الأصولي
10-09-2010, 11:30 PM
http://www.alrodwan.net/vb/imgcache/9329.imgcache
ألقى سماحة الشيخ ياسر الحبيب حفظه الله ، في يوم الخميس الموافق 29 رمضان 1430 هجرية ، كلمة مفتوحة حضرها جمع غفير من المؤمنين ، ردّ فيها مفنـّدًا تصريحات رجل دين يدعى "راضي الحبيب"، والذي سمّته إحدى الصحف بـ "الداعية الإسلامي" ؛ ووضّح سماحته بأن المذكور هو أحد المحسوبين على الشيعة والتشيّع ، فالشيعة المخلصين والتشيّع النقي منه بَراء ، مبيّنـًا عدم انتماء المذكور إلى أسرة سماحته رغم التشابه في اسم العائلة والانتماء للكويت.
وعلّق سماحته أن كلام "راضي الحبيب" يدل على ضعفه حتى بأصول الإستدلال في ردّه علينا بعد قضية الاحتفال المبارك بهلاك عدوة الله عائشة ، وأضاف قائلا: أن مجرد ذكر كلمة “السيّدة” قبل اسم عائشة هو في حد ذاته يحرق القلب إذا صدرت ممن يدّعي التشيّع ، وقد آلمني وفجعني بعض الشباب الذين يسعون اليوم ليستصدروا فتاوى من بعض المراجع ضدنا بكتابتهم «السيدة عائشة» في صيغة الإستفتاءات التي أعدّوها ليرفعونها إلى بعض المراجع ، فهل عائشة سيّدة في الإسلام؟
كيف تكون المرأة التي تقتل نبي الإسلام “سيّدةً” في الإسلام؟
وإن قيل ما الدليل على أنها قتلت نبي الإسلام قلنا أن هناك أدلة مفصلة ناقشناها في بعض المحاضرات ، كما أن النص واضح من الإمام الصادق عليه السلام لمّا سُئل عن مقتل النبي صلى الله عليه وآله : هل أنه مات أو قُتِل؟ فأجاب بما مضمونه بل قُتِل إنهما سمّتاه ، وذلك نسبةً إلى عائشة وحفصة ، وكانوا أصحاب الإمام جالسين فقالوا : أنهما وأبويهما شرُ مَن خلق الله ، وأقر الإمام ذلك وتقرير المعصوم حجة.
وكيف تكون عائشة “سيّدةً” وهي التي آذت رسول الله وطعنت فيه، وحرّفت دينه، وشوّهت سمعته ، وكذبت عليه بآلاف الأحاديث؟
كيف تكون “سيّدةً” وهي التي أبكت فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام في حياتها وفرحت بوفاتها !؟
كيف تكون “سيّدةً” وهي التي شهرت السيف في وجه عليٍ أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسجدت فرحًا يوم استشهاده؟
كيف تكون “سيّدةً” وهي التي رمت جنازة الإمام الحسن – سبط رسول الله– بالنبال؟
وكم من الجرائم يمكن لنا أن نعدد لعائشة ؟
ومع هذا كله يأتي شيعي يقول أنا انتسب لآل محمد عليهم السلام ، ويصف عائشة بالسيّدة! ، هذه كلمةٌ تجعل جهنم تشهق وتزفر حتى تستقبل هذا الذي يصف هذه المرأة المجرمة بأنها “سيّدة”.
فقد نعذر من يصف هذه المرأة بأنها «أم المؤمنين» بأن نقول: لعله لم يطلع على الروايات التي جرّدت عائشة من هذا اللقب ، وإحداها رواية عن إمامنا صاحب العصر صلوات الله عليه مفادها أنها قد أسقِطت عن شرف أمومة المؤمنين ، ولعله لم يطلع على شرائط أمومة المؤمنين فيتصور أن لقب «أم المؤمنين» ينطبق عليها بما أنها قد تزوجت النبي صلى الله عليه وآله.
فهذه ليست ثقافةً شيعية ، هات لنا أحدًا من أئمتنا عليهم السلام وصف عائشة بالسيدة.
وأضاف أيضًا بأن صاحب الشأن الذي نحن في صدد الرد عليه ، والذي علّق علينا بعد احتفالنا بهلاك عائشة ، يريد أن يقول أن عائشة معصومة من الزنا ، فانظروا إلى مبناه اللطيف وهو أنك إذا لا تقول بأن عائشة معصومة من الزنا فهذا يُحدث خلل في عصمة زوج عائشة ! ، والربط بين ذلك أن طهارة الذرية النبوية قائمةٌ على طهارة النسب ، فيلزم أن تكون ذرية الأنبياء طاهرة ومن غير المعقول أن تكون ذرية النبي غير طاهرة ، وبما أن الأمر هكذا فلابد أن تكون الزوجات "جميعا" معصومات من الزنا وإلا لا يتحقق أمر طهارة النسب!
