نووورا انا
09-08-2010, 04:20 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد
في المقامات الغيبية للصدّيقة الطاهرة صلوات الله عليها في إطارها الكلّي.
اية الله محمد رضا الشيرازي
المقامات الغيبية
هنالك اتجاه انتشر في العقود الأخيرة بين البعض يمكن أن نطلق عليه التفسير المادي للدين. نتناول بيان هذا الاتجاه ومناقشته في البحوث التالية:
البحث الأول: لماذا نشأ هذا الاتجاه؟
البحث الثاني: ما هو الموقف إزاء هذا الاتجاه؟
البحث الثالث: ما الفائدة من البحوث التي تتناول المقامات الغيبيّة؟
البحث الأول: سبب نشوء التفسير المادي للمسائل الدينية
لقد نشأ اتجاه التفسير المادي لدى البعض في تفسير المعتقدات والمسائل الدينية، على أثر عوامل منها المد المادي الغربي الذي حصل كرد فعل على التجربة المريرة التي خاضها المجتمع الأوربي مع الكنيسة التي كانت تفرض أفكارها الخرافية على الناس باسم الدين.
ولا يخفى أن مثل هذه الأفكار الخرافية موجودة حتى الآن عند بعض مشايخ الوهابية، فهنالك ـ مثلا ـ كتاب لأحد شيوخهم يصرّ فيه على أن الأرض ساكنة ويكفّر أو يضلّل كلّ الذين يخالفونه في ذلك. ومن أدلته على رأيه أننا عندما ننهض كل صباح نرى البقال والعطار والخباز كلاًّ في مكانه، ولو كانت الأرض متحركة كان البقال يوماً في الجانب الأيمن ويوماً في الجانب الأيسر ـ مثلا ـ.
يقول الشيخ في كتابه أيضاً: كثيرون نصحوني أن لا أكتب هذا الكتاب ولكن الحق أحق أن يقال!
هكذا كان حال رجال الدين المسيحيين فكانوا يعتقدون بنظريات باطلة يرفضها العلم، وكانوا يصرون عليها ويكفّرون من يقول بخلافها، ويفتون بقتله، فكانوا يتهمون العلماء بالإلحاد ويحكمون عليهم بالإعدام بسبب نظرياتهم العلمية التي تناقض أفكار الكنيسة.
هذه الحالة خلقت ردّ فعل في الغرب وظهر اتجاه يرفض القضايا الغيبية برمّتها ويقول إن كلّ المعارف البشرية الصحيحة هي التي تبتني على التجربة والمشاهدة، والتي يمكن إثباتها في المختبر أو عبر المعادلات الرياضية، أما الأشياء الغيبية فكلها لا اعتبار لها لأنها غير خاضعة للحس والمشاهدة والتجربة. وشيئاً فشيئاً طغت هذه النزعة على الغرب عموماً.
وحيث إن حضارة الغرب هي الحاكمة اليوم ـ وهذا شىء لا ينكر، فلقد كنا في يوم من الأيام نحن أصحاب الحضارة الحاكمة وكان الغرب محكوماً، وعدنا اليوم محكومين والغرب حاكماً ـ والحضارة الحاكمة تؤثر في الحضارات المحكومة، كانت النتيجة أن انتشر هذا الاتجاه (الذي يؤمن بالعلم التجريبي فقط) في أوساط مجتمعاتنا وتأثر به بعض المتدينين أيضاً، فأخذوا يحللون الأمور تحليلاً مادياً، أما القضايا التي ترتبط بالغيب فإنهم يحاولون إلغاءها أو تأويلها بنحو من الأنحاء.
البحث الثاني: الموقف من الاتجاه المادي
في بيان هذا الموقف نقول: الدين والغيب أمران متلازمان لا ينفكان، ولو جُرّد الدين من الغيب لم يعد ديناً بل أصبح قانوناً كسائر القوانين الوضعية السائدة. الدين لا ينفك عن الغيب بل يبتني عليه، فلو جرّدتَ الدين من الغيب فقد جردته من قاعدته التي يبتني عليها.
فالألوهية غيب، وهي القاعدة الأولى التي يبتني عليها الدين، ويعبَّر عن الله سبحانه بـ«غيب الغيوب» و «الغيب المطلق». وفي الحديث الشريف: «وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم»[2] (http://www.alshirazi.com/roaa/signs/r_shirazi/14.htm#_ftn2)، أي كما أننا لا ندرك كنه الله سبحانه لأنه غيب فكذلك الملائكة لا يعرفون كنه الله تعالى!
