أبو حسين العاملي
10-09-2010, 12:56 AM
بسمــــه تعالى
كنا قد عرضنا هذا الموضوع في منتدى آخر ، ولكن وتتميما للفائدة نعرضه ثانيا سعيا في إتمام الفائدة ، والله من وراء المقصد .
# عدد الحوزات عبر التاريخ ،والمدارس المتنقلة والمعوقات التي واجهتها من قتل وحرق وتشريد
في قبال الممانعة والاستمرار في خط الإمام الصادق -عليه السلام- #
الصلاة والسلام على سيدنا ومولانا وصاحب نهضتنا المبعوث رحمة للعالمين والمؤمل من ولده إنقاذ المستضعفين ومحو السلاطين القدوة الأسمى محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين.
إنَّ كتابة ما جرى من تضييع الآثار وحرمانِ المسلمين المئات من الأخبار وقتل وتشريد العلماءِ الأبرار حريٌّ به أن يُكتب بالدم القاني ويُحفرَ على صفحات القلب الدامي.
ماذا عسانا نكتب؟ وبيراعنا أين نهرب؟ ومن جراحاتنا على من نكذب؟ وأوداج الحسين من آماقنا تنزف بل تعزف لحن الأسى لسفك مهجة المصطفى ، أفلا علموا! أحكام الشرع منهم تقتفى! ، وإليهم الرسول قد أوحى! ، نعم يا صاحِ ، دندن بمأساة العالِم ، فمن أوفى منهم للخاتم وقل للعاَلم أجمع : حوزاتنا من ثدي الرسالة ترضع ، ومن آثار الخِيَرة تجمع ، فإن أحرقوا وأبادوا وشردوا وتواعدوا فيوم الطف أعادوا ، وفي قتل الحسين تمادوا ، لكن إرادة الحق تبقى تحمي مَن حُبُّ الآل أبقى وطينته عن غيره أنقى .
أما بعد فإن بحثنا له أصول و فروع ، والأول نواة الحوزات وأين تمركزها في الربوع ؟ وتناثر الحوزات وارتباطها بالعالِم في أي بقعة كان مزروع؟ والثاني المعوقات التي واجهتها وأرادت تغيير توجهاتها ، والذي أعقبه صبر على تلك المحن ، وعزم على تجاوزها إلى ما هو أحسن ، فلم تلبث أن آتت أكلها كل حين بأذن ربها وسطع نور العلم والتجديد في أروقتها كمدرسة الشيخ والشيخ الأعظم والشهيد الأول والثاني والأخوند إلى السيد الخوئي -رضوان الله عليهم جميعًا- ، فكان البحث على نقاط تحكي هذه المحطات .
النقطة الأولى المراكز الأساس للعلم الشيعي
إنّ الشيعة -أعزهم الله- على عكس ما يعتقده البعض -من إجهاض دورهم في تأسيس العلوم- لهم اليد الدخيلة والسبّاقة في إحياء العلوم وإخراجها من ظلمة التزمت والتعطيل إلى نور التجديد والتعديل ويقول الدكتور سليمان دنيا أستاذ الفلسفة بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر تعليقًا على كتاب فنون الإسلام للسيد " الحسن أبو محمد " (وما أحب أن يفوتني أن أقول كلمة ... هي أن المؤلف - رضي الله عنه - يدعي سبق الشيعة في تأسيس العلوم الدينية والعربية ويقدم بين يدي دعواه أدلة تبررها ، ويدور كتابه حول بسط هذه الدعوى ، وإيضاح أدلتها ...- ثم يقول: على تقدير صدق الدعوى- وسبقهم في العلوم -أي على حساب السنة- إنما هو كسبق الأخ لأخيه )آراء المعاصرين حول آثار الإمامية للرضوي ص83
إنّ حركة التشيع العظيمة من حوزات ومدارس ونحوها إنما كانت إمتدادًا لحركة الأئمة -عليهم السلام- فالإمامية ينتهي فِقهُها (إلى الإمام الصادق وسائر الأئمة الآخرين ، ويروى عن الصادق قوله : حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله وحديث رسول الله قول الله سبحانه .) العميد أسود وهو الفاضل المعاصر عبد الرزاق محمد أسود في " المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب " ( ج 3 ص 102 ط دار العربية للموسوعات )
ورغم هذا النسب العظيم والعلم الرفيع فقد كانت (مدرسة منبوذة بين مدارس السلف)الخدعة لصالح الورداني ص33 غير أنها ( كانت أوسعها انتشارًا ، وأعمقها جذورًا وأصولًا ، وأكثرها استعدادًا ، وأقومها في الاستدلال ، والاحتجاج ، مما جعل طلاب الفِقه على اختلاف مذاهبهم ونزعاتهم الفكرية للانضمام إلى حلقات هذه المدرسة دون غيرها ) الكشكول المبوب للشاكري ص78.
وقد حافظ الشيعة الإمامية على هذه الآثار المشرقة فأنشؤوا لها الحوزات وشيدوا لها المدارس وبرزت من بينها ثلاث حوزات ضخمة
الأولى - حوزة قم المقدسة.
الثاني - حوزة النجف الأشرف .
الثالثة - حوزة جبل عامل العريقة .
وهم النواة الأساسية التي ساهمت في حفظ خزائن التشيع وإزكائها بالكتب والموسوعات الضخمة كاللمعة وروضتها للشهيد الأول والثاني -قدس الله روحيهما- ووسائل الشيعة للحر العاملي قده ومصادرها كالكافي الشريف للكليني قده ومن لا يحضره الفقيه للصدوق قده وكتب شيخ الطائفة قده
المدرسة الأولى حوزة قم المقدسة.
تعتبر إيران ( أسبق البلاد الإسلامية - غير العربية - إلى التشيع ، فقد دخلها المذهب في عصر الحجاج سنة 83 ه ...، وعملت على نشره وإعزازه بشتى الوسائل ، وشيدت حضرات الأئمة وطلت قبابها بالذهب الابريز ، وملأت خزائنها بالثمين والنفيس من المعادن والجواهر .) الشيعة في الميزان للشيخ الأفخم محمد جواد مغنية ص197 ،وعندما سئل الشيخ الفحام شيخ الجامع الأزهر السابق عن انطباعاته عن إيران الإسلامية ؟ فأجاب (الذي يرغب أن يطلع على الإسلام فليذهب إلى إيران ويرى المكتبات الإسلامية والمعاهد العلمية ، ويرى العلماء فيها ،وآثار الإسلام يجدها هناك) مع رجال الفكر السيد مرتضى الرضوي ج2 ص 242
وهذا الذي ساهم في نشوء المدرسة والحوزة العريقة في
قم المقدسة فهي ( من المدن المقدسة الآهلة ، ومن الحواضر العلمية القديمة ... تضم ضريح السيدة فاطمة ابنة الإمام موسى بن جعفر ... وهذه السيدة مشهورة ب " معصومة " وهي شقيقة الإمام " علي بن موسى الرضا " ... ومدينة قم فيها الآن ما يربو على عشرة آلاف طالب ، من طلبة العلوم الدينية وهم : من إيران ، وباكستان ، والأفغان ، والهند ، وتركيا ، وسوريا ، ولبنان والعراق ، والقطيف ، وأوندنيسيا ، وإفريقيا . وفيها مدارس عديدة ومكتبات عامة كبيرة ك " مكتبة دار التبليغ الإسلامي ومكتبة الجامع الأعظم ، ومكتبة المدرسة الفيضية ، ومكتبة المدرسة الحجتية ، ومكتبات أخرى وأهمها : مكتبة آية الله المرعشي : التي تضم حوالي مائة ألف مجلد بين مخطوط ومطبوع ، وفيها : الزعماء ، والعلماء ، والهيئة العلمية ، ومراجع الفتيا في هذا العصر القاطنون فيها هم : آية الله الكلبايكاني ، وآية الله الشريعتمداري ، وآية الله الشريعتمداري ، وآية الله النجفي المرعشي . وقد انتقلوا إلى رحمة الله ورضوانه الشريعتمداري عام 1406 والمرعشي النجفي عام 1411 والگلپايگاني عام 1414 ه ، تغمدهم الله برحمة الواسعة . )مع رجال الفكر للرضوي ج2 هامش ص 241، لكن ما كان ليُكتب لها الاستمرار لولا خطوات الشيخ الأجل عبد الكريم الحائري -أعلى الله مقامه- فقد ( كان الحائري يعمل على توسيع دائرة الحوزة العلمية في قم ونشر الدعوة ودعم هيكل الدين وإشادة مجد الإسلام بتنفيذ أحكامه وتطبيق نظامه . وهكذا نمت البذرة الصالحة في تلك التربة الطيبة ، واتسعت الحوزة العلمية إتساعا غير منتظر . وما مضت السنوات والأعوام حتى إزدهرت الحياة الدينية والثقافية ، وتعددت الهيئات العلمية . وإذا بالكيان الذي شادته البطولات الخارقة والهمم العالية ، ضخما جبارا يضاهي الثريا رفعة وشموخا .) درر الفوائد الشيخ عبد الكريم الحائري ج1 ص 25 24
وإن هذه المدرسة تغذت من رحيق علماء العراق فقد وقع (تسُونامي) غيَّر (مُوصَالة ) نهر العلم بجزء كبير منه إلى قم المقدسة فقد (كان أحد أسباب انتقال مدرسة أهل البيت من العراق إلى إيران هو الضغط الشديد الذي كان يلاقيه فقهاء الشيعة وعلماؤهم من الحكام العباسيين ، فقد كانوا يطاردون من يظهر باسم الشيعة بمختلف ألوان التهم والأذى والاضطهاد ، فالتجأ فقهاء الشيعة وعلماؤها إلى ( قم والري ) ، ووجدوا في هاتين البلدتين ركنا آمنا يطمئنون إليه لنشر فقه أهل البيت ( عليهم السلام ) وحديثهم ، ويظهر أن قم في أوان عصر الغيبة وعهد النواب الأربعة كانت حافلة بعلماء الشيعة وفقهائها ، ومركزا كبيرا من مراكز البحث الفقهي بأعلى المستويات في هذه الفترة ، فقد خلفت لنا ثروة فكرية وتراثا ضخما من أهم ما أنتجته مدارس الفقه والحديث الشيعي في تأريخها .) تدوين الحديث وتاريخ الفقه للشاكري ص71 .
