نووورا انا
20-10-2010, 07:25 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإمام الرِّضا عليه السَّلام والتخطيط لدولة المهديّ
إبراهيم الأنصاري
المقدّمـة
قبل الورود في الحديث ينبغي ذكر أربعة أمور اعتقادية لها أهميَّة قصوي وهي:
ألف: نعتقد أن هناك قضاءا إلهياً بالنسبة إلى جميع الأمور وهي ثابته لا تختلف ولا تتخلَّف وهي حقيقة واحدة ويطلق عليها الأمر {وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}(القمر/50).ً
ب: نعتقد أيضاً أنّ هناك قَدَرا يتغير طبقا للسنن الحاكمة على الكون، والإنسان كفردٍ أو كأمّة له دور مهم فى تغييرها {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}(القمر/49).ً
ج: أن هناك غاية نورانية للخلق وهي عند خروج الإمام الثاني عشر المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف حين تمكين الدين على الأرض وإظهاره على الدين كله ولو كره الكافرون.
د: إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم والأئمة عليهم السلام يعلمون كل ما كان وما يكون إلى يوم القيامة وعلى أساس هذا العلم المستقبلي ينبغي أن تُفَسَّر جميع مواقفهم تجاه أيِّ قضيةٍ من القضايا وفي أي مجال كان سواء القولي أو العملي وحتى سكوتهم، ذلك حيث أنَّهم لا ينطقون ولا يفعلون عن الهوى.
الهجرة التأريخيَّة
هناك هجرة عظيمة ومباركة حقَّقها ثامن الحجج إمامنا أبو الحسن الرضا عليه السلام لها حكمةٌ وسرٌّ ما وراء الظاهر والشهود سواء عرفنا نحن القُصَّر تلك الحكمة أم لم نعرفها.
تلك الحركة كان لها التأثيرُ العميق في المجتمع الإسلامي آن ذاك واستمر انبثاق نورها وانتشار فروعها إلى يومنا هذا وسوف تستمرّ إلى أن تصل إلى غايتها القصوى كما لهجرة الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكَّة إلى كربلاء، ففي الحقيقة نفس الخط الحسيني قد تكرر وبشكلٍ آخر من أحد أولاده ألا وهو الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام.
التمهيد لدولة المهدي
عندما نتعمَّق في فلسفة بعث الرسل وإنزال الكتب وهي التمهيد لتطبيق الشريعة الإسلامية على الأرض كلها حتى "يملأ الله به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا" نعرف أنَّ جميع مواقف أئمتنا عليهم السلام تنصب في تلك الغاية المتوقعة وذلك الهدف المنتظَر فلا حركة ولا سكون من إمام معصوم إلا وهو ينطلق من تلك الغاية الإلهية وهى {..لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(التوبة/33).
فالحسين لم يُحقِّق الثورة الكربلائيَّة إلا لأجل أن يُحقق ذلك الهدف وليست ثورته عليه السلام إلاّ مفردة من المفردات التِّي تنصبُّ في ذلك الهدف النهائي (وقد شرحنا هذا الأمر في حديثنا عن العلاقة بين ثورة الحسين وثورة المهدى فراجع).
ونفس الكلام ينطبق على هجرة الإمام الرضا عليه السلام فتلك الهجرة لم تكن تستهدف غير ذلك أعني تمكين الدين على الأرض ولم تكن تنطلق إلاّ من نفس المنهج الإلهي المقدس.
المدرسة الخراسانية
عندما نلاحظ مدى تأثير هجرة الإمام الرضا عليه السلام من زاويتين نظرية وعملية نصل إلى حقيقة هذا الأمر.
فمن زاوية نظرية :
قد أسس عليه السلام مدرسة متكاملة في طوس حيث الأرضية الخصبة التي استغلها عليه السلام في تغيير الأمة التي لم تكن تحظى بالولاء لعلي عليه السلام فجعلها من أبرز الأمم من ناحية الولاء والتبعية لخط أمير المؤمنين عليه السلام.