وعلّق سماحة الشيخ الحبيب بأن هذا استدلال جاهل إلى أبعد الحدود ، ويكفي ردًا لهذا كلمة واحدة أن عائشة لم تلد للنبي صلى الله عليه وآله ، كما أن إمرأة نوح وإمرأة لوط لم تلدا للنبيين صلوات الله عليهما ، وإنما يتم هذا الكلام “إن سلّمنا بهذا المبنى” في من ولدت واتخذها النبي وعاءًا طاهرًا حتى يستولدها لتلد له خليفته من بعده مثلاً أو النبي من بعده فهنا يكون هذا صحيح، لوجود نص يقول «الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة» نسبةً إلى من حملوا هؤلاء المعصومين من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، وليس مطلقـًا لأي زوجة ، فلابد أن تلد أولاً حتى تثبت أنها طاهرة ولم تزن فإن "طهارة المولد" هي التي نرتب عليها طهارة الأم التي ولدت ولا يمكن الحكم بالإطلاق، وحتى لو تنزلنا فرضـًا وقلنا مثلاً أنه في الفترة التي تكون فيها الزوجية قائمة بين الطرفين فإنها تعصم من الزنا مثلاً فأن هذه القاعدة تتم في زمان بقائهن زوجاتٍ للأنبياء ، أمّا ما بعد فكلا.
فكيف إذا كان عندنا دليلٌ صريح وصحيح من أئمتنا في «الكافي» ينسف هذا الإستدلال جملة وتفصيلاً؟
حيث ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله تزوج امرأة من بني عامر بن صعصعة يقال لها "سنى" وكانت من أجمل أهل زمانها فلما نظرت إليها عائشة وحفصة قالتا: لتغلبنا هذه على رسول الله صلى الله عليه وآله بجمالها فقالتا لها: لا يرى منك رسول الله صلى الله عليه وآله حرصا فلما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله تناولها بيده فقالت: أعوذ بالله فانقبضت يد رسول الله صلى الله عليه وآله عنها فطلقها وألحقها بأهلها وتزوج رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة من كندة بنت أبي الجون فلما مات أبراهيم بن رسول اله صلى الله عليه وآله ابن مارية القبطية قالت: لو كان نبيا ما مات ابنه فألحقها رسول الله صلى الله عليه وآله بأهلها قبل أن يدخل بها فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وولى الناس أبوبكر أتته العامرية والكندية وقد خطبتا فاجتمع أبو بكر وعمر فقالا لهما: اختارا إن شئتما الحجاب وإن شئتما الباه فاختارتا الباه فتزوجتا فجذم أحد الرجلين وجن الآخر
قال عمر ابن اذينة: فحدثت بهذا الحديث زرارة والفضيل فرويا عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: ما نهى الله عز وجل عن شئ إلا وقد عصى فيه حتى لقد نكحوا أزواج النبي صلى الله عليه وآله من بعده وذكر هاتين العامرية والكندية ، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): لو سألتهم عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لابنه؟ لقالوا: لا فرسول الله صلى الله عليه وآله أعظم حرمة من آبائهم.
(الكافي/ج5/ص421)
فماذا نفعل مع واحد مثل هذا يضع على نفسهِ عِمّةً ولا يعلم ماذا قال أئمته الذين يزعم أنه يقتدي بهم؟
فالإمام هنا يصرّح: «لقد نكحوا أزواج رسول الله من بعده» ، وهنا فلندع عائشة عنـّا ونتأمل في الأخريات اللواتي تزوّجن من بعده ، بعد أن أباحت الزواج لهن حكومة أبي بكر وعمر ، فتزوجت قتيلة بنت قيس الكندية بعكرمة ابن أبي جهل ، كما يرد الإمام عليه السلام على حجة المخالفين القائلة بأن رسول الله قد طلّق هؤلاء النسوة أو لم يدخل بهن فيجوز لهن الزواج من بعده ، فيبيّن الإمام عليه السلام لهم لو أن رجلاً تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لإبنه؟
ليؤكد بعد ذلك الحرمة الأبدية وأنه لا يجوز استحلال فروج أزواج النبي وإن كنّ مطلقات وإن كنّ لم يدخل بهن ، ويضيف الإمام أن رسول الله أعظم حرمةً من أبائهم إن كانوا مؤمنين وأولى بهم من أنفسهم.
