ابو فاطمة العذاري
23-08-2010, 03:01 AM
كفانا الله وإياك من الفتن ، ورحمك من النار ، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك ، فقد أثقلتك نعم الله بما أصح من بدنك ، وأطال من عمرك ، وقامت عليك حجج الله بما حملك من كتابه ، وفقهك فيه من دينه ، وعرفك من سنة نبيه محمد ، فرضى لك في كل نعمة أنعم بها عليك ، وفي كل حجة احتج بها عليك الفرض بما قضى ، فما قضى إلا ابتلى شكرك في ذلك ، وأبدى فيك فضله عليك ، فقال تعالى : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) . فانظر أي رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي الله ، فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها ، وعن حججه عليك كيف قضيتها ، ولا تحسبن الله قابلا منك بالتعذير ، وراضيا منك بالتقصير ، هيهات هيهات ! ليس كذلك ، أخذ على العلماء في كتابه إذ قال تعالى : ( لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) .
واعلم أن أدنى ما كتمت ، وأخف ما احتملت ، أن آنست وحشة الظالم ، وسهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت ، وإجابتك له حين دعيت .
فما أخوفني أن تبوء بإثمك غدا مع الخونة ، وأن تسأل عما أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة ، إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك ، ودنوت ممن لم يرد على أحد حقا ، ولم ترد باطلا حين أدناك ، وأحببت من حاد الله .
أو ليس بدعائه إياك حين دعاك ، جعلوك قطبا أداروا بك رحا مظالمهم ، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم ، وسلما إلى ضلالتهم ، داعيا إلى غيهم ، سالكا سبيلهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم ، فلم يبلغ أخص وزرائهم ، ولا أقوى أعوانهم ، إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم ، واختلاف الخاصة والعامة إليهم ، فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ، وما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا ، فكيف ما خربوا عليك ، فانظر لنفسك ، فإنه لا ينظر لها غيرك ، وحاسبها حساب رجل مسؤول .
وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه ، صغيرا كان أو كبيرا ، فما أخوفني أن تكون كما قال الله تعالى في كتابه : ( فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا ) إنك لست في دار مقام ، أنت في دار قد آذنت بالرحيل ، فما بقاء المرء بعد قرنائه ، طوبى لمن كان في الدنيا على وجل ، يا بؤس لمن يموت ، وتبقى ذنوبه من بعده . احذر فقد نبئت ، وبادر فقد أجلت ، إنك تعامل من لا يجهل ، وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل ، تجهز فقد دنا منك سفر بعيد ، وداو ذنبك فقد دخله سقم شديد ، ولا تحسب إني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك ، لكني أردت أن ينعش الله ما فات من رأيك ، ويرد إليك ما عزب من دينك ، وذكر قول الله تعالى في كتابه : ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) .
أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك ، وبقيت بعدهم كقرن أعضب .
أنظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت ، أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه ، أم هل تراهم ذكرت خيرا أهملوه ، وعلمت شيئا جهلوه ، بل حظيت بما حل من حالك في صدور العامة ، وكلفهم بك ، إذ صاروا يقتدون برأيك ، ويعملون بأمرك ، إن أحللت أحلوا ، وإن حرمت حرموا ، وليس ذلك عندك ، ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك ، ذهاب علمائهم ، وغلبة الجهل عليك وعليهم ، وحب الرئاسة ، وطلب الدنيا منك ومنهم ، أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة ، وما الناس فيه من البلاء والفتنة ، قد ابتليتهم وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا ، فتاقت نفوسهم إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت ، أو يدركوا به مثل الذي أدركت ، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه ، وفي بلاء لا يقدر قدره ، فالله لنا ولك ، وهو المستعان . أما بعد ، فاعرض عن كلما فيه أنت ، حتى تلحق بالصالحين ، الذين دفنوا في أسمالهم ، لاصقة بطونهم بظهورهم ، ليس بينهم وبين الله حجاب ، ولا تفتنهم الدنيا ، ولا يفتنون بها ، رغبوا فطلبوا ، فما لبثوا أن لحقوا ، فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ مع كبر سنك ، ورسوخ عملك ، وحضور أجلك ، فكيف يسلم الحدث في سنه ؟ ! الجاهل في علمه ، المأفون في رأيه ، المدخول في عقله ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، على من المعول به ؟ وعند من المستعتب ؟ نشكو إلى الله بثنا وما نرى فيك ، ونحتسب عند الله مصيبتنا بك ! فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا ، وكيف أعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلا ؟ وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيرا ؟ وكيف قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا ذليلا ؟ ما لك لا تنتبه من نعستك ! وتستقيل من عثرتك فتقول : " والله ما قمت لله مقاما واحدا أحييت به له دينا ، أو أمت له فيه باطلا " ، فهذا شكرك لمن استحملك ! ما أخوفني أن تكون كمن قال الله في كتابه : ( أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) استحملك كتابه ! واستودعك علمه فاضعتها ! فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به ، والسلام .
