جاسم العجمي
21-11-2010, 04:23 PM
مجموعة من الأسئلة حول الإمام عليّ(ع)، كانت قد طرحت على سماحة العلامة المرجع، السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)، وأجاب عنها بالتَّفصيل، ومن العناوين الّتي تناولتها: كيفيّة استلهام عليّ(ع) في واقعنا المعاصر، وكيفيّة مواجهته(ع) للفتن، وحادثة الغدير، وغيرها من المواضيع...
عليّ(ع) والإسلام:
س1: كيف كانت شيعيّة الإمام عليّ(ع)؟ ولا نقصد من شيعيّته المعنى المصطلح، وإنمّا نقصد فهمه للإسلام؟
ج1: إنَّ فهمه(ع) لكلِّ ذلك، يعبِّر عنه ما جاء في قوله سبحانه وتعالى، فيما أنزل الله على رسوله في ليلة الهجرة: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207]، فالإنسان المسلم هو الّذي يبيع نفسه لله؛ أن يكون الله كلَّ شيءٍ في حياته، بحيث يتقرّب من الرّسول باعتبار أنّه رسول الله الّذي بلّغ رسالات الله، ويتقرّب من النّاس من خلال أنّهم أولياء الله، ويبتعد عنهم من خلال أنّهم أعداء الله.
أن لا تكون للإنسان، كمسلمٍ يلتزم خطَّ عليّ(ع)، قضاياه الخاصّة الّتي يستغرق فيها، بل أن تكون كلّ غايته كيف يرضي الله.
هذا هو الخطّ الفاصل في خطّ التشيّع. أتريدون كلمةً من رموز الإمامة من التشيّع؟
في حديث الإمام أبي جعفر محمّد الباقر (ع) يقول: "مَنْ كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومَنْ كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تُنال ولايتنا إلا بالعمل والورع" .
ومن ذلك نفهم معنى الحبّ، كلّنا نتحدّث أنّنا نحبّ علياً ونتولاّه، ونحبّ الأئّمة من أولاد عليّ(ع)، وأنّنا ننتظر القائم بالأمر من آل محمّدٍ ومن أولاد عليّ(ع).
كلّنا نتحدّث عن ذلك وننظم فيه الأشعار، ونكتب الكتب في هذا الأمر، وكأنّنا قد وفّينا قسطنا لعليّ.
وفي الواقع، فإنّنا نحبّ عليّاً ونعظّمه، ولكنّنا لا نجسّد قيمه وأهدافه في حياتنا الرّاهنة، لأنّنا نرتبط بألف معاويةٍ في الحاضر، كذلك نحن نحبّ الحسين(ع)، ولكنّنا نرتبط بألف يزيد في واقع السياسة العالميّة والإقليميّة والمحلّيّة، نحبّ الأئمّة(ع)، ونتحرّك في كلّ خطٍّ سياسيّ وثقافيّ أو اجتماعيّ نحارب به كلَّ الخطّ السياسيّ والاجتماعيّ والثقافيّ الّذي جاء به أئمّة أهل البيت(ع)!
الإمام عليّ(ع) وواقعنا المعاصر:
س2: كيف يمكن أن نستلهم حياة الإمام عليّ(ع) في واقعنا الحاضر؟
ج2: كان عليّ(ع) الصّلب في مواقفه أمام الانحراف، لا تأخذه في الله لومة لائم، كان يتحرّك ليكون القويّ العزيز عنده ضعيفاً ذليلاً حتّى يأخذ منه الحقّ، وليكون الضّعيف الذّليل قويّاً عزيزاً حتّى يأخذ له بحقّه.
من منّا يدخل في مقارنةٍ فكريّةٍ، ليسأل نفسه: أين أنا من عليّ؟ وما هو الخطّ الّذي أتحرّك فيه بالمقارنة مع الخطّ الّذي تحرّك فيه عليّ(ع)؟
نحن نتحرّك من خلال مأساتهم(ع)، ولكنّنا لا نحاول أن نواجه الّذين يصنعون مثل مأساة عليّ(ع) في حياتنا ومن يلتزمهم، فكم من ابن ملجم نلتزمه لأنَّ هناك عاطفةً عائليّةً أو حزبيّةً أو قوميّةً أو وطنيّةً تربطنا به؟!
مشكلتنا أنّنا نتجمَّد في التّاريخ عند الأشخاص كأشخاص، ولا ننطلق في حياتنا معهم كنماذج بالعنوان الّذي يتحرَّكون فيه.
الإمام عليّ(ع) والفتن:
س3: عاش الإمام عليّ(ع) فترةً حسّاسةً ومضطربة، وغنيّة بالمعطيات المتنوّعة في أكثر من مجال. كيف يرى سماحتكم إمكانيّة دراسة حياة الإمام عليّ(ع) إذا أردنا أن نحرّك معطياتها في الأجواء المعقّدة الّتي يعيشها الواقع الإسلاميّ؟
ج3: الحديث عن عليّ(ع) للّذين ينفتحون على الآفاق العالية في الحياة، هو حديثٌ عن الحياة كلّها، ولذلك، فإنّنا نريد أن نعيش معه في قضايانا المتحرّكة، لأنَّ القضيّة ليست قضيّة دراسة أكاديميّة نحاول من خلالها أن نتعمَّق في الفلسفة أو ما إلى ذلك، ولكنّ المسألة أنّنا عندما نريد أن نستقدم التّاريخ إلينا، فإنَّ علينا أن نشعر في كلّ هذا التّاريخ، بقضايانا تتحرّك من خلاله. نحن نريد أن نعيش مع عليّ(ع) قضايانا في حركة الصّراع في الحياة.
