواية ساقطة عن درجة الاعتبار والحُجية.
وأما القول بأن الحسين عليه السلام أراد أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، فقول باطل يدل على ضحالة تفكير الشيخ عثمان الخميس وأنه كالأعور الذي لا يُبصِر ما يُحاذي عينه العوراء، فالحسين عليه السلام لَم يقبَل على الإطلاق أن يبايع يزيد بن معاوية، ويؤكد ذلك ما رواه الطبري وغيره مِن أن قيس بن الأشعث قال للحسين عليه السلام: (أوَلاَ تنزِل على حكم بني عمِّك ـ يقصد بني أمية ـ فإنهم لن يروك إلا ما تحب، ولن يصل إليك منهم مكروه، فقال الحسين:.. والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد) (الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص319. وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص419 وأيضًا ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص143) .
وجاء في تاريخ ابن كثير (البداية والنهاية ـ ج8 121): (ولَمَّا أخِذت البيعة ليزيد في حياة معاوية كان الحسين مِمَّن امتنع من مبايعته.. فلما مات معاوية.. صمَّم على المخالفة..) .
قال اليافعي في (مرآة الجنان وعبرة اليقظان ـ ج1 ص110): (وكان الحسين رضي الله تعالى عنه يفر عن مبايعة معاوية فضلاً عن مبايعة يزيد).
وقال السيوطي في (تاريخ الخلفاء ـ ص164) ـ مؤكدًا إصرار الحسين عليه السلام على رفض مبايعة يزيد ـ: (فأبَى الحسين وابن الزبير أن يبايعاه..) ، يقصِد يزيد.
وروى الطبَري في (تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص312) أن أبا مخنف قال: (فأما عبد الرحمن بن جندب، فحدثني عن عقبة بن سمعان قال: صحبت حسينًا، فخرجت معه مِن المدينة إلى مكة، ومِن مكة إلى العراق، ولَم أفارقه حتى قُتِل، وليس مِن مخاطبته الناس كلمة ـ بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله ـ إلا وقد سَمعتها، ألاَ والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون مِن أن يضَع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أن يسَيِّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنه قال: دعونِي فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس) .
على أن ابن الأثير في (الكامل في التاريخ ـ ج3 ص413) يروي أن الحسين عليه السلام قدَّم لأعدائه خيارين فقط، لا ثلاثة، وذلك في قول الحسين عليه السلام: (دعونِي أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه، أو دعونِي أذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير إليه أمر الناس).
وفي تاريخ " البداية والنهاية ج8 ص140": (عن عقبة بن سمعان قال: لقد صحبت الحسين من مكة إلى حين قتِل، والله ما من كلمة قالَها في موطن إلا وقد سَمعتها، وإنه لَم يسأل أن يذهب إلى يزيد فيضع يده إلى يده، ولا أن يذهب إلى ثغر من الثغور، ولكن طلب منهم أحد أمرين، إما أن يرجع من حيث جاء، وإما أن يَدَعوه يذهب في الأرض العريضة حتى ينظر ما يصير أمر الناس إليه) .
فكل هذه النصوص تفيد أن الحسين عليه السلام لَم يطلب مِن القوم أن يدَعوه يذهب إلى يزيد بن معاوية بالشام ليضع يده في يده ـ كما ادعى ذلك الشيخ عثمان الخميس ـ، وإنما عرَض عليه السلام عليهم أن يدَعوه يرجع إلى المكان الذي قَدِم منه أو أن يدَعوه يذهب في الأرض الواسعة.
ولِهذا وقف عليه السلام وخطب في الناس، مُبيِّنًا السبب الذي خرج مِن أجله، ومُعلِنًا استعداده واشتياقه للموت العزيز، فقال عليه السلام: (ألاَ ترون أن الحق لا يُعمَل به، وأن الباطل لا يُتناهَى عنه، لِيَرغب المؤمن في لقاء الله مُحِقًّا، فإنِي لا أرى الموت إلا شهادة، والحياة مع الظالِمين إلا برمًا) (الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص307. وانظر الطبراني: المعجم الكبير ـ ج3 ص115).
وهذه الرواية وإن لَم تصح وِفق قواعد الشيخ عثمان الخميس وأعداء أهل البيت عليهم السلام، إلا أنها صحيحة عند الشيعة وثابتة عندهم.
المسلم المؤدب
26-07-2010, 03:06 PM
الادعاء الخامس
أن الشيعة لا يذكرون أبَا بكر وعثمان ابنَي علي عليه السلام
وأبا بكر بن الحسن عليه السلام في الكتب والأشرطة
يقول الشيخ عثمان الخميس في حقبة من التاريخ ـ 114: (والعجيب.. أن مِمَّن قتِل بين يدي الحسين بن علي رضي الله عنه أبو بكر بن علي وعثمان بن علي وأبو بكر بن الحسن ولا تَجِد لَهم ذِكرًا عندما تسمع أشرطة الشيعة وتقرأ كتبهم التي ألِّفَت في مقتل الحسين حتى لا يُقال إن علي بن أبِي طالب سَمَّى أولاده بأسماء أبِي بكر وعمر وعثمان أو أن الحسين سَمَّى على اسم أبِي بكر وهذا أمر عجيب جدًّا منهم) ، أي مِن الشيعة.
أقول: يبدو لِي أن الكذب والتدليس، والتحريف والتلبيس، من العادات المتأصلة في عثمان الخميس، كما يبدو أنه لَم يطَّلع على الكتب التي صنفها علماء الشيعة حول سيرة الحسين عليه السلام ومقتله، ولَم يسمع الأشرطة التي تتضمن صفة مقتل الحسين عليه السلام وأهله، ولو أنه قرأ واستمع لَمَا ادَّعَى ادعاءه الفاسد، ولِهذا ندعوه إلى مطالعة كتب الشيعة التي تذكر استشهاد أبِي بكر وعثمان ابنَي الإمام علي بن أبِي طالب عليه السلام، وأبِي بكر بن الإمام الحسن عليه السلام، ومِن هذه المؤلفات:
كتاب " الإرشاد " للشيخ المفيد عليه الرحمة،
وكتاب " منتهى الآمال " للشيخ عباس القمي،
وكتاب " مقتل الإمام الحسين " للشيخ عبد الزهراء الكعبي،
وكتاب " مصائب آل مُحمد " للشيخ محمد الاشتهاردي،
وكتاب " مقتل الحسين " للسيد عبد الرزاق المقرَّم،
وكتاب " معالِم المدرستين " للسيد مرتضى العسكري،
وغير هذه الكتب.
كما أن اللازم على الشيخ عثمان الخميس أن يفهم جيِّدًا بأن ما نسبه إلى الشيعة يضحك المجانين، لأن الشيعة تعلَّموا من أئمتهم عليهم السلام أنَّ العداء ليس للأسماء والألقاب، وإنما للفِكر المنحرف، والمعتقد الباطل، والسلوك الضال.
فالعجيب ليس ما ذكَرَه، إنما العجيب هو أن يُصبِح الجَاهِل عثمان الخميس " عالِمًا "، ويكون له أتباع وأنصار، ولكننا نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإلى الله المشتكَى.
المسلم المؤدب
26-07-2010, 03:09 PM
الادعاء السادس
أن الروايات التي تفيد حدوث الكرامات
يوم مقتل الحسين عليه السلام كلها كذب
يقول الشيخ عثمان الخميس حقبة من التاريخ ـ 114: (وأما ما رُوِي مِن أن السماء صارت تمطِر دمًا أو أن الجُدر كان يكون عليها الدم أو ما يُرفَع حَجَر إلا ويوجد تحته دم أو ما يذبحون جزورًا إلا صار كله دمًا، فهذه كلها من أكاذيب وترهات الشيعة وليس لَها سند صحيح ولا حتى ضعيف وإنما هي أكاذيب تذكَر لإثارة العواطف) .