مضافاً إلى مدفن تلك البضعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبته النورانية التي هي قبلة العشاق وانبثاق ذلك النور من أبعد البلاد على البسيطة كلها.
ومن ناحية ثانية وجود السيدة فاطمة المعصومة في أرض قم القيام، ودفنها هناك، ومن ثم تأسيس حوزة مباركة متميزة ومدرسة إسلامية عظيمة، تلك المدرسة التي أطاحت النظام الملكي الملحد ورمته في سلة المهملات، وأبدلته بنظام إسلامي أصيل يبتنى على الولاية العظمى، ذلك النظام الذي هو بداية لدولة المهدى المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف..
فلولا تلك الهجرة للإمام عليه السلام لم تكن السيدة معصومة فاطمة تأتى إلى أرض إيران ولم تتحقق كل تلك المنجزات والنتائج.
فالنتيجة كانت ضمن القضاء الإلهي الذي يكون علمه لدى الأئمة عليهم السلام ولم تكن القضية عشوائية من غير تخطيط.
ثم لم يقتصر الأمر على ذلك بل توسع ذلك النور حيث خروج عدد كبير من أولاد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام واستقرارهم في مناطق مختلفة من تلك البلدة المباركة واستشهادهم هناك.
وعلى أثر ذلك نشوء جيل ولائي منتمى إليهم في كل شبرٍ من تلك الأرض المقدَّسة، حيث تواجد الأرضيَّة الخصبة في مثل هذه الأمة التي ارتبطت بذلك الإمام الغريب الشهيد، واستغلال تلك الروح من قبل شخصية قد أخبر عنها في الحديث التالي :
(عن علي بن عيسى، عن أيوب بن يحيى الجندل، عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: رجل من أهل قم يدعوا الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف، ولا يملون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين.)
هذا ما نشاهده الآن من آثار تلك الهجرة العظيمة وأما آثارها المستقبلي الذي سوف يظهر أبان خروج المهدى وقبله فيتطلب حديثا طويلا ليس هنا مجال للتطرق إليه . فإن الرايات السود في خراسان لها دور أساسي في حركة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
السلسلة الذهبية
هذه الحقيقة ظاهرة في موقف الإمام عند سماع قصيدة دعبل الخزاعي العظيمة كما في الحديث التالي:
( عن علي ، عن أبيه ، عن الهروي قال : سمعت دعبل ابن علي الخزاعي يقول : أنشدت مولاي علي بن موسى الرضا عليه السلام قصيدتي التي أولها :
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
فلما انتهيت إلى قولي :
خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات
بكى الرضا عليه السلام بكاء شديدا ثم رفع رأسه إلي فقال لي : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الامام ؟ ومتى يقوم ؟ فقلت : لا يا مولاي ، إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الارض من الفساد ويملاها عدلا ، فقال : يا دعبل الامام بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره ، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملاها عدلا كما ملئت جورا )
ومن ناحية أخرى ففي بداية الورود إلى نيسابور وبيان السلسلة الذهبيةونص الحديث كالتالي: استطاع عليه السلام أن يثبت أمورا كثيرة في أذهان الأمة سوف نشير إلى بعضها بعد بيان الحديث
((عن على عن أبيه عن يوسف بن عقيل عن اسحاق بن راهويه قال: لما وافى أبو الحسن الرضا عليه السلام نيسابور وأراد أن يرحل منها إلى المأمون اجتمع اليه أصحاب الحديث فقالوا له: يا ابن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك. وقد كان قعد في العماريه، فأطلع رأسه وقال سمعت أبي موسى بن جعفر يقول سمعت أبي جعفر بن محمد يقول سمعت أبي محمد بن على يقول سمعت أبي على بن الحسين يقول سمعت أبي الحسين بن على يقول سمعت أبي أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول سمعت جبرئيل عليه السلام يقول سمعت الله جل وعز يقول: "لا إله إلاّ الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي"، فلما مرت الراحله نادانا "بشروطها وأنا من شروطها") (البحار ج49 ص123 روايه4 باب11)
فلنذكر قسما منها:
1 ربط السلسلة إلى الله سبحانه يدلنا على أن كلام المعصومين هو كلام الله سبحانه وأنهم عليهم السلام لا ينطقون عن الهوى إن كلامهم وحي يوحى.
