ابو فاطمة العذاري
09-12-2010, 11:28 AM
الأدب في العصر الإسلامي (صدر الإسلام)
ويبرز في تأريخ الأدب بالنسبة لهذا العصر أمرين أساسين جديدين :
1 ـ القرآن الكريم :
كان من أهمّ عوامل تعزيز وتوحيد اللغة والتي أدّت إلى حفظ اللغة العربية حيّةً وهو الكتاب الوحيد المصون و المحفوظ من التحريف والخالد لجميع العصور البشرية قال تعالى :
(( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنس وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيراً )) .
كما عمق القرآن الكريم علوماً وفنوناً شتّى في العربية منها اللغة والنحو والصرف والقصّة والعَروض... وغيرها.
2 ـ الحديث الشريف:
ويشمل حديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأقوال الأئمّة ( عليهم السلام ) وهي كالأتي :
أ ـ حديث رسول الله (ص):
المصدر الثاني من مصادر معرفة الشريعة الإسلامية قال تعالى:
(( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ))
وكلام محمد ( ص ) ذو بلاغة رفيعة وروعة بيان كما كان أثره عميق في اللغة والأدب إذ وسّع المادة اللغوية بإدخال ألفاظ وتعبيرات جديدة وكان ( ص ) أفصح الناس لساناً وأرجحهم عقلاً وأصحّهم فهماً ومن نماذج أحاديثه (ص):
1ـ «أدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي»
2ـ «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النّاسُ مِنْ يَدِهِ وَلِسانِهِ»
3ـ «إنّما بُعثت لاُِتمّم مكارمَ الأخلاق»
ب ـ أقوال أمير المؤمنين (عليه السلام) وباقي الائمة (ع):
كان علي (ع) أفصح الناس بعد النبي ( ص ) في البيان فهو إمامُ الفصاحة وسيِّد البلغاء بعد سيّد الأنبياء (عليه السلام) والذي يطّلع على نهج البلاغة يلاحظ انه كما قال العلماء "دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق" ومن نماذجه عهده (عليه السلام) لمالك الأشتر ووصفه للمتقين أو للطاووس ومن أقواله (ع):
1 ـ «إِلهي مَا عَبَدتُكَ خَوْفاً مِنْ نارِكَ، وَلاَ طَمَعاً فِي جَنَّتِكَ، لكن وَجَدتُكَ أَهْلاً لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدتُكَ»
2 ـ «هَلَكَ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال وَمُبْغِضٌ قَال»
3ـ «قِيمَةُ كُلِّ امْرِىء مَا يُحْسِنُهُ»
********************
الادب في هذا العصر
تطور الأدب العربي بعد البعثة النبوية الشريفة بشكل كبير فقد جاء الإسلام وغيّر الحياة الجاهلية وأخرج العرب من الظلمات إلى النور، وأثر في حياتهم تأثيراً كبيراً، ورسم لهم طريقاً جديداً، فكثير من الأدباء من انتفع بذلك المنهج الإلهي فسار على نهجه كحسان، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك.
ومن الأدباء من لم ينتفع بما نهجه الإسلام وإنما رجع إِلى تقليد الجاهليين والسير على نهجهم .
وقد تغير هيكل القصيدة ووحدتها، فكانت تتميز بالفواتح الإسلامية للقصائد تمثلت في تسبيح الله، والدعاء، والترحم على الشهداء، والحكم الإسلامية ، وذم الخمر والتوبة، وحمد الله وشكره، فمثلا اتجهت معاني الغزل إلى الأوصاف الشخصية للمرأة بعيداً عن الإثارة والمفاتن الجسدية، من حيث أنها ملتزمة جانب العفاف وجمال الخلق والسيرة .
فمثلا جاء شعر الرثاء بمعاني الصبر، واحتساب الثواب في الآخرة، وتأكيد نعيم الجنة والخلود، وإبراز دور الشهيد في الدنيا الآخرة وضرب الحكم والأمثال .
********************
اهم الاغراض الشعرية بعصر صدر الاسلام:
1- المدح: حيث الإشادة بالإسلام ونبيه العظيم وبيان محاسنه وفضائله ومن أجمل ما قيل في مدح الرسول (ص) قصيدة (بانت سعاد) التي ألقاها كعب بن زهير بين يدي الرسول ومن أبيات تلك القصيدة قوله:
إنَّ الرَّسُولَ لنورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ من سيوفِ الله مَسْلُولُ
2- الهجاء: حيث وضف الشعراء الشعر لهجاء أعداء العقيدة وبيان مثالبهم ومن ذلك قول عبد الله بن رواحه في ذم قريش لكفرها:
خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا فكل الخير من رسوله
3- الحماسة: حيثيشجعالمقاتلينمنالمسلمينعلىالقتالويعتزبانتصارالم سلمينعلىالأعداء،ومنالشعراءالذينبرعوا بذلككعببنمالك؛فلهأشعارحماسيةفيكثيرمنغزواتالرسول ومنه قوله بمعركة احد:
فَرَاحُوا سِرَاعاً مُوجِفِيَن كَأَنَّهُمْ جَهَامٌ هَرَاقَتْ مَاءهُ الرِّيح مُقْلعُ
ورُحْنَا وأُخْرَانَا تَطَـانَا كـَأنّنَا أُسُودٌ عَلَى لَحْمٍ بِبِيشَةَ ظُلـَّعُ
4- رثاء الذين يفقدون من الأحبة والأبطال ومن يستشهد في الحروب وبيان مدحهم والثناء عليهم ونجد الرثاء أصبح لمن يستحقه بالفضل وعلو الشان ومن ذلك رثاء الإمام علي للنبي والزهراء (ص):
ان افتقادي فاطم بعد احمد دليل على ان لا يدوم خليل
********************
اطلاله حول الادب الاسلامي عبر عصور الادب التاريخية ...الحلقة السابعة
العصر الأموي
ومدته منذ ان تسلط معاوية على المسلمين الى ان سقطت الدولة الأموية وقد تميز هذا العصر بكثرة الانقسامات وتوسع أرجاء الدولة وتنوع أغراض الشعر والنثر ويمكننا أن نبوب الأدب في هذا العصر إلى أقسام اهمها:
الأوّل: اتجاهات عامة بمختلف أغراض الشعر أبرزها الغزل بنوعيه: الماجن والعفيف
الثاني: أدب الطفّ (عاشوراء) منه ما قيل في الواقعة ومنه بعدها
الثالث: الأدب والشعر السياسي الديني لحركات معينة .