نحن نعيش في عالمٍ يضجُّ بالصّراع، والصّراع يفرض الكثير من المشاكل ومن المنازعات، ومن الخلافات والصّدامات، فهل تقف أمام الصّراعات الّتي توجِع رأسك وتُثقل قلبك، وقد تأخذ منك رأسك، وقد تقيِّدك وقد تحبسك؟
هل تعيش في حركة الصّراع على أساس أن تكون الإنسان الحياديّ، الّذي ينفصل عن ساحة الصّراع، ليكون الإنسان الّذي ليس مع فلان ولا مع فلان، لا يدخل في هذا الجوّ ولا في ذاك الجوّ؟ أو أنّك تتحرّك لتكون جزءاً من الصّراع، أو لتدرس مضمون هذا الصّراع، ما هو في طبيعته، وما هو في علاقته بالحياة؟ وما هو في علاقته بالمصير وبالمستقبل؟ أن ندرس مضمون الصّراع، قبل أن نتّخذ موقفاً حياديّاً تارةً، أو إيجابيّاً هنا، أو سلبيّاً هناك.
هناك كلمة للإمام عليّ(ع) ربما يفهمها بعض النّاس بطريقةٍ خاطئة: "كن في الفتنة كابن اللّبون، لا ظهر فيُركب، ولا ضرع فيُحلب" .
وابن اللّبون هو ولد النّاقة الذّكر، لم يقو ظهره على الرّكوب، وليس له ضرعٌ يُحلب منه. كن مثله... لا تجعل أحداً يتّخذك جسراً يصل من خلاله إلى أطماعه، ولا أن يستفيد من طاقاتك، لتُحلب طاقاتك لتطعمه طاقةً يقوى الشرّ في داخلها.
بعض النّاس يفهمون الفتنة أنّها تمثِّل حركة الصِّراع، أن يقتتل النّاس ففي هذا فتنة! أن يختلف النّاس فهذه فتنة!.. ولذلك كثر الحياديّون في مجمتعاتنا، وأصبح الكثيرون من النّاس يتفرّجون في السّاحة.
لكنّ الفتنة ـ فيما نفهمها ـ هي الحركة الّتي تنطلق لتفتنك، لتدخلك في متاهات، أو لتدخلك في موقعٍ ليس لك دور فيه من خلال ما تعيشه؛ إنّهم يحدّدون كلمة الفتنة بالموقع الّذي لا يُعرف فيه الحقّ من الباطل، أو الموقع الّذي يتنازع فيه فئتان من أهل الباطل، وقد عبّر الإمام عليّ(ع) عن الفتنة كيف تنشأ:
"إنما بدء وقوع الفتن، أهواء تُتَّبع، وأحكام تُبتدع، يُخالَفُ فيها كتاب الله، ويتولّى عليها رجالٌ على غير دين الله. فلو أنَّ الباطل خلُص من مزاج الحقّ، لم يخف على المرتادين، ولو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل، لانقطعت عنه ألسن المعاندين. ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان، فهنالك يستولي الشّيطان على أوليائه، وينجو الّذين سبقت لهم من الله الحسنى" .
الفتنة هي أن تنطلق القضيّة أو الفكرة الّتي تُعطي من ملامح الحقّ بعض الشّيء، وتخفي من عمق الباطل بعض الشّيء، فتتحرّك وأنت تشعر بأنّها الحقّ، ولكنّها في الواقع ليست هي الحقّ.
وهكذا نجد في كلمةٍ أخرى للإمام(ع): "إنّ الفتن إذا أقبلت شبَّهت، وإذا أدبرت نبَّهت، ينكرن مقبلات، ويعرفن مدبرات، يحمن حول الرّياح، يصبن بلداً، ويخطئن بلداً" .
إنَّ الإمام(ع) يريد أن يؤكِّد أنّه عندما لا تكون السّاحة واضحةً لديك، حاول أن تفهمها، أن تعرفها، "كن في الفتنة كابن اللّبون، لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب". ولا ينبغي أن يكون اقتحامك لها غير مدروس، بل عليك أن تقف لتدرسها، فتلك مسؤوليّتك، لأنّك لا تستطيع أن تكون حياديّاً أمام ما يحدث في ساحتك، لأنَّ ما يحدث في ساحتك ليس مجرّد شيء يخصّ الّذين يتصارعون، ولكنّه يشمل الواقع كلّه.
ولذلك، فإنّ عليك أن تدرس الفتنة لتستوضحها، حتى إنَّه عندما تكون هناك فئتان من أهل الباطل تتصارعان، فإنّ عليك أن لا تقتحم المعركة لتكون فريقاً لهذا أو ذاك، بل أن تدرس ما هو دورك أمام هاتين الفئتين المتصارعتين من أهل الباطل، سواء كان ذلك في بلدك، أو في منطقتك، أو في العالم كلِّه.
