صبر الحوراء
08-12-2010, 06:39 PM
الكاتب: وليد المشرفاوي | القسم: الثورة الحسينية (http://site.jannatalhusain.net/articles.php?catid=9)
http://pictures.brooonzyah.net/fwasel/2.gif
إستشهاد أبيّ الضيم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) حدثٌ مجسَّمُ الإبعاد متحرّكٌ مع الزمن، بل هو قيّم وشاهد عليه, وإن عقول المفكرين والأدباء المتنورة وقرائح الشعراء والفنانين المتوهجة فيما لو تحررت من الحُجب، لَتجد نفسها أمام معين لا ينضب من الاستنتاجات والصور والدروس والعبر.. كيف لا وهم بإزاء حقيقة ربانية اقتضت حكمة مدبّر الخلق أن يجسدها في صورة إمام يمشي بين الناس، فكان الحسين الشهيد عنواناً للطهر والفضيلة والاستقامة والذوبان في المبدأ، تمثل في وجود الحق ليرسم للأجيال ملامح درب عزتهم وكرامتهم على الأزمان، سخياً في إراقة دمه الزاكي، فاقتدت به عصارة الأمة من أهل بيته وأنصاره، وقضوا جميعاً قرابين من أجل إعلاء كلمة الله تعالى، وليبقى الدين حياً فاعلاً في النفوس، فأي مستوىً من الارتباط كان للحسين بالمبدأ؟ وهو تحت ضربات صفحات السيوف ورؤوس الأسنة التي تنهش جسمه الشريف، إذ عاد منهار القوى الجسدية، يعالج الأمر باتكائه على الأرض، فيضيف الأرجاس له ألماً فوق تلك الآلام، فيرشقونه بحجر على جبهته الشريفة، ويبجس (1) منها الدم كالميزاب، يأخذه بيده الشريفة مخضِّباً به رأسه الشريف ولحيته الكريمة، ويأخذ حفنة أخرى، فيرمق السماء بطرفه ويقذف بدمه الطاهر إليها، فلم تنزل منه قطرة! مردداً بصوته المتهدج (2): «إلهي، إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى».
لم يحن الوقت بعد لتعرف الشعوب هذه الحقيقة الربانية، بسبب طغيان وكثافة سحب الكفر والظلم والإنحراف في أرجاء المعمورة، فحجبت تلك الشمس الساطعة من أن تبصرها كل العيون وتعانقها كل القلوب! فلم يزل دم الحسين يلون الزمان والمكان، واستحال ذلك الدم راية خفاقة على مرّ الزمن، ليستهدي بها طلاب الحق في صراعهم ضد الباطل، وقد أثبت الواقع أن هذه الحقيقة أبت إلا أن تفرض نفسها، وما زالت تتسع دائرتها حتى بلوغ تمام غايتها، وبما أن اتساع مساحة الحق لا ترضي الطواغيت والظلمة ومن أخذت الثقافة الجاهلية بأزمتهم، فيكون التناسب بينهما عكسياً، وتوسع دائرة الحسين التي هي دائرة الدين الإسلامي بالتأكيد، يعني تضيق مساحات الظلمة، ولهذا فالصراع قائم والمعركة مستمرة.
لا مغالاة أبداً حين نقول: إن نور الحسين قد أعطى اكتمالاً لمعنى فلسفة صراع الحق ضد الباطل، لأن نتائج الصراع على مرّ القرون السالفة وإن كانت مؤلمة لما سُفك على منحر الحق من دماءٍ زواكي لرسل وأنبياء وأئمة وصلحاء, وما سطروا من عبر ودروس في سفر علياء قيم الإخلاص لله تعالى، والصبر في سبيله والثبات على ذات الدرب الحق.. لكن الذي بدا هو أن سيد الشهداء الحسين (صلوات الله عليه) هو الوارث لذلك الإخلاص والصبر والثبات, وكانت مأساته اختزالاً لكل تلك المعاناة والمآسي, إنطوت مساحة تضحيته على متنوع التضحيات, وتجديد ذكرى الجهد الحسيني هو إحياء أمين لكل تلك الجهود.
إذن، لم يكن إحياء ذكرى الفاجعة الكبرى في كربلاء إلا إحياءً لرسالة كل النبوات والثورات الحقة على مر التاريخ، وعادت المجالس الحسينية إحياءً لكل مفاصل دين الله، بمثابة دورة توعوية تمر بها الأمة، وهي بحالة من الرغبة والتطوع والاستعداد للاستماع والإذعان لكل طرح محكم في عرضه وأدلته، ولكم أن تتصوروا حال الأمة لو لم يكن هناك مجالساً حسينية، فستأخذ الناسَ الدنيا من تلابيبهم ولتقذف بهم في فيافي البعد عن الدين، كما تلحظه في المجتمعات الأخرى التي نصابحها ونماسيها، ونلحظ آثار ذلك على أوضاعهم بوضوح تام.