القسم الأوّل: اتجاهات عديدة:
كالهجاء والمدح وغيرها ولكن الملفت للنضر كثرة ظاهرة الغزل المستغرق لقصيدة كاملة ويمكن تقسيم الغزل إلى نوعين:
1 ـ الغزل المـاجن ( الغزل الحضري ): غزل إباحي لا يتعفف فيه الشاعر عن ذكر محاسن المرأة الجسدية ومفاتنها، وغالبا ما لا يتقيد الشاعر بمحبوبة واحدة. واشتهر به عمر بن أبي ربيعة. وساعد عليه كثرة الرقيق وانتشار ضروب الملاهي والغناء والموسيقى حيث الفضائح في البلاط الأموي التي نُشرت في الكتب الأدبية تعكس شرب الخمر والزنا وغيرها من المفاسد وأشعار الفسق والفجور من قِبل الأمويين فقد روي أنّ الوليد بن يزيد بن عبد الملك استفتح في القرآن فخرجت له الآية الكريمة:
( وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّار عَنِيد ) فألقى المصحف من يده ورماه بسهم ثمّ أنشد:
تُهدّدُني بجبار عنيد نعم أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربّك يوم حشر فقل يا ربّ مزقني الوليد
2 ـ الغزل العفيف ( العذري ): وسمي بذلك نسبة إلى قبيلة (بني عذرة) التي اشتهر شعراؤها بالعفة في غالب شعرهم بإظهار شوقهم لمحبوباتهم.
كثر هذا الشعر في البدو ويمتاز شعرهم بالعفة والعذوبة وأنّه سهل ترتاح إليه النفس الإنسانية. وعادة ما يلتزمون محبوبة واحدة طوال عمرهم لذا يشتهر - أغلبهم – وهم منسوبين إلى محبوباتهم مثل: جميل بن معمر (جميل بثينة) (كثير عزة) وغيره
********************
القسم الثاني أدب الطف
تحتوي هذه الواقعة العظيمة الكثير من التراث الادبي الذي يفوق الخزين الادبي لكل أحداث التاريخ العربي بل العالمي والموسف انك تجد تجاهل كثير من كتّاب الأدب الاشارة إلى أدب الطفّ رغم احتوائه نماذج من النصوص النثرية والشعرية التي لا يستغني تاريخ الأدب عنها .
فلا يمكن لاي احد أن يهمل هذا الكنز العظيم لتراث أدبي عريق من واقعة الطفّ سواء ما ورد من نفس نصوص أحداث الواقعة من اقوال المعسكرين او ما قيل بعد الواقعة من اعداد هائلة من النصوص الادبية الرائعة المستمرة لحد الان فلقد تبارى الشعراء في رثاء الحسين( عليه السلام ) فأكثروا في كل الفترات التي أعقبت تلك الحادثة .
والمهم هنا اننا نجد ان أدب الطفّ يتضمن:
1ـ المنسوب للحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) منذ بداية خروجهم من المدينة إلى كربلاء ثمّ إلى الشام وانتهاءً بالمدينة وكذلك ما نُسب إلى معسكر العدوّ من شعر ونثر ومنه ما روي ان الحسين (ع) خطب باصحابه ليلة العاشر فقال:
« أما بعد ، فإني لا أعلم أصحاباً خيراً منكم ، ولا أهل بيتٍ أفضل وأبر من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ، وليأخذ كل رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي ، وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم ، فإنهم لا يريدون غيري ».
ومما قاله العباس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام) عند قتاله:
والله إن قطعتم يميني إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقينِ نجل النبيّ الطاهر الأمين
ومما ورد عن السيّدة زينب (عليها السلام) خطبتها بالكوفة وكأنّها الصاعقة المدوية حيث قال بشير بن خزيم الأسدي ( ونظرت إلى زينب بنت علي عليه السلام يومئذ فلم أر خفرة قط أنطق منها كأنها تفرغ من لسان أمير المؤمنين عليه السلام وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس .
ثم قالت: الحمد لله والصلاة على جدي محمد وآله الطيبين الأخيار أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزالها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ألا وهل فيكم إلا الصلف والنطف والصدر والشنف وملق الإماء وغمز الأعداء أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون أتبكون وتنتحبون إي والله فأبكوا كثيراً واضحكوا قليلاً فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شاب أهل الجنة وملاذ خيرتكم ومفرغ نازلتكم ومنار حجتكم ومدرة سنتكم ألا ساء ما تزرون وبعداً لكم سحقاً فلقد خاب السعي وتبت الأ يدي وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم وأي كريمة له أبرزتم وأي دم له سفكتم وأي حرمة له انتهكتم لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء (وفي بعضها : خرقاء) شوهاء كطلاع الأرض وملاء السماء أفعجبتم أن مطرت السماء دماً ، ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون ، فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحفزه البدار ولا يخاف فوت الثار وإن ربكم لبالمرصاد فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتى أخضلت لحيته وهو يقول: بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونساؤكم خير النساء ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى)
ومن النماذج المقابلة التي قالها اعداء الحسين(ع) يروى إنّ سنان بن أنس النخعي جاء بباب ابن زياد وبيده الرأس الشريف وأنشأ يقول:
أوقر ركابي فضّةً أو ذهبا ًإنّي قتلت السيّد المحجّبا
قتلت خير الناس اُمّاً وأباً وخيرهم إذ ينسبون نسباً
2ـ ما قيل عن واقعة الطفّ من شعر وخطابة وغيرها من الفنون والانواع الادبية بعد تلك الواقعة إلى يومنا وهو خزين هائل وكبير جدا يفوق الحصر شعرا ونثرا وبحاجه الى دراسة ومتابعة وتحليل لكشف المضامين العقائدية والروحية والفكرية التي تحملها نصوص الأدب العاشورائي .