بل صفات الله غيب أيضاً، فنحن نعلم أن الله عالم ولكن ما حقيقة علم الله؟ إنّه غيب، وكل المحاولات البشرية لاكتشاف كنه صفات الله محاولات فاشلة.
والنبوة غيب، لأنها تبتني على الوحي وهو غيب. وهكذا المعاد.
يقول الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): «سلكوا في بطون البرزخ سبيلاً»[3] (http://www.alshirazi.com/roaa/signs/r_shirazi/14.htm#_ftn3).
فمحاولة إخضاع كل شيء في الدين للمعادلات المادية، معناه إلغاء القاعدة التي يبتني عليها الدين.
كما أن هنالك بعض التفاسير للقرآن الكريم اتّسمت بالتفسير المادي للمفردات الدينية فهي تحاول أن تؤوّل كل شيء غيبي في القرآن، ومن الأمثلة على ذلك: محاولة تأويل قوله تعالى في سورة البقرة: (ثُمَّ بَعَثْنَـكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[4] (http://www.alshirazi.com/roaa/signs/r_shirazi/14.htm#_ftn4)، وقوله تعالى: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا)[5] (http://www.alshirazi.com/roaa/signs/r_shirazi/14.htm#_ftn5).
وهناك بعض المفسّرين يؤولون قوله تعالى: (وَأَرسَل عَلَيهم طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَة مِن سِجِّيل)[6] (http://www.alshirazi.com/roaa/signs/r_shirazi/14.htm#_ftn6) بالقول: إن الطير والحجارة في الآية كناية عن ميكروب مرض قاتل انتشر بين صفوف الجيش!
ولكنا نسأل هؤلاء: ماذا تفعلون مع الجن والملائكة؟ وماذا تقولون في المسيح وإحيائه الموتى وإبرائه الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى؟! وكيف ستؤولون قول الله تعالى: (قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ)[7] (http://www.alshirazi.com/roaa/signs/r_shirazi/14.htm#_ftn7) وعشرات الآيات الغيبية الأخرى؟ بل إن القرآن مشحون بالقضايا الغيبية من أوله إلى آخره، فلا داعي للتأويل بل إما أن يقبل الإنسان بالغيب ككل أو يرفضه ككل; لا أن يلغي الأحاديث الشريفة ما أمكنه، ويقوم بتأويل الآيات الكريمة لأنه لا يمكن إنكارها!
المبحث الثالث: الفائدة من البحث في المقامات الغيبية
يقول بعض الناس: عرفنا أن للزهراء(عليها السلام) مقامات غيبية، وأنها كانت تعلم الغيب مثلاً، أو أنه حصل كذا وكذا في الملأ الأعلى عند زواجها صلوات الله عليها، فما هي الفائدة أو الثمرة التي نجنيها من هذه المباحث وأمثالها؟
الجواب على هذه الإثارة بجوابين: نقضي وحلّي.
۞أما الجواب النقضي فيمكن طرحه في ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: مباحث علم الكلام
فنقول: وما هي فائدة كثير من مباحث علم الكلام والحكمة الإلهية؟ فمثلاً: ما فائدة معرفة أن الممكن مركب من وجود وماهية؟ وما الثمرة التي نجنيها من معرفة أن الوجود مشترك أو غير مشترك وأنه مشترك لفظي أو معنوي؟ وأنه حقيقة واحدة أم حقائق متعددة؟ وأن الوجود أصيل أو الماهية؟ هل هذه البحوث يمكن أن تحلّ محل الماء والخبز؟ أم يقال في الجواب: ليس بالماء والخبز وحدهما يحيا الإنسان!
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يوجَّه الإشكال على بحث المقامات الغيبية للصديقة الزهراء وأهل البيت عليهم السلام، ولا يوجّه لمباحث علم الكلام؟
ـ المستوى الثاني: العلوم الطبيعية
فنقول: وما فائدة كثير من المعارف في العلوم الطبيعية؟ مثل معرفة أن الشمس تبعد عنا كذا ميلا مثلاً؟ فهل بحوث كهذه تبني بيتاً يسكن فيه الإنسان؟
أم يقال في الجواب: ليس المطلوب من المعرفة دائماً أن تؤمّن بيتاً للإنسان؟
فإذا كان هذا الإشكال لا يرد هناك، فكذلك لا يرد هنا.
