علي الفاروق
24-08-2010, 08:08 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد
الاتجاهات الحديثية في القرن الرابع عشر ـ د. محمود سعيد ممدوح ـ ص 575 ـ 591
الفصل الأول
اتجاه نصرة آل البيت عليهم السلام
تمهيد في بعض ما وقع على آل البيت عليهم السلام من ظلم:
توالت على آل البيت عليهم السلام أحداث مؤلمة، من ذلك الحروب على أمير المؤمنين علي عليه السلام، ثم تفريق معاوية جيشه الظالم الباغي على الأمصار، يشنّ ما يشه حرب العصابات على أهل الحق مع سبِّ عليٍّ ولعنه على المنابر، وزداد الأمر شدّة بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام، ثم سمِّ الحسن، ومَنِعَ من الدفن في بيت جده صلى الله عليه وآله، ثم وقعة كربلاء واستشهد الحسين بن علي عليهما السلام، واستشهد معه: ستة من أبناء علي بن أبي طالب، واثنان من أبناء الحسن بن علي، وثلاثة من أبناء الحسين بن علي، وآخرون من أبناء جعفر وعقيل ابني أبي طالب وازداد الأمر شدّة حتى قال القائل:
آل حرب أشعلتــم نار حـرب * * * لبني هاشم يشيب منها الوليـد
فابن حرب للمصطفى وابن صخـر * * * لعلـي وللحسـين يزيــد
وتتابعت المحن الأليمة على آل البيت عليهم السلام وشيعتهم، وحادثة مقتل الصحابي الجليل حجر بن عدي وأصحابه مشهورة، أمّا آل البيت فكم منهم من سُجن، وغُيّب، وشُرّد، أو قتل، وكان من أشد الظلم ما وقع على الإمام الشهيد زيد بن علي عليه السلام الذي قتل ثم دفن، ثم أخرج من قبره وصلب سنوات ثم أحرق جسده الشريف، ومراجعة سريعة لمقاتل الطالبيين للأًبهاني، أو مقالات الإسلاميين للأشعري تفتح لك الباب للبحث عن الحقيقة.
وصاحب الخط الدموي والقهري الذي وقع على آل البيت عليهم السلام أمور منها:
1 ـ تغييب علوم آل البيت عليهم السلام، وهذا أمر يطول شرحه، ويكفي أن نذكر هنا ما قاله الفقيه المؤرخ محمد أبو زهرة رحمه الله تعالى في كتابه عن الإمام زيد بن علي عليهما السلام (ص 165):
" إن فقه عليٍّ وفتاويه وأٌضيته لم ترو في كتب السنة بالقدر الذي يتفق مع مدة خلافته التي كانت تبلغ نحو خمس سنين كثرت فيها الأحداث، وتنوعت فيها الوقائع، وقد عكف فوق ذلك على العلم والفقه وطول مدة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان، فكانت حياته كلها للفقه وعلم الدين، وكان أكثر الناس اتصالاً برسول الله صلى الله عليه وآله فقد رافق الرسول صلى الله عليه وآله وهو صبي إلى أن قبض الله تعالى الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه، فكان يجب أن يذكر له في كتب السنة من الروايات عن الرسول ، ومن الفتاوى والأقضية أضعاف ما هو مذكور فيها.
وإنه لا بد أن يكون الحكم الأموي له أثر في اخفاء كثير مما أثر عن علي عليه السلام، لأنه ليس من المعقول أن يلعنوه على المنابر، وأن يتركوا العلماء يتحدثون بعلمه، وينقلون فتاويه وأقواله للناس، وخصوصاً ما كان يتصل منها بأساس الحكم في الإسلام ".
2 ـ تتبع شيعة آل البيت بالقتل والإيذاء وأخبار الصحابي الجليل حُجْر بن عدي رضي الله عنه وأصحابه مشهورة مسطورة.
3 ـ تضعيف الرواة الشيعة والتوقف في كثير من مروياتهم وإثارة الاستشكالات حولها، وهخو المقصود بالذات من هذه الكلمات.
* * *
استشكال الحافظ ابن حجر " توهين الشيعي مطلقاً، وتوثيق الناصبي غالباً "
1 ـ وكما[1] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn1) وقع الظلم على آل البيت عليهم السلام وقع على محبيهم، ونالوا من الجرح الجائر النصيب الأوفر، وشاع وانتشر تضعيفهم وجرحهم والنيل منهم والثناء على أعدائهم حتى قال الحافظ ابن حجر في التهذيب في ترجمة الناصبي لمازة بن زَبَّارة الازدي البصري ( 8 / 458 ): " قد كنتُ أستشكل توثيقهم الناصبي غالباً وتوهينهم الشيعي مطلقاً، ولا سيما أن عليّاً ورد في حقه: لا يحبه إلى مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق ".
قلت: وهذا الاستشكال هو حكاية واقع، وقبل النظر في التعليق على كلمة الحافظ بنبغي أن نلقت النظر إلى إلفاظ التأكيد في عبارة الحافظ ابن حجر " غالباً " وفي المقابل " مطلقاً " فالأولى توثيق أغلبي والثنية توهيث مطلق، وهذا غاية في القسوة ومفارقة بين المشهود له بالنفق فهو غالباً ثقة، وبين المشهود له بالإيمان فلا بنبغي تضعيفه فقط بل توهينه مطلقاً، وليكن هذا الاعتراف من الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى كاشفاً لأسباب تضعيف مرويات آل البيت عليهم السلام وأحاديث فضائلهم، بل إن هذا من الأسباب التي أدّت إلى الاعتراض عن فقه وحديث آل البيت رضوان الله عليهم.
وقد أجاب الحافظ عمّا استشكله بجواب غير ناهش، وتعرض للنقد، ولكن الذي يهمنا هنا إثبات الظلم البين بتوهين الشيعي مطلقاً، وتوثيق الناصبي ـ وهو منافق ـ غالباً، وهذه ثلمة توجب الريبة في أمري الشيعي والناصبي.
2 ـ مثال كاشف:
وسأضرب مثالاً كاشفاً لتوثيق الناصبي غالباً كما يقول الحافظ ابن حجر، فقد جاء في تهذيب الكمال في ترجمة ثور بن يزيد الحمصي ( 4 / 427 ) " وقال عباس الدُّوري، عن يحيى بن معين: ثور بن يزيد ثقة.
وقال في موضع آخر: أزهر الحرازي، وأسد بن وداعة وجماعة كانوا يجلسون ويسبون علي بن أبي طالب، وكان ثور بن يزيد لا يسب عليّاً، فإذا لم يسب جروا برجله ".
قلتُ: هؤلاء: ثور، وأزهر، واٍسد ثلاثة من النواصب كما يعلم من مراجعة تراجمهم، ولو أنهم كانوا من الكوفيين، وقدم احدهم عليّاً على الشيخين رضي الله عنهما لرمي بالفض، او أملى مجلساً في حديث الموالاة فضلاً عن الطير لقاموا عليه و
أرعدوا وتوعدوا، وتوقفوا في قسم من احاديثه، ولكنهم يوثقون الناصبي بدون تحرز أو تردد.
التشيع ليس جرحاً لذاته:
3 ـ والصواب ـ والله اعلم ـ أن يقال: إن الجرح بمطلق التشيع فيه نظر، فإن التشيع نوعان: تشيع مذهبي، وهذا له طائفه وأصوله وفروعه وفيه خطأ وصواب والحكم على التشيع المذهبي كله بالخطأ مخالف لنصوص الشريعة المتواترة.
والنوع الثاني: تشيع كان معروفاً في الصدر الأول، فإن التشيع اسم غلب على من يتولى عليّاً وآل بيته عليهم السلام، فإذا قيل: فلان من الشيعة عرف أنه منهم.
