شيعية موالية
12-08-2006, 09:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
http://alkarbalaeia.net/images/mhajer.gif
عن كتاب معجم الخطباء لمؤلفه داخل السيد حسن
أيها القاصـــــدُ قومـــــاً*** مــــلأوا الدنــــــيا مآثر
ورثوا المجـــــــــدَ تراثاً*** كــــابراً مــــن بعد كابر
في جبــــين الـدهر فخرٌ*** ولهـــم تُنمــــى المفاخر
فإذا مــــــــسّكَ ضــــيمٌ ***فاقـــصد الشيخ المهاجر
كم لـــــه وقــــــفةُ حق*** شهــــدت فيـــها المنابر
فهــــــو للمـــــــنكر ناهٍ*** وهــــو للمعـــروف آمر
وهو عــند الخطب طودٌ ***وبوجـــــه الظــــلم ثائر
ماجدٌ شهـــــمٌ كــــــريمٌ*** جـــوده كالسـحب ماطر
له شعــــري وشـعوري*** صغــــته عقــــد جواهر
في معرض الحديث عن ترجمة الشيخ المهاجر لا يقتصر الأمر على الجانب الفني أو الثقافي للمنبر الحسيني فحسب، وإنما هو حديث عن الرجولة والشرف والمروءة والنبل والأريحية والإيثار والخلق السامي والخصال اللامعة التي تميزت بها هذه الشخصية الشهيرة المعروفة.
للمهاجر رصيد كبير من المحبة والاحترام في نفوس عارفيه وأصدقائه لما له من نوايا طيبة، وسريرة نقية، ومشاعر رقيقة، وإنسانيات جمة. والحديث عن المهاجر لابد أن يقترن بالمجالس الصاخبة والتجمهر المذهل، والتدفق الهائل فهو خطيب جماهيري موفق، أينما خطب رأيت الساحات والشوارع والأزقة والسرادق مكتظة بجمهوره ورواد خطابته وهواة أحاديثه.
الشيخ عبد الحميد خطيب جسور من الدرجة الأولى يصدع بملء فيه لشجب الباطل ومحاربة الطغيان وترقيم الأحداث الراهنة.
للمهاجر المواقف المشهودة في مجالس العراق والخليج في الظروف القاتمة والأيام المظلمة، فهو الذي يقتحم حصون الطغيان ببليغ منطقه، ويجتاح قلاع الباطل بقوة عقيدته.
إذا اعتلى المهاجر أعواد المنابر تفجّر سحراً وبراعة، وشد إليه الأسماع عذوبة وإعجاباً وأدهش الحاضرين بمواقفه الجريئة وأحاديثه المسؤولة ثم لم يلبث حتى يتسلل إلى أعماق القلوب يحرك المشاعر ويؤجج العواطف بخطبه الحماسية اللاهبة.
المهاجر الخطيب المتميز بشدة تأثيره وحرارة تعبيره في نفوس جماهيره التي تزحف نحو محاضراته زحفاً حثيثاً، وتتهافت باتجاه الاستماع لمجالسه كما يتهافت الفراش باتجاه النور وهو يصعق الأسماع ويشدها إليه ويهدر بتلك الأمواج المتلاطمة من البشر ويبعث في نفوسها روح الحماس والاستبسال والرفض لكل أشكال الباطل وصنوف الظلم والطغيان.
***
تربطني بالمهاجر علاقة حميمة يعود تاريخها إلى أكثر من ربع قرن ولو طويت شريط الذكريات وتصفحت سجل الأوليات بحثاً عن اللقاء الأول لكان ذلك اللقاء في أواخر الستينات بدائرة تجنيد السماوة حيث حضر لاستكمال الإجراءات القانونية للحصول على موافقة للسفر إلى البحرين بمناسبة عاشوراء وكنت أنا الآخر بصدد تعقب معاملة دفع البدل النقدي عن الخدمة العسكرية ومن ثم الحصول على موافقة السفر أيضاً إلى منطقة الخليج، وحيث أن السماوة هي المحافظة الإدارية التي تتبعها بلديتنا الرميثة والخضر، وحيث أنها المركز الرئيسي الذي تحول إليه معاملات الأقضية والنواحي التابعة إدارياً لمحافظة المثنى، وبحكم الزي الموحد والعمل المتشابه تمّ اللقاء الأول على قاعدة (الطيور على أشكالها تقع) وكان لقاءً ودياً بريئاً أعقبته لقاءات متكررة وثقت عرى الصداقة وأحكمت روابط الأخوة بيني وبينه.