2 التعريف على أشخاص وأسماء أجداده عليهم السلام بالتفصيل.
3 أن التوحيد الحقيقي إنما هو نابع من خط أهل البيت عليهم السلام .
4 أهمية الولاية حيث أنه قد ورد في الحديث أن "لما مرت الراحلة نادانا "، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على عظمة الأمر وأهمية الموقف، وهو مُشاهد في كثير من أحاديث أئمتنا عليهم السلام. وكان هذا الأمر له دور فى نشر الفكرة، أعنى الولاية، في جميع الأرجاء، لأن المحدثين كان لهم أهم الأدوار الإعلامية، كالإذاعات في زماننا، قد جمعتهم الدولة العباسية العالمية حول الإمام باعتبار أنه عليه السلام ذاهب إلى طوس لأجل أن يستلم منصب الوزارة وولاية العهد، وقد اجتمع مئات الألوف من الناس حول الإمام الرضا عليه السلام و20 ألف من الكتاب كتبوا الحديث وقد اشترك في ذلك الجمع أصحاب العقائد المختلفة كافة من المرجئة والمعتزلة، ففوجئوا بهذا الشرط..
واللطيف أنه عليهم السلام يركز على نفسه لا مفهوم الوالي الذي ربما يطبق على المأمون، بل يقول "أنا من شروطها"، فيؤكد عليه السلام الحديث المعروف بأن "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية"
وهذا موقف حاسم ضد شخص الوالي أعني المأمون وذلك قبل وروده إلى طوس..
ونفس القضية صدرت عن الإمام الباقر عليه السلام:
(روي أن رجلاً أتى أبا جعفر عيه السلام فسأله عن الحديث الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة"الخبر حق. فولى الرجل مدبراً، فلما خرج أمر برده، ثم قال: يا هذا إن للا إله إلا الله شروطاً ألا وإنّي من شروطها) (البحار ج3 ص13 روايه28 باب1) فقال أبو جعفر عليه السلام:
وهناك حديث آخر يؤكد هذا الشرط بالصراحة وهو ما في الحديث التالي:
(على بن موسى الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللوح عن القلم عن الله تعالى قال: ولاية عليّ حصني من دخله أمن ناري).
فتجسُّم لا إله إلا الله هو ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام..
الإمام الرضا عليه السلام والحج
روي عن الصادق عليه السلام أربعة بقاع من الأرض ضجّت إلى الله تعالى في أيام طوفان نوح من استيلاء الماء عليها، فرحمها الله تعالى وأنجاها من الغرق، وهي البيت المعمور فرفعها الله إلى السماء والغري وكربلاء وطوس
(عن محمد بن سليمان قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل حج حجة الإسلام فدخل متمتعا بالعمرة إلى الحج فأعانه الله تعالى على حجه وعمره، ثم أتى المدينة فسلّم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أتى أباك أمير المؤمنين عليه السلام عارفاً بحقه يعلم أنه حجة الله على خلقه وبابه الذي يؤتى منه فسلم عليه، ثم أتى أبا عبد الله عليه السلام فسلم عليه، ثم أتى بغداد فسلم على أبي الحسن موسى عليه السلام، ثم انصرف إلى بلاده، فلما كان في هذا الوقت رزقه الله تعالى ما يحج به، فأيُّهما أفضل هذا الذي حج حجة الإسلام يرجع أيضا فيحج أو يخرج إلى خراسان إلى أبيك علي بن موسى الرضا عليه السلام فيسلم عليه؟ قال: بل يأتي خراسان فيسلم على أبى عليه السلام أفضل وليكن ذلك في رجب ولا ينبغي أن تفعلوا هذا اليوم فإن علينا وعليكم من السلطان شنعه).