راجع : اللسان ( 7 / 258 )، تاج العروس ( 21 / 302 )، العين ( 2 / 191 )، الأساس ( ص 343 ).
فالتشيع بهذا المعنى هو التشيع السنِي الذي يجب أن يكون عليه كل مسلم، وهو مذهب كثيرين من الصحابة وافاضل الأمة الذين جاهدوا مع عليٍّ والحسن والحسين والعترة المطهرة عليهم السلام.
وعلى ذلك فلا ينبغي أن يعد التشيع جرحاً لذاته، بل إن الجرح به على الصفة المذكورة يعود على الجارح ولا بد، وقد اتخذ الجرح به سلماً للنيل من آل البيت رضوان الله عليهم ومن أتباعهم ومحبيهم إعلاناً لنصب الجارح، أو تأثراً بقواعد النواصب، أو تحت وطأة الإرهاب الفكري والجسدي، أو جهلاً بحقيقة الأمر.
4 ـ وعليه فينبغي مجانبة التسليم بالحكم على الرواة بالتشيع يعني الابتداع ـ في نظر المخالف ـ الموجب للطعن في عدالة الراوي، وبالتالي وجود ريبة في مروياته، لا سيما المتعلقة بآل البيت وفضائلهم رضوان الله عليهم، إلا بعد التأني والحذر.
أسباب جرح الرواة بالتشيع:
5 ـ وأسباب الحكم على الرواة بالتشيع منها ما يوجب الطعن في الجارح أو في علمه، وقد قدح في جمع كبير بالتشيع لأسباب واهية من أهمها:
أـ مسألة التفضيل، وهي ظنية لا قطع فيها ولا علاقة لها بالعقائد، وهو ما صرح به أئمة أهل السنة والجماعة كالباقلاني، وابن عبد البر، وإمام الحرمين، والغزالي، والمازري، والآمدي، والسعد التفتازاني، والعضد، وغيرهم[2] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn2).
ففي ترجمة إبراهيم بن عبد الضحاك المديني الأصبهاني من اللسان ( 1 / ت218 ) قال الحافظ ابن حجر: " ذكر أبو الشيخ ثم أبو نعيم أنه ثقعد للتحديث فاخرج الفضائل، فأملى فضائل أبي بكر، ثم عمر، ثم قال: نبدأ بعثمان أو بعلي ؟ فقالوا: هذا رافضي فتركوا حديثه.
قلتُ ـ القائل الحافظ ابن حجر ـ: وهذا ظلم بيّن، فإن هذا مذهب جماعة من أهل السنة، اعني التوقف في تفضيل أحدهما على الىخر، وإن كان الأكثر على تقديم عثمان، بل كان جماعة من أهل السنة يقدمون علياً على عثمان، منهم: سفيان وابن خزيمة ".
قلتُ: بل كان جماعة من الصحابتة رضي الله عنهما يفضلون علياً كرم الله وجهه على الجميع، راجع الفصل لابن حزم ( 4 / 182 )، ورسالة المفاضلة له
( ص 170 )، ومناقب الأربعة للباقلاني ( ص 294، 471، 480 )، وذكرني ما تقدم بقول السَّاجي عن قابوس بن أبي ظبيان ؟: " ليس بثبت يقدم عليّاً على عثمان ". راجع التهذيب ( 7 / 306 )، فما أوهى هذا التضعيف العائد على المضعِّف.
ب ـ ومنها صحبة أئمة آل البيت رضوان الله عليهم، والرواية عنهم، ففي زيادات الحافظ على الميزان في اللسان ( 1 / ت1225، 1226 ـ ط دار إحياء التراث ):
" ر ـ إسرائيل بن عائذ المدني المخزومي، ذكره الطّوسي في " رجال الشيعة "، كان ثقة، من الرواة عن جعفر الصادق.
ز ـ إسرائيل بن عباد المكي، أبو معاذ.
ذكره الطوسي في " رجال الشيعة " وقال: كان ثقة من الرواة عن أبي جعفر الباقر".
قلتُ: هذا غاية في الظلم والجحود والإيلام، فما هو الموجب لجرح أصحاب الأئمة الأخيار عليهم السلام ؟!
وما هو مبرر الحافظ ابن حجر ليدخل هذا النوع من الرواة في المتكلم فيهم ؟؟؟
وفي لسان الميزان جمع من الرواة من هذا النوع، وليس لهم جريرة إلا أنهم من أصحاب الإمامين الباقر أو الصادق عليهما السلام، وترجمهم الطّوسي وغيره ولم يضعفوا فيجب إخراجهم من اللسان.
انظر لسان الميزان مثلاً: 1 / ت1، 2، 3 ، 4 ، 1044، 1045، 1046، 1047، 1050، 1051، 1052، 1053، 1055، 1229، ... وغيرهم كثير، ويمكن إفرادهم.
جـ ـ ومنها رواية أحاديث معينة في فضائل آل البيت كما حَدَثَ مع أبي عبد الله الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك.
قال عنه أبو إسماعيل الهروي: " رافضي خبيث ".
وقال الذهبي: " ليس هو رافضياً بل يتشيع ".
وقال ابن طاهر: " كان شديد التعصب للشيعة في الباطن ". كذا قال، وكأن الله أطعله على السرائر.
قلتُ: وقد بحثت عن سبب جرهم له بالتشيع فوجدت الخطيب يقول في التاريخ ( 5 / 474 ): " كان يميل إلى التشيع، فحدثني أسحاق إبراهيم بن محمد الأرموي بنيسابور ـ وكان شيخاً صالحاً عالماً فاضلاً ـ قال: جمع الحاكم أبو عبد الله أحاديث زعم أنها على شرط البخاري ومسلم يلزمهما إخراجها في صحيحيهما، منها: حديث " الطير "، و" من كنت مولاه فعليٌّ مولاه" فانكر عليه أصحاب الحديث ذل، ولم يلتفتوا فيه إلى قوله، ولا صوَّبوه في فعله ".
قلت: أيُّ أصحاب حديث هؤلاء ؟، ومن هو الأولى بالجرح ؟ وحديث " الموالاة " متواتر لا يجوز الإنكار على راويه بحال، وحديث الطير صحيح، رواة عن أنس فقط أكثر من ستين راوياً، فينظر في حال من أنكروا عليه أولاً، والله المستعان.
ثم وجدت التاج السُّبكي الأشعري يقول عجباً وحقّاً في طبقات الشافعية ( 4 / 167 ) قال: " وقد أوقع الله في قلبي أن الجرل كان عنده ميل إلى علي رضي الله عنه، يزيد على الميل الذي يطلب شرعاً، ولا أقول إنه ينتهي به إلى أن يضع من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهما، ولا أنه يفضل عليّاً على الشيخين، بل أستبعد أن يفضله على عثمان، فإني رأيته في كتابه " الأربعين " عقد باباً لتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهما، واختصهم من بين الصحابة وقدم في " المستدرك " ذكر عثمان ـ يعني على عليٍّ ـ".
ثم قال: " وأخرج غير ذلك من الأحاديث الدالة على أفضلية عثمان، مع ما في بعضها من الاستدراك عليه، وذكر فضائل طلحة والزبير وعبد الله بن عمرو "[3] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn3).
قلتُ: أولاً: اعتذار ابنِ السُّبكي مسكت لأعداء الحاكم.