ـ المستوى الثالث: العقائد الدينية
وقد يترقى بعض فيقول: وما الفائدة في كثير من البحوث العقائدية مثل أن الله تعالى واحد أم اثنان؟!
إذن، الإشكال عام ومشترك ولا يرد على المقامات الغيبية وحدها، وهذا هو الجواب النقضي.
۞ أما الجواب الحلي فنقول:
أولاً: إن المعرفة مطلوبة لذاتها أي لها قيمة ذاتية، وهذه هي الفائدة العلمية.
ثانياً: إن للبشر ميلاً فطرياً لمعرفة الغيب، فإذا لم يملأ هذا الفراغ بالمعرفة الصحيحة ملأته الخرافة والأباطيل.
والدليل على ذلك أنا نرى النزعة الغيبية حتى بين الكفار، فالعرّافون لهم في الغرب موقع كبير وسوق رائجة، وهكذا المنجمون والسحرة.
ثالثاً: هناك فرق كبير بين أن نعرف أن الإمام بشر عادي مثلنا في كل شيء وبين أن نعرفه بمقامه الغيبي، ففرق مثلاً أن نعرف أن الإمام الرضا(عليه السلام)كان إماماً مفترض الطاعة وحسب، وبين أن نعرف أنه حي وناظر إلينا يسمع الكلام ويرد السلام، كما نقل عن أحد علمائنا أنه رأى الإمام يردّ سلام زائريه فرداً فرداً، فكما أن العالم خشيته من الله أكثر لأن معرفته بالله أكثر; قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَماء)[8] (http://www.alshirazi.com/roaa/signs/r_shirazi/14.htm#_ftn8) فكذلك سيزداد تعظيمنا لأئمتنا(عليهم السلام) إذا ما عرفنا مقاماتهم الغيبية.
إذن لابد من عرض المقامات الغيبية للأئمة(عليهم السلام) وللصديقة الزهراء(عليها السلام)ولكن مقروناً بالتحليل والتعليل حتى لا تستثقله بعض الأذهان.
وبهذا ينتهي البحث عن المقامات الغيبية للصديقة الزهراء(عليها السلام) في إطاره الكلّي وندَع البحوث التفصيلية لموقع آخر.
في المقامات الغيبية للصدّيقة الطاهرة صلوات الله عليها في إطارها الكلّي.
اية الله محمد رضا الشيرازي
المقامات الغيبية
هنالك اتجاه انتشر في العقود الأخيرة بين البعض يمكن أن نطلق عليه التفسير المادي للدين. نتناول بيان هذا الاتجاه ومناقشته في البحوث التالية:
البحث الأول: لماذا نشأ هذا الاتجاه؟
البحث الثاني: ما هو الموقف إزاء هذا الاتجاه؟
البحث الثالث: ما الفائدة من البحوث التي تتناول المقامات الغيبيّة؟
البحث الأول: سبب نشوء التفسير المادي للمسائل الدينية
لقد نشأ اتجاه التفسير المادي لدى البعض في تفسير المعتقدات والمسائل الدينية، على أثر عوامل منها المد المادي الغربي الذي حصل كرد فعل على التجربة المريرة التي خاضها المجتمع الأوربي مع الكنيسة التي كانت تفرض أفكارها الخرافية على الناس باسم الدين.
ولا يخفى أن مثل هذه الأفكار الخرافية موجودة حتى الآن عند بعض مشايخ الوهابية، فهنالك ـ مثلا ـ كتاب لأحد شيوخهم يصرّ فيه على أن الأرض ساكنة ويكفّر أو يضلّل كلّ الذين يخالفونه في ذلك. ومن أدلته على رأيه أننا عندما ننهض كل صباح نرى البقال والعطار والخباز كلاًّ في مكانه، ولو كانت الأرض متحركة كان البقال يوماً في الجانب الأيمن ويوماً في الجانب الأيسر ـ مثلا ـ.
يقول الشيخ في كتابه أيضاً: كثيرون نصحوني أن لا أكتب هذا الكتاب ولكن الحق أحق أن يقال!
هكذا كان حال رجال الدين المسيحيين فكانوا يعتقدون بنظريات باطلة يرفضها العلم، وكانوا يصرون عليها ويكفّرون من يقول بخلافها، ويفتون بقتله، فكانوا يتهمون العلماء بالإلحاد ويحكمون عليهم بالإعدام بسبب نظرياتهم العلمية التي تناقض أفكار الكنيسة.
