ألدُعَاةُ قَادِمُون
12-11-2010, 08:09 PM
نفحات عبقة من حياة الشهيدة
الدعوة
http://www.daawathiqar.com/data/maraa/2.JPG
تاريخ الولادة: - المستوى الدراسي: - تاريخ الاستشهاد: 1981 م سبب الاستشهاد: ناشطة اسلامية نفحات عبقة من حياة الشهيدة مقتبس من كتاب (مذكرات سجينة) إطلالة وجهها الضاحكة الشفافة تشع على أرواح الأرامل والأيتام قبل عطائها.. قلبها الرحب لم ينطوِ إلّا على حُب الخير والمعروف .. ثمار الخير في جنبات روحها لم تنضب أو تقف عند حد ، سلكت طريقاً لا يُبصرهً إلّا ذو بصيرة ، إذ تنصّلت عن هموم الدنيا إلّا همَّ إصلاحها وإسناد مجاهديها .. تجد في حديثها صدق وعزم يدُك الجبال ، لم يُلهها الترف عن معايشة المحتاجين وعوز المؤمنين .. تتنقل بين بغداد - باعت الشهيدة السعيدة سلوى البحراني الكثير من مجوهراتها وأثاث بيتها ببغداد لتتبرع بثمنها لعوائل الشهداء والمجاهدين .. وجمعت التبرعات من المحسنين لسد رمق عوائل المعتقلين .. والنجف وكربلاء ، تغوص في أزقتها وتقضي شطراً كبيراً من يومها تتفقَّد ما خلّفهُ جور البعث بالأحبة والمستضعفين. إنها السيدة الجليلة سلوى البحراني إحدى ثمار المربية العلوية (بنت الهدى) .. هي أُم سعد ؛ إحدى رائدات الموقف في الزمن المُر وإحدى صادقات - في بداية السبعينات - وبعد أن توفى زوجها أثر حادث اصطدام في سيارته - ذهبت الى الحج لتعلن عن قرارها - من هناك - في نبذ الدنيا ومافيها من لهوٍ وبذخٍ .. فعادت ترتدي الحجاب ، وصارت تتعرف على الشهيدة (بنت الهدى) وتتأثّر بها - من خلال جلسات السبت في بغداد (الكاظمية) - حتى غدت قدوتها ورائدة مسارها وواسطة ارتباطها بالمرجعية . االعهد في زمن الغدر ! نعم قاريء الكريم ، نحن مع صفحة مشرقة أخرى من تاريخ المرأة المسلمة في عراق المقدّسات ، مع إحدى نساء العقيدة التي سطع شمس ضياءَها في سماء بغداد نوراً وعطاءً .. لم تحوقِل أو تتأفأف من زحمة العمل ولا من الكلام اللاذع والساخر الذي لاقته من المقرّبين إليها ، بل إنطلقت بنشاطٍ وحركة تجاه واجب ومسؤوليتها الشرعية .. فهي أُمّاً حنوناً لفتيات الإسلام وحُضناً رؤوماً لأُسر المعتقلين والشهداء ، كانت بحق مجاهدة محتسبة لاتتردّد عن فعل الخير مهما كانت الأخطار . من الأشراقات الكثيرة التي حفظها التاريخ لها ، أنها وأثناء وجودها في منزل الشهيد الشيخ عارف البصري في منطقة الكرادة ببغداد تتفقّد عائلته وتقضي حاجاتهم - وهذه عادةً لها مألوفة في معاودة المؤمنين والمنكوبين في البيوت والمستشفيات - جاء أحد شرطة (أمن) النظام يُعْلِم العائلة بأمكانية الذهاب - في لقاءٍ مع الأخت (أُم علي) - إحدى المقرّبات من الشهيدة - في مجلة المجاهدة ، العدد (43) لعام 1404 ه ، قالت : «كانت الشهيدة سلوى البحراني بالنسبة لي ولكل من عرفها من الفتيات أُمّاً ثانية ، فقد وسع قلبها الجميع ، كنّا نسعى إليها كلما حلّت بنا مشكلة فتغدق علينا من حنانها لتنسينا ما نحن فيه، وكانت مستعدة لعمل المستحيل من أجل أن تحلَّ مشاكلنا .. فهي الأُم الرؤوم في جميع المناسبات ، في أفراحنا وفي أحزاننا ، كل واحدة من عندنا كانت تشعر بأنها الوحيدة التي تعاملها الشهيدة بهذا الحب والحنان . ومن المعروف عن الشهيدة ان لها الكثير من المواقف الإنسانية ومع الجميع ، وقد أكون لا أعرف عن الشهيدة القدر الكافي - لأن عطاءها كان أكبر من كل شيء - ولكني وحسب ما حدّثني به مَن التقيت بهم هنا في إيران أستطيع أن أذكر بعضاً من مواقفها ، ولكن قبلها أقول بأن حياة الشهيدة كانت كلها مواقف ، فلقد نذرت نفسها للناس ولخدمتهم حتى بات حب المؤمنين ومساعدتهم شيئاً طبيعياً عندها ، ومن المواقف التي أذكر وسمعت بها هي مواقفها لعوائل السجناء والشهداء ، فكانت تقر نفسها مسؤولة عنهم وكأنهم عائلتها ، تهتم بشؤونهم المالية وبأولادهم ، وكانوا هم أيضاً يلجأون إليها في أكثر قضاياهم ، وكانت دائماً تتصل بالمرجع الشهيد السيد الصدر وكل أمورهم تعود بها إليه .. وكان لها مواقف أيضاً مع المرضى من المؤمنات ، فقد نقلت لي إحدى الأخوات بأنها كانت فترة تعيش حالة مرض صعب يحتاج الى البقاء في المستشفى لتسعة أشهر ، فاشار عليهم أحد الأصدقاء بأن يلجأوا الى الشهيدة لتدبِّر لهم أمورهم ، ولم يكن من الشهيدة إلّا أن أخذت هذا العمل على عاتقها وبقيت مع هذه الأخت حتى غادرت المستشفى ، فكانت تزورها كل يوم في المستشفى وإذا تعذّر عليها ذلك بعثت بإحدى الفتيات ومعها (وردة) واعتذار عن عدم المجيء لعملٍ طارىء . موقف آخر للشهيدة مع إحدى الأخوات التي لقيتها هنا ، قالت بأن ابنتها كانت مريضة جداً وفي حالة خطرة في المستشفى ، فكانت الشهيدة تعودها كل يوم وتأخذ ملابس الطفلة معها الى البيت لتغسلها ، وكانت تأتي لها بالمأكولات ، لان أهل هذه الأُخت كانوا بعيدون عنها ، فتقول ؛ بأني لم أكن أشعر بالغربة لأني أصبحتُ مُظلَّلة بأيدٍ حانية» . لسجن (أبو غريب) لمواجهة الشيخ وتوديعه قبل تنفيذ الحُكم الجائر ، وما كان من (أم سعد) إلّا واصطحبتهم وذهبت معهم بسيارتها فوصلوا عند الغروب ، واستطاعت الدخول ولقاء الشهداء الخمسة رُغم ممانعة مسؤولوا السجن وأزلام أمن النظام .. كانت حريصة على استلام أوامر ووصايا الشهداء سيّما وأن معظم عوائلهم لم يعلموا بالأمر ، فقد تم تبليغهم بعد فوات الأوان .. وهكذا استطاعت (أُم سعد) توديع الشهداء - قبضة الهدى - الواحد تلو الآخر وتستمع الى ارشاداتهم وتحاياهم وتستلم وصاياهم وخواتمهم وقرائينهم لتوصلها فيما بعد الى ذويهم .. وقد اختصَّ الشهيد الشيخ عارف البصري2 بالشهيدة المجاهدة سلوى البحراني (رض) وأوصاها - وبقيّة الشهداء - بوصايا كثيرة ، فكانت كالفراشة تتنقّل من شهيدٍ الى آخر والمُقل غارقة بالدمع والقلب مكتوي بنار المصيبة لفقد رجال العراق المصلحين . استمرت (أُم سعد) في دربها ومنهجها الذي ماحادت عنهُ أبداً حتى توّجتهُ بالشهادة المُرّة .. فهي شجاعة مقدامة لم تتردَّد في تنفيذ أي عملٍ ينفع الإسلام ويحارب الكافر صدام ، وكانت مستعدة لشراء السلاح بأموالها واعطائه لابناء العقيدة المجاهدين ..