وثانياً: تقديم الاعتذار بقوله : " وقع في قلبي ... " عجب منه، فإذا كان الحاكم يقدم كلَّ من ذكرهم ابنُ السُّبكي على عليٍّ كرم الله وجهه، وذكر فضائل لمحاربيه والذين كانوا ينالون منه، فماذا بقي عند الحاكم حتى يكون عنده ميل إلى عليٍّ عليه السلام يزيد على الميل الذي يطلب شرعاً ؟!.
أعوذ بالله من النصب المتوارث[4] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn4).
ثالثاً: إذا علم من تقدَّم فالصواب الذي لا محيد عنه هو البحث في حال من اتهموا الحاكم بالتشيع أو الرفض، ولا أستثني أحداً من المذكورين ومنهم التاج السُّبكي، وسبب تشددهم ورفعهم لرايات الإرهاب الفكري لمثل الحاكم الذي يذكر ي مستدركه مناقب للذين خرجوا على أمير المؤمنين علي، ومنهم من طعنوا فيه كالمغيرة بن شعبة فعمرو بن العاص، وأخباره في محاربة أمير المؤمنين عليه السلام بلغت عنان السماء.
دـ نظم أبيان في فضائل آل البيت عليهم السلام، والإكثار من ذكرهم وإظهار حبّهم، أو موافقة الشيعة في بعض الفروع كما كان الشأن مع الإمام الشافعي رضي الله عنه.
قال ابن عبد البر في الانتقاء ( ص 146 ): " قال الربيع بن سليمان المؤذن: حججت مع محمد بن إدريس الشَّافعي إلى مكة، فما كان يصعد شرفاً ولا يهبط وادياً إلا أنشأ يقول:
يا راكباً قِفْ بالمُحَصَّبِ من مِني * * * واهتِفْ بساكنِ خَيْفِهَا والنَّاهضِ
سَحَراً إذا فاضَ الحَجِيجُ إلى مِنَى * * * فيْضاً كمُلْتطِمٍ الفُراتٍ الفائضِ
إنْ كان رَفْضاً حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ * * * فَليَشْهَدِ الثَّقلانِ أنِّي رافِضِي
قال أبو عمرو: كان يُنسب هذا الشعر إلى الشافعي رحمه الله، فيما حدثني غير واحد من شيوخي، عن أبي القاسم عبيد الله بن عمر بن أحمد الشَّافعي، ضيف الحكم رحمه الله، الساكن في الزهراء، عن شيوخه، قال: قيل للشافعي: إن فيك بعض التشيع، قال: وكيف ذاك، قالوا: لأنك تظهر حبَّ آل محمد ". انتهى من الانتقاء.
قلتُ وقد أجاب الإمام الشَّافعي رحمه الله إجابة مسكتة، لكن انظر إلى الاتهام بالتشيع في وقتِّ ازدهار الرواية بسبب إظهار حبِّ آل محمد صلى الله عليه وآله الذي هو من أقوى علامات الإيمان، وكأن إظهار حبِّ آل محمد صلى الله عليه وآله جريمة وكبيرة وعظيمة يعاقب عليها بالرمي بالتشيع والرفض، فأيهما أولى بالجرح عند العقلاء ؟
ومن هذا الباب قول الحافظ أحمد بن عبد الله العِجْلي في الإمام الشَّافعي رضي الله عنه: " هو ثقة صاحب رأي، ليس عنده حديث، وكان يتشيع ".
فكان العِجْلي يرمي الشافعي بالتشيع لقوله:
إنْ كان رَفْضاً حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ * * * فَليَشْهَدِ الثَّقلانِ أنِّي رافِضِي "[5] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn5).
قلت: إذا كان هذا حال أحمد بن عبد الله العِجْلي ـ وهو من أئمة الجرح والتعديل ـ في اعتبار التشيع تهمة واتهام الإمام الشافعي به لمجرح أبيان تعبر عن الواجب الإيماني، أقول: إذا كان هذا العِجْلي مع الإمام الشَّافعي وهو إمام ذو سطوة وأصحاب، فكيف إذا وقع هذ الجرح في كوفي مسكين قليل النصفة والأصحاب ؟
ومن هذا لباب أيضاً قول الحافظ الذّهبي في " الرواة الثقات " (ص 23): " وكذا تكلم فيه ـ يعني الإمام الشافعي ـ بالشتيع بعض أعدائه من كبار المالكية، لموافقته الشيعة في مسائل فروعية أصابوا فيها ولم يبدعوا بها، كالجهر بالبسملة، والقنوت في الصبح، والتختم في اليمين، وهذا قلة ورع وتسرع إلى الكلام في الإمام ".
قلتُ: ومن هذا القبيل ما رواه أبو داود أنه قيل لأحمد بن حنبل: أنَّ يحيى بن معين ينسب الشَّافعي بن إدريس إلى التشيع، فقال أحمد ليحيى بن معين: كيف عرفت ذلك؟ فقال يحيى: إني نظرتُ في تصنيفه في قتال أهل البغي، فرأيته قد احتجَّ من أوله إلى آخره بعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال أحمد: يا عجباً لك، فبمن كان يحتج الشَّافعي في قتال أهل البغي؟ فإنَّ أوله من ابتلي من هذه الأمة بقتال أهل البغي هو عليُّ بن أبي طالب عليه السلام قال: فخل يحيى من كلامه ".
وراجع مناقب الإمام الشافعي للبيهقي ( 1 / 450 )، وللرازي _ ( ص 143 ).
قلتُ: أصاب أحمد في تعجبه، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إذا جاءنا الثبت عن عليٍّ لا نعدل به أحداً.
فحريٌّ بنا أن نتوقف في كل من رماه يحيى بن معين بالتشيع، فلننظر في القرائن المؤيدة لقول يحيى بن معين، وإلا فالتوقف قوي ومتجه.
ثم أقول: كلُّ من رمى الإمام الشافعي بالتشيع بمعنى الابتداع آذى نفسه، أما الحبُّ، والموالاة، والنصرة، فأمور كان الإمام الشافعي يعلنها، وله فيها أخبار مشهورة.
هـ ـ حفظ قصائد تذكر فضائل آل البيت عليهم السلام، كما وقع مع أبي الحسن الدَّارقطني.
قال الخطيب في التاريخ ( 12 / 20 ): " وسمعت حمزة بن محمد بن طاهر الدَّقَّاق يقول: كان أبو الحسن الدارقطني يحفظ ديوان السيد الحميري في جملة ما يحفظ من الشعر نسب إلى التشيع لذلك ".
قلتُ: هذا غريب، وهذا الإرهاب يحتاج أولاً للنظر في حال من نسب الدّارقطني للتشيع، وأغرب منه قول الذهبي في معرفة القراء الكبار ( 1 / 351 ): " هو بريء من التشيع "، وهذا إأجمالكان يحتاج للبيان، وًل التشيع ليس بتهمة فيحتاج للبراءة منها.
وـ التمذهب بمذهب الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام.
ففي ترجمة الحافظ المصنف أحمد بن حمد بن رميح بن وكيع النَّسوي في اللسان ( 1 / ت 8205 ) قال الحافظ: " إنما ضعفه من ضعفه لانه كان زيدي المذهب يتظاهر به ".
قلتُ: أعوذ بالله من الجهل والسفه، ولازيدية ينسبون إلى إمام آل البيت زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام، فأكرم بها من نسبة، ومن أئمة لاسادة الزيدية: أبناء الإمام زيد وأحفاده، وابناء الإمام عبد الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط، وهم: محمد النفس الزكية، وإبراهيم، ويحيى، وإدريس الكبير فاتح المغرب، وأبناء
إبراهيم أخو عبد الله الكامل ـ وفيهم عدد من الأئمة ـ والحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وأخوه محمد وغيرهم من علماء الآل، ومن أتباعهم خلق من العلماء الصالحين، بل وجدتُ ابن النديم يقول في الفهرست ( 312 ): " أكثر علماء المحدِّثين زيدية "، وأظنه عنَى أعيان المحدِّثين الكوفيين، كالأعمش، وأبي إسحاق السبيعي، ووكيع، والثوري، وعبيد الله العبسي، وأبي نعيم الفضل بن دكين ، وأمثالهم، فالله المستعان.