قد يقول بعض النّاس هذه سياسة تبتعد عن المثاليّات، فهل تريد أن تدفعنا إلى الانغماس في أوحال الواقع؟ لكنّ هناك فرقاً بين أن نعيش الحياة أحلاماً ومثالاً تجريديّاً، وبين أن نعيش الحياة واقعاً يتّصل بحياتنا الثّقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة.
بعض النّاس يحاولون دائماً أن يسقطوا القضايا الكبرى، من خلال حديثهم عن مفردات المآسي الّتي تُنتجها القضايا الكبرى، أن يحدِّثوك عن ضرورة الابتعاد عن الصّراع وهو مفروض عليك.
لا حياديّة بين الحقّ والباطل
عليٌّ(ع) لا يريد للإنسان أن يكون حياديّاً، عندما تكون المعركة معركة الحقّ والباطل.
والحياديّون بين الحقّ والباطل يخونون إنسانيّتهم، ويخونون الحياة ويسقطونها. إنّه يتحدّث عن هؤلاء الّذين يبتعدون عن السّاحة حتّى لا تتحرّك نحوهم شرارات السّاحة. قال(ع) وهو يحدّث بعض النّاس عن بعض مَن اعتزلوا القتال في معاركه: "إنّ سعيداً وعبد الله بن عمر لم ينصرا الحقّ ولم يخذلا الباطل" .
لم ينصرا الحقّ لأنّهما أبعدا طاقتهما عن نصرة الحقّ، ولم يخذلا الباطل لأنّهما عندما حجبا قوّتهما عن الحقّ أعطيا قوّةً سلبيّة، والباطل لا يقوى بأتباعه فقط، ولكنّه يقوى بالحياديّين الّذين يؤمنون بالحقّ ولكنّهم لا يتحمّلون مسؤوليّته. وهذا هو الّذي تمثّله الكلمة الّتي استهلكناها "الأكثريّة الصّامتة " .
ويحدِّثنا الإمام(ع) عن نتائج هذه المواقف المتخاذلة: "أيّها النّاس، لو لم تتخاذلوا عن نصر الحقّ، ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم مَنْ ليس مثلكم، ولم يقو من قوي عليكم. لكنّكم تهتم متاه بني إسرائيل، ولعمري، ليُضعّفن لكم التيه من بعدي أضعافاً، بما خلَّفتم الحقّ وراء ظهوركم، وقطعتم الأدنى، ووصلتم الأبعد".
إنّ المسألة هي أنّ أكثر هزائمنا على كلِّ المستويات الّتي تتحرّك في الواقع، هي هزائم المتخاذلين، وليست هزائم الّذين يُقاتلوننا.
إنّنا في كلّ تاريخنا الحديث، لم تكن حركة الصّراع الّتي عشناها مع الاستكبار العالميّ، أو مع الصّهيونيّة العالميّة، أو مع كلّ المواقع الّتي تتحرّك هنا وهناك، لم تكن تنطلق من قوّةٍ مطلقةٍ هناك، وضعفٍ مطلقٍ هنا، كانت المسألة قوّةً كبيرةً متحرّكة هناك، وقوّةً محايدةً جامدة هنا.. ضعفنا هو الّذي أعطى الآخرين كثيراً من قوّتهم، ولا أقول كلّ قوّتهم.
إنّ المسألة التي تتحدّى إنسانيّتنا، في كلّ قضايا الصّراع في الواقع، هي أن يعيش الإنسان دوره في حركة إنسانيّته في الواقع.
إنّ الإنسان الّذي لا يشارك في أيّ موقعٍ من مواقع الصّراع الّتي تمثّل القضايا الكبرى في الحياة، هو إنسان ميّت يتنفَّس، وميّت يتحرّك، لأنّ قضيّة أن تموت، ليس أن يموت جسدك، ولكن أن يموت دورك، أن لا يكون لك غنى في الحياة، وهذا ما ينبغي لنا أن نفكّر فيه.
ورد عن الإمام موسى الكاظم(ع): "أبَلغ خيراً وقل خيراً ولا تكن إمّعةً، فإنّ رسول الله نهى أن يكون المرء إمَّعة، قالوا: وما الإمّعة؟ قال: أن تقول أنا مع النّاس وأنا كواحدٍ من النّاس، إنما هما نجدان؛ نجد خيرٍ ونجد شرّ، فلا يكن نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير".
جاء رجل إلى عليٍّ(ع) وقال له: "أتراني أظنّ أنّ أصحاب الجمل كانوا على ضلالة وأنّنا على حقّ؟ قال: يا هذا ـ أو يا حارث ـ إنّك نظرت تحتك ولم تنظر إلى فوقك فحِرتَ، إنّك لم تعرف الحقّ فتعرف من أتاه، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه. اعرف الحقّ تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله".
اعرف المنهج، المضمون، الفكرة، القضيّة، لا تنظر إلى أحد، فالحقّ لا يُعرف بالرّجال، إلاّ الرّجال الّذين يجسّدون الحقّ من خلال عصمتهم، هؤلاء هم الحقّ مجسّداً.