ساعدت الكثير وهي لاتعرف عنهم سوى أنهم مؤمنين ، تقضي جُلَّ وقتها في تفقُّد المحتاجين ، ولا وقت محدّد لديها لمساعدة الصالحين فهي تخرج في جوف الليل - إن استدعى الأمر - تتنقّل هادئة وقوره وعيناها تفيضان بنشوة الحب والسعادة . حاول أزلام النظام إعاقتها ومن ثم محاربتها ، فأمّا الى عبادة الصَنم وأما الى الموت المُحتَّم ، إلّا أنها لم ولن تبالي فهي في شغلٍ شاغل - عن هذه التهديدات - هو للناس أهم وللإسلام أنفع . واشتد إوار نار حقد النظام على سلوة الروح ، سيّما بعد وقفة العز مع مرجعها وقائدها السيد الصدر ورفيقتها ورائدة مسيرتها العلوية (بنت الهدى) ، فهي معهم في المحن الطاغيات والمصائب الحالكات .. واستمرت على منهجهم حتى بعد - لم تزل (أُم سعد) تتردّد على منزل الشهيد الصدر - في الوقت الذي تخلّى وتفرّق عنه الكثير الكثير من كبار علماء الحوزة وكوادر الحركة - حتى في فترات الحجز والأقامة الاجبارية ، فقد كانت حريصة على الاطمئنان عليهم واستلام التعليمات منهم . رحيلهم الى الملكوت بعد الجريمة الكبرى التي نُفِّذت بحقهما .. - هذه الشهيدة الجليلة وإن تغنّى بها أيتام ومجاهدوا العراق لكننا نأسف لعدم وجود دراسة مستقلة واضحة المعالم تجمع مآثرها وتُنقِّب عن جهادها وآثارها - سيّما من أقلام اللاتي عاصرن حركتها وقربها من الشهيدة بنت الهدى . ونحن إن كُنّا قد مررنا على الشهيدة العزيزة مرور الطيف الشفاف فذلك لشحّة المصادر أولاً ، ولان مشروعنا اقتصر على أرشفة حركة شهيداتنا المنسيات ثانياً . لذا اعتقلوها عام 1980 واقتادوها الى مديرية (الأمن) العامة ، وكانت صامدة - اعتُقِلت الشهيدة سلوى البحراني يوم الأول من جمادى الآخرة عان 1401 ه . شامخة كالجبل الأشم .. ولمّا لم يجدوا وسيلةً لإرعابها وسحب الاعترافات والأسرار منها قرّروا تصفيتها كي لا تكون (بنت الهدى) أُخرى في العراق ! وهكذا ، فبعد يومين من الاعتقال أعطوها طعاماً من (لبن) كربلاء المسموم وأطلقوا سراحها !! وماهي إلّا أيام حتى بدأت المعاناة المُرَّة جرّاء ماسبّبتهُ سموم الأمويين في روحها وجسدها .. حيث تغيَّر الجسد سراعاً وتغيَّر الوجه تباعاً ، وشُلَّت يداها وقدماها وتساقط شعر رأسها .. وبالتدريج فارقت النوم وفقدت طعم الاطعمة ومذاق الأشياء !! ذبل الأمل الزاهر وتحوّل الثغر الباسم الى لوحة هادئة ، فكلَّت يد الخير وتوقفت تلك السيدة الفاطمية عن الحركة والنشاط بعد أن صارت بخطواتها الثكلى كالخيال ، وفشلت كل محاولات الأطباء لشفائها .. غير أن هذا العذاب الذي لازمها قرابة (45) يوماً لم يمنعها عن الصبر والاحتساب وعدم الشكوى . نعم .. طال بسلوتنا الوجع وصارت طريحة الفراش ، وباتت لحظة الموت لها أشهى اللحظات ! سَكَنَ ارتعاد الأطراف وهدأ وجيف القلب وفاضت الروح الطاهرة راضيةً - استشهدت السيدة الفاضلة (سلوى البحراني) يوم العشرين من رجب عام 1401 ه . مأنوسةً بما ينتظرها من نعيمٍ وبارىءٍ رحيم . - تقول الأخت الفاضلة أُم علي: «اعتقلت الشهيدة يوم الأول من جمادى الثاني ، وبعد يومين من الاستفسارات التي لامعنى لها أطلق سراحها بعد أن