زـ ومنها التصنيف أو الإملاء في خصائص الإمام علي سلام الله عليه، وقد رمي الإمام النسائي بالتشيع والانحراف بسبب كتابه الجليل " خصائص علي " فانقل المدح ذمّاً، وعلامة الإيمان إلى الاتهام المؤدي إلى الإبعاد والطرد، فقاتل الله النصب والنواصب.
ففي وفيات الأعيان في ترجمة النسائي ( 1 / 77 ): " كان يتشيع " ونحوه في البداية والنهاية ( 11 / 132 )، وقال الذهبي في النبلاء ( 14 / 133 ): " فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام عليِّ كمعاوية وعمرو، والله يسامحه ".
قلت: ما عاب به الذَّهبي أبا عبد الرحمن النسائي محامد، والحقُّ مع النسائي قولاً واحداً، وكيف لا ينحرف المؤمن عن البغاة الدعاة إلى النار الذين غيروا وبدَّلوا؟
فإن قيل: ولماذا رميتم الرجل بالابتداع والانحراف ؟ فلا تجد لهم إلا جواباً فيه حيرة، ويعود بالذم على الجارح، والنسائي أفهم وأوثق واعرف من الذهبي ... ويشيق صدري ولا ينطلق لساني.
وقال الوزير ابن حِنْزابة: سمعت محمد بن موسى المأموني ـ صاحب النسائي ـ قال: سمعت قوماً ينكرون على أبي عبد الحرمن كتاب " الخصائص " لعليٍّ رضي الله عنه، وتركه تصنيف فضائل الشيخين، فذكرت له ذلك، فقال: دخلتُ دمشق والانحراف بها عن علي كثير، ثم إنه صنف بعد ذلك فضائل الصحابة ".
فلينظر في: أولاً: في الحساسية تجاه أخي النبي صلى الله عليه وآله.
وثانياً: في اللازم الباطل.
وثالثاً: في حال الحاقدين المنكرين التصانيف في خصائص الإمام عليٍّ كرم الله وجهه.
ثم لينظر في حال الذين قتلوا الإمام الشهيد أبا عبد الرحمن النسائي شرَّ قتلة رحمه الله تعالى، ثم في حال من رموه بالتشيع كالذَّهبي وغيره، ثم لينظر في حال الذهبي الذي سكت عن مدح من يستحق المدح وهو النَّسائي، وذم من يستحق الذم وهم الشاميون المنحرفون عن أمير المؤمنين عليه السلام والله المستعان.
حـ ـ التصنيف في فضائل آل البيت رضوان الله عليهم، وهذا أعمُّ من سابقه، ولنذكر منهم الحافظ العلم أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، ذكره الذهبي في الميزان ( 2 / ت 4965 ) وقال:
" وما ذكرته لولا ذكر أبي الفضل السليماني له فبئس ما صنع، فإنه قال: ذكر أسامي الشيعة من المحدِّثين الذين يقدمون عليّاً على عثمان: الأعمش، النعمان بن ثابت، شعبة بن الحجاج، عبد الرزاق، عبيد الله بن موسى، عبد الرحمن بن أبي حاتم ".
وفي ترجمة ابن أبي حاتم من التهذيب ( 9 / 33 ): " قال مسلمة في الصلة: كان ثقة، وكان شيعيّاً مفرطاً ".
قال الحافظ في التهذيب ( 9 / 34 ): " فلعله ( يعني ابن أبي حاتم ) تلقف ذلك ( يعني التشيع ) من أبيه ( يعني أبا حاتم ) ".
ويؤيد ما تقدم ما جاء في معجم البلدان ( 3 / 121 ): " وكان أهل اري أهل سنة وجماعة إلى أن تغلب أحمد بن الحسن المارداني عليها فأظهر التشيع وأكرم أهله وقربهم فتقرب إليه الناس بتصنيف الكتب في ذلك، فصنف له عبد الرحمن بن أبي حاتم كتاباً في فضائل أهل البيت وغيره ".
ط ـ تصنيف جزء في حديث يتعلق بفضائل علي عليه السلام، كما كان الأمر مع الإمام المجتهد المصنف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، فلما كتب جزءاً في حديث غدير خم المتواتر، وآخر في حديث الطير تكلموا فيه بالتشيع، بل قال بعضهم: " كان يضع للروافض ".
وقال الحافظ في اللسان: " وإنما نُبِزَ بالتشيع لأن هصحح حديث غدير خُم ".
قلتُ: للجهل والنصب رجال، وحديث غدير خم متواتر، والطبري ـ رحمه الله تعالى ـ هو القائل: " من قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى يُقْتل، يُقْتل ".
راجع النبلاء ( 14 / 267 )، ولسان الميزان ( 5 / ت7190 ).
ي ـ ومنها الاتصال بعليٍّ عليه السلام وموالاته حتى لو كان من الصحابة رضي الله عنهما.
فهذا أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي رضي الله عنه، آخر الصحابة موتاً كان من المفضلين لعليٍّ على الجميع، وله أعمال جليلة معه ومع آل بيته، فنسب إلى التشيع يعني الابتداع، وأغرب ابن عيد فذكره في الكامل في ضعفاء الرجال ( 5 / 1741 ) مع اعترافه بصحبته، ونقل عن علي بن المديني قال: سمعتُ جرير بن عبد الحميد، وقيل له: كان غيرة ينكر الرواة عن أبي الطفيل؟ قال: نعم ".
قلتُ: مغيرة هو ـ والله أعلم ـ ابنُ مقسم كان فيه نصب فمثله يتحاشى الرواية عن أصحاب علي كرم الله وجهه ولو كانوا من الصحابة رضي الله عنهما، فعاد الجرح على الجارح ولا بد.
ثم قال ابن عدي: " وكان الخوارج يذمونه ( يعني عامر بن واثلة رضي الله عنه ) باتصاله بعلي بن أبي طالب، وقوله بفضله وفضل أهله ".
قلتُ: كل هذا ليس بموضع تهمة إلا عند المتهم في دينه.
وتلك عشرة كاملة للتنبيه بلا حصر أو قصر
* * *
__________________________
[1] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref1)من قولي " وكما " إلى قولي " كاملة " والتي ستأتي في السطر رقم 16، في (ص591)، هو قسم من الجزء الذي منع من النبشر من مقدمة كتابي " الاحتفال بمعرفة الواة الثقات الذين ليسوا في تهذيب الكمال " وكان مكانه في مقدمة الكتاب المذكور ( 1 / 88 ).
[2] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref2)وراجع النقول الكثيرة عن المذكورين وغيرهم في " غاية التبجيل وترك القطع بالتفضيل ".
[3] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref3)بل عقد فصلاً خاصّاً بالمغيرة بن شعبة في المناقب من المستدرك ( 3 / 447 ).
[4] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref4)والصواب عندي أنّ كثيراً من الناس توارثوا الخوف من آل البيت عليهم السلام، فمن خرج عن المألوف وهو حبهم النظري، فذكر مناقبهم ، وأملي أحاديث تفيد تقدمهم، وحاول نشر علومهم والصحيح من تاريخهم، فقد نطق خلفاً واتبع غير السبيل، فيناله عند ذلك كثير من الأذى.
[5] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref5)راجع جزء الذهبي في الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم (ص 30 ).