فمن النماذج القيمة التي قيلت ما نظمه العالم الأديب الشريف الرضي بقصيدته المشهورة التي بلغت 62 بيتاً في رثاء جدّه الحسين (عليه السلام) بقوله:
كربلاء لا زلتِ كَرباً وبَلا ما لقي عِندكِ آلُ المُصطفى
كم على تُربك لمّا صُرّعوا من دم سالَ ومن دمع جَرى
ووجوهاً كالمصابيح فمن قمر غاب ونجم هوى
لم يذوقوا الماء حتّى اجتمعوا بِحدى السيف على ورد الردى
قتلوهُ بعد علم مِنْهُمُ أنّه خامسُ أصحاب الكِسا
غسلوه بدم الطعن وما كفنوه غيرَ بَوْغَاء الثرى
لو رسولُ الله يحيى بعدَهُ قَعَدَ اليومَ عليه للعَزا
يا قتيلاً فَوّضَ الدَّهرُ به عُمُد الدين وأعلام الهدى
ولقد نظم العلاّمة السيّد رضا الهندي في إحدى قصائده:
إن كان عندك عبرة تجريها فانزل بأرض الطفّ كي نسقيها
لمْ أنسَ إذْ هتكوا حماها فانثنتْ تشكو لواعجها إلى حاميها
تدعو فتحترق القلوب كأنّما يرمي حشاها جمرة من فيها
وذكرتُ إذ وقفت عقيلة حيدر مذهولة تُصغي لصوت أخيها
بأبي التي ورثتْ مصائب اُمّها فغدتْ تقابلها بصبر أبيها
و يصف السيّد صالح مهدي بحر العلوم الرأس الشريف وكيف نصبت السماء العزاء والحداد على الإمام الحسين ( عليه السلام ) في قصيدته العصماء الرائعة:
أروحُك أمْ روحُ النُّبوّةِ تَصعدُ من الأرض للفردوس والحورُ سُجَّدُ
ورأسكَ أمْ رأسُ الرسولِ على القنا بآيةِ أهل الكهف راحَ يُرَدِّدُ
وصدرُكَ أم مُستودعُ العلمِ والحِجى لتحطيمهِ جَيشٌ من الجَهل يَعمَدُ
وشاطَرَت الأرضُ السماءَ بشجوِها فواحدةٌ تبكي واُخرى تُعَدِّدُ
وقد نصب الوحي العزاءَ ببيتِهِ عليكَ حِداداً والمُعَزَّى مُحَمَّدُ
فأيُّ شهيد صَلَتِ الشمسُ جسمَه ومشهدُها من أصلِهِ مُتولِّدُ
وأيُّ ذبيح داست الخيلُ صَدْرَهُ وفرسانُها من ذكرِهِ تتحمَّدُ
ألم تكُ تدري أنّ روح محمّد كقُرآنِهِ في سبطه مُتجسِّدُ
فلو علِمَتْ تلك الخُيول كأهلها بأنّ الذي تحت السَنابِكَ أحمدُ
لثارتْ على فرسانِها وتَمَرَّدَتْ عليهم كما ثاروا بها وتمرَّدوا
********************
القسم الثالث: الأدب السياسي الديني
كثرت الخلافات والنزاعات السياسية في العصر الأموي بين العرب أنفسهم وبين العرب والموالي كما وسع الاضطهاد السياسي لخصوم الدولة لذلك برزت ظاهرة شعر المعارضة السياسي والفنون الأدبية الاُخرى كالخطابة والرسالة وقد أصبح الشعر لساناً يعبّر عن أهداف الجهة التي ينتمي إليها الشاعر وهذا النوع من الشعر السياسي يمثل اتجاهات عديدة منها:
أوّلاً ـ شعر الشيعة
تاريخ الشيعة المشرق كان زاخر بالثورات والانتفاضات على الحكّام الظالمين حيث أخذ الطغاة يراقبونهم سراً وعلناً والشيعة لم يتراجعوا عن مبدأهم .
فلو تصفّحنا كتب الأدب لرأينا فنون الأدب الشيعي قد تنوعت فيها وبالأخص الشعر السياسي الديني لأنّه أدب يلهب العاطفة ويهيجها ومن ذلك برز شعراء سياسيّون أصحاب ضمائر حية أمثال: ( الكميت بن زيد الأسدي، همام بن غالب (الفرزدق) ،السيّد الحميري ) وكانوا أصدق الشعراء قولا لأن شعرهم ينبعث من عقيدة صادقة لآل البيت
(نموذج للاطلاع) الكميت بن زيد
ولد الكميت في سنة ( 60 هـ ) ، عاش عيشة مرضية ، حتى أتيحت له الشهادة في خلافة مروان بن محمد سنة ( 126 هـ ) ببركة دعاء الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) بقوله : ( اللهم أحيه سعيداً وامته شهيداً ، وأره الجزاء عاجلاً ، وأجزل له جزيل المثوبة آجلا ) ، حيث كان شاعراً وخطيباً وحافظاً للقرآن وفارساً ويعتبر شعره ثروة كبيرة والذي بلغ 5289 بيتاً .
وقد قال عنه أبو عكرمة الضبيّ: لولا شعر الكميت لم يكن للّغة ترجمان ولا للبيان لسان .
وأشهر قصائده الهاشميّات التي بلغت 563 بيتاً قالها في بني هاشم فكان يحتجّ لهم ويدافع عنهم بقوّة طوال حياته حتّى قضى شهيد هذا الولاء وقد كان مرافقا للمعصومين فقد روي عنه ( دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ(ع) فَقَالَ وَاللَّهِ يَا كُمَيْتُ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مَالٌ لأعطيناك مِنْهُ وَلَكِنْ لَكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) لِحَسَّانَ لَا يَزَالُ مَعَكَ رُوحُ الْقُدُسِ مَا ذَبَبْتَ عَنَّا)
وقد احتوت قصائده الفخر والمدح والهجاء والرثاء والحماسة واشتهر بقصيدته البائية التي مدحها النبي فقد روي انه تشرف برؤية النبي ( صلى الله عليه وآله ) في المنام ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أنشدني : طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب ) ، فأنشده الكميت ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) له : ( بوركت وبورك قومك )ومما قال فيها:
طرِبت وما شوقاً إلى البيض أطربُ ولا لَعِباً منّي وذو الشوق يلعبُ
بني هاشم رهط النبيّ فإنّني بِهِمْ ولَهُمْ أرضى مراراً وأغضبُ
فطائفةٌ قد كفَّرتْني بِحُبِّكمُ وطائفةٌ قالوا: مُسيءٌ ومُذنِبُ
وقالوا ترابيٌّ هواه وَرَأْيُهُ بذلك ادعى فِيهمُ واُلَقَّبُ
فما لي إلاّ آل أحمدَ شيعةٌ وما ليَ إلاّ مذهب الحقِّ مَذْهَبُ
ومن غيرهم أرض لنفسي شيعة ومن بعدهم لا من أجل وأرحب
ومن اروع ما روي بفضل هذا الشاعر استحقاقه لان يقيم الامام (ع) كرامة لأجله فقد روي في بصائر الدرجات عن جابر قال : دخلت على الإمام الباقر (عليه السلام) فشكوت إليه الحاجة فقال : ما عندنا درهم ، فدخل الكميت فقال : جعلت فداك اُنشدك ؟ فقال : أنشد فأنشده قصيدة فقال الإمام (عليه السلام) : يا غلام ، أخرج من ذلك البيت ( غرفة ) كيساً وادفعه إلى الكميت ، فقال : جعلت فداك ، اُنشدك اُخرى ؟ فأنشده فقال : يا غلام أخرج كيساً وادفعه إليه . فقال : جعلت فداك اُنشدك اُخرى ؟ فأنشده فقال : يا غلام أخرج له كيساً آخر ، فقال الكميت : جعلت فداك ، والله ما اُحبّكم لعرض الدنيا وما أردت بذلك إلاّ صلة رسول الله وما أوجب الله عليَّ من الحقّ ، فدعا له الباقر (عليه السلام) فقال يا غلام ردّها إلى مكانها ، فقال جابر يخاطب الإمام (عليه السلام) : جعلت فداك ، قلت ليس عندي درهم وأمرت للكميت بثلاثين ألف ، فقال الإمام (عليه السلام) : ادخل ذلك البيت ، فدخلت فلم أجد شيئاً ، فقال : ما سترنا عنكم أكثر ممّا أظهرنا .