وكنت ألتقي الشيخ المهاجر وخصوصاً في مراسم زيارة سيد الشهداء (عليه السلام) بكربلاء المقدسة في المدارس الدينية كمدرسة البادكوبي ومدرسة ابن فهد الحلّي التي تزدحم بالطلبة الزائرين والمقيمين، وهناك كانت تجمعنا بعض المواسم الدينية مع ثلة طيبة من شبيبة طلبة العلوم وشباب الخطباء كالشيخ صادق ناصر الدين والشيخ ضياء الزبيدي والشيخ شاكر السماوي والشيخ خير الله السماوي والشيخ عبد الله عجيب وسواهم ممن لا تحضرني أسماؤهم.
وربما ارتقى المهاجر بتلك المواسم المنبر الحسيني في الشوارع والساحات العامة بكربلاء منذ ذلك التاريخ على تلك الحشود الهائلة من الزائرين خطيباً منفرداً مستقلاً أو تلميذاً ممهداً وخطيباً مقدماً لأستاذه فقيد المنبر الحسيني العلامة الجليل الشيخ عبد الزهراء الكعبي.
وهكذا تكررت اللقاءات مع الأخ المترجم له بمختلف البقاع والأصقاع، بدأ من السماوة التي تجمعنا إدارياً وجغرافياً ومروراً بكربلاء المقدسة التي تجمعنا عقائدياً وفكرياً وولائياً، ثم هجرة نحو الكويت، وخطابة في البحرين، ثم ضمتنا بلاد المهاجر والمنافي في دمشق وبيروت والعاصمة البريطانية لندن وغير ذلك من الأقطار والأمصار التي تتجدد بها بيننا أواصر الأخوة وعهود الصداقة.
الاسم والشهرة
إنما الدنيا حميدٌ وأيــــاديه الجسامُ
فإذا ولّـى حميدٌ فعلى الدنيا السلامُ
اسمه الحميد (حميد) ركّبه بإضافة العبودية فيما بعد فأصبح عبد الحميد ولقّبه مرجع ديني كبير بالمهاجر فاشتهر بهذا اللقب الذي هو حقاً اسم على مسمى وفعلاً هو الخطيب المهاجر الجوال برسالته المنبرية وخدماته الإسلامية فلا يكاد يهدأ في بلد حتى يهاجر لآخر، ولا يكاد يستقر في قطر أو مصر حتى يتحول إلى غيره، ولقد تجول بمعظم دول العالم وأقطار الدنيا شرقية وغريبة وخصوصاً البلاد الأوروبية والإفريقية والأسترالية ليكون مهاجراً حقيقياً في القول والعمل وليحرز لقبه بصدق وجدارة وانسجام.
ولما شاع وذاع واشتهر لقب المهاجر على إثر هجرته من مسقط رأسه في الرميثة إلى كربلاء المقدسة، جاءه أبوه إلى السجن متسائلاً ومستغرباً ومذكراً بنسبته الحقيقية قائلاً لماذا المهاجر وأنت الشمرتي؟! فقال إني هجرت الألقاب وهاجرت إلى الحسين فأنا المهاجر.
وشيخنا المترجم له نجفي الأصل من أبوين نجفيين خالصين فوالده المرحوم الحاج كزار عبد الرضا عبد الواحد الشمرتي الأسرة المعروفة في النجف، ووالدته من آل حرز وهي من الأسرة العلمية ومنها الشيخ محمد حرز صاحب مراقد المعارف ومعارف الرجال وغيرها من المؤلفات القيّمة.