الاتجاهات الحديثية في القرن الرابع عشر ـ د. محمود سعيد ممدوح ـ ص 575 ـ 591
الفصل الأول
اتجاه نصرة آل البيت عليهم السلام
تمهيد في بعض ما وقع على آل البيت عليهم السلام من ظلم:
توالت على آل البيت عليهم السلام أحداث مؤلمة، من ذلك الحروب على أمير المؤمنين علي عليه السلام، ثم تفريق معاوية جيشه الظالم الباغي على الأمصار، يشنّ ما يشه حرب العصابات على أهل الحق مع سبِّ عليٍّ ولعنه على المنابر، وزداد الأمر شدّة بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام، ثم سمِّ الحسن، ومَنِعَ من الدفن في بيت جده صلى الله عليه وآله، ثم وقعة كربلاء واستشهد الحسين بن علي عليهما السلام، واستشهد معه: ستة من أبناء علي بن أبي طالب، واثنان من أبناء الحسن بن علي، وثلاثة من أبناء الحسين بن علي، وآخرون من أبناء جعفر وعقيل ابني أبي طالب وازداد الأمر شدّة حتى قال القائل:
آل حرب أشعلتــم نار حـرب * * * لبني هاشم يشيب منها الوليـد
فابن حرب للمصطفى وابن صخـر * * * لعلـي وللحسـين يزيــد
وتتابعت المحن الأليمة على آل البيت عليهم السلام وشيعتهم، وحادثة مقتل الصحابي الجليل حجر بن عدي وأصحابه مشهورة، أمّا آل البيت فكم منهم من سُجن، وغُيّب، وشُرّد، أو قتل، وكان من أشد الظلم ما وقع على الإمام الشهيد زيد بن علي عليه السلام الذي قتل ثم دفن، ثم أخرج من قبره وصلب سنوات ثم أحرق جسده الشريف، ومراجعة سريعة لمقاتل الطالبيين للأًبهاني، أو مقالات الإسلاميين للأشعري تفتح لك الباب للبحث عن الحقيقة.
وصاحب الخط الدموي والقهري الذي وقع على آل البيت عليهم السلام أمور منها:
1 ـ تغييب علوم آل البيت عليهم السلام، وهذا أمر يطول شرحه، ويكفي أن نذكر هنا ما قاله الفقيه المؤرخ محمد أبو زهرة رحمه الله تعالى في كتابه عن الإمام زيد بن علي عليهما السلام (ص 165):
" إن فقه عليٍّ وفتاويه وأٌضيته لم ترو في كتب السنة بالقدر الذي يتفق مع مدة خلافته التي كانت تبلغ نحو خمس سنين كثرت فيها الأحداث، وتنوعت فيها الوقائع، وقد عكف فوق ذلك على العلم والفقه وطول مدة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان، فكانت حياته كلها للفقه وعلم الدين، وكان أكثر الناس اتصالاً برسول الله صلى الله عليه وآله فقد رافق الرسول صلى الله عليه وآله وهو صبي إلى أن قبض الله تعالى الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه، فكان يجب أن يذكر له في كتب السنة من الروايات عن الرسول ، ومن الفتاوى والأقضية أضعاف ما هو مذكور فيها.
وإنه لا بد أن يكون الحكم الأموي له أثر في اخفاء كثير مما أثر عن علي عليه السلام، لأنه ليس من المعقول أن يلعنوه على المنابر، وأن يتركوا العلماء يتحدثون بعلمه، وينقلون فتاويه وأقواله للناس، وخصوصاً ما كان يتصل منها بأساس الحكم في الإسلام ".
2 ـ تتبع شيعة آل البيت بالقتل والإيذاء وأخبار الصحابي الجليل حُجْر بن عدي رضي الله عنه وأصحابه مشهورة مسطورة.
3 ـ تضعيف الرواة الشيعة والتوقف في كثير من مروياتهم وإثارة الاستشكالات حولها، وهخو المقصود بالذات من هذه الكلمات.
* * *
استشكال الحافظ ابن حجر " توهين الشيعي مطلقاً، وتوثيق الناصبي غالباً "
1 ـ وكما[1] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn1) وقع الظلم على آل البيت عليهم السلام وقع على محبيهم، ونالوا من الجرح الجائر النصيب الأوفر، وشاع وانتشر تضعيفهم وجرحهم والنيل منهم والثناء على أعدائهم حتى قال الحافظ ابن حجر في التهذيب في ترجمة الناصبي لمازة بن زَبَّارة الازدي البصري ( 8 / 458 ): " قد كنتُ أستشكل توثيقهم الناصبي غالباً وتوهينهم الشيعي مطلقاً، ولا سيما أن عليّاً ورد في حقه: لا يحبه إلى مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق ".
قلت: وهذا الاستشكال هو حكاية واقع، وقبل النظر في التعليق على كلمة الحافظ بنبغي أن نلقت النظر إلى إلفاظ التأكيد في عبارة الحافظ ابن حجر " غالباً " وفي المقابل " مطلقاً " فالأولى توثيق أغلبي والثنية توهيث مطلق، وهذا غاية في القسوة ومفارقة بين المشهود له بالنفق فهو غالباً ثقة، وبين المشهود له بالإيمان فلا بنبغي تضعيفه فقط بل توهينه مطلقاً، وليكن هذا الاعتراف من الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى كاشفاً لأسباب تضعيف مرويات آل البيت عليهم السلام وأحاديث فضائلهم، بل إن هذا من الأسباب التي أدّت إلى الاعتراض عن فقه وحديث آل البيت رضوان الله عليهم.
وقد أجاب الحافظ عمّا استشكله بجواب غير ناهش، وتعرض للنقد، ولكن الذي يهمنا هنا إثبات الظلم البين بتوهين الشيعي مطلقاً، وتوثيق الناصبي ـ وهو منافق ـ غالباً، وهذه ثلمة توجب الريبة في أمري الشيعي والناصبي.
2 ـ مثال كاشف:
وسأضرب مثالاً كاشفاً لتوثيق الناصبي غالباً كما يقول الحافظ ابن حجر، فقد جاء في تهذيب الكمال في ترجمة ثور بن يزيد الحمصي ( 4 / 427 ) " وقال عباس الدُّوري، عن يحيى بن معين: ثور بن يزيد ثقة.
وقال في موضع آخر: أزهر الحرازي، وأسد بن وداعة وجماعة كانوا يجلسون ويسبون علي بن أبي طالب، وكان ثور بن يزيد لا يسب عليّاً، فإذا لم يسب جروا برجله ".
قلتُ: هؤلاء: ثور، وأزهر، واٍسد ثلاثة من النواصب كما يعلم من مراجعة تراجمهم، ولو أنهم كانوا من الكوفيين، وقدم احدهم عليّاً على الشيخين رضي الله عنهما لرمي بالفض، او أملى مجلساً في حديث الموالاة فضلاً عن الطير لقاموا عليه و
أرعدوا وتوعدوا، وتوقفوا في قسم من احاديثه، ولكنهم يوثقون الناصبي بدون تحرز أو تردد.
التشيع ليس جرحاً لذاته:
3 ـ والصواب ـ والله اعلم ـ أن يقال: إن الجرح بمطلق التشيع فيه نظر، فإن التشيع نوعان: تشيع مذهبي، وهذا له طائفه وأصوله وفروعه وفيه خطأ وصواب والحكم على التشيع المذهبي كله بالخطأ مخالف لنصوص الشريعة المتواترة.
والنوع الثاني: تشيع كان معروفاً في الصدر الأول، فإن التشيع اسم غلب على من يتولى عليّاً وآل بيته عليهم السلام، فإذا قيل: فلان من الشيعة عرف أنه منهم.