(ما رواه الشيخ رحمه الله في باب الزيارات من التهذيب أن الرضا عليه السلام قال: إن في أرض خراسان بقعة من الأرض يأتي عليها زمان تكون مهبطاً للملائكة ففي كل وقت ينزل إليها فوج إلى يوم نفخ الصور، فقيل له عليه السلام: وأي بقعة هذه؟ فقال: هي أرض طوس وهي والله روضة من رياض الجنة الخ..).
أبو نواس
(أحمد بن يحيى المكتب عن أحمد بن محمد الوراق عن علي بن هارون الحميري عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال إن المأمون لما جعل علي بن موسى الرضا عليه السلام ولى عهده وأن الشعراء قصدوا المأمون ووصلهم بأموال جمة حين مدحوا الرضا عليه السلام وصوبوا رأي المأمون فى الأشعار دون أبى نواس فإنه لم يقصده ولم يمدحه ودخل إلى المأمون فقال له: يا أبا نواس قد علمت مكان علي بن موسى الرضا مني وما أكمته به، فلماذا أخرت مدحه وأنت شاعر زمانك وقريع دهرك فأنشأ يقول:
قيل لي أنت أوحد الناس طرا في فنون من الكلام النبيه
لك من جـوهر الكلام بديـع يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح ابن موسى والخصال التي تجمعن فيه
قلت لا أهتـدي لمـدح إمـام كان جبريل خادما لأبيـه
فقال له المأمون: أحسنت ووصله من المال بمثل الذى وصل به كافة الشعراء وفضله عليهم) (البحار ج49 ص235 روايه3 باب17)
الإمام الرِّضا عليه السَّلام والتخطيط لدولة المهديّ
إبراهيم الأنصاري
المقدّمـة
قبل الورود في الحديث ينبغي ذكر أربعة أمور اعتقادية لها أهميَّة قصوي وهي:
ألف: نعتقد أن هناك قضاءا إلهياً بالنسبة إلى جميع الأمور وهي ثابته لا تختلف ولا تتخلَّف وهي حقيقة واحدة ويطلق عليها الأمر {وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}(القمر/50).ً
ب: نعتقد أيضاً أنّ هناك قَدَرا يتغير طبقا للسنن الحاكمة على الكون، والإنسان كفردٍ أو كأمّة له دور مهم فى تغييرها {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}(القمر/49).ً
ج: أن هناك غاية نورانية للخلق وهي عند خروج الإمام الثاني عشر المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف حين تمكين الدين على الأرض وإظهاره على الدين كله ولو كره الكافرون.
د: إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم والأئمة عليهم السلام يعلمون كل ما كان وما يكون إلى يوم القيامة وعلى أساس هذا العلم المستقبلي ينبغي أن تُفَسَّر جميع مواقفهم تجاه أيِّ قضيةٍ من القضايا وفي أي مجال كان سواء القولي أو العملي وحتى سكوتهم، ذلك حيث أنَّهم لا ينطقون ولا يفعلون عن الهوى.
الهجرة التأريخيَّة
هناك هجرة عظيمة ومباركة حقَّقها ثامن الحجج إمامنا أبو الحسن الرضا عليه السلام لها حكمةٌ وسرٌّ ما وراء الظاهر والشهود سواء عرفنا نحن القُصَّر تلك الحكمة أم لم نعرفها.