إلا أن أسرته هاجرت هي الأخرى من موطنها النجف الأشرف ونزلت مدينة الرميثة على إثر أحداث الشمرت والزكرت الدامية في النجف يومذاك واستوطنتها بينما اتخذ بعض أعمامه مدينة السماوة موطناً ومستقراً لهم ابتعاداً عن المشاكل والعنتريات الصبيانية.
المولد والنشأة
وفي عام 1950م استقبلت مدينة الرميثة بأحضانها الوليد الحميد وتلقت بشائر ميلاده باليمن والحبور متأملة بفراستها الفطرية ما لهذا الوليد من مستقبل واعد مشرق.
فما أن تخطى سنوات البراءة الأولى حتى تجلت على قسمات وجهه مخائل الحب والوفاء وشمائل النجابة والولاء.
ففي الرابعة من عمره لقنه أبوه حب الحسين بأن أعطاه إناءً لتوزيع الماء في مجلس الحسين رافعاً صوته اشرب الماء واذكر عطش الحسين.
وفي الخامسة من عمره مثّل شبيه أولاد مسلم بن عقيل، وفي السنة السابعة مثّل شبيه القاسم بن الحسن، وكانت تقام في الرميثة مراسم الشبيه والتمثيل لواقعة الطف وكان من المساهمين والمشتركين في التمثيل بها في بواكير حياته، ولما بلغ من العمر تسعاً شرع في المبادئ الأولية لخدمة المنبر الحسيني.
دراسته
تتميز دراسة العلوم الدينية في معاهد الحوزات العلمية لمدارس أهل البيت (عليهم السلام) وتنفرد عما سواها من الدراسات الأخرى بأنها تستمد قوتها وإبداعها وتتركز عناصر نجاحها وتقدمها على الملكات الذاتية والجهود الشخصية للطالب المجد والتلميذ المجتهد، فكلما بذل قصارى جهده وأقصى طاقته في الجد والتحصيل كلما كان أكثر تفوقاً وأسرع تقدماً ونجاحاً في عمله الرسالي، ولم تكن الدراسة في هذه المؤسسات العلمية من أجل نيل الشهادة والحصول على وثيقة تخوله استلام منصب أو ممارسة وظيفة رسمية في وزارة الأوقاف أو سواها من الوظائف العامة، وإنما هي دراسة عبادية في حقيقتها المقصود بها وجه الله والهدف منها تبليغ رسالته إلى المجتمع.
وقد رفد هذا النظام الحر في دراسات الشريعة مجتمعنا الإسلامي بأساطين الفقهاء وجهابذة العلماء والطراز المتميز من الأدباء والشعراء والخطباء وسواهم من الطاقات المبدعة والشخصيات العملاقة، ومن هذه المنابع الصافية والمعاهد الحرّة انبثقت شخصية الخطيب المهاجر. فإذا ما تخطينا مراحله الأولى من دراسته الرسمية الاعتيادية التي تخرج منها مبتدئاً بمدارس الرميثة ومستكملاً دراسته الثانوية في كربلاء ثم انتسب لمدرسة الخطيب الأهلية التي تعادل معاهد الدراسات العليا. ثم انخرط في صفوف الحوزة العلمية بكربلاء المقدسة بعد هجرته إليها مباشرة عام 1963م. وكان يجمع بين الدراستين الرسمية والحوزوية في آن واحد.
ومن أساتذته في العلوم الإسلامية الشهيد المظلوم السيد حسن الشيرازي والسيد مجتبى الحسيني والشيخ جعفر الرشتي والسيد محمد الطباطبائي والشيخ ال***اسي والشيخ جابر العفجاوي، وقطع مراحل المقدمات والسطوح حتى وصل إلى مرحلة البحث الخارج وهي مرحلة متقدمة في الدراسات الدينية.