راجع : اللسان ( 7 / 258 )، تاج العروس ( 21 / 302 )، العين ( 2 / 191 )، الأساس ( ص 343 ).
فالتشيع بهذا المعنى هو التشيع السنِي الذي يجب أن يكون عليه كل مسلم، وهو مذهب كثيرين من الصحابة وافاضل الأمة الذين جاهدوا مع عليٍّ والحسن والحسين والعترة المطهرة عليهم السلام.
وعلى ذلك فلا ينبغي أن يعد التشيع جرحاً لذاته، بل إن الجرح به على الصفة المذكورة يعود على الجارح ولا بد، وقد اتخذ الجرح به سلماً للنيل من آل البيت رضوان الله عليهم ومن أتباعهم ومحبيهم إعلاناً لنصب الجارح، أو تأثراً بقواعد النواصب، أو تحت وطأة الإرهاب الفكري والجسدي، أو جهلاً بحقيقة الأمر.
4 ـ وعليه فينبغي مجانبة التسليم بالحكم على الرواة بالتشيع يعني الابتداع ـ في نظر المخالف ـ الموجب للطعن في عدالة الراوي، وبالتالي وجود ريبة في مروياته، لا سيما المتعلقة بآل البيت وفضائلهم رضوان الله عليهم، إلا بعد التأني والحذر.
أسباب جرح الرواة بالتشيع:
5 ـ وأسباب الحكم على الرواة بالتشيع منها ما يوجب الطعن في الجارح أو في علمه، وقد قدح في جمع كبير بالتشيع لأسباب واهية من أهمها:
أـ مسألة التفضيل، وهي ظنية لا قطع فيها ولا علاقة لها بالعقائد، وهو ما صرح به أئمة أهل السنة والجماعة كالباقلاني، وابن عبد البر، وإمام الحرمين، والغزالي، والمازري، والآمدي، والسعد التفتازاني، والعضد، وغيرهم[2] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn2).
ففي ترجمة إبراهيم بن عبد الضحاك المديني الأصبهاني من اللسان ( 1 / ت218 ) قال الحافظ ابن حجر: " ذكر أبو الشيخ ثم أبو نعيم أنه ثقعد للتحديث فاخرج الفضائل، فأملى فضائل أبي بكر، ثم عمر، ثم قال: نبدأ بعثمان أو بعلي ؟ فقالوا: هذا رافضي فتركوا حديثه.
قلتُ ـ القائل الحافظ ابن حجر ـ: وهذا ظلم بيّن، فإن هذا مذهب جماعة من أهل السنة، اعني التوقف في تفضيل أحدهما على الىخر، وإن كان الأكثر على تقديم عثمان، بل كان جماعة من أهل السنة يقدمون علياً على عثمان، منهم: سفيان وابن خزيمة ".
قلتُ: بل كان جماعة من الصحابتة رضي الله عنهما يفضلون علياً كرم الله وجهه على الجميع، راجع الفصل لابن حزم ( 4 / 182 )، ورسالة المفاضلة له
( ص 170 )، ومناقب الأربعة للباقلاني ( ص 294، 471، 480 )، وذكرني ما تقدم بقول السَّاجي عن قابوس بن أبي ظبيان ؟: " ليس بثبت يقدم عليّاً على عثمان ". راجع التهذيب ( 7 / 306 )، فما أوهى هذا التضعيف العائد على المضعِّف.
ب ـ ومنها صحبة أئمة آل البيت رضوان الله عليهم، والرواية عنهم، ففي زيادات الحافظ على الميزان في اللسان ( 1 / ت1225، 1226 ـ ط دار إحياء التراث ):
" ر ـ إسرائيل بن عائذ المدني المخزومي، ذكره الطّوسي في " رجال الشيعة "، كان ثقة، من الرواة عن جعفر الصادق.
ز ـ إسرائيل بن عباد المكي، أبو معاذ.
ذكره الطوسي في " رجال الشيعة " وقال: كان ثقة من الرواة عن أبي جعفر الباقر".
قلتُ: هذا غاية في الظلم والجحود والإيلام، فما هو الموجب لجرح أصحاب الأئمة الأخيار عليهم السلام ؟!
وما هو مبرر الحافظ ابن حجر ليدخل هذا النوع من الرواة في المتكلم فيهم ؟؟؟
وفي لسان الميزان جمع من الرواة من هذا النوع، وليس لهم جريرة إلا أنهم من أصحاب الإمامين الباقر أو الصادق عليهما السلام، وترجمهم الطّوسي وغيره ولم يضعفوا فيجب إخراجهم من اللسان.
انظر لسان الميزان مثلاً: 1 / ت1، 2، 3 ، 4 ، 1044، 1045، 1046، 1047، 1050، 1051، 1052، 1053، 1055، 1229، ... وغيرهم كثير، ويمكن إفرادهم.
جـ ـ ومنها رواية أحاديث معينة في فضائل آل البيت كما حَدَثَ مع أبي عبد الله الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك.
قال عنه أبو إسماعيل الهروي: " رافضي خبيث ".
وقال الذهبي: " ليس هو رافضياً بل يتشيع ".
وقال ابن طاهر: " كان شديد التعصب للشيعة في الباطن ". كذا قال، وكأن الله أطعله على السرائر.
قلتُ: وقد بحثت عن سبب جرهم له بالتشيع فوجدت الخطيب يقول في التاريخ ( 5 / 474 ): " كان يميل إلى التشيع، فحدثني أسحاق إبراهيم بن محمد الأرموي بنيسابور ـ وكان شيخاً صالحاً عالماً فاضلاً ـ قال: جمع الحاكم أبو عبد الله أحاديث زعم أنها على شرط البخاري ومسلم يلزمهما إخراجها في صحيحيهما، منها: حديث " الطير "، و" من كنت مولاه فعليٌّ مولاه" فانكر عليه أصحاب الحديث ذل، ولم يلتفتوا فيه إلى قوله، ولا صوَّبوه في فعله ".
قلت: أيُّ أصحاب حديث هؤلاء ؟، ومن هو الأولى بالجرح ؟ وحديث " الموالاة " متواتر لا يجوز الإنكار على راويه بحال، وحديث الطير صحيح، رواة عن أنس فقط أكثر من ستين راوياً، فينظر في حال من أنكروا عليه أولاً، والله المستعان.
ثم وجدت التاج السُّبكي الأشعري يقول عجباً وحقّاً في طبقات الشافعية ( 4 / 167 ) قال: " وقد أوقع الله في قلبي أن الجرل كان عنده ميل إلى علي رضي الله عنه، يزيد على الميل الذي يطلب شرعاً، ولا أقول إنه ينتهي به إلى أن يضع من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهما، ولا أنه يفضل عليّاً على الشيخين، بل أستبعد أن يفضله على عثمان، فإني رأيته في كتابه " الأربعين " عقد باباً لتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهما، واختصهم من بين الصحابة وقدم في " المستدرك " ذكر عثمان ـ يعني على عليٍّ ـ".
ثم قال: " وأخرج غير ذلك من الأحاديث الدالة على أفضلية عثمان، مع ما في بعضها من الاستدراك عليه، وذكر فضائل طلحة والزبير وعبد الله بن عمرو "[3] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn3).
قلتُ: أولاً: اعتذار ابنِ السُّبكي مسكت لأعداء الحاكم.
وثانياً: تقديم الاعتذار بقوله : " وقع في قلبي ... " عجب منه، فإذا كان الحاكم يقدم كلَّ من ذكرهم ابنُ السُّبكي على عليٍّ كرم الله وجهه، وذكر فضائل لمحاربيه والذين كانوا ينالون منه، فماذا بقي عند الحاكم حتى يكون عنده ميل إلى عليٍّ عليه السلام يزيد على الميل الذي يطلب شرعاً ؟!.