أقول: لا أدري لِماذا لا يتورَّع هذا الرجل عن الكذب والدَّجل وإنكار الثابت عند علماء المسلمين، ولا أدري لِماذا يَقرِن ـ في حديثه دائمًا ـ صفة الكذب بالشيعة، مع أن الشيعة أبَر وأتقى منه ومِن أسلافه الحاقدين، لأنهم تمسَّكوا بكتاب الله والعترة الطاهرة.
أما الروايات التي تنقل وقوع الكرامات في اليوم الذي قتِل فيه الإمام الحسين عليه السلام ـ والتي أنكر الشيخ عثمان الخميس وجودها ـ، فهي موجودة وثابتة وصحيحة، وإليك أيها القارئ بعضًا مِمَّا سجَّله علماء أهل السنة وصحَّحوه فِي كتبهم وأسفارهم، ليتضح لك كذب وبطلان
ما زعمه الشيخ عثمان الخميس.
أولاً: خَبَر (أن السماء أمطرت دمًا)
روى الطبَرانِي في (المعجم الكبير ـ ج3 ص113)عن أم حكيم قالت: (قتِل الحسين بن علي وأنا يومئذ جويرية، فمكثَت السماء أيامًا مثل العلقة) .
ورواه أيضًا الهيثمي في " مَجمع الزوائد ـ ج9 ص199" وقال: (رواه الطبَرانِي ورجاله إلى أم حكيم رجال الصحيح) .
وعن أم سالِم قالت: (لَمَّا قتِل الحسين مطرنا مطرًا كالدم على البيوت..) (الذهبي: سير أعلام النبلاء ـ ج3 ص312).
قال السيوطي في (الخصائص الكبرى ـ ج2 ص214): (وأخرج البيهقي وأبو نعيم، عن بصرة الأزدية قالت: لَمَّا قُتِل الحسين مطرت السماء دمًا، فأصبحنا وخباؤنا، جرارنا وكل شيء لنا ملآن دمًا) .
وفي رواية الذهبي في (سير أعلام النبلاء ـ ج3 ص312): (لَمَّا أن قُتِل الحسين، مطرت السماء ماء، فأصبحنا وكل شيء لنا ملآن دمًا)
وقال القسطلانِي في (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية ـ ج3 ص569): (وذكر أبو نعيم الحافظ في كتاب دلائل النبوة عن نضرة الأزدية أنها قالت: لَمَّا قتِل الحسين بن علي أمطرت السماء دمًا فأصبحنا وجبابنا وجرارنا مَملوءة دمًا) .
ثانيًا: خَبَر (أن الجُدر ظهر عليها الدم)
روى ابن جرير الطبَري عن حُصين قال: (فلما قتِل الحسين لَبثوا شهرين أو ثلاثة كأنما تلطَّخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع) (الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص300. وانظر ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص137 وأيضًا ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص442).
وقال السيوطي في (الخصائص الكبرى ـ ج2 ص216): (وأخرج أبو نعيم من طريق ابن لهيعة، عن أبِي قبيل قال: لَمَّا قُتِل الحسين احتزوا رأسه وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ، فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب سطرًا بدم: أترجو أمة قتلت حسينًا شفاعة جدِّه يوم الحساب)(وانظر ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص وأيضًا القسطلاني: المواهب اللدنية بالمنح المحمدية ـ ج3 ص568و569160).
أقول: أليست هذه الروايات الصحيحة موجودة في كتب أهل السنة المعتبَرة، وهي تثبِت أن السماء أمطرت دمًا، وأن الجُدران ظهر عليها
الدم بعد مقتل الحسين عليه السلام، فالواجب على الشيخ عثمان الخميس أن يلصِق تهمة الكذب بعلمائه، لأنهم رووا هذه الأخبار في مؤلفاتهم وصحَّحوها، لا أن يُنكر وجود الأحاديث ويَتهم الشيعة بالكذب وبإثارة العواطف.
ثالثًا: خَبَر (ما رُفِع حَجَر إلا ووُجِد تحته دم)
روى الطبرانِي في (المعجم الكبير ـ ج3 ص119)عن الزهري قال: (قال لِي عبد الملك بن مروان: أي واحد أنت إن أخبرتني أي علامة كانت يوم قتل الحسين بن علي؟ قال: قلت: لَم ترفَع حصاة ببيت المقدس إلا وُجِد تحتها دم عبيط..).
وعلَّق عليه الهيثمي في( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد-ج9 ص199)بقوله: (رواه الطبَرانِي ورجاله ثقات) .
وعن معمر أنه قال: (أوَّل ما عُرِف الزهري أنه تكلَّم في مجلس الوليد ـ أي الوليد بن عبد الملك ـ، فقال الوليد: أيكم يعلم ما فعَلَت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين؟ فقال الزهري: بلغنِي أنه لَم يُقلَب حَجَر إلا وُجِد تحته دم عبيط) (الذهبي: سير أعلام النبلاء ـ ج3 ص314).
وجاء في كتاب " المعجم الكبير ـ ج3 ص113" عن ابن شهاب أنه قال: (ما رُفِع بالشام حَجَر يوم قتل الحسين بن علي إلا عن دم..) .
قال الهيثمي في (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ـ ج9 ص199): (رواه الطبَرانِي ورجاله رجال الصحيح).
رابعًا: خَبَر (أنهم ذبحوا جزورًا فصار كله دمًا)
روى الطبَرانِي في (معجمه ج3 ص121) عن دويد الجعفي عن أبيه قال: (لَمَّا قتِل الحسين رضي الله عنه انتهبت جزور من عسكره، فلمَّا طبخت إذا هي دم..) .
ورواه أيضًا الهيثمي في (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ـ ج9 ص199) وقال: (رواه الطبَرانِي ورجاله ثقات).
أقول: هذه هي الروايات التي دوَّنَها علماء أهل السنة في مصنفاتِهم وصحَّحوها، كلها تصرِّح بحدوث الكرامات يوم قتل الحسين عليه السلام، فهل يتراجع الشيخ عثمان الخميس عن قوله بأنها (كلها من أكاذيب وترهات الشيعة وليس لَها سند صحيح ولا حتى ضعيف)؟!
والجدير بالذِّكر أن الشيخ عثمان الخميس اعترف بِحُسن سَند حديث " أن الجِن ناحت على الحسين لَمَّا قتِل " ، وحديث " أن جبريل أخبَر
النبِي بِمقتل الحسين وأراه تربة كربلاء " (ص114)، بل أقرَّ بصحة سَند حديث " أن الله طمس بَصَر رجل فسَّق الحسين وأباه " (ص115)، وحديث " دخول حيَّة في منخرَي ابن زياد بعد موته " (ص116)، وحديث " رؤيا ابن عباس لرسول الله في المنام وهو أشعث أغبَر معه قارورة فيها دم الحسين " (115)، ولَم يكذِّب الشيخ عثمان الخميس هذه الأحاديث، فلماذا يا ترى لا يريد أن يعترف بصحة بقية الروايات الأخرى؟ مع أننا ذكرنا مجموعة من علماء أهل السنة الذين صحَّحوا هذه الروايات ولَم يعترضوا عليها، اللهم إلا أن يدَّعي الشيخ عثمان الخميس بأنه أعلم من علماء أهل السنة، وأنه أقدَر منهم على تمييز الأخبار والأحاديث الصحيحة، ولِهذا لَم يعترف بالروايات التي تحكي حدوث الكرامات، بل تجرَّأ وادعى عدم وجود سند صحيح لَها ولا حتى ضعيف.
