المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معرفة الله تعالى أساس إنساني


غرامي انت ياعلي
11-08-2006, 05:52 AM
عن الإمام علي ( عليه السلام ) :
( أول الدين معرفته ) .
لو شبّهنا الدين ببناء يتألّف من جدران وباب وسقف ونوافذ وقواعد ينهض عليها البناء ، فإنّ قواعد جميع الأفكار والعقائد والأخلاق الدينية هي معرفة الله ؛ ولو شبّهنا الدين بكتاب علمي يضم أبواباً وفصولاًَ وقضايا متنوّعة وأفكاراً يقوم عليها أصل الكتاب فإنّ معرفة الله سبحانه هي الأساس الأوّل في ذلك .

إذا أردنا مثلاً أن نخزن مقداراً من مواد البناء فليس مهمّاً ترتيب خزنها ، أو أردنا أن نؤلّف كتاباً متنوّعاً يضم مقالات مختلفة فليس مهم ترتيب مقالاته أو تسلسلها ، ذلك أنّه كتاب متنوّع في مواضيعه .

وحتّى مطالعة مثل هكذا كتاب لا يلزمنا أن نبدأ بالموضوع الأوّل أو بالصفحة الأولى ، إذ يمكننا أن نبدأ من منتصف الكتاب أو من آخره ، أمّا إذا أردنا أن نقيم بناءً معيّناً فإنّ الأمر هنا يختلف تماماً ، فالتسلسل والدقّة والحساب أمر مطلوب ، وكذلك لو أردنا أن نؤلّف كتاباً علمياً ، أو أردنا مطالعته ، فإنّ أوّل شيء نفعله هو مواكبة الكتاب من بدايته ، وحسب ترتيب مواضيعه .

فالتديّن المنطقي والسليم يلزم المرء أن يشرع من البداية من الأسس ، ألا وهي التوحيد ومعرفة الله ، فإذا لم يثبت هذان الأصلان في أعماق الروح وطيّات القلب ، فإنّ سائر الأجزاء ستبقى دونما أساس متين .

فعندما صدع الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) بدعوته وبشّر برسالته ، هل قال : صلّوا أو صوموا ؟ وهل قال : صَلوا أرحامكم ، ولا يظلم بعضكم بعضاًَ ، وهل دعا إلى الإلتزام ببعض الآداب المستحبّة في المشي أو الجلوس أو تناول الطعام ؟

إنّه لم يقل أو يذكر من ذلك شيئاً ، بل هتف ( عليه السلام ) : ( قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا ) .

لقد بدأ الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) دعوته إلى الدين الحنيف بهذه العبارة ، فاحتلّ بها قلوب العالمين ، ومن ثمّ بنى أمّته العظيمة انطلاقاً من ذلك الأساس المتين .

إنّ معرفة الله لا تقتصر على الدين فحسب ، بل إنّها جوهر الوجود الإنساني ، ذلك أنّ بناء الإنسان لا يتم إلاّ على أسس التوحيد .

إنّنا نطلق على كثير من الأمور والشؤون وننعتها بالإنسانية ، فنقول : إنّ الإنسانية تقتضي الرحمة والمروءة والإحسان ، وإنّ الإنسانية تنشد السلام وتنفر من الحرب ، وتجعلنا متعاطفين مع المرضى والجرحى والمنكوبين ، وتدفعنا إلى مساعدة المحتاجين ، وتطلب منّا التضحية بالنفس ، واحترام حقوق الآخرين ، وإلى غير ذلك من المواقف والسلوك ، وكلّ ذلك صحيح لا يعترض عليه أحد ، بل إنّ على كل إنسان أن يحقّق إنسانيته من خلال ذلك ، ولكنّا لو تسائلنا عن الأسس المنطقية التي تستند إليها تلك الوصايا والأخلاق التي تدفعنا إلى التضحية بمصالحنا من أجلها ، فإنّنا سنكون حينها عاجزين عن إقناع أنفسنا والآخرين بالفلسفة الكامنة وراء تلك الأخلاق والمواقف ، إذا لم نأخذ بنظر الإعتبار معرفة الله تعالى .

لا يمكننا أبداً إكتساب القيم الأخلاقية الرفيعة ، أو الانتهال من الفيض الروحي بعيداً عن نبعه الإلهي ، فحتّى أكثر المؤسّسات مادّية في العالم تجد نفسها مضطرة إلى أن تبني نظمها الإجتماعية على أسس أخلاقية .