أعوذ بالله من النصب المتوارث[4] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn4).
ثالثاً: إذا علم من تقدَّم فالصواب الذي لا محيد عنه هو البحث في حال من اتهموا الحاكم بالتشيع أو الرفض، ولا أستثني أحداً من المذكورين ومنهم التاج السُّبكي، وسبب تشددهم ورفعهم لرايات الإرهاب الفكري لمثل الحاكم الذي يذكر ي مستدركه مناقب للذين خرجوا على أمير المؤمنين علي، ومنهم من طعنوا فيه كالمغيرة بن شعبة فعمرو بن العاص، وأخباره في محاربة أمير المؤمنين عليه السلام بلغت عنان السماء.
دـ نظم أبيان في فضائل آل البيت عليهم السلام، والإكثار من ذكرهم وإظهار حبّهم، أو موافقة الشيعة في بعض الفروع كما كان الشأن مع الإمام الشافعي رضي الله عنه.
قال ابن عبد البر في الانتقاء ( ص 146 ): " قال الربيع بن سليمان المؤذن: حججت مع محمد بن إدريس الشَّافعي إلى مكة، فما كان يصعد شرفاً ولا يهبط وادياً إلا أنشأ يقول:
يا راكباً قِفْ بالمُحَصَّبِ من مِني * * * واهتِفْ بساكنِ خَيْفِهَا والنَّاهضِ
سَحَراً إذا فاضَ الحَجِيجُ إلى مِنَى * * * فيْضاً كمُلْتطِمٍ الفُراتٍ الفائضِ
إنْ كان رَفْضاً حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ * * * فَليَشْهَدِ الثَّقلانِ أنِّي رافِضِي
قال أبو عمرو: كان يُنسب هذا الشعر إلى الشافعي رحمه الله، فيما حدثني غير واحد من شيوخي، عن أبي القاسم عبيد الله بن عمر بن أحمد الشَّافعي، ضيف الحكم رحمه الله، الساكن في الزهراء، عن شيوخه، قال: قيل للشافعي: إن فيك بعض التشيع، قال: وكيف ذاك، قالوا: لأنك تظهر حبَّ آل محمد ". انتهى من الانتقاء.
قلتُ وقد أجاب الإمام الشَّافعي رحمه الله إجابة مسكتة، لكن انظر إلى الاتهام بالتشيع في وقتِّ ازدهار الرواية بسبب إظهار حبِّ آل محمد صلى الله عليه وآله الذي هو من أقوى علامات الإيمان، وكأن إظهار حبِّ آل محمد صلى الله عليه وآله جريمة وكبيرة وعظيمة يعاقب عليها بالرمي بالتشيع والرفض، فأيهما أولى بالجرح عند العقلاء ؟
ومن هذا الباب قول الحافظ أحمد بن عبد الله العِجْلي في الإمام الشَّافعي رضي الله عنه: " هو ثقة صاحب رأي، ليس عنده حديث، وكان يتشيع ".
فكان العِجْلي يرمي الشافعي بالتشيع لقوله:
إنْ كان رَفْضاً حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ * * * فَليَشْهَدِ الثَّقلانِ أنِّي رافِضِي "[5] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn5).
قلت: إذا كان هذا حال أحمد بن عبد الله العِجْلي ـ وهو من أئمة الجرح والتعديل ـ في اعتبار التشيع تهمة واتهام الإمام الشافعي به لمجرح أبيان تعبر عن الواجب الإيماني، أقول: إذا كان هذا العِجْلي مع الإمام الشَّافعي وهو إمام ذو سطوة وأصحاب، فكيف إذا وقع هذ الجرح في كوفي مسكين قليل النصفة والأصحاب ؟
ومن هذا لباب أيضاً قول الحافظ الذّهبي في " الرواة الثقات " (ص 23): " وكذا تكلم فيه ـ يعني الإمام الشافعي ـ بالشتيع بعض أعدائه من كبار المالكية، لموافقته الشيعة في مسائل فروعية أصابوا فيها ولم يبدعوا بها، كالجهر بالبسملة، والقنوت في الصبح، والتختم في اليمين، وهذا قلة ورع وتسرع إلى الكلام في الإمام ".
قلتُ: ومن هذا القبيل ما رواه أبو داود أنه قيل لأحمد بن حنبل: أنَّ يحيى بن معين ينسب الشَّافعي بن إدريس إلى التشيع، فقال أحمد ليحيى بن معين: كيف عرفت ذلك؟ فقال يحيى: إني نظرتُ في تصنيفه في قتال أهل البغي، فرأيته قد احتجَّ من أوله إلى آخره بعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال أحمد: يا عجباً لك، فبمن كان يحتج الشَّافعي في قتال أهل البغي؟ فإنَّ أوله من ابتلي من هذه الأمة بقتال أهل البغي هو عليُّ بن أبي طالب عليه السلام قال: فخل يحيى من كلامه ".
وراجع مناقب الإمام الشافعي للبيهقي ( 1 / 450 )، وللرازي _ ( ص 143 ).
قلتُ: أصاب أحمد في تعجبه، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إذا جاءنا الثبت عن عليٍّ لا نعدل به أحداً.
فحريٌّ بنا أن نتوقف في كل من رماه يحيى بن معين بالتشيع، فلننظر في القرائن المؤيدة لقول يحيى بن معين، وإلا فالتوقف قوي ومتجه.
ثم أقول: كلُّ من رمى الإمام الشافعي بالتشيع بمعنى الابتداع آذى نفسه، أما الحبُّ، والموالاة، والنصرة، فأمور كان الإمام الشافعي يعلنها، وله فيها أخبار مشهورة.
هـ ـ حفظ قصائد تذكر فضائل آل البيت عليهم السلام، كما وقع مع أبي الحسن الدَّارقطني.
قال الخطيب في التاريخ ( 12 / 20 ): " وسمعت حمزة بن محمد بن طاهر الدَّقَّاق يقول: كان أبو الحسن الدارقطني يحفظ ديوان السيد الحميري في جملة ما يحفظ من الشعر نسب إلى التشيع لذلك ".
قلتُ: هذا غريب، وهذا الإرهاب يحتاج أولاً للنظر في حال من نسب الدّارقطني للتشيع، وأغرب منه قول الذهبي في معرفة القراء الكبار ( 1 / 351 ): " هو بريء من التشيع "، وهذا إأجمالكان يحتاج للبيان، وًل التشيع ليس بتهمة فيحتاج للبراءة منها.
وـ التمذهب بمذهب الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام.
ففي ترجمة الحافظ المصنف أحمد بن حمد بن رميح بن وكيع النَّسوي في اللسان ( 1 / ت 8205 ) قال الحافظ: " إنما ضعفه من ضعفه لانه كان زيدي المذهب يتظاهر به ".
قلتُ: أعوذ بالله من الجهل والسفه، ولازيدية ينسبون إلى إمام آل البيت زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام، فأكرم بها من نسبة، ومن أئمة لاسادة الزيدية: أبناء الإمام زيد وأحفاده، وابناء الإمام عبد الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط، وهم: محمد النفس الزكية، وإبراهيم، ويحيى، وإدريس الكبير فاتح المغرب، وأبناء
إبراهيم أخو عبد الله الكامل ـ وفيهم عدد من الأئمة ـ والحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وأخوه محمد وغيرهم من علماء الآل، ومن أتباعهم خلق من العلماء الصالحين، بل وجدتُ ابن النديم يقول في الفهرست ( 312 ): " أكثر علماء المحدِّثين زيدية "، وأظنه عنَى أعيان المحدِّثين الكوفيين، كالأعمش، وأبي إسحاق السبيعي، ووكيع، والثوري، وعبيد الله العبسي، وأبي نعيم الفضل بن دكين ، وأمثالهم، فالله المستعان.