هذه الحالة خلقت ردّ فعل في الغرب وظهر اتجاه يرفض القضايا الغيبية برمّتها ويقول إن كلّ المعارف البشرية الصحيحة هي التي تبتني على التجربة والمشاهدة، والتي يمكن إثباتها في المختبر أو عبر المعادلات الرياضية، أما الأشياء الغيبية فكلها لا اعتبار لها لأنها غير خاضعة للحس والمشاهدة والتجربة. وشيئاً فشيئاً طغت هذه النزعة على الغرب عموماً.
وحيث إن حضارة الغرب هي الحاكمة اليوم ـ وهذا شىء لا ينكر، فلقد كنا في يوم من الأيام نحن أصحاب الحضارة الحاكمة وكان الغرب محكوماً، وعدنا اليوم محكومين والغرب حاكماً ـ والحضارة الحاكمة تؤثر في الحضارات المحكومة، كانت النتيجة أن انتشر هذا الاتجاه (الذي يؤمن بالعلم التجريبي فقط) في أوساط مجتمعاتنا وتأثر به بعض المتدينين أيضاً، فأخذوا يحللون الأمور تحليلاً مادياً، أما القضايا التي ترتبط بالغيب فإنهم يحاولون إلغاءها أو تأويلها بنحو من الأنحاء.
البحث الثاني: الموقف من الاتجاه المادي
في بيان هذا الموقف نقول: الدين والغيب أمران متلازمان لا ينفكان، ولو جُرّد الدين من الغيب لم يعد ديناً بل أصبح قانوناً كسائر القوانين الوضعية السائدة. الدين لا ينفك عن الغيب بل يبتني عليه، فلو جرّدتَ الدين من الغيب فقد جردته من قاعدته التي يبتني عليها.
فالألوهية غيب، وهي القاعدة الأولى التي يبتني عليها الدين، ويعبَّر عن الله سبحانه بـ«غيب الغيوب» و «الغيب المطلق». وفي الحديث الشريف: «وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم»[2] (http://www.alshirazi.com/roaa/signs/r_shirazi/14.htm#_ftn2)، أي كما أننا لا ندرك كنه الله سبحانه لأنه غيب فكذلك الملائكة لا يعرفون كنه الله تعالى!
بل صفات الله غيب أيضاً، فنحن نعلم أن الله عالم ولكن ما حقيقة علم الله؟ إنّه غيب، وكل المحاولات البشرية لاكتشاف كنه صفات الله محاولات فاشلة.
والنبوة غيب، لأنها تبتني على الوحي وهو غيب. وهكذا المعاد.
يقول الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): «سلكوا في بطون البرزخ سبيلاً»[3] (http://www.alshirazi.com/roaa/signs/r_shirazi/14.htm#_ftn3).
فمحاولة إخضاع كل شيء في الدين للمعادلات المادية، معناه إلغاء القاعدة التي يبتني عليها الدين.
كما أن هنالك بعض التفاسير للقرآن الكريم اتّسمت بالتفسير المادي للمفردات الدينية فهي تحاول أن تؤوّل كل شيء غيبي في القرآن، ومن الأمثلة على ذلك: محاولة تأويل قوله تعالى في سورة البقرة: (ثُمَّ بَعَثْنَـكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[4] (http://www.alshirazi.com/roaa/signs/r_shirazi/14.htm#_ftn4)، وقوله تعالى: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا)[5] (http://www.alshirazi.com/roaa/signs/r_shirazi/14.htm#_ftn5).
وهناك بعض المفسّرين يؤولون قوله تعالى: (وَأَرسَل عَلَيهم طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَة مِن سِجِّيل)[6] (http://www.alshirazi.com/roaa/signs/r_shirazi/14.htm#_ftn6) بالقول: إن الطير والحجارة في الآية كناية عن ميكروب مرض قاتل انتشر بين صفوف الجيش!
ولكنا نسأل هؤلاء: ماذا تفعلون مع الجن والملائكة؟ وماذا تقولون في المسيح وإحيائه الموتى وإبرائه الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى؟! وكيف ستؤولون قول الله تعالى: (قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ)[7] (http://www.alshirazi.com/roaa/signs/r_shirazi/14.htm#_ftn7) وعشرات الآيات الغيبية الأخرى؟ بل إن القرآن مشحون بالقضايا الغيبية من أوله إلى آخره، فلا داعي للتأويل بل إما أن يقبل الإنسان بالغيب ككل أو يرفضه ككل; لا أن يلغي الأحاديث الشريفة ما أمكنه، ويقوم بتأويل الآيات الكريمة لأنه لا يمكن إنكارها!
