مسلم جميل جبر
22-10-2010, 01:42 PM
حركة الشهيد الصدر واللحظة التأريخية في مواجهة الاستبداد
هذه مقالة الى الاستاذ شمخي جبر
قبل ايام حلت الذكرى الثانية عشرة لاستشهاد السيد الصدر، فهل جاءت مقالتي هذه متأخرة عن المناسبة فأن كانت كذلك فأني اردت تتبع خطى من قال بعد استشهاد السيد الصدر (ان حزني عليه يبدأ حين ينتهي حزن الاخرين)لهذا لاتقع مقالتي هذه في الحقل الاحتفالي بل في حقل الدعوة لاستلهام العبر والدروس من حركة السيد الصدر، ومراجعتها وبحثها ودراستها لانها تشكل لحظة تاريخية مهمة في نضال شعبنا في مواجهة الدكتاتورية والاستبداد.المرجع المجدد والقائد الميدان الذي الهم الجماهير روح التصدي والتحدي وازال الخوف من القلوب والارواح قدم تصورا عن القيادة الاسلامية والمرجعية، عبر التجربة العملية التي قدم نفسه من خلالها كقائد، وجسد كل هذا ليس بالقول بل بالفعل والسلوك والدور. كانت خطاباته توجه الى ابسط الناس ، فحصلت رسالته على التبني من قبل متلقيه بشكل اثار الاعجاب،ولو قارنا الفترة الزمنية التي شغلها تحركه الى يوم استشهاده لوجدنا انها لايمكن مقارنتها مع مااحدثه في الارواح والقلوب من اثر وماشكله من تحد في وجه اعتى الدكتاتوريات في العالم.ففي مدة قصيرة استطاع ان يعبئ ويحشد الشارع العراقي بكل تنوعاته السياسية والاجتماعية باتجاه مقاومة النظام والتمرد عليه، اذ كانت كلماته تسري بين الحشود كالنار في الهشيم .
استثمر الصدر الاوضاع الدولية بخاصة تلك المتعلقة بالعراق لصالح مشروعه التغييري الشعبي ، كما استثمر الفراغ السياسي الذي خلقه النظام من اي تيار او حركة او شخصية معارضة سواء كانت دينية او وطنية، فكان بديلا ملأ الفراغ الذي لم يستطع ان يملأه اي صوت معارض اخر.فكان قائدا ناطقا ميدانيا متواضعا تحسس آلام الناس وهمومهم ووقف في الميدان معهم، وكان يردد بانه يعلم انه سيقتل لكنه لم يتردد، فوضع شرط التضحية من اجل البناء، بناء الانسان الذي عده اهم اهدافه كان صاحب تجربة فريدة لم تمر الامة بمثلها، ولم تجد قائدا بهذا المستوى من التحدي والاصرار، وفي ظل كل هذه الظروف الشائكة.
يقول الدكتور على شريعتي: (ان رجل الدين يمد يديه يأخذ باحداها الخمس ويقدم الثانية للتقبيل) الا ان السيد الشهيد كسر هذه القاعدة، في كلا طرفيها،ومن فتاواه المهمة تحريم وضع النذور للائمة في داخل الاضرحة، لانه كان يرى ان هذه الاموال سوف تستولي عليها السلطة، فضلا عن انها لاتخدم الا الطفيليين والعاطلين.كما كان جريئا في فتاواه حتى تلك المتعلقة بالنظام وممارساته، اذ كان يخاطب النظام السياسي القائم ورأسه بشكل مباشر وبوضوح تام ، فالتف حوله الشباب الذين كانوا يشكلون العمود الفقري لحركته الشعبية. فهز اركان النظام وادخل الرعب الى قلوب رموزه واجهزته.