لا يمكن إقصاء الإنسانية بعيداً عن معرفة الله ؛ فأمّا الإيمان أو السقوط في حضيض الحيوانية ، وعبادة الذات والمصلحة الشخصية ، وما تضج به من انقياد إلى الشهوة والوقوع في أسرها ؛ فأمّا عبادة الله أو عبادة البطن والجاه والمناصب والمال ، إذ ليس هناك من طريق ثالث .

ومن يدّعي الشرف والخلق والتقوى والعفّة ، وهو بعيد عن الله الذي هو نبع كل تلك الصفات ، فإنّ ذلك مجرّد أوهام لا غير .

يعبّر القرآن الكريم عن هذه الحقيقة بقوله عز وجل : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ) إبراهيم : 24 ـ 25 .

الإيمان شجرة تمد جذورها في أعماق الروح ، فتتفرّع منها أغصان الإعتقاد بالنبوّة والولاية والأديان ، وكذلك الإعتقاد بأنّ هذا العالم قائم على العدالة والحق ، وأنّه لا يضيع أجر المحسنين ، وسيلقى المسيئون جزاء أعمالهم .

أمّا ثمار هذه الشجرة الطيّبة ، فهي الشرف والكرامة والعفّة والتقوى والإحسان والتسامح والفداء والقناعة والطمأنينة والسلام .

وفي مقابل ذلك يضرب القرآن مثلاً آخر ، يقول تعالى : ( وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ) إبراهيم : 26 .

وهذه حقيقة تتجلّى أحياناً في أفراد نراهم يتحمّسون دفاعاً عن عرق أو قومية ، أو يقعون تحت تأثير بعض العقائد ، فتشتعل في نفوسهم المشاعر الكاذبة التي قد تدفعهم إلى التضحية بأرواحهم من أجلها ، ولو سمحت الفرصة لأحدهم أو راجع نفسه قليلاً لعجز عن إيجاد أساس منطقي لموقفه وسلوكه ، فقليل من التأمّل والإرشاد سوف يقشع تلك السحب عن سماء روحه .

أجل ، إنّ الإيمان هو وحده الذي يمتلك أساسه الإنساني المتين ، وإنّ قواعد البناء الإنساني إنّما تنهض على التقوى والاستقامة والطهر ، وعلى الشجاعة والشهامة والفداء ، وهي الخصال التي يمتاز بها الإنسان عن الحيوان .

قال الله تعالى : ( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ) البقرة : 257 .

خميني
11-08-2006, 11:44 AM
تسلم على الموضوع ويوجد شرح اخر ل (أول الدين معرفته) سأضيفه لا حقاً

الموسوي
11-08-2006, 12:32 PM
جزيل الشكر على الموضوع عاشت الايدي

مشكورين الله بيعطيكم الف عافيه

اعطر التحااياا

شيعية موالية
11-08-2006, 01:30 PM
بارك الله فيج اختي
الله يعطييييييييك الف عافيه

غرامي انت ياعلي
11-08-2006, 05:29 PM
اخي خميني تسلم على المرور
نورت ;)
نحن في انتظار الاضافة

غرامي انت ياعلي
11-08-2006, 05:31 PM
اخي الموسوي تسلم على المرور
مشكوور
نورت

غرامي انت ياعلي
11-08-2006, 05:32 PM
اختي الكريمة شيعية موالية تسلمين على المرور
مشكووورة

خميني
12-08-2006, 12:10 AM
{إنّ أوّل عبادة الله معرفته، وأصل معرفته توحيده، ونظام توحيده نفي الصّفات عنه لشهادة العقول أنّ كلّ صفة وموصوف مخلوق، وشهادة كلّ مخلوق أنّ له خالقاً ليس بصفة ولا موصوف}٢.