الواقع التّاريخيّ لحادثة الغدير:
س4: يذكر مؤرّخو الشّيعة عدداً هائلاً من الصّحابة الّذين شهدوا حادثة غدير خُمّ، فكيف نصدِّق أن جُلّهم انقلب بعد ذلك وبايع أبا بكر؟
ج4: هذه الأمور نلاحظها كثيراً في حياتنا، إذ ربما نجد كثيراً من النّاس ممّن يتبعون بعض الشّخصيّات مثلاً، كالّتي تتميَّز في بعض الأوضاع السياسيّة أو المادّيّة أو الاجتماعيّة، نجدهم يتركونهم ويتركون أهل الحقّ في الأوقات العصيبة. هذا أوّلاً، ثم إنّ هناك احتمالاً آخر ذكره المرحوم السيّد عبد الحسين شرف الدّين في كتابه "المراجعات"، في حواره مع الشّيخ سليم البشري، شيخ الأزهر، يقول إنّ الجماعة لم يفهموا طبيعة الولاية كما نفهمها نحن، وإنّهم فهموا الأمور السياسيّة على الطريقة الجاهليّة في انتخاب رئيس العشيرة وما إلى ذلك، وربما تكون المسألة عدم وجود ذهنيّةٍ منفتحة على الولاية بطريقةٍ أو بأخرى. ولذلك يُروى أنّ عليّاً(ع) كان يطوف بالسيِّدة الزّهراء(ع) على المهاجرين والأنصار، وكانت تطالبهم بالحقّ الّذي تمثّله ولاية الإمام عليّ(ع)، فكان بعضهم يقول لها: لو أنّ عليّاً تقدَّم إلينا بذلك قبل أن نبايع، لكنّا بايعناه. لذلك افترضوا أنّهم بمبايعتهم أبا بكر، لم يعد هناك من مجال لأن ينقضوا هذه البيعة، وهذا ما يدلّ على عدم وجود الذهنيّة الواسعة عندهم، والتي تجعل قضيّة الولاية من القضايا الدّينيّة الّتي لا بدَّ للإنسان من أن يلتزم بها ويعمل لها.
علاقة الكفّار بيوم الغدير:
س5: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة:67]. ما علاقة الكافرين بواقعة الغدير؟
ج5: هذا خطابٌ من الله للرّسول(ص) يشمل الرّسالة كلّها من بداياتها إلى نهاياتها، والّتي تتمثّل بالولاية، ومن الطّبيعيّ جداً أنّ الله يريد أن يؤكّد للرّسول(ص)، أنّه إذا لم يبلغ النّهاية في قضيّة الرّسالة، فإنّ ذلك يجعله كأنّه بنى بناءً ثم بعد ذلك هدّمه، أو أنّه لم يركّزه على قاعدة أساسيّة. وبيّن له أنّه إذا بلّغ الرّسالة، فإنّ الكافرين، أيّاً كانوا، لا يمكن أن يهديهم الله. فالقضيّة ليست مربوطةً بمناسبة الآية نفسها، ولكنّها مربوطة بالقضيّة الكبرى في مسألة الرّسالة، والله العالم.
حديث الغدير:
س6: ما هو رأي سماحة السيّد فضل الله في صحّة حديث الغدير؟
ج6: إنّ الواقعة الّتي تمت في آخر حجّةٍ للرّسول(ص)، والّتي تسمّى حجّة الوداع، لا يمكن لأيّ شخصٍ إنكارها، كما أنّ الفريقين من السنّة والشّيعة يتّفقون على ذلك.
الشّهادة على غدير خمّ:
س7: يقال إنّ في غدير خُمّ كان عدد المسلمين الّذين سمعوا ما بلّغه رسول الله(ص) كثيراً، وبعد وفاة رسول الله، وجدنا أنّ عدد الّذين كانوا مع عليّ(ع) قليل، فما السّبب؟
ج7: لعلّ المسلمين الّذين كانوا في ذلك الوقت، كانوا لا يزالون خاضعين لتقاليدهم العشائريّة، وربما لم يكن لهم ذلك الوعي الّذي يفهمون فيه طبيعة ما ذكره النبيّ(ص) في غدير خُمّ، كما يتحدّث عن ذلك المرحوم السيّد عبد الحسين شرف الدّين في كتابه (المراجعات).
التّبليغ السّابق على الغدير:
س8: يفهم من هذه الآية الكريمة: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}[المائدة: 67]، ومن سبب النزول، أنّ رسول الله(ص) لم يبلَّغ أمر ولاية عليّ(ع) قبل نزول هذه الآية، في حين أنّ السنّة تؤكّد أنّ رسول الله(ص) أكّد ذلك في أكثر من موقع وفي أكثر من رواية؟
ج8: ربّما كان التّأكيد الأوّل المتنوّع في مواقع خاصَّة، ولكنّ لموقع الغدير خصوصيّة أخرى، باعتبار جمع المسلمين الغفير، حيث كانوا عائدين من حجّة الوداع، وقد قدموا من كلّ حدبٍ وصوب، لذلك فإنَّ من الممكن جدّاً أن يكون التّبليغ من خلال طبيعة هذا الجمع، وباعتبار أنّ الموقع الزّمنيّ هو موقع ترقّب المسلمين لوفاة النبيّ(ص)، حيث كان المسلمون يعيشون في ظرفٍ يعطي للمسألة امتداداً وحيويّةً أكثر، والله العالم.