فحسب فقه آل محمد صلوات الله عليهم يعد هذا الزواج باطلاً وهو تدنيس لتلك الأرحام ، وهو مساوقٌ للزنا فالعقد غير شرعي من الأصل كمن يعقد على أمه أو أخته ، فهل هذا يعد زواجًا أم زنا؟
الجواب هذا زنا لأن العقد ليس مباحًا في الشريعة ، فكذلك الأمر لهاتين الزوجتين ، والقضية ثابتة ويقر بها المخالفين بأن بعض أزواج النبي تزوجن من بعده ، إلا أن مبرر الزواج لا يقبله أهل البيت عليهم السلام لتصحيح تلك الأنكحة ، فإذن أنت إذا تقول أنا موالي لأهل البيت وألتزم بتعاليم أهل البيت وفقه أهل البيت عليهم السلام وتدّعي بأنك تتبع أهل البيت فعليك أن تلتزم بموقفهم فهم قد ثبـّـتوا هنا وفي روايات صحيحة وثابتة وواردة في أصح مصادرنا وهي «الكافي» بأن هؤلاء النسوة قد ارتكبن الفاحشة من بعد رسول الله ، ولندع عائشة جانبًا كما أسلفنا ، ولنثبـّت حقيقة أن هذا الأمر ينقض تأويلات وخزعبلات وأوهام "راضي الحبيب" التي لا يمكن أن تنهض أمام هذا النص العقائدي لما ثبت بالدليل القاطع ؛ ناهيك عن وجود روايات مشهورة وقوية السند في أن ابن نوح لم يكن ابن نوح وإنما كان ابن زوجتهِ.
وتابع سماحة الشيخ في تعليقه أن العصمة ليست جبرية ، مضيفـًا أن هذا الجاهل لا يعرف معنى العصمة فهو يصرّح بنقيض العصمة والتي تأتي عن طريق الاستحقاق إلى جانب أنها قوة في العقل تمنع صاحبها من أن يلج في المعصية بلطف من الله ، فالمعصوم عَصَمَ نفسه لأنه نجح في الاختبار الأول في عالم الأنوار فكان أول من أجاب ببلى لمّا أشهد الله على الخلق أنفسهم هو رسول الله فوهبه الله العصمة مكافئةً لهُ ، فالعصمة تأتي بطريق الإستحقاق من جهة وبطريق التفضل والمنّ الإلهي واللطف من جهةٍ أخرى ، فهنا عائشة مثلاً أو النساء الفاسدات من أزواج الأنبياء أو أزواج الأئمة "حيث كان الكثير منهن فاسدات" بأيّ استحقاق وبأيّ من وبأيّ لطف الذي يسوّغ أن الله يعصمهم ويعطيهم ملكة العصمة؟
ثم أن العصمة لا تنفك ، فالعصمة ملكة فإذا هي تعصم نفسها من الزنا عصمة حقيقية ، كذلك تعصم نفسها من كل الخطايا الأخرى، فإذا الله يعصمهن من الزنا أي يمنعهن قهرًا من الزنا مع إرادتهن الزنا فهذا إلهٌ ظالم والعياذ بالله، وبهذا يكون هنالك حجة للمرأة الزانية للاحتجاج على الله فتقول: يا إلهي أنا أردت الزنا فلم تعصمني ، أمّا هذه المرأة الأخرى أرادت الزنا وأنت عصمتها، فما الفرق بيني وبينها سوى أن تلك زوّجتها نبيـّك وأنا لم تزوجني نبيّـك؟ فلماذا تعاقبني وتلقيني في جهنم ؟ لماذا حرمتني من أن تزوجني نبيّك؟
وتسائل سماحة الشيخ الحبيب ماذا علينا أن نفعل مع من لا يعرف المباني الرجالية ، والقواعد الكلامية ، ويأتي ويتكلم بمثل هذا الكلام؟
واستطرد أن قضية زنا عائشة بعد النبي صلى الله عليه وآله مبنية على روايات نصية صريحة وصحيحة وموثقة ومشهورة ومستفيضة لأهل البيت وهي ليست خزعبلات وتأويلات وأوهام ، فعلى أي أساس يرمي كل ذلك بأنه خزعبلات وتأويلات وأوهام دون أن ينظر ويتعلم؟
وما دخل قضية «عصمة الأنبياء» بما لو أن زوجة من زوجات الأنبياء زنت بعد رحيل زوجها فإن هذا يهدم أصل عصمة النبي؟!