المسلم المؤدب
26-07-2010, 03:14 PM
الادعاء السابع
أن خروج الحسين عليه السلام لم تكن فيه مصلحة دين ولا دنيا بل أدى إلى الفساد
يقول الشيخ عثمان الخميس: (لَم يكن في خروج الحسين رضي الله عنه لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا، ولذلك نهاه أكابر الصحابة في ذلك الوقت.. وكان في خروجه وقتله مِن الفساد ما لَم يكن يحصل لو قعد في بلده. ولكن أمر الله تبارك وتعالى، ما قدَّر الله تبارك وتعالى كان ولو لَم يشأ الناس) (116).
أقول: إن لَم يكن هذا منطق النواصب فأي منطق يكون؟!
قد بلغت الوقاحة والصلافة والدناءة والحقارة بعثمان الخميس إلى درجة أنه اعتبَر ريحانة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسيد شباب أهل الجنة مُخطئًا في خروجه، وأن ثورته أدَّت إلى مفاسد ولَم تشتمل على مصلحة دينية ولا دنيوية، بل كان الأفضل للحسين عليه السلام ـ في نظر عثمان الخميس ـ أن يبقى في بلده ويقعد في بيته ولا يخرج على يزيد بن معاوية لكي لا يُسبِّب فسادًا.
وليس هذا بغريب على عثمان الخميس، وهو الذي أفرَد في كتابه بابًا
مستقلاًّ وجعل عنوانه [ خلافة أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ] (ص103)، بينما ينقل الذهبِي والعسقلانِي وغيرهما أنَّ نوفل بن أبِي الفرات قال: (كنت عند عمر بن عبد العزيز، فقال رجل: قال أمير المؤمنين يزيد، فأمِر به فضُرِب عشرين سوطًا) (الذهبي: سير أعلام النبلاء ـ ج4 ص40. وانظر ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب ـ ج6 ص 228. وأيضًا السيوطي: تاريخ الخلفاء ـ ص166 ).
وليت الشيخ عثمان الخميس اقتدى بالحُر بن يزيد رضي الله عنه، وبِموقفه العظيم في كربلاء، وذلك عندما علم بأن الحق مع الحسين عليه السلام، وأن دخول الجنة لا يكون إلا بنصرته، فانضم إلى معسكره، وعندما سأله الأعداء عن السبب قال: (والله إنِي أخيِّر نفسي بين الجنة والنار، ووالله لا أختار على الجنة غيرها ولو قطِّعت وحُرِّقت) (ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص144. وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص421.
وأيضًا الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص320. وأيضًا عثمان الخميس: حقبة من التاريخ ـ ص111 ).
لكن الشيخ عثمان الخميس أبَت له نفسه إلا اختيار النار، فانضم إلى معسكر يزيد بن معاوية، وقال بأن الحق معه، وأنه أمير المؤمنين.
أما ادعاء الشيخ عثمان الخميس عدم وجود المصلحة في خروج الحسين عليه السلام وأن خروجه أدى إلى الفساد، فإنه باطل لأمور:
أوَّلاً: أنه قد تقدَّم ثبوت الروايات التِي تؤكِّد إخبار النبِي صلى الله عليه
وآله وسلم عن قتل الحسين عليه السلام وبكاءه لِمقتله ورؤيته لتربته، وأن الله تعالى سينتقم لِمقتله عليه السلام، فإذا كان في خروج الحسين عليه السلام فساد ولَم تكن فيه مصلحة، فلماذا لَم يَنهَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبطه عن الخروج بدلاً من أن يبكي عليه وهو حي؟ ولِماذا يريد الله عز وجل أن ينتقم لِجريمة قتل الحسين عليه السلام في حين أن الحسين عليه السلام كان مُخطئًا في خروجه وتسبَّب في حصول الفساد ـ على حد تعبير الشيخ عثمان الخميس ـ؟
ثانيًا: لو لَم يكن في خروج الحسين عليه السلام مصلحة وكان فيه مفسدة، فلماذا كل هذا الاهتمام الإلَهي بقضية الحسين عليه السلام؟ ولِماذا أمطرت السماء دمًا، وظهر الدم تحت الأحجار، وتلطَّخت الجدران بالدم؟ وهل أنَّ الله تعالى يعتنِي بشخص سبَّب خروجه فسادًا ولَم يشتمل على مصالِح؟
ثالثًا: إن جميع علماء أهل السنة ـ ما عدا عثمان الخميس ومشايخه وأتباعه ـ اتفقوا على ثبوت المصلحة في خروج الحسين عليه السلام على يزيد بن معاوية، قال ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص122): (والعلماء مُجمعون على تصويب قتال علي لِمخالفيه لأنه الإمام الحق، ونُقِل الاتفاق أيضًا على تحسين خروج الحسين على يزيد..) .
أما الشيخ عثمان الخميس وشيوخه وتلامذته، فيقول لَهم الشوكانِي في (نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار ـ ج7 ص176): (لا ينبغي لِمسلم أن يحط على مَن خرج مِن السلف الصالح مِن العترة وغيرهم على أئمة الجور، فإنهم فعلوا ذلك باجتهاد منهم، وهم أتقى لله وأطوع لسنة رسول الله مِن جماعة مِمَّن جاء بعدهم مِن أهل العلم، ولقد أفرط بعض أهل العلم كالكرامية ومَن وافقهم في الجمود.. حتى حكموا بأن الحسين السبط رضي الله عنه وأرضاه باغٍ على الخمير السِّكِّير الهاتك لِحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم الله، فيا لله العجب من مقالات تقشعر منها الجلود ويتصدع من سماعها كل جلمود) .
والغريب ما يقوله الشيخ عثمان الخميس (حقبة من التاريخ ـ ص116) من أن خروج الحسين عليه السلام هو (أمر الله تبارك وتعالَى، ما قدَّر الله تبارك وتعالَى كان ولو لَم يشأ الناس) .
فلو كان خروج الحسين عليه السلام بأمر من الله تعالى وبتقدير منه سبحانه، فإن الحال لا يَخلو من أحد أمرين لا ثالث لَهما:
إما أن يكون الحسين عليه السلام مَجبورًا على الخروج، أي أن الله تعالى أجبَره على ذلك، فلا يصح أن يقول الشيخ عثمان الخميس: (وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لَم يكن يحصل لو قعد في بلده)، لان
الحسين عليه السلام كان مجبورًا على الخروج من بلده وعدم القعود في بيته، لأنه أمر الله وقدره الذي لا يستطيع أحد مخالفته.
وإما أن يكون عليه السلام مُخيَّرًا في خروجه ـ وهو الصحيح ـ، وبِهذا يكون عليه السلام قد أطاع أمر الله ونفَّذه، ولا شك أن أوامر الله كلها لا فساد فيها، بل لا يوجد أمر من أوامره سبحانه إلا وبه مصلحة، ولِهذا يكون خروج الحسين عليه السلام منَزَّهًا عن القبح والمفسدة ومشتملاً على الحُسن والمصلحة.
