المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة المفاهيم الشرعيّة : (1) معنى الاستغاثة !!!.


الشيخ الهاد
04-08-2010, 11:38 PM
أخواني الموالين الطاهرين ، سأشرع بإذن الله العلي القدير ، منذ اليوم ، وبما يستنّى لي ، تسلسط الضوء على بعض المفاهيم الشرعيّة المهمّة ، وهي التي ينبغي على كلّ مكلّف العلم بها ، والذي حدا بي إلى هذا أنّي رأيت البعض لا يعرف أنّ في الفقه شيء اسمه استغاثة ، بل قد رأيت البعض لا يفرق بين التوسل والاستغاثة ، مع أنّهما مقولتان لا تمتّ أحداهما للأخرى بصلة ..

ولخطورة المسألة فإنّ الاستغاثة هي التي كفّر ابن تيمية أمّة محمد بسببها ، إلا أتباعه النواصب ، فهو قد كفّر عامّة أهل السنّة القائلين بها من أهل المنذاهب الأربعة ، أشاعزة وما تريديّة وصوفيّة ، ولنبدأ بحول الله بمقولة الاستغاثة ..



قال الشيخ باسم الحلي في كتابه : أدلّة الشعائر الحسينيّة



أمّا الاستغاثة ؛ فقد اختلفت كلمات أهل اللغة في معناها اللغوي ، لكنّهم جميعاً متفقون على أنّها : الاستعانة بالغير حال الشدّة .

وكذلك اختلفت كلمات علماء العقيدة الإسلاميّة في تعريفها الشرعي ، لكن حاصل جماع كلامهم أنّها : الاستعانة في دفع ما يمكن دفعه من شدائد الدنيا والآخرة بمن أذن الله له في ذلك وأقدره عليه .
أمّا الاستغاثة أو الاستعانة بغير الله فيما لايقدر عليه غير الله أو لم يأذن به الله ، فشرك باتّفاق أهل القبلة ، شيعة وسنّة وغيرهم..
وعلى هذا فالاستغاثة على نحوين شرعيّة وبدعيّة ؛ والمائز الفصلُ بينهما ، القدرةُ المأذون بها من قبل الله وجوداً وعدماً ؛ فإذا استغثنا بأحد في أمر لا يقدر عليه –قطعاً- غير الله ؛ فهذا هو الشرك بعينه ، وأمّا إذا استغثنا به فيما يقدر عليه فجائز . وعلى هذا القانون (الكبرى) بشقّيه اتّفق قاطبة علماء الإسلام ، سنّة وشيعة علاوة على ابن تيمية وعموم أتباعه..
وإنّما وقع النزاع في أمرين ، الأوّل : المصاديق والأفراد . والثاني : الاستغاثة بالميّت ؛ فلقد منع ابن تيمية من بعض المصاديق والأفراد ؛ لزعمه أنّها في بعض الفروض من شؤونات التوحيد الصرفة ، كما لم يتردد في الجزم ببطلانها من بعد موت المستغاث به ؛ لأنّ الميّت مطلقاً لا يضرّ ولاينفع ، ولو كان نبيّاً ..
ويردّه وجود أصل مقطوع الصدور عن الشرع واضح في أصل ذلك ؛ وهو قوله تعالى في شأن موسى (فاستغاثه الذي من شيعته) ([1] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn1)). وهو ظاهر بل نصّ في جواز أصل الاستغاثة..
وقد قبل ابن تيمية -في الجملة- وعموم أتباعه هذا الاستدلال ، وأفتوا بشرعيّة الاستغاثة في ضوء الآية ، لكنّهم منعوا الاطلاق ؛ فالاستغاثة هنا في أمر يقدر عليه موسى ، وهو الاستنصار به حال حياته على العدّو ، ولا محذور فيه ؛ فالمحذور كلّ المحذور الاستغاثة به من بعد موته فيما لا يقدر عليه غير الله ..
وببساطة ؛ فقد رُدَّ هذا الكلام بأنّ النصوص المعتبرة دلّت على وقوع الاستغاثة بالنبيّ في حياته ومن بعد موته ، من دون نكير من الصحابة ؛ ومن ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن مالك الدار ، وكان خازن عمر على الطعام ، قال : أصاب الناس قحط في زمن عمر ، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، استسق لأمّتك فإنّهم قد هلكوا . فأتى النبيُّ الرجلَ في المنام فقال له : «ائت عمر وأخبره أنّكم مستسقون»([2] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn2)). وقد جزم الحافظ ابن حجر في الفتح قال : وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح عن مالك ...([3] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn3)).

فهذا إذن نصّ صحيح ، ولفظ صريح ، صدر في عهد عمر بن الخطّاب والصحابة ، يعلن عن أنّ الصحابة وفيهم علماء الأمّة الكبار لم ينكروا استغاثة الرجل الآنف بالنبيّ الميّت كما يشتهي وصفه أتباع ابن تيمية ؛ إذ لم ينكروا على الرجل أنّه لم يطلب من الله ولا سأل الله لماّ استغاث بنبيه الكريم . على أنّ الحديث نصّ قاطع في أنّ النبيّ محمّداً قد أغاثهم وهو في حال الموت .