(نموذج للاطلاع) الفرزدق توفّي عام 114هـ.:
هو همّام بن غالب بن صعصعة، الملقّب بالفرزدق لجهومة وجهه ولأثر للجدري فيه وُلد في سنة 20هـ وقيل 38 هـ بالبصرة من اُسرة ذات جاه وكرم وروي انه كان فتىً يمشي مع أبيه غالب ، فوفدوا على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال الإمام لغالب : ( من هذا الفتى ) .قال : ابني الفرزدق وهو شاعر .قال ( عليه السلام ) : ( علِّمه القرآن ، فإنّه خير له من الشعر ) ، فكان ذلك في نفس الفرزدق حتّى قيَّد نفسه ، وآلى أن لا يَحِلَّ قيده حتى يحفظ القرآن .
وكان شاعراً غير ملتزم لكنه في أواخر حياته قرّر التمسك بأهل البيت (عليهم السلام) وقد اشتهر الفرزدق بقصيدته الميميّة في حقّ الإمام عليّ بن الحسين(ع) فقد ورد :
( أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ(ع) حَجَّ فِي السَّنَةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وهُوَ خَلِيفَةٌ فَاسْتَجْهَرَ النَّاسُ مِنْهُ(ع) وتَشَوَّقُوا وَقَالُوا لِهِشَامٍ مَنْ هُوَ قَالَ هِشَامٌ لَا أَعْرِفُهُ لِئَلَّا يَرْغَبُ النَّاسُ فِيهِ فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ وَ كَانَ حَاضِراً أَنَا أَعْرِفُهُ
هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ الْبَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ .....إِلَى آخِرِ الْقَصِيدَةِ
فَبَعَثَهُ هِشَامٌ وَ حَبَسَهُ وَ مَحَا اسْمَهُ مِنَ الدِّيوَانِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(ع) بِدَنَانِيرَ فَرَدَّهَا وَ قَالَ مَا قُلْتُ ذَلِكَ إِلَّا دِيَانَةً فَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ أَيْضاً وَقَالَ قَدْ شَكَرَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ فَلَمَّا طَالَ الْحَبْسُ عَلَيْهِ وَ كَانَ يُوعِدُهُ الْقَتْلَ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى عَلِي بْنِ الْحُسَيْنِ(ع) فَدَعَا لَهُ فَخَلَّصَهُ اللَّهُ فَجَاءَ إِلَيْهِ وَ قَالَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّهُ مَحَا اسْمِي مِنَ الدِّيوَانِ فَقَالَ كَمْ كَانَ عَطَاؤُكَ قَالَ كَذَا فَأَعْطَاهُ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً وَ قَالَ (ع) لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا لَأَعْطَيْتُكَ فَمَاتَ الْفَرَزْدَقُ بَعْدَ أَنْ مَضَى أَرْبَعُونَ سَنَةً)
ومن تلك القصيدة الرائعة:
هذا الذي أحمد المختارُ والده صلّى عليه الهي ما جرى القلم
هذا الذي عمّه الطيّار جعفر والمقتول حمزةُ ليث حبُّه قسم
هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة وابن الوصي الذي في سيفه نقم
توفّي الشاعر أبو فراس الفرزدق عام 110 هـ بمدينة البصرة .
ثانياً: شعر الخوارج
يعتبر الخوارج من الحركات السياسية المنحرفة والخطيرة حيث يرى اغلب المؤرّخين أنّ تاريخ الخوارج يبدأ من حادثة التحكيم في حرب صفّين التي وقعت بين الإمام عليّ (ع) وجيشه مقابل معاوية وجيشه عام 37هـ.
أمّا سبب تسميتهم بالخوارج فيرجع إلى خروجهم على أمير المؤمنين (ع) ومحاربتهم إيّاه وقد انقسم الخوارج إلى فِرق كثيرة أهمّها: الأزارقة والنجدات والبيهسية والثعالبة والأباظيّة والصفرية والحروريّة.
(نموذج للاطلاع )عمران بن حطّان :
كان عمران منحرف المذهب خطيباً وشاعراً ومن شعره مدحه لابن ملجم عندما قام الأخير بضرب أمير المؤمنين (ع) في محرابه بالكوفة حيث قال:
يا ضربة من كريم ما أراد بها إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إنّي لاُفكّر فيه ثمّ أحسَبُهُ أوفى البرية عند الله ميزاناً
فأجابه القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الشافعي:
إنّي لأبرأ ممّا أنت قائله عن ابن ملجم الملعون بهتانا
يا ضربة من شقي ما أراد بها إلاّ ليهدم للإسلام أركانا
إنّي لأذكره يوماً فألعنه دنيا والعن عمراناً وحِطانا
عليه ثمّ عليه الدَّهر متّصلاً لعائن الله أسراراً وإعلانا
فأنتما من كلاب النار جاء به نصّ الشريعة برهاناً وتبيانا
ثالثاً ـ شعر الاتجاه الأموي
مجموعة من الملتفين حول الاتجاه الأموي وهم شعراء السلاطين والبلاط وقد اشتهروا بمدح الحكام والدفاع عنهم لتحصيل المنافع الخاصة ومنهم جرير والأخطل الذي أكثر من مدح بني اُميّة.
(نموذج للاطلاع) الأخطل توفّي عام 92هـ.
أبو مالك غياث بن غوث الملقّب بالأخطل وُلد في الحيرة نحو سنة 20هـ، نصرانيّ الأصل وأصبح أحد الأصوات والمدافعين عن حكم بني أمية حيث توثّثقت علاقته بهم ومن قوله:
وأنتم أهل بيت لا يُوازنُهم بَيتٌ إذا عُدَّتِ الأحسابُ والعددُ
قومٌ إذا أنعموا كانت فواضِلُهُم سَيباً من اللهِ لا منٌّ ولا حسدُ
إنّ أكثر الشعراء الذين مثلوا الاتجاه الأموي كانوا نفعيّين مدحوا الحكّام الظالمين طمعاً في المال وخوفاً من العقاب لذلك نجد الأخطل مدح ملوك الأمويين مشيراً إلى ماضيهم وحقّهم في الخلافة وتقرّب إليهم بهجائه الأنصار خاصّة لأنّهم كانوا خصوم بني اُميّة ومن شعره في مدح عبد الملك بن مروان :
فما وجدت فيها قريش لأمرها أعف و أوفى من أبيك و أمجدا
فأورى بزنديه و لو كان غيره غداة اختلاف الناس أكداو أصلدا
فأصبحت مولاها من الناس كلهم وأحرى قريش أن تهاب و تحمدا
_________________________________
أبو فاطمة العذاري
ويبرز في تأريخ الأدب بالنسبة لهذا العصر أمرين أساسين جديدين :
1 ـ القرآن الكريم :
كان من أهمّ عوامل تعزيز وتوحيد اللغة والتي أدّت إلى حفظ اللغة العربية حيّةً وهو الكتاب الوحيد المصون و المحفوظ من التحريف والخالد لجميع العصور البشرية قال تعالى :
(( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنس وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيراً )) .