ازهار الرحمة
26-07-2010, 04:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير الجزاء ، و بارك الله فيك ، و أثابك الله الجنة إن شاء الله
وفقكم الله لكل خير ببركة و سداد أهل البيت عليهم السلام
أسال الله تعالى أن يسدد خطاكم المباركة ويقضي حوائجكم بحقه وبحق محمد وال محمد في الدنيا والاخرة مع شيعة محمد وال محمد
رَزَقَكُمْ اَلْبَارِيْ مِنْ فِيُوْضَاتْ نُوْرِهِ اَلّعَظِيّمَّةَ
وربي يجعل حياتك مليئه بالخير والبركه والفرح والسعادة
ذوالفقار حيدر
26-07-2010, 08:46 PM
انا استغرب من هولاء الذين يحاولون بكل جهد الدفاع عن الفاسقين الكفره
يا ليت كان جهدهم هذا في سبيل الله
و يقول يزيد الفاسق عادل !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
صح ان يزيد عنده اتباع الى يومنا هذا
اقول له و کل من علی شاکلته
اذا تزعمون انه کان عادلاً فحشرکم الله معاه
الا تحبون ان تحشروا مع سیدکم العادل
و امیر المؤمنین کما تسمونه
و نحن نتبراء من سیدکم هذا و اشیاعه الی یوم الدین
و الی آخر لحظات حیاتنا
و آخر انفاسنا
عندما یقبض ارواحنا الملک الموّکل
و نسئل اللع ان نحشر مع سیدنا الحسین علیه السلام و اصحابه
قولوا آمین یا رب العالمین
الزلزال العلوي
26-07-2010, 09:23 PM
الحمد لله على نعمة الولاية والتوحيد
لعن الله النواصب في كل زمان
شكرا على الموضوع
المسلم المؤدب
28-07-2010, 03:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير الجزاء ، و بارك الله فيك ، و أثابك الله الجنة إن شاء الله
وفقكم الله لكل خير ببركة و سداد أهل البيت عليهم السلام
أسال الله تعالى أن يسدد خطاكم المباركة ويقضي حوائجكم بحقه وبحق محمد وال محمد في الدنيا والاخرة مع شيعة محمد وال محمد
رَزَقَكُمْ اَلْبَارِيْ مِنْ فِيُوْضَاتْ نُوْرِهِ اَلّعَظِيّمَّةَ
وربي يجعل حياتك مليئه بالخير والبركه والفرح والسعادة
انا عاجز عن رد هذا اللطف والادب الجم شكرا وانا في الخدمة ويوجد المزيد بعون الله تعالى
المسلم المؤدب
28-07-2010, 03:20 PM
الحمد لله على نعمة الولاية والتوحيد
لعن الله النواصب في كل زمان
شكرا على الموضوع
الشكر موصول لجميع الاخوة وانتظروا المزيد بعون الله تعالى
المسلم المؤدب
28-07-2010, 03:39 PM
الادعاء الثامن
أنه لا يجوز اللطم والنوح وشق الجيب عند ذِكر مقتل الحسين عليه السلام
يقول الشيخ عثمان الخميس في حقبة من التاريخ ص117: (لا يَجوز للإنسان إذا تذكَّر مقتل الحسين أن يقوم باللطم والشق ـ أي شق الجيوب ـ وما شابه ذلك بل كل هذا منهي عنه) ، ثُم ذكر روايات من صحيحَي البخاري ومسلم مفادها النهي عن لطم الخدود وشق الجيوب والنياحة.
أقول: كان الأولَى بالشيخ عثمان الخميس أن لا يَخوض في المباحث الفقهية، وكان الأجدر به أن لا يَحشر أنفه في القضايا الشرعية، لأن هذه المطالب تحتاج إلى شخص لديه سعة اطِّلاع وطول باع،كما أن البحث فيها يتطلَّب شخصًا يتمتع بِفهم واستيعاب عميقين لعلم الفقه وأصوله، لا مَن يتحدَّث بالخرص ويتلفظ بالكذب ويفتي بغير علم فيركب رأسه وهو لا يدري ـ كما هو حال الشيخ ـ.
ولِهذا نقول لعثمان الخميس وأضرابه: إنَّ مِن العناوين العامة والمستحبات الثابتة عند المسلمين، إظهار مودة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام بالفرح لأفراحهم والحزن لِمصائبهم، وقد ثبت من
خلال الروايات والنصوص الثابتة أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكى على سبطه الحسين عليه السلام وحزن عليه في مناسبات عدَّة، ولا شك بأنَّ فِعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حُجَّة وسُنَّة، كما لا شك بأنَّ عُرف العقلاء هو الذي يُحدِّد مصاديق إظهار هذا الحزن، بشرط أن لا يدخل أحدها في الأمور المحرَّمة المنصوص عليها شرعًا وأن لا يَعرض عليه عنوان آخر مُحرَّم، أما لو دخل أحد المصاديق في الأمور المحرَّمة أو عَرَض عليه عنوان مُحرَّم، بِحيث يُصبح المصداق مؤذيًا للبدن ومضرًّا للنفس وموهِنًا للدين ومضعِفًا له ـ كما هو الحال في التطبير وضرب القامات بالسيوف ـ فلن يُعَد ذلك مِن المستحبات ولا مِن الشعائر الدينية .
والشعائر الحسينية التي يقوم بِها الشيعة هي أحد مصاديق إظهار المودة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله عليهم السلام والحزن على مصائبهم، فالبكاء، والرثاء، ولبس السَّواد، والنوح، واللطم على الرؤوس والصدور، حزنًا على ما جرى على الحسين عليه السلام أحد أبرز صور إظهار مودته والحزن عليه، إلا أنَّ كل ذلك مشروط بأن لا تلحق هذه الأفعال ضررًا مُحرَّمًا بالمكلَّف.
وقد أجمع فقهاء الشيعة على أنَّ الأحكام الشرعية ـ مثل الواجب والمستحب والمكروه والحرام ـ يتم استنباطها من مصادر التشريع، وهي
القرآن الكريم والسنة الشريفة والإجماع والعقل، لا مِن خلال القياس والهوى والاستحسان والمِزاج الشخصي ـ كما يفعل ذلك الشيخ عثمان الخميس وأقرانه ـ، ولِهذا كان الرأي المشهور لدى فقهاء الشيعة هو جواز النوح على الميت بشرط أن لا يتضمن الكذب وأن لا يشتمل على الويل والثبور، وعدم جواز اللطم وشق الثوب على غير الأب والأخ، وهذا الرأي الفقهي الذي تبنَّاه فقهاؤنا ناتِج عن اجتهادهم في فهم الآيات القرآنية والسنة الشريفة.
أما بخصوص اللطم والنوح وشق الجيب على المصائب التي حلَّت على الإمام الحسين عليه السلام، فقد وردت روايات خاصة عند الشيعة تفيد أن ذلك مستحب لا كراهة فيه، ولِهذا أفتى فقهاؤنا باستحباب البكاء واللطم والنوح والجَزَع على الحسين عليه السلام.
وأما ما أرسله الشيخ عثمان الخميس إرسال المسلَّمات مِن " فتواه " بِحرمة اللطم وشق الجيب والنياحة، فإنه مُخالف لِما ذهب إليه علماء أهل السنة، حيث إنَّ هذه المسألة وقع فيها الخلاف بينهم، فقال بعضهم بالجواز وقال بعضهم بعدمه.
وإلى ذلك أشار ابن قدامة في المغني والشرح الكبير ـ ج2 ص411بقوله: (وأما الندب.. والنياحة وخَمش الوجوه وشق الجيوب وضرب الخدود والدعاء بالويل والثبور، فقال بعض أصحابنا: هو مكروه، ونقل حرب عن أحمد كلامًا فيه احتمال إباحة النوح والندب، اختاره الخلال وصاحبه، لأن واثلة بن الأسقع
وأبا وائل كانا يستمعان النوح ويبكيان.. وظاهر الأخبار تدل على تحريم النوح) .
وقال ابن مفلح المقدسي في الفروع في فقه الإمام أحمد بن حنبل ـ ج1 ص580: (وذكر الشيخ أنَّ عن أحمد ما يدل على إباحتهما ـ أي الندب والنوح ـ، وأنه اختيار الخلال وصاحبه، وجزم صاحب " المحرر " أنه لا بأس بيسير الندب إذا كان صدقًا..) .