كما تولى التدريس الديني في كربلاء بمدارس تحفيظ القرآن الكريم وكانت له حلقة من طلاب العلم يلقي عليهم بعض الدروس العربية والإسلامية كالشرائع والمنطق والنحو وغيرها.
خطابته
المهاجر خطيب موسوعي طموح ومن الأركان المعاصرة الهامة في مؤسسة المنبر الحسيني. يتمتع بشعبية كبرى ورصيد جماهيري ضخم في مجالسه الحسينية ويتميز بتوحيد جهوده وحصرها وتكريسها في مجلس موحّد يلقي فيه كل الثقل الخطابي والإبداع المنبري.
ومن خصائصه المنبرية الاعتماد على القرآن والعترة في أحاديثه وقد جعل حديث الثقلين محور المنبر الحسيني وأساس المحاضرات الإسلامية التي يطرحها.
وهو ينعى على المنابر التي تبتعد عن المنهج القرآن والعترة الطاهرة في طروحاتها وعروضها المنبرية فهو ينتقد المنابر الفارسية الغارقة بالتصوف وأشعار مثنوي وغير ذلك من الأساليب الصوفية.
وكذلك بعض المنابر العربية التي تطغى عليها كثيراً مسحة الشعر الجاهلي وقصص العرب ومعالم الترف الفكري والثقافي والأدبي فهو يريد حضوراً فاعلاً للقرآن ولأهل البيت وما لهذين المصدرين من أهمية كبرى في التوجيه الاجتماعي نحو حياة أفضل ومجتمع أكمل.
ويرى الأستاذ المهاجر أن الاعتماد على الثقلين في مخاطبة الجمهور المعنى الحقيقي لمخاطبته بمنطق الفطرة وضمان عناصر النجاح ومقومات التأثير في النفوس وعدم الإخفاق في مسيرة المنبر الإصلاحية لأنها ترتكز على أساس متين.
تلقى المهاجر فن الخطابة من لدن الخطيب الشهير المرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي، فقد احتضنه الكعبي منذ هجرته الكربلائية ورعاه ووجّهه أحسن توجيه واتصل به اتصالاً وثيقاً وسكب عليه من خلقه السامي وتواضعه الجم وأفرغ عليه من حرارة إيمانه وصلابة معتقده وشدة إخلاصه وتفانيه في خدمة سيد الشهداء (عليه السلام) مما جعل شيخنا المترجم شديد التأثر بأستاذه الكعبي، غزير الدمعة إذا جاء ذكره، كثير الترحّم عليه والاعتزاز بشخصه والوفاء له، فطالما يعبر عنه بأنه ربانياً وولياً من الأولياء. يقول: كنت أرى الحسين في عينيه.
وحدثني الشيخ المهاجر عن حادثة طريفة كانت منعطفاً هاماً في حياته المنبرية، وكان مسرحها في مسقط رأسه قبل الهجرة، وفي بواكير انتسابه للخدمة الحسينية، أن ارتقى المنبر عام 1958م على وجه التحديد بأيام عبد الكريم قاسم، أمام الخطيب الجريء المرحوم السيد حسن الشخص لقراءة المقدمة، وما أن شرع بقراءة القصيدة الهائية المعروفة للسيد رضا الهندي (إن كان عندك عبرة تجريها) حتى ارتج عليه، وازدحمت الحروف والألفاظ على لسانه، وتعثر القول في فمه في بيت من بيوت القصيدة وهو (فعسى نبلُّ بها مضاجع صفوة) فقال: (معاضج صعوة)، وكلما حاول إصلاح الأمر لم يستطع، فبان الخجل والارتباك على وجهه فقام إليه السيد حسين السيد محمود وأنزله من المنبر، وسمع ما هزّ كيانه حياءً وإحراجاً، فاتخذ من هذا الفشل الذريع وسيلة للنجاح الكبير، وصمم على الجد والاجتهاد والتعويض حتى أصبح من الأرقام البارزة في المؤسسة الحسينية الكبرى.