كما عمق القرآن الكريم علوماً وفنوناً شتّى في العربية منها اللغة والنحو والصرف والقصّة والعَروض... وغيرها.
2 ـ الحديث الشريف:
ويشمل حديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأقوال الأئمّة ( عليهم السلام ) وهي كالأتي :
أ ـ حديث رسول الله (ص):
المصدر الثاني من مصادر معرفة الشريعة الإسلامية قال تعالى:
(( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ))
وكلام محمد ( ص ) ذو بلاغة رفيعة وروعة بيان كما كان أثره عميق في اللغة والأدب إذ وسّع المادة اللغوية بإدخال ألفاظ وتعبيرات جديدة وكان ( ص ) أفصح الناس لساناً وأرجحهم عقلاً وأصحّهم فهماً ومن نماذج أحاديثه (ص):
1ـ «أدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي»
2ـ «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النّاسُ مِنْ يَدِهِ وَلِسانِهِ»
3ـ «إنّما بُعثت لاُِتمّم مكارمَ الأخلاق»
ب ـ أقوال أمير المؤمنين (عليه السلام) وباقي الائمة (ع):
كان علي (ع) أفصح الناس بعد النبي ( ص ) في البيان فهو إمامُ الفصاحة وسيِّد البلغاء بعد سيّد الأنبياء (عليه السلام) والذي يطّلع على نهج البلاغة يلاحظ انه كما قال العلماء "دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق" ومن نماذجه عهده (عليه السلام) لمالك الأشتر ووصفه للمتقين أو للطاووس ومن أقواله (ع):
1 ـ «إِلهي مَا عَبَدتُكَ خَوْفاً مِنْ نارِكَ، وَلاَ طَمَعاً فِي جَنَّتِكَ، لكن وَجَدتُكَ أَهْلاً لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدتُكَ»
2 ـ «هَلَكَ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال وَمُبْغِضٌ قَال»
3ـ «قِيمَةُ كُلِّ امْرِىء مَا يُحْسِنُهُ»
********************
الادب في هذا العصر
تطور الأدب العربي بعد البعثة النبوية الشريفة بشكل كبير فقد جاء الإسلام وغيّر الحياة الجاهلية وأخرج العرب من الظلمات إلى النور، وأثر في حياتهم تأثيراً كبيراً، ورسم لهم طريقاً جديداً، فكثير من الأدباء من انتفع بذلك المنهج الإلهي فسار على نهجه كحسان، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك.
ومن الأدباء من لم ينتفع بما نهجه الإسلام وإنما رجع إِلى تقليد الجاهليين والسير على نهجهم .
وقد تغير هيكل القصيدة ووحدتها، فكانت تتميز بالفواتح الإسلامية للقصائد تمثلت في تسبيح الله، والدعاء، والترحم على الشهداء، والحكم الإسلامية ، وذم الخمر والتوبة، وحمد الله وشكره، فمثلا اتجهت معاني الغزل إلى الأوصاف الشخصية للمرأة بعيداً عن الإثارة والمفاتن الجسدية، من حيث أنها ملتزمة جانب العفاف وجمال الخلق والسيرة .
فمثلا جاء شعر الرثاء بمعاني الصبر، واحتساب الثواب في الآخرة، وتأكيد نعيم الجنة والخلود، وإبراز دور الشهيد في الدنيا الآخرة وضرب الحكم والأمثال .
********************
اهم الاغراض الشعرية بعصر صدر الاسلام:
1- المدح: حيث الإشادة بالإسلام ونبيه العظيم وبيان محاسنه وفضائله ومن أجمل ما قيل في مدح الرسول (ص) قصيدة (بانت سعاد) التي ألقاها كعب بن زهير بين يدي الرسول ومن أبيات تلك القصيدة قوله:
إنَّ الرَّسُولَ لنورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ من سيوفِ الله مَسْلُولُ
2- الهجاء: حيث وضف الشعراء الشعر لهجاء أعداء العقيدة وبيان مثالبهم ومن ذلك قول عبد الله بن رواحه في ذم قريش لكفرها:
خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا فكل الخير من رسوله
3- الحماسة: حيثيشجعالمقاتلينمنالمسلمينعلىالقتالويعتزبانتصارالم سلمينعلىالأعداء،ومنالشعراءالذينبرعوا بذلككعببنمالك؛فلهأشعارحماسيةفيكثيرمنغزواتالرسول ومنه قوله بمعركة احد:
فَرَاحُوا سِرَاعاً مُوجِفِيَن كَأَنَّهُمْ جَهَامٌ هَرَاقَتْ مَاءهُ الرِّيح مُقْلعُ
ورُحْنَا وأُخْرَانَا تَطَـانَا كـَأنّنَا أُسُودٌ عَلَى لَحْمٍ بِبِيشَةَ ظُلـَّعُ
4- رثاء الذين يفقدون من الأحبة والأبطال ومن يستشهد في الحروب وبيان مدحهم والثناء عليهم ونجد الرثاء أصبح لمن يستحقه بالفضل وعلو الشان ومن ذلك رثاء الإمام علي للنبي والزهراء (ص):
ان افتقادي فاطم بعد احمد دليل على ان لا يدوم خليل
********************
اطلاله حول الادب الاسلامي عبر عصور الادب التاريخية ...الحلقة السابعة
العصر الأموي
ومدته منذ ان تسلط معاوية على المسلمين الى ان سقطت الدولة الأموية وقد تميز هذا العصر بكثرة الانقسامات وتوسع أرجاء الدولة وتنوع أغراض الشعر والنثر ويمكننا أن نبوب الأدب في هذا العصر إلى أقسام اهمها:
الأوّل: اتجاهات عامة بمختلف أغراض الشعر أبرزها الغزل بنوعيه: الماجن والعفيف
الثاني: أدب الطفّ (عاشوراء) منه ما قيل في الواقعة ومنه بعدها
الثالث: الأدب والشعر السياسي الديني لحركات معينة .