تلك الحركة كان لها التأثيرُ العميق في المجتمع الإسلامي آن ذاك واستمر انبثاق نورها وانتشار فروعها إلى يومنا هذا وسوف تستمرّ إلى أن تصل إلى غايتها القصوى كما لهجرة الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكَّة إلى كربلاء، ففي الحقيقة نفس الخط الحسيني قد تكرر وبشكلٍ آخر من أحد أولاده ألا وهو الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام.
التمهيد لدولة المهدي
عندما نتعمَّق في فلسفة بعث الرسل وإنزال الكتب وهي التمهيد لتطبيق الشريعة الإسلامية على الأرض كلها حتى "يملأ الله به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا" نعرف أنَّ جميع مواقف أئمتنا عليهم السلام تنصب في تلك الغاية المتوقعة وذلك الهدف المنتظَر فلا حركة ولا سكون من إمام معصوم إلا وهو ينطلق من تلك الغاية الإلهية وهى {..لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(التوبة/33).
فالحسين لم يُحقِّق الثورة الكربلائيَّة إلا لأجل أن يُحقق ذلك الهدف وليست ثورته عليه السلام إلاّ مفردة من المفردات التِّي تنصبُّ في ذلك الهدف النهائي (وقد شرحنا هذا الأمر في حديثنا عن العلاقة بين ثورة الحسين وثورة المهدى فراجع).
ونفس الكلام ينطبق على هجرة الإمام الرضا عليه السلام فتلك الهجرة لم تكن تستهدف غير ذلك أعني تمكين الدين على الأرض ولم تكن تنطلق إلاّ من نفس المنهج الإلهي المقدس.
المدرسة الخراسانية
عندما نلاحظ مدى تأثير هجرة الإمام الرضا عليه السلام من زاويتين نظرية وعملية نصل إلى حقيقة هذا الأمر.
فمن زاوية نظرية :
قد أسس عليه السلام مدرسة متكاملة في طوس حيث الأرضية الخصبة التي استغلها عليه السلام في تغيير الأمة التي لم تكن تحظى بالولاء لعلي عليه السلام فجعلها من أبرز الأمم من ناحية الولاء والتبعية لخط أمير المؤمنين عليه السلام.
مضافاً إلى مدفن تلك البضعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبته النورانية التي هي قبلة العشاق وانبثاق ذلك النور من أبعد البلاد على البسيطة كلها.
ومن ناحية ثانية وجود السيدة فاطمة المعصومة في أرض قم القيام، ودفنها هناك، ومن ثم تأسيس حوزة مباركة متميزة ومدرسة إسلامية عظيمة، تلك المدرسة التي أطاحت النظام الملكي الملحد ورمته في سلة المهملات، وأبدلته بنظام إسلامي أصيل يبتنى على الولاية العظمى، ذلك النظام الذي هو بداية لدولة المهدى المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف..
فلولا تلك الهجرة للإمام عليه السلام لم تكن السيدة معصومة فاطمة تأتى إلى أرض إيران ولم تتحقق كل تلك المنجزات والنتائج.
فالنتيجة كانت ضمن القضاء الإلهي الذي يكون علمه لدى الأئمة عليهم السلام ولم تكن القضية عشوائية من غير تخطيط.
ثم لم يقتصر الأمر على ذلك بل توسع ذلك النور حيث خروج عدد كبير من أولاد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام واستقرارهم في مناطق مختلفة من تلك البلدة المباركة واستشهادهم هناك.
وعلى أثر ذلك نشوء جيل ولائي منتمى إليهم في كل شبرٍ من تلك الأرض المقدَّسة، حيث تواجد الأرضيَّة الخصبة في مثل هذه الأمة التي ارتبطت بذلك الإمام الغريب الشهيد، واستغلال تلك الروح من قبل شخصية قد أخبر عنها في الحديث التالي :
(عن علي بن عيسى، عن أيوب بن يحيى الجندل، عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: رجل من أهل قم يدعوا الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف، ولا يملون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين.)