سُقيت السم من قبل جلاوزة نظام البعث العفلقي الذي اتّخذه اسلوباً جديداً للموت البطيء . خرجت من المعتقل ، وبعد يومين بدأت تعاني من آلام وتشنجات في القدمين ثم ازداد الألم حتى فارقت الرقاد وشلّت أرجلها وتساقط شعر رأسها وبدأ احساسها يضعف بعض الشيء وصوتها يخفت شيئاً فشيئا ، وحتى نفسها بدأ يضيق فاضطرّ الأطباء اجراء عملية لها .. ولكن استمرت حالتها في التدهور حتى استشهدت في العشرين من رجب» . قتلوها بالسم .. قتلوا خديجتنا وأُم سعدنا وكافلة أيتامنا .. قتلوا السلوى ، فغابت أكُف العطاء كما تغيب شمس الشتاء ، فعمَّ الحزن وخيَّم الكَدَر . قتلوك أُختاه .. قتلوكِ لأنكِ بنت الفضيلة وهُم أوغاد الرذيلة .. قتلوكِ لأنك الأمل الذي ينتظر أيتامنا وأراملنا ليدفنوا فيه كُل الألم .. هُم البعث ، وكفى بذلك جُرماً . دعيهم يقتلوك أيتُها الحبيبة الخالدة ، فمازالت شفاه أرامل بغداد وأيتامها تتغنّى بأسمك ، ومازالت مخدّرات العراق تفتخر لشموخك .. فسلامٌ عليكِ يوم تجرَّعتِ السم الزؤوام ويوم ارتحلتِ ويوم تُبعثين حيّةً محبورةً بما لقيت من أجرٍ وثواب و (لايحسبن الذين كفروا إنّما نُملي لهم خيراً لانفُسهم ، إنما نُملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين(وإنّ غداً لناظرهِ قريب . - «ما عساي أقول فيك وأعمالك نواطق .. وذكرياتك مواثل .. في كل زاوية ومكان .. وكل طفل أغدقت عليه بحنانك .. وكل أرملة شهيد وقفت الى جانبها أمثال خلودٍ لك . كيف أرثيك بكلماتي وهل هناك رثاء أكبر من كلمة (أُمّاه) ارسفها بدموعي في وجه التاريخ .. أو هل يكفي بكائي عليك العمر كله ؟ كلا وألف كلا .. فلقد أبيت ان لا أرثيك إلّا بالدم ، أُجريه أنهاراً مع أبنائي ، فوق سهول بلادي ، بل اتسلق القمم الثلجية في كل الوديان واصرخ ملأ حنجرتي «الله أكبر» ولتتفجّر شلالات الدم من تحت الاقدام ، ولتغرق كل الوديان بالاحمر القاني .. وليستنكر كل العالم هذا اللون .. ليس مهماً ، فستستمر مسيرة الدم في كل الانحاء حتى يبزغ فجر الإسلام ويغطي كل الارجاء .. أُمّاه .. أُمّاه .. عمَّ احدثك ، والإسلام مازال غريباً والحسين صريعاً والطفل ذبيحاً .. ومازال ركب السبايا يدار في طرقات الكوفة ، وبقاع الإسلام تُسلب يوماً بعد يوم .. أُمّاه .. كيف أرثيك ووفود الشهداء تتابع سيرها للانضمام اليكم .. كيف ارثيك ورسائلنا اوصلها الشهداء اليكم .. كيف ارثيك والرثاء معناه انني سكنت الى الدنيا .. معناه .. ومعناه .. لا ياأُمّاه .. لن ارثيك إلّا في ضِلال البنادق وفي دخان القنابل .. لن ارثيك إلّا بصواريخ الحق .. لن ارثيك إلّا بجوارحي كلها وهي تنتفض على جور الجائرين .. أُمّاه صورتك تتراءى لي في كل زوايا فكري ، ويرافقني صوتك في كل وجودي ، واراك ضاحكة مستبشرة تنهينني في كل اللحظات أن اكون حزينة .. وتبشرينني كل حين بأن فجر الإسلام قريب وقريب .. أُمّاه واعاهدك على السير في درب إلهي .. واقارع دوماً جلادي ، حتى ينتصر الإسلام .. حتى ينتصر الإسلام .. شيماء ، مجلة المجاهدة ، العدد (43) ، رجب / 1404ه .
