المسلم المؤدب
28-07-2010, 04:17 PM
القول بجواز الاتيان من الدبر
قال القرطبي الجامع لأحكام القرآن 3/93: ( وممن نُسب إليه هذا القول سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون، وحُكي ذلك عن مالك في كتاب له يُسمَّى كتاب السر، وحُذّاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب...
وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب (جماع النسوان وأحكام القِرَان)، وقال الكيا الطبري: وروي عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأساً ).
وقال ابن قدامة في المغني المغني 8/132 : ( ورُويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك، وروي عن مالك أنه قال: ما أدركتُ أحداً أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال ) .
قال السيوطي الدر المنثور 1/635-638 : ( أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده وتفسيره والبخاري وابن جرير عن نافع قال: قرأت ذات يوم ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنَّى شِئْتُمْ ) قال ابن عمر: أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن.
وأخرج البخاري وابن جرير عن ابن عمر ( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) قال: في الدبر.
وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق النضر بن عبد الله الأزدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر في قوله ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) قال: إن شاء في قُبُلها، وإن شاء في دبرها.
وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده، والطبراني في الأوسط، والحاكم وأبو نعيم في المستخرج بسند حسن عن ابن عمر قال: إنما نزلت على رسول الله (ص) ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) الآية رخصة في إتيان الدبر.
وأخرج ابن جرير والطبراني في الأوسط وابن مردويه وابن النجار بسند حسن عن ابن عمر: أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها في زمن رسول الله (ص)، فأنكر ذلك الناس، وقالوا: أثفرها. فأنزل الله ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) الآية.
وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق أحمد بن الحكم العبدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي (ص) تشكو زوجها، فأنزل الله ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) الآية.
وأخرج النسائي وابن جرير من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر أن رجلاً أتى امرأته في دبرها، فوجد في نفسه من ذلك وجداً شديداً، فأنزل الله ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ).
وأخرج الدارقطني في غرائب مالك من طريق أبي بشر الدولابي... عن عبد الله بن عمر بن حفص وابن أبي ذئب ومالك بن أنس فرقهم كلهم عن نافع قال:
قال لي ابن عمر: امسك على المصحف يا نافع. فقرأ حتى أتى على ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ )، قال لي: أتدري يا نافع فيمَ نزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها، فأعظم الناس ذلك، فأنزل الله ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) الآية. قلت له: مِن دُبرها في قُبُلها؟ قال: لا، إلا في دبرها.
وقال الرفا في فوائده تخريج الدارقطني: نبأنا أبو أحمد بن عبدوس، نبأنا علي بن الجعد، نبأنا ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال: وقع رجل على امرأته في دبرها، فأنزل الله ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنَّى شِئْتُمْ ). قال: فقلت لابن أبي ذئب: ما تقول أنت في هذا؟ قال: ما أقول فيه بعد هذا؟
وأخرج الطبراني وابن مردويه وأحمد بن أسامة التجيبي في فوائده عن نافع قال: قرأ ابن عمر هذه السور، فمرَّ بهذه الآية ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) الآية، فقال: تدري فيمَ أُنزلت هذه الآية؟ قال: لا. قال: في رجال كانوا يأتون النساء في أدبارهن.
وأخرج الدارقطني ودعلج كلاهما في غرائب مالك من طريق أبي مصعب وإسحاق بن محمد القروي كلاهما عن نافع عن ابن عمر أنه قال : يا نافع أمسك على المصحف. فقرأ حتى بلغ ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) الآية، فقال: يا نافع أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها، فوجد في نفسه من ذلك، فسأل النبي (ص)، فأنزل الله الآية.
قال الدارقطني: هذا ثابت عن مالك. وقال ابن عبد البر: الرواية عن ابن عمر بهذا المعنى صحيحة معروفة عنه مشهورة.
وأخرج ابن راهويه وأبو يعلى وابن جرير والطحاوي في مشكل الآثار و ابن مردويه بسند حسن عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها، فأنكر الناس عليه ذلك، فأنزلت ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ).
وأخرج النسائي والطحاوي وابن جرير والدارقطني من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس، أنه قيل له: يا أبا عبد الله إن الناس يروون عن سالم بن عبد الله أنه قال: كذب العبد أو العِلْج على أبي، فقال مالك: أشهدُ على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر مثل ما قال نافع. فقيل له: فإن الحارث ابن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن إنّا نشتري الجواري، أفنحمض لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكر له الدبر، فقال ابن عمر: أف أف، أيفعل ذلك مؤمن؟ أو قال: مسلم؟ فقال مالك: أشهدُ على ربيعة أخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافع.
قال الدارقطني: هذا محفوظ عن مالك صحيح.
وأخرج النسائي من طريق يزيد بن رومان عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر كان لا يرى بأساً أن يأتي الرجل المرأة في دبرها.
وأخرج البيهقي في سننه عن محمد بن علي قال: كنت عند محمد بن كعب القرظي، فجاءه رجل فقال: ما تقول في إتيان المرأة في دبرها؟ فقال: هذا شيخ من قريش فسَلْه. يعنى عبد الله بن علي بن السائب. فقال: قذر ولو كان حلالاً.
وأخرج ابن جرير عن الدراوردي قال: قيل لزيد بن أسلم: إن محمد بن المنكدر نهى عن إتيان النساء في أدبارهن. فقال زيد: أشهدُ على محمد لأخبرني أنه يفعله.
وأخرج ابن جرير عن ابن أبي مليكة أنه سُئل عن إتيان المرأة في دبرها، فقال: قد أردتُه من جارية لي البارحة، فاعتاصتْ عليَّ، فاستعنتُ بِدُهن.
وأخرج الخطيب في رواة مالك عن أبي سليمان الجرجاني قال: سألت مالك بن أنس عن وطء الحلائل في الدبر، فقال لي: الساعة غسلتُ رأسي منه.
وأخرج ابن جرير في كتاب النكاح من طريق ابن وهب عن مالك أنه مباح.
وأخرج الطحاوي من طريق أصبغ بن الفرج عن عبد الله بن القاسم قال: ما أدركتُ أحداً أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال ـ يعني وطء المرأة في دبرها، ثم قرأ ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) ثم قال: فأيُّ شيء أَبْيَنُ من هذا؟
وأخرج الطحاوي والحاكم في مناقب الشافعي والخطيب عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن الشافعي سُئل عنه، فقال: ما صحَّ عن النبي (ص) في تحليله ولا تحريمه شيء، والقياس أنه حلال.
وأخرج الحاكم عن ابن عبد الحكم أن الشافعي ناظَرَ محمد بن الحسن في ذلك، فاحتج عليه ابن الحسن بأن الحرث إنما يكون في الفرج ، فقال له: فيكون ما سوى الفرج محرَّماً ؟ فالتزمه فقال: أرأيت لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها، أفي ذلك حرث ؟ قال: لا. قال: أفيحرم ؟ قال: لا. قال: فكيف تحتج بما لا تقول به )؟
وقال الجصاص في احكام القران عند تفسير قوله تعالى الاتي :
( قَوْله تَعَالَى : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } الْحَرْثُ : الْمُزْدَرَعُ ، وَجُعِلَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كِنَايَةً عَنْ الْجِمَاعِ .
وَسَمَّى النِّسَاءَ حَرْثًا ؛ لِأَنَّهُنَّ مُزْدَرَعُ الْأَوْلَادِ وَقَوْلُهُ : { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إبَاحَةَ الْوَطْءِ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْحَرْثِ .
وَاخْتُلِفَ فِي إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ ، فَكَانَ أَصْحَابُنَا يُحَرِّمُونَ ذَلِكَ وَيَنْهَوْنَ عَنْهُ أَشَدَّ النَّهْيِ ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ فِيمَا حَكَاهُ الْمُزَنِيّ .
قَالَ الطَّحَاوِيُّ : وَحَكَى لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكِيمِ ، أَنَّهُ سَمِعَ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : " مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِهِ وَلَا تَحْلِيلِهِ شَيْءٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ حَلَالٌ " .
وَرَوَى أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ : " مَا أَدْرَكْت أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ فِي دِينِي يَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ حَلَالٌ " يَعْنِي وَطْءَ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا ، ثُمَّ قَرَأَ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } قَالَ : " فَأَيُّ شَيْءٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا ؟ وَمَا أَشُكُّ فِيهِ " قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : فَقُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ : إنَّ عِنْدَنَا بِمِصْرَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يُحَدِّثُنَا عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : قُلْت لِابْنِ عُمَرَ : مَا تَقُولُ فِي الْجَوَارِي أَنُحَمِّضُ لَهُنَّ ؟ فَقَالَ : وَمَا التَّحْمِيضُ ؟ فَذَكَرْت الدُّبُرَ ، قَالَ : وَيَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؟ فَقَالَ مَالِكٌ : فَأَشْهَدُ عَلَى رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُنِي عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْهُ ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : فَقَالَ رَجُلٌ فِي الْمَجْلِسِ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّك تَذْكُرُ عَنْ سَالِمٍ أَنَّهُ قَالَ كَذَبَ الْعَبْدُ وَكَذَبَ الْعِلْجُ عَلَى أَبِي يَعْنِي
نَافِعًا كَمَا كَذَبَ عِكْرِمَةُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ " ؟ فَقَالَ مَالِكٌ : وَأَشْهَدُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ يُحَدِّثُنِي عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَدْ رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ رَجُلًا أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ } ، إلَّا أَنَّ زَيْدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ لَا يُعْلَمُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ ابْنِ عُمَرَ .
وَرَوَى الْفَضْلُ بْنُ فَضَالَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ ، أَنَّهُ قَالَ لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ : إنَّهُ قَدْ أَكْثَرَ عَلَيْك الْقَوْلَ أَنَّك تَقُولُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَفْتَى أَنْ تُؤْتَى النِّسَاءُ فِي أَدْبَارِهِنَّ قَالَ نَافِعٌ : كَذَبُوا عَلَيَّ إنَّ ابْنَ عُمَرَ عَرَضَ الْمُصْحَفَ يَوْمًا حَتَّى بَلَغَ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } فَقَالَ : يَا نَافِعُ هَلْ تَعْلَمُ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الْآيَةِ ؟ قُلْت : لَا قَالَ : إنَّا كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَجْبِي النِّسَاءَ ، وَكَانَتْ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذْنَ عَنْ الْيَهُودِ أَنَّمَا يُؤْتَيْنَ عَلَى جَنُوبِهِنَّ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ .
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ؛ لِأَنَّ نَافِعًا قَدْ حُكِيَ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ السَّبَبِ .
وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ أَيْضًا : قَالَ ذَلِكَ نَافِعٌ يَعْنِي تَحْلِيلَ وَطْءِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ بَعْدَمَا كَبِرَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ إبَاحَةُ ذَلِكَ وَأَصْحَابُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ لِقُبْحِهَا وَشَنَاعَتِهَا ، وَهِيَ عَنْهُ أَشْهُرُ مِنْ أَنْ يَنْدَفِعَ بِنَفْيِهِمْ عَنْهُ .
وَقَدْ حَكَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيِّ قَالَ : كُنْت عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، فَسُئِلَ عَنْ النِّكَاحِ فِي الدُّبُرِ ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ إلَى رَأْسِهِ وَقَالَ : " السَّاعَةُ اغْتَسَلْت مِنْهُ ")
شرح معاني الآثار ج3ص40 : ( يعقوب بن حميد قال ثنا عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد : أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا : أتعزبها فأنزل الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}(البقرة/223). قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى أن وطء المرأة في دبرها جائز واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وتأولوا هذه الآية على إباحة ذلك ) ، وفي معتصر المختصر ج1ص301-302 : ( في إتيان دبر النساء . روى عن ابن عمر أن رجلا أتى امرأة في دبرها فوجد من ذلك في نفسه وجدا شديدا فأنزل الله وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}(البقرة/223). وعن أبي سعيد أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه فأنزل الله تعالى وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية استدل قوم بهذا على الإباحة ) ، وفي المغني ج7ص225 : ( ورويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك ، وروي عن مالك أنه قال : ما أدركت أحد أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال . وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك واحتج من أجله بقول الله تعالى وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}(البقرة/223) وقوله سبحانه {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}(المؤمنون/5-6) ) ، وفي فيض القدير ج6ص24 : ( قال الحافظ ابن حجر في اللسان في ترجمة سهل بن عمار أصل وطء الحليلة في الدبر أي فعله مروي عن ابن عمرو عن نافع وعن مالك من طرق عدة صحيحة بعضها في صحيح البخاري وفي غريب مالك للدارقطني ) ، وقال فيه ج1ص144: ( وما رواه الحاكم عن مالك في قوله ( الآن فعلته بأم ولدي وفعله نافع وابن عمر وفيه نزل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } فتعقبوه بأنه كذب عليه ، لكن رده الحافظ ابن حجر في اللسان : فقال أصله في سبب النزول مروي عن ابن عمر وعن نافع وعن مالك من طرق عدة صحيحة بعضها في البخاري ) راجع لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ج3ص121 ترجمة سهل بن عمار برقم 419 ، وفي فتح الباري لابن حجر العسقلاني ج8ص189-190-191 ح4253 : ( قوله فأخذت عليه يوما أي أمسكت المصحف وهو يقرأ عن ظهر قلب . وجاء ذلك صريحا في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع قال : قال لي ابن عمر : أمسك علي المصحف يا نافع . فقرأ . أخرجه الدارقطني في غرائب مالك قوله (حتى انتهى إلى مكان قال تدري فيما أنزلت قلت لا قال أنزلت في كذا وكذا ثم مضى ) هكذا أورد مبهما لمكان الآية والتفسير (!!) وسأذكر ما فيه بعد قوله . وعن عبد الصمد هو معطوف على قوله أخبرنا النضر بن شميل وهو عند المصنف أيضا عن إسحاق بن راهويه عن عبد الصمد وهو بن عبد الوارث بن سعيد وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من طريق إسحاق بن راهويه عن النضر بن شميل بسنده وعن عبد الصمد بسنده قوله يأتيها في هكذا وقع في جميع النسخ لم يذكر ما بعد الظرف وهو المجرور ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدى (يأتيها في الفرج) وهو من عنده بحسب ما فهمه (!) ثم وقفت على سلفه فيه وهو البرقاني فرأيت في نسخة الصغاني زاد البرقاني (يعني الفرج) (!) وليس مطابقا لما في نفس الرواية عن بن عمر لما سأذكره . وقد قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين : أورد البخاري هذا الحديث في التفسير فقال يأتيها في (…) وترك بياضا (!!) والمسألة مشهورة صنف فيها محمد بن سحنون جزءا وصنف فيها محمد بن شعبان كتابا وبين أن حديث ابن عمر في إتيان المرأة في دبرها ، قوله ( رواه محمد بن يحيى بن سعيد أي القطان عن أبيه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر هكذا ) أعاد الضمير على الذي قبله والذي قبله قد اختصره كما ترى (!) فأما الرواية الأولى وهي رواية ابن عون فقد أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده وفي تفسيره بالإسناد المذكور وقال بدل قوله (حتى انتهى إلى مكان) ، (حتى انتهى إلى قوله {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فقال : أتدرون فيما أنزلت هذه الآية ؟ قلت : لا . قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن . وهكذا أورده بن جرير من طريق إسماعيل بن علية عن ابن عون مثله ومن طريق إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي عن ابن عون نحوه وأخرجه أبو عبيدة في فضائل القرآن عن معاذ بن عون فأبهمه (!) فقال في كذا وكذا وأما رواية عبد الصمد فأخرجها بن جرير في التفسير عن أبي قلابة الرقاشي عن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي فذكره بلفظ (يأتيها في الدبر) وهو يؤيد قول ابن العربي ويرد قول الحميدي ، وهذا الذي استعمله البخاري نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء ولا بد له من نكتة يحسن بسببها استعماله -أقول : نكتة البخاري الحسنة هي ستر الفضيحة !! - وأما رواية محمد بن يحيى بين سعيد القطان فوصلها الطبراني في الأوسط من طريق أبي بكر الأعين عن محمد بن يحيى المذكور بالسند المذكور إلى بن عمر قال : إنما نزلت على رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } رخصة في إتيان الدبر . قال الطبراني : لم يروه عن عبد الله بن عمر إلا يحيى بن سعيد تفرد به ابنه محمد كذا قال ولم يتفرد به يحيى بن سعيد فقد رواه عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر أيضا كما سأذكره بعد وقد روى هذا الحديث عن نافع أيضا جماعة غير من ذكرنا ورواياتهم بذلك ثابتة عند ابن مردويه في تفسيره وفي فوائد الأصبهانيين لأبي الشيخ وتاريخ نيسابور للحاكم وغرائب مالك الدارقطني وغيرها ، وقد عاب الإسماعيلي صنيع البخاري فقال : جميع ما أخرج عن ابن عمر مبهم لا فائدة فيه -أقول : لأمر ما جذع قصير أنفه ! - وقد رويناه عن عبد العزيز يعني الدراوردي عن مالك وعبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب ثلاثتهم عن نافع بالتفسير وعن مالك من عدة أوجه اه كلامه ورواية الدراوردي المذكورة قد أخرجها الدارقطني في غرائب مالك من طريقة عن الثلاثة عن نافع نحو رواية بن عون عنه ولفظه ( نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فنزلت . قال : فقلت : له من دبرها في قبلها ؟ فقال : لا ، إلا في دبرها ) وتابع نافعا على ذلك زيد بن أسلم عن ابن عمر وروايته عند النسائي بإسناد صحيح وتكلم الأزدي في بعض رواته ورد عليه ابن عبد البر فأصاب . قال : ورواية بن عمر لهذا المعنى صحيحة مشهورة من رواية نافع عنه بغير نكير أن يرويها عنه زيد بن أسلم . قلت : وقد رواه عن عبد الله بن عمر أيضا ابنه عبد الله أخرجه النسائي أيضا وسعيد بن يسار وسالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه مثل ما قال نافع وروايتهما عنه عند النسائي وابن جرير ولفظه ( عن عبد الرحمن بن القاسم قلت لمالك : إن ناسا يروون عن سالم : " كذب العبد على أبي " ، فقال مالك : أشهد على زيد ابن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد الله ابن عمر عن أبيه مثل ما قال نافع ، فقلت له : أن الحارث بن يعقوب يروي عن سعيد بن يسار عن ابن عمر أنه قال : " أف أو يقول ذلك مسلم " فقال مالك : أشهد على ربيعة لأخبرني عن سعيد بن يسار عن بن عمر مثل ما قال نافع ) وأخرجه الدارقطني من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك وقال : هذا محفوظ عن مالك صحيح أه روى الخطيب في الرواة عن مالك من طريق إسرائيل بن روح قال : سألت مالكا عن ذلك فقال ما أنتم قوم عرب هل يكون الحرث الا موضع الزرع وعلى هذه القصة اعتمد المتأخرون من المالكية فلعل مالكا رجع عن قوله الأول أو كان يرى أن العمل على خلاف حديث ابن عمر فلم يعمل به وأن كانت الرواية فيه صحيحة على قاعدته ، ولم ينفرد ابن عمر بسبب هذا النزول فقد أخرج أبو يعلى وابن مردويه وابن جرير والطحاوي من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدرى ( أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه ، وقالوا : نعيرها . فأنزل الله عز وجل هذه الآية ) وعلقه النسائي عن هشام بن سعيد عن زيد وهذا السبب في نزول هذه الآية مشهور وكأن حديث أبي سعيد لم يبلغ ابن عباس وبلغه حديث ابن عمر فوّهمه فيه ، فروى أبو داود من طريق مجاهد عن عباس قال أن ابن عمر وهم والله يغفر له إثما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب فكانوا يأخذون بكثير من فعلهم وكان أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة فأخذ ذلك الأنصار عنهم وكان هذا الحي من قريش يتلذذون بنسائهم مقبلات ومدبرات ومستلقيات فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار فذهب يفعل