ما دخل هذا بهذا، ما هذا الكلام السخيف؟
ثم تطرّق سماحته إلى الفقرة الأخيرة التي يزعم فيها المذكور أن أمير المؤمنين عليه السلام أكرم عائشة بكل حفاوةٍ وتقديرٍ وتبجيلٍ في ظروف الحرب عنده في واقعة الجمل!
وتسائل الشيخ الحبيب هل أن المذكور لم يطلع على الحقائق التاريخية المتداولة المشهورة في كتب التاريخ عندنا وعند أهل الخلاف على السواء ، كما لم يطلع على القواعد الكلامية ولم يطلع على بعض روايات أهل البيت عليهم السلام في قضايا زوجات الأنبياء صلوات الله عليهم؟
حيث يروي التاريخ كيف تعامل أمير المؤمنين عليه السلام مع عائشة في ظروف الحرب ، حيث أهانها وذمها وأذلها، ونقل سماحته نماذج من النصوص التاريخية الواردة في ظروف الحرب:
• في بداية الحرب أخذت عائشة كفـًا من حصى فحصبت به عليـًا وأصحاب علي عليه السلام وصاحت بأعلى صوتها: شاهت الوجوه ، فقال عليه السلام: وما رميتِ إذ رميتِ يا عائشة ولكن الشيطان رمى، وليعودن وبالكِ عليكِ إن شاء الله.
(راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ، الفتوح لابن أعثم الكوفي ، الجمل للشيخ المفيد)
فهل هنا نعتبر وصم الإمام عليه السلام لعائشة بأنها شيطان تبجيلاً وتقديرًا وحفاوة؟
• بعد أن انتصر أمير المؤمنين عليه السلام وعُقِر الجمل وهربت الناس المؤيدة لعائشة مثل الجرذان ، تقدّم أمير المؤمنين عليه السلام صوب الهودج مع عمار ومحمد ابن أبي بكر «رضوان الله عليهما» فانتهى إلى الهودج وكأنه شوك القنفذ مما فيه من النبل فضربهُ بعصا ثم قال: هييهِ يا حميراء، أردتِ أن تقتليني كما قتلتِ ابن عفان؟
أبهذا أمركِ أو عهد إليكِ رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
استفززتِ الناس وقد فزّوا فألّبتِ بينهم حتى قتل بعضهم بعضا، فقالت: ملكت فاسجح
(راجع آمالي الشيخ المفيد ، مروج الذهب للمسعودي، تاريخ الطبري)
فهل هذا تبجيلاً وتقديرًا وحفاوة؟
• في كلام لأمير المؤمنين «عليه السلام» للأشعث ابن قيس الكندي «لعنه الله« لمّا استشكل على قول أمير المؤمنين عليه السلام "أنني لم أزل مظلومًا من يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وآله". فسأل الأشعث: لماذا لم تجاهد أبي بكر وعمر وعثمان ، ثم جاهدت طلحة والزبير ومعاوية والخوارج ، فيرد عليه أمير المؤمنين بأني لم يكن لي ناصر في زمن أبي بكر وعمر وعثمان ولكن صار عندي أنصار بعد مقتل عثمان فهل رأيت مني حين ذاك فشلاً أو تأخرًا أو جبنـًا أو تقصيرًا في وقعتي يوم البصرة ؟ وهم حول جملهم الملعون من معه ، الملعون من قـُتِل حولهُ ، الملعون من ركبهُ.
(راجع كتاب سليم ابن قيس الهلالي)
فهنا أمير المؤمنين علنـًا على المنبر يقول الملعونة من ركبت الجمل ، فهل هذا إكرامٌ لعائشة؟
• رأى أمير المؤمنين اصحابه وجنوده وهم يهينون عائشة في أثناء المعركة ولم ينههم، فكان جند أمير المؤمنين يخاطبون جند عائشة ويقولون :
«وليّكم عجل بني أمية ، وأمكم خاسرةٌ شقية ، هاويةٌ في فتنةٍ عميّة»
فهل هذا من التبجيل والاحترام؟
وأيضـًا:
عائشُ إن جئتِ لتهزمينا
وتنشـري البــَـرَ لتغلبيـنا
وتقـذفـي الحصبات فـينا
تصادفي ضربـًا وتنكرينا
بالمشرفيات إذا غـَـزيـنا
نسفك من دمائكم ما شينا
فأين الاحترام والتبجيل؟
وأيضا:
إليك إني تابعٌ عليا
وتاركٌ أمكم مـلـيّا
إذ عصت الكتاب والنبيّا
وارتكبت من أمرها فريّا
(راجع تاريخ الطبري ، الجمل للمفيد ، جمهرة النس لابن الكلبي، تاج العروس للزبيدي، وغيرهم)
ألقى سماحة الشيخ ياسر الحبيب حفظه الله ، في يوم الخميس الموافق 29 رمضان 1430 هجرية ، كلمة مفتوحة حضرها جمع غفير من المؤمنين ، ردّ فيها مفنـّدًا تصريحات رجل دين يدعى "راضي الحبيب"، والذي سمّته إحدى الصحف بـ "الداعية الإسلامي" ؛ ووضّح سماحته بأن المذكور هو أحد المحسوبين على الشيعة والتشيّع ، فالشيعة المخلصين والتشيّع النقي منه بَراء ، مبيّنـًا عدم انتماء المذكور إلى أسرة سماحته رغم التشابه في اسم العائلة والانتماء للكويت.