الدعوة
http://www.daawathiqar.com/data/maraa/2.JPG
تاريخ الولادة: - المستوى الدراسي: - تاريخ الاستشهاد: 1981 م سبب الاستشهاد: ناشطة اسلامية نفحات عبقة من حياة الشهيدة مقتبس من كتاب (مذكرات سجينة) إطلالة وجهها الضاحكة الشفافة تشع على أرواح الأرامل والأيتام قبل عطائها.. قلبها الرحب لم ينطوِ إلّا على حُب الخير والمعروف .. ثمار الخير في جنبات روحها لم تنضب أو تقف عند حد ، سلكت طريقاً لا يُبصرهً إلّا ذو بصيرة ، إذ تنصّلت عن هموم الدنيا إلّا همَّ إصلاحها وإسناد مجاهديها .. تجد في حديثها صدق وعزم يدُك الجبال ، لم يُلهها الترف عن معايشة المحتاجين وعوز المؤمنين .. تتنقل بين بغداد - باعت الشهيدة السعيدة سلوى البحراني الكثير من مجوهراتها وأثاث بيتها ببغداد لتتبرع بثمنها لعوائل الشهداء والمجاهدين .. وجمعت التبرعات من المحسنين لسد رمق عوائل المعتقلين .. والنجف وكربلاء ، تغوص في أزقتها وتقضي شطراً كبيراً من يومها تتفقَّد ما خلّفهُ جور البعث بالأحبة والمستضعفين. إنها السيدة الجليلة سلوى البحراني إحدى ثمار المربية العلوية (بنت الهدى) .. هي أُم سعد ؛ إحدى رائدات الموقف في الزمن المُر وإحدى صادقات - في بداية السبعينات - وبعد أن توفى زوجها أثر حادث اصطدام في سيارته - ذهبت الى الحج لتعلن عن قرارها - من هناك - في نبذ الدنيا ومافيها من لهوٍ وبذخٍ .. فعادت ترتدي الحجاب ، وصارت تتعرف على الشهيدة (بنت الهدى) وتتأثّر بها - من خلال جلسات السبت في بغداد (الكاظمية) - حتى غدت قدوتها ورائدة مسارها وواسطة ارتباطها بالمرجعية . االعهد في زمن الغدر ! نعم قاريء الكريم ، نحن مع صفحة مشرقة أخرى من تاريخ المرأة المسلمة في عراق المقدّسات ، مع إحدى نساء العقيدة التي سطع شمس ضياءَها في سماء بغداد نوراً وعطاءً .. لم تحوقِل أو تتأفأف من زحمة العمل ولا من الكلام اللاذع والساخر الذي لاقته من المقرّبين إليها ، بل إنطلقت بنشاطٍ وحركة تجاه واجب ومسؤوليتها الشرعية .. فهي أُمّاً حنوناً لفتيات الإسلام وحُضناً رؤوماً لأُسر المعتقلين والشهداء ، كانت بحق مجاهدة محتسبة لاتتردّد عن فعل الخير مهما كانت الأخطار . من الأشراقات الكثيرة التي حفظها التاريخ لها ، أنها وأثناء وجودها في منزل الشهيد الشيخ عارف البصري في منطقة الكرادة ببغداد تتفقّد عائلته وتقضي حاجاتهم - وهذه عادةً لها مألوفة في معاودة المؤمنين والمنكوبين في البيوت والمستشفيات - جاء أحد شرطة (أمن) النظام يُعْلِم العائلة بأمكانية الذهاب - في لقاءٍ مع الأخت (أُم علي) - إحدى المقرّبات من الشهيدة - في مجلة المجاهدة ، العدد (43) لعام 1404 ه ، قالت : «كانت الشهيدة سلوى البحراني بالنسبة لي ولكل من عرفها من الفتيات أُمّاً ثانية ، فقد وسع قلبها الجميع ، كنّا نسعى إليها كلما حلّت بنا مشكلة فتغدق علينا من حنانها لتنسينا ما نحن فيه، وكانت مستعدة لعمل المستحيل من أجل أن تحلَّ مشاكلنا .. فهي الأُم الرؤوم في جميع المناسبات ، في أفراحنا وفي أحزاننا ، كل واحدة من عندنا