المبحث الثالث: الفائدة من البحث في المقامات الغيبية
يقول بعض الناس: عرفنا أن للزهراء(عليها السلام) مقامات غيبية، وأنها كانت تعلم الغيب مثلاً، أو أنه حصل كذا وكذا في الملأ الأعلى عند زواجها صلوات الله عليها، فما هي الفائدة أو الثمرة التي نجنيها من هذه المباحث وأمثالها؟
الجواب على هذه الإثارة بجوابين: نقضي وحلّي.
۞أما الجواب النقضي فيمكن طرحه في ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: مباحث علم الكلام
فنقول: وما هي فائدة كثير من مباحث علم الكلام والحكمة الإلهية؟ فمثلاً: ما فائدة معرفة أن الممكن مركب من وجود وماهية؟ وما الثمرة التي نجنيها من معرفة أن الوجود مشترك أو غير مشترك وأنه مشترك لفظي أو معنوي؟ وأنه حقيقة واحدة أم حقائق متعددة؟ وأن الوجود أصيل أو الماهية؟ هل هذه البحوث يمكن أن تحلّ محل الماء والخبز؟ أم يقال في الجواب: ليس بالماء والخبز وحدهما يحيا الإنسان!
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يوجَّه الإشكال على بحث المقامات الغيبية للصديقة الزهراء وأهل البيت عليهم السلام، ولا يوجّه لمباحث علم الكلام؟
ـ المستوى الثاني: العلوم الطبيعية
فنقول: وما فائدة كثير من المعارف في العلوم الطبيعية؟ مثل معرفة أن الشمس تبعد عنا كذا ميلا مثلاً؟ فهل بحوث كهذه تبني بيتاً يسكن فيه الإنسان؟
أم يقال في الجواب: ليس المطلوب من المعرفة دائماً أن تؤمّن بيتاً للإنسان؟
فإذا كان هذا الإشكال لا يرد هناك، فكذلك لا يرد هنا.
ـ المستوى الثالث: العقائد الدينية
وقد يترقى بعض فيقول: وما الفائدة في كثير من البحوث العقائدية مثل أن الله تعالى واحد أم اثنان؟!
إذن، الإشكال عام ومشترك ولا يرد على المقامات الغيبية وحدها، وهذا هو الجواب النقضي.
۞ أما الجواب الحلي فنقول:
أولاً: إن المعرفة مطلوبة لذاتها أي لها قيمة ذاتية، وهذه هي الفائدة العلمية.
ثانياً: إن للبشر ميلاً فطرياً لمعرفة الغيب، فإذا لم يملأ هذا الفراغ بالمعرفة الصحيحة ملأته الخرافة والأباطيل.
والدليل على ذلك أنا نرى النزعة الغيبية حتى بين الكفار، فالعرّافون لهم في الغرب موقع كبير وسوق رائجة، وهكذا المنجمون والسحرة.
ثالثاً: هناك فرق كبير بين أن نعرف أن الإمام بشر عادي مثلنا في كل شيء وبين أن نعرفه بمقامه الغيبي، ففرق مثلاً أن نعرف أن الإمام الرضا(عليه السلام)كان إماماً مفترض الطاعة وحسب، وبين أن نعرف أنه حي وناظر إلينا يسمع الكلام ويرد السلام، كما نقل عن أحد علمائنا أنه رأى الإمام يردّ سلام زائريه فرداً فرداً، فكما أن العالم خشيته من الله أكثر لأن معرفته بالله أكثر; قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَماء)[8] (http://www.alshirazi.com/roaa/signs/r_shirazi/14.htm#_ftn8) فكذلك سيزداد تعظيمنا لأئمتنا(عليهم السلام) إذا ما عرفنا مقاماتهم الغيبية.
إذن لابد من عرض المقامات الغيبية للأئمة(عليهم السلام) وللصديقة الزهراء(عليها السلام)ولكن مقروناً بالتحليل والتعليل حتى لا تستثقله بعض الأذهان.
وبهذا ينتهي البحث عن المقامات الغيبية للصديقة الزهراء(عليها السلام) في إطاره الكلّي وندَع البحوث التفصيلية لموقع آخر.