هذا ما نشاهده الآن من آثار تلك الهجرة العظيمة وأما آثارها المستقبلي الذي سوف يظهر أبان خروج المهدى وقبله فيتطلب حديثا طويلا ليس هنا مجال للتطرق إليه . فإن الرايات السود في خراسان لها دور أساسي في حركة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
السلسلة الذهبية
هذه الحقيقة ظاهرة في موقف الإمام عند سماع قصيدة دعبل الخزاعي العظيمة كما في الحديث التالي:
( عن علي ، عن أبيه ، عن الهروي قال : سمعت دعبل ابن علي الخزاعي يقول : أنشدت مولاي علي بن موسى الرضا عليه السلام قصيدتي التي أولها :
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
فلما انتهيت إلى قولي :
خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات
بكى الرضا عليه السلام بكاء شديدا ثم رفع رأسه إلي فقال لي : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الامام ؟ ومتى يقوم ؟ فقلت : لا يا مولاي ، إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الارض من الفساد ويملاها عدلا ، فقال : يا دعبل الامام بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره ، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملاها عدلا كما ملئت جورا )
ومن ناحية أخرى ففي بداية الورود إلى نيسابور وبيان السلسلة الذهبيةونص الحديث كالتالي: استطاع عليه السلام أن يثبت أمورا كثيرة في أذهان الأمة سوف نشير إلى بعضها بعد بيان الحديث
((عن على عن أبيه عن يوسف بن عقيل عن اسحاق بن راهويه قال: لما وافى أبو الحسن الرضا عليه السلام نيسابور وأراد أن يرحل منها إلى المأمون اجتمع اليه أصحاب الحديث فقالوا له: يا ابن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك. وقد كان قعد في العماريه، فأطلع رأسه وقال سمعت أبي موسى بن جعفر يقول سمعت أبي جعفر بن محمد يقول سمعت أبي محمد بن على يقول سمعت أبي على بن الحسين يقول سمعت أبي الحسين بن على يقول سمعت أبي أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول سمعت جبرئيل عليه السلام يقول سمعت الله جل وعز يقول: "لا إله إلاّ الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي"، فلما مرت الراحله نادانا "بشروطها وأنا من شروطها") (البحار ج49 ص123 روايه4 باب11)
فلنذكر قسما منها:
1 ربط السلسلة إلى الله سبحانه يدلنا على أن كلام المعصومين هو كلام الله سبحانه وأنهم عليهم السلام لا ينطقون عن الهوى إن كلامهم وحي يوحى.
2 التعريف على أشخاص وأسماء أجداده عليهم السلام بالتفصيل.
3 أن التوحيد الحقيقي إنما هو نابع من خط أهل البيت عليهم السلام .
4 أهمية الولاية حيث أنه قد ورد في الحديث أن "لما مرت الراحلة نادانا "، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على عظمة الأمر وأهمية الموقف، وهو مُشاهد في كثير من أحاديث أئمتنا عليهم السلام. وكان هذا الأمر له دور فى نشر الفكرة، أعنى الولاية، في جميع الأرجاء، لأن المحدثين كان لهم أهم الأدوار الإعلامية، كالإذاعات في زماننا، قد جمعتهم الدولة العباسية العالمية حول الإمام باعتبار أنه عليه السلام ذاهب إلى طوس لأجل أن يستلم منصب الوزارة وولاية العهد، وقد اجتمع مئات الألوف من الناس حول الإمام الرضا عليه السلام و20 ألف من الكتاب كتبوا الحديث وقد اشترك في ذلك الجمع أصحاب العقائد المختلفة كافة من المرجئة والمعتزلة، ففوجئوا بهذا الشرط..
واللطيف أنه عليهم السلام يركز على نفسه لا مفهوم الوالي الذي ربما يطبق على المأمون، بل يقول "أنا من شروطها"، فيؤكد عليه السلام الحديث المعروف بأن "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية"
وهذا موقف حاسم ضد شخص الوالي أعني المأمون وذلك قبل وروده إلى طوس..