كانت تشعر بأنها الوحيدة التي تعاملها الشهيدة بهذا الحب والحنان . ومن المعروف عن الشهيدة ان لها الكثير من المواقف الإنسانية ومع الجميع ، وقد أكون لا أعرف عن الشهيدة القدر الكافي - لأن عطاءها كان أكبر من كل شيء - ولكني وحسب ما حدّثني به مَن التقيت بهم هنا في إيران أستطيع أن أذكر بعضاً من مواقفها ، ولكن قبلها أقول بأن حياة الشهيدة كانت كلها مواقف ، فلقد نذرت نفسها للناس ولخدمتهم حتى بات حب المؤمنين ومساعدتهم شيئاً طبيعياً عندها ، ومن المواقف التي أذكر وسمعت بها هي مواقفها لعوائل السجناء والشهداء ، فكانت تقر نفسها مسؤولة عنهم وكأنهم عائلتها ، تهتم بشؤونهم المالية وبأولادهم ، وكانوا هم أيضاً يلجأون إليها في أكثر قضاياهم ، وكانت دائماً تتصل بالمرجع الشهيد السيد الصدر وكل أمورهم تعود بها إليه .. وكان لها مواقف أيضاً مع المرضى من المؤمنات ، فقد نقلت لي إحدى الأخوات بأنها كانت فترة تعيش حالة مرض صعب يحتاج الى البقاء في المستشفى لتسعة أشهر ، فاشار عليهم أحد الأصدقاء بأن يلجأوا الى الشهيدة لتدبِّر لهم أمورهم ، ولم يكن من الشهيدة إلّا أن أخذت هذا العمل على عاتقها وبقيت مع هذه الأخت حتى غادرت المستشفى ، فكانت تزورها كل يوم في المستشفى وإذا تعذّر عليها ذلك بعثت بإحدى الفتيات ومعها (وردة) واعتذار عن عدم المجيء لعملٍ طارىء . موقف آخر للشهيدة مع إحدى الأخوات التي لقيتها هنا ، قالت بأن ابنتها كانت مريضة جداً وفي حالة خطرة في المستشفى ، فكانت الشهيدة تعودها كل يوم وتأخذ ملابس الطفلة معها الى البيت لتغسلها ، وكانت تأتي لها بالمأكولات ، لان أهل هذه الأُخت كانوا بعيدون عنها ، فتقول ؛ بأني لم أكن أشعر بالغربة لأني أصبحتُ مُظلَّلة بأيدٍ حانية» . لسجن (أبو غريب) لمواجهة الشيخ وتوديعه قبل تنفيذ الحُكم الجائر ، وما كان من (أم سعد) إلّا واصطحبتهم وذهبت معهم بسيارتها فوصلوا عند الغروب ، واستطاعت الدخول ولقاء الشهداء الخمسة رُغم ممانعة مسؤولوا السجن وأزلام أمن النظام .. كانت حريصة على استلام أوامر ووصايا الشهداء سيّما وأن معظم عوائلهم لم يعلموا بالأمر ، فقد تم تبليغهم بعد فوات الأوان .. وهكذا استطاعت (أُم سعد) توديع الشهداء - قبضة الهدى - الواحد تلو الآخر وتستمع الى ارشاداتهم وتحاياهم وتستلم وصاياهم وخواتمهم وقرائينهم لتوصلها فيما بعد الى ذويهم .. وقد اختصَّ الشهيد الشيخ عارف البصري2 بالشهيدة المجاهدة سلوى البحراني (رض) وأوصاها - وبقيّة الشهداء - بوصايا كثيرة ، فكانت كالفراشة تتنقّل من شهيدٍ الى آخر والمُقل غارقة بالدمع والقلب مكتوي بنار المصيبة لفقد رجال العراق المصلحين . استمرت (أُم سعد) في دربها ومنهجها الذي ماحادت عنهُ أبداً حتى توّجتهُ بالشهادة المُرّة .. فهي شجاعة مقدامة لم تتردَّد في تنفيذ أي عملٍ ينفع الإسلام ويحارب الكافر صدام ، وكانت مستعدة لشراء السلاح بأموالها واعطائه لابناء العقيدة المجاهدين ..