زـ ومنها التصنيف أو الإملاء في خصائص الإمام علي سلام الله عليه، وقد رمي الإمام النسائي بالتشيع والانحراف بسبب كتابه الجليل " خصائص علي " فانقل المدح ذمّاً، وعلامة الإيمان إلى الاتهام المؤدي إلى الإبعاد والطرد، فقاتل الله النصب والنواصب.
ففي وفيات الأعيان في ترجمة النسائي ( 1 / 77 ): " كان يتشيع " ونحوه في البداية والنهاية ( 11 / 132 )، وقال الذهبي في النبلاء ( 14 / 133 ): " فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام عليِّ كمعاوية وعمرو، والله يسامحه ".
قلت: ما عاب به الذَّهبي أبا عبد الرحمن النسائي محامد، والحقُّ مع النسائي قولاً واحداً، وكيف لا ينحرف المؤمن عن البغاة الدعاة إلى النار الذين غيروا وبدَّلوا؟
فإن قيل: ولماذا رميتم الرجل بالابتداع والانحراف ؟ فلا تجد لهم إلا جواباً فيه حيرة، ويعود بالذم على الجارح، والنسائي أفهم وأوثق واعرف من الذهبي ... ويشيق صدري ولا ينطلق لساني.
وقال الوزير ابن حِنْزابة: سمعت محمد بن موسى المأموني ـ صاحب النسائي ـ قال: سمعت قوماً ينكرون على أبي عبد الحرمن كتاب " الخصائص " لعليٍّ رضي الله عنه، وتركه تصنيف فضائل الشيخين، فذكرت له ذلك، فقال: دخلتُ دمشق والانحراف بها عن علي كثير، ثم إنه صنف بعد ذلك فضائل الصحابة ".
فلينظر في: أولاً: في الحساسية تجاه أخي النبي صلى الله عليه وآله.
وثانياً: في اللازم الباطل.
وثالثاً: في حال الحاقدين المنكرين التصانيف في خصائص الإمام عليٍّ كرم الله وجهه.
ثم لينظر في حال الذين قتلوا الإمام الشهيد أبا عبد الرحمن النسائي شرَّ قتلة رحمه الله تعالى، ثم في حال من رموه بالتشيع كالذَّهبي وغيره، ثم لينظر في حال الذهبي الذي سكت عن مدح من يستحق المدح وهو النَّسائي، وذم من يستحق الذم وهم الشاميون المنحرفون عن أمير المؤمنين عليه السلام والله المستعان.
حـ ـ التصنيف في فضائل آل البيت رضوان الله عليهم، وهذا أعمُّ من سابقه، ولنذكر منهم الحافظ العلم أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، ذكره الذهبي في الميزان ( 2 / ت 4965 ) وقال:
" وما ذكرته لولا ذكر أبي الفضل السليماني له فبئس ما صنع، فإنه قال: ذكر أسامي الشيعة من المحدِّثين الذين يقدمون عليّاً على عثمان: الأعمش، النعمان بن ثابت، شعبة بن الحجاج، عبد الرزاق، عبيد الله بن موسى، عبد الرحمن بن أبي حاتم ".
وفي ترجمة ابن أبي حاتم من التهذيب ( 9 / 33 ): " قال مسلمة في الصلة: كان ثقة، وكان شيعيّاً مفرطاً ".
قال الحافظ في التهذيب ( 9 / 34 ): " فلعله ( يعني ابن أبي حاتم ) تلقف ذلك ( يعني التشيع ) من أبيه ( يعني أبا حاتم ) ".
ويؤيد ما تقدم ما جاء في معجم البلدان ( 3 / 121 ): " وكان أهل اري أهل سنة وجماعة إلى أن تغلب أحمد بن الحسن المارداني عليها فأظهر التشيع وأكرم أهله وقربهم فتقرب إليه الناس بتصنيف الكتب في ذلك، فصنف له عبد الرحمن بن أبي حاتم كتاباً في فضائل أهل البيت وغيره ".
ط ـ تصنيف جزء في حديث يتعلق بفضائل علي عليه السلام، كما كان الأمر مع الإمام المجتهد المصنف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، فلما كتب جزءاً في حديث غدير خم المتواتر، وآخر في حديث الطير تكلموا فيه بالتشيع، بل قال بعضهم: " كان يضع للروافض ".
وقال الحافظ في اللسان: " وإنما نُبِزَ بالتشيع لأن هصحح حديث غدير خُم ".
قلتُ: للجهل والنصب رجال، وحديث غدير خم متواتر، والطبري ـ رحمه الله تعالى ـ هو القائل: " من قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى يُقْتل، يُقْتل ".
راجع النبلاء ( 14 / 267 )، ولسان الميزان ( 5 / ت7190 ).
ي ـ ومنها الاتصال بعليٍّ عليه السلام وموالاته حتى لو كان من الصحابة رضي الله عنهما.
فهذا أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي رضي الله عنه، آخر الصحابة موتاً كان من المفضلين لعليٍّ على الجميع، وله أعمال جليلة معه ومع آل بيته، فنسب إلى التشيع يعني الابتداع، وأغرب ابن عيد فذكره في الكامل في ضعفاء الرجال ( 5 / 1741 ) مع اعترافه بصحبته، ونقل عن علي بن المديني قال: سمعتُ جرير بن عبد الحميد، وقيل له: كان غيرة ينكر الرواة عن أبي الطفيل؟ قال: نعم ".
قلتُ: مغيرة هو ـ والله أعلم ـ ابنُ مقسم كان فيه نصب فمثله يتحاشى الرواية عن أصحاب علي كرم الله وجهه ولو كانوا من الصحابة رضي الله عنهما، فعاد الجرح على الجارح ولا بد.
ثم قال ابن عدي: " وكان الخوارج يذمونه ( يعني عامر بن واثلة رضي الله عنه ) باتصاله بعلي بن أبي طالب، وقوله بفضله وفضل أهله ".
قلتُ: كل هذا ليس بموضع تهمة إلا عند المتهم في دينه.
وتلك عشرة كاملة للتنبيه بلا حصر أو قصر
* * *
__________________________
[1] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref1)من قولي " وكما " إلى قولي " كاملة " والتي ستأتي في السطر رقم 16، في (ص591)، هو قسم من الجزء الذي منع من النبشر من مقدمة كتابي " الاحتفال بمعرفة الواة الثقات الذين ليسوا في تهذيب الكمال " وكان مكانه في مقدمة الكتاب المذكور ( 1 / 88 ).
[2] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref2)وراجع النقول الكثيرة عن المذكورين وغيرهم في " غاية التبجيل وترك القطع بالتفضيل ".
[3] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref3)بل عقد فصلاً خاصّاً بالمغيرة بن شعبة في المناقب من المستدرك ( 3 / 447 ).
[4] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref4)والصواب عندي أنّ كثيراً من الناس توارثوا الخوف من آل البيت عليهم السلام، فمن خرج عن المألوف وهو حبهم النظري، فذكر مناقبهم ، وأملي أحاديث تفيد تقدمهم، وحاول نشر علومهم والصحيح من تاريخهم، فقد نطق خلفاً واتبع غير السبيل، فيناله عند ذلك كثير من الأذى.
[5] (http://www.alhak.org/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref5)راجع جزء الذهبي في الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم (ص 30 ).