فيها ذلك فامتنعت فسرى أمرهما حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فأنزل الله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} مقبلات ومدبرات ومستلقيات في الفرج أخرجه أحمد والترمذي من وجه آخر صحيح عن ابن عباس قال : جاء عمر فقال : يا رسول الله ، هلكت حولت رحلي البارحة فأنزلت هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أقبل وأدبر واتقى الدبر والحيضة وهذا الذي حمل عليه الآية موافق لحديث جابر المذكور في الباب في سبب نزول الآية كما سأذكره عند الكلام عليه وروى الربيع في الأم عن الشافعي قال احتملت الآية معنيين أحدهما أن تؤتى المرأة حيث شاء زوجها لأن أتى بمعنى أين شئتم واحتملت أن يراد بالحرث موضع النبات والموضع الذي يراد به الولد هو الفرج دون ما سواه قال فاختلف أصحابنا في ذلك وأحسب أن كلا من الفريقين تأول ما وصفت من احتمال الآية قال فطلبنا الدلالة قال فاختلف أصحابنا في ذلك وأحسب أن كلا من الفريقين تأول ما وصفت من احتمال الآية قال فطلبنا الدلالة فوجدنا حديثين أحدهما ثابت وهو حديث خزيمة بن ثابت في التحريم فقوي عنده التحريم . وروى الحاكم في مناقب الشافعي من طريق بن عبد الحكم أنه حكى عن الشافعي مناظرة جرت بينه وبين محمد الحسن في ذلك وأن بن الحسن احتج عليه بان الحرث إنما يكون في الفرج فقال له فيكون ما سوى الفرج محرما فالتزمه فقال أرأيت لو وطئها بين سافيها أو في أعكانها أفي ذلك حرث قال لا قال أفيحرم قال لا قال فكيف تحتج بما لا تقول به قال الحاكم لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم وأما في الجديد فصرح بالتحريم " اه. وقال " وذهب جماعة من أئمة الحديث كالبخارى والذهلي والبزار والنسائي وأبي علي النيسابوري إلى أنه لا يثبت فيه -أي تحريم الدبر- شيء . قلت لكن طرقها كثيرة فمجموعها صالح للاحتجاج به ويؤيد القول بالتحريم أنا لو قدمنا أحاديث الإباحة للزم أنه أبيح بعد أن حرم -أقول : هنا مصادرة صريحة - والأصل عدمه فمن الأحاديث الصالحة الإسناد حديث خزيمة بن ثابت أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان أيضا وحديث ابن عباس وقد تقدمت الإشارة إليه وأخرجه الترمذي من وجه آخر بلفظ لا ينظر الله إلى رجل آتي رجلا أو امرأة في الدبر وصححه ابن حبان أيضا -أقول مذ متى يعتد بتصحيح ابن حبان ويترك تضعيف البخاري ومن على شاكلته ؟!- وإذا كان ذلك صلح أن يخصص عموم الآية ويحمل على الإتيان في غير هذا المحل بناء على أن معنى أني حيث وهو المتبادر إلى السياق ويغنى ذلك عن حملها على معنى آخر غير المتبادر والله أعلم " اه ، أقول : قد سبق كلامك أن طرق التحليل صحيحة وهي الأكثر ! وعلى أي حال غرضنا بيان أن حلية وطء الدبر كان واضحا لدى سلف أهل السنة ، وقد أظهر الله عز وجل مكر القوم وخيانتهم للأمانة في هذه المسألة فتأمل كيف تحاشوا التصريح بألفاظ الحديث فبعضهم يموه والبعض يترك بياضا بدل جملة ( في دبرها ) والبعض يدمج كلامه بين طيات الحديث ليوهم القارئ أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والبعض يدلس وكله على حساب الدين ! ولله في خلقه شؤون ! ، وفي المجموع شرح المهذب للنووي ج16ص416 وما بعدها ، قام الشارح برد معظم الروايات التي تدل على حرمة الوطء في الدبر بالضعف لاشتمال سندها على مجاهيل ومهملين ومن طعن فيهم ، وذكر الراويات التي تدل على الحلية ثم أردف : ( وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : لم يصح عن رسول الله (ص) في تحريمه ولا تحليله شيء والقياس أنه حلال . وقد أخرجه ابن حاتم في مناقب الشافعي وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الأم عنه وكذلك الطحاوي عن عبد الحكم عن الشافعي وروى الحاكم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : سألني محمد بن الحسن فقلت له : إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم -أقول: يدل على أن الروايات لا تصح-، وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك على المناصفة ، قلت : فبأي شيء حرمته قال : بقوله تعالى {فَأْتوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} ، قال {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} والحرث لا يكون إلا في الفرج . قلت: أفيكون ذلك حراما لما سواه ؟ ، قال : نعم . قلت : فما تكون لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أو تحت إبطيها أو أخذت ذكره بيدها أفي ذلك حرث ؟ قال : لا . قلت : فيحرم ذلك ؟ قال : لا . قلت : فلم تحتج بما لا حجة فيه ؟! قال : قال الله تعالى {والَّذينَ هُمْ لِفُروجِهِمْ حافِظونَ} قال : قلت له : هذا ما تحتجون به للجواز إن الله أثنى على من حفظ فرجه عن غير زوجته أو ما ملكت يمينه فقلت له : أنت تتحفظ من زوجتك و من ما ملكت يمينك ! ) ، ثم ذكر الشارح أن هناك من كذّب هذا الخبر عن الشافعي وضعف راوي الخبر وهو ابن عبد الحكم فقال الشارح : (وتعقب الحافظ ابن حجر في التلخيص هذا-أي التكذيب- فقال : ( لا معنى لهذا التكذيب فإن ابن عبد الحكم لم يتفرد بذلك بل قد تابعه عليه عبد الرحمن بن عبد الله أخوه عن الشافعي ) ثم قال : ( أنه لا خلاف في ثقة ابن عبد الحكم وأمانته وقد روي الجواز أيضا عن مالك ) وحُكي أن مالكا سُئل عن ذلك فقال : الآن اغتسلت منه ) ، وفي الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي ج9ص317 ط مكتبة دار الباز : ( قال الشافعي رحمه الله : ذهب بعض أصحابنا في إتيان النساء في أدبارهن إلى إحلاله وآخرون إلى تحريمه ) ، ( وحكي عن نافع وابن أبي مليكة وزيد بن أسلم أنه مباح ، ورواه نافع عن ابن عمر واختلفت الرواية فيه عن مالك فرواه أهل المغرب أنه أباحه في كتاب السِّيرة . وقال أبو مصعب سألته عنه فأباحه . وقال ابن القاسم قال مالك : ما أدركت أحدا اقتدي به في ديني يشك في أنه حلال ، وأنكر أهل العراق ذلك عنه ) ، وفي تفسير القاسمي المسمى بمحاسن التأويل لعلامة الشام محمد جمال الدين القاسمي ج3 تفسير الآية ط الحلبي : ( وثمت روايات أخر تدل على أن هذه الآية إنما نزلت رخصة في إتيان النساء في أدبارهن . قال الطحاوي : روى أصبغ بن نباته عن عبد الرحمن بن القاسم قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك أنه حلال ( يعني وطء المرأة في دبرها ) ثم قرأ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ثم قال : فأي شيء أبين من هذا ؟ هذه حكاية الطحاوي نقلها ابن كثير . وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي : قال ابن القاسم : ولم أدرك أحدا أقتدي به في ديني يشك فيه . والمدنيون يروون في الرخصة عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم . يشير بذلك إلى ما روي عن ابن عمر وأبي سعيد . أما حديث ابن عمر فله طرق . رواه عنه نافع ، وعبيد الله بن عمر بن عبد الله بن عمر ، وزيد بن أسلم ، وسعيد بن يسار ، وغيرهم . أما نافع فاشتهر عنه من طرقٍ كثيرة جدا ، منها رواية مالك ، وأيوب ، وعبيد الله بن عمر العمري ، وابن أبي ذئب ، وعبد الله بن عون ، وهشام بن سعد ، وعمر بن محمد بن زيد ، وعبد الله بن نافع ، وأبان بن صالح ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة . قال الدارقطني ، في أحاديث مالك التي رواها خارج ( الموطأ ) : نا أبو جعفر الأسواني المالكي بمصر ثنا محمد بن أحمد بن حماد نا أبو الحرث أحمد بن سعيد الفهري نا أبو ثابت محمد بن عبيد الله حدثنا الداودي ع عبيد الله بن عمر ابن حفص عن نافع قال : قال لي ابن عمر : أمسك عليّ المصحف يا نافع . فقرأ حتى أتى على هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ …} فقال : تدري يا نافع فيمن أنزلت هذه الآية ؟ قال قلت : لا ؟ قال ، فقال لي : في رجلٍ من الأنصار أصاب امرأته في دبرها ، فأعظم الناس ذلك ، فأنزل الله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قال نافع : فقلت لابن عمر : من دبرها في قبلها ؟ قال : لا . إلا في دبرها . قال أبو ثابت : وحدثني به الداوردي عن مالك وابن أبي ذئب . وفيهما عن نافع مثله . وفي تفسير البقرة من صحيح البخاري : نا إسحاق أنا النضر أنا ابن عون عن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه . فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكانٍ. فقال : تدري فيما أنزلت ؟ فقلت : لا ! قال : نزلت في كذا وكذا . ثم مضى . وعن عبد الصمد حدثني أبي -يعني عبد الوارث-حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر في قوله تعالى { نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } قال : يأتيها في ( … ) قال : ورواه محمد بن يحيى بن سعيد عن أبيه عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر هكذا وقع عنده . والرواية الأولى -في تفسير إسحاق بن راهويه- مثل ما ساق ، لكن عيّن الآية وهي { نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } وعيّن قوله كذا وكذا . فقال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن . وكذا رواه الطبري من طريق ابن علية عن ابن عون . وأما رواية عبد الصمد فهي في تفسير إسحاق أيضا عنه ، وقال فيه : يأتيها في الدبر . وأما رواية محمد فقد أخرجها الطبراني في ( الأوسط ) عن عليّ بن سعيد عن أبي بكر الأعين عن محمد بن يحيى بن سعيد بلفظ : إنما أنزلت {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} رخصة في إتيان الدبر . وأخرجه الحاكم في ( تاريخه ) من طريق عيسى بن مثرود عن عبد الرحمن بن القاسم ومن طريق سهل بن عمار عن عبد الله بن نافع . ورواه الدارقطني في ( غرائب مالك ) من طريق زكريا الساجي عن محمد بن الحرث المدلي عن أبي مصعب . ورواه الخطيب في ( الرواة ) عن مالك من طريق أحمد بن الحكم العبدي . ورواه أبو إسحاق الثعلبي في (تفسيره) والدارقطني -أيضا- من طريق إسحاق بن محمد الغروي . ورواه أبو نعيم في ( تاريخ أصبهان ) من طريق محمد بن صدقة الفدكيّ ، كلهم عن مالك . وقال الدارقطني : هذا ثابت عن مالك . و أما زيد بن أسلم : فروى النسائي والطبري من طريق أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عنه عن ابن عمر : أن رجلا أتي امرأته في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فوجد من ذلك وجدا شديدا ، فأنزل الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } الآية . وأما عبيد الله بن عبد الله بن عمر : فروى النسائي من طريق زيد بن رومان عنه : أنّ ابن عمر كان لا يرى به بأسا . موقوف . وأما سعيد بن يسار : فروى النسائي والطحاوي والطبري من طريق عبد الرحمن بن القاسم قال : قلت لمالك : إن عندنا بمصر الليث بن سعيد يحدث عن الرحث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال : قلت لابن عمر : إنا نشتري الجواري فنحمض لهن ( والتحميض : الإتيان في الدبر ) فقال : أفٍّ ! أوَ يفعل هذا مسلم ؟ قال ابن القاسم : فقال لي مالك : أشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عنه فقال : لا بأس به . وأما حديث أبي سعيد : فرى أبو يعلى وابن مردويه في ( تفسيره ) والطبري والطحاوي من طرق : عن عبد الله بن نافع ، عن هذام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري : أن رجلا أصاب امرأة في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا : أثفرها ! فأنزل الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. ورواه أسامة بن أحمد التجيبي من طريق يحيى بن أيوب بن هاشم بن سعد ، وبلفظه : كنا نأتي النساء في أدبارهن و يسمى ذلك الإثفار ، فأنزل الله الآية . ورواه من طريق معن بن عيسى عن هشام -ولم يسم أبا سعيد- قال : كان رجال الأنصار … . هذا ، وقد روى في تحريم ذلك آثار كثيرة نقلها الحافظ ابن كثير في ( تفسيره ) ، وابن حجر في تخريج الرافعي . وكلها معلولة .-أقول : ومع ذلك يعتمد عليها ابن حجر ويترك الصحيح المستفيض !!_ ولذا قال البزار : لا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا ، لا في الحظر ولا في الإطلاق ، وكل ما روي فيه عن خزيمة بن ثابت من طريق فيه ، فغير صحيح . وكذا روى الحاكم عن الحافظ أبي علي النيسابوري ، ومثله عن النسائي ، وقاله قبلهما البخاري . وحكي ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم في تحريمه ولا تحليله شيءٌ . والقياس أنه حلال . وقال ابن رشد في كتاب ( البيان والتحصيل في شرح العتبية ) روى العتبي عن اتبن القاسم عن مالك أنه قال له -وقد سأله عن ذلك مخليا به - فقال : حلال ليس به بأس . وأخرج الحاكم عن محمد بن عبد الحكم قال : قال الشافعي كلاما كلم به محمد بن الحسن في مسألة إتيان المرأة في دبرها -فذكر الخبر السابق ، ثم ذكر رجوع الشافعي إلى الحرمة تعويلا على حديث خزيمة - وحديث خزيمة رواه الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وأبو نعيم بالسند إلى خزيمة بن ثابت : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال : حلال . فلما ولّى الرجل دعاه - أو أمر به فدُعي - فقال : كيف قلت ؟ في أيّ الخرزتين ؟ أمن دبرها في قبلها ؟ فنعم ! أمْ من دبرها في دبرها فلا ! إن الله لا يستحي من الحق . لا تأتوا النساء في أدبارهن . - أقول : لا أدري كيف سأل الرجل (في دبرها) فغُفل وأخذ الحكم ومن ثم تدورك الخطأ وقيل له (من دبرها أم في دبرها ) !؟ وهل هذا إلا فتح باب السهو في بيان الحكم الشرعي من النبي ؟!؟ - قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير : وفي إسناده عمرو بن أحيحة . وهو مجهول الحال . واختلف في إسناده اختلافا كثيرا . ثم قال الحافظ : وقد قال الشافعي :غلط ابن عيينة في إسناد حديث خزيمة -يعني حين رواه- . وتقدم قول البزار : وكل ما روي فيه عن خزيمة بن ثابت ، من طريق فيه ، فغير صحيح . وقال الرازي في (تفسيره) : ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد من الآية : أنّ الرجل مخيّرٌ بين أن يأتيها من قبلها في قبلها ، وبين أن يأتيها من دبرها في قبلها . فقوله { أَنّى شِئْتُمْ } . محمول على ذلك . ونقل نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهن . وهذا قول مالك . واختيار السيد المرتضى من الشيعة . والمرتضى رواه عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه . وبالجملة فهذا المقام من معارك الرجال ومجاول الأبطال . وقد استفيد مما أسلفناه : أن من جوز ذلك وقف مع لفظ الآية . فإنه تعالى جعل الحرث اسما للمرأة . قال بعض المفسيرين : إن العرب تسمي النساء حرثا . قال الشاعر : (إذا أكل الجراد حرث قوم ، فحرثي همه أكل الجراد ) يريد : امرأتي . قال آخر : ( إنما الأرحام أرضٌ ، ولنا محترثات ) ( فقلبنا الزرع فيها ، وعلى الله النبات.. ! )وحينئذ ففي قوله تعالى : {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} إطلاق في إتيانهن على جميع الوجوه ، فيدخل فيه محل النزاع . واعتمد أيضا من سبب النزول ما رواه البخاري عن ابن عمر كما تقدم . وقال في رواية جابر المروية في (الصحيح) المتقدمة : إن ورود العام على سبب لا يقصره عليه . وأجاب عن توهيم ابن عباس لابن عمر رضي الله عنهم المروي في ( سنن أبي داود ) بأن سنده ليس على شرط البخاري فلا يعارضه ، فيقدم الأصح سندا ، ونظر إلى أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في هذا الباب حديث . قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : ذهب جماعة من أئمة الحديث -كالبخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي علي النيسابوري -إلى أنه لا يثبت فيه شيء . وأما من منع ذلك : فتأول الآيات المتقدمة على صمام واحد . نظر إلى أن الأحاديث المرويّ' -من طرق متعددة- بالزجر عن تعاطيه ، وإن لم تكن شرط الشيخين في الصحة ، إلا أن مجموعها صالحٌ للاحتجاج به " اه . أقول : يقدم الضعيف القليل على الصحيح المستفيض ، هكذا حالهم دائما عند ضيق الخناق ! ، وقال أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن ج1ص173 الحلبي : ( اختلف العلماء في جواز نكاح المرأة في دبرها ، فجوزه طائفة كبيرة ، وقد جمع ذلك ابن شعبان في كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن وأسند جوازه إلى زمرة كريمة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة ، وقد ذكر البخاري عن ابن عون عن نافع قال : كان ابن عمر رضي الله عنه إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه ، فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكانٍ. فقال : أتدري فيما أنزلت ؟ فقلت : لا ! قال : نزلت في كذا وكذا . ثم مضى . ثم أتبعه بحديث أيوب عن نافع عن ابن عمر : {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قال : يأتيها في ( … ) ولم يذكر بعده شيئا ) ، وعنون الراغب الأصفهاني في كتابه محاضرات الأدباء ج2ص267 فرعا بعنوان ( الرخصة في إتيان المرأة في دبرها ) فقال : ( استدل مالك في ذلك بقوله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} وقالت عائشة رضي الله عنها : إذا حاضت المرأة حرم الجحران ، فدل على أنهما كانا حلالا قبل الحيض) .
وفي النهاية لا بأس بذكر ما صادفناه في كتب أهل السنة مما يرفع به الملل والضجر ، نحو ما نقله العلامة السيوطي في دره المنثور ج1ص256: ( وأخرج ابن جرير عن ابن أبى مليكة أنه سئل عن إتيان المرأة في دبرها فقال : قد أردته من جارية لي البارحة ، فاعتاصت عليّ ، فاستعنت بدهن !! ) ، وجزم الإمام العز بن عبد السلام بتجويز ابن أبي مليكة إتيان النساء في أدبارهن فقال في تفسيره ج1ص215 : ( وبه قال ابن أبي مليكة ). ومن الدر نفسه : ( وأخرج الخطيب في رواة مالك عن أبى سليمان الجوزجانى قال : سألت مالك بن أنس عن وطئ الحلائل في الدبر ، فقال لي : الساعة غسلت رأسي منه ! ) ، وفي تهذيب الكمال ج26ص101 رقم 5462 : ( محمد بن عجلان القرشي أبو عبد الله المدني . كان عابدا ناسكا فقيها وكان له حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يفتي . قال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه ثقة ، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه سمعت بن عيينة يقول حدثنا محمد بن عجلان وكان ثقة ، وقال عبد الله بن أحمد أيضا سألت أبي عن محمد بن عجلان وموسى بن عقبة أيهما أعجب إليك فقال جميعا ثقة وما أقربهما كان ابن عيينة يثني على محمد بن عجلان وقال إسحاق عن يحيى بن معين ثقة وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل قيل ليحيى بن معين من تقدم داود بن قيس أو محمد بن عجلان قال محمد وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين محمد بن عجلان ثقة أوثق من محمد بن عمرو بن علقمة ما يشك في هذا أحد . وكان ثقة كثير الحديث ، وقال أبو سعيد بن يونس قدم مصر وصار إلى الإسكندرية فتزوج بها امرأة من أهلها فأتاها في دبرها فشكته إلى أهلها فشاع ذلك ، فصاح به أهل الإسكندرية فخرج منها ) ، أقول : هكذا العلماء وإلا فلا ! ، وفي كتاب محاضرات الأدباء ج2ص268 ط دار مكتبة الحياة : ( رفعت امرأة قصة إلى القاضي تدعي أن زوجها يأتيها في دبرها ، فسأله فقال : نعم ! (…) في دبرها ، وهو مذهبي ومذهب مالك ! فخجل القاضي ). وقد ذكر الراغب الأصفهاني في نفس الصفحة أبيات شعر لهمام القاضي يروم وطأ امرأة في دبرها على مذهب الإمام مالك فنظم لها رغبته على القافية ! : (
ومذعورةٍ جاءت على غير موعد تقنّصتها والنجم قد كاد يطلعُ ، فقلت لها لما استمرّ حديثها ونفسي إلى أشياء منها تطلعُ ، أبيني لنا هل تؤمنينَ بمالكٍ ؟ فإني بحبِّ المالكية مولع ، فقالت : نعم إني أدينُ بدينهِ ومذهبُه عدلٌ لديّ ومقنعُ ، فبتنا إلى الإصباح ندعو لمالكٍ ونؤثر فتياهُ احتساباً ونتبعُ ) اه. أقول : كل هذا يدل على أن مذهب مالك كان مشهورا معروفا حتى عرفته مجان الشعراء وصارت تنظمه وتتغزل به !
