كنوز الارض
08-12-2010, 08:09 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
كثيراً ما تعلق عادات ومفاهيم بالية في حياتنا ونتعامل معها على انها جزء منا ومن كيان المجتمع ، بل وتعيش معنا كل مفردات الحياة اليومية ، ولم نحاسبها او نحاكمها في يوم من الايام و نتجنب الخوض فيها والسؤال عنها حتى صارت كياناً يولد الرهبة في المجتمع الشيعي فأصبحت عند البعض هوية .
ومن هذه المفاهيم هو مناقشة ذوي الاختصاص من المجتهدين في مسألة معينة ، واذا تبين خطأ المجتهد ومخالفته لما وصل لنا من اهل بيت المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) ، فإن الحل الفوري لغالبية الناس هو الذهاب للتشكيك فيما صدر عن اهل البيت ، لأن تخطئة المجتهد جناية على الدين والمذهب عند البعض . ولا ادري هل هناك ثقلا موازياً لأل محمد (عليهم السلام) في نفوس الناس مضافا للكتاب !!
بعض الاحيان يتم التعامل مع المجتهد او المختص على انه شخص معصوم لا يمكن ان يفكر المرء لحظة بأن الاخطاء والهفوات التي ترافق الناس ممكن ان تمسه . وبالعودة لما صدر عن ال محمد (عليهم السلام) بشأن الفقهاء وسبل التعامل معهم يتبين لنا بما لا يقبل اللبس انه لا توجد طاعة لغير المعصوم ، اللهم الا سؤال الفقيه عن مسائل تخفى على من يجهلها من حكم ال محمد في هذه المسألة او تلك ، وهذا غير الذي يحصل حاليا للاسف .
فم نر يوما مجتمعنا الشيعي قد حاسب فقيها معينا او ردّ اخر وفق ما أمرنا به المعصومين (عليهم السلام) ، فصار الفقيه عوضاً عن المعصوم في الحياة وبدأت رحلة التخلي عن المعصوم تتكرس في النفوس دون ان يشعر المجتمع بذلك .
لانريد ان يفهم القارئ بأننا هنا نشن هجوما على الفقهاء ، ابداً ، بل هو محاولة لتهيئة الذهن للفرز الصحيح وكل شئ يوضع بنصابه وحقه ، فليس كل العنب يوضع بسلة واحده فمنه الفاسد ومنه الجيد .
فالروايات التي وصلت عن طريق الائمة المعصومين (عليهم السلام) ، حذرت الشيعة من جملة من الفقهاء يخلطون الحابل بالنابل والمصداق بالمفهوم ويجعلون من انفسهم كياناً مقدساً ليحل بنفوس بعض الناس محل المعصوم ، وهنا نريد ان نشير الى مسألة الافتاء بالرأي والاجتهاد والاحكام الظنية كصورة من نمطية الانحراف الفكري الذي حذر منه ال محمد (صلوات الله عليهم) ، ففي بصائر الدرجات ورد هذا الخبر عن أبي جعفر(ع) أنه قال: ( لو أنا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا و لكنا حدثنا ببينة من ربنا بينها لنبيه فبينها لنا ) . وهنا الامام الباقر يتحدث عن نفسه بأنه لا يتحدث برأيه ، فلا يكون الحكم الا يقينيا ، وعبّر عمن يتحدث بالرأي ويفتي بالرأي والاجتهاد بانه ضال كمن ضل من الامم السابقة.
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام : ( (من أفتى الناس برأيه فقد دان بما لا يعلم ، ومن دان بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم ). والاخبار كثيرة جدا ولسنا بصدد استقصائها بل المراد هو التنبيه الى هذه المسألة الخطيرة التي تفشت في المجتمع الشيعي حتى صارت جزءاً منه ، وهي : اتباع الفقهاء في كل ما يقولون دون تدبر او تفكر او حتى مطالبة المجتهد بالدليل من أهل البيت ، وهذا حال من يخالف او يبتعد عن بعض الحكم اليقيني الذي ورد عن المعصومين فما بالكم اليوم وقد نحّى جملة كبيرة من الفقهاء هذه المسألة جانبا ، وصار مدار الاحكام هو قواعد ظنية اصولية وضعية ، وهذا الحال لايمكن ان تصفه الكلمات .