وقد نشأ أيضا في إيران مدارس أخرى عريقة كمشهد فـ (فيها مدارس علمية كثيرة )مع رجال الفكر للرضوي ج2 ص 241 وكاشان موطن المحقق النراقي (الذي أسس لنفسه حوزة خاصة ، وأخذ في تدريس العلوم الدينية ، وكان لبركة وجوده في هذه الحوزة الفضل في استقطاب العديد من الطلبة من أقصى بقاع إيران ، وأضحت حوزته مرجعا استفاد منه الكثير من علماء عصره ، فيما تخرج الكثير من أكابر علماء و فقهاء المذهب من حوزته العلمية . ومن الجدير بالذكر أن الشيخ مرتضى الأنصاري الذائع الصيت ، هو أحد العلماء الذين وفدوا للانتهال من تلك الحوزة .)عوائد الإيام – المحقق النراقي تحقيق تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية لمحمد مهدي فقيهي مقدمة التحقيق ص23 وأصفهان التي بنى فيها محمد باقر حجة الاسلام
(مدارس وحجرات للطلبة ، وأسس أساسا لم يعهد مثله من أحد من العلماء والمجتهدين) مجلة تراثنا ج54 ص 368 إلى العديد من الحوزات التي بقيت وصارت اليوم إلى تعاظم واخرى اضمحلت برحيل مؤسيسيها -رحمهم الله- .
المدرسة الثانية حوزة النجف الأشرف
إن العراق ظل مركزا ديموغرافيا للشيعي حتى غلب التشيع على حصة كبيرة منه فـ ( إنَّ في جنوب العراق شيعة ولئن وجد الخليط في بعض بلاده فلا يكون إلا أفرادا قلائل... أما البلاد الشمالية ... الشيعة فيها ليسوا بالقليل . أما البلاد الوسطى كالحلة فهي شيعة خالصة سوى أفراد معدودين في نفس القصبة ، ولواء بغداد أكثريته من الشيعة ، ومثله لواء ديالى ، بعكس لواء الديلم ، ومع هذا فالشيعة فيه غير قليل ، وعليه فالعراق اليوم سبعة من ألويته شيعة )الشيعة في الميزان لمغنية رح ص 197 ، وإنّ احتوائه على أكبر عدد من الأئمة عليهم السلام مهدا لبروز هذه المدرسة الضخمة خاصة بعد (قدوم الشيخ الطوسي إلى النجق الأشرف أصبحت محط الأنظار من سائر الأقطار الإسلامية ... وقد أشار الرحالة ابن بطوطة إلى مدارسها حينذاك ، كما أشار إلى ذلك إجمالا أو تفصيلا غيره من المؤرخين . ونذكر من المدارس موجزا : 1 - مدرسة المقداد السيوري ، المتوفى سنة 826 ه . 2 - مدرسة الصدر ، وهي أقدم المدارس وأوسعها ، وفيها ما يزيد على الثلاثين غرفة لسكن الطلاب في طابق واحد عدا السراديب لإيواء الطلاب في الصيف وعدا قاعات الدرس ، ومعظم المدارس الآتي ذكرها على نفس الطراز . وإبان النهضة العلمية واتساع الحوزات العلمية ، وكثرة المهاجرين من الأقطار الإسلامية لطلب العلم والانتهال من مناهله اضطر المراجع إلى تأسيس مدارس عديدة لإيواء الطلاب وسكناهم ، وإليك تواريخ تأسيسها : 3 - مدرسة المعتمد ، أسست سنة 1262 ه وتحتوي على 20 غرفة . 4 - مدرسة الشيخ مهدي ، تأسست في سنة 1284 ه ، تحتوي على 22 غرفة . 5 - مدرسة السليمية ، أسست سنة 1250 ه وفيها 12 غرفة . 6 - مدرسة القوام ، تم بناؤها سنة 1300 ه وفيها 26 غرفة . 7 - مدرسة الإيرواني ، أسست سنة 1305 ه وفيها 19 غرفة . 8 - مدرسة القزويني ، أسست سنة 1324 ه وفيها 33 غرفة . 9 - مدرسة البادگوبي ، أسست سنة 1325 ه وفيها 15 غرفة . 10 - مدرسة الشربياني ، أسست سنة 1320 ه وفيها 12 غرفة 1 - مدرستا الخليلي الكبرى والصغرى ، الصغرى مؤلفة من طابقين وفيها 18 غرفة تأسست سنة 1322 ه ، والكبرى مؤلفة من طابقين وفيها 46 غرفة تأسست سنة 1330 ه . 12 - مدارس الآخوند الثلاثة ، تأسست الكبرى سنة 1321 وفيها 40 غرفة بطابقين مكسوة بالقاشاني ، والوسطى تأسست في سنة 1326 وفيها 33 غرفة مكسوة بالقاشاني ، والصغرى تأسست سنة 1328 ه وفيها 12 غرفة مكسوة بالقاشاني أيضا . 13 - مدرسة الهندي ، تأسست سنة ؟ ؟ ؟ وفيها 20 غرفة . 14 - مدرسة البخاري ، تأسست سنة 1329 ه . 15 - مدرستا السيد كاظم اليزدي ، تأسست الأولى سنة 1325 ه وتشتمل على 80 غرفة بطابقين مكسوة بالقاشاني ، والثانية تأسست سنة 1380 ه بأمر من السيد الحكيم ( قدس سره ) . 16 - مدرسة المجدد الشيرازي ، بطابقين ، وبها قبر مؤسسها . 17 - مدرسة السيد حسين البروجردي ، تأسست سنة 1372 ه ، تحتوي على 64 غرفة في ثلاث طوابق ، وفيها مكتبة مهمة . 18 - مدرسة البغدادي ، في حي السعد ، تأسست سنة 1380 ه ، جيدة البناء ، بناها عبد العزيز البغدادي أحد تجار بغداد . 19 - مدرسة جامعة النجف ، في حي السعد ، تأسست سنة 1376 ه ، من أكبر المدارس وأضخمها بناء ، تضم أكثر من مئتي غرفة في ثلاث طوابق|وفيها مكتبة جامعة لنفائس الكتب ، وفيها مسجد وقاعة كبيرة ، بناها الحاج محمد اتفاق من تجار طهران ، تحت إشراف وإدارة السيد محمد كلانتر ( رحمه الله ) . 20 - المدرسة اللبنانية ، في الجديدة . 21 - المدرسة الأزرية ، أسسها المرحوم عبد الأمير الأزري سنة 1370 ه . 22 - مدرسة دار الحكمة ، أسسها المرحوم السيد محسن الحكيم سنة 1370 ه . 23 - مدرسة كلية الفقه لجمعية منتدى النشر ، شيدها مع مسجدها الحاج حسين الشاكري سنة 1371 ه . )الكشكول المبوب للشاكري من ص55 إلى 60 وإن هذه المدارس لم تكن مدارس كم بل نوعية وعمق فمن أعماق التاريخ إلى عصر السيد الخوئي رح الذي أحدث نقلة فقهية كبيرة وعظيمة ترى الكثير ليس من العلماء فقط بل من القفزات المباركة التي ساهمت في إزدهار العلم وغيرت طريقة فهم الروايات وبالأخص روايات الصادق عليه السلام وتنظيمها في عنوان مختلفة وفنية محترفة كالصحيحة والحسنة والمعتبرة والموثقة ونحوها وأما خصوصيات الإمام الصادق ع فجاءت من كون أغلبية النصوص مستقاة من معينه وكلماته وأنت لو راجعت كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي تلاحظ ذلك ، ومن المدارس التي قويت في تلك العصور مدرسة آل كاشف الغطا حيث كان ( يدرس الفقه في منزله بالنجف الأشرف بلسانه العربي المبين ويُذكر أن مجلس درسه أجمع وأنفع من سائر مدارس الفقهاء لم ير مثله في كثرة التفريع والإحاطة بنوادر الفِقه وقوة الاستدلال ومن غاية تسلطه في الفقه ومهارته العجيبة انه لا يتأمل في المسائل كثيرا بل يمشي سريعا ويطوي مراحل الفقه بغاية السهولة وهو مشارك في الرياسة الدينية لصاحب الجواهر بل هو عند العرب أكثر احترامًا وأجل مقامًا.) إعيان الشيعة ج5 ص35
وأيضًا من الحوزات العريقة التي اشتهرت بالعمق ويصح وصفها بالنهضة الأصولية النوعية حوزة صاحب الكفاية رحمه الله وهو ( أشهر مشاهير عصره كان آية في الذكاء والحفظ وسرعة الانتقال متقنا لعلمي الحكمة والكلام وأصول الفقه وهو الذي تنبه لخلاص شعبه من رق الاستبداد ونزع عنه نير الاستعباد له أياد مشكورة على العلماء وأهل العلم وحملة الدين إذ جدد لهم منهج الدراسة ، صنف في الأصول والفروع فكشف عن غامضها الحجاب وميز القشور عن اللباب ، وكانت حوزته تعد بالمئات وربى كثيرا من العلماء ، وحقا يقال هو أبو العلماء وعلى مؤلفاته الأصولية اليوم تدور رحى الدراسة وفى أيامه راجت أسواق العلم وازدحم عليه أهل الفضل حتى غصت النجف من كثرة المهاجرين فأدت الحال إلى تشكيل مدارس لتلامذته فبنى ثلاث مدارس وكان عصره عصر العلم والعرفان عصر الترقي . عصر تنور الأفكار . فيه حدثت المطابع والصحف وأكثر المدارس الحديثة . وقد فاجئه الأجل ليلة الثلاثا . في الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة 1329 وكان عازما في صبيحة تلك الليلة على السفر إلى إيران لجهاد الروس التي كانت قد أنشبت أظفارها في البلاد الإيرانية حتى آل الأمر إلى رمى القبة الرضوية في طوس بالبنادق ومقاساة المسلمين أشد البلاء وكان لنبأ موته صدى في العالم الإسلامي . دفن في الصحن الشريف ) ماضي النجف وحاضرها ج1 ص 136 ولم تكن للأخوند مدرسة واحدة بل اثنتين الكبرى والوسطى.