والتلفزيون.
http://alkarbalaeia.net/images/mhajer.gif
عن كتاب معجم الخطباء لمؤلفه داخل السيد حسن
أيها القاصـــــدُ قومـــــاً*** مــــلأوا الدنــــــيا مآثر
ورثوا المجـــــــــدَ تراثاً*** كــــابراً مــــن بعد كابر
في جبــــين الـدهر فخرٌ*** ولهـــم تُنمــــى المفاخر
فإذا مــــــــسّكَ ضــــيمٌ ***فاقـــصد الشيخ المهاجر
كم لـــــه وقــــــفةُ حق*** شهــــدت فيـــها المنابر
فهــــــو للمـــــــنكر ناهٍ*** وهــــو للمعـــروف آمر
وهو عــند الخطب طودٌ ***وبوجـــــه الظــــلم ثائر
ماجدٌ شهـــــمٌ كــــــريمٌ*** جـــوده كالسـحب ماطر
له شعــــري وشـعوري*** صغــــته عقــــد جواهر
في معرض الحديث عن ترجمة الشيخ المهاجر لا يقتصر الأمر على الجانب الفني أو الثقافي للمنبر الحسيني فحسب، وإنما هو حديث عن الرجولة والشرف والمروءة والنبل والأريحية والإيثار والخلق السامي والخصال اللامعة التي تميزت بها هذه الشخصية الشهيرة المعروفة.
للمهاجر رصيد كبير من المحبة والاحترام في نفوس عارفيه وأصدقائه لما له من نوايا طيبة، وسريرة نقية، ومشاعر رقيقة، وإنسانيات جمة. والحديث عن المهاجر لابد أن يقترن بالمجالس الصاخبة والتجمهر المذهل، والتدفق الهائل فهو خطيب جماهيري موفق، أينما خطب رأيت الساحات والشوارع والأزقة والسرادق مكتظة بجمهوره ورواد خطابته وهواة أحاديثه.
الشيخ عبد الحميد خطيب جسور من الدرجة الأولى يصدع بملء فيه لشجب الباطل ومحاربة الطغيان وترقيم الأحداث الراهنة.
للمهاجر المواقف المشهودة في مجالس العراق والخليج في الظروف القاتمة والأيام المظلمة، فهو الذي يقتحم حصون الطغيان ببليغ منطقه، ويجتاح قلاع الباطل بقوة عقيدته.
إذا اعتلى المهاجر أعواد المنابر تفجّر سحراً وبراعة، وشد إليه الأسماع عذوبة وإعجاباً وأدهش الحاضرين بمواقفه الجريئة وأحاديثه المسؤولة ثم لم يلبث حتى يتسلل إلى أعماق القلوب يحرك المشاعر ويؤجج العواطف بخطبه الحماسية اللاهبة.
المهاجر الخطيب المتميز بشدة تأثيره وحرارة تعبيره في نفوس جماهيره التي تزحف نحو محاضراته زحفاً حثيثاً، وتتهافت باتجاه الاستماع لمجالسه كما يتهافت الفراش باتجاه النور وهو يصعق الأسماع ويشدها إليه ويهدر بتلك الأمواج المتلاطمة من البشر ويبعث في نفوسها روح الحماس والاستبسال والرفض لكل أشكال الباطل وصنوف الظلم والطغيان.
***
تربطني بالمهاجر علاقة حميمة يعود تاريخها إلى أكثر من ربع قرن ولو طويت شريط الذكريات وتصفحت سجل الأوليات بحثاً عن اللقاء الأول لكان ذلك اللقاء في أواخر الستينات بدائرة تجنيد السماوة حيث حضر لاستكمال الإجراءات القانونية للحصول على موافقة للسفر إلى البحرين بمناسبة عاشوراء وكنت أنا الآخر بصدد تعقب معاملة دفع البدل النقدي عن الخدمة العسكرية ومن ثم الحصول على موافقة السفر أيضاً إلى منطقة الخليج، وحيث أن السماوة هي المحافظة الإدارية التي تتبعها بلديتنا الرميثة والخضر، وحيث أنها المركز الرئيسي الذي تحول إليه معاملات الأقضية والنواحي التابعة إدارياً لمحافظة المثنى، وبحكم الزي الموحد والعمل المتشابه تمّ اللقاء الأول على قاعدة (الطيور على أشكالها تقع) وكان لقاءً ودياً بريئاً أعقبته لقاءات متكررة وثقت عرى الصداقة وأحكمت روابط الأخوة بيني وبينه.