http://arabic.bayynat.org.lb/ahlalbe...i_19112010.htm
عليّ(ع) والإسلام:
س1: كيف كانت شيعيّة الإمام عليّ(ع)؟ ولا نقصد من شيعيّته المعنى المصطلح، وإنمّا نقصد فهمه للإسلام؟
ج1: إنَّ فهمه(ع) لكلِّ ذلك، يعبِّر عنه ما جاء في قوله سبحانه وتعالى، فيما أنزل الله على رسوله في ليلة الهجرة: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207]، فالإنسان المسلم هو الّذي يبيع نفسه لله؛ أن يكون الله كلَّ شيءٍ في حياته، بحيث يتقرّب من الرّسول باعتبار أنّه رسول الله الّذي بلّغ رسالات الله، ويتقرّب من النّاس من خلال أنّهم أولياء الله، ويبتعد عنهم من خلال أنّهم أعداء الله.
أن لا تكون للإنسان، كمسلمٍ يلتزم خطَّ عليّ(ع)، قضاياه الخاصّة الّتي يستغرق فيها، بل أن تكون كلّ غايته كيف يرضي الله.
هذا هو الخطّ الفاصل في خطّ التشيّع. أتريدون كلمةً من رموز الإمامة من التشيّع؟
في حديث الإمام أبي جعفر محمّد الباقر (ع) يقول: "مَنْ كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومَنْ كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تُنال ولايتنا إلا بالعمل والورع" .
ومن ذلك نفهم معنى الحبّ، كلّنا نتحدّث أنّنا نحبّ علياً ونتولاّه، ونحبّ الأئّمة من أولاد عليّ(ع)، وأنّنا ننتظر القائم بالأمر من آل محمّدٍ ومن أولاد عليّ(ع).
كلّنا نتحدّث عن ذلك وننظم فيه الأشعار، ونكتب الكتب في هذا الأمر، وكأنّنا قد وفّينا قسطنا لعليّ.
وفي الواقع، فإنّنا نحبّ عليّاً ونعظّمه، ولكنّنا لا نجسّد قيمه وأهدافه في حياتنا الرّاهنة، لأنّنا نرتبط بألف معاويةٍ في الحاضر، كذلك نحن نحبّ الحسين(ع)، ولكنّنا نرتبط بألف يزيد في واقع السياسة العالميّة والإقليميّة والمحلّيّة، نحبّ الأئمّة(ع)، ونتحرّك في كلّ خطٍّ سياسيّ وثقافيّ أو اجتماعيّ نحارب به كلَّ الخطّ السياسيّ والاجتماعيّ والثقافيّ الّذي جاء به أئمّة أهل البيت(ع)!
الإمام عليّ(ع) وواقعنا المعاصر:
س2: كيف يمكن أن نستلهم حياة الإمام عليّ(ع) في واقعنا الحاضر؟
ج2: كان عليّ(ع) الصّلب في مواقفه أمام الانحراف، لا تأخذه في الله لومة لائم، كان يتحرّك ليكون القويّ العزيز عنده ضعيفاً ذليلاً حتّى يأخذ منه الحقّ، وليكون الضّعيف الذّليل قويّاً عزيزاً حتّى يأخذ له بحقّه.
من منّا يدخل في مقارنةٍ فكريّةٍ، ليسأل نفسه: أين أنا من عليّ؟ وما هو الخطّ الّذي أتحرّك فيه بالمقارنة مع الخطّ الّذي تحرّك فيه عليّ(ع)؟
نحن نتحرّك من خلال مأساتهم(ع)، ولكنّنا لا نحاول أن نواجه الّذين يصنعون مثل مأساة عليّ(ع) في حياتنا ومن يلتزمهم، فكم من ابن ملجم نلتزمه لأنَّ هناك عاطفةً عائليّةً أو حزبيّةً أو قوميّةً أو وطنيّةً تربطنا به؟!
مشكلتنا أنّنا نتجمَّد في التّاريخ عند الأشخاص كأشخاص، ولا ننطلق في حياتنا معهم كنماذج بالعنوان الّذي يتحرَّكون فيه.
الإمام عليّ(ع) والفتن:
س3: عاش الإمام عليّ(ع) فترةً حسّاسةً ومضطربة، وغنيّة بالمعطيات المتنوّعة في أكثر من مجال. كيف يرى سماحتكم إمكانيّة دراسة حياة الإمام عليّ(ع) إذا أردنا أن نحرّك معطياتها في الأجواء المعقّدة الّتي يعيشها الواقع الإسلاميّ؟
ج3: الحديث عن عليّ(ع) للّذين ينفتحون على الآفاق العالية في الحياة، هو حديثٌ عن الحياة كلّها، ولذلك، فإنّنا نريد أن نعيش معه في قضايانا المتحرّكة، لأنَّ القضيّة ليست قضيّة دراسة أكاديميّة نحاول من خلالها أن نتعمَّق في الفلسفة أو ما إلى ذلك، ولكنّ المسألة أنّنا عندما نريد أن نستقدم التّاريخ إلينا، فإنَّ علينا أن نشعر في كلّ هذا التّاريخ، بقضايانا تتحرّك من خلاله. نحن نريد أن نعيش مع عليّ(ع) قضايانا في حركة الصّراع في الحياة.