كان الاستشهاد في الطف استشهاداً هادفاً ذا علاقة بعملية تغيير ما في النفوس، ليغير الله تعالى ما في أحوال الناس لما فيه الفلاح والصلاح، وهو ذات الهدف الذي طلبه الإمام الشهيد في نهضته المقدسة، فكانت تلك الدماء الطاهرة مقدمة لأهداف الرافضين للظلم, والتوافق إلى إصلاح أحوال شعوبهم، ولذا قيل فيه (سلام الله عليه) أنه "كعبة الثوار" و"معلم الأحرار".
لقد تجاوز إحياء هذه الشعيرة المقدسة أوطان أتباع أهل البيت (عليهم السلام) إلى كل أصقاع الدنيا، وعلى أيدي الطغاة أنفسهم, فحين تعرّض أتباع أهل البيت (عليهم السلام) إلى الظلم الشديد من قبل الطغاة، إذ لاحقوهم شرّ ملاحقة وأذاقوهم شتى صنوف الألم والعذاب، إضطرت الجموع - بسبب هذا الضغط من قبل الطغاة - إلى الانتشار في أرض الله الواسعة، هروباً من جحيم الطغاة, فكان الحرص على إثبات الهوية هناك وكان الارتباط بالحسين هو العلامة المميزة لهذه الهوية، لذا لم نعد نستغرب أن تنقل لنا شاشة التلفاز مجالس حسينية في مشيكان الأمريكية أو ديترويت أو موسكو أو بكين أو أفريقيا أو استراليا.. وهذا ما يلزم الطاقات الفاعلة في مجتمعنا من التفكير في إبداع البرامج المؤثرة في تلك الشعوب، من خلال ممارسة فعاليات يمكن الدفاع عنها، لترجمة أمينة لمقولة: "الدين محمدي الوجود حسيني البقاء"، فإن حملة الأمانة الحسينية هم حملة أمانة العقيدة السمحاء بلا أدنى ريب، كما يلزم من مفكرينا وأدبائنا وخطبائنا ومثقفينا تكريس التوعية الشعبية تجاه ما تواجهنا من مخاطر جمة, وبأشكال مختلفة وصور متنوعة وأساليب مخادعة، لتمكين الأفكار والأطروحات غير السليمة من الإمساك بتلابيب أمورنا، من خلال الأموال والإغراءات وتشويه صورة رموز الأمة وقادتها، فليجعل الخطباء من مبادئ الحسين شاهداً على حاضرنا، وهي كذلك, فلا عزة للأمة إلا بإسلامها العزيز، ولا كرامة لها إلا أن تكن حسينية في مبادئها حرة في قرارها، ولا هداية لها إلا بإكبارها لدور سادتها وكبرائها, ولا خير يرتجى لها إن غفلت عن سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا هو مبتغى الإمام الحسين (عليه السلام) الشاهد الحاضر والقيم على التاريخ.
http://pictures.brooonzyah.net/fwasel/2.gif
إستشهاد أبيّ الضيم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) حدثٌ مجسَّمُ الإبعاد متحرّكٌ مع الزمن، بل هو قيّم وشاهد عليه, وإن عقول المفكرين والأدباء المتنورة وقرائح الشعراء والفنانين المتوهجة فيما لو تحررت من الحُجب، لَتجد نفسها أمام معين لا ينضب من الاستنتاجات والصور والدروس والعبر.. كيف لا وهم بإزاء حقيقة ربانية اقتضت حكمة مدبّر الخلق أن يجسدها في صورة إمام يمشي بين الناس، فكان الحسين الشهيد عنواناً للطهر والفضيلة والاستقامة والذوبان في المبدأ، تمثل في وجود الحق ليرسم للأجيال ملامح درب عزتهم وكرامتهم على الأزمان، سخياً في إراقة دمه الزاكي، فاقتدت به عصارة الأمة من أهل بيته وأنصاره، وقضوا جميعاً قرابين من أجل إعلاء كلمة الله تعالى، وليبقى الدين حياً فاعلاً في النفوس، فأي مستوىً من الارتباط كان للحسين بالمبدأ؟ وهو تحت ضربات صفحات السيوف ورؤوس الأسنة التي تنهش جسمه الشريف، إذ عاد منهار القوى الجسدية، يعالج الأمر باتكائه على الأرض، فيضيف الأرجاس له ألماً فوق تلك الآلام، فيرشقونه بحجر على جبهته الشريفة، ويبجس (1) منها الدم كالميزاب، يأخذه بيده الشريفة مخضِّباً به رأسه الشريف ولحيته الكريمة، ويأخذ حفنة أخرى، فيرمق السماء بطرفه ويقذف بدمه الطاهر إليها، فلم تنزل منه قطرة! مردداً بصوته المتهدج (2): «إلهي، إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى».
لم يحن الوقت بعد لتعرف الشعوب هذه الحقيقة الربانية، بسبب طغيان وكثافة سحب الكفر والظلم والإنحراف في أرجاء المعمورة، فحجبت تلك الشمس الساطعة من أن تبصرها كل العيون وتعانقها كل القلوب! فلم يزل دم الحسين يلون الزمان والمكان، واستحال ذلك الدم راية خفاقة على مرّ الزمن، ليستهدي بها طلاب الحق في صراعهم ضد الباطل، وقد أثبت الواقع أن هذه الحقيقة أبت إلا أن تفرض نفسها، وما زالت تتسع دائرتها حتى بلوغ تمام غايتها، وبما أن اتساع مساحة الحق لا ترضي الطواغيت والظلمة ومن أخذت الثقافة الجاهلية بأزمتهم، فيكون التناسب بينهما عكسياً، وتوسع دائرة الحسين التي هي دائرة الدين الإسلامي بالتأكيد، يعني تضيق مساحات الظلمة، ولهذا فالصراع قائم والمعركة مستمرة.
