ابو فاطمة العذاري
17-12-2010, 07:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
يوم عاشوراء يوم الحسين ويوم الشهادة ويوم الصمود ويوم العزة والكرامة ويوم التوحيد ويوم الإخلاص ويوم الإصلاح فيه وقف أبو عبد الله الحسين ( ع ) صبيحة هذا اليوم وقد قدم للأجيال مثالا ساميا في الثبات على الحق والدفاع عن المبدأ حتى قدم كل ما عنده لله تعالى .
والحسين ( ع ) ضحى بكل شيء من اجل الله ونحن نعلم إننا لا نضحي بشيء حتى نعلم استحقاق من نضحي لأجله بالتضحية .
ماذا رأى الحسين ( ع ) من الله تعالى حتى قدم هذه الأمور وما هو الشعور الإلهي الذي جعل الحسين ( ع ) يقدم هذه التقدمة العظيمة من اجل الله ؟.
هو كان يعرف بان القتل مصيره ولكنه اقبل للشهادة بلا تردد فكيف رأى حقيقة استحقاق الله تعالى للتضحية ؟
نحن نستكثر كم ألف على الله حينما نريد أن نتصدق على فقير أليس كذلك ؟
لأننا لا نرى ان الله يستحق لتضحية مالية ولكن الحسين قدم نفسه وأولاده وإخوانه وأقربائه وكل شيء نعم كل شيء قدمها لله لأنه كان يرى ان الله يستحق أغلى تضحية .
الآن مع هذه الرواية العجيبة التي ربما لم يسمعها الكثير منكم :
أنه وقعت صحيفة قد نزلت من السماء في يده الشريفة فلما فتحها ونظر فيها إذا هي العهد المأخوذ عليه بالشهادة قبل خلق الخلق في هذه الدنيا ، فلما نظر إلى ظهر تلك الصحيفة ، فإذا هو مكتوب فيه بخط واضح جلى : يا حسين ! نحن ما حتمنا عليك الموت ، وما ألزمنا عليك الشهادة ، فلك الخيار ، ولا ينقص حظك عندنا ، فإن شئت أن نصرف عنك هذه البلية ، فاعلم أنا قد جعلنا السماوات والأرضين والملائكة والجن كلهم في حكمك ، فأمر فيهم بما تريد من إهلاك هؤلاء الكفرة الفجرة لعنهم الله . فإذا بالملائكة قد ملأوا بين السماوات والأرض بأيديهم حراب من النار ينتظرون لحكم الحسين ، وأمره فيما يأمرهم به من إعدام هؤلاء الفسقة . فلما عرف مضمون الكتاب ، وما في تلك الصحيفة ، رفعها إلى السماء ورمى بها إليها وقال : إلهي وسيدي ! وددت أن أقتل وأحيى سبعين ألف مرة في طاعتك ومحبتك ، سيما إذا كان في قتلي نصرة دينك ، وإحياء أمرك وحفظ ناموس شرعك ، ثم إني قد سئمت الحياة بعد قتل الأحبة وقتل هؤلاء الفتية من آل محمد .
ومن جانب أخر نشاهد تقدير وتعظيم من الله تعالى للحسين على طول القرون فقضية الحسين باقية ومستمرة حتى أنها تختلف وتتميز على قضايا الأنبياء والمعصومين ( ع ) فهي قضية إلهية بامتياز .
أن العلاقة المعنوية والعاطفية تبقى موجودة، ومتأججة بالقلوب على مدى التأريخ وهي إحدى المزايا العظيمة والعجيبة التي وهبها الله سبحانه للحسين وهي موهوبة له بإرادة خاصة من قبل الله سبحانه وتعالى، يعني أنها نحو من أنحاء المعجزة ويكفي أن نلتفت إلى أن سمعته الطيبة مما يشهد بها كل البشر على الإطلاق من مختلف أديانهم وثقافاتهم وطبقاتهم إلا من شذَّ وندر أما الشيعة والموالون فلهم في ذلك خصوصية زائدة كما نقل عن النبي ( ص ) أنه قال : (( إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً ))
ومن جانب أخر ظهور الكرامات العديدة التي نسمع بشكل مستمر فهناك مئات بل ألوف الأشخاص حصلت لهم كرامات بجاه الحسين عند الله تعالى .
حتى أننا لم نسمع عن كرامة حصلت لأحد عند بيت الله تعالى وهو مكان مبارك ومقدس لكن ولي الله الحسين أفضل عند الله من أي مكان أخر وهي إرادة إلهية بربط الناس بالحسين .
ومنها اكتسب تراب الحسين مكانة خاصة ومنزلة مقدسة لأنها الأرض التي تضمّ جسده الشريف ولهذا فإنّ السجود على هذه التربة مستحب ، وذكر الله بمسبحة من تلك التربة فضل عظيم أيضا ، وفيها شفاء للمرضى ، ويستحب أيضا أن يوضع شيء منها مع الميت حين دفنه كما وان الدفن في كر بلاء آمان من العذاب .