وعلّق سماحته أن كلام "راضي الحبيب" يدل على ضعفه حتى بأصول الإستدلال في ردّه علينا بعد قضية الاحتفال المبارك بهلاك عدوة الله عائشة ، وأضاف قائلا: أن مجرد ذكر كلمة “السيّدة” قبل اسم عائشة هو في حد ذاته يحرق القلب إذا صدرت ممن يدّعي التشيّع ، وقد آلمني وفجعني بعض الشباب الذين يسعون اليوم ليستصدروا فتاوى من بعض المراجع ضدنا بكتابتهم «السيدة عائشة» في صيغة الإستفتاءات التي أعدّوها ليرفعونها إلى بعض المراجع ، فهل عائشة سيّدة في الإسلام؟
كيف تكون المرأة التي تقتل نبي الإسلام “سيّدةً” في الإسلام؟
وإن قيل ما الدليل على أنها قتلت نبي الإسلام قلنا أن هناك أدلة مفصلة ناقشناها في بعض المحاضرات ، كما أن النص واضح من الإمام الصادق عليه السلام لمّا سُئل عن مقتل النبي صلى الله عليه وآله : هل أنه مات أو قُتِل؟ فأجاب بما مضمونه بل قُتِل إنهما سمّتاه ، وذلك نسبةً إلى عائشة وحفصة ، وكانوا أصحاب الإمام جالسين فقالوا : أنهما وأبويهما شرُ مَن خلق الله ، وأقر الإمام ذلك وتقرير المعصوم حجة.
وكيف تكون عائشة “سيّدةً” وهي التي آذت رسول الله وطعنت فيه، وحرّفت دينه، وشوّهت سمعته ، وكذبت عليه بآلاف الأحاديث؟
كيف تكون “سيّدةً” وهي التي أبكت فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام في حياتها وفرحت بوفاتها !؟
كيف تكون “سيّدةً” وهي التي شهرت السيف في وجه عليٍ أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسجدت فرحًا يوم استشهاده؟
كيف تكون “سيّدةً” وهي التي رمت جنازة الإمام الحسن – سبط رسول الله– بالنبال؟
وكم من الجرائم يمكن لنا أن نعدد لعائشة ؟
ومع هذا كله يأتي شيعي يقول أنا انتسب لآل محمد عليهم السلام ، ويصف عائشة بالسيّدة! ، هذه كلمةٌ تجعل جهنم تشهق وتزفر حتى تستقبل هذا الذي يصف هذه المرأة المجرمة بأنها “سيّدة”.
فقد نعذر من يصف هذه المرأة بأنها «أم المؤمنين» بأن نقول: لعله لم يطلع على الروايات التي جرّدت عائشة من هذا اللقب ، وإحداها رواية عن إمامنا صاحب العصر صلوات الله عليه مفادها أنها قد أسقِطت عن شرف أمومة المؤمنين ، ولعله لم يطلع على شرائط أمومة المؤمنين فيتصور أن لقب «أم المؤمنين» ينطبق عليها بما أنها قد تزوجت النبي صلى الله عليه وآله.
فهذه ليست ثقافةً شيعية ، هات لنا أحدًا من أئمتنا عليهم السلام وصف عائشة بالسيدة.
وأضاف أيضًا بأن صاحب الشأن الذي نحن في صدد الرد عليه ، والذي علّق علينا بعد احتفالنا بهلاك عائشة ، يريد أن يقول أن عائشة معصومة من الزنا ، فانظروا إلى مبناه اللطيف وهو أنك إذا لا تقول بأن عائشة معصومة من الزنا فهذا يُحدث خلل في عصمة زوج عائشة ! ، والربط بين ذلك أن طهارة الذرية النبوية قائمةٌ على طهارة النسب ، فيلزم أن تكون ذرية الأنبياء طاهرة ومن غير المعقول أن تكون ذرية النبي غير طاهرة ، وبما أن الأمر هكذا فلابد أن تكون الزوجات "جميعا" معصومات من الزنا وإلا لا يتحقق أمر طهارة النسب!