عن ابيبصير قال قلت لابيعبدالله (عليه السلام) : (يرد علينا اشياء ليس نعرفها في كتاب و لا سنة فننظر فيها ؟؟ فقال : لا ، اما انك ان اصبت لم توجر ، و ان كان خطاء كذبت على الله ) .
قد يقول قائل ، قد امرنا ال محمد بالتقليد واتباع المجتهد في زمن الغيبة الكبرى لتعذر الوصول للمعصوم ! فنقول لهذا القائل بأن التقليد لايكون باتباع الظن والاجتهاد والرأي ، بل لا يكون الا بسؤال الفقيه عن امور واحكام صدرت عن المعصوم وقد غابت عنا لقلة اطلاعنا اوتقصيرنا ، فالمجتهدين اليوم احكامهم ظنية وفق قواعد اصولية وضعية لا علاقة لها بالمعصوم لا من قريب ولا من بعيد .
وهنا نريد ان نسأل اي احد من الناس الذين يقلدون المجتهدين ويجعلون اتباعهم موازيا لتقليد المعصوم ، هل من دليل شرعي على ذلك ؟؟
الحقيقة لايوجد اي دليل شرعي على تقليد المجتهدين ، بل الادلة بخلاف ذلك كما ورد اعلاه وغاية ما يمكن ان يحتج به احدهم هو روايتين لا تصلحان للاحتجاج وفق القواعد الرجالية التي تعتمد اليوم في الحوزات وهما اولا ما ورد عن الامام الصادق (ع) ، وفيه فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ حَافِظاً لِدِينِهِ مُخَالِفاً عَلَى هَوَاهُ مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ وهذا الخبر لا يصلح ابدا للاحتجاج كونه خبرا مرسلا ولو اردنا التنزل ومناقشة المتن فهو نص مقطوع من نص طويل مفاده ان العوام الذين يقلدون اناسا يفتون بارائهم واجتهاداتهم يكونوا كعوام اليهود الذين اطاعوا فقهائهم ، وفيه تحذير شديد جدا من اتباع الفقهاء الذين يفتون بارائهم ويركبون مراكب العامة واليكم النص كاملا :
قَالَ رَجُل لِلصَّادِقِ (ع) : إِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْعَوَامُّ مِنَ الْيَهُودِ لَا يَعْرِفُونَ الْكِتَابَ إِلَّا بِمَا يَسْمَعُونَهُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَكَيْفَ ذَمَّهُمْ بِتَقْلِيدِهِمْ وَ الْقَبُولِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَ هَلْ عَوَامُّ الْيَهُودِ إِلَّا كَعَوَامِّنَا يُقَلِّدُونَ عُلَمَاءَهُمْ إِلَى أَنْ قَالَ فَقَالَ ع بَيْنَ عَوَامِّنَا وَ عَوَامِّ الْيَهُودِ فَرْقٌ مِنْ جِهَةٍ وَ تَسْوِيَةٌ مِنْ جِهَةٍ أَمَّا مِنْ حَيْثُ الِاسْتِوَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ ذَمَّ عَوَامَّنَا بِتَقْلِيدِهِمْ عُلَمَاءَهُمْ كَمَا ذَمَّ عَوَامَّهُم وَ أَمَّا مِنْ حَيْثُ افْتَرَقُوا فَإِنَّ عَوَامَّ الْيَهُودِ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا عُلَمَاءَهُمْ بِالْكَذِبِ الصُّرَاحِ وَ أَكْلِ الْحَرَامِ وَ الرِّشَا وَ تَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ وَاضْطُرُّوا بِقُلُوبِهِمْ إِلَى اَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ فَاسِقٌ لَايَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَى اللَّهِ وَ لَا عَلَى الْوَسَائِطِ بَيْنَ الْخَلْقِ وَ بَيْنَ اللَّهِ فَلِذَلِكَ ذَمَّهُمْ وَ كَذَلِكَ عَوَامُّنَا إِذَا عَرَفُوا مِنْ عُلَمَائِهِمُ الْفِسْقَ الظَّاهِرَ وَ الْعَصَبِيَّةَ الشَّدِيدَةَ وَالتَّكَالُبَ عَلَى الدُّنْيَا وَ حَرَامِهَا فَمَنْ قَلَّدَ مِثْلَ هَؤُلَاءِ فَهُوَ مِثْلُ الْيَهُودِ الَّذِينَ ذَمَّهُمُ اللَّهُ بِالتَّقْلِيدِ لِفَسَقَةِ عُلَمَائِهِمْ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ حَافِظاً لِدِينِهِ مُخَالِفاً عَلَى هَوَاهُ مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ وَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْضَ فُقَهَاءِ الشِّيعَةِ لَا كُلَّهُمْ فَإِنَّ مَنْ رَكِبَ مِنَ الْقَبَائِحِ وَ الْفَوَاحِشِ مَرَاكِبَ عُلَمَاءِ الْعَامَّةِ فَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُمْ عَنَّا شَيْئاً وَ لَا كَرَامَة وَ إِنَّمَا كَثُرَ التَّخْلِيطُ فِيمَا يُتَحَمَّلُ عَنَّا أَهْلَ الْبَيْت لِذَلِكَ لِأَنَّ الْفَسَقَةَ يَتَحَمَّلُونَ عَنَّا فَيُحَرِّفُونَهُ بِأَسْرِهِ لِجَهْلِهِمْ وَ يَضَعُونَ الْأَشْيَاءَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ وَ آخَرُونَ يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ عَلَيْنَا. ووضعنا النص المشار اليه تحته خط ليتبين تماما المعنى المراد ، ففقهاء العامة يفتون بارائهم واجتهاداتهم واحكامهم ظنية كما هو معلوم ، والخبر يشير الى ذم من يتبع الفقهاء اصحاب الرأي والاجتهاد ، لا يحث على اتباعهم كما يحاول ان يوهم البعض .
ثم خبر اخرا يستدلون به على ضرورة اتباع المجتهدين او كما يحلو للبعض تسميتهم بأهل الاختصاص وهو توقيع شريف صادر من الامام المهدي (سلام الله عليه) لسفيره الثاني محمد بن عثمان العمري وايضا يستدلون بجزء مقتطع من نص ولا يوردونه كاملا وهذا الجزء المقتطع : (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم) . وكسابقه هذا النص لا يصلح للاحتجاج بحسب القواعد الحوزوية لانه خبر ضعيف عندهم وقد ضعفه جملة من فقهاء الشيعة منهم السيد الخميني (رحمه الله) في كتاب البيع ومن الذين ضعفوه ايضا السيد ابو القاسم الخوئي (رحمه الله) في كتاب الاجتهاد والتقليد .
وسنتنزل ايضا ونناقش الخبر فهو خارج من الامام المهدي (ع) للسفير الثاني يحث الناس فيه على اتباع رواة الحديث باعتبارهم الجهة المتصلة بالمعصوم وهم السفراء في الغيبة الصغرى وقال عنهم حجته على الناس باعتبار انهم الوحيدين المتصلين بالامام المهدي (صلوات الله عليه) ، فليس هناك مايشير الى وجوب تقليد المجتهد في هذا التوقيع ، ثم نسال : على اي اعتبار ممكن ان يعتبر المجتهد راوي حديث !!!!
اذا كان مجرد رواية الحديث يعتبر حجة على الناس فيكون بهذا الامر كل من يروي احاديث اهل البيت (ع) حجة الامام المهدي على الناس وقد يصل العدد الى الملايين وفق هذا المفهوم الذي ذهبوا اليه ، فلا يمكن لاي انسان عاقل ان يقول بهذا القول . وهل يجعل الامام المهدي بنفس الوقت اكثر من الاف الحجج على الناس وهم اصلا مختلفين فيما بينهم ؟!!!
ومما يثير الاستغراب ان بعضهم يستدل على وجوب تقليد المجتهد بالاية القرآنية (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) .
وواضح ان الناس التي تنفر لابد ان تنفر الى حجة الله وتأخذ من حجة الله ، وعندما يرجعون الى قومهم ينقلون لهم احكام وعلم حجة الله في الارض سواء كان نبيا او وصيا ، فلا وجود لاي معنى يوجب اتباع المجتهد بل على العكس هو النقل عن المعصوم وكما وضحنا سابقا في كل الدلالات التي اشارت اليها الاحاديث السابقة.
فهذه صرخة لمجتمعنا الشيعي الذي صار يتبع بلا محاسبة او متابعة اورقابة ، بل لا يعرف سوى الايمائات بالقبول وكأن أمر المعصوم لا يعنيه بالمرة ، حتى صار الفقيه بدل المعصوم عند اكثر الناس بل ربما جعله بعض الناس معصوما آخر.