واعلم أن أدنى ما كتمت ، وأخف ما احتملت ، أن آنست وحشة الظالم ، وسهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت ، وإجابتك له حين دعيت .
فما أخوفني أن تبوء بإثمك غدا مع الخونة ، وأن تسأل عما أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة ، إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك ، ودنوت ممن لم يرد على أحد حقا ، ولم ترد باطلا حين أدناك ، وأحببت من حاد الله .
أو ليس بدعائه إياك حين دعاك ، جعلوك قطبا أداروا بك رحا مظالمهم ، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم ، وسلما إلى ضلالتهم ، داعيا إلى غيهم ، سالكا سبيلهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم ، فلم يبلغ أخص وزرائهم ، ولا أقوى أعوانهم ، إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم ، واختلاف الخاصة والعامة إليهم ، فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ، وما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا ، فكيف ما خربوا عليك ، فانظر لنفسك ، فإنه لا ينظر لها غيرك ، وحاسبها حساب رجل مسؤول .
وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه ، صغيرا كان أو كبيرا ، فما أخوفني أن تكون كما قال الله تعالى في كتابه : ( فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا ) إنك لست في دار مقام ، أنت في دار قد آذنت بالرحيل ، فما بقاء المرء بعد قرنائه ، طوبى لمن كان في الدنيا على وجل ، يا بؤس لمن يموت ، وتبقى ذنوبه من بعده . احذر فقد نبئت ، وبادر فقد أجلت ، إنك تعامل من لا يجهل ، وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل ، تجهز فقد دنا منك سفر بعيد ، وداو ذنبك فقد دخله سقم شديد ، ولا تحسب إني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك ، لكني أردت أن ينعش الله ما فات من رأيك ، ويرد إليك ما عزب من دينك ، وذكر قول الله تعالى في كتابه : ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) .
أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك ، وبقيت بعدهم كقرن أعضب .
أنظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت ، أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه ، أم هل تراهم ذكرت خيرا أهملوه ، وعلمت شيئا جهلوه ، بل حظيت بما حل من حالك في صدور العامة ، وكلفهم بك ، إذ صاروا يقتدون برأيك ، ويعملون بأمرك ، إن أحللت أحلوا ، وإن حرمت حرموا ، وليس ذلك عندك ، ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك ، ذهاب علمائهم ، وغلبة الجهل عليك وعليهم ، وحب الرئاسة ، وطلب الدنيا منك ومنهم ، أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة ، وما الناس فيه من البلاء والفتنة ، قد ابتليتهم وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا ، فتاقت نفوسهم إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت ، أو يدركوا به مثل الذي أدركت ، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه ، وفي بلاء لا يقدر قدره ، فالله لنا ولك ، وهو المستعان . أما بعد ، فاعرض عن كلما فيه أنت ، حتى تلحق بالصالحين ، الذين دفنوا في أسمالهم ، لاصقة بطونهم بظهورهم ، ليس بينهم وبين الله حجاب ، ولا تفتنهم الدنيا ، ولا يفتنون بها ، رغبوا فطلبوا ، فما لبثوا أن لحقوا ، فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ مع كبر سنك ، ورسوخ عملك ، وحضور أجلك ، فكيف يسلم الحدث في سنه ؟ ! الجاهل في علمه ، المأفون في رأيه ، المدخول في عقله ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، على من المعول به ؟ وعند من المستعتب ؟ نشكو إلى الله بثنا وما نرى فيك ، ونحتسب عند الله مصيبتنا بك ! فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا ، وكيف أعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلا ؟ وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيرا ؟ وكيف قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا ذليلا ؟ ما لك لا تنتبه من نعستك ! وتستقيل من عثرتك فتقول : " والله ما قمت لله مقاما واحدا أحييت به له دينا ، أو أمت له فيه باطلا " ، فهذا شكرك لمن استحملك ! ما أخوفني أن تكون كمن قال الله في كتابه : ( أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) استحملك كتابه ! واستودعك علمه فاضعتها ! فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به ، والسلام .