ساعدت الكثير وهي لاتعرف عنهم سوى أنهم مؤمنين ، تقضي جُلَّ وقتها في تفقُّد المحتاجين ، ولا وقت محدّد لديها لمساعدة الصالحين فهي تخرج في جوف الليل - إن استدعى الأمر - تتنقّل هادئة وقوره وعيناها تفيضان بنشوة الحب والسعادة . حاول أزلام النظام إعاقتها ومن ثم محاربتها ، فأمّا الى عبادة الصَنم وأما الى الموت المُحتَّم ، إلّا أنها لم ولن تبالي فهي في شغلٍ شاغل - عن هذه التهديدات - هو للناس أهم وللإسلام أنفع . واشتد إوار نار حقد النظام على سلوة الروح ، سيّما بعد وقفة العز مع مرجعها وقائدها السيد الصدر ورفيقتها ورائدة مسيرتها العلوية (بنت الهدى) ، فهي معهم في المحن الطاغيات والمصائب الحالكات .. واستمرت على منهجهم حتى بعد - لم تزل (أُم سعد) تتردّد على منزل الشهيد الصدر - في الوقت الذي تخلّى وتفرّق عنه الكثير الكثير من كبار علماء الحوزة وكوادر الحركة - حتى في فترات الحجز والأقامة الاجبارية ، فقد كانت حريصة على الاطمئنان عليهم واستلام التعليمات منهم . رحيلهم الى الملكوت بعد الجريمة الكبرى التي نُفِّذت بحقهما .. - هذه الشهيدة الجليلة وإن تغنّى بها أيتام ومجاهدوا العراق لكننا نأسف لعدم وجود دراسة مستقلة واضحة المعالم تجمع مآثرها وتُنقِّب عن جهادها وآثارها - سيّما من أقلام اللاتي عاصرن حركتها وقربها من الشهيدة بنت الهدى . ونحن إن كُنّا قد مررنا على الشهيدة العزيزة مرور الطيف الشفاف فذلك لشحّة المصادر أولاً ، ولان مشروعنا اقتصر على أرشفة حركة شهيداتنا المنسيات ثانياً . لذا اعتقلوها عام 1980 واقتادوها الى مديرية (الأمن) العامة ، وكانت صامدة - اعتُقِلت الشهيدة سلوى البحراني يوم الأول من جمادى الآخرة عان 1401 ه . شامخة كالجبل الأشم .. ولمّا لم يجدوا وسيلةً لإرعابها وسحب الاعترافات والأسرار منها قرّروا تصفيتها كي لا تكون (بنت الهدى) أُخرى في العراق ! وهكذا ، فبعد يومين من الاعتقال أعطوها طعاماً من (لبن) كربلاء المسموم وأطلقوا سراحها !! وماهي إلّا أيام حتى بدأت المعاناة المُرَّة جرّاء ماسبّبتهُ سموم الأمويين في روحها وجسدها .. حيث تغيَّر الجسد سراعاً وتغيَّر الوجه تباعاً ، وشُلَّت يداها وقدماها وتساقط شعر رأسها .. وبالتدريج فارقت النوم وفقدت طعم الاطعمة ومذاق الأشياء !! ذبل الأمل الزاهر وتحوّل الثغر الباسم الى لوحة هادئة ، فكلَّت يد الخير وتوقفت تلك السيدة الفاطمية عن الحركة والنشاط بعد أن صارت بخطواتها الثكلى كالخيال ، وفشلت كل محاولات الأطباء لشفائها .. غير أن هذا العذاب الذي لازمها قرابة (45) يوماً لم يمنعها عن الصبر والاحتساب وعدم الشكوى . نعم .. طال بسلوتنا الوجع وصارت طريحة الفراش ، وباتت لحظة الموت لها أشهى اللحظات ! سَكَنَ ارتعاد الأطراف وهدأ وجيف القلب وفاضت الروح الطاهرة راضيةً - استشهدت السيدة الفاضلة (سلوى البحراني) يوم العشرين من رجب عام 1401 ه . مأنوسةً بما ينتظرها من نعيمٍ وبارىءٍ رحيم . - تقول الأخت الفاضلة أُم علي: «اعتقلت الشهيدة يوم الأول من جمادى الثاني ، وبعد يومين من الاستفسارات التي لامعنى لها أطلق سراحها بعد أن سُقيت السم من قبل