وأما الأحاديث التِي ذكرها الشيخ عثمان الخميس، واستدل بِها على صحة " فتواه " بِحرمة النياحة وشق الجيوب ولطم الخدود، لورود النهي فيها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيَرِد عليها أمور:
الأول: أنَّ هذه الأحاديث لو صحَّت في كتب أهل السنة، فليس بالضرورة أن تكون صحيحة عند الشيعة، وعليه فلَن تكون مُلزِمة للطرفين ولا حُجَّة عليهما، وإنما تكون مُلزِمة لأهل السنة فقط، وذلك لعدم ثبوت صحتها عند الشيعة.
الثانِي: قد تقدَّم رأي علماء الشيعة في عدم جواز اللطم وشق الثوب على غير الأب والأخ، وحرمة النوح إذا اشتمل على الكذب أو الويل والثبور، فلو ثبتت صحة هذه الأحاديث عند الشيعة، فهي مَحمولة على هذه الموارد لا على مُصاب الحسين عليه السلام.
الثالث: أنَّ بعض علماء أهل السنة قد حَمَل النهي الوارد فِي هذه
الأحاديث على النهي التنزيهي لا التحريمي، أي أن المراد هو كراهة هذه الأمور لا حرمتها، قال ابن قيِّم الجوزية في (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين ـ ص98-100)
: (وأما الندب والنياحة، فنص أحمد على تحريمهما.. وقال بعض المتأخرين مِن أصحاب أحمد: يُكرَه تنزيهًا، وهذا لفظ أبِي الخطاب في الهداية، قال: ويُكرَه الندب والنياحة وخَمش الوجوه وشق الجيوب والتحفي، والصواب القول بالتحريم.. وقال المبيحون لِمُجرَّد الندب والنياحة مع كراهتهم له: قد روى حرب عن واثلة بن الأسقع وأبِي وائل أنهما كانا يسمعان النوح ويسكتان).
وقال ابن حَجَر العسقلانِي في (فتح الباري في شرح صحيح البخاري ـ ج3 ص207)ـ في شرحه لعنوان باب " ما يُكرَه من النياحة على الميت " ـ ما نصُّه: (قال الزين بن المنير:.. ويُحتمَل أن تكون (ما) مصدرية و (من) تبعيضية، والتقدير كراهية بعض النياحة، أشار إلى ذلك ابن المرابط وغيره، ونقل ابن قدامة عن أحمد رواية أن بعض النياحة لا تحرم، وفيه نظر، وكأنه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم لَم ينهَ عمَّة جابر لَمَّا ناحت عليه، فدل على أن النياحة إنما تحرم إذا أنضاف إليها فِعل مِن ضرب خد أو شق جيب، وفيه نظر..).
والعجيب من ابن تيمية ـ عند دفاعه عن يزيد بن معاوية ـ أنه اعتبَر
قيام النياحة على الحسين عليه السلام في بيت يزيد مِن حسناته، ومِن المواقف الحسنة والمشرِّفة له، لذا نراه قال في منهاجه (منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ـ ج2 ص249) ـ المعوَج ـ: (وفي الجملة فما يُعرَف في الإسلام أن المسلمين سبَوا امرأة يعرفون أنها هاشِمية ولا سبي عيال الحسين، بل لَمَّا دخلوا دار يزيد قامت النياحة في بيته وأكرمهم..) .
أقول: هذا ما قاله ابن تيمية واعتبَره منقبة وفضيلة ليزيد بن معاوية، فلِماذا كل هذا التشنيع والتهويل على الشيعة؟
المسلم المؤدب
28-07-2010, 03:41 PM
الادعاء التاسع
أن يزيد بن معاوية ليس له يَد في قتل الحسين عليه السلام ولم يسبِ نساءه
يقول الشيخ عثمان الخميس: (لَم يكن ليزيد يد في قتل الحسين وليس هذا دفاعًا عن يزيد ولكنه دفاع عن الحق) (حقبة من التاريخ ـ ص118)، ثُم نقل قول شيخه ابن تيمية بأنه: (لَمَّا بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجُّع على ذلك وظهر البكاء في داره ولَم يَسبِ لَهم حريمًا بل أكرم أهل بيته.. أما الروايات التي في كتب الشيعة أنه أهين نساء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهن أخِذن إلى الشام مسبيَّات وأهِنَّ هناك هذا كله كلام باطل..) (ص119من نفس الكتاب).
أقول: ما دمتَ تعتقد أنَّ يزيد بن معاوية أمير المؤمنين، وأنَّ دفاعك عنه دفاع عن الحق، فحشرك الله معه في يوم القيامة، وإذا أردت أن تعرف سيرة يزيد ودوره في قتل الحسين عليه السلام وسبي النساء، فإليك بعضًا من النصوص التاريخية التي أعرضت عنها والتي سطَّرها علماؤك في كتبهم:
أولاً: دور يزيد بن معاوية في قتل الحسين عليه السلام
ذكر الذهبِي يزيد بن معاوية في كتابه ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج4 ص440) وقال عنه: (مقدوح في عدالته، ليس بأهل أن يُروَى عنه، وقال أحمد بن حنبل: لا ينبغي أن يُروَى عنه) .
وقال عنه أيضًا في سير أعلام النبلاء ـ ج4 ص37و38: (وكان ناصبيًّا، فظًّا، غليظًا، جلفًا، يتناول المسكِر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بِمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس، ولَم يُبارَك في عمره، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين..) .
وجاء في كتاب " تاريخ الخلفاء ص165": (.. فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله) ، أي بقتال الحسين عليه السلام.
قال ابن كثير في (البداية والنهاية ـ ج8 ص178): (وقد أخطأ يزيد خطأ فاحِشًا فِي قوله لِمسلم بن عقبة أن يُبيح المدينة ثلاثة أيام.. وقد تقدَّم أنه قَتَل الحسين وأصحابه على يدي عبيد الله بن زياد..) .
وجاء في رسالة يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة: (أما بعد، فخذ حسينًا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذًا شديدًا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا..) (الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص169. وانظر ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص وأيضًا ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص377118).
ولِهذا قال التفتازانِي: (والحق أنَّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مِمَّا تواتر معناه وإن كان تفصيله آحادًا..) (ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص123).
ونقل ابن الأثير قول عبيد الله بن زياد: (أما قتلي الحسين، فإنه أشار عَلَيَّ يزيد بقتله أو قتلي، فاخترت قتله..) (ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص474).
كما نقل ابن كثير قول يزيد بن معاوية عن نفسه: (فأبغضني البِر والفاجر بِما استعظم الناس علَي مِن قتلي حسينًا) (ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص186. وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص440 وأيضًا الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص365).
أما ادعاء ابن تيمية ـ حسب نقل الشيخ عثمان الخميس ـ بأن يزيد أظهر التوجع لقتل الحسين عليه السلام، فهو ادعاء يفتقِر إلى الدليل، والثابت أن يزيد بن معاوية فرح عندما علم بِمقتل الحسين عليه السلام، ثُم ندم بعد أن رأى بُغض الناس له وسخطهم عليه والآثار التي ترتبت على ذلك، أي أن ندَمه كان سياسيًّا، لا حبًّا للحسين عليه السلام.
ويؤكِّد ذلك ما قاله السيوطي: (ولَمَّا قتِل الحسين وبنو أبيه، بعث
ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد، فَسُرَّ بقتلهم أولاً، ثم ندم لَمَّا مقته المسلمون على ذلك وأبغضه الناس، وحق لَهم أن يبغضوه) (السيوطي: تاريخ الخلفاء ـ ص166).