وبالرغم من إن أكل التراب حرام، إلا أن تناول مقدار قليل من تربة الحسين بنيّة الاستشفاء مستحب حتى روي عن الإمام الرضا عليه السلام : "كل طين حرام كالميتة والدم وما أهل لغير الله به، ما خلا طين قبر الحسين عليه السلام فانه شفاء من كلِّ داء "
وقد ورد انه كان لدى الإمام الصادق منديل أصفر فيه تربة سيد الشهداء ، إذا حل وقت الصلاة سكب ذلك التراب في موضع سجوده وسجد عليه بل ورد عنه عليه السلام انه قال "السجود على تربة الحسين يخرق الحجب السبع" .
كما ان تحنيك المولود الجديد بتربة الحسين امر مستحب فقد روي عن الصادق عليه السلام انه قال " حنكوا أولادكم بتربة الحسين فأنها أمان "
ومن الأمور العجيبة المرتبطة بالحسين هو ان شرب المؤمن للماء يثير ذكريات من استشهدوا وهم عطشى يوم الطفّ حتى قال الإمام الصادق عليه السلام: "ما شربت ماءً بارداً إلاّ وتذكرت عطش الحسين بن علي".
وقال أيضا: "ما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله إلاّ كتب له مائة ألف حسنة وحطّ عنه مائة ألف سيئة". .
حتى ورد في بعض الزيارات: "السلام على الشفاه الذابلات ". وهي شفاه الحسين والشهداء من كانوا معه في مثل هذا اليوم .
ورحم الله المخلصين الذين يكتبون على أماكن توزيع الماء مثل الخزانات والبرادات يكتبون : " أشرب الماء واذكر عطش الحسين "
وليس التراب والماء فقط له علاقة بالحسين بل حتى الحيوانات كان لها موقفا في هذا اليوم فكلكم سمعتم عن جواد الحسين الذي يطلق عليه ذي الجناح لسرعته فبعد سقوط الإمام الحسين على الأرض صار هذا الفرس يذبّ عنه ويهجم على فرسان العدو وقتل جماعة منهم وبعد مقتل الإمام لطّخ الفرس ذؤابته بدمه، وتوجه نحو الخيام وهو يصهل ويضرب الأرض برجله ليخبر أهل البيت باستشهاده .
وقيل في بعض الأخبار :
أن فرس الإمام هام على وجهه بعد استشهاد الإمام وابتعد عن النساء وألقى بنفسه في نهر الفرات واختفى
وقد ذُكر هذا الجواد في زيارة الناحية المقدسة : " فلما نظرن النساء إلى الجواد مخزياً والسرج عليه ملوياً ".
وقيل في رواية أخرى أن هذا الفرس كان يتمتم من بعد مقتل الحسين عليه السلام ويقول: " الظليمة الظليمة لأمة قتلت ابن بنت نبيها "
ومن الأمور الأخرى التي نجدها حصلت في يوم عاشوراء هو حضور ثلاثة من المعصومين وهم الحسين والسجاد والباقر ( ع ) كان طفلا صغيرا .
السجاد ( ع ) حضر ورأى أهله وأصحاب أبيه يقتلون إمامه ولكنه انصياعا للتكليف الإلهي لم يخرج وهو من بعد الحسين أفضل من كل الذين حضروا على الإطلاق والرائع من الإمام السجاد هو الالتزام بالتكليف الإلهي وعدم الاعتراض والخروج للقتال بل صبر ولم يخرج التزاما للتكليف وانتم لو تتأملون قليلا فان هذا صبر حقيقي أعلى من غيره حتى من صبر الشهداء فقد نفسوا عن غضبهم من أعداء الله بالخروج والقتال ولكن السجاد صبر وبقى لكي يرافق عمته زينب في رحلة السبايا .
ومن الأمور التي نقف عندها في يوم عاشوراء ان الحسين حينما ضحى لله تعالى إنما أراد ان ينفعنا إذا نظرنا إلى هدف الله تعالى في حركة الحسين ( ع ) فإنه بحسب ما نعرف فإن ذلك مربوط بمصلحة الأجيال الآتية من المسلمين بعد واقعة الطف يعني أنه قتل من أجل هدايتنا ومصلحتنا.
ومن هنا نجد ان كل واحد منا ثابت في عنقه دين للحسين فإذا كان باستطاعتنا ان نرد جزء من الفضل فهو أمر واجب في أعناقنا لأبي عبد الله روحي فداه وهو صاحب الفضل علينا .
وليس نقدم خدمة للحسين من اجل ان نحصل على شيء حتى لو كان الثواب وإنما نقدم الخدمة من باب رد الفضل وما أجمل قول الشاعر :
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة
ولكنما عيني لأجلك باكية
ومن هنا أريد أن اطرح سؤال والجواب عليكم كيف نستطيع ان نرد الفضل للحسين ومن دون ان ننتظر شيء منه ؟
وهناك شيء أخر مهم في يوم عاشوراء علينا نحن أتباع محمد الصدر فإذا أردنا ان نتمسك بالحسين فعلينا ان نقف بإخلاص مع حسين العصر فكما لكل عصر