القسم الأوّل: اتجاهات عديدة:
كالهجاء والمدح وغيرها ولكن الملفت للنضر كثرة ظاهرة الغزل المستغرق لقصيدة كاملة ويمكن تقسيم الغزل إلى نوعين:
1 ـ الغزل المـاجن ( الغزل الحضري ): غزل إباحي لا يتعفف فيه الشاعر عن ذكر محاسن المرأة الجسدية ومفاتنها، وغالبا ما لا يتقيد الشاعر بمحبوبة واحدة. واشتهر به عمر بن أبي ربيعة. وساعد عليه كثرة الرقيق وانتشار ضروب الملاهي والغناء والموسيقى حيث الفضائح في البلاط الأموي التي نُشرت في الكتب الأدبية تعكس شرب الخمر والزنا وغيرها من المفاسد وأشعار الفسق والفجور من قِبل الأمويين فقد روي أنّ الوليد بن يزيد بن عبد الملك استفتح في القرآن فخرجت له الآية الكريمة:
( وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّار عَنِيد ) فألقى المصحف من يده ورماه بسهم ثمّ أنشد:
تُهدّدُني بجبار عنيد نعم أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربّك يوم حشر فقل يا ربّ مزقني الوليد
2 ـ الغزل العفيف ( العذري ): وسمي بذلك نسبة إلى قبيلة (بني عذرة) التي اشتهر شعراؤها بالعفة في غالب شعرهم بإظهار شوقهم لمحبوباتهم.
كثر هذا الشعر في البدو ويمتاز شعرهم بالعفة والعذوبة وأنّه سهل ترتاح إليه النفس الإنسانية. وعادة ما يلتزمون محبوبة واحدة طوال عمرهم لذا يشتهر - أغلبهم – وهم منسوبين إلى محبوباتهم مثل: جميل بن معمر (جميل بثينة) (كثير عزة) وغيره
********************
القسم الثاني أدب الطف
تحتوي هذه الواقعة العظيمة الكثير من التراث الادبي الذي يفوق الخزين الادبي لكل أحداث التاريخ العربي بل العالمي والموسف انك تجد تجاهل كثير من كتّاب الأدب الاشارة إلى أدب الطفّ رغم احتوائه نماذج من النصوص النثرية والشعرية التي لا يستغني تاريخ الأدب عنها .
فلا يمكن لاي احد أن يهمل هذا الكنز العظيم لتراث أدبي عريق من واقعة الطفّ سواء ما ورد من نفس نصوص أحداث الواقعة من اقوال المعسكرين او ما قيل بعد الواقعة من اعداد هائلة من النصوص الادبية الرائعة المستمرة لحد الان فلقد تبارى الشعراء في رثاء الحسين( عليه السلام ) فأكثروا في كل الفترات التي أعقبت تلك الحادثة .
والمهم هنا اننا نجد ان أدب الطفّ يتضمن:
1ـ المنسوب للحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) منذ بداية خروجهم من المدينة إلى كربلاء ثمّ إلى الشام وانتهاءً بالمدينة وكذلك ما نُسب إلى معسكر العدوّ من شعر ونثر ومنه ما روي ان الحسين (ع) خطب باصحابه ليلة العاشر فقال:
« أما بعد ، فإني لا أعلم أصحاباً خيراً منكم ، ولا أهل بيتٍ أفضل وأبر من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ، وليأخذ كل رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي ، وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم ، فإنهم لا يريدون غيري ».
ومما قاله العباس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام) عند قتاله:
والله إن قطعتم يميني إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقينِ نجل النبيّ الطاهر الأمين
ومما ورد عن السيّدة زينب (عليها السلام) خطبتها بالكوفة وكأنّها الصاعقة المدوية حيث قال بشير بن خزيم الأسدي ( ونظرت إلى زينب بنت علي عليه السلام يومئذ فلم أر خفرة قط أنطق منها كأنها تفرغ من لسان أمير المؤمنين عليه السلام وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس .
ثم قالت: الحمد لله والصلاة على جدي محمد وآله الطيبين الأخيار أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزالها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ألا وهل فيكم إلا الصلف والنطف والصدر والشنف وملق الإماء وغمز الأعداء أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون أتبكون وتنتحبون إي والله فأبكوا كثيراً واضحكوا قليلاً فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شاب أهل الجنة وملاذ خيرتكم ومفرغ نازلتكم ومنار حجتكم ومدرة سنتكم ألا ساء ما تزرون وبعداً لكم سحقاً فلقد خاب السعي وتبت الأ يدي وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم وأي كريمة له أبرزتم وأي دم له سفكتم وأي حرمة له انتهكتم لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء (وفي بعضها : خرقاء) شوهاء كطلاع الأرض وملاء السماء أفعجبتم أن مطرت السماء دماً ، ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون ، فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحفزه البدار ولا يخاف فوت الثار وإن ربكم لبالمرصاد فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتى أخضلت لحيته وهو يقول: بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونساؤكم خير النساء ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى)
ومن النماذج المقابلة التي قالها اعداء الحسين(ع) يروى إنّ سنان بن أنس النخعي جاء بباب ابن زياد وبيده الرأس الشريف وأنشأ يقول:
أوقر ركابي فضّةً أو ذهبا ًإنّي قتلت السيّد المحجّبا
قتلت خير الناس اُمّاً وأباً وخيرهم إذ ينسبون نسباً
2ـ ما قيل عن واقعة الطفّ من شعر وخطابة وغيرها من الفنون والانواع الادبية بعد تلك الواقعة إلى يومنا وهو خزين هائل وكبير جدا يفوق الحصر شعرا ونثرا وبحاجه الى دراسة ومتابعة وتحليل لكشف المضامين العقائدية والروحية والفكرية التي تحملها نصوص الأدب العاشورائي .