وإن استمرار العلماء بالتكاثر والإبداع هو بنفسه نوع من الصمود وإحياء لمدرسة الصادق ع التي دأبت اليد الأثيمة على تشويه سمعته والتقليل من شأنه فما زاده ذلك إلا رفعة وأعداؤه إلا ضعة .
وأيضًا من المدارس التي يشهد لها بالثقل مدرسة الميرزا الشيرازي الكبير رض حيث كانت مدرسته (أكبر مدارس الامامية في العراق متقومة بطبقتين ...، فلما كملت عمارتها أسكن فيها أكثر من مائتي طالب علم ، وعين لكل واحد منهم راتبا شهريا بحسب حاله وما يكفيه في معاشه ...فأخذت سامراء أهميتها العظمى في انظار العالم الإسلامي وصارت مركزا مهما علميا ومحطا لرحال كبار العلماء .) تاريخ سامراء ج2 ص 42
وأيضا مدرسة السيد الأجل محمد كاظم اليزدي رض (من المدارس الوحيدة في النجف لا نظير لها في فخامة البناء والسعة ... وهي اليوم موئل لرواد العلم ورجال الدين كما انها محط انظار السواح والزائرين . كان ابتداء تأسيسها في شهر صفر سنه 1325 وتم بناؤها سنة 1327 عمَّرها الوزير الكبير البخاري ( آستان قلي ) عامر مدرسة الآخوند الوسطى الذي كانت طلاب العلم في أيامه في أهنأ عيش وأرغده بما تدره يداه على العلماء . ) ماضي النجف وحاضرها ج1 ص139 ، ولا يخفى عليك ما لقيه كتابه من رواج بين طلاب العلم وأساتذتهم يروي ذلك تعليق المراجع العظام على محتوياته فكأنه صار قبلة لهم وموطنا لفتواهم .
وأيضا مدرسة السيد البروجردي رض حيث بنى ( في النجف الأشرف مدرسة علمية كبيرة هي اليوم من أحسن مدارس النجف الدينية ، وقد ملأت بالطلاب وقرر لهم الرواتب ) نقباء البشر ج2 ص 605
وأيضًا مدرسة المظفر فقد أنشأ في النجف منتدى جعله على شاكلة المنهج الأكديني وكان ( يقوم فيها بتدريس الأدب والمنطق والفلسفة والفقه والأصول من المستوى الأولي إلى المستوى العالي ، لا تمنعه من ذلك مكانته المرموقة في الحوزة ، ولا إمكانياته الفكرية العالية . وكم رأينا الشيخ محمد رضا المظفر يحاضر على الصفوف الأولى من مدارس منتدى النشر ، ويتلقى أسئلتهم برحابة صدر ، ويدفعهم إلى البحث والدرس والتفكير ، ويحشر نفسه معهم ، حتى كان يبدو للانسان ، لأول وهلة ، أنه يخاطب زملاء له في الدراسة ، لا طلابا بهذا المستوى . وكان الشيخ يمتاز فوق ذلك كله بعمق النظر ودقة الالتفاتة وسلامة الذوق وبعد التفكير فيما تلقينا عنه من الفقه والأصول والفلسفة .) ترجمة حياة الشيخ المظفر ص 4
ويجدر بنا أن نذكر ما أنجزه أولاد الشيخ نصير الدين الطوسي من إنجازات قيمة فقد (كان فخر الدين أحمد بن نصير الدين كأبيه يشرف على مدارس بغداد ومنها ( المستنصرية ) وإليه تعيين الفقهاء والمدرسين في المدرسة المذكورة . وكانوا جميعا منقطعين للعلم والبحث وإنشاء المعاهد العلمية ودور الكتب الضخمة ، معنيين بإصلاح ما فسد من الأحوال الاجتماعية في ممالك المغول ) الإسماعيلون والمغول ونصير الدين الطوسي – حسن الأمين ص 57
هذا بالإضافة إلى مئات المدارس التي تكاثرة وانتشرت في ربوع النجف وكربلاء وغيرهما مشكلة مدارس قل نظيرها وقد أخذت كلها من آراء الإمام الصادق الربانية وعلومة الغيبية .
المدرسة الثالثة حوزة جبل عامل العريقة
إن في ( جنوب ( لبنان ) بقعة يطلق عليها اسم ( جبل عامل ) تنفجر فيها الطاقة العلمية وتنشط فيها المعرفة من عقالها ، وتستفيق من سباتها ، لتكون هذه البقعة ( جبل عامل ) التي اختصها الله سبحانه بعنايته ، منبت العلماء والمفكرين ، والهداة الميامين ن الذين حملوا في تلك الفترة الدامسة مشعل العلم والفكر ، لتهتدي شعوب أخرى على سناه .) فلاسفة الشيعة ص 398
إن هذا المدرسة (كانت تتراوح بين القوة والضعف ) حتى الجمود ، وقد شهدت أوجها في عصر الشهيد الأول وذلك عندما (رجع الشهيد الأول من العراق إلى مسقط رأسه " جزين " ، فأخذت تلك المدرسة في نفسها نشاطا واسعا ، وقد تخرج من تلك المدرسة منذ تلك العهود إلى يومنا هذا مئات من الفقهاء والعلماء لا يحصيها إلا الله سبحانه ، ومن الشخصيات البارزة في هذه المدرسة : المحقق الشيخ علي الكركي مؤلف " جامع المقاصد " ( المتوفى عام 940 ه ) وبعده الشيخ زين الدين المعروف بالشهيد الثاني ( 911 - 966 ه )المصدرين من أضواء على عقائد الشيعة الإمامية للسبحاني حفظه الله ، وبدأت تتأرجح بعده حتى كادت أن تنعدم وتنتهي ويحاول اليوم إعادة شيء من آثارها، وفي ترجمة حياة سليمان الظاهر العاملي يقول المترجم (كانت مدارس العلم في ذلك العهد في تراجع مستمر ، فلا تشاد مدرسة وتقوم فيها سوق للعلم ونشر المعرفة ، ويتقاطر إليها الطلاب من كل صوب حتى تلفظ أنفاسها وتقفل أبوابها خلال سنين معدودة ، ويعود طلابها من حيث أتوا . . .) ومن تلك المدارس التي ارتحلت -كما يذكر المترجم- مدرسة في النميرية التي على بعد فرسخين من النبطية التحتا التي ( لم يلبث فيها غير ثلاثة أشهر حتى لفظت أنفاسها على العادة ) وفي ( بنت جبيل في جنوب جبل عامل على بعد ستة فراسخ من النبطية وكانت فيها بقايا مدرسة ) لكنها انتهت بانتهاء مؤسسها الشهير الشيخ موسى شرارة رح ثم أنشأت مدرسة أخرى على يد العالم الكبير وهو السيد محمد بن السيد علي آل إبراهيم ولما توفي خلفه السيد محمد نور الدين الموسوي فأحيى مدرسة آبائه في النبطيا الفوقا والتي ( على ميل ونصف من مدينته النبطية التحتا واكتظت بالطلاب من مختلف البلاد العاملية ) ولما ( قدم العالم الشهير السيد حسن يوسف آل مكي من النجف وسكن النبطية التحتا ... أسس فيها مدرسة قصدها طلاب العلم من مختلف البلاد العاملية حتى قارب عددهم المئتين) و(مدارس حنويه وجبع وشقرا ونحوها ) و (لولا ما سن على عهد السلطان عبد الحميد آل عثمان من إعفاء طلاب العلوم الدينية من التجنيد في أشباه المدارس شريطة ملازمتها والمواظبة على استمرار الدوام فيها ، لما بقي في جبل عامل طالب لعلوم الدين .) مأخوذات من ترجمة حياة سليمان الظاهر العاملي لكتابه القاديانية
هذا بالإضافة إلى مدرسة السيد عبد الحسين شرف الدين ولكن لم يكتب لها البقاء
إن مدرسة جبل عامل بالخصوص ومن جوارها كسوريا لم يكتب لها البقاء بسبب الحقد العثماني والأيوبي.
النقطة الثانية المعوقات التي واجهت المدارس وأرادت تغيير توجهاتها.