والحمدلله رب العالمین
كثيراً ما تعلق عادات ومفاهيم بالية في حياتنا ونتعامل معها على انها جزء منا ومن كيان المجتمع ، بل وتعيش معنا كل مفردات الحياة اليومية ، ولم نحاسبها او نحاكمها في يوم من الايام و نتجنب الخوض فيها والسؤال عنها حتى صارت كياناً يولد الرهبة في المجتمع الشيعي فأصبحت عند البعض هوية .
ومن هذه المفاهيم هو مناقشة ذوي الاختصاص من المجتهدين في مسألة معينة ، واذا تبين خطأ المجتهد ومخالفته لما وصل لنا من اهل بيت المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) ، فإن الحل الفوري لغالبية الناس هو الذهاب للتشكيك فيما صدر عن اهل البيت ، لأن تخطئة المجتهد جناية على الدين والمذهب عند البعض . ولا ادري هل هناك ثقلا موازياً لأل محمد (عليهم السلام) في نفوس الناس مضافا للكتاب !!
بعض الاحيان يتم التعامل مع المجتهد او المختص على انه شخص معصوم لا يمكن ان يفكر المرء لحظة بأن الاخطاء والهفوات التي ترافق الناس ممكن ان تمسه . وبالعودة لما صدر عن ال محمد (عليهم السلام) بشأن الفقهاء وسبل التعامل معهم يتبين لنا بما لا يقبل اللبس انه لا توجد طاعة لغير المعصوم ، اللهم الا سؤال الفقيه عن مسائل تخفى على من يجهلها من حكم ال محمد في هذه المسألة او تلك ، وهذا غير الذي يحصل حاليا للاسف .
فم نر يوما مجتمعنا الشيعي قد حاسب فقيها معينا او ردّ اخر وفق ما أمرنا به المعصومين (عليهم السلام) ، فصار الفقيه عوضاً عن المعصوم في الحياة وبدأت رحلة التخلي عن المعصوم تتكرس في النفوس دون ان يشعر المجتمع بذلك .
لانريد ان يفهم القارئ بأننا هنا نشن هجوما على الفقهاء ، ابداً ، بل هو محاولة لتهيئة الذهن للفرز الصحيح وكل شئ يوضع بنصابه وحقه ، فليس كل العنب يوضع بسلة واحده فمنه الفاسد ومنه الجيد .
فالروايات التي وصلت عن طريق الائمة المعصومين (عليهم السلام) ، حذرت الشيعة من جملة من الفقهاء يخلطون الحابل بالنابل والمصداق بالمفهوم ويجعلون من انفسهم كياناً مقدساً ليحل بنفوس بعض الناس محل المعصوم ، وهنا نريد ان نشير الى مسألة الافتاء بالرأي والاجتهاد والاحكام الظنية كصورة من نمطية الانحراف الفكري الذي حذر منه ال محمد (صلوات الله عليهم) ، ففي بصائر الدرجات ورد هذا الخبر عن أبي جعفر(ع) أنه قال: ( لو أنا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا و لكنا حدثنا ببينة من ربنا بينها لنبيه فبينها لنا ) . وهنا الامام الباقر يتحدث عن نفسه بأنه لا يتحدث برأيه ، فلا يكون الحكم الا يقينيا ، وعبّر عمن يتحدث بالرأي ويفتي بالرأي والاجتهاد بانه ضال كمن ضل من الامم السابقة.
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام : ( (من أفتى الناس برأيه فقد دان بما لا يعلم ، ومن دان بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم ). والاخبار كثيرة جدا ولسنا بصدد استقصائها بل المراد هو التنبيه الى هذه المسألة الخطيرة التي تفشت في المجتمع الشيعي حتى صارت جزءاً منه ، وهي : اتباع الفقهاء في كل ما يقولون دون تدبر او تفكر او حتى مطالبة المجتهد بالدليل من أهل البيت ، وهذا حال من يخالف او يبتعد عن بعض الحكم اليقيني الذي ورد عن المعصومين فما بالكم اليوم وقد نحّى جملة كبيرة من الفقهاء هذه المسألة جانبا ، وصار مدار الاحكام هو قواعد ظنية اصولية وضعية ، وهذا الحال لايمكن ان تصفه الكلمات .