وجاء في " الكامل في التاريخ ": (لَمَّا وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده، ووصله، وسَرَّه ما فعل، ثُم لَم يلبث إلا يسيرًا حتى بلغه بغض الناس له ولعنهم وسبهم، فندم..) (ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص439).
ثانيًا: سَبي يزيد بن معاوية للنساء وإهانته لهن :
روى ابن كثير عن فاطمة بنت علي قالت: (إنَّ رجلاً من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد فقال: يا أمير المؤمنين هَب لي هذه ـ يعنيني ـ وكنت جارية وضيئة، فارتعدت فزِعة من قوله وظننت أن ذلك جائز لَهم، فأخذت بثياب أختي زينب ـ وكانت أكبر مني وأعقل وكانت تعلم أن ذلك لا يجوز ـ، فقالت لذلك الرجل: كذبت والله ولؤمت وما ذلك لك وله، فغضب يزيد فقال لَها: كذبت والله إنَّ ذلك لِي، ولو شئت أن أفعله لفعلت، قالت: كلاَّ والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملَّتنا وتدين بغير ديننا، قالت: فغضب يزيد واستطار ثم قال: إياي تستقبلين بِهذا؟ إنما خرج من الدين أبوك وأخوك، فقالت زينب: بدين الله ودين أبِي ودين أخي وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك، قال: كذبت يا عدوَّة الله، قالت: أنت أمير المؤمنين مسلط تشتم ظالِمًا وتقهر بسلطانك.. ثُمَّ قام ذلك الرجل، فقال: يا أمير المؤمنين هَب لِي هذه، فقال له يزيد: اعزب، وَهَب الله لك حتفًا قاضيًا..) (ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص156. وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص438و 439. وأيضًا الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص339. وأيضًا ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ـ ج5 ص343و344).
وفي رواية أنه: (لَمَّا أقبل وفد الكوفة برأس الحسين دخلوا به مسجد دمشق، فقال لَهم مروان بن الحكم: كيف صنعتم؟ قالوا: ورد علينا منهم ثَمانية عشر رجلاً فأتينا والله على آخرهم، وهذه الرؤوس والسبايا..) (ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص 341وانظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص157)
ولِهذا قال ابن العماد: (ولَمَّا تم قتله ـ يعني الحسين عليه السلام ـ حُمِل رأسه وحرم بيته وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا) (ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص122).
وقال التفتازانِي: (والحق أنَّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مِمَّا تواتر معناه..) (ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص123 ).
وجاء في تاريخ ابن كثير: (ثُم إنَّ ابن زياد أمر بنساء الحسين وصبيانه وبناته فجهزن إلى يزيد، وأمر بعلي بن الحسين فغل بغل إلى عنقه.. فلما بلغوا باب يزيد بن معاوية رفع محقر بن ثعلبة صوته، فقال: هذا محقر بن ثعلبة أتَى أمير المؤمنين باللئام الفجرة.. فلما دخلت الرؤوس والنساء على يزيد، دعا أشراف الشام فأجلسهم حوله، ثُم دعا بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه، فأدخلن عليه والناس ينظرون، وكان أراد ابن زياد قتله فصرفه الله عنه، فلما بعثه سيَّره مع أهله ولكنه مغلغل في عنقه وبقية الأهل في حالة سيئة على ما ذكر بعضهم، فلما دخلوا على يزيد بن معاوية قال لعلي بن الحسين: يا علي أبوك قطع رحمي وجهل حقي ونازعنِي سلطانِي، فصنع الله به ما قد رأيت..) (ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص155. وانظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص338و 339).
وذكر اليافعي أنَّ عبيد الله بن زياد (دعا بعلي بن الحسين، فحَمَله وحَمَل عماته وأخواته إلى يزيد على مَحامل بغير وطاء، والناس يخرجون إلى لقائهم في كل بلد ومنزل حتى قدموا دمشق.. وأقيموا على درج باب المسجد الجامع حيث يُقام السبي) (اليافعي: مرآة الجنان وعبرة اليقظان ـ ج1 ص109).
وقال أيضًا: (ولَمَّا قُتِل الحسين وأصحابه سيقت حريمهم كما تساق
الأسارى، قاتل الله فاعل ذلك، وفيهن جمع من بنات الحسين، وبنات علي رضي الله عنهما..) (اليافعي: مرآة الجنان وعبرة اليقظان ـ ج1 ص109).
أقول: هذا ما ورد في مصادر علماء أهل السنة، ذكرناه على سبيل المثال لا الحصر، ليتضح بطلان وفساد ما ذهب إليه عثمان الخميس وإمامه ابن تيمية مِن أن يزيد بن معاوية لِم يكن له يد فِي قتل الحسين عليه السلام، وأنه لَم يسبِ نساءه، وليظهر زيف ما زعمه النواصب حول فاجعة كربلاء، تلك الفاجعة التي عبَّر عنها السيوطي بقوله: (لا يَحتمل القلب ذكرها) (السيوطي: تاريخ الخلفاء ـ ص165).
ولِهذا نعود ونقول للشيخ عثمان الخميس: إنَّ هذه الأخبار والأقوال التي نقلناها هي لأكابر علمائك، وقد وردت في أمهات كتبهم، فإما أنك تعلم بوجودها، وإما أنك لا تعلم.
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة... وان كنت تدري فالمصيبة أعظم
المسلم المؤدب
28-07-2010, 03:43 PM
الادعاء العاشر
أن رأس الحسين عليه السلام لم يُبعَث إلى يزيد بالشام
يقول الشيخ عثمان الخميس: (بقي أنه ذُكِر أن رأس الحسين أرسِل إلَى يزيد فهذا أيضًا كذب لَم يثبُت بل إنَّ رأس الحسين بقي عند عُبَيد الله في الكوفة) (حقبة من التاريخ ـ ص119).
أقول: قبَّح الله عثمان الخميس، ما أجرأه على الكذب والافتراء، دون أن يشعر بأن الجهل والحمق والغباوة قد ظهروا فِي مقاله بأجلى المظاهر، وأن الكذب الذي ينسبه إلى الشيعة عائد عليه، وقد تبيَّن مِن كل ما تقدَّم أن الخداع والتمويه هُما أفضل الأساليب التي يستخدمها لتشويه التاريخ وإنكار الثابت فيه، والنظرية الميكيافيللية ـ التي تقول إنَّ " الغاية تبَرِّر الوسيلة " ـ تبدو واضحة وجلِيَّة لِمن يقرأ كتابه " حقبة من التاريخ "، فالغاية عند الشيخ عثمان الخميس هي تثبيت شرعية خلافة يزيد بن معاوية وأنه أمير المؤمنين وأن الحق معه وأنه مغفور له، ولِهذا نجد الوسيلة عنده هي تخطئة الإمام الحسين عليه السلام، وإنكار وقوع الكرامات يوم قتله، وافتراء أنه عليه السلام أراد أن يضع يده في يد يزيد، وتكذيب النصوص التِي تنقل فسق يزيد، وتبرئته من قتل الحسين عليه السلام
وسبي النساء، وأخيرًا إنكار إرسال رأس الحسين عليه السلام إليه بالشام.
ولكي نزيد مِن غيظ الشيخ عثمان الخميس ننقل بعض الروايات وأقوال علماء أهل السنة التي تثبت إرسال رأس الحسين عليه السلام إلى يزيد ابن معاوية.
قال ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص163: (وأما رأس الحسين رضي الله عنه، فالمشهور عند أهل التاريخ وأهل السير أنه بَعَث به ابن زياد إلى يزيد بن معاوية، ومِن الناس مَن أنكر ذلك، وعندي أن الأول أشهر).