من الشام نبدأ وإليك أفعال العثمانيين والأيوبيين بتلك المدارس وأهلها وكل ذلك بسبب ولائها لآل البيت
والذي يظهر من التواريخ أن في إبان حكم السلاجقة وآخر الحكم العباسي بدأ التشريد والقتل والإبادة لمنتحلي المذهب الحق ورواد المدارس الشيعية فلقد (غلب السلاجقة على الأمور وقد كانت جذور الحياة القبلية راسخة في أعماق نفوسهم مما أثر في دولتهم ، وكانوا غير مثقفين ، ولم يحاولوا الاستعانة بالحكماء والعلماء كثيرا ، بل غلبت عليهم الصبغة العسكرية ، فقد أدت قوة النظام القبلي إلى إثارة الفتن والقلاقل ، كما أثرت بداوة السلاجقة في تعصبهم الشديد للمذهب السني الذي يرعاه الخليفة العباسي في بغداد ، فاستغلوا ذلك في سبيل القضاء على آل بويه - الديالمة - الوزراء المتمسكين بالمذهب الشيعي ، فتم لهم ذلك .)سلاجقة إيران والعراق للدكتور عبد النعيم محمد حسنين ص42 43 (وقد أثرت سيطرة هؤلاء الجهلة المتعصبين ومن تلاهم من الأمراء الخوارزمية والأيوبية - في الشام - أن يتعرض الشيعة إلى اضطهاد في القرنين ( 450 - 650 ) فكانا من أشد الفترات العصيبة في تاريخ الإسلام عموما ، والتشيع خصوصا)مجلة تراثنا ج 34 ص 137
وأدى ذلك (إلى ابتلاء الأمة ، بأشكال من العصبيات المقيتة ، وسيطرة القبائل البعيدة عن الثقافة ، كالسلاجقة والأيوبيين ، من الذين استغلوا اختلاف المذاهب ، في إثارة الطائفية بين الأمة الإسلامية ، والتمسك بالحنبلية والتشدد باسم التدين ، واعتمادهم سياسة القمع المذهبي ، والمحاسبة على العقائد إرضاء لأفكار العامة الجهلة ، كل ذلك دعما لكراسيهم ، وتحكيما لسيطرتهم . فكان على أثر ذلك أن تعرضت مدارس الشيعة ومراكزهم العلمية وعلماؤهم الكبار إلى أشكال من الهجوم والتهجير والإبادة . وهذا هو السبب المباشر في شحة المصادر المتكفلة بالحديث عن تاريخ هذه الفترة ، وكذلك ضياع التراث الذي أنتجته عقول مفكريها ومؤلفيها . مع أن الشذرات الباقية ، سواء من المصادر التاريخية ، أو التراث المتبقى ، تدل على ضخامة الثروة وعظمة الجهود المبذولة ، في سبيل إبقاء الحضارة ، والحفاظ على استمرار حياتها .)مجلة تراثنا ج 34 ص 134 ، وفي القرن السادس (اشتدت الحملات الطائفية الطائشة ، بكل ضراوة ، واستهدفت الشيعة في الشرق والغرب ، وتمكنت من القضاء على معالم أثرية لهذه الطائفة ، فحرقت مكتبات ، وهدمت مدارس وقتل أعداد من المسلمين المنتمين إلى هذا المذهب . فكانت الزعامة الدينية متمحورة على ابن شيخ الطائفة ، وهو الفقيه المحدث الشيخ ، الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي ، أبو علي ، الملقب ب (المفيد الثاني ) . فحمل الأمانة بصدق وجد ، فحافظ على الثقافة العلمية من أن تتعرض لها الحملات ، وخرج من مدرسته العشرات من التلامذة ، الذين كانوا سندا للطائفة في حضارتها الثقافية ، وأساسا تبني عليها مستقبلها المجيد .)وفي القرن السابع عشر كانت (قد فشلت في إدخال اليأس في قلوب الأمة ، فعادت الأمة تستجمع قواها ، وتستعيد حيويتها ، فكانت الجهود تبذل من أجل إحياء المذهب في مدرسة الحلة على يد أعلام من علمائها ومنهم آل طاوس ، وآل المحقق ، وآل المطهر ، ومدرسة الري على يد أعلام من علمائها ومنهم آل بابويه ، وقد تسنم الفقيه سديد الدين محمود الحمصي الرازي القمة في زعامة الطائفة في بداية هذا القرن .) وفي مستهل القرن الثامن ( نبغ العلامة على الإطلاق ، الذي طبق صيته الآفاق ، وتزعم الحركة التجديدية لمعالم الدين في العقيدة والشريعة ، فأحيى المدارس وجدد المعاهد ، ودعم المذهب ، بإبراز معالمه حتى انتشر واشتهر ، واقتنع من عرفه بأحقيته ، وصحته ، ودخل قلوب كثير من الملوك والأمراء والوجهاء ، حتى عم . وأهم إنجاز لهذا المجدد العظيم أنه اخترق عائلة المغول الذين داهموا البلاد الإسلامية ، فأسلم حاكمهم على يد العلامة الحلي ، وبذلك أخفقت نوايا الغزاة وانصهروا في بوتقة القوة الإسلامية .) وفي مطلع القرن الثالث عشر (كان قد مضى على الانقسام الداخلي بين الطائفة ، بظهور النزعة الأخبارية المتطرفة " أكثر من قرن ونصف ، بزغ نجم فقيه أهل البيت ، ومحقق أصول المذهب ، ومحيي معالم الحق ، الإمام المجدد المولى محمد باقر بن محمد أكمل ، الوحيد البهبهاني ، بعد أن كادت تعصف بمعالم الحركة الفكرية ، المحاولات التي تدعو إلى الظواهرية ، والرافضة للجهود العقلية ، مما أشرف بالفكر الشيعي على التردي في هاوية الجمود والتخلف ، والتأخر ، فكان لهذا الإمام الوحيد اليد البيضاء في تدارك الأمر ، ودحر الأخبارية ، بتزييف دعاواهم ، والرد على شبهاتهم ، ففتح للفقه آفاقه الواسعة ، وعبّد له مشارعه الغنية بمعين الاجتهاد المستمدة من أصول أهل البيت وفقههم ... ولكل واحد من المجددين دور عظيم في إحياء الإسلام والدفاع عنه
في مواجهة أي خطر يهدد كيانه إن بالحرب والجهاد أو بالصلح والعلم والسعي في نشر الفكر الإسلامي وبثه...)مأخوذات من مجلة تراثنا ج28 ص 101
ومن الأمثلة على جرائم السلاطين وارتكابهم إبادة جسدية ومعنوية بحق الشيعة وعلمائهم ما حصل في حلب فلم يوفرها الحقد الأيوبي فقد (دخل صلاح الدين الأيوبي إلى حلب عام 579 وحمل الناس على التسنن وعقيدة الأشعري . . ووضع السيف على الشيعة فقتلهم وأبادهم مثل عمله مصر إلى حد يقول الخفاجي . . " فقد غال الأيوبيون في القضاء على كل اثر للشيعة . .)غنية النزوع لابن زهرة ص10 ثم تضاءل الشيعة الحلبيون فـ (ضعف أمرهم غير أنهم ما برحوا يجاهرون بمعتقداتهم إلى حدود 600 فاخفوها ، ثم ذكر أن مصطفى بن يحيى بن قاسم الحلبي الشهير بطه زاده فتك بهم في حدود الألف فاخفوا أمرهم ، وذكر بعض ما كان يفعله الحلبيون مع الشيعة من الأعمال الوحشية والمخازي والقبائح التي سودت وجه الإنسانية ويخجل القلم من نقلها ، وقد كان في الحجة والبرهان لو كان ما يغني عن الأذى والأضرار والأعمال الوحشية ، وفي مجالس المؤمنين : أهل حلب كانوا في الأصل شيعة وإلى أواخر زمان الخلفاء العباسية كانوا على مذهب الامامية ، والظاهر أنه في زمان انتقال تلك الولاية إلى حكم السلاطين العثمانية أجبروا على ترك مذهبهم اه . وما مر من فعل طه زاده يؤيد ذلك فان استيلاء العثمانيين على حلب كان في أوائل المائة العاشرة . وبالجملة سبب انقراض الشيعة من حلب هو ظلم الملوك وجورهم وتعصب العامة وابتداؤه أوائل القرن السادس وشدته في القرن السابع وتناهيه في أوائل القرن العاشر ...) أعيان الشيعة للعاملي ج 1 ص 201
وأما العراق فإن جرائم صدام حسين واضحة بحق العلماء خاصة مع العالم النحرير صاحب الحلقات السيد محمد باقر الصدر وكذلك بحق الشيخ الأجل الغروي والذي لم تطرف له عين عندما قتلهما ثم دسه السم للإمام الأوحد على الإطلاق السيد أبا القاسم الخوئي رحمه الله والعديد العديد من الجرائم بحق الإنسانية أدين بها أخيرا وتم إعدامه.
أما في إيام الشاه وقبل اندلاع الثورة الإسلامية في إيران كان قد حاول الشاه إنهاء ليس فقط العلم بل الإسلام برمته وقد تنبه لذلك الشيخ عبد الكريم الحائري رحمه الله فتصدى للحملة المصعورة ضد الحوزة وحماها فـ ( حنكة الحائري وإخوانه وصبرهم على المكاره وتحملهم للصعاب قد حال دون ذلك ، وقد كان في قم على عهد الحائري من العلماء الكبار عدد غير قليل ، منهم : الشيخ أبو القاسم الكبير ، والشيخ أبو القاسم الصغير ، والميرزا جواد الملكي ، والسيد حسين الكوچه حرمي ، والميرزا صادق التبريزي ، والسيد فخر الدين القمي ( شيخ الإسلام ) ، والميرزا محمد الكبير ، والميرزا محمد الفيض ، والشيخ مهدي القمي ، والسيد محمد باقر القزويني ، والشيخ محمد تقي الإشراقي ، والشيخ محمد تقي البافقي اليزدي ، والشيخ محمد علي الحائري ، والشيخ نور الله الإصفهاني ، وعشرات غيرهم ممن أسهم بقسط كبير في التدريس وفي مساندة ودعم الشيخ الحائري ومشايعته في الرأي . وقد تعرض معظم من ذكرناهم لصنوف الإرهاب والتعذيب من لدن الملك الجاهل وحاشيته وحكومته الجائرة ، كل ذلك من أجل هدم ما بناه الشيخ وإضعافه . وكان الشيخ واثقا بأنه هو المقصود ، وان تلك الاستفزازات تستهدف شخصه ، فقد كانوا يستفرونه بين الآونة والأخرى لعلهم يجدون ذريعة يحتجون بها عليه ، ليواجه المصير المرسوم ، في وقت لا تتوقر فيه إمكانيات المواجهة والتصدي لكنه كان يقظا على ذلك وغير غافل عنه . وفي ذلك الوقت ، وتلك الظروف) درر الفوائد الشيخ عبد الكريم الحائري ج1 ص 25
وهكذا ترى تحمل تلاميذ مدرسة النبوة صنوف العذاب والقهر والتشريد في سبيل ترسيخ نور الحق في جبين هذه الأمة المريضة والأمة مصرة على مقتهم و قطيعة أرحامهم فحللوا قتل الشهيد الأول ولم يكتفوا بذلك بل جرهم حقدهم إلى صلبه وحرق جسده وهذا ليس ببعيد عنهم فقد حللوا دم الشهيد الأول وسيد الشهداء -عليه السلام- وذبحوه كما تذبح الشاة وسبوا نساءه وهن رياحين الرسالة فضرب الشؤم هذه الأمة فلم تفلح في شيء قط وهي بعد عزها واستخدامها لنساء الروم أصبحوا عبيدا لأمريكا وأضرابها وتخلفوا في العِلم والمعرفة فوسموا بالفضيحة والعار وكانوا مثال قوله تعالى : ( فاستخف قومه فأطعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ) الزخرف 54
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين واللعنة الخالدة على أعداء محمد وآله إلى قيام يوم الدين .