نحن نعيش في عالمٍ يضجُّ بالصّراع، والصّراع يفرض الكثير من المشاكل ومن المنازعات، ومن الخلافات والصّدامات، فهل تقف أمام الصّراعات الّتي توجِع رأسك وتُثقل قلبك، وقد تأخذ منك رأسك، وقد تقيِّدك وقد تحبسك؟
هل تعيش في حركة الصّراع على أساس أن تكون الإنسان الحياديّ، الّذي ينفصل عن ساحة الصّراع، ليكون الإنسان الّذي ليس مع فلان ولا مع فلان، لا يدخل في هذا الجوّ ولا في ذاك الجوّ؟ أو أنّك تتحرّك لتكون جزءاً من الصّراع، أو لتدرس مضمون هذا الصّراع، ما هو في طبيعته، وما هو في علاقته بالحياة؟ وما هو في علاقته بالمصير وبالمستقبل؟ أن ندرس مضمون الصّراع، قبل أن نتّخذ موقفاً حياديّاً تارةً، أو إيجابيّاً هنا، أو سلبيّاً هناك.
هناك كلمة للإمام عليّ(ع) ربما يفهمها بعض النّاس بطريقةٍ خاطئة: "كن في الفتنة كابن اللّبون، لا ظهر فيُركب، ولا ضرع فيُحلب" .
وابن اللّبون هو ولد النّاقة الذّكر، لم يقو ظهره على الرّكوب، وليس له ضرعٌ يُحلب منه. كن مثله... لا تجعل أحداً يتّخذك جسراً يصل من خلاله إلى أطماعه، ولا أن يستفيد من طاقاتك، لتُحلب طاقاتك لتطعمه طاقةً يقوى الشرّ في داخلها.
بعض النّاس يفهمون الفتنة أنّها تمثِّل حركة الصِّراع، أن يقتتل النّاس ففي هذا فتنة! أن يختلف النّاس فهذه فتنة!.. ولذلك كثر الحياديّون في مجمتعاتنا، وأصبح الكثيرون من النّاس يتفرّجون في السّاحة.
لكنّ الفتنة ـ فيما نفهمها ـ هي الحركة الّتي تنطلق لتفتنك، لتدخلك في متاهات، أو لتدخلك في موقعٍ ليس لك دور فيه من خلال ما تعيشه؛ إنّهم يحدّدون كلمة الفتنة بالموقع الّذي لا يُعرف فيه الحقّ من الباطل، أو الموقع الّذي يتنازع فيه فئتان من أهل الباطل، وقد عبّر الإمام عليّ(ع) عن الفتنة كيف تنشأ:
"إنما بدء وقوع الفتن، أهواء تُتَّبع، وأحكام تُبتدع، يُخالَفُ فيها كتاب الله، ويتولّى عليها رجالٌ على غير دين الله. فلو أنَّ الباطل خلُص من مزاج الحقّ، لم يخف على المرتادين، ولو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل، لانقطعت عنه ألسن المعاندين. ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان، فهنالك يستولي الشّيطان على أوليائه، وينجو الّذين سبقت لهم من الله الحسنى" .
الفتنة هي أن تنطلق القضيّة أو الفكرة الّتي تُعطي من ملامح الحقّ بعض الشّيء، وتخفي من عمق الباطل بعض الشّيء، فتتحرّك وأنت تشعر بأنّها الحقّ، ولكنّها في الواقع ليست هي الحقّ.
وهكذا نجد في كلمةٍ أخرى للإمام(ع): "إنّ الفتن إذا أقبلت شبَّهت، وإذا أدبرت نبَّهت، ينكرن مقبلات، ويعرفن مدبرات، يحمن حول الرّياح، يصبن بلداً، ويخطئن بلداً" .
إنَّ الإمام(ع) يريد أن يؤكِّد أنّه عندما لا تكون السّاحة واضحةً لديك، حاول أن تفهمها، أن تعرفها، "كن في الفتنة كابن اللّبون، لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب". ولا ينبغي أن يكون اقتحامك لها غير مدروس، بل عليك أن تقف لتدرسها، فتلك مسؤوليّتك، لأنّك لا تستطيع أن تكون حياديّاً أمام ما يحدث في ساحتك، لأنَّ ما يحدث في ساحتك ليس مجرّد شيء يخصّ الّذين يتصارعون، ولكنّه يشمل الواقع كلّه.
ولذلك، فإنّ عليك أن تدرس الفتنة لتستوضحها، حتى إنَّه عندما تكون هناك فئتان من أهل الباطل تتصارعان، فإنّ عليك أن لا تقتحم المعركة لتكون فريقاً لهذا أو ذاك، بل أن تدرس ما هو دورك أمام هاتين الفئتين المتصارعتين من أهل الباطل، سواء كان ذلك في بلدك، أو في منطقتك، أو في العالم كلِّه.