رغم التحديات التي واجهتها حركة الصدر الا انها استطاعت ان تطرح مشروعها التوعوي (صلاة الجمعة) اذ لم تكن طقسا دينياً فحسب ، بل كانت الية من آليات التعبئة الشعبية في مواجهة الاستبداد ، رغم المشككين بشرعيتها الدينية ، الا انها فرضت شرعيتها السياسية والاجتماعية والواقعية لانها جاءت تلبية لمتطلبات الواقع الذي يعيشه المجتمع وطبقاته المسحوقة والمهمشة التي كانت تبحث عن اي متنفس للتعبير عن رفضها ومعارضتها لسياسات النظام القائم انذاك وتحدي اجراءاته القمعية.
قاد الصدر برنامجا تغييرياً تثقيفيا توعويا ،فكان قائد لحظة التغيير ومنظرها وكاتب شعاراتها، ومبتكر اساليبها التعبوية ، والقائد المجدد في كل شيء ، فنال ثقة الجماهير برغم الهجمة الكبيرة التي وجهت ضده من قبل الحكومة وأطراف اخرى ،ولأن لاشيء يوقظ الشعوب من سباتها إلا العلماء والعباقرة والمبدعون لذلك تحارب الحكومات هذه الفئات الاجتماعية.
الحركة الشعبية ومشروع التصدي الذي طرحه الصدر كان مشروعا عراقيا ، حمل في طياته روح الوحدة الاسلامية والهوية الوطنية بعيدا عن اي توجه طائفي. اذ كان الصدر يوجه بالذهاب لاداء صلاة الجمعة في اي مسجد من مساجد السنة حين تغلق المساجد الشيعية من قبل اجهزة النظام . فكانت الجموع تزحف بالمئات للصلاة في جامع الامام الاعظم ابي حنيفة النعمان في الاعظمية.عرف الصدر بزهده وتواضعه واخلاقه الكبيرة، واحتفظ لنفسه بسلوكية خاصة،اذ رفض طيلة حياته ان يقبل يده احد، وقد حرم تقبيل اليد بعدما تصدى للمرجعية، كان مجلسه بسيطا عكس بقية الفقهاء، اذ تستطيع ان تقابله متى شئت بدون بروتوكولات،او مواعيد ،وتستطيع ان تتحدث معه في شتى المواضيع.
اعتمد منهجا تربويا استطاع من خلاله ان يعيد للمجتمع ثقته بنفسه وبقوته وامكانية المواجهة، فبعث في النفوس الشجاعة، وحزم الشباب بانطقة الثقة وكانت كلماته كأنها اسلحة فتاكة يوزعها بين اتباعه فلايهابون شراسة النظام وقوته وقهره،اذ كان مصدرا للشجاعة ليوزعها على الالاف وهي تتحدى آلة النظام القاهرة،كان ابناء المدن العراقية يستقوون به وكأنه يملك جيوشا جرارة، وهكذا اثبت امكانية تحدي النظام،وأثبت هشاشته وخواءه وكذب تفرعنه.
ولان صلاة الجمعة انذاك كانت الرئة المهمة التي ينفس منها المتصدون والمعارضون للنظام فقد شارك فيها وحضرها الكثير من ابناء الحركة الوطنية واليساريين على وجه الخصوص.
استطاع الصدر ان يجمع في حركته بين النخبوية والشعبية ، اذ لم يقتصر اهتمامه بالحشود الشعبية ، بل خصص للشعراء والفنانين والمثقفين بعض وقته ، كما اهتم بالعشائر ، فكان المجتهد الوحيد الذي خصص احد كتبه الفقهية لفقه العشائر في سعي لتهذيب السنن العشائرية وتخليصها مما شابها من الاعراف والتقاليد الاجتماعية التي تكبل الحياة او تناقض الشريعة.ولم يكن اهتمامه بالمستحداث من المسائل مشابها لغيره من الفقهاء بل اصدر كتاباً خاصاً بفقه الفضاء. واذا كان بعض الفقهاء قد اهمل الجوانب الاخلاقية فان الصدر قد اهتم بهذا الموضوع بشكل ملحوظ فكان كتابه (فقه الاخلاق). بقي ان نقول ان الانتفاضة التي قادها الشهيد الصدر ، بحاجة الى الكثير من الدراسة والبحث ، لاستجلاء العبر والدروس وتسليط الضوء على قادتها ورموزها وشهدائها.