وعلّق سماحة الشيخ الحبيب بأن هذا استدلال جاهل إلى أبعد الحدود ، ويكفي ردًا لهذا كلمة واحدة أن عائشة لم تلد للنبي صلى الله عليه وآله ، كما أن إمرأة نوح وإمرأة لوط لم تلدا للنبيين صلوات الله عليهما ، وإنما يتم هذا الكلام “إن سلّمنا بهذا المبنى” في من ولدت واتخذها النبي وعاءًا طاهرًا حتى يستولدها لتلد له خليفته من بعده مثلاً أو النبي من بعده فهنا يكون هذا صحيح، لوجود نص يقول «الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة» نسبةً إلى من حملوا هؤلاء المعصومين من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، وليس مطلقـًا لأي زوجة ، فلابد أن تلد أولاً حتى تثبت أنها طاهرة ولم تزن فإن "طهارة المولد" هي التي نرتب عليها طهارة الأم التي ولدت ولا يمكن الحكم بالإطلاق، وحتى لو تنزلنا فرضـًا وقلنا مثلاً أنه في الفترة التي تكون فيها الزوجية قائمة بين الطرفين فإنها تعصم من الزنا مثلاً فأن هذه القاعدة تتم في زمان بقائهن زوجاتٍ للأنبياء ، أمّا ما بعد فكلا.
فكيف إذا كان عندنا دليلٌ صريح وصحيح من أئمتنا في «الكافي» ينسف هذا الإستدلال جملة وتفصيلاً؟
حيث ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله تزوج امرأة من بني عامر بن صعصعة يقال لها "سنى" وكانت من أجمل أهل زمانها فلما نظرت إليها عائشة وحفصة قالتا: لتغلبنا هذه على رسول الله صلى الله عليه وآله بجمالها فقالتا لها: لا يرى منك رسول الله صلى الله عليه وآله حرصا فلما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله تناولها بيده فقالت: أعوذ بالله فانقبضت يد رسول الله صلى الله عليه وآله عنها فطلقها وألحقها بأهلها وتزوج رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة من كندة بنت أبي الجون فلما مات أبراهيم بن رسول اله صلى الله عليه وآله ابن مارية القبطية قالت: لو كان نبيا ما مات ابنه فألحقها رسول الله صلى الله عليه وآله بأهلها قبل أن يدخل بها فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وولى الناس أبوبكر أتته العامرية والكندية وقد خطبتا فاجتمع أبو بكر وعمر فقالا لهما: اختارا إن شئتما الحجاب وإن شئتما الباه فاختارتا الباه فتزوجتا فجذم أحد الرجلين وجن الآخر
قال عمر ابن اذينة: فحدثت بهذا الحديث زرارة والفضيل فرويا عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: ما نهى الله عز وجل عن شئ إلا وقد عصى فيه حتى لقد نكحوا أزواج النبي صلى الله عليه وآله من بعده وذكر هاتين العامرية والكندية ، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): لو سألتهم عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لابنه؟ لقالوا: لا فرسول الله صلى الله عليه وآله أعظم حرمة من آبائهم.
(الكافي/ج5/ص421)
فماذا نفعل مع واحد مثل هذا يضع على نفسهِ عِمّةً ولا يعلم ماذا قال أئمته الذين يزعم أنه يقتدي بهم؟
فالإمام هنا يصرّح: «لقد نكحوا أزواج رسول الله من بعده» ، وهنا فلندع عائشة عنـّا ونتأمل في الأخريات اللواتي تزوّجن من بعده ، بعد أن أباحت الزواج لهن حكومة أبي بكر وعمر ، فتزوجت قتيلة بنت قيس الكندية بعكرمة ابن أبي جهل ، كما يرد الإمام عليه السلام على حجة المخالفين القائلة بأن رسول الله قد طلّق هؤلاء النسوة أو لم يدخل بهن فيجوز لهن الزواج من بعده ، فيبيّن الإمام عليه السلام لهم لو أن رجلاً تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لإبنه؟
ليؤكد بعد ذلك الحرمة الأبدية وأنه لا يجوز استحلال فروج أزواج النبي وإن كنّ مطلقات وإن كنّ لم يدخل بهن ، ويضيف الإمام أن رسول الله أعظم حرمةً من أبائهم إن كانوا مؤمنين وأولى بهم من أنفسهم.