المطلب الأوّل الذي يبيّنه مولى الموحدين أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في باب التّوحيد هو أنّ أوّل عبادة الله معرفته، وهذه الأوّليّة ليست أوّليّة عدديّة بحيث يُقابل الأوّل بالثاني والثالث، فليس الأوّل ههنا في قبال الثاني والثالث وليس في قبال الآخِر كذلك.
وما يواطئ هذا البيان قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله في مقام آخر: {يا أبا ذرّ من أحبنا أهل البيت فليحمد الله على أوّل النعم}٣.
هنا نسأل: هلْ يمكن أنْ تُقاس نعمة الولايّة هذه بأيّ نعمة أخرى أو تُقابل بها؟
لا يمكن أنْ يكون لهذه النعمة وهي نعمة الولايّة مقابل، بل لا غير لهذه النعمة حتّى يقاس معها، وكلّ ما يُرى ويُشاهد من النعم الأخرى في الواقع هو من تجلّيات أولى النعم هذه.
في باب نسبة الأوّل والآخر للحقّ تعالى، لا يفرض لأوليّته وآخريّته تعالى أيّ مقابل عددي فهو الأوّل الإطلاقي، وهو الآخر الإطلاقي دون أنْ يكون له أيّ حدّ، وإلاّ لو فرضنا أنّ الأوّليّة والآخريّة المنسوبتين إلى الحقّ تعالى هما الأوليّة والآخريّة العدديتين، فإنّ أوّليّة الحقّ تصبح محدودة بحدود الغير وكذا آخريته، والحال أنّ الحقّ تعالى منـزّه عن كلّ حدّ وقيد، بلْ وننفي عنه تعالى كلّ صفة تؤدي إلى تقييده وتحديده وهذا هو معنى قوله (عليه السلام): {وكمال التّوحيد نفي الصّفات عنه}٤.
في باب الممكن والمخلوق، عندما ننسب صفةً كماليّة ما إلى أيّ موجود ممكن محدود فإنّ هذه الصفة المنسوبة إليه تقابلها آلاف الحدود والقيود بحيث تختلط الأعدام والنقائص مع هذه الصفة الكماليّة المفروضة.

وأمّا في باب الحقّ تعالى، لو أردنا أنْ ننسب له تعالى صفتي الأوّل والآخر وغيرهما من الصّفات بالنحو الذي ننسب الصّفات إلى غيره من المقيَّدات والمخلوقات، فسيكون تعالى محدوداً بحدود الأوليّة والآخرية؛ أيْ لو فرضنا أنّ الله تعالى متّصفٌ بالأوّل على هذا النحو الذي نعتبره في الممكنات، فسيكون أولاًَ يقابله ثانٍ وثالثٍ ورابع، ولوْ كان آخراً فله على هذا الفرض أولٌ، والحال أنّ هذا النحو من نسبة الصّفات له تعالى يتعارض مع نفس وحدته الإطلاقيّة المتناسبة مع وجوده المقدس عن كلّ شائبة إمكانية، بل الأمر أدقّ من هذا وسوف يتبين إنْ شاء الله تعالى؛ فالحقّ تعالى منـزّه عن حدّ الأوّليّة والآخريّة، ومنـزّه عن الابتداء المشار إليه بـ(من)، ومنـزّه عن الانتهاء المشار إليه بـ(إلى)، فهو الأوّل من دون آخر وانتهاء، وهو الآخر بدون أوّل وابتداء.
ثم إنّه لا بدّ أنْ نشير ههنا إلى مسألة مهمة وهي أنّ التّوحيد الذي يكشفه أمير المؤمنين عليه السلام إنّما ينكشف لأفهامنا بمقدار سعتنا الوجوديّة وإستعدادنا الذاتي، وإلاّ فإنّ عقولنا وأفهامنا وحتّى قلوبنا عاجزة وقاصرة عن نيل ما يريد أنْ يقوله مولى الموحدين أمير المؤمنين عليه السلام، ولعل الله يوفقنا لأنْ نبيّن جاهدين ما يقوله (صلوات الله عليه وسلامه) في معاني التوحيد.
يقول تعالى في كتابه الكريم: {هُوَ الأوّلُ والآخِرُ والظاهِرُ والباطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شيءٍ عليم}٥.
فهو الأوّل ولكن لا آخر له، وهو الآخر ولكن لا أوّل له.
وإدراك هذه الأوّليّة والآخريّة المنسوبتين إلى الحقّ تعالى- وهي من الأسرار- يحتاج إلى لطف إلهي وعنايّة خاصة ربوبيّة نسأل الله أن نكون من أهلها.
يوجد توجيه في هذا المقام نبيّنه بحسب الإستعداد الذي نملكه وهو جدير بالاهتمام وهو أنّ الشيء عندما يُعطى عظمة الإبتداء اللامتناهيّة، نسميه أوّلا وهو قول الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: {من أحبّنا أهل البيت فليحمد الله على أوّل النعم}٦.