هذه مقالة الى الاستاذ شمخي جبر
قبل ايام حلت الذكرى الثانية عشرة لاستشهاد السيد الصدر، فهل جاءت مقالتي هذه متأخرة عن المناسبة فأن كانت كذلك فأني اردت تتبع خطى من قال بعد استشهاد السيد الصدر (ان حزني عليه يبدأ حين ينتهي حزن الاخرين)لهذا لاتقع مقالتي هذه في الحقل الاحتفالي بل في حقل الدعوة لاستلهام العبر والدروس من حركة السيد الصدر، ومراجعتها وبحثها ودراستها لانها تشكل لحظة تاريخية مهمة في نضال شعبنا في مواجهة الدكتاتورية والاستبداد.المرجع المجدد والقائد الميدان الذي الهم الجماهير روح التصدي والتحدي وازال الخوف من القلوب والارواح قدم تصورا عن القيادة الاسلامية والمرجعية، عبر التجربة العملية التي قدم نفسه من خلالها كقائد، وجسد كل هذا ليس بالقول بل بالفعل والسلوك والدور. كانت خطاباته توجه الى ابسط الناس ، فحصلت رسالته على التبني من قبل متلقيه بشكل اثار الاعجاب،ولو قارنا الفترة الزمنية التي شغلها تحركه الى يوم استشهاده لوجدنا انها لايمكن مقارنتها مع مااحدثه في الارواح والقلوب من اثر وماشكله من تحد في وجه اعتى الدكتاتوريات في العالم.ففي مدة قصيرة استطاع ان يعبئ ويحشد الشارع العراقي بكل تنوعاته السياسية والاجتماعية باتجاه مقاومة النظام والتمرد عليه، اذ كانت كلماته تسري بين الحشود كالنار في الهشيم .
استثمر الصدر الاوضاع الدولية بخاصة تلك المتعلقة بالعراق لصالح مشروعه التغييري الشعبي ، كما استثمر الفراغ السياسي الذي خلقه النظام من اي تيار او حركة او شخصية معارضة سواء كانت دينية او وطنية، فكان بديلا ملأ الفراغ الذي لم يستطع ان يملأه اي صوت معارض اخر.فكان قائدا ناطقا ميدانيا متواضعا تحسس آلام الناس وهمومهم ووقف في الميدان معهم، وكان يردد بانه يعلم انه سيقتل لكنه لم يتردد، فوضع شرط التضحية من اجل البناء، بناء الانسان الذي عده اهم اهدافه كان صاحب تجربة فريدة لم تمر الامة بمثلها، ولم تجد قائدا بهذا المستوى من التحدي والاصرار، وفي ظل كل هذه الظروف الشائكة.
يقول الدكتور على شريعتي: (ان رجل الدين يمد يديه يأخذ باحداها الخمس ويقدم الثانية للتقبيل) الا ان السيد الشهيد كسر هذه القاعدة، في كلا طرفيها،ومن فتاواه المهمة تحريم وضع النذور للائمة في داخل الاضرحة، لانه كان يرى ان هذه الاموال سوف تستولي عليها السلطة، فضلا عن انها لاتخدم الا الطفيليين والعاطلين.كما كان جريئا في فتاواه حتى تلك المتعلقة بالنظام وممارساته، اذ كان يخاطب النظام السياسي القائم ورأسه بشكل مباشر وبوضوح تام ، فالتف حوله الشباب الذين كانوا يشكلون العمود الفقري لحركته الشعبية. فهز اركان النظام وادخل الرعب الى قلوب رموزه واجهزته.
رغم التحديات التي واجهتها حركة الصدر الا انها استطاعت ان تطرح مشروعها التوعوي (صلاة الجمعة) اذ لم تكن طقسا دينياً فحسب ، بل كانت الية من آليات التعبئة الشعبية في مواجهة الاستبداد ، رغم المشككين بشرعيتها الدينية ، الا انها فرضت شرعيتها السياسية والاجتماعية والواقعية لانها جاءت تلبية لمتطلبات الواقع الذي يعيشه المجتمع وطبقاته المسحوقة والمهمشة التي كانت تبحث عن اي متنفس للتعبير عن رفضها ومعارضتها لسياسات النظام القائم انذاك وتحدي اجراءاته القمعية.