فحسب فقه آل محمد صلوات الله عليهم يعد هذا الزواج باطلاً وهو تدنيس لتلك الأرحام ، وهو مساوقٌ للزنا فالعقد غير شرعي من الأصل كمن يعقد على أمه أو أخته ، فهل هذا يعد زواجًا أم زنا؟
الجواب هذا زنا لأن العقد ليس مباحًا في الشريعة ، فكذلك الأمر لهاتين الزوجتين ، والقضية ثابتة ويقر بها المخالفين بأن بعض أزواج النبي تزوجن من بعده ، إلا أن مبرر الزواج لا يقبله أهل البيت عليهم السلام لتصحيح تلك الأنكحة ، فإذن أنت إذا تقول أنا موالي لأهل البيت وألتزم بتعاليم أهل البيت وفقه أهل البيت عليهم السلام وتدّعي بأنك تتبع أهل البيت فعليك أن تلتزم بموقفهم فهم قد ثبـّـتوا هنا وفي روايات صحيحة وثابتة وواردة في أصح مصادرنا وهي «الكافي» بأن هؤلاء النسوة قد ارتكبن الفاحشة من بعد رسول الله ، ولندع عائشة جانبًا كما أسلفنا ، ولنثبـّت حقيقة أن هذا الأمر ينقض تأويلات وخزعبلات وأوهام "راضي الحبيب" التي لا يمكن أن تنهض أمام هذا النص العقائدي لما ثبت بالدليل القاطع ؛ ناهيك عن وجود روايات مشهورة وقوية السند في أن ابن نوح لم يكن ابن نوح وإنما كان ابن زوجتهِ.
وتابع سماحة الشيخ في تعليقه أن العصمة ليست جبرية ، مضيفـًا أن هذا الجاهل لا يعرف معنى العصمة فهو يصرّح بنقيض العصمة والتي تأتي عن طريق الاستحقاق إلى جانب أنها قوة في العقل تمنع صاحبها من أن يلج في المعصية بلطف من الله ، فالمعصوم عَصَمَ نفسه لأنه نجح في الاختبار الأول في عالم الأنوار فكان أول من أجاب ببلى لمّا أشهد الله على الخلق أنفسهم هو رسول الله فوهبه الله العصمة مكافئةً لهُ ، فالعصمة تأتي بطريق الإستحقاق من جهة وبطريق التفضل والمنّ الإلهي واللطف من جهةٍ أخرى ، فهنا عائشة مثلاً أو النساء الفاسدات من أزواج الأنبياء أو أزواج الأئمة "حيث كان الكثير منهن فاسدات" بأيّ استحقاق وبأيّ من وبأيّ لطف الذي يسوّغ أن الله يعصمهم ويعطيهم ملكة العصمة؟
ثم أن العصمة لا تنفك ، فالعصمة ملكة فإذا هي تعصم نفسها من الزنا عصمة حقيقية ، كذلك تعصم نفسها من كل الخطايا الأخرى، فإذا الله يعصمهن من الزنا أي يمنعهن قهرًا من الزنا مع إرادتهن الزنا فهذا إلهٌ ظالم والعياذ بالله، وبهذا يكون هنالك حجة للمرأة الزانية للاحتجاج على الله فتقول: يا إلهي أنا أردت الزنا فلم تعصمني ، أمّا هذه المرأة الأخرى أرادت الزنا وأنت عصمتها، فما الفرق بيني وبينها سوى أن تلك زوّجتها نبيـّك وأنا لم تزوجني نبيّـك؟ فلماذا تعاقبني وتلقيني في جهنم ؟ لماذا حرمتني من أن تزوجني نبيّك؟
وتسائل سماحة الشيخ الحبيب ماذا علينا أن نفعل مع من لا يعرف المباني الرجالية ، والقواعد الكلامية ، ويأتي ويتكلم بمثل هذا الكلام؟
واستطرد أن قضية زنا عائشة بعد النبي صلى الله عليه وآله مبنية على روايات نصية صريحة وصحيحة وموثقة ومشهورة ومستفيضة لأهل البيت وهي ليست خزعبلات وتأويلات وأوهام ، فعلى أي أساس يرمي كل ذلك بأنه خزعبلات وتأويلات وأوهام دون أن ينظر ويتعلم؟
وما دخل قضية «عصمة الأنبياء» بما لو أن زوجة من زوجات الأنبياء زنت بعد رحيل زوجها فإن هذا يهدم أصل عصمة النبي؟!