وكنت ألتقي الشيخ المهاجر وخصوصاً في مراسم زيارة سيد الشهداء (عليه السلام) بكربلاء المقدسة في المدارس الدينية كمدرسة البادكوبي ومدرسة ابن فهد الحلّي التي تزدحم بالطلبة الزائرين والمقيمين، وهناك كانت تجمعنا بعض المواسم الدينية مع ثلة طيبة من شبيبة طلبة العلوم وشباب الخطباء كالشيخ صادق ناصر الدين والشيخ ضياء الزبيدي والشيخ شاكر السماوي والشيخ خير الله السماوي والشيخ عبد الله عجيب وسواهم ممن لا تحضرني أسماؤهم.
وربما ارتقى المهاجر بتلك المواسم المنبر الحسيني في الشوارع والساحات العامة بكربلاء منذ ذلك التاريخ على تلك الحشود الهائلة من الزائرين خطيباً منفرداً مستقلاً أو تلميذاً ممهداً وخطيباً مقدماً لأستاذه فقيد المنبر الحسيني العلامة الجليل الشيخ عبد الزهراء الكعبي.
وهكذا تكررت اللقاءات مع الأخ المترجم له بمختلف البقاع والأصقاع، بدأ من السماوة التي تجمعنا إدارياً وجغرافياً ومروراً بكربلاء المقدسة التي تجمعنا عقائدياً وفكرياً وولائياً، ثم هجرة نحو الكويت، وخطابة في البحرين، ثم ضمتنا بلاد المهاجر والمنافي في دمشق وبيروت والعاصمة البريطانية لندن وغير ذلك من الأقطار والأمصار التي تتجدد بها بيننا أواصر الأخوة وعهود الصداقة.
الاسم والشهرة
إنما الدنيا حميدٌ وأيــــاديه الجسامُ
فإذا ولّـى حميدٌ فعلى الدنيا السلامُ
اسمه الحميد (حميد) ركّبه بإضافة العبودية فيما بعد فأصبح عبد الحميد ولقّبه مرجع ديني كبير بالمهاجر فاشتهر بهذا اللقب الذي هو حقاً اسم على مسمى وفعلاً هو الخطيب المهاجر الجوال برسالته المنبرية وخدماته الإسلامية فلا يكاد يهدأ في بلد حتى يهاجر لآخر، ولا يكاد يستقر في قطر أو مصر حتى يتحول إلى غيره، ولقد تجول بمعظم دول العالم وأقطار الدنيا شرقية وغريبة وخصوصاً البلاد الأوروبية والإفريقية والأسترالية ليكون مهاجراً حقيقياً في القول والعمل وليحرز لقبه بصدق وجدارة وانسجام.
ولما شاع وذاع واشتهر لقب المهاجر على إثر هجرته من مسقط رأسه في الرميثة إلى كربلاء المقدسة، جاءه أبوه إلى السجن متسائلاً ومستغرباً ومذكراً بنسبته الحقيقية قائلاً لماذا المهاجر وأنت الشمرتي؟! فقال إني هجرت الألقاب وهاجرت إلى الحسين فأنا المهاجر.
وشيخنا المترجم له نجفي الأصل من أبوين نجفيين خالصين فوالده المرحوم الحاج كزار عبد الرضا عبد الواحد الشمرتي الأسرة المعروفة في النجف، ووالدته من آل حرز وهي من الأسرة العلمية ومنها الشيخ محمد حرز صاحب مراقد المعارف ومعارف الرجال وغيرها من المؤلفات القيّمة.