كلمة الأوّل موجودة في موارد كثيرة من الآيات والروايات التي يمكن من خلالها أنْ نتبيّن هذا المطلب وندركه، ولكن حيث أنّ للولايّة أثرٌ أكبر في نفوس أهل المحبّة، نستفيد من هذه الروايّة لبيان هذا المطلب الذي نحن بصدد الحديث عنه.
نريد أنْ نقول أنّ هذه النعمة عظيمة بنحو أن لا حدّ لها ولا انتهاء، فأوّل النعم هنا بمعنى أعظم النعم.
قوله (عليه السلام) أنّ أوّل عبادة الله معرفته هو بمعنى أنّ أعظم عبادة الله معرفته لا أنّ المرحلة الأولى من عبادة الله هي المعرفة ومن ثمّ يتلوها مراحل عدديّة أخرى.
إنّ نقطة الشروع والتعلق والارتباط بالحقّ تعالى في أرفع مقام هي معرفته، بحيث لا يوجد ما هو أرفع وأعظم منها.
وعلى هذا المنوال، عندما تُذكر صفات الحقّ تعالى وتُنسب له على نحو أفعل التفضيل فهي على هذا النحو.
يقول تعالى: {فَقُل الله أعْلمُ بما تعْمَلونَ}٧.
ويقول في موضع آخر: {هُوَ أعْلمُ بمن اتّقى}٨.
ويقول عزّ وجلّ في مقام ثالث: {فاللهُ خيرٌ حافظاً وهو أرحمُ الراحمين}٩.
عندما يقول عزّ وجلّ أنه أعلم {أعلمُ بما تعملون}، فـ"أعلم" هنا لا تعني وجود من هو عالم وأنّه تعالى أعلم منه، بلْ لا يوجد عالمٌ في هذا الوجود في مقابل هذا الأعلم، وعندما يقول أنّه أرحم الراحمين فلا يمكن قبول وجود رحيم غيره وأنّه تعالى أرحم منه.
فالصّفات التفضيليّة لا تُنسب للحقّ تعالى بالمقايسة مع ما دونها، فقول إنّ الله تعالى هو أرحم الراحمين يعني نفي أيّ تصور لأيّ رحيم في هذا العالم غيره تعالى وتقدّس، فما في الدار غيره ديار، بل الأمر أدقّ من هذا.
عندما يقول تعالى: {فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين}، نسأل أين هو الحافظ الذي يوجد في قباله حتّى نقول أنّه خير حافظاً؟
في قبال الله تعالى لا يوجد شيء يمكن أنْ يقاس به إطلاقاً.
كلّ آيات القرآن التي تذكر صفات الحقّ تعالى بصيغة أفعل التفضيل إنّما تذكرها على نحو حقيقيّ نفسيّ لا على نحو نسبيّ قياسي، فالحقّ تعالى ليس مورداً للمقايسة مع أحد.
الصّفات النسبيّة إنّما تجعل في غير مورد الحقّ تعالى، فعندما نجد عالماً ونجد عالماً آخر، نقول هذا أعلم من ذاك بعد أنْ نقيس بين علم هذا وعلم ذاك، ولكنّ الحقّ لا يؤخذ بالقياس.
إذاً، هذه الأوليّة التي تقال في الحقّ تعالى هي أوليّة إطلاقيّة نفسيّة وليست أوليّة عدديّة نسبيّة، فمعنى قوله (عليه السلام): {إنّ أول عبادة الله معرفته} هو أنّ أعظم عبادة الله التي لا يمكن أن تُدرك وتطال بالعيون هي معرفته.

من كتاب التوحيد الشهودي لسماحة العارف الكامل السيد أحمد الموسوي النجفي

عناقيد عشق
12-08-2006, 12:51 AM
{إنّ أوّل عبادة الله معرفته، وأصل معرفته توحيده، ونظام توحيده نفي الصّفات عنه لشهادة العقول أنّ كلّ صفة وموصوف مخلوق، وشهادة كلّ مخلوق أنّ له خالقاً ليس بصفة ولا موصوف}

غرامي انت يا علي
خميني


شكرا لكما للموضوع المميز
سلمت يمناكما

تقبلا تحياتي

غرامي انت ياعلي
12-08-2006, 06:21 AM
اخي الكريم الرائع الذي أضفت لي الكثير اشكرك جزيل الشكر
وجزاك الله الف خير على الاضافة
اختي زهراء اشكرك على المرور
تسلمين