قاد الصدر برنامجا تغييرياً تثقيفيا توعويا ،فكان قائد لحظة التغيير ومنظرها وكاتب شعاراتها، ومبتكر اساليبها التعبوية ، والقائد المجدد في كل شيء ، فنال ثقة الجماهير برغم الهجمة الكبيرة التي وجهت ضده من قبل الحكومة وأطراف اخرى ،ولأن لاشيء يوقظ الشعوب من سباتها إلا العلماء والعباقرة والمبدعون لذلك تحارب الحكومات هذه الفئات الاجتماعية.
الحركة الشعبية ومشروع التصدي الذي طرحه الصدر كان مشروعا عراقيا ، حمل في طياته روح الوحدة الاسلامية والهوية الوطنية بعيدا عن اي توجه طائفي. اذ كان الصدر يوجه بالذهاب لاداء صلاة الجمعة في اي مسجد من مساجد السنة حين تغلق المساجد الشيعية من قبل اجهزة النظام . فكانت الجموع تزحف بالمئات للصلاة في جامع الامام الاعظم ابي حنيفة النعمان في الاعظمية.عرف الصدر بزهده وتواضعه واخلاقه الكبيرة، واحتفظ لنفسه بسلوكية خاصة،اذ رفض طيلة حياته ان يقبل يده احد، وقد حرم تقبيل اليد بعدما تصدى للمرجعية، كان مجلسه بسيطا عكس بقية الفقهاء، اذ تستطيع ان تقابله متى شئت بدون بروتوكولات،او مواعيد ،وتستطيع ان تتحدث معه في شتى المواضيع.
اعتمد منهجا تربويا استطاع من خلاله ان يعيد للمجتمع ثقته بنفسه وبقوته وامكانية المواجهة، فبعث في النفوس الشجاعة، وحزم الشباب بانطقة الثقة وكانت كلماته كأنها اسلحة فتاكة يوزعها بين اتباعه فلايهابون شراسة النظام وقوته وقهره،اذ كان مصدرا للشجاعة ليوزعها على الالاف وهي تتحدى آلة النظام القاهرة،كان ابناء المدن العراقية يستقوون به وكأنه يملك جيوشا جرارة، وهكذا اثبت امكانية تحدي النظام،وأثبت هشاشته وخواءه وكذب تفرعنه.
ولان صلاة الجمعة انذاك كانت الرئة المهمة التي ينفس منها المتصدون والمعارضون للنظام فقد شارك فيها وحضرها الكثير من ابناء الحركة الوطنية واليساريين على وجه الخصوص.
استطاع الصدر ان يجمع في حركته بين النخبوية والشعبية ، اذ لم يقتصر اهتمامه بالحشود الشعبية ، بل خصص للشعراء والفنانين والمثقفين بعض وقته ، كما اهتم بالعشائر ، فكان المجتهد الوحيد الذي خصص احد كتبه الفقهية لفقه العشائر في سعي لتهذيب السنن العشائرية وتخليصها مما شابها من الاعراف والتقاليد الاجتماعية التي تكبل الحياة او تناقض الشريعة.ولم يكن اهتمامه بالمستحداث من المسائل مشابها لغيره من الفقهاء بل اصدر كتاباً خاصاً بفقه الفضاء. واذا كان بعض الفقهاء قد اهمل الجوانب الاخلاقية فان الصدر قد اهتم بهذا الموضوع بشكل ملحوظ فكان كتابه (فقه الاخلاق). بقي ان نقول ان الانتفاضة التي قادها الشهيد الصدر ، بحاجة الى الكثير من الدراسة والبحث ، لاستجلاء العبر والدروس وتسليط الضوء على قادتها ورموزها وشهدائها.