عن ابيبصير قال قلت لابيعبدالله (عليه السلام) : (يرد علينا اشياء ليس نعرفها في كتاب و لا سنة فننظر فيها ؟؟ فقال : لا ، اما انك ان اصبت لم توجر ، و ان كان خطاء كذبت على الله ) .
قد يقول قائل ، قد امرنا ال محمد بالتقليد واتباع المجتهد في زمن الغيبة الكبرى لتعذر الوصول للمعصوم ! فنقول لهذا القائل بأن التقليد لايكون باتباع الظن والاجتهاد والرأي ، بل لا يكون الا بسؤال الفقيه عن امور واحكام صدرت عن المعصوم وقد غابت عنا لقلة اطلاعنا اوتقصيرنا ، فالمجتهدين اليوم احكامهم ظنية وفق قواعد اصولية وضعية لا علاقة لها بالمعصوم لا من قريب ولا من بعيد .
وهنا نريد ان نسأل اي احد من الناس الذين يقلدون المجتهدين ويجعلون اتباعهم موازيا لتقليد المعصوم ، هل من دليل شرعي على ذلك ؟؟
الحقيقة لايوجد اي دليل شرعي على تقليد المجتهدين ، بل الادلة بخلاف ذلك كما ورد اعلاه وغاية ما يمكن ان يحتج به احدهم هو روايتين لا تصلحان للاحتجاج وفق القواعد الرجالية التي تعتمد اليوم في الحوزات وهما اولا ما ورد عن الامام الصادق (ع) ، وفيه فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ حَافِظاً لِدِينِهِ مُخَالِفاً عَلَى هَوَاهُ مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ وهذا الخبر لا يصلح ابدا للاحتجاج كونه خبرا مرسلا ولو اردنا التنزل ومناقشة المتن فهو نص مقطوع من نص طويل مفاده ان العوام الذين يقلدون اناسا يفتون بارائهم واجتهاداتهم يكونوا كعوام اليهود الذين اطاعوا فقهائهم ، وفيه تحذير شديد جدا من اتباع الفقهاء الذين يفتون بارائهم ويركبون مراكب العامة واليكم النص كاملا :
قَالَ رَجُل لِلصَّادِقِ (ع) : إِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْعَوَامُّ مِنَ الْيَهُودِ لَا يَعْرِفُونَ الْكِتَابَ إِلَّا بِمَا يَسْمَعُونَهُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَكَيْفَ ذَمَّهُمْ بِتَقْلِيدِهِمْ وَ الْقَبُولِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَ هَلْ عَوَامُّ الْيَهُودِ إِلَّا كَعَوَامِّنَا يُقَلِّدُونَ عُلَمَاءَهُمْ إِلَى أَنْ قَالَ فَقَالَ ع بَيْنَ عَوَامِّنَا وَ عَوَامِّ الْيَهُودِ فَرْقٌ مِنْ جِهَةٍ وَ تَسْوِيَةٌ مِنْ جِهَةٍ أَمَّا مِنْ حَيْثُ الِاسْتِوَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ ذَمَّ عَوَامَّنَا بِتَقْلِيدِهِمْ عُلَمَاءَهُمْ كَمَا ذَمَّ عَوَامَّهُم وَ أَمَّا مِنْ حَيْثُ افْتَرَقُوا فَإِنَّ عَوَامَّ الْيَهُودِ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا عُلَمَاءَهُمْ بِالْكَذِبِ الصُّرَاحِ وَ أَكْلِ الْحَرَامِ وَ الرِّشَا وَ تَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ وَاضْطُرُّوا بِقُلُوبِهِمْ إِلَى اَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ فَاسِقٌ لَايَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَى اللَّهِ وَ لَا عَلَى الْوَسَائِطِ بَيْنَ الْخَلْقِ وَ بَيْنَ اللَّهِ فَلِذَلِكَ ذَمَّهُمْ وَ كَذَلِكَ عَوَامُّنَا إِذَا عَرَفُوا مِنْ عُلَمَائِهِمُ الْفِسْقَ الظَّاهِرَ وَ الْعَصَبِيَّةَ الشَّدِيدَةَ وَالتَّكَالُبَ عَلَى الدُّنْيَا وَ حَرَامِهَا فَمَنْ قَلَّدَ مِثْلَ هَؤُلَاءِ فَهُوَ مِثْلُ الْيَهُودِ الَّذِينَ ذَمَّهُمُ اللَّهُ بِالتَّقْلِيدِ لِفَسَقَةِ عُلَمَائِهِمْ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ حَافِظاً لِدِينِهِ مُخَالِفاً عَلَى هَوَاهُ مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ وَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْضَ فُقَهَاءِ الشِّيعَةِ لَا كُلَّهُمْ فَإِنَّ مَنْ رَكِبَ مِنَ الْقَبَائِحِ وَ الْفَوَاحِشِ مَرَاكِبَ عُلَمَاءِ الْعَامَّةِ فَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُمْ عَنَّا شَيْئاً وَ لَا كَرَامَة وَ إِنَّمَا كَثُرَ التَّخْلِيطُ فِيمَا يُتَحَمَّلُ عَنَّا أَهْلَ الْبَيْت لِذَلِكَ لِأَنَّ الْفَسَقَةَ يَتَحَمَّلُونَ عَنَّا فَيُحَرِّفُونَهُ بِأَسْرِهِ لِجَهْلِهِمْ وَ يَضَعُونَ الْأَشْيَاءَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ وَ آخَرُونَ يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ عَلَيْنَا. ووضعنا النص المشار اليه تحته خط ليتبين تماما المعنى المراد ، ففقهاء العامة يفتون بارائهم واجتهاداتهم واحكامهم ظنية كما هو معلوم ، والخبر يشير الى ذم من يتبع الفقهاء اصحاب الرأي والاجتهاد ، لا يحث على اتباعهم كما يحاول ان يوهم البعض .
ثم خبر اخرا يستدلون به على ضرورة اتباع المجتهدين او كما يحلو للبعض تسميتهم بأهل الاختصاص وهو توقيع شريف صادر من الامام المهدي (سلام الله عليه) لسفيره الثاني محمد بن عثمان العمري وايضا يستدلون بجزء مقتطع من نص ولا يوردونه كاملا وهذا الجزء المقتطع : (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم) . وكسابقه هذا النص لا يصلح للاحتجاج بحسب القواعد الحوزوية لانه خبر ضعيف عندهم وقد ضعفه جملة من فقهاء الشيعة منهم السيد الخميني (رحمه الله) في كتاب البيع ومن الذين ضعفوه ايضا السيد ابو القاسم الخوئي (رحمه الله) في كتاب الاجتهاد والتقليد .
وسنتنزل ايضا ونناقش الخبر فهو خارج من الامام المهدي (ع) للسفير الثاني يحث الناس فيه على اتباع رواة الحديث باعتبارهم الجهة المتصلة بالمعصوم وهم السفراء في الغيبة الصغرى وقال عنهم حجته على الناس باعتبار انهم الوحيدين المتصلين بالامام المهدي (صلوات الله عليه) ، فليس هناك مايشير الى وجوب تقليد المجتهد في هذا التوقيع ، ثم نسال : على اي اعتبار ممكن ان يعتبر المجتهد راوي حديث !!!!
اذا كان مجرد رواية الحديث يعتبر حجة على الناس فيكون بهذا الامر كل من يروي احاديث اهل البيت (ع) حجة الامام المهدي على الناس وقد يصل العدد الى الملايين وفق هذا المفهوم الذي ذهبوا اليه ، فلا يمكن لاي انسان عاقل ان يقول بهذا القول . وهل يجعل الامام المهدي بنفس الوقت اكثر من الاف الحجج على الناس وهم اصلا مختلفين فيما بينهم ؟!!!
ومما يثير الاستغراب ان بعضهم يستدل على وجوب تقليد المجتهد بالاية القرآنية (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) .
وواضح ان الناس التي تنفر لابد ان تنفر الى حجة الله وتأخذ من حجة الله ، وعندما يرجعون الى قومهم ينقلون لهم احكام وعلم حجة الله في الارض سواء كان نبيا او وصيا ، فلا وجود لاي معنى يوجب اتباع المجتهد بل على العكس هو النقل عن المعصوم وكما وضحنا سابقا في كل الدلالات التي اشارت اليها الاحاديث السابقة.
فهذه صرخة لمجتمعنا الشيعي الذي صار يتبع بلا محاسبة او متابعة اورقابة ، بل لا يعرف سوى الايمائات بالقبول وكأن أمر المعصوم لا يعنيه بالمرة ، حتى صار الفقيه بدل المعصوم عند اكثر الناس بل ربما جعله بعض الناس معصوما آخر.
والحمدلله رب العالمین