فمن النماذج القيمة التي قيلت ما نظمه العالم الأديب الشريف الرضي بقصيدته المشهورة التي بلغت 62 بيتاً في رثاء جدّه الحسين (عليه السلام) بقوله:
كربلاء لا زلتِ كَرباً وبَلا ما لقي عِندكِ آلُ المُصطفى
كم على تُربك لمّا صُرّعوا من دم سالَ ومن دمع جَرى
ووجوهاً كالمصابيح فمن قمر غاب ونجم هوى
لم يذوقوا الماء حتّى اجتمعوا بِحدى السيف على ورد الردى
قتلوهُ بعد علم مِنْهُمُ أنّه خامسُ أصحاب الكِسا
غسلوه بدم الطعن وما كفنوه غيرَ بَوْغَاء الثرى
لو رسولُ الله يحيى بعدَهُ قَعَدَ اليومَ عليه للعَزا
يا قتيلاً فَوّضَ الدَّهرُ به عُمُد الدين وأعلام الهدى
ولقد نظم العلاّمة السيّد رضا الهندي في إحدى قصائده:
إن كان عندك عبرة تجريها فانزل بأرض الطفّ كي نسقيها
لمْ أنسَ إذْ هتكوا حماها فانثنتْ تشكو لواعجها إلى حاميها
تدعو فتحترق القلوب كأنّما يرمي حشاها جمرة من فيها
وذكرتُ إذ وقفت عقيلة حيدر مذهولة تُصغي لصوت أخيها
بأبي التي ورثتْ مصائب اُمّها فغدتْ تقابلها بصبر أبيها
و يصف السيّد صالح مهدي بحر العلوم الرأس الشريف وكيف نصبت السماء العزاء والحداد على الإمام الحسين ( عليه السلام ) في قصيدته العصماء الرائعة:
أروحُك أمْ روحُ النُّبوّةِ تَصعدُ من الأرض للفردوس والحورُ سُجَّدُ
ورأسكَ أمْ رأسُ الرسولِ على القنا بآيةِ أهل الكهف راحَ يُرَدِّدُ
وصدرُكَ أم مُستودعُ العلمِ والحِجى لتحطيمهِ جَيشٌ من الجَهل يَعمَدُ
وشاطَرَت الأرضُ السماءَ بشجوِها فواحدةٌ تبكي واُخرى تُعَدِّدُ
وقد نصب الوحي العزاءَ ببيتِهِ عليكَ حِداداً والمُعَزَّى مُحَمَّدُ
فأيُّ شهيد صَلَتِ الشمسُ جسمَه ومشهدُها من أصلِهِ مُتولِّدُ
وأيُّ ذبيح داست الخيلُ صَدْرَهُ وفرسانُها من ذكرِهِ تتحمَّدُ
ألم تكُ تدري أنّ روح محمّد كقُرآنِهِ في سبطه مُتجسِّدُ
فلو علِمَتْ تلك الخُيول كأهلها بأنّ الذي تحت السَنابِكَ أحمدُ
لثارتْ على فرسانِها وتَمَرَّدَتْ عليهم كما ثاروا بها وتمرَّدوا
********************
القسم الثالث: الأدب السياسي الديني
كثرت الخلافات والنزاعات السياسية في العصر الأموي بين العرب أنفسهم وبين العرب والموالي كما وسع الاضطهاد السياسي لخصوم الدولة لذلك برزت ظاهرة شعر المعارضة السياسي والفنون الأدبية الاُخرى كالخطابة والرسالة وقد أصبح الشعر لساناً يعبّر عن أهداف الجهة التي ينتمي إليها الشاعر وهذا النوع من الشعر السياسي يمثل اتجاهات عديدة منها:
أوّلاً ـ شعر الشيعة
تاريخ الشيعة المشرق كان زاخر بالثورات والانتفاضات على الحكّام الظالمين حيث أخذ الطغاة يراقبونهم سراً وعلناً والشيعة لم يتراجعوا عن مبدأهم .
فلو تصفّحنا كتب الأدب لرأينا فنون الأدب الشيعي قد تنوعت فيها وبالأخص الشعر السياسي الديني لأنّه أدب يلهب العاطفة ويهيجها ومن ذلك برز شعراء سياسيّون أصحاب ضمائر حية أمثال: ( الكميت بن زيد الأسدي، همام بن غالب (الفرزدق) ،السيّد الحميري ) وكانوا أصدق الشعراء قولا لأن شعرهم ينبعث من عقيدة صادقة لآل البيت
(نموذج للاطلاع) الكميت بن زيد
ولد الكميت في سنة ( 60 هـ ) ، عاش عيشة مرضية ، حتى أتيحت له الشهادة في خلافة مروان بن محمد سنة ( 126 هـ ) ببركة دعاء الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) بقوله : ( اللهم أحيه سعيداً وامته شهيداً ، وأره الجزاء عاجلاً ، وأجزل له جزيل المثوبة آجلا ) ، حيث كان شاعراً وخطيباً وحافظاً للقرآن وفارساً ويعتبر شعره ثروة كبيرة والذي بلغ 5289 بيتاً .
وقد قال عنه أبو عكرمة الضبيّ: لولا شعر الكميت لم يكن للّغة ترجمان ولا للبيان لسان .
وأشهر قصائده الهاشميّات التي بلغت 563 بيتاً قالها في بني هاشم فكان يحتجّ لهم ويدافع عنهم بقوّة طوال حياته حتّى قضى شهيد هذا الولاء وقد كان مرافقا للمعصومين فقد روي عنه ( دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ(ع) فَقَالَ وَاللَّهِ يَا كُمَيْتُ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مَالٌ لأعطيناك مِنْهُ وَلَكِنْ لَكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) لِحَسَّانَ لَا يَزَالُ مَعَكَ رُوحُ الْقُدُسِ مَا ذَبَبْتَ عَنَّا)
وقد احتوت قصائده الفخر والمدح والهجاء والرثاء والحماسة واشتهر بقصيدته البائية التي مدحها النبي فقد روي انه تشرف برؤية النبي ( صلى الله عليه وآله ) في المنام ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أنشدني : طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب ) ، فأنشده الكميت ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) له : ( بوركت وبورك قومك )ومما قال فيها:
طرِبت وما شوقاً إلى البيض أطربُ ولا لَعِباً منّي وذو الشوق يلعبُ
بني هاشم رهط النبيّ فإنّني بِهِمْ ولَهُمْ أرضى مراراً وأغضبُ
فطائفةٌ قد كفَّرتْني بِحُبِّكمُ وطائفةٌ قالوا: مُسيءٌ ومُذنِبُ
وقالوا ترابيٌّ هواه وَرَأْيُهُ بذلك ادعى فِيهمُ واُلَقَّبُ
فما لي إلاّ آل أحمدَ شيعةٌ وما ليَ إلاّ مذهب الحقِّ مَذْهَبُ
ومن غيرهم أرض لنفسي شيعة ومن بعدهم لا من أجل وأرحب
ومن اروع ما روي بفضل هذا الشاعر استحقاقه لان يقيم الامام (ع) كرامة لأجله فقد روي في بصائر الدرجات عن جابر قال : دخلت على الإمام الباقر (عليه السلام) فشكوت إليه الحاجة فقال : ما عندنا درهم ، فدخل الكميت فقال : جعلت فداك اُنشدك ؟ فقال : أنشد فأنشده قصيدة فقال الإمام (عليه السلام) : يا غلام ، أخرج من ذلك البيت ( غرفة ) كيساً وادفعه إلى الكميت ، فقال : جعلت فداك ، اُنشدك اُخرى ؟ فأنشده فقال : يا غلام أخرج كيساً وادفعه إليه . فقال : جعلت فداك اُنشدك اُخرى ؟ فأنشده فقال : يا غلام أخرج له كيساً آخر ، فقال الكميت : جعلت فداك ، والله ما اُحبّكم لعرض الدنيا وما أردت بذلك إلاّ صلة رسول الله وما أوجب الله عليَّ من الحقّ ، فدعا له الباقر (عليه السلام) فقال يا غلام ردّها إلى مكانها ، فقال جابر يخاطب الإمام (عليه السلام) : جعلت فداك ، قلت ليس عندي درهم وأمرت للكميت بثلاثين ألف ، فقال الإمام (عليه السلام) : ادخل ذلك البيت ، فدخلت فلم أجد شيئاً ، فقال : ما سترنا عنكم أكثر ممّا أظهرنا .
