الشيخ الهاد
06-08-2010, 03:21 AM
نحن الآن مع المفهوم الشرعي الثالث ، الذي جاء ابن تيمية فخالف أمّة محمد فيه ، وهو مفهوم التبرك ..
وفي هذا الموضوع قال الشيخ باسم الحلّي في كتابه أدلّة الشعائر الحسينيّة :
وأيّاً كان فالبركة تعني عند أئمّة اللغة : الزيادة والثبات والداوم والنّماء والسعادة . أو هي كما يقول الزجاج : الكثرة في كلّ خير([1] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn1)).
واصطلاحاً فالتبرّك هو : الاستزادة من خير الله خلال ما جعله الله سبباً لذلك([2] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn2)). والخير معنى عام شامل ؛ منه : الثوابُ ، اليُمْنُ ، الرحمةُ ، الغفرانُ ، السكينةُ ، الرزقُ ، الشفاءُ ، النصرُ ، الطهارةُ ، حسنُ الحال ، وغير ذلك ممّا يصحّ اندراجه تحت كليّ لفظ الخير من المصاديق المتكثّرة ..
وقد مرّت الإشارة العجولة إلى أنّ هذه الأسباب على ثلاثة أضرب ؛ ذوات مقدّسة وأمكنة وأزمنة ؛ فمن الأزمنة المباركة ليلة القدر فيما نصّ القرآن الكريم ، ومن الأمكنة المباركة المسجد الحرام فيما نصّ القرآن الكريم أيضاً ، ومن الذوات المقدّسة الأنبياء والمرسلون وآل البيت : فيما نصّ القرآن في كثير من سوره وآياته ، بل حتّى مثل ناقة صالح وقميص يوسف وتابوت بني إسرائيل ، وماء زمزم .
والحقّ فهذا ، بشهادة القرآن ، أصل شرعي عند أيّ فقيه للفتوى باستحباب التبرّك ؛ لعدم الريب عند أحد في محبوبيّة طلب خير الله واستزاله أو الاستزادة منه خلال هذه الأسباب المقدّسة ؛ فهذا كبرويّاً ممّا اتّفق عليه قاطبة أهل الإسلام ، سنّة وشيعة ، بل حتّى ابن تيمية واتباعه ، وإنّما تناكد ابن تيمية ، فَلَجَّ هو وأتباعه ، في المصاديق الثابتة والكيفيّات الشرعيّة ، لا في أصل المشروعيّة ، فتذكّر هذا .
وعلى هذا فالتبرّك مقولة (=مصطلح) من مقولات علم الفقه ، وليست هي كلمة لغويّة ليس إلاّ ؛ آية ذلك أنّها قانون كبروي ناهض للفتوى باستحباب طلب خير الله خلال الأسباب الثلاثة الآنفة المنصوص عليها في القرآن وسنّة النبي ؛ إذ لا خلاف في أصل ذلك بين الفقهاء ، وحسبنا إجماع أهل القبلة . وعلى هذا فالكلام في التبرّك حكماً وموضوعاً كالذي مرّ في الشعائر والحرمات ؛ أي هو حكم من أحكام الله الوضعيّة ؛ كالملكيّة والزوجيّة والشعاريّة ، بل هو قاعدة فقهيّة كما لا ينبغي أن يخفى..
لم يتناس القرآن الكريم ، لماّ سكت عن مصاديق التبرّك ، أن يعرض تفصيلاً لأهمّ المصاديق النّاهضة بإنارة طريق الفقيه في عمليّة الاحتجاج بالظهور أو بالقياس الشرعي السائغ ، للفتوى بالتبرّك سعةً وضيقاً...؛ فأصل ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى على لسان يوسف الصدّيق 7 : (اذهبوا بقميصي هذا فالقوه على وجه ابي يات بصيرا ) ([1] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn1)) .
وهو نصّ في أنّ مجرّد قميص نبيّ ، صلوات الله على الأنبياء أجمعين ، كافٍ في نزول الشفاء ، وليس أيّ شفاء ؛ إنّه معجزة الشفاء من العمى كما ذكر ذلك المفسّرون كابن كثير([2] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn2)). يقول الزمخشري في هذا الصدد : إنّ في هذا القميص ريح الجنّة ، لا يقع على سقيم إلاّ شفي ولا على مريض إلاّ عوفي([3] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn3)).