لا مغالاة أبداً حين نقول: إن نور الحسين قد أعطى اكتمالاً لمعنى فلسفة صراع الحق ضد الباطل، لأن نتائج الصراع على مرّ القرون السالفة وإن كانت مؤلمة لما سُفك على منحر الحق من دماءٍ زواكي لرسل وأنبياء وأئمة وصلحاء, وما سطروا من عبر ودروس في سفر علياء قيم الإخلاص لله تعالى، والصبر في سبيله والثبات على ذات الدرب الحق.. لكن الذي بدا هو أن سيد الشهداء الحسين (صلوات الله عليه) هو الوارث لذلك الإخلاص والصبر والثبات, وكانت مأساته اختزالاً لكل تلك المعاناة والمآسي, إنطوت مساحة تضحيته على متنوع التضحيات, وتجديد ذكرى الجهد الحسيني هو إحياء أمين لكل تلك الجهود.
إذن، لم يكن إحياء ذكرى الفاجعة الكبرى في كربلاء إلا إحياءً لرسالة كل النبوات والثورات الحقة على مر التاريخ، وعادت المجالس الحسينية إحياءً لكل مفاصل دين الله، بمثابة دورة توعوية تمر بها الأمة، وهي بحالة من الرغبة والتطوع والاستعداد للاستماع والإذعان لكل طرح محكم في عرضه وأدلته، ولكم أن تتصوروا حال الأمة لو لم يكن هناك مجالساً حسينية، فستأخذ الناسَ الدنيا من تلابيبهم ولتقذف بهم في فيافي البعد عن الدين، كما تلحظه في المجتمعات الأخرى التي نصابحها ونماسيها، ونلحظ آثار ذلك على أوضاعهم بوضوح تام.
كان الاستشهاد في الطف استشهاداً هادفاً ذا علاقة بعملية تغيير ما في النفوس، ليغير الله تعالى ما في أحوال الناس لما فيه الفلاح والصلاح، وهو ذات الهدف الذي طلبه الإمام الشهيد في نهضته المقدسة، فكانت تلك الدماء الطاهرة مقدمة لأهداف الرافضين للظلم, والتوافق إلى إصلاح أحوال شعوبهم، ولذا قيل فيه (سلام الله عليه) أنه "كعبة الثوار" و"معلم الأحرار".
لقد تجاوز إحياء هذه الشعيرة المقدسة أوطان أتباع أهل البيت (عليهم السلام) إلى كل أصقاع الدنيا، وعلى أيدي الطغاة أنفسهم, فحين تعرّض أتباع أهل البيت (عليهم السلام) إلى الظلم الشديد من قبل الطغاة، إذ لاحقوهم شرّ ملاحقة وأذاقوهم شتى صنوف الألم والعذاب، إضطرت الجموع - بسبب هذا الضغط من قبل الطغاة - إلى الانتشار في أرض الله الواسعة، هروباً من جحيم الطغاة, فكان الحرص على إثبات الهوية هناك وكان الارتباط بالحسين هو العلامة المميزة لهذه الهوية، لذا لم نعد نستغرب أن تنقل لنا شاشة التلفاز مجالس حسينية في مشيكان الأمريكية أو ديترويت أو موسكو أو بكين أو أفريقيا أو استراليا.. وهذا ما يلزم الطاقات الفاعلة في مجتمعنا من التفكير في إبداع البرامج المؤثرة في تلك الشعوب، من خلال ممارسة فعاليات يمكن الدفاع عنها، لترجمة أمينة لمقولة: "الدين محمدي الوجود حسيني البقاء"، فإن حملة الأمانة الحسينية هم حملة أمانة العقيدة السمحاء بلا أدنى ريب، كما يلزم من مفكرينا وأدبائنا وخطبائنا ومثقفينا تكريس التوعية الشعبية تجاه ما تواجهنا من مخاطر جمة, وبأشكال مختلفة وصور متنوعة وأساليب مخادعة، لتمكين الأفكار والأطروحات غير السليمة من الإمساك بتلابيب أمورنا، من خلال الأموال والإغراءات وتشويه صورة رموز الأمة وقادتها، فليجعل الخطباء من مبادئ الحسين شاهداً على حاضرنا، وهي كذلك, فلا عزة للأمة إلا بإسلامها العزيز، ولا كرامة لها إلا أن تكن حسينية في مبادئها حرة في قرارها، ولا هداية لها إلا بإكبارها لدور سادتها وكبرائها, ولا خير يرتجى لها إن غفلت عن سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا هو مبتغى الإمام الحسين (عليه السلام) الشاهد الحاضر والقيم على التاريخ.