إلا أن أسرته هاجرت هي الأخرى من موطنها النجف الأشرف ونزلت مدينة الرميثة على إثر أحداث الشمرت والزكرت الدامية في النجف يومذاك واستوطنتها بينما اتخذ بعض أعمامه مدينة السماوة موطناً ومستقراً لهم ابتعاداً عن المشاكل والعنتريات الصبيانية.
المولد والنشأة
وفي عام 1950م استقبلت مدينة الرميثة بأحضانها الوليد الحميد وتلقت بشائر ميلاده باليمن والحبور متأملة بفراستها الفطرية ما لهذا الوليد من مستقبل واعد مشرق.
فما أن تخطى سنوات البراءة الأولى حتى تجلت على قسمات وجهه مخائل الحب والوفاء وشمائل النجابة والولاء.
ففي الرابعة من عمره لقنه أبوه حب الحسين بأن أعطاه إناءً لتوزيع الماء في مجلس الحسين رافعاً صوته اشرب الماء واذكر عطش الحسين.
وفي الخامسة من عمره مثّل شبيه أولاد مسلم بن عقيل، وفي السنة السابعة مثّل شبيه القاسم بن الحسن، وكانت تقام في الرميثة مراسم الشبيه والتمثيل لواقعة الطف وكان من المساهمين والمشتركين في التمثيل بها في بواكير حياته، ولما بلغ من العمر تسعاً شرع في المبادئ الأولية لخدمة المنبر الحسيني.
دراسته
تتميز دراسة العلوم الدينية في معاهد الحوزات العلمية لمدارس أهل البيت (عليهم السلام) وتنفرد عما سواها من الدراسات الأخرى بأنها تستمد قوتها وإبداعها وتتركز عناصر نجاحها وتقدمها على الملكات الذاتية والجهود الشخصية للطالب المجد والتلميذ المجتهد، فكلما بذل قصارى جهده وأقصى طاقته في الجد والتحصيل كلما كان أكثر تفوقاً وأسرع تقدماً ونجاحاً في عمله الرسالي، ولم تكن الدراسة في هذه المؤسسات العلمية من أجل نيل الشهادة والحصول على وثيقة تخوله استلام منصب أو ممارسة وظيفة رسمية في وزارة الأوقاف أو سواها من الوظائف العامة، وإنما هي دراسة عبادية في حقيقتها المقصود بها وجه الله والهدف منها تبليغ رسالته إلى المجتمع.
وقد رفد هذا النظام الحر في دراسات الشريعة مجتمعنا الإسلامي بأساطين الفقهاء وجهابذة العلماء والطراز المتميز من الأدباء والشعراء والخطباء وسواهم من الطاقات المبدعة والشخصيات العملاقة، ومن هذه المنابع الصافية والمعاهد الحرّة انبثقت شخصية الخطيب المهاجر. فإذا ما تخطينا مراحله الأولى من دراسته الرسمية الاعتيادية التي تخرج منها مبتدئاً بمدارس الرميثة ومستكملاً دراسته الثانوية في كربلاء ثم انتسب لمدرسة الخطيب الأهلية التي تعادل معاهد الدراسات العليا. ثم انخرط في صفوف الحوزة العلمية بكربلاء المقدسة بعد هجرته إليها مباشرة عام 1963م. وكان يجمع بين الدراستين الرسمية والحوزوية في آن واحد.
ومن أساتذته في العلوم الإسلامية الشهيد المظلوم السيد حسن الشيرازي والسيد مجتبى الحسيني والشيخ جعفر الرشتي والسيد محمد الطباطبائي والشيخ ال***اسي والشيخ جابر العفجاوي، وقطع مراحل المقدمات والسطوح حتى وصل إلى مرحلة البحث الخارج وهي مرحلة متقدمة في الدراسات الدينية.