كنا قد عرضنا هذا الموضوع في منتدى آخر ، ولكن وتتميما للفائدة نعرضه ثانيا سعيا في إتمام الفائدة ، والله من وراء المقصد .
# عدد الحوزات عبر التاريخ ،والمدارس المتنقلة والمعوقات التي واجهتها من قتل وحرق وتشريد
في قبال الممانعة والاستمرار في خط الإمام الصادق -عليه السلام- #
الصلاة والسلام على سيدنا ومولانا وصاحب نهضتنا المبعوث رحمة للعالمين والمؤمل من ولده إنقاذ المستضعفين ومحو السلاطين القدوة الأسمى محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين.
إنَّ كتابة ما جرى من تضييع الآثار وحرمانِ المسلمين المئات من الأخبار وقتل وتشريد العلماءِ الأبرار حريٌّ به أن يُكتب بالدم القاني ويُحفرَ على صفحات القلب الدامي.
ماذا عسانا نكتب؟ وبيراعنا أين نهرب؟ ومن جراحاتنا على من نكذب؟ وأوداج الحسين من آماقنا تنزف بل تعزف لحن الأسى لسفك مهجة المصطفى ، أفلا علموا! أحكام الشرع منهم تقتفى! ، وإليهم الرسول قد أوحى! ، نعم يا صاحِ ، دندن بمأساة العالِم ، فمن أوفى منهم للخاتم وقل للعاَلم أجمع : حوزاتنا من ثدي الرسالة ترضع ، ومن آثار الخِيَرة تجمع ، فإن أحرقوا وأبادوا وشردوا وتواعدوا فيوم الطف أعادوا ، وفي قتل الحسين تمادوا ، لكن إرادة الحق تبقى تحمي مَن حُبُّ الآل أبقى وطينته عن غيره أنقى .
أما بعد فإن بحثنا له أصول و فروع ، والأول نواة الحوزات وأين تمركزها في الربوع ؟ وتناثر الحوزات وارتباطها بالعالِم في أي بقعة كان مزروع؟ والثاني المعوقات التي واجهتها وأرادت تغيير توجهاتها ، والذي أعقبه صبر على تلك المحن ، وعزم على تجاوزها إلى ما هو أحسن ، فلم تلبث أن آتت أكلها كل حين بأذن ربها وسطع نور العلم والتجديد في أروقتها كمدرسة الشيخ والشيخ الأعظم والشهيد الأول والثاني والأخوند إلى السيد الخوئي -رضوان الله عليهم جميعًا- ، فكان البحث على نقاط تحكي هذه المحطات .
النقطة الأولى المراكز الأساس للعلم الشيعي
إنّ الشيعة -أعزهم الله- على عكس ما يعتقده البعض -من إجهاض دورهم في تأسيس العلوم- لهم اليد الدخيلة والسبّاقة في إحياء العلوم وإخراجها من ظلمة التزمت والتعطيل إلى نور التجديد والتعديل ويقول الدكتور سليمان دنيا أستاذ الفلسفة بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر تعليقًا على كتاب فنون الإسلام للسيد " الحسن أبو محمد " (وما أحب أن يفوتني أن أقول كلمة ... هي أن المؤلف - رضي الله عنه - يدعي سبق الشيعة في تأسيس العلوم الدينية والعربية ويقدم بين يدي دعواه أدلة تبررها ، ويدور كتابه حول بسط هذه الدعوى ، وإيضاح أدلتها ...- ثم يقول: على تقدير صدق الدعوى- وسبقهم في العلوم -أي على حساب السنة- إنما هو كسبق الأخ لأخيه )آراء المعاصرين حول آثار الإمامية للرضوي ص83
إنّ حركة التشيع العظيمة من حوزات ومدارس ونحوها إنما كانت إمتدادًا لحركة الأئمة -عليهم السلام- فالإمامية ينتهي فِقهُها (إلى الإمام الصادق وسائر الأئمة الآخرين ، ويروى عن الصادق قوله : حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله وحديث رسول الله قول الله سبحانه .) العميد أسود وهو الفاضل المعاصر عبد الرزاق محمد أسود في " المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب " ( ج 3 ص 102 ط دار العربية للموسوعات )
ورغم هذا النسب العظيم والعلم الرفيع فقد كانت (مدرسة منبوذة بين مدارس السلف)الخدعة لصالح الورداني ص33 غير أنها ( كانت أوسعها انتشارًا ، وأعمقها جذورًا وأصولًا ، وأكثرها استعدادًا ، وأقومها في الاستدلال ، والاحتجاج ، مما جعل طلاب الفِقه على اختلاف مذاهبهم ونزعاتهم الفكرية للانضمام إلى حلقات هذه المدرسة دون غيرها ) الكشكول المبوب للشاكري ص78.
وقد حافظ الشيعة الإمامية على هذه الآثار المشرقة فأنشؤوا لها الحوزات وشيدوا لها المدارس وبرزت من بينها ثلاث حوزات ضخمة
الأولى - حوزة قم المقدسة.
الثاني - حوزة النجف الأشرف .
الثالثة - حوزة جبل عامل العريقة .
وهم النواة الأساسية التي ساهمت في حفظ خزائن التشيع وإزكائها بالكتب والموسوعات الضخمة كاللمعة وروضتها للشهيد الأول والثاني -قدس الله روحيهما- ووسائل الشيعة للحر العاملي قده ومصادرها كالكافي الشريف للكليني قده ومن لا يحضره الفقيه للصدوق قده وكتب شيخ الطائفة قده
المدرسة الأولى حوزة قم المقدسة.
تعتبر إيران ( أسبق البلاد الإسلامية - غير العربية - إلى التشيع ، فقد دخلها المذهب في عصر الحجاج سنة 83 ه ...، وعملت على نشره وإعزازه بشتى الوسائل ، وشيدت حضرات الأئمة وطلت قبابها بالذهب الابريز ، وملأت خزائنها بالثمين والنفيس من المعادن والجواهر .) الشيعة في الميزان للشيخ الأفخم محمد جواد مغنية ص197 ،وعندما سئل الشيخ الفحام شيخ الجامع الأزهر السابق عن انطباعاته عن إيران الإسلامية ؟ فأجاب (الذي يرغب أن يطلع على الإسلام فليذهب إلى إيران ويرى المكتبات الإسلامية والمعاهد العلمية ، ويرى العلماء فيها ،وآثار الإسلام يجدها هناك) مع رجال الفكر السيد مرتضى الرضوي ج2 ص 242
وهذا الذي ساهم في نشوء المدرسة والحوزة العريقة في
قم المقدسة فهي ( من المدن المقدسة الآهلة ، ومن الحواضر العلمية القديمة ... تضم ضريح السيدة فاطمة ابنة الإمام موسى بن جعفر ... وهذه السيدة مشهورة ب " معصومة " وهي شقيقة الإمام " علي بن موسى الرضا " ... ومدينة قم فيها الآن ما يربو على عشرة آلاف طالب ، من طلبة العلوم الدينية وهم : من إيران ، وباكستان ، والأفغان ، والهند ، وتركيا ، وسوريا ، ولبنان والعراق ، والقطيف ، وأوندنيسيا ، وإفريقيا . وفيها مدارس عديدة ومكتبات عامة كبيرة ك " مكتبة دار التبليغ الإسلامي ومكتبة الجامع الأعظم ، ومكتبة المدرسة الفيضية ، ومكتبة المدرسة الحجتية ، ومكتبات أخرى وأهمها : مكتبة آية الله المرعشي : التي تضم حوالي مائة ألف مجلد بين مخطوط ومطبوع ، وفيها : الزعماء ، والعلماء ، والهيئة العلمية ، ومراجع الفتيا في هذا العصر القاطنون فيها هم : آية الله الكلبايكاني ، وآية الله الشريعتمداري ، وآية الله الشريعتمداري ، وآية الله النجفي المرعشي . وقد انتقلوا إلى رحمة الله ورضوانه الشريعتمداري عام 1406 والمرعشي النجفي عام 1411 والگلپايگاني عام 1414 ه ، تغمدهم الله برحمة الواسعة . )مع رجال الفكر للرضوي ج2 هامش ص 241، لكن ما كان ليُكتب لها الاستمرار لولا خطوات الشيخ الأجل عبد الكريم الحائري -أعلى الله مقامه- فقد ( كان الحائري يعمل على توسيع دائرة الحوزة العلمية في قم ونشر الدعوة ودعم هيكل الدين وإشادة مجد الإسلام بتنفيذ أحكامه وتطبيق نظامه . وهكذا نمت البذرة الصالحة في تلك التربة الطيبة ، واتسعت الحوزة العلمية إتساعا غير منتظر . وما مضت السنوات والأعوام حتى إزدهرت الحياة الدينية والثقافية ، وتعددت الهيئات العلمية . وإذا بالكيان الذي شادته البطولات الخارقة والهمم العالية ، ضخما جبارا يضاهي الثريا رفعة وشموخا .) درر الفوائد الشيخ عبد الكريم الحائري ج1 ص 25 24
وإن هذه المدرسة تغذت من رحيق علماء العراق فقد وقع (تسُونامي) غيَّر (مُوصَالة ) نهر العلم بجزء كبير منه إلى قم المقدسة فقد (كان أحد أسباب انتقال مدرسة أهل البيت من العراق إلى إيران هو الضغط الشديد الذي كان يلاقيه فقهاء الشيعة وعلماؤهم من الحكام العباسيين ، فقد كانوا يطاردون من يظهر باسم الشيعة بمختلف ألوان التهم والأذى والاضطهاد ، فالتجأ فقهاء الشيعة وعلماؤها إلى ( قم والري ) ، ووجدوا في هاتين البلدتين ركنا آمنا يطمئنون إليه لنشر فقه أهل البيت ( عليهم السلام ) وحديثهم ، ويظهر أن قم في أوان عصر الغيبة وعهد النواب الأربعة كانت حافلة بعلماء الشيعة وفقهائها ، ومركزا كبيرا من مراكز البحث الفقهي بأعلى المستويات في هذه الفترة ، فقد خلفت لنا ثروة فكرية وتراثا ضخما من أهم ما أنتجته مدارس الفقه والحديث الشيعي في تأريخها .) تدوين الحديث وتاريخ الفقه للشاكري ص71 .