أقول : الذي يمزّق الأحشاء ويقطّع الفؤاد أنّ الألباني لماّ جوبه بهذا الحديث الصحيح الصريح الذي اعترف ابن حجر وغيره بصحّة سنده ، لم يكن في جعبته إلاّ تضعيفه بمالك الدار وأنّه مجهول الحال ؛ وفي هذا وحده –لعمر الله- دليل حاسم على حرمة الأخذ عن أتباع ابن تيمية من دون فحص وتدبّر ؛ فيبدو أنّ الخلط لهم عادة وخبط الحقائق طريقة ؛ إذ كيف يكون مجهول الحال وقد جزم ابن حجر في الإصابة بأنّ له إدراكاً للنبيّ وأنّه معدود من الصحابة([4] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn4))؟!.

فهل نسي أتباع شيخ الإسلام ابن تيمية دينهم القائل : إنّ قاطبة الصحابة فوق التعديل والتوثيق أم ماذا؟!. ناهيك عن كون مالك الدّار فيما تشهد الأخبار الكثيرة مؤتمن الخليفتين عمر بن الخطّاب وعثمان وموضع ثقتهما وعنايتهما حتّى ماتا .

أضف إلى ذلك يقول ابن سعد في كتاب الطبقات : مالك الدّار مولى عمر بن الخطاب ، روى عن أبي بكر وعمر وكان معروفاً ([5] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn5)). فأين الجهالة؟!.



منــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــقول

عن كتاب : أدلّة الشعائر الحسينيّة : ص 697 . للشيخ باسم الحلّي . دار الأثر ، بيروت - لبنان ، الطبعة الثانية .

تنبيه مهم : لم أقصد في نقلي هذا الاستدلال أو غيره ، فأنا قد بترت كلام الشيخ الحلي أعلاه فاقتطعت منه المقطع الآنف لا غير ، تاركاً الاستدلال والأدلّة التي سردها فضيلته إلى وقت آخر ؛ لأنّ القصد الآن ، ليس هو الاستدلال ، بل التعريف بالمفهوم لا غير ، على أننا لن ننسى أن نستعرض الأدلّة والاستدلال إذا تحقق الغرض ..

لكني هنا أشير سريعاً إلى أمرين :

الاول : أجمعت امة محمد على جواز الاستغاثة بالنبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلّم ، وأول من منع هو ابن تيمية وقد كفر الأمة ، سنة وشيعة ، بسببها ..

قال الإمام السني الكبير السبكي الشافعي ، ألد أعداء ابن تيمية ، صاحب كتاب طبقات الشافعية الكبرى : اعلم إنّه يجوز ويحسن التوسل والاستغاثة (=الاستعانة) والتشفع بالنبي إلى ربه ، وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكلّ ذي دين ، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين ، وسير السلف الصالحين ، ولم ينكر ذلك أحد من أهل الأديان ، ولا سمع به في زمن من الأزمان ، حتّى جاء ابن تيمية فأنكر ذلك ، وحسبك أنّ إنكار ابن تيمية للإستعانة والتوسّل قول لم يقله عالم قبله ، وصار به بين أهل الإسلام مثلة([1] (http://www.asdali.com/vb/newreply.php?do=newreply&p=1188228#_ftn1))‍.

الثاني : الادلة على جواز الاستغاثة بالنبي وهو ميت ، كثيرة ، حسبك رواية مالك الدار الانفة ؛ ففيها : جاء رجل الى قبر النبي فقال : يا رسول الله ، استسق لأمّتك فإنّهم قد هلكوا .

ولو لا حظنا ، فهذا في معناه نفس حديث ابن عمر لما خدرت رجله فقال : يا محمّد فانبسطت ، وقد شاركنا اليوم مشاركتين في خصوص حديث ابن عمر هذا فراجعوه .

فقارن بين لفظي يا محمد ، ويا رسول الله في الموضعين .


[/URL]([1]) سورة القصص : 15 .

(http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftnref1)([2]) مصنف ابن أبي شيبة 7 : 482 .

([3]) فتح الباري (ابن حجر) 2 : 397 .

(http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftnref3)([4]) الإصابة (ابن حجر) 6 : 216 .

[URL="http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftnref5"]([5]) طبقات ابن سعد 5 : 12 .

النجف الاشرف
05-08-2010, 04:40 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
مولانا الهــاد أحسنتم ...
وانا متابع ان شاء الله لهذه السلسله جعلها الله في ميزان حسناتكم ودافعت عنكم السئيات ....

والسلام عليكم

الشيخ الهاد
05-08-2010, 10:38 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
مولانا الهــاد أحسنتم ...
وانا متابع ان شاء الله لهذه السلسله جعلها الله في ميزان حسناتكم ودافعت عنكم السئيات ....


والسلام عليكم




أستاذي الجليل ، هذا شرف لنا ، أن يتابع مثلكم مثلنا ، وغاية مقصودي أنّي رأيت بعض الأخوة لا يعرف معنى المفاهيم معرفة شرعيّة بشكل صحيح ، أو ظننت هكذا ، فأحببت أن تتوضح المسائل بشكل دقيق ،

وعموماً شرفنا مروركم مولانا ..

الزلزال العلوي
06-08-2010, 12:47 AM
ما شاء الله اخي الهاد
متميز دوما بمواضيعك
جعله الله في ميزان حسناتك

الشيخ الهاد
06-08-2010, 02:49 AM
ما شاء الله اخي الهاد

متميز دوما بمواضيعك

جعله الله في ميزان حسناتك




انتم البركة استاذي الجليل ، ونحن لا شيء أمامكم ، وإنما أنا ناقل ..

أثقل الله لك ميزانك بحق محمد وآل محمد..