ونفس القضية صدرت عن الإمام الباقر عليه السلام:
(روي أن رجلاً أتى أبا جعفر عيه السلام فسأله عن الحديث الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة"الخبر حق. فولى الرجل مدبراً، فلما خرج أمر برده، ثم قال: يا هذا إن للا إله إلا الله شروطاً ألا وإنّي من شروطها) (البحار ج3 ص13 روايه28 باب1) فقال أبو جعفر عليه السلام:
وهناك حديث آخر يؤكد هذا الشرط بالصراحة وهو ما في الحديث التالي:
(على بن موسى الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللوح عن القلم عن الله تعالى قال: ولاية عليّ حصني من دخله أمن ناري).
فتجسُّم لا إله إلا الله هو ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام..
الإمام الرضا عليه السلام والحج
روي عن الصادق عليه السلام أربعة بقاع من الأرض ضجّت إلى الله تعالى في أيام طوفان نوح من استيلاء الماء عليها، فرحمها الله تعالى وأنجاها من الغرق، وهي البيت المعمور فرفعها الله إلى السماء والغري وكربلاء وطوس
(عن محمد بن سليمان قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل حج حجة الإسلام فدخل متمتعا بالعمرة إلى الحج فأعانه الله تعالى على حجه وعمره، ثم أتى المدينة فسلّم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أتى أباك أمير المؤمنين عليه السلام عارفاً بحقه يعلم أنه حجة الله على خلقه وبابه الذي يؤتى منه فسلم عليه، ثم أتى أبا عبد الله عليه السلام فسلم عليه، ثم أتى بغداد فسلم على أبي الحسن موسى عليه السلام، ثم انصرف إلى بلاده، فلما كان في هذا الوقت رزقه الله تعالى ما يحج به، فأيُّهما أفضل هذا الذي حج حجة الإسلام يرجع أيضا فيحج أو يخرج إلى خراسان إلى أبيك علي بن موسى الرضا عليه السلام فيسلم عليه؟ قال: بل يأتي خراسان فيسلم على أبى عليه السلام أفضل وليكن ذلك في رجب ولا ينبغي أن تفعلوا هذا اليوم فإن علينا وعليكم من السلطان شنعه).
(ما رواه الشيخ رحمه الله في باب الزيارات من التهذيب أن الرضا عليه السلام قال: إن في أرض خراسان بقعة من الأرض يأتي عليها زمان تكون مهبطاً للملائكة ففي كل وقت ينزل إليها فوج إلى يوم نفخ الصور، فقيل له عليه السلام: وأي بقعة هذه؟ فقال: هي أرض طوس وهي والله روضة من رياض الجنة الخ..).
أبو نواس
(أحمد بن يحيى المكتب عن أحمد بن محمد الوراق عن علي بن هارون الحميري عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال إن المأمون لما جعل علي بن موسى الرضا عليه السلام ولى عهده وأن الشعراء قصدوا المأمون ووصلهم بأموال جمة حين مدحوا الرضا عليه السلام وصوبوا رأي المأمون فى الأشعار دون أبى نواس فإنه لم يقصده ولم يمدحه ودخل إلى المأمون فقال له: يا أبا نواس قد علمت مكان علي بن موسى الرضا مني وما أكمته به، فلماذا أخرت مدحه وأنت شاعر زمانك وقريع دهرك فأنشأ يقول:
قيل لي أنت أوحد الناس طرا في فنون من الكلام النبيه
لك من جـوهر الكلام بديـع يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح ابن موسى والخصال التي تجمعن فيه
قلت لا أهتـدي لمـدح إمـام كان جبريل خادما لأبيـه
فقال له المأمون: أحسنت ووصله من المال بمثل الذى وصل به كافة الشعراء وفضله عليهم) (البحار ج49 ص235 روايه3 باب17)