قد يقول بعض النّاس هذه سياسة تبتعد عن المثاليّات، فهل تريد أن تدفعنا إلى الانغماس في أوحال الواقع؟ لكنّ هناك فرقاً بين أن نعيش الحياة أحلاماً ومثالاً تجريديّاً، وبين أن نعيش الحياة واقعاً يتّصل بحياتنا الثّقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة.
بعض النّاس يحاولون دائماً أن يسقطوا القضايا الكبرى، من خلال حديثهم عن مفردات المآسي الّتي تُنتجها القضايا الكبرى، أن يحدِّثوك عن ضرورة الابتعاد عن الصّراع وهو مفروض عليك.
لا حياديّة بين الحقّ والباطل
عليٌّ(ع) لا يريد للإنسان أن يكون حياديّاً، عندما تكون المعركة معركة الحقّ والباطل.
والحياديّون بين الحقّ والباطل يخونون إنسانيّتهم، ويخونون الحياة ويسقطونها. إنّه يتحدّث عن هؤلاء الّذين يبتعدون عن السّاحة حتّى لا تتحرّك نحوهم شرارات السّاحة. قال(ع) وهو يحدّث بعض النّاس عن بعض مَن اعتزلوا القتال في معاركه: "إنّ سعيداً وعبد الله بن عمر لم ينصرا الحقّ ولم يخذلا الباطل" .
لم ينصرا الحقّ لأنّهما أبعدا طاقتهما عن نصرة الحقّ، ولم يخذلا الباطل لأنّهما عندما حجبا قوّتهما عن الحقّ أعطيا قوّةً سلبيّة، والباطل لا يقوى بأتباعه فقط، ولكنّه يقوى بالحياديّين الّذين يؤمنون بالحقّ ولكنّهم لا يتحمّلون مسؤوليّته. وهذا هو الّذي تمثّله الكلمة الّتي استهلكناها "الأكثريّة الصّامتة " .
ويحدِّثنا الإمام(ع) عن نتائج هذه المواقف المتخاذلة: "أيّها النّاس، لو لم تتخاذلوا عن نصر الحقّ، ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم مَنْ ليس مثلكم، ولم يقو من قوي عليكم. لكنّكم تهتم متاه بني إسرائيل، ولعمري، ليُضعّفن لكم التيه من بعدي أضعافاً، بما خلَّفتم الحقّ وراء ظهوركم، وقطعتم الأدنى، ووصلتم الأبعد".
إنّ المسألة هي أنّ أكثر هزائمنا على كلِّ المستويات الّتي تتحرّك في الواقع، هي هزائم المتخاذلين، وليست هزائم الّذين يُقاتلوننا.
إنّنا في كلّ تاريخنا الحديث، لم تكن حركة الصّراع الّتي عشناها مع الاستكبار العالميّ، أو مع الصّهيونيّة العالميّة، أو مع كلّ المواقع الّتي تتحرّك هنا وهناك، لم تكن تنطلق من قوّةٍ مطلقةٍ هناك، وضعفٍ مطلقٍ هنا، كانت المسألة قوّةً كبيرةً متحرّكة هناك، وقوّةً محايدةً جامدة هنا.. ضعفنا هو الّذي أعطى الآخرين كثيراً من قوّتهم، ولا أقول كلّ قوّتهم.
إنّ المسألة التي تتحدّى إنسانيّتنا، في كلّ قضايا الصّراع في الواقع، هي أن يعيش الإنسان دوره في حركة إنسانيّته في الواقع.
إنّ الإنسان الّذي لا يشارك في أيّ موقعٍ من مواقع الصّراع الّتي تمثّل القضايا الكبرى في الحياة، هو إنسان ميّت يتنفَّس، وميّت يتحرّك، لأنّ قضيّة أن تموت، ليس أن يموت جسدك، ولكن أن يموت دورك، أن لا يكون لك غنى في الحياة، وهذا ما ينبغي لنا أن نفكّر فيه.
ورد عن الإمام موسى الكاظم(ع): "أبَلغ خيراً وقل خيراً ولا تكن إمّعةً، فإنّ رسول الله نهى أن يكون المرء إمَّعة، قالوا: وما الإمّعة؟ قال: أن تقول أنا مع النّاس وأنا كواحدٍ من النّاس، إنما هما نجدان؛ نجد خيرٍ ونجد شرّ، فلا يكن نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير".
جاء رجل إلى عليٍّ(ع) وقال له: "أتراني أظنّ أنّ أصحاب الجمل كانوا على ضلالة وأنّنا على حقّ؟ قال: يا هذا ـ أو يا حارث ـ إنّك نظرت تحتك ولم تنظر إلى فوقك فحِرتَ، إنّك لم تعرف الحقّ فتعرف من أتاه، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه. اعرف الحقّ تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله".
اعرف المنهج، المضمون، الفكرة، القضيّة، لا تنظر إلى أحد، فالحقّ لا يُعرف بالرّجال، إلاّ الرّجال الّذين يجسّدون الحقّ من خلال عصمتهم، هؤلاء هم الحقّ مجسّداً.