(نموذج للاطلاع) الفرزدق توفّي عام 114هـ.:
هو همّام بن غالب بن صعصعة، الملقّب بالفرزدق لجهومة وجهه ولأثر للجدري فيه وُلد في سنة 20هـ وقيل 38 هـ بالبصرة من اُسرة ذات جاه وكرم وروي انه كان فتىً يمشي مع أبيه غالب ، فوفدوا على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال الإمام لغالب : ( من هذا الفتى ) .قال : ابني الفرزدق وهو شاعر .قال ( عليه السلام ) : ( علِّمه القرآن ، فإنّه خير له من الشعر ) ، فكان ذلك في نفس الفرزدق حتّى قيَّد نفسه ، وآلى أن لا يَحِلَّ قيده حتى يحفظ القرآن .
وكان شاعراً غير ملتزم لكنه في أواخر حياته قرّر التمسك بأهل البيت (عليهم السلام) وقد اشتهر الفرزدق بقصيدته الميميّة في حقّ الإمام عليّ بن الحسين(ع) فقد ورد :
( أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ(ع) حَجَّ فِي السَّنَةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وهُوَ خَلِيفَةٌ فَاسْتَجْهَرَ النَّاسُ مِنْهُ(ع) وتَشَوَّقُوا وَقَالُوا لِهِشَامٍ مَنْ هُوَ قَالَ هِشَامٌ لَا أَعْرِفُهُ لِئَلَّا يَرْغَبُ النَّاسُ فِيهِ فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ وَ كَانَ حَاضِراً أَنَا أَعْرِفُهُ
هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ الْبَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ .....إِلَى آخِرِ الْقَصِيدَةِ
فَبَعَثَهُ هِشَامٌ وَ حَبَسَهُ وَ مَحَا اسْمَهُ مِنَ الدِّيوَانِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(ع) بِدَنَانِيرَ فَرَدَّهَا وَ قَالَ مَا قُلْتُ ذَلِكَ إِلَّا دِيَانَةً فَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ أَيْضاً وَقَالَ قَدْ شَكَرَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ فَلَمَّا طَالَ الْحَبْسُ عَلَيْهِ وَ كَانَ يُوعِدُهُ الْقَتْلَ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى عَلِي بْنِ الْحُسَيْنِ(ع) فَدَعَا لَهُ فَخَلَّصَهُ اللَّهُ فَجَاءَ إِلَيْهِ وَ قَالَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّهُ مَحَا اسْمِي مِنَ الدِّيوَانِ فَقَالَ كَمْ كَانَ عَطَاؤُكَ قَالَ كَذَا فَأَعْطَاهُ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً وَ قَالَ (ع) لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا لَأَعْطَيْتُكَ فَمَاتَ الْفَرَزْدَقُ بَعْدَ أَنْ مَضَى أَرْبَعُونَ سَنَةً)
ومن تلك القصيدة الرائعة:
هذا الذي أحمد المختارُ والده صلّى عليه الهي ما جرى القلم
هذا الذي عمّه الطيّار جعفر والمقتول حمزةُ ليث حبُّه قسم
هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة وابن الوصي الذي في سيفه نقم
توفّي الشاعر أبو فراس الفرزدق عام 110 هـ بمدينة البصرة .
ثانياً: شعر الخوارج
يعتبر الخوارج من الحركات السياسية المنحرفة والخطيرة حيث يرى اغلب المؤرّخين أنّ تاريخ الخوارج يبدأ من حادثة التحكيم في حرب صفّين التي وقعت بين الإمام عليّ (ع) وجيشه مقابل معاوية وجيشه عام 37هـ.
أمّا سبب تسميتهم بالخوارج فيرجع إلى خروجهم على أمير المؤمنين (ع) ومحاربتهم إيّاه وقد انقسم الخوارج إلى فِرق كثيرة أهمّها: الأزارقة والنجدات والبيهسية والثعالبة والأباظيّة والصفرية والحروريّة.
(نموذج للاطلاع )عمران بن حطّان :
كان عمران منحرف المذهب خطيباً وشاعراً ومن شعره مدحه لابن ملجم عندما قام الأخير بضرب أمير المؤمنين (ع) في محرابه بالكوفة حيث قال:
يا ضربة من كريم ما أراد بها إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إنّي لاُفكّر فيه ثمّ أحسَبُهُ أوفى البرية عند الله ميزاناً
فأجابه القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الشافعي:
إنّي لأبرأ ممّا أنت قائله عن ابن ملجم الملعون بهتانا
يا ضربة من شقي ما أراد بها إلاّ ليهدم للإسلام أركانا
إنّي لأذكره يوماً فألعنه دنيا والعن عمراناً وحِطانا
عليه ثمّ عليه الدَّهر متّصلاً لعائن الله أسراراً وإعلانا
فأنتما من كلاب النار جاء به نصّ الشريعة برهاناً وتبيانا
ثالثاً ـ شعر الاتجاه الأموي
مجموعة من الملتفين حول الاتجاه الأموي وهم شعراء السلاطين والبلاط وقد اشتهروا بمدح الحكام والدفاع عنهم لتحصيل المنافع الخاصة ومنهم جرير والأخطل الذي أكثر من مدح بني اُميّة.
(نموذج للاطلاع) الأخطل توفّي عام 92هـ.
أبو مالك غياث بن غوث الملقّب بالأخطل وُلد في الحيرة نحو سنة 20هـ، نصرانيّ الأصل وأصبح أحد الأصوات والمدافعين عن حكم بني أمية حيث توثّثقت علاقته بهم ومن قوله:
وأنتم أهل بيت لا يُوازنُهم بَيتٌ إذا عُدَّتِ الأحسابُ والعددُ
قومٌ إذا أنعموا كانت فواضِلُهُم سَيباً من اللهِ لا منٌّ ولا حسدُ
إنّ أكثر الشعراء الذين مثلوا الاتجاه الأموي كانوا نفعيّين مدحوا الحكّام الظالمين طمعاً في المال وخوفاً من العقاب لذلك نجد الأخطل مدح ملوك الأمويين مشيراً إلى ماضيهم وحقّهم في الخلافة وتقرّب إليهم بهجائه الأنصار خاصّة لأنّهم كانوا خصوم بني اُميّة ومن شعره في مدح عبد الملك بن مروان :
فما وجدت فيها قريش لأمرها أعف و أوفى من أبيك و أمجدا
فأورى بزنديه و لو كان غيره غداة اختلاف الناس أكداو أصلدا
فأصبحت مولاها من الناس كلهم وأحرى قريش أن تهاب و تحمدا
_________________________________
أبو فاطمة العذاري