جلاوزة نظام البعث العفلقي الذي اتّخذه اسلوباً جديداً للموت البطيء . خرجت من المعتقل ، وبعد يومين بدأت تعاني من آلام وتشنجات في القدمين ثم ازداد الألم حتى فارقت الرقاد وشلّت أرجلها وتساقط شعر رأسها وبدأ احساسها يضعف بعض الشيء وصوتها يخفت شيئاً فشيئا ، وحتى نفسها بدأ يضيق فاضطرّ الأطباء اجراء عملية لها .. ولكن استمرت حالتها في التدهور حتى استشهدت في العشرين من رجب» . قتلوها بالسم .. قتلوا خديجتنا وأُم سعدنا وكافلة أيتامنا .. قتلوا السلوى ، فغابت أكُف العطاء كما تغيب شمس الشتاء ، فعمَّ الحزن وخيَّم الكَدَر . قتلوك أُختاه .. قتلوكِ لأنكِ بنت الفضيلة وهُم أوغاد الرذيلة .. قتلوكِ لأنك الأمل الذي ينتظر أيتامنا وأراملنا ليدفنوا فيه كُل الألم .. هُم البعث ، وكفى بذلك جُرماً . دعيهم يقتلوك أيتُها الحبيبة الخالدة ، فمازالت شفاه أرامل بغداد وأيتامها تتغنّى بأسمك ، ومازالت مخدّرات العراق تفتخر لشموخك .. فسلامٌ عليكِ يوم تجرَّعتِ السم الزؤوام ويوم ارتحلتِ ويوم تُبعثين حيّةً محبورةً بما لقيت من أجرٍ وثواب و (لايحسبن الذين كفروا إنّما نُملي لهم خيراً لانفُسهم ، إنما نُملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين(وإنّ غداً لناظرهِ قريب . - «ما عساي أقول فيك وأعمالك نواطق .. وذكرياتك مواثل .. في كل زاوية ومكان .. وكل طفل أغدقت عليه بحنانك .. وكل أرملة شهيد وقفت الى جانبها أمثال خلودٍ لك . كيف أرثيك بكلماتي وهل هناك رثاء أكبر من كلمة (أُمّاه) ارسفها بدموعي في وجه التاريخ .. أو هل يكفي بكائي عليك العمر كله ؟ كلا وألف كلا .. فلقد أبيت ان لا أرثيك إلّا بالدم ، أُجريه أنهاراً مع أبنائي ، فوق سهول بلادي ، بل اتسلق القمم الثلجية في كل الوديان واصرخ ملأ حنجرتي «الله أكبر» ولتتفجّر شلالات الدم من تحت الاقدام ، ولتغرق كل الوديان بالاحمر القاني .. وليستنكر كل العالم هذا اللون .. ليس مهماً ، فستستمر مسيرة الدم في كل الانحاء حتى يبزغ فجر الإسلام ويغطي كل الارجاء .. أُمّاه .. أُمّاه .. عمَّ احدثك ، والإسلام مازال غريباً والحسين صريعاً والطفل ذبيحاً .. ومازال ركب السبايا يدار في طرقات الكوفة ، وبقاع الإسلام تُسلب يوماً بعد يوم .. أُمّاه .. كيف أرثيك ووفود الشهداء تتابع سيرها للانضمام اليكم .. كيف ارثيك ورسائلنا اوصلها الشهداء اليكم .. كيف ارثيك والرثاء معناه انني سكنت الى الدنيا .. معناه .. ومعناه .. لا ياأُمّاه .. لن ارثيك إلّا في ضِلال البنادق وفي دخان القنابل .. لن ارثيك إلّا بصواريخ الحق .. لن ارثيك إلّا بجوارحي كلها وهي تنتفض على جور الجائرين .. أُمّاه صورتك تتراءى لي في كل زوايا فكري ، ويرافقني صوتك في كل وجودي ، واراك ضاحكة مستبشرة تنهينني في كل اللحظات أن اكون حزينة .. وتبشرينني كل حين بأن فجر الإسلام قريب وقريب .. أُمّاه واعاهدك على السير في درب إلهي .. واقارع دوماً جلادي ، حتى ينتصر الإسلام .. حتى ينتصر الإسلام .. شيماء ، مجلة المجاهدة ، العدد (43) ، رجب / 1404ه .