وقد نشأ أيضا في إيران مدارس أخرى عريقة كمشهد فـ (فيها مدارس علمية كثيرة )مع رجال الفكر للرضوي ج2 ص 241 وكاشان موطن المحقق النراقي (الذي أسس لنفسه حوزة خاصة ، وأخذ في تدريس العلوم الدينية ، وكان لبركة وجوده في هذه الحوزة الفضل في استقطاب العديد من الطلبة من أقصى بقاع إيران ، وأضحت حوزته مرجعا استفاد منه الكثير من علماء عصره ، فيما تخرج الكثير من أكابر علماء و فقهاء المذهب من حوزته العلمية . ومن الجدير بالذكر أن الشيخ مرتضى الأنصاري الذائع الصيت ، هو أحد العلماء الذين وفدوا للانتهال من تلك الحوزة .)عوائد الإيام – المحقق النراقي تحقيق تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية لمحمد مهدي فقيهي مقدمة التحقيق ص23 وأصفهان التي بنى فيها محمد باقر حجة الاسلام
(مدارس وحجرات للطلبة ، وأسس أساسا لم يعهد مثله من أحد من العلماء والمجتهدين) مجلة تراثنا ج54 ص 368 إلى العديد من الحوزات التي بقيت وصارت اليوم إلى تعاظم واخرى اضمحلت برحيل مؤسيسيها -رحمهم الله- .
المدرسة الثانية حوزة النجف الأشرف
إن العراق ظل مركزا ديموغرافيا للشيعي حتى غلب التشيع على حصة كبيرة منه فـ ( إنَّ في جنوب العراق شيعة ولئن وجد الخليط في بعض بلاده فلا يكون إلا أفرادا قلائل... أما البلاد الشمالية ... الشيعة فيها ليسوا بالقليل . أما البلاد الوسطى كالحلة فهي شيعة خالصة سوى أفراد معدودين في نفس القصبة ، ولواء بغداد أكثريته من الشيعة ، ومثله لواء ديالى ، بعكس لواء الديلم ، ومع هذا فالشيعة فيه غير قليل ، وعليه فالعراق اليوم سبعة من ألويته شيعة )الشيعة في الميزان لمغنية رح ص 197 ، وإنّ احتوائه على أكبر عدد من الأئمة عليهم السلام مهدا لبروز هذه المدرسة الضخمة خاصة بعد (قدوم الشيخ الطوسي إلى النجق الأشرف أصبحت محط الأنظار من سائر الأقطار الإسلامية ... وقد أشار الرحالة ابن بطوطة إلى مدارسها حينذاك ، كما أشار إلى ذلك إجمالا أو تفصيلا غيره من المؤرخين . ونذكر من المدارس موجزا : 1 - مدرسة المقداد السيوري ، المتوفى سنة 826 ه . 2 - مدرسة الصدر ، وهي أقدم المدارس وأوسعها ، وفيها ما يزيد على الثلاثين غرفة لسكن الطلاب في طابق واحد عدا السراديب لإيواء الطلاب في الصيف وعدا قاعات الدرس ، ومعظم المدارس الآتي ذكرها على نفس الطراز . وإبان النهضة العلمية واتساع الحوزات العلمية ، وكثرة المهاجرين من الأقطار الإسلامية لطلب العلم والانتهال من مناهله اضطر المراجع إلى تأسيس مدارس عديدة لإيواء الطلاب وسكناهم ، وإليك تواريخ تأسيسها : 3 - مدرسة المعتمد ، أسست سنة 1262 ه وتحتوي على 20 غرفة . 4 - مدرسة الشيخ مهدي ، تأسست في سنة 1284 ه ، تحتوي على 22 غرفة . 5 - مدرسة السليمية ، أسست سنة 1250 ه وفيها 12 غرفة . 6 - مدرسة القوام ، تم بناؤها سنة 1300 ه وفيها 26 غرفة . 7 - مدرسة الإيرواني ، أسست سنة 1305 ه وفيها 19 غرفة . 8 - مدرسة القزويني ، أسست سنة 1324 ه وفيها 33 غرفة . 9 - مدرسة البادگوبي ، أسست سنة 1325 ه وفيها 15 غرفة . 10 - مدرسة الشربياني ، أسست سنة 1320 ه وفيها 12 غرفة 1 - مدرستا الخليلي الكبرى والصغرى ، الصغرى مؤلفة من طابقين وفيها 18 غرفة تأسست سنة 1322 ه ، والكبرى مؤلفة من طابقين وفيها 46 غرفة تأسست سنة 1330 ه . 12 - مدارس الآخوند الثلاثة ، تأسست الكبرى سنة 1321 وفيها 40 غرفة بطابقين مكسوة بالقاشاني ، والوسطى تأسست في سنة 1326 وفيها 33 غرفة مكسوة بالقاشاني ، والصغرى تأسست سنة 1328 ه وفيها 12 غرفة مكسوة بالقاشاني أيضا . 13 - مدرسة الهندي ، تأسست سنة ؟ ؟ ؟ وفيها 20 غرفة . 14 - مدرسة البخاري ، تأسست سنة 1329 ه . 15 - مدرستا السيد كاظم اليزدي ، تأسست الأولى سنة 1325 ه وتشتمل على 80 غرفة بطابقين مكسوة بالقاشاني ، والثانية تأسست سنة 1380 ه بأمر من السيد الحكيم ( قدس سره ) . 16 - مدرسة المجدد الشيرازي ، بطابقين ، وبها قبر مؤسسها . 17 - مدرسة السيد حسين البروجردي ، تأسست سنة 1372 ه ، تحتوي على 64 غرفة في ثلاث طوابق ، وفيها مكتبة مهمة . 18 - مدرسة البغدادي ، في حي السعد ، تأسست سنة 1380 ه ، جيدة البناء ، بناها عبد العزيز البغدادي أحد تجار بغداد . 19 - مدرسة جامعة النجف ، في حي السعد ، تأسست سنة 1376 ه ، من أكبر المدارس وأضخمها بناء ، تضم أكثر من مئتي غرفة في ثلاث طوابق|وفيها مكتبة جامعة لنفائس الكتب ، وفيها مسجد وقاعة كبيرة ، بناها الحاج محمد اتفاق من تجار طهران ، تحت إشراف وإدارة السيد محمد كلانتر ( رحمه الله ) . 20 - المدرسة اللبنانية ، في الجديدة . 21 - المدرسة الأزرية ، أسسها المرحوم عبد الأمير الأزري سنة 1370 ه . 22 - مدرسة دار الحكمة ، أسسها المرحوم السيد محسن الحكيم سنة 1370 ه . 23 - مدرسة كلية الفقه لجمعية منتدى النشر ، شيدها مع مسجدها الحاج حسين الشاكري سنة 1371 ه . )الكشكول المبوب للشاكري من ص55 إلى 60 وإن هذه المدارس لم تكن مدارس كم بل نوعية وعمق فمن أعماق التاريخ إلى عصر السيد الخوئي رح الذي أحدث نقلة فقهية كبيرة وعظيمة ترى الكثير ليس من العلماء فقط بل من القفزات المباركة التي ساهمت في إزدهار العلم وغيرت طريقة فهم الروايات وبالأخص روايات الصادق عليه السلام وتنظيمها في عنوان مختلفة وفنية محترفة كالصحيحة والحسنة والمعتبرة والموثقة ونحوها وأما خصوصيات الإمام الصادق ع فجاءت من كون أغلبية النصوص مستقاة من معينه وكلماته وأنت لو راجعت كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي تلاحظ ذلك ، ومن المدارس التي قويت في تلك العصور مدرسة آل كاشف الغطا حيث كان ( يدرس الفقه في منزله بالنجف الأشرف بلسانه العربي المبين ويُذكر أن مجلس درسه أجمع وأنفع من سائر مدارس الفقهاء لم ير مثله في كثرة التفريع والإحاطة بنوادر الفِقه وقوة الاستدلال ومن غاية تسلطه في الفقه ومهارته العجيبة انه لا يتأمل في المسائل كثيرا بل يمشي سريعا ويطوي مراحل الفقه بغاية السهولة وهو مشارك في الرياسة الدينية لصاحب الجواهر بل هو عند العرب أكثر احترامًا وأجل مقامًا.) إعيان الشيعة ج5 ص35
وأيضًا من الحوزات العريقة التي اشتهرت بالعمق ويصح وصفها بالنهضة الأصولية النوعية حوزة صاحب الكفاية رحمه الله وهو ( أشهر مشاهير عصره كان آية في الذكاء والحفظ وسرعة الانتقال متقنا لعلمي الحكمة والكلام وأصول الفقه وهو الذي تنبه لخلاص شعبه من رق الاستبداد ونزع عنه نير الاستعباد له أياد مشكورة على العلماء وأهل العلم وحملة الدين إذ جدد لهم منهج الدراسة ، صنف في الأصول والفروع فكشف عن غامضها الحجاب وميز القشور عن اللباب ، وكانت حوزته تعد بالمئات وربى كثيرا من العلماء ، وحقا يقال هو أبو العلماء وعلى مؤلفاته الأصولية اليوم تدور رحى الدراسة وفى أيامه راجت أسواق العلم وازدحم عليه أهل الفضل حتى غصت النجف من كثرة المهاجرين فأدت الحال إلى تشكيل مدارس لتلامذته فبنى ثلاث مدارس وكان عصره عصر العلم والعرفان عصر الترقي . عصر تنور الأفكار . فيه حدثت المطابع والصحف وأكثر المدارس الحديثة . وقد فاجئه الأجل ليلة الثلاثا . في الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة 1329 وكان عازما في صبيحة تلك الليلة على السفر إلى إيران لجهاد الروس التي كانت قد أنشبت أظفارها في البلاد الإيرانية حتى آل الأمر إلى رمى القبة الرضوية في طوس بالبنادق ومقاساة المسلمين أشد البلاء وكان لنبأ موته صدى في العالم الإسلامي . دفن في الصحن الشريف ) ماضي النجف وحاضرها ج1 ص 136 ولم تكن للأخوند مدرسة واحدة بل اثنتين الكبرى والوسطى.