وقال أيضًا: (اختلف العلماء بعدها في رأس الحسين، هل سيَّره ابن زياد إلى الشام إلى يزيد أم لا، على قولين، الأظهر منهما أنه سيَّره إليه، وقد ورد في ذلك آثار كثيرة) (ج8 ص154).
فعلى قول الشيخ عثمان الخميس يكون ابن كثير كاذبًا، ويكون ما قاله كذبًا.
وقال السيوطي: (ولَمَّا قتِل الحسين وبنو أبيه بَعَث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد) ( تاريخ الخلفاء ـ ص166).
وعن مُجاهد أنه قال: (لَمَّا جيء برأس الحسين، فوُضِع بين يدَي
يزيد، تمثَّل بِهذه الأبيات:
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا... جزع الخزرج فِي وقع الأسل
فأهلُّوا واستهلوا فرحًا ... ثُم قالوا لي هنيًا لا تسَل
حين حكت بفناء بركها ... واستحر القتل فِي عبد الأسل
قد قتلنا الضعف من أشرافكم...وعدلنا ميل بدر فاعتدل)
( ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص154)
وجاء في كتاب " سِيَر أعلام النبلاء " عن حمزة بن يزيد الحضرمي أنه قال: (وقد حدَّثني بعض أهلنا أنه رأى رأس الحسين مصلوبًا بدمشق ثلاثة أيام) (سير أعلام النبلاء ـ ج3 ص319).
ولِهذا قال ابن كثير: (وأمر ابن زياد فنودِي الصلاة جامعة.. ثم أمَرَ برأس الحسين، فنُصِب بالكوفة، وطيف به في أزقتها، ثم سيَّره مع زحر بن قيس ومعه رؤوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية بالشام، وكان مع زحر جماعة من الفرسان.. فخرجوا حتى قدِموا بالرؤوس على يزيد ابن معاوية) (البداية والنهاية ـ ج8 ص153. وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص436 , وأيضًا الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص338).
وقال ابن العماد: (ولَمَّا تم قتله ـ أي الحسين عليه السلام ـ، حُمِل رأسه، وحرم بيته، وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا) (شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص122).
وجاء في رواية ابن كثير: (فأوفده إلى يزيد بن معاوية، فوضع رأسه بين يديه، وعنده أبو برزة الأسلمي، فجعل يزيد ينكت بالقضيب على فيه ويقول:
يفلِّقن هامًا مِن رجال أعزَّة... علينا وهم كانوا أعق وأظلما
فقال له أبو برزة: ارفع قضيبك فوالله لَربَّما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعًا فيه على فيه يلثمه) (ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص158. وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص437و 438. وأيضًا الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص298. وأيضًا ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ـ ج5 ص342).
وبِهذا المعنى جاء عن اليافعي قوله: (ثُم وُضِع الرأس المكرَّم بين يدي يزيد، فأمَر أن يُجعَل في طست..) (مرآة الجنان وعبرة اليقظان ـ ج1 ص109).
وفي تاريخ ابن الجوزي: (ثُم نصب رأس الحسين بالكوفة بعد أن طيف به، ثُم دعى زفر بن قيس، فبعث معه برأس الحسين ورؤوس أصحابه إلى يزيد) ( المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ـ ج5 ص341).
قال ابن حجر: (فقاتل ـ أي الحسين عليه السلام ـ حتى قتِل، وقتله رجل من مذحج وجزر رأسه، فانطلق به إلى عبيد الله بن زياد فوفده إلى يزيد ومعه الرأس، فوُضِع بين يديه..) (تهذيب التهذيب ـ ج1 ص531).
وقال القسطلانِي: (ولَمَّا قتلوه ـ يعني الحسين عليه السلام ـ بعثوا برأسه إلى يزيد..) .
يقول الشيخ عثمان الخميس: (قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لَهم ".. وكان هذا الجيش بقيادة يزيد بن معاوية) (حقبة من التاريخ ـ ص121).
أقول: لقد أضل هذا الرجل هواه، وأفسد عقله، وجانب الحق، واستجاب لِحنقه، وأراق آخر قطرة من دينه وحيائه، فضرب جَميع النصوص والروايات والأقوال المعتبَرة بعرض الحائط، واستنبط مغفرة الله ليزيد بن معاوية، متمسِّكًا بتعليل عليل دأب النواصب في الاستدلال به على اعتقادهم الفاسد بإيمان يزيد بن معاوية وفضله في الإسلام.
أما ادعاؤه هذا وما جاء به مِن الكلام الباطل، فيَرد عليه أمران:
الأمر الأول: إن هذا الكلام يدل على سخافة عقل الشيخ عثمان الخميس، وجهله بالتاريخ، وتوغُّله في الجهالة، وعِشقِه اللاَّ مَحدود ليزيد الخمور والقرود، لِذا نراه كالغريق الذي يتشبَّث بالطحلب أو بأرجل الضفادع، وكالطفل الذي يتخبَّط في الوحل.
الأمر الثانِي: لو كان يزيد بن معاوية مِن المغفور لَهم، فلماذا يا ترى
لَعَنَه علماء أهل السنة وحَكَموا عليه بأنه ناصبي، بل وذهب بعضهم إلى كُفرِه.
قال الذهبِي عن يزيد: (وكان ناصبيًّا، فظًّا، غليظًا، جلفًا، يتناول المسكِر، ويفعَل المنكَر..) (سير أعلام النبلاء ـ ج4 ص37).
وقال عنه عبد الله بن حنظلة: (إنَّه رجل ينكَح أمهات الأولاد، والبنات، والأخوات، ويشرب الخمر، ويَدَع الصلاة) (السيوطي: تاريخ الخلفاء ـ ص167. وانظر ابن الأثير:الكامل في التاريخ ـ ج3ص449و450 وأيضًا الذهبي: سير أعلام النبلاء ـ ج3 ص324).
وجاء عن الشوكانِي قوله: (.. الخمير السِّكِّير الهاتك لحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية) (نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار ـ ج7 ص176).
وذكر ابن العماد الحنبلي قول التفتازانِي في " شرح العقائد النسفية ": (اتفقوا على جواز اللعن على مَن قتَل الحسين أو أمر به أو أجازه أو رضي به، قال: والحق أنَّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مِمَّا تواتر معناه وإن كان تفصيله آحادًا، قال: فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في كفره وإيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه) (شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص123).
ولِهذا قال السيوطي: (فقتِل ـ أي الحسين عليه السلام ـ وجيء برأسه
في طست، حتى وُضِع بين يدَي ابن زياد، لعن الله قاتله وابن زياد معه ويزيد أيضًا) (تاريخ الخلفاء ـ ص165).
وقال ابن العماد: (ولَمَّا تم قتله، حُمِل رأسه، وحرم بيته، وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا، قاتل الله فاعل ذلك وأخزاه، ومَن أمر به، أو رضيَه) (شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص122).
وعن الفقيه الشافعي الكيا الهراسي أنه قال عن يزيد: (وأما قول السلف، ففيه لأحمد قولان تلويح وتصريح، ولِمالِك قولان تلويح وتصريح، ولأبِي حنيفة قولان تلويح وتصريح، ولنا قول واحد التصريح دون التلويح، وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد والمتصيِّد بالفهود ومُدمِن الخمر، وشِعره في الخمر معلوم..) (ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ـ ج3 ص287).
قال ابن كثير: (وقد استدل بِهذا الحديث وأمثاله مَن ذهب إلى الترخيص في لعنة يزيد بن معاوية، وهو رواية عن أحمد بن حنبل اختارها الخلال وأبو بكر عبد العزيز والقاضي أبو يعلى وابنه القاضي أبو الحسين، وانتصر لذلك أبو الفرج ابن الجوزي في مصنف مفرد وجوَّز لعنته..) (البداية والنهاية ـ ج8 ص179).