كما تولى التدريس الديني في كربلاء بمدارس تحفيظ القرآن الكريم وكانت له حلقة من طلاب العلم يلقي عليهم بعض الدروس العربية والإسلامية كالشرائع والمنطق والنحو وغيرها.
خطابته
المهاجر خطيب موسوعي طموح ومن الأركان المعاصرة الهامة في مؤسسة المنبر الحسيني. يتمتع بشعبية كبرى ورصيد جماهيري ضخم في مجالسه الحسينية ويتميز بتوحيد جهوده وحصرها وتكريسها في مجلس موحّد يلقي فيه كل الثقل الخطابي والإبداع المنبري.
ومن خصائصه المنبرية الاعتماد على القرآن والعترة في أحاديثه وقد جعل حديث الثقلين محور المنبر الحسيني وأساس المحاضرات الإسلامية التي يطرحها.
وهو ينعى على المنابر التي تبتعد عن المنهج القرآن والعترة الطاهرة في طروحاتها وعروضها المنبرية فهو ينتقد المنابر الفارسية الغارقة بالتصوف وأشعار مثنوي وغير ذلك من الأساليب الصوفية.
وكذلك بعض المنابر العربية التي تطغى عليها كثيراً مسحة الشعر الجاهلي وقصص العرب ومعالم الترف الفكري والثقافي والأدبي فهو يريد حضوراً فاعلاً للقرآن ولأهل البيت وما لهذين المصدرين من أهمية كبرى في التوجيه الاجتماعي نحو حياة أفضل ومجتمع أكمل.
ويرى الأستاذ المهاجر أن الاعتماد على الثقلين في مخاطبة الجمهور المعنى الحقيقي لمخاطبته بمنطق الفطرة وضمان عناصر النجاح ومقومات التأثير في النفوس وعدم الإخفاق في مسيرة المنبر الإصلاحية لأنها ترتكز على أساس متين.
تلقى المهاجر فن الخطابة من لدن الخطيب الشهير المرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي، فقد احتضنه الكعبي منذ هجرته الكربلائية ورعاه ووجّهه أحسن توجيه واتصل به اتصالاً وثيقاً وسكب عليه من خلقه السامي وتواضعه الجم وأفرغ عليه من حرارة إيمانه وصلابة معتقده وشدة إخلاصه وتفانيه في خدمة سيد الشهداء (عليه السلام) مما جعل شيخنا المترجم شديد التأثر بأستاذه الكعبي، غزير الدمعة إذا جاء ذكره، كثير الترحّم عليه والاعتزاز بشخصه والوفاء له، فطالما يعبر عنه بأنه ربانياً وولياً من الأولياء. يقول: كنت أرى الحسين في عينيه.
وحدثني الشيخ المهاجر عن حادثة طريفة كانت منعطفاً هاماً في حياته المنبرية، وكان مسرحها في مسقط رأسه قبل الهجرة، وفي بواكير انتسابه للخدمة الحسينية، أن ارتقى المنبر عام 1958م على وجه التحديد بأيام عبد الكريم قاسم، أمام الخطيب الجريء المرحوم السيد حسن الشخص لقراءة المقدمة، وما أن شرع بقراءة القصيدة الهائية المعروفة للسيد رضا الهندي (إن كان عندك عبرة تجريها) حتى ارتج عليه، وازدحمت الحروف والألفاظ على لسانه، وتعثر القول في فمه في بيت من بيوت القصيدة وهو (فعسى نبلُّ بها مضاجع صفوة) فقال: (معاضج صعوة)، وكلما حاول إصلاح الأمر لم يستطع، فبان الخجل والارتباك على وجهه فقام إليه السيد حسين السيد محمود وأنزله من المنبر، وسمع ما هزّ كيانه حياءً وإحراجاً، فاتخذ من هذا الفشل الذريع وسيلة للنجاح الكبير، وصمم على الجد والاجتهاد والتعويض حتى أصبح من الأرقام البارزة في المؤسسة الحسينية الكبرى.
والتلفزيون.