وإن استمرار العلماء بالتكاثر والإبداع هو بنفسه نوع من الصمود وإحياء لمدرسة الصادق ع التي دأبت اليد الأثيمة على تشويه سمعته والتقليل من شأنه فما زاده ذلك إلا رفعة وأعداؤه إلا ضعة .
وأيضًا من المدارس التي يشهد لها بالثقل مدرسة الميرزا الشيرازي الكبير رض حيث كانت مدرسته (أكبر مدارس الامامية في العراق متقومة بطبقتين ...، فلما كملت عمارتها أسكن فيها أكثر من مائتي طالب علم ، وعين لكل واحد منهم راتبا شهريا بحسب حاله وما يكفيه في معاشه ...فأخذت سامراء أهميتها العظمى في انظار العالم الإسلامي وصارت مركزا مهما علميا ومحطا لرحال كبار العلماء .) تاريخ سامراء ج2 ص 42
وأيضا مدرسة السيد الأجل محمد كاظم اليزدي رض (من المدارس الوحيدة في النجف لا نظير لها في فخامة البناء والسعة ... وهي اليوم موئل لرواد العلم ورجال الدين كما انها محط انظار السواح والزائرين . كان ابتداء تأسيسها في شهر صفر سنه 1325 وتم بناؤها سنة 1327 عمَّرها الوزير الكبير البخاري ( آستان قلي ) عامر مدرسة الآخوند الوسطى الذي كانت طلاب العلم في أيامه في أهنأ عيش وأرغده بما تدره يداه على العلماء . ) ماضي النجف وحاضرها ج1 ص139 ، ولا يخفى عليك ما لقيه كتابه من رواج بين طلاب العلم وأساتذتهم يروي ذلك تعليق المراجع العظام على محتوياته فكأنه صار قبلة لهم وموطنا لفتواهم .
وأيضا مدرسة السيد البروجردي رض حيث بنى ( في النجف الأشرف مدرسة علمية كبيرة هي اليوم من أحسن مدارس النجف الدينية ، وقد ملأت بالطلاب وقرر لهم الرواتب ) نقباء البشر ج2 ص 605
وأيضًا مدرسة المظفر فقد أنشأ في النجف منتدى جعله على شاكلة المنهج الأكديني وكان ( يقوم فيها بتدريس الأدب والمنطق والفلسفة والفقه والأصول من المستوى الأولي إلى المستوى العالي ، لا تمنعه من ذلك مكانته المرموقة في الحوزة ، ولا إمكانياته الفكرية العالية . وكم رأينا الشيخ محمد رضا المظفر يحاضر على الصفوف الأولى من مدارس منتدى النشر ، ويتلقى أسئلتهم برحابة صدر ، ويدفعهم إلى البحث والدرس والتفكير ، ويحشر نفسه معهم ، حتى كان يبدو للانسان ، لأول وهلة ، أنه يخاطب زملاء له في الدراسة ، لا طلابا بهذا المستوى . وكان الشيخ يمتاز فوق ذلك كله بعمق النظر ودقة الالتفاتة وسلامة الذوق وبعد التفكير فيما تلقينا عنه من الفقه والأصول والفلسفة .) ترجمة حياة الشيخ المظفر ص 4
ويجدر بنا أن نذكر ما أنجزه أولاد الشيخ نصير الدين الطوسي من إنجازات قيمة فقد (كان فخر الدين أحمد بن نصير الدين كأبيه يشرف على مدارس بغداد ومنها ( المستنصرية ) وإليه تعيين الفقهاء والمدرسين في المدرسة المذكورة . وكانوا جميعا منقطعين للعلم والبحث وإنشاء المعاهد العلمية ودور الكتب الضخمة ، معنيين بإصلاح ما فسد من الأحوال الاجتماعية في ممالك المغول ) الإسماعيلون والمغول ونصير الدين الطوسي – حسن الأمين ص 57
هذا بالإضافة إلى مئات المدارس التي تكاثرة وانتشرت في ربوع النجف وكربلاء وغيرهما مشكلة مدارس قل نظيرها وقد أخذت كلها من آراء الإمام الصادق الربانية وعلومة الغيبية .
المدرسة الثالثة حوزة جبل عامل العريقة
إن في ( جنوب ( لبنان ) بقعة يطلق عليها اسم ( جبل عامل ) تنفجر فيها الطاقة العلمية وتنشط فيها المعرفة من عقالها ، وتستفيق من سباتها ، لتكون هذه البقعة ( جبل عامل ) التي اختصها الله سبحانه بعنايته ، منبت العلماء والمفكرين ، والهداة الميامين ن الذين حملوا في تلك الفترة الدامسة مشعل العلم والفكر ، لتهتدي شعوب أخرى على سناه .) فلاسفة الشيعة ص 398
إن هذا المدرسة (كانت تتراوح بين القوة والضعف ) حتى الجمود ، وقد شهدت أوجها في عصر الشهيد الأول وذلك عندما (رجع الشهيد الأول من العراق إلى مسقط رأسه " جزين " ، فأخذت تلك المدرسة في نفسها نشاطا واسعا ، وقد تخرج من تلك المدرسة منذ تلك العهود إلى يومنا هذا مئات من الفقهاء والعلماء لا يحصيها إلا الله سبحانه ، ومن الشخصيات البارزة في هذه المدرسة : المحقق الشيخ علي الكركي مؤلف " جامع المقاصد " ( المتوفى عام 940 ه ) وبعده الشيخ زين الدين المعروف بالشهيد الثاني ( 911 - 966 ه )المصدرين من أضواء على عقائد الشيعة الإمامية للسبحاني حفظه الله ، وبدأت تتأرجح بعده حتى كادت أن تنعدم وتنتهي ويحاول اليوم إعادة شيء من آثارها، وفي ترجمة حياة سليمان الظاهر العاملي يقول المترجم (كانت مدارس العلم في ذلك العهد في تراجع مستمر ، فلا تشاد مدرسة وتقوم فيها سوق للعلم ونشر المعرفة ، ويتقاطر إليها الطلاب من كل صوب حتى تلفظ أنفاسها وتقفل أبوابها خلال سنين معدودة ، ويعود طلابها من حيث أتوا . . .) ومن تلك المدارس التي ارتحلت -كما يذكر المترجم- مدرسة في النميرية التي على بعد فرسخين من النبطية التحتا التي ( لم يلبث فيها غير ثلاثة أشهر حتى لفظت أنفاسها على العادة ) وفي ( بنت جبيل في جنوب جبل عامل على بعد ستة فراسخ من النبطية وكانت فيها بقايا مدرسة ) لكنها انتهت بانتهاء مؤسسها الشهير الشيخ موسى شرارة رح ثم أنشأت مدرسة أخرى على يد العالم الكبير وهو السيد محمد بن السيد علي آل إبراهيم ولما توفي خلفه السيد محمد نور الدين الموسوي فأحيى مدرسة آبائه في النبطيا الفوقا والتي ( على ميل ونصف من مدينته النبطية التحتا واكتظت بالطلاب من مختلف البلاد العاملية ) ولما ( قدم العالم الشهير السيد حسن يوسف آل مكي من النجف وسكن النبطية التحتا ... أسس فيها مدرسة قصدها طلاب العلم من مختلف البلاد العاملية حتى قارب عددهم المئتين) و(مدارس حنويه وجبع وشقرا ونحوها ) و (لولا ما سن على عهد السلطان عبد الحميد آل عثمان من إعفاء طلاب العلوم الدينية من التجنيد في أشباه المدارس شريطة ملازمتها والمواظبة على استمرار الدوام فيها ، لما بقي في جبل عامل طالب لعلوم الدين .) مأخوذات من ترجمة حياة سليمان الظاهر العاملي لكتابه القاديانية
هذا بالإضافة إلى مدرسة السيد عبد الحسين شرف الدين ولكن لم يكتب لها البقاء
إن مدرسة جبل عامل بالخصوص ومن جوارها كسوريا لم يكتب لها البقاء بسبب الحقد العثماني والأيوبي.
النقطة الثانية المعوقات التي واجهت المدارس وأرادت تغيير توجهاتها.