ولايخفى أنّ المناط واحد في جميع الأنبياء والمرسلين : ، بل حتّى من دونهم ممّن أخذ حكمهم من هذه الجهة فيما لو دلّ الدليل . فهذا المناط مطوي حتّى فيما أخرجه ابن الجوزي في قوله : إنّ الإمام أحمد بن حنبل غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسّلَه به([4] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn4)). كما قد أخرج ابن كثير عن الإمام الشافعي أنّه بعث برسالة إلى الإمام أحمد بن حنبل مع تلميذه الربيع ، فأكرم الإمام أحمد هذا التلميذ بأن وهبه قميصه الذي يلي جسده ، فلمّا عاد الربيع بالقميص قال له الشافعي : بلّه بالماء واعطنيه حتّى أتبرّك به([5] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn5)). ومن الأصول النبويّة الصحيحة بالاتفاق في هذا الشأن ، بل المقطوعة الصدور عن نبي الرحمة 9 ، ما اتّفق عليه الإمامان البخاري ومسلم حيث أخرجاه في صحيحيهما ؛ ففي صحيح البخاري : حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع أنّ عبد الله بن عمر أخبره أنّ النّاس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحِجْرِ ؛ أرض ثمودَ ، فاستقوا من آبارها ، وعجنوا به العجين ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا العجينَ الابلَ ، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة([1] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn1)) .
وقد علّق الإمام النووي على هذا الحديث قائلاً : في هذا الحديث فوائد...، منها : مجانبة آبار الظالمين والتبرّك بآبار الصالحين([2] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn2)). انتهى كلامه باختصار منّي .
منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــول
عن كتاب أدلة الشعائر الحسينيّة (للشيخ باسم الحلي ) : ص 114 -118 .
طبع دار الأثر ، بيروت - لبنان ، سنة 2010 م
[/URL]([1]) صحيح البخاري 4 : 121 ، صحيح مسلم 8 : 221 .
(http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftnref1)([2]) شرح صحيح مسلم (النووي) 18 : 111 .
([1]) سورة يوسف : 93 .
(http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftnref1)([2]) تفسير ابن كثير 4 : 409 .
([3]) تفسير الزمخشري 2 : 503 .
(http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftnref3)([4]) مناقب أحمد (ابن الجوزي) : 609 .
([5]) البداية والنهاية (ابن كثير) 10 : 365 .
(http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftnref5)([1]) تهذيب اللغة (الأزهري) 3 : 373 .
[URL="http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftnref2"]([2]) انظر العين ( الفراهيدي) : 5 : 368 ،معاني القرآن (الفراء) 2 : 23 ، تهذيب اللغة (الأزهري) 10 :231 ، الصحاح للجوهري 4 : 1075 ، معجم مقاييس اللغة (ابن فارس) 1 : 230 ، المفردات للراغب الإصبهاني : 44 ، النهاية (ابن الأثير) 1 : 120 .
وفي هذا الموضوع قال الشيخ باسم الحلّي في كتابه أدلّة الشعائر الحسينيّة :
وأيّاً كان فالبركة تعني عند أئمّة اللغة : الزيادة والثبات والداوم والنّماء والسعادة . أو هي كما يقول الزجاج : الكثرة في كلّ خير([1] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn1)).
واصطلاحاً فالتبرّك هو : الاستزادة من خير الله خلال ما جعله الله سبباً لذلك([2] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn2)). والخير معنى عام شامل ؛ منه : الثوابُ ، اليُمْنُ ، الرحمةُ ، الغفرانُ ، السكينةُ ، الرزقُ ، الشفاءُ ، النصرُ ، الطهارةُ ، حسنُ الحال ، وغير ذلك ممّا يصحّ اندراجه تحت كليّ لفظ الخير من المصاديق المتكثّرة ..
وقد مرّت الإشارة العجولة إلى أنّ هذه الأسباب على ثلاثة أضرب ؛ ذوات مقدّسة وأمكنة وأزمنة ؛ فمن الأزمنة المباركة ليلة القدر فيما نصّ القرآن الكريم ، ومن الأمكنة المباركة المسجد الحرام فيما نصّ القرآن الكريم أيضاً ، ومن الذوات المقدّسة الأنبياء والمرسلون وآل البيت : فيما نصّ القرآن في كثير من سوره وآياته ، بل حتّى مثل ناقة صالح وقميص يوسف وتابوت بني إسرائيل ، وماء زمزم .
والحقّ فهذا ، بشهادة القرآن ، أصل شرعي عند أيّ فقيه للفتوى باستحباب التبرّك ؛ لعدم الريب عند أحد في محبوبيّة طلب خير الله واستزاله أو الاستزادة منه خلال هذه الأسباب المقدّسة ؛ فهذا كبرويّاً ممّا اتّفق عليه قاطبة أهل الإسلام ، سنّة وشيعة ، بل حتّى ابن تيمية واتباعه ، وإنّما تناكد ابن تيمية ، فَلَجَّ هو وأتباعه ، في المصاديق الثابتة والكيفيّات الشرعيّة ، لا في أصل المشروعيّة ، فتذكّر هذا .