قال القرطبي الجامع لأحكام القرآن 3/93: ( وممن نُسب إليه هذا القول سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون، وحُكي ذلك عن مالك في كتاب له يُسمَّى كتاب السر، وحُذّاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب...
وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب (جماع النسوان وأحكام القِرَان)، وقال الكيا الطبري: وروي عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأساً ).
وقال ابن قدامة في المغني المغني 8/132 : ( ورُويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك، وروي عن مالك أنه قال: ما أدركتُ أحداً أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال ) .
قال السيوطي الدر المنثور 1/635-638 : ( أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده وتفسيره والبخاري وابن جرير عن نافع قال: قرأت ذات يوم ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنَّى شِئْتُمْ ) قال ابن عمر: أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن.
وأخرج البخاري وابن جرير عن ابن عمر ( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) قال: في الدبر.
وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق النضر بن عبد الله الأزدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر في قوله ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) قال: إن شاء في قُبُلها، وإن شاء في دبرها.
وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده، والطبراني في الأوسط، والحاكم وأبو نعيم في المستخرج بسند حسن عن ابن عمر قال: إنما نزلت على رسول الله (ص) ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) الآية رخصة في إتيان الدبر.
وأخرج ابن جرير والطبراني في الأوسط وابن مردويه وابن النجار بسند حسن عن ابن عمر: أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها في زمن رسول الله (ص)، فأنكر ذلك الناس، وقالوا: أثفرها. فأنزل الله ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) الآية.
وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق أحمد بن الحكم العبدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي (ص) تشكو زوجها، فأنزل الله ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) الآية.
وأخرج النسائي وابن جرير من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر أن رجلاً أتى امرأته في دبرها، فوجد في نفسه من ذلك وجداً شديداً، فأنزل الله ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ).
وأخرج الدارقطني في غرائب مالك من طريق أبي بشر الدولابي... عن عبد الله بن عمر بن حفص وابن أبي ذئب ومالك بن أنس فرقهم كلهم عن نافع قال:
قال لي ابن عمر: امسك على المصحف يا نافع. فقرأ حتى أتى على ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ )، قال لي: أتدري يا نافع فيمَ نزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها، فأعظم الناس ذلك، فأنزل الله ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) الآية. قلت له: مِن دُبرها في قُبُلها؟ قال: لا، إلا في دبرها.
وقال الرفا في فوائده تخريج الدارقطني: نبأنا أبو أحمد بن عبدوس، نبأنا علي بن الجعد، نبأنا ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال: وقع رجل على امرأته في دبرها، فأنزل الله ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنَّى شِئْتُمْ ). قال: فقلت لابن أبي ذئب: ما تقول أنت في هذا؟ قال: ما أقول فيه بعد هذا؟
وأخرج الطبراني وابن مردويه وأحمد بن أسامة التجيبي في فوائده عن نافع قال: قرأ ابن عمر هذه السور، فمرَّ بهذه الآية ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) الآية، فقال: تدري فيمَ أُنزلت هذه الآية؟ قال: لا. قال: في رجال كانوا يأتون النساء في أدبارهن.
وأخرج الدارقطني ودعلج كلاهما في غرائب مالك من طريق أبي مصعب وإسحاق بن محمد القروي كلاهما عن نافع عن ابن عمر أنه قال : يا نافع أمسك على المصحف. فقرأ حتى بلغ ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) الآية، فقال: يا نافع أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها، فوجد في نفسه من ذلك، فسأل النبي (ص)، فأنزل الله الآية.
قال الدارقطني: هذا ثابت عن مالك. وقال ابن عبد البر: الرواية عن ابن عمر بهذا المعنى صحيحة معروفة عنه مشهورة.
وأخرج ابن راهويه وأبو يعلى وابن جرير والطحاوي في مشكل الآثار و ابن مردويه بسند حسن عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها، فأنكر الناس عليه ذلك، فأنزلت ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ).
وأخرج النسائي والطحاوي وابن جرير والدارقطني من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس، أنه قيل له: يا أبا عبد الله إن الناس يروون عن سالم بن عبد الله أنه قال: كذب العبد أو العِلْج على أبي، فقال مالك: أشهدُ على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر مثل ما قال نافع. فقيل له: فإن الحارث ابن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن إنّا نشتري الجواري، أفنحمض لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكر له الدبر، فقال ابن عمر: أف أف، أيفعل ذلك مؤمن؟ أو قال: مسلم؟ فقال مالك: أشهدُ على ربيعة أخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافع.
قال الدارقطني: هذا محفوظ عن مالك صحيح.
وأخرج النسائي من طريق يزيد بن رومان عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر كان لا يرى بأساً أن يأتي الرجل المرأة في دبرها.
وأخرج البيهقي في سننه عن محمد بن علي قال: كنت عند محمد بن كعب القرظي، فجاءه رجل فقال: ما تقول في إتيان المرأة في دبرها؟ فقال: هذا شيخ من قريش فسَلْه. يعنى عبد الله بن علي بن السائب. فقال: قذر ولو كان حلالاً.
وأخرج ابن جرير عن الدراوردي قال: قيل لزيد بن أسلم: إن محمد بن المنكدر نهى عن إتيان النساء في أدبارهن. فقال زيد: أشهدُ على محمد لأخبرني أنه يفعله.
وأخرج ابن جرير عن ابن أبي مليكة أنه سُئل عن إتيان المرأة في دبرها، فقال: قد أردتُه من جارية لي البارحة، فاعتاصتْ عليَّ، فاستعنتُ بِدُهن.
وأخرج الخطيب في رواة مالك عن أبي سليمان الجرجاني قال: سألت مالك بن أنس عن وطء الحلائل في الدبر، فقال لي: الساعة غسلتُ رأسي منه.
وأخرج ابن جرير في كتاب النكاح من طريق ابن وهب عن مالك أنه مباح.
وأخرج الطحاوي من طريق أصبغ بن الفرج عن عبد الله بن القاسم قال: ما أدركتُ أحداً أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال ـ يعني وطء المرأة في دبرها، ثم قرأ ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) ثم قال: فأيُّ شيء أَبْيَنُ من هذا؟
وأخرج الطحاوي والحاكم في مناقب الشافعي والخطيب عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن الشافعي سُئل عنه، فقال: ما صحَّ عن النبي (ص) في تحليله ولا تحريمه شيء، والقياس أنه حلال.
وأخرج الحاكم عن ابن عبد الحكم أن الشافعي ناظَرَ محمد بن الحسن في ذلك، فاحتج عليه ابن الحسن بأن الحرث إنما يكون في الفرج ، فقال له: فيكون ما سوى الفرج محرَّماً ؟ فالتزمه فقال: أرأيت لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها، أفي ذلك حرث ؟ قال: لا. قال: أفيحرم ؟ قال: لا. قال: فكيف تحتج بما لا تقول به )؟
وقال الجصاص في احكام القران عند تفسير قوله تعالى الاتي :
( قَوْله تَعَالَى : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } الْحَرْثُ : الْمُزْدَرَعُ ، وَجُعِلَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كِنَايَةً عَنْ الْجِمَاعِ .
وَسَمَّى النِّسَاءَ حَرْثًا ؛ لِأَنَّهُنَّ مُزْدَرَعُ الْأَوْلَادِ وَقَوْلُهُ : { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إبَاحَةَ الْوَطْءِ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْحَرْثِ .
وَاخْتُلِفَ فِي إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ ، فَكَانَ أَصْحَابُنَا يُحَرِّمُونَ ذَلِكَ وَيَنْهَوْنَ عَنْهُ أَشَدَّ النَّهْيِ ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ فِيمَا حَكَاهُ الْمُزَنِيّ .
قَالَ الطَّحَاوِيُّ : وَحَكَى لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكِيمِ ، أَنَّهُ سَمِعَ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : " مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِهِ وَلَا تَحْلِيلِهِ شَيْءٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ حَلَالٌ " .
وَرَوَى أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ : " مَا أَدْرَكْت أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ فِي دِينِي يَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ حَلَالٌ " يَعْنِي وَطْءَ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا ، ثُمَّ قَرَأَ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } قَالَ : " فَأَيُّ شَيْءٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا ؟ وَمَا أَشُكُّ فِيهِ " قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : فَقُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ : إنَّ عِنْدَنَا بِمِصْرَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يُحَدِّثُنَا عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : قُلْت لِابْنِ عُمَرَ : مَا تَقُولُ فِي الْجَوَارِي أَنُحَمِّضُ لَهُنَّ ؟ فَقَالَ : وَمَا التَّحْمِيضُ ؟ فَذَكَرْت الدُّبُرَ ، قَالَ : وَيَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؟ فَقَالَ مَالِكٌ : فَأَشْهَدُ عَلَى رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُنِي عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْهُ ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : فَقَالَ رَجُلٌ فِي الْمَجْلِسِ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّك تَذْكُرُ عَنْ سَالِمٍ أَنَّهُ قَالَ كَذَبَ الْعَبْدُ وَكَذَبَ الْعِلْجُ عَلَى أَبِي يَعْنِي
نَافِعًا كَمَا كَذَبَ عِكْرِمَةُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ " ؟ فَقَالَ مَالِكٌ : وَأَشْهَدُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ يُحَدِّثُنِي عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَدْ رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ رَجُلًا أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ } ، إلَّا أَنَّ زَيْدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ لَا يُعْلَمُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ ابْنِ عُمَرَ .
وَرَوَى الْفَضْلُ بْنُ فَضَالَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ ، أَنَّهُ قَالَ لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ : إنَّهُ قَدْ أَكْثَرَ عَلَيْك الْقَوْلَ أَنَّك تَقُولُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَفْتَى أَنْ تُؤْتَى النِّسَاءُ فِي أَدْبَارِهِنَّ قَالَ نَافِعٌ : كَذَبُوا عَلَيَّ إنَّ ابْنَ عُمَرَ عَرَضَ الْمُصْحَفَ يَوْمًا حَتَّى بَلَغَ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } فَقَالَ : يَا نَافِعُ هَلْ تَعْلَمُ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الْآيَةِ ؟ قُلْت : لَا قَالَ : إنَّا كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَجْبِي النِّسَاءَ ، وَكَانَتْ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذْنَ عَنْ الْيَهُودِ أَنَّمَا يُؤْتَيْنَ عَلَى جَنُوبِهِنَّ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ .
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ؛ لِأَنَّ نَافِعًا قَدْ حُكِيَ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ السَّبَبِ .
وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ أَيْضًا : قَالَ ذَلِكَ نَافِعٌ يَعْنِي تَحْلِيلَ وَطْءِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ بَعْدَمَا كَبِرَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ إبَاحَةُ ذَلِكَ وَأَصْحَابُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ لِقُبْحِهَا وَشَنَاعَتِهَا ، وَهِيَ عَنْهُ أَشْهُرُ مِنْ أَنْ يَنْدَفِعَ بِنَفْيِهِمْ عَنْهُ .
وَقَدْ حَكَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيِّ قَالَ : كُنْت عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، فَسُئِلَ عَنْ النِّكَاحِ فِي الدُّبُرِ ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ إلَى رَأْسِهِ وَقَالَ : " السَّاعَةُ اغْتَسَلْت مِنْهُ ")
شرح معاني الآثار ج3ص40 : ( يعقوب بن حميد قال ثنا عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد : أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا : أتعزبها فأنزل الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}(البقرة/223). قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى أن وطء المرأة في دبرها جائز واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وتأولوا هذه الآية على إباحة ذلك ) ، وفي معتصر المختصر ج1ص301-302 : ( في إتيان دبر النساء . روى عن ابن عمر أن رجلا أتى امرأة في دبرها فوجد من ذلك في نفسه وجدا شديدا فأنزل الله وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}(البقرة/223). وعن أبي سعيد أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه فأنزل الله تعالى وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية استدل قوم بهذا على الإباحة ) ، وفي المغني ج7ص225 : ( ورويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك ، وروي عن مالك أنه قال : ما أدركت أحد أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال . وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك واحتج من أجله بقول الله تعالى وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}(البقرة/223) وقوله سبحانه {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}(المؤمنون/5-6) ) ، وفي فيض القدير ج6ص24 : ( قال الحافظ ابن حجر في اللسان في ترجمة سهل بن عمار أصل وطء الحليلة في الدبر أي فعله مروي عن ابن عمرو عن نافع وعن مالك من طرق عدة صحيحة بعضها في صحيح البخاري وفي غريب مالك للدارقطني ) ، وقال فيه ج1ص144: ( وما رواه الحاكم عن مالك في قوله ( الآن فعلته بأم ولدي وفعله نافع وابن عمر وفيه نزل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } فتعقبوه بأنه كذب عليه ، لكن رده الحافظ ابن حجر في اللسان : فقال أصله في سبب النزول مروي عن ابن عمر وعن نافع وعن مالك من طرق عدة صحيحة بعضها في البخاري ) راجع لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ج3ص121 ترجمة سهل بن عمار برقم 419 ، وفي فتح الباري لابن حجر العسقلاني ج8ص189-190-191 ح4253 : ( قوله فأخذت عليه يوما أي أمسكت المصحف وهو يقرأ عن ظهر قلب . وجاء ذلك صريحا في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع قال : قال لي ابن عمر : أمسك علي المصحف يا نافع . فقرأ . أخرجه الدارقطني في غرائب مالك قوله (حتى انتهى إلى مكان قال تدري فيما أنزلت قلت لا قال أنزلت في كذا وكذا ثم مضى ) هكذا أورد مبهما لمكان الآية والتفسير (!!) وسأذكر ما فيه بعد قوله . وعن عبد الصمد هو معطوف على قوله أخبرنا النضر بن شميل وهو عند المصنف أيضا عن إسحاق بن راهويه عن عبد الصمد وهو بن عبد الوارث بن سعيد وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من طريق إسحاق بن راهويه عن النضر بن شميل بسنده وعن عبد الصمد بسنده قوله يأتيها في هكذا وقع في جميع النسخ لم يذكر ما بعد الظرف وهو المجرور ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدى (يأتيها في الفرج) وهو من عنده بحسب ما فهمه (!) ثم وقفت على سلفه فيه وهو البرقاني فرأيت في نسخة الصغاني زاد البرقاني (يعني الفرج) (!) وليس مطابقا لما في نفس الرواية عن بن عمر لما سأذكره . وقد قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين : أورد البخاري هذا الحديث في التفسير فقال يأتيها في (…) وترك بياضا (!!) والمسألة مشهورة صنف فيها محمد بن سحنون جزءا وصنف فيها محمد بن شعبان كتابا وبين أن حديث ابن عمر في إتيان المرأة في دبرها ، قوله ( رواه محمد بن يحيى بن سعيد أي القطان عن أبيه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر هكذا ) أعاد الضمير على الذي قبله والذي قبله قد اختصره كما ترى (!) فأما الرواية الأولى وهي رواية ابن عون فقد أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده وفي تفسيره بالإسناد المذكور وقال بدل قوله (حتى انتهى إلى مكان) ، (حتى انتهى إلى قوله {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فقال : أتدرون فيما أنزلت هذه الآية ؟ قلت : لا . قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن . وهكذا أورده بن جرير من طريق إسماعيل بن علية عن ابن عون مثله ومن طريق إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي عن ابن عون نحوه وأخرجه أبو عبيدة في فضائل القرآن عن معاذ بن عون فأبهمه (!) فقال في كذا وكذا وأما رواية عبد الصمد فأخرجها بن جرير في التفسير عن أبي قلابة الرقاشي عن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي فذكره بلفظ (يأتيها في الدبر) وهو يؤيد قول ابن العربي ويرد قول الحميدي ، وهذا الذي استعمله البخاري نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء ولا بد له من نكتة يحسن بسببها استعماله -أقول : نكتة البخاري الحسنة هي ستر الفضيحة !! - وأما رواية محمد بن يحيى بين سعيد القطان فوصلها الطبراني في الأوسط من طريق أبي بكر الأعين عن محمد بن يحيى المذكور بالسند المذكور إلى بن عمر قال : إنما نزلت على رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } رخصة في إتيان الدبر . قال الطبراني : لم يروه عن عبد الله بن عمر إلا يحيى بن سعيد تفرد به ابنه محمد كذا قال ولم يتفرد به يحيى بن سعيد فقد رواه عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر أيضا كما سأذكره بعد وقد روى هذا الحديث عن نافع أيضا جماعة غير من ذكرنا ورواياتهم بذلك ثابتة عند ابن مردويه في تفسيره وفي فوائد الأصبهانيين لأبي الشيخ وتاريخ نيسابور للحاكم وغرائب مالك الدارقطني وغيرها ، وقد عاب الإسماعيلي صنيع البخاري فقال : جميع ما أخرج عن ابن عمر مبهم لا فائدة فيه -أقول : لأمر ما جذع قصير أنفه ! - وقد رويناه عن عبد العزيز يعني الدراوردي عن مالك وعبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب ثلاثتهم عن نافع بالتفسير وعن مالك من عدة أوجه اه كلامه ورواية الدراوردي المذكورة قد أخرجها الدارقطني في غرائب مالك من طريقة عن الثلاثة عن نافع نحو رواية بن عون عنه ولفظه ( نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فنزلت . قال : فقلت : له من دبرها في قبلها ؟ فقال : لا ، إلا في دبرها ) وتابع نافعا على ذلك زيد بن أسلم عن ابن عمر وروايته عند النسائي بإسناد صحيح وتكلم الأزدي في بعض رواته ورد عليه ابن عبد البر فأصاب . قال : ورواية بن عمر لهذا المعنى صحيحة مشهورة من رواية نافع عنه بغير نكير أن يرويها عنه زيد بن أسلم . قلت : وقد رواه عن عبد الله بن عمر أيضا ابنه عبد الله أخرجه النسائي أيضا وسعيد بن يسار وسالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه مثل ما قال نافع وروايتهما عنه عند النسائي وابن جرير ولفظه ( عن عبد الرحمن بن القاسم قلت لمالك : إن ناسا يروون عن سالم : " كذب العبد على أبي " ، فقال مالك : أشهد على زيد ابن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد الله ابن عمر عن أبيه مثل ما قال نافع ، فقلت له : أن الحارث بن يعقوب يروي عن سعيد بن يسار عن ابن عمر أنه قال : " أف أو يقول ذلك مسلم " فقال مالك : أشهد على ربيعة لأخبرني عن سعيد بن يسار عن بن عمر مثل ما قال نافع ) وأخرجه الدارقطني من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك وقال : هذا محفوظ عن مالك صحيح أه روى الخطيب في الرواة عن مالك من طريق إسرائيل بن روح قال : سألت مالكا عن ذلك فقال ما أنتم قوم عرب هل يكون الحرث الا موضع الزرع وعلى هذه القصة اعتمد المتأخرون من المالكية فلعل مالكا رجع عن قوله الأول أو كان يرى أن العمل على خلاف حديث ابن عمر فلم يعمل به وأن كانت الرواية فيه صحيحة على قاعدته ، ولم ينفرد ابن عمر بسبب هذا النزول فقد أخرج أبو يعلى وابن مردويه وابن جرير والطحاوي من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدرى ( أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه ، وقالوا : نعيرها . فأنزل الله عز وجل هذه الآية ) وعلقه النسائي عن هشام بن سعيد عن زيد وهذا السبب في نزول هذه الآية مشهور وكأن حديث أبي سعيد لم يبلغ ابن عباس وبلغه حديث ابن عمر فوّهمه فيه ، فروى أبو داود من طريق مجاهد عن عباس قال أن ابن عمر وهم والله يغفر له إثما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب فكانوا يأخذون بكثير من فعلهم وكان أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة فأخذ ذلك الأنصار عنهم وكان هذا الحي من قريش يتلذذون بنسائهم مقبلات ومدبرات ومستلقيات فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار فذهب يفعل