وقال ابن العماد: (وقال رجل في حضرة عمر بن عبد العزيز: أمير المؤمنين يزيد، فضربه عُمَر عشرين سوطًا. واستفتِي الكيا الهراسي فيه، فذكر فصلاً واسعًا مِن مَخازيه حتى نفدت الورقة، ثُم قال: ولو مُددت ببياض لَمددت العنان في مخازي هذا الرجل..) (شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص123و124).
قال ابن حجر الهيتمي: (اعلم أنَّ أهل السنة اختلفوا في تكفير يزيد ابن معاوية.. فقالت طائفة إنه كافر، لقول سبط بن الجوزي وغيره: المشهور إنه لَمَّا جاءه رأس الحسين رضي الله عنه جَمَعَ أهل الشام وجعل ينكت رأسه بالخيزران وينشد أبيات الزبعرى " ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا ".. وقال ابن الجوزي فيما حكاه سبطه عنه: ليس العجب من قتال ابن زياد للحسين وإنما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب ثنايا الحسين، وحَمله آل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا على أقتاب الجِمال.. وعلى القول بأنه مسلم، فهو فاسق شرير سكير جائر.. وبعد اتفاقهم على فسقه اختلفوا في جواز لعنه.. فأجازه قوم منهم ابن الجوزي، ونقله عن أحمد وغيره..) (الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة ـ ص330-332).
وقال ابن تيمية: (وأما أبو الفرج بن الجوزي فله كتاب في إباحة لعنة يزيد..) (منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ـ ج2 ص253).
أقول: وقد اعترف الشيخ عثمان الخميس نفسه بأن هناك مَن أجاز لَعن يزيد بن معاوية، حيث قال: (وهناك مَن يُجَوِّز لعن يزيد بن معاوية وهناك مَن يَمنَع) (حقبة من التاريخ ص120).
فهل إنَّ الناصبِي والذي يَجوز لعنه مغفور له فِي رأي الشيخ عثمان الخميس؟! وهل إنَّ العلماء الذين لعنوا يزيد بن معاوية وحكموا بكفره ونصبِه وفسقه لَم يطَّلِعوا على حديث مغفرة الله لأوَّل جيش يغزو مدينة قيصر ولَم يعلموا بأنَّ يزيد كان قائدًا على هذا الجيش؟! فاطَّلع على ذلك ـ فقط ـ الشيخ عثمان الخميس وعلم بأنَّ الله تعالى قد غفر له!!
أما ما يتعلَّق بالحديث الذي أورده والذي يفيد أنَّ أوَّل جيش يغزو مدينة قيصر مغفور له، فغير صحيح عند الشيعة، بل ومع كونه مروِيًّا في صحيح البخاري إلا أنه ينبغي على الباحث المنصف أن يتوقف بشأن هذا الحديث قبل الأخذ به والتسليم بصحته، وذلك لأن السَّند يشتمل على غير واحد من المجروحين، مثل " يحيى بن حمزة الحضرمي " الذي يُعَد من القدرية ـ المنحرفين في نظر الشيخ عثمان الخميس ـ (انظر الذهبي: ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج4 ص369. وأيضًا ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب ـ ج6 ص129)، وكذلك " ثور ابن يزيد الكلاعي " الذي كان من النواصب، ذكره الذهبي في الميزان وقال عنه: (قال ابن معين: ما رأيت أحدًا يشك أنه قدري.. وكان
ضمرة يحكي عن ابن أبِي رواد أنه كان إذا أتاه مَن يريد الشام قال: إنَّ بِها ثورًا فاحذر لا ينطحك بقرنيه.. وقال أحمد بن حنبل: كان ثور يرى القدر وكان أهل حمص نفوه وأخرجوه.. وقال سلمة بن العيار: كان الأوزاعي سيئ القول في ثور..)(ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج1 ص374).
وجاء في " تهذيب التهذيب " في ترجمة " ثور بن يزيد ": (.. ويُقال إنه كان قدريًّا وكان جدُّه قتِل يوم صفين مع معاوية، فكان ثور إذا ذكر عليًّا قال: لا أحِب رجلاً قتل جدِّي.. وقال أبو مسهر وغيره: كان الأوزاعي يتكلم فيه ويهجوه.. وقال أبو مسهر عن عبد الله بن سالِم: أدركت أهل حمص وقد أخرجوا ثور بن يزيد وأحرقوا داره لكلامه في القدر) (ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب ـ ج1 ص344و345).
فمن غير البعيد أن تكون الرواية ـ بسندها ومتنها ـ قد وُضِعَت وافتعِلَت من قبل هذا الناصبِي الجلف الذي يحمل في نفسه البغض والحقد على أمير المؤمنين علي بن أبِي طالب عليه السلام، لا سيما إذا لا حظنا أنَّ جدَّه كان من أتباع معاوية بن أبِي سفيان، فيكون حفيده من الموالين ليزيد بن معاوية.
ولو سلَّمنا جدلاً بصحة الحديث، فإنه لا بد مِن تقييده بِمَن وُجِد فيه شرط المغفرة، لا كل مَن هَب ودَب مِن أفراد الجيش، ويدل على ذلك
ما قاله ابن حجر عند شرحه للحديث: (قال المهلَّب: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول مَن غزا البحر، ومنقبة لولدِه يزيد لأنه أول مَن غزا مدينة قيصر، وتعقَّبه ابن التيِّن وابن المنير بِما حاصله: أنه لا يلزم مِن دخوله في ذلك العموم أن لا يَخرج بدليل خاص، إذ لا يَختلف أهل العلم أن قوله صلى الله عليه وسلم " مغفور لَهم " مشروط بأن يكونوا مِن أهل المغفرة، حتى لو ارتد واحد مِمَّن غزاها بعد ذلك لَم يدخل في ذلك العموم اتفاقًا، فدل على أن المراد لِمَن وُجِد شرط المغفرة فيه منهم) (فتح الباري في شرح صحيح البخاري ـ ج6 ص127و128).
على أنَّ ابن الأثير يُبيِّن لنا الظروف التي صاحبت هذه الغزوة والتي أجبَرت يزيد بن معاوية على الخروج، حيث إنه لَم يَخرج باختياره ومحض إرادته، وحتى عند خروجه لَم يكن قاصدًا رضا الله تعالى وثوابه.
قال ابن الأثير: (سَيَّر معاوية جيشًا كثيفًا إلى بلاد الروم للغزاة، وجعل عليهم سفيان بن عوف، وأمَر ابنه يزيد بالغزاة معهم، فتثاقل واعتل، فأمسَك عنه أبوه، فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد، فأنشأ يزيد يقول:
ما أن أبالِي بِما لاقت جموعهم... بالفرقدونة من حمى ومن موم
إذا اتكأت على الأنماط مرتفقًا ... بدر مران عندي أم كلثوم
وأم كلثوم امرأته وهي ابنة عبد الله بن عامر، فبلغ معاوية شِعره، فأقسم عليه ليلحقنَّ بسفيان في أرض الروم ليصيبه ما أصاب الناس، فسار ومعه جَمع كثير أضافهم إليه أبوه..) (الكامل في التاريخ ـ ج3 ص314).
كانت هذه هي آخر الشبهات والادعاءات والاعتراضات التي أثارها الشيخ عثمان الخميس حول واقعة الطف، وقد أجبنا عنها بأوضح دليل وأجلى برهان، مقتصرين على قدر ما يسعه المقام، تجنبًا للإطالة وطلبًا للاختصار، وفيما قدمنا كفاية لِمن أراد اتباع الحق ونيل الهداية، واجتناب الغواية.
vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
Jannat Alhusain Network © 2024