وعلى هذا فالتبرّك مقولة (=مصطلح) من مقولات علم الفقه ، وليست هي كلمة لغويّة ليس إلاّ ؛ آية ذلك أنّها قانون كبروي ناهض للفتوى باستحباب طلب خير الله خلال الأسباب الثلاثة الآنفة المنصوص عليها في القرآن وسنّة النبي ؛ إذ لا خلاف في أصل ذلك بين الفقهاء ، وحسبنا إجماع أهل القبلة . وعلى هذا فالكلام في التبرّك حكماً وموضوعاً كالذي مرّ في الشعائر والحرمات ؛ أي هو حكم من أحكام الله الوضعيّة ؛ كالملكيّة والزوجيّة والشعاريّة ، بل هو قاعدة فقهيّة كما لا ينبغي أن يخفى..
لم يتناس القرآن الكريم ، لماّ سكت عن مصاديق التبرّك ، أن يعرض تفصيلاً لأهمّ المصاديق النّاهضة بإنارة طريق الفقيه في عمليّة الاحتجاج بالظهور أو بالقياس الشرعي السائغ ، للفتوى بالتبرّك سعةً وضيقاً...؛ فأصل ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى على لسان يوسف الصدّيق 7 : (اذهبوا بقميصي هذا فالقوه على وجه ابي يات بصيرا ) ([1] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn1)) .
وهو نصّ في أنّ مجرّد قميص نبيّ ، صلوات الله على الأنبياء أجمعين ، كافٍ في نزول الشفاء ، وليس أيّ شفاء ؛ إنّه معجزة الشفاء من العمى كما ذكر ذلك المفسّرون كابن كثير([2] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn2)). يقول الزمخشري في هذا الصدد : إنّ في هذا القميص ريح الجنّة ، لا يقع على سقيم إلاّ شفي ولا على مريض إلاّ عوفي([3] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn3)).
ولايخفى أنّ المناط واحد في جميع الأنبياء والمرسلين : ، بل حتّى من دونهم ممّن أخذ حكمهم من هذه الجهة فيما لو دلّ الدليل . فهذا المناط مطوي حتّى فيما أخرجه ابن الجوزي في قوله : إنّ الإمام أحمد بن حنبل غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسّلَه به([4] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn4)). كما قد أخرج ابن كثير عن الإمام الشافعي أنّه بعث برسالة إلى الإمام أحمد بن حنبل مع تلميذه الربيع ، فأكرم الإمام أحمد هذا التلميذ بأن وهبه قميصه الذي يلي جسده ، فلمّا عاد الربيع بالقميص قال له الشافعي : بلّه بالماء واعطنيه حتّى أتبرّك به([5] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn5)). ومن الأصول النبويّة الصحيحة بالاتفاق في هذا الشأن ، بل المقطوعة الصدور عن نبي الرحمة 9 ، ما اتّفق عليه الإمامان البخاري ومسلم حيث أخرجاه في صحيحيهما ؛ ففي صحيح البخاري : حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع أنّ عبد الله بن عمر أخبره أنّ النّاس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحِجْرِ ؛ أرض ثمودَ ، فاستقوا من آبارها ، وعجنوا به العجين ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا العجينَ الابلَ ، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة([1] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn1)) .
وقد علّق الإمام النووي على هذا الحديث قائلاً : في هذا الحديث فوائد...، منها : مجانبة آبار الظالمين والتبرّك بآبار الصالحين([2] (http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftn2)). انتهى كلامه باختصار منّي .
منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــول
عن كتاب أدلة الشعائر الحسينيّة (للشيخ باسم الحلي ) : ص 114 -118 .
طبع دار الأثر ، بيروت - لبنان ، سنة 2010 م
[/URL]([1]) صحيح البخاري 4 : 121 ، صحيح مسلم 8 : 221 .
(http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftnref1)([2]) شرح صحيح مسلم (النووي) 18 : 111 .
([1]) سورة يوسف : 93 .
(http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftnref1)([2]) تفسير ابن كثير 4 : 409 .
([3]) تفسير الزمخشري 2 : 503 .
(http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftnref3)([4]) مناقب أحمد (ابن الجوزي) : 609 .
([5]) البداية والنهاية (ابن كثير) 10 : 365 .
(http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftnref5)([1]) تهذيب اللغة (الأزهري) 3 : 373 .
[URL="http://www.asdali.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=30#_ftnref2"]([2]) انظر العين ( الفراهيدي) : 5 : 368 ،معاني القرآن (الفراء) 2 : 23 ، تهذيب اللغة (الأزهري) 10 :231 ، الصحاح للجوهري 4 : 1075 ، معجم مقاييس اللغة (ابن فارس) 1 : 230 ، المفردات للراغب الإصبهاني : 44 ، النهاية (ابن الأثير) 1 : 120 .