ما دخل هذا بهذا، ما هذا الكلام السخيف؟
ثم تطرّق سماحته إلى الفقرة الأخيرة التي يزعم فيها المذكور أن أمير المؤمنين عليه السلام أكرم عائشة بكل حفاوةٍ وتقديرٍ وتبجيلٍ في ظروف الحرب عنده في واقعة الجمل!
وتسائل الشيخ الحبيب هل أن المذكور لم يطلع على الحقائق التاريخية المتداولة المشهورة في كتب التاريخ عندنا وعند أهل الخلاف على السواء ، كما لم يطلع على القواعد الكلامية ولم يطلع على بعض روايات أهل البيت عليهم السلام في قضايا زوجات الأنبياء صلوات الله عليهم؟
حيث يروي التاريخ كيف تعامل أمير المؤمنين عليه السلام مع عائشة في ظروف الحرب ، حيث أهانها وذمها وأذلها، ونقل سماحته نماذج من النصوص التاريخية الواردة في ظروف الحرب:
• في بداية الحرب أخذت عائشة كفـًا من حصى فحصبت به عليـًا وأصحاب علي عليه السلام وصاحت بأعلى صوتها: شاهت الوجوه ، فقال عليه السلام: وما رميتِ إذ رميتِ يا عائشة ولكن الشيطان رمى، وليعودن وبالكِ عليكِ إن شاء الله.
(راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ، الفتوح لابن أعثم الكوفي ، الجمل للشيخ المفيد)
فهل هنا نعتبر وصم الإمام عليه السلام لعائشة بأنها شيطان تبجيلاً وتقديرًا وحفاوة؟
• بعد أن انتصر أمير المؤمنين عليه السلام وعُقِر الجمل وهربت الناس المؤيدة لعائشة مثل الجرذان ، تقدّم أمير المؤمنين عليه السلام صوب الهودج مع عمار ومحمد ابن أبي بكر «رضوان الله عليهما» فانتهى إلى الهودج وكأنه شوك القنفذ مما فيه من النبل فضربهُ بعصا ثم قال: هييهِ يا حميراء، أردتِ أن تقتليني كما قتلتِ ابن عفان؟
أبهذا أمركِ أو عهد إليكِ رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
استفززتِ الناس وقد فزّوا فألّبتِ بينهم حتى قتل بعضهم بعضا، فقالت: ملكت فاسجح
(راجع آمالي الشيخ المفيد ، مروج الذهب للمسعودي، تاريخ الطبري)
فهل هذا تبجيلاً وتقديرًا وحفاوة؟
• في كلام لأمير المؤمنين «عليه السلام» للأشعث ابن قيس الكندي «لعنه الله« لمّا استشكل على قول أمير المؤمنين عليه السلام "أنني لم أزل مظلومًا من يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وآله". فسأل الأشعث: لماذا لم تجاهد أبي بكر وعمر وعثمان ، ثم جاهدت طلحة والزبير ومعاوية والخوارج ، فيرد عليه أمير المؤمنين بأني لم يكن لي ناصر في زمن أبي بكر وعمر وعثمان ولكن صار عندي أنصار بعد مقتل عثمان فهل رأيت مني حين ذاك فشلاً أو تأخرًا أو جبنـًا أو تقصيرًا في وقعتي يوم البصرة ؟ وهم حول جملهم الملعون من معه ، الملعون من قـُتِل حولهُ ، الملعون من ركبهُ.
(راجع كتاب سليم ابن قيس الهلالي)
فهنا أمير المؤمنين علنـًا على المنبر يقول الملعونة من ركبت الجمل ، فهل هذا إكرامٌ لعائشة؟
• رأى أمير المؤمنين اصحابه وجنوده وهم يهينون عائشة في أثناء المعركة ولم ينههم، فكان جند أمير المؤمنين يخاطبون جند عائشة ويقولون :
«وليّكم عجل بني أمية ، وأمكم خاسرةٌ شقية ، هاويةٌ في فتنةٍ عميّة»
فهل هذا من التبجيل والاحترام؟
وأيضـًا:
عائشُ إن جئتِ لتهزمينا
وتنشـري البــَـرَ لتغلبيـنا
وتقـذفـي الحصبات فـينا
تصادفي ضربـًا وتنكرينا
بالمشرفيات إذا غـَـزيـنا
نسفك من دمائكم ما شينا
فأين الاحترام والتبجيل؟
وأيضا:
إليك إني تابعٌ عليا
وتاركٌ أمكم مـلـيّا
إذ عصت الكتاب والنبيّا
وارتكبت من أمرها فريّا
(راجع تاريخ الطبري ، الجمل للمفيد ، جمهرة النس لابن الكلبي، تاج العروس للزبيدي، وغيرهم)