من الشام نبدأ وإليك أفعال العثمانيين والأيوبيين بتلك المدارس وأهلها وكل ذلك بسبب ولائها لآل البيت
والذي يظهر من التواريخ أن في إبان حكم السلاجقة وآخر الحكم العباسي بدأ التشريد والقتل والإبادة لمنتحلي المذهب الحق ورواد المدارس الشيعية فلقد (غلب السلاجقة على الأمور وقد كانت جذور الحياة القبلية راسخة في أعماق نفوسهم مما أثر في دولتهم ، وكانوا غير مثقفين ، ولم يحاولوا الاستعانة بالحكماء والعلماء كثيرا ، بل غلبت عليهم الصبغة العسكرية ، فقد أدت قوة النظام القبلي إلى إثارة الفتن والقلاقل ، كما أثرت بداوة السلاجقة في تعصبهم الشديد للمذهب السني الذي يرعاه الخليفة العباسي في بغداد ، فاستغلوا ذلك في سبيل القضاء على آل بويه - الديالمة - الوزراء المتمسكين بالمذهب الشيعي ، فتم لهم ذلك .)سلاجقة إيران والعراق للدكتور عبد النعيم محمد حسنين ص42 43 (وقد أثرت سيطرة هؤلاء الجهلة المتعصبين ومن تلاهم من الأمراء الخوارزمية والأيوبية - في الشام - أن يتعرض الشيعة إلى اضطهاد في القرنين ( 450 - 650 ) فكانا من أشد الفترات العصيبة في تاريخ الإسلام عموما ، والتشيع خصوصا)مجلة تراثنا ج 34 ص 137
وأدى ذلك (إلى ابتلاء الأمة ، بأشكال من العصبيات المقيتة ، وسيطرة القبائل البعيدة عن الثقافة ، كالسلاجقة والأيوبيين ، من الذين استغلوا اختلاف المذاهب ، في إثارة الطائفية بين الأمة الإسلامية ، والتمسك بالحنبلية والتشدد باسم التدين ، واعتمادهم سياسة القمع المذهبي ، والمحاسبة على العقائد إرضاء لأفكار العامة الجهلة ، كل ذلك دعما لكراسيهم ، وتحكيما لسيطرتهم . فكان على أثر ذلك أن تعرضت مدارس الشيعة ومراكزهم العلمية وعلماؤهم الكبار إلى أشكال من الهجوم والتهجير والإبادة . وهذا هو السبب المباشر في شحة المصادر المتكفلة بالحديث عن تاريخ هذه الفترة ، وكذلك ضياع التراث الذي أنتجته عقول مفكريها ومؤلفيها . مع أن الشذرات الباقية ، سواء من المصادر التاريخية ، أو التراث المتبقى ، تدل على ضخامة الثروة وعظمة الجهود المبذولة ، في سبيل إبقاء الحضارة ، والحفاظ على استمرار حياتها .)مجلة تراثنا ج 34 ص 134 ، وفي القرن السادس (اشتدت الحملات الطائفية الطائشة ، بكل ضراوة ، واستهدفت الشيعة في الشرق والغرب ، وتمكنت من القضاء على معالم أثرية لهذه الطائفة ، فحرقت مكتبات ، وهدمت مدارس وقتل أعداد من المسلمين المنتمين إلى هذا المذهب . فكانت الزعامة الدينية متمحورة على ابن شيخ الطائفة ، وهو الفقيه المحدث الشيخ ، الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي ، أبو علي ، الملقب ب (المفيد الثاني ) . فحمل الأمانة بصدق وجد ، فحافظ على الثقافة العلمية من أن تتعرض لها الحملات ، وخرج من مدرسته العشرات من التلامذة ، الذين كانوا سندا للطائفة في حضارتها الثقافية ، وأساسا تبني عليها مستقبلها المجيد .)وفي القرن السابع عشر كانت (قد فشلت في إدخال اليأس في قلوب الأمة ، فعادت الأمة تستجمع قواها ، وتستعيد حيويتها ، فكانت الجهود تبذل من أجل إحياء المذهب في مدرسة الحلة على يد أعلام من علمائها ومنهم آل طاوس ، وآل المحقق ، وآل المطهر ، ومدرسة الري على يد أعلام من علمائها ومنهم آل بابويه ، وقد تسنم الفقيه سديد الدين محمود الحمصي الرازي القمة في زعامة الطائفة في بداية هذا القرن .) وفي مستهل القرن الثامن ( نبغ العلامة على الإطلاق ، الذي طبق صيته الآفاق ، وتزعم الحركة التجديدية لمعالم الدين في العقيدة والشريعة ، فأحيى المدارس وجدد المعاهد ، ودعم المذهب ، بإبراز معالمه حتى انتشر واشتهر ، واقتنع من عرفه بأحقيته ، وصحته ، ودخل قلوب كثير من الملوك والأمراء والوجهاء ، حتى عم . وأهم إنجاز لهذا المجدد العظيم أنه اخترق عائلة المغول الذين داهموا البلاد الإسلامية ، فأسلم حاكمهم على يد العلامة الحلي ، وبذلك أخفقت نوايا الغزاة وانصهروا في بوتقة القوة الإسلامية .) وفي مطلع القرن الثالث عشر (كان قد مضى على الانقسام الداخلي بين الطائفة ، بظهور النزعة الأخبارية المتطرفة " أكثر من قرن ونصف ، بزغ نجم فقيه أهل البيت ، ومحقق أصول المذهب ، ومحيي معالم الحق ، الإمام المجدد المولى محمد باقر بن محمد أكمل ، الوحيد البهبهاني ، بعد أن كادت تعصف بمعالم الحركة الفكرية ، المحاولات التي تدعو إلى الظواهرية ، والرافضة للجهود العقلية ، مما أشرف بالفكر الشيعي على التردي في هاوية الجمود والتخلف ، والتأخر ، فكان لهذا الإمام الوحيد اليد البيضاء في تدارك الأمر ، ودحر الأخبارية ، بتزييف دعاواهم ، والرد على شبهاتهم ، ففتح للفقه آفاقه الواسعة ، وعبّد له مشارعه الغنية بمعين الاجتهاد المستمدة من أصول أهل البيت وفقههم ... ولكل واحد من المجددين دور عظيم في إحياء الإسلام والدفاع عنه
في مواجهة أي خطر يهدد كيانه إن بالحرب والجهاد أو بالصلح والعلم والسعي في نشر الفكر الإسلامي وبثه...)مأخوذات من مجلة تراثنا ج28 ص 101
ومن الأمثلة على جرائم السلاطين وارتكابهم إبادة جسدية ومعنوية بحق الشيعة وعلمائهم ما حصل في حلب فلم يوفرها الحقد الأيوبي فقد (دخل صلاح الدين الأيوبي إلى حلب عام 579 وحمل الناس على التسنن وعقيدة الأشعري . . ووضع السيف على الشيعة فقتلهم وأبادهم مثل عمله مصر إلى حد يقول الخفاجي . . " فقد غال الأيوبيون في القضاء على كل اثر للشيعة . .)غنية النزوع لابن زهرة ص10 ثم تضاءل الشيعة الحلبيون فـ (ضعف أمرهم غير أنهم ما برحوا يجاهرون بمعتقداتهم إلى حدود 600 فاخفوها ، ثم ذكر أن مصطفى بن يحيى بن قاسم الحلبي الشهير بطه زاده فتك بهم في حدود الألف فاخفوا أمرهم ، وذكر بعض ما كان يفعله الحلبيون مع الشيعة من الأعمال الوحشية والمخازي والقبائح التي سودت وجه الإنسانية ويخجل القلم من نقلها ، وقد كان في الحجة والبرهان لو كان ما يغني عن الأذى والأضرار والأعمال الوحشية ، وفي مجالس المؤمنين : أهل حلب كانوا في الأصل شيعة وإلى أواخر زمان الخلفاء العباسية كانوا على مذهب الامامية ، والظاهر أنه في زمان انتقال تلك الولاية إلى حكم السلاطين العثمانية أجبروا على ترك مذهبهم اه . وما مر من فعل طه زاده يؤيد ذلك فان استيلاء العثمانيين على حلب كان في أوائل المائة العاشرة . وبالجملة سبب انقراض الشيعة من حلب هو ظلم الملوك وجورهم وتعصب العامة وابتداؤه أوائل القرن السادس وشدته في القرن السابع وتناهيه في أوائل القرن العاشر ...) أعيان الشيعة للعاملي ج 1 ص 201
وأما العراق فإن جرائم صدام حسين واضحة بحق العلماء خاصة مع العالم النحرير صاحب الحلقات السيد محمد باقر الصدر وكذلك بحق الشيخ الأجل الغروي والذي لم تطرف له عين عندما قتلهما ثم دسه السم للإمام الأوحد على الإطلاق السيد أبا القاسم الخوئي رحمه الله والعديد العديد من الجرائم بحق الإنسانية أدين بها أخيرا وتم إعدامه.
أما في إيام الشاه وقبل اندلاع الثورة الإسلامية في إيران كان قد حاول الشاه إنهاء ليس فقط العلم بل الإسلام برمته وقد تنبه لذلك الشيخ عبد الكريم الحائري رحمه الله فتصدى للحملة المصعورة ضد الحوزة وحماها فـ ( حنكة الحائري وإخوانه وصبرهم على المكاره وتحملهم للصعاب قد حال دون ذلك ، وقد كان في قم على عهد الحائري من العلماء الكبار عدد غير قليل ، منهم : الشيخ أبو القاسم الكبير ، والشيخ أبو القاسم الصغير ، والميرزا جواد الملكي ، والسيد حسين الكوچه حرمي ، والميرزا صادق التبريزي ، والسيد فخر الدين القمي ( شيخ الإسلام ) ، والميرزا محمد الكبير ، والميرزا محمد الفيض ، والشيخ مهدي القمي ، والسيد محمد باقر القزويني ، والشيخ محمد تقي الإشراقي ، والشيخ محمد تقي البافقي اليزدي ، والشيخ محمد علي الحائري ، والشيخ نور الله الإصفهاني ، وعشرات غيرهم ممن أسهم بقسط كبير في التدريس وفي مساندة ودعم الشيخ الحائري ومشايعته في الرأي . وقد تعرض معظم من ذكرناهم لصنوف الإرهاب والتعذيب من لدن الملك الجاهل وحاشيته وحكومته الجائرة ، كل ذلك من أجل هدم ما بناه الشيخ وإضعافه . وكان الشيخ واثقا بأنه هو المقصود ، وان تلك الاستفزازات تستهدف شخصه ، فقد كانوا يستفرونه بين الآونة والأخرى لعلهم يجدون ذريعة يحتجون بها عليه ، ليواجه المصير المرسوم ، في وقت لا تتوقر فيه إمكانيات المواجهة والتصدي لكنه كان يقظا على ذلك وغير غافل عنه . وفي ذلك الوقت ، وتلك الظروف) درر الفوائد الشيخ عبد الكريم الحائري ج1 ص 25
وهكذا ترى تحمل تلاميذ مدرسة النبوة صنوف العذاب والقهر والتشريد في سبيل ترسيخ نور الحق في جبين هذه الأمة المريضة والأمة مصرة على مقتهم و قطيعة أرحامهم فحللوا قتل الشهيد الأول ولم يكتفوا بذلك بل جرهم حقدهم إلى صلبه وحرق جسده وهذا ليس ببعيد عنهم فقد حللوا دم الشهيد الأول وسيد الشهداء -عليه السلام- وذبحوه كما تذبح الشاة وسبوا نساءه وهن رياحين الرسالة فضرب الشؤم هذه الأمة فلم تفلح في شيء قط وهي بعد عزها واستخدامها لنساء الروم أصبحوا عبيدا لأمريكا وأضرابها وتخلفوا في العِلم والمعرفة فوسموا بالفضيحة والعار وكانوا مثال قوله تعالى : ( فاستخف قومه فأطعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ) الزخرف 54
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين واللعنة الخالدة على أعداء محمد وآله إلى قيام يوم الدين .