فيها ذلك فامتنعت فسرى أمرهما حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فأنزل الله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} مقبلات ومدبرات ومستلقيات في الفرج أخرجه أحمد والترمذي من وجه آخر صحيح عن ابن عباس قال : جاء عمر فقال : يا رسول الله ، هلكت حولت رحلي البارحة فأنزلت هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أقبل وأدبر واتقى الدبر والحيضة وهذا الذي حمل عليه الآية موافق لحديث جابر المذكور في الباب في سبب نزول الآية كما سأذكره عند الكلام عليه وروى الربيع في الأم عن الشافعي قال احتملت الآية معنيين أحدهما أن تؤتى المرأة حيث شاء زوجها لأن أتى بمعنى أين شئتم واحتملت أن يراد بالحرث موضع النبات والموضع الذي يراد به الولد هو الفرج دون ما سواه قال فاختلف أصحابنا في ذلك وأحسب أن كلا من الفريقين تأول ما وصفت من احتمال الآية قال فطلبنا الدلالة قال فاختلف أصحابنا في ذلك وأحسب أن كلا من الفريقين تأول ما وصفت من احتمال الآية قال فطلبنا الدلالة فوجدنا حديثين أحدهما ثابت وهو حديث خزيمة بن ثابت في التحريم فقوي عنده التحريم . وروى الحاكم في مناقب الشافعي من طريق بن عبد الحكم أنه حكى عن الشافعي مناظرة جرت بينه وبين محمد الحسن في ذلك وأن بن الحسن احتج عليه بان الحرث إنما يكون في الفرج فقال له فيكون ما سوى الفرج محرما فالتزمه فقال أرأيت لو وطئها بين سافيها أو في أعكانها أفي ذلك حرث قال لا قال أفيحرم قال لا قال فكيف تحتج بما لا تقول به قال الحاكم لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم وأما في الجديد فصرح بالتحريم " اه. وقال " وذهب جماعة من أئمة الحديث كالبخارى والذهلي والبزار والنسائي وأبي علي النيسابوري إلى أنه لا يثبت فيه -أي تحريم الدبر- شيء . قلت لكن طرقها كثيرة فمجموعها صالح للاحتجاج به ويؤيد القول بالتحريم أنا لو قدمنا أحاديث الإباحة للزم أنه أبيح بعد أن حرم -أقول : هنا مصادرة صريحة - والأصل عدمه فمن الأحاديث الصالحة الإسناد حديث خزيمة بن ثابت أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان أيضا وحديث ابن عباس وقد تقدمت الإشارة إليه وأخرجه الترمذي من وجه آخر بلفظ لا ينظر الله إلى رجل آتي رجلا أو امرأة في الدبر وصححه ابن حبان أيضا -أقول مذ متى يعتد بتصحيح ابن حبان ويترك تضعيف البخاري ومن على شاكلته ؟!- وإذا كان ذلك صلح أن يخصص عموم الآية ويحمل على الإتيان في غير هذا المحل بناء على أن معنى أني حيث وهو المتبادر إلى السياق ويغنى ذلك عن حملها على معنى آخر غير المتبادر والله أعلم " اه ، أقول : قد سبق كلامك أن طرق التحليل صحيحة وهي الأكثر ! وعلى أي حال غرضنا بيان أن حلية وطء الدبر كان واضحا لدى سلف أهل السنة ، وقد أظهر الله عز وجل مكر القوم وخيانتهم للأمانة في هذه المسألة فتأمل كيف تحاشوا التصريح بألفاظ الحديث فبعضهم يموه والبعض يترك بياضا بدل جملة ( في دبرها ) والبعض يدمج كلامه بين طيات الحديث ليوهم القارئ أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والبعض يدلس وكله على حساب الدين ! ولله في خلقه شؤون ! ، وفي المجموع شرح المهذب للنووي ج16ص416 وما بعدها ، قام الشارح برد معظم الروايات التي تدل على حرمة الوطء في الدبر بالضعف لاشتمال سندها على مجاهيل ومهملين ومن طعن فيهم ، وذكر الراويات التي تدل على الحلية ثم أردف : ( وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : لم يصح عن رسول الله (ص) في تحريمه ولا تحليله شيء والقياس أنه حلال . وقد أخرجه ابن حاتم في مناقب الشافعي وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الأم عنه وكذلك الطحاوي عن عبد الحكم عن الشافعي وروى الحاكم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : سألني محمد بن الحسن فقلت له : إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم -أقول: يدل على أن الروايات لا تصح-، وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك على المناصفة ، قلت : فبأي شيء حرمته قال : بقوله تعالى {فَأْتوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} ، قال {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} والحرث لا يكون إلا في الفرج . قلت: أفيكون ذلك حراما لما سواه ؟ ، قال : نعم . قلت : فما تكون لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أو تحت إبطيها أو أخذت ذكره بيدها أفي ذلك حرث ؟ قال : لا . قلت : فيحرم ذلك ؟ قال : لا . قلت : فلم تحتج بما لا حجة فيه ؟! قال : قال الله تعالى {والَّذينَ هُمْ لِفُروجِهِمْ حافِظونَ} قال : قلت له : هذا ما تحتجون به للجواز إن الله أثنى على من حفظ فرجه عن غير زوجته أو ما ملكت يمينه فقلت له : أنت تتحفظ من زوجتك و من ما ملكت يمينك ! ) ، ثم ذكر الشارح أن هناك من كذّب هذا الخبر عن الشافعي وضعف راوي الخبر وهو ابن عبد الحكم فقال الشارح : (وتعقب الحافظ ابن حجر في التلخيص هذا-أي التكذيب- فقال : ( لا معنى لهذا التكذيب فإن ابن عبد الحكم لم يتفرد بذلك بل قد تابعه عليه عبد الرحمن بن عبد الله أخوه عن الشافعي ) ثم قال : ( أنه لا خلاف في ثقة ابن عبد الحكم وأمانته وقد روي الجواز أيضا عن مالك ) وحُكي أن مالكا سُئل عن ذلك فقال : الآن اغتسلت منه ) ، وفي الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي ج9ص317 ط مكتبة دار الباز : ( قال الشافعي رحمه الله : ذهب بعض أصحابنا في إتيان النساء في أدبارهن إلى إحلاله وآخرون إلى تحريمه ) ، ( وحكي عن نافع وابن أبي مليكة وزيد بن أسلم أنه مباح ، ورواه نافع عن ابن عمر واختلفت الرواية فيه عن مالك فرواه أهل المغرب أنه أباحه في كتاب السِّيرة . وقال أبو مصعب سألته عنه فأباحه . وقال ابن القاسم قال مالك : ما أدركت أحدا اقتدي به في ديني يشك في أنه حلال ، وأنكر أهل العراق ذلك عنه ) ، وفي تفسير القاسمي المسمى بمحاسن التأويل لعلامة الشام محمد جمال الدين القاسمي ج3 تفسير الآية ط الحلبي : ( وثمت روايات أخر تدل على أن هذه الآية إنما نزلت رخصة في إتيان النساء في أدبارهن . قال الطحاوي : روى أصبغ بن نباته عن عبد الرحمن بن القاسم قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك أنه حلال ( يعني وطء المرأة في دبرها ) ثم قرأ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ثم قال : فأي شيء أبين من هذا ؟ هذه حكاية الطحاوي نقلها ابن كثير . وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي : قال ابن القاسم : ولم أدرك أحدا أقتدي به في ديني يشك فيه . والمدنيون يروون في الرخصة عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم . يشير بذلك إلى ما روي عن ابن عمر وأبي سعيد . أما حديث ابن عمر فله طرق . رواه عنه نافع ، وعبيد الله بن عمر بن عبد الله بن عمر ، وزيد بن أسلم ، وسعيد بن يسار ، وغيرهم . أما نافع فاشتهر عنه من طرقٍ كثيرة جدا ، منها رواية مالك ، وأيوب ، وعبيد الله بن عمر العمري ، وابن أبي ذئب ، وعبد الله بن عون ، وهشام بن سعد ، وعمر بن محمد بن زيد ، وعبد الله بن نافع ، وأبان بن صالح ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة . قال الدارقطني ، في أحاديث مالك التي رواها خارج ( الموطأ ) : نا أبو جعفر الأسواني المالكي بمصر ثنا محمد بن أحمد بن حماد نا أبو الحرث أحمد بن سعيد الفهري نا أبو ثابت محمد بن عبيد الله حدثنا الداودي ع عبيد الله بن عمر ابن حفص عن نافع قال : قال لي ابن عمر : أمسك عليّ المصحف يا نافع . فقرأ حتى أتى على هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ …} فقال : تدري يا نافع فيمن أنزلت هذه الآية ؟ قال قلت : لا ؟ قال ، فقال لي : في رجلٍ من الأنصار أصاب امرأته في دبرها ، فأعظم الناس ذلك ، فأنزل الله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قال نافع : فقلت لابن عمر : من دبرها في قبلها ؟ قال : لا . إلا في دبرها . قال أبو ثابت : وحدثني به الداوردي عن مالك وابن أبي ذئب . وفيهما عن نافع مثله . وفي تفسير البقرة من صحيح البخاري : نا إسحاق أنا النضر أنا ابن عون عن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه . فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكانٍ. فقال : تدري فيما أنزلت ؟ فقلت : لا ! قال : نزلت في كذا وكذا . ثم مضى . وعن عبد الصمد حدثني أبي -يعني عبد الوارث-حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر في قوله تعالى { نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } قال : يأتيها في ( … ) قال : ورواه محمد بن يحيى بن سعيد عن أبيه عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر هكذا وقع عنده . والرواية الأولى -في تفسير إسحاق بن راهويه- مثل ما ساق ، لكن عيّن الآية وهي { نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } وعيّن قوله كذا وكذا . فقال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن . وكذا رواه الطبري من طريق ابن علية عن ابن عون . وأما رواية عبد الصمد فهي في تفسير إسحاق أيضا عنه ، وقال فيه : يأتيها في الدبر . وأما رواية محمد فقد أخرجها الطبراني في ( الأوسط ) عن عليّ بن سعيد عن أبي بكر الأعين عن محمد بن يحيى بن سعيد بلفظ : إنما أنزلت {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} رخصة في إتيان الدبر . وأخرجه الحاكم في ( تاريخه ) من طريق عيسى بن مثرود عن عبد الرحمن بن القاسم ومن طريق سهل بن عمار عن عبد الله بن نافع . ورواه الدارقطني في ( غرائب مالك ) من طريق زكريا الساجي عن محمد بن الحرث المدلي عن أبي مصعب . ورواه الخطيب في ( الرواة ) عن مالك من طريق أحمد بن الحكم العبدي . ورواه أبو إسحاق الثعلبي في (تفسيره) والدارقطني -أيضا- من طريق إسحاق بن محمد الغروي . ورواه أبو نعيم في ( تاريخ أصبهان ) من طريق محمد بن صدقة الفدكيّ ، كلهم عن مالك . وقال الدارقطني : هذا ثابت عن مالك . و أما زيد بن أسلم : فروى النسائي والطبري من طريق أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عنه عن ابن عمر : أن رجلا أتي امرأته في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فوجد من ذلك وجدا شديدا ، فأنزل الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } الآية . وأما عبيد الله بن عبد الله بن عمر : فروى النسائي من طريق زيد بن رومان عنه : أنّ ابن عمر كان لا يرى به بأسا . موقوف . وأما سعيد بن يسار : فروى النسائي والطحاوي والطبري من طريق عبد الرحمن بن القاسم قال : قلت لمالك : إن عندنا بمصر الليث بن سعيد يحدث عن الرحث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال : قلت لابن عمر : إنا نشتري الجواري فنحمض لهن ( والتحميض : الإتيان في الدبر ) فقال : أفٍّ ! أوَ يفعل هذا مسلم ؟ قال ابن القاسم : فقال لي مالك : أشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عنه فقال : لا بأس به . وأما حديث أبي سعيد : فرى أبو يعلى وابن مردويه في ( تفسيره ) والطبري والطحاوي من طرق : عن عبد الله بن نافع ، عن هذام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري : أن رجلا أصاب امرأة في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا : أثفرها ! فأنزل الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. ورواه أسامة بن أحمد التجيبي من طريق يحيى بن أيوب بن هاشم بن سعد ، وبلفظه : كنا نأتي النساء في أدبارهن و يسمى ذلك الإثفار ، فأنزل الله الآية . ورواه من طريق معن بن عيسى عن هشام -ولم يسم أبا سعيد- قال : كان رجال الأنصار … . هذا ، وقد روى في تحريم ذلك آثار كثيرة نقلها الحافظ ابن كثير في ( تفسيره ) ، وابن حجر في تخريج الرافعي . وكلها معلولة .-أقول : ومع ذلك يعتمد عليها ابن حجر ويترك الصحيح المستفيض !!_ ولذا قال البزار : لا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا ، لا في الحظر ولا في الإطلاق ، وكل ما روي فيه عن خزيمة بن ثابت من طريق فيه ، فغير صحيح . وكذا روى الحاكم عن الحافظ أبي علي النيسابوري ، ومثله عن النسائي ، وقاله قبلهما البخاري . وحكي ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم في تحريمه ولا تحليله شيءٌ . والقياس أنه حلال . وقال ابن رشد في كتاب ( البيان والتحصيل في شرح العتبية ) روى العتبي عن اتبن القاسم عن مالك أنه قال له -وقد سأله عن ذلك مخليا به - فقال : حلال ليس به بأس . وأخرج الحاكم عن محمد بن عبد الحكم قال : قال الشافعي كلاما كلم به محمد بن الحسن في مسألة إتيان المرأة في دبرها -فذكر الخبر السابق ، ثم ذكر رجوع الشافعي إلى الحرمة تعويلا على حديث خزيمة - وحديث خزيمة رواه الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وأبو نعيم بالسند إلى خزيمة بن ثابت : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال : حلال . فلما ولّى الرجل دعاه - أو أمر به فدُعي - فقال : كيف قلت ؟ في أيّ الخرزتين ؟ أمن دبرها في قبلها ؟ فنعم ! أمْ من دبرها في دبرها فلا ! إن الله لا يستحي من الحق . لا تأتوا النساء في أدبارهن . - أقول : لا أدري كيف سأل الرجل (في دبرها) فغُفل وأخذ الحكم ومن ثم تدورك الخطأ وقيل له (من دبرها أم في دبرها ) !؟ وهل هذا إلا فتح باب السهو في بيان الحكم الشرعي من النبي ؟!؟ - قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير : وفي إسناده عمرو بن أحيحة . وهو مجهول الحال . واختلف في إسناده اختلافا كثيرا . ثم قال الحافظ : وقد قال الشافعي :غلط ابن عيينة في إسناد حديث خزيمة -يعني حين رواه- . وتقدم قول البزار : وكل ما روي فيه عن خزيمة بن ثابت ، من طريق فيه ، فغير صحيح . وقال الرازي في (تفسيره) : ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد من الآية : أنّ الرجل مخيّرٌ بين أن يأتيها من قبلها في قبلها ، وبين أن يأتيها من دبرها في قبلها . فقوله { أَنّى شِئْتُمْ } . محمول على ذلك . ونقل نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهن . وهذا قول مالك . واختيار السيد المرتضى من الشيعة . والمرتضى رواه عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه . وبالجملة فهذا المقام من معارك الرجال ومجاول الأبطال . وقد استفيد مما أسلفناه : أن من جوز ذلك وقف مع لفظ الآية . فإنه تعالى جعل الحرث اسما للمرأة . قال بعض المفسيرين : إن العرب تسمي النساء حرثا . قال الشاعر : (إذا أكل الجراد حرث قوم ، فحرثي همه أكل الجراد ) يريد : امرأتي . قال آخر : ( إنما الأرحام أرضٌ ، ولنا محترثات ) ( فقلبنا الزرع فيها ، وعلى الله النبات.. ! )وحينئذ ففي قوله تعالى : {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} إطلاق في إتيانهن على جميع الوجوه ، فيدخل فيه محل النزاع . واعتمد أيضا من سبب النزول ما رواه البخاري عن ابن عمر كما تقدم . وقال في رواية جابر المروية في (الصحيح) المتقدمة : إن ورود العام على سبب لا يقصره عليه . وأجاب عن توهيم ابن عباس لابن عمر رضي الله عنهم المروي في ( سنن أبي داود ) بأن سنده ليس على شرط البخاري فلا يعارضه ، فيقدم الأصح سندا ، ونظر إلى أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في هذا الباب حديث . قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : ذهب جماعة من أئمة الحديث -كالبخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي علي النيسابوري -إلى أنه لا يثبت فيه شيء . وأما من منع ذلك : فتأول الآيات المتقدمة على صمام واحد . نظر إلى أن الأحاديث المرويّ' -من طرق متعددة- بالزجر عن تعاطيه ، وإن لم تكن شرط الشيخين في الصحة ، إلا أن مجموعها صالحٌ للاحتجاج به " اه . أقول : يقدم الضعيف القليل على الصحيح المستفيض ، هكذا حالهم دائما عند ضيق الخناق ! ، وقال أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن ج1ص173 الحلبي : ( اختلف العلماء في جواز نكاح المرأة في دبرها ، فجوزه طائفة كبيرة ، وقد جمع ذلك ابن شعبان في كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن وأسند جوازه إلى زمرة كريمة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة ، وقد ذكر البخاري عن ابن عون عن نافع قال : كان ابن عمر رضي الله عنه إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه ، فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكانٍ. فقال : أتدري فيما أنزلت ؟ فقلت : لا ! قال : نزلت في كذا وكذا . ثم مضى . ثم أتبعه بحديث أيوب عن نافع عن ابن عمر : {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قال : يأتيها في ( … ) ولم يذكر بعده شيئا ) ، وعنون الراغب الأصفهاني في كتابه محاضرات الأدباء ج2ص267 فرعا بعنوان ( الرخصة في إتيان المرأة في دبرها ) فقال : ( استدل مالك في ذلك بقوله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} وقالت عائشة رضي الله عنها : إذا حاضت المرأة حرم الجحران ، فدل على أنهما كانا حلالا قبل الحيض) .
وفي النهاية لا بأس بذكر ما صادفناه في كتب أهل السنة مما يرفع به الملل والضجر ، نحو ما نقله العلامة السيوطي في دره المنثور ج1ص256: ( وأخرج ابن جرير عن ابن أبى مليكة أنه سئل عن إتيان المرأة في دبرها فقال : قد أردته من جارية لي البارحة ، فاعتاصت عليّ ، فاستعنت بدهن !! ) ، وجزم الإمام العز بن عبد السلام بتجويز ابن أبي مليكة إتيان النساء في أدبارهن فقال في تفسيره ج1ص215 : ( وبه قال ابن أبي مليكة ). ومن الدر نفسه : ( وأخرج الخطيب في رواة مالك عن أبى سليمان الجوزجانى قال : سألت مالك بن أنس عن وطئ الحلائل في الدبر ، فقال لي : الساعة غسلت رأسي منه ! ) ، وفي تهذيب الكمال ج26ص101 رقم 5462 : ( محمد بن عجلان القرشي أبو عبد الله المدني . كان عابدا ناسكا فقيها وكان له حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يفتي . قال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه ثقة ، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه سمعت بن عيينة يقول حدثنا محمد بن عجلان وكان ثقة ، وقال عبد الله بن أحمد أيضا سألت أبي عن محمد بن عجلان وموسى بن عقبة أيهما أعجب إليك فقال جميعا ثقة وما أقربهما كان ابن عيينة يثني على محمد بن عجلان وقال إسحاق عن يحيى بن معين ثقة وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل قيل ليحيى بن معين من تقدم داود بن قيس أو محمد بن عجلان قال محمد وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين محمد بن عجلان ثقة أوثق من محمد بن عمرو بن علقمة ما يشك في هذا أحد . وكان ثقة كثير الحديث ، وقال أبو سعيد بن يونس قدم مصر وصار إلى الإسكندرية فتزوج بها امرأة من أهلها فأتاها في دبرها فشكته إلى أهلها فشاع ذلك ، فصاح به أهل الإسكندرية فخرج منها ) ، أقول : هكذا العلماء وإلا فلا ! ، وفي كتاب محاضرات الأدباء ج2ص268 ط دار مكتبة الحياة : ( رفعت امرأة قصة إلى القاضي تدعي أن زوجها يأتيها في دبرها ، فسأله فقال : نعم ! (…) في دبرها ، وهو مذهبي ومذهب مالك ! فخجل القاضي ). وقد ذكر الراغب الأصفهاني في نفس الصفحة أبيات شعر لهمام القاضي يروم وطأ امرأة في دبرها على مذهب الإمام مالك فنظم لها رغبته على القافية ! : (
ومذعورةٍ جاءت على غير موعد تقنّصتها والنجم قد كاد يطلعُ ، فقلت لها لما استمرّ حديثها ونفسي إلى أشياء منها تطلعُ ، أبيني لنا هل تؤمنينَ بمالكٍ ؟ فإني بحبِّ المالكية مولع ، فقالت : نعم إني أدينُ بدينهِ ومذهبُه عدلٌ لديّ ومقنعُ ، فبتنا إلى الإصباح ندعو لمالكٍ ونؤثر فتياهُ احتساباً ونتبعُ ) اه. أقول : كل هذا يدل على أن مذهب مالك كان مشهورا معروفا حتى عرفته مجان الشعراء وصارت تنظمه وتتغزل به !