الواقع التّاريخيّ لحادثة الغدير:
س4: يذكر مؤرّخو الشّيعة عدداً هائلاً من الصّحابة الّذين شهدوا حادثة غدير خُمّ، فكيف نصدِّق أن جُلّهم انقلب بعد ذلك وبايع أبا بكر؟
ج4: هذه الأمور نلاحظها كثيراً في حياتنا، إذ ربما نجد كثيراً من النّاس ممّن يتبعون بعض الشّخصيّات مثلاً، كالّتي تتميَّز في بعض الأوضاع السياسيّة أو المادّيّة أو الاجتماعيّة، نجدهم يتركونهم ويتركون أهل الحقّ في الأوقات العصيبة. هذا أوّلاً، ثم إنّ هناك احتمالاً آخر ذكره المرحوم السيّد عبد الحسين شرف الدّين في كتابه "المراجعات"، في حواره مع الشّيخ سليم البشري، شيخ الأزهر، يقول إنّ الجماعة لم يفهموا طبيعة الولاية كما نفهمها نحن، وإنّهم فهموا الأمور السياسيّة على الطريقة الجاهليّة في انتخاب رئيس العشيرة وما إلى ذلك، وربما تكون المسألة عدم وجود ذهنيّةٍ منفتحة على الولاية بطريقةٍ أو بأخرى. ولذلك يُروى أنّ عليّاً(ع) كان يطوف بالسيِّدة الزّهراء(ع) على المهاجرين والأنصار، وكانت تطالبهم بالحقّ الّذي تمثّله ولاية الإمام عليّ(ع)، فكان بعضهم يقول لها: لو أنّ عليّاً تقدَّم إلينا بذلك قبل أن نبايع، لكنّا بايعناه. لذلك افترضوا أنّهم بمبايعتهم أبا بكر، لم يعد هناك من مجال لأن ينقضوا هذه البيعة، وهذا ما يدلّ على عدم وجود الذهنيّة الواسعة عندهم، والتي تجعل قضيّة الولاية من القضايا الدّينيّة الّتي لا بدَّ للإنسان من أن يلتزم بها ويعمل لها.
علاقة الكفّار بيوم الغدير:
س5: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة:67]. ما علاقة الكافرين بواقعة الغدير؟
ج5: هذا خطابٌ من الله للرّسول(ص) يشمل الرّسالة كلّها من بداياتها إلى نهاياتها، والّتي تتمثّل بالولاية، ومن الطّبيعيّ جداً أنّ الله يريد أن يؤكّد للرّسول(ص)، أنّه إذا لم يبلغ النّهاية في قضيّة الرّسالة، فإنّ ذلك يجعله كأنّه بنى بناءً ثم بعد ذلك هدّمه، أو أنّه لم يركّزه على قاعدة أساسيّة. وبيّن له أنّه إذا بلّغ الرّسالة، فإنّ الكافرين، أيّاً كانوا، لا يمكن أن يهديهم الله. فالقضيّة ليست مربوطةً بمناسبة الآية نفسها، ولكنّها مربوطة بالقضيّة الكبرى في مسألة الرّسالة، والله العالم.
حديث الغدير:
س6: ما هو رأي سماحة السيّد فضل الله في صحّة حديث الغدير؟
ج6: إنّ الواقعة الّتي تمت في آخر حجّةٍ للرّسول(ص)، والّتي تسمّى حجّة الوداع، لا يمكن لأيّ شخصٍ إنكارها، كما أنّ الفريقين من السنّة والشّيعة يتّفقون على ذلك.
الشّهادة على غدير خمّ:
س7: يقال إنّ في غدير خُمّ كان عدد المسلمين الّذين سمعوا ما بلّغه رسول الله(ص) كثيراً، وبعد وفاة رسول الله، وجدنا أنّ عدد الّذين كانوا مع عليّ(ع) قليل، فما السّبب؟
ج7: لعلّ المسلمين الّذين كانوا في ذلك الوقت، كانوا لا يزالون خاضعين لتقاليدهم العشائريّة، وربما لم يكن لهم ذلك الوعي الّذي يفهمون فيه طبيعة ما ذكره النبيّ(ص) في غدير خُمّ، كما يتحدّث عن ذلك المرحوم السيّد عبد الحسين شرف الدّين في كتابه (المراجعات).
التّبليغ السّابق على الغدير:
س8: يفهم من هذه الآية الكريمة: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}[المائدة: 67]، ومن سبب النزول، أنّ رسول الله(ص) لم يبلَّغ أمر ولاية عليّ(ع) قبل نزول هذه الآية، في حين أنّ السنّة تؤكّد أنّ رسول الله(ص) أكّد ذلك في أكثر من موقع وفي أكثر من رواية؟
ج8: ربّما كان التّأكيد الأوّل المتنوّع في مواقع خاصَّة، ولكنّ لموقع الغدير خصوصيّة أخرى، باعتبار جمع المسلمين الغفير، حيث كانوا عائدين من حجّة الوداع، وقد قدموا من كلّ حدبٍ وصوب، لذلك فإنَّ من الممكن جدّاً أن يكون التّبليغ من خلال طبيعة هذا الجمع، وباعتبار أنّ الموقع الزّمنيّ هو موقع ترقّب المسلمين لوفاة النبيّ(ص)، حيث كان المسلمون يعيشون في ظرفٍ يعطي للمسألة امتداداً وحيويّةً أكثر، والله العالم.
http://arabic.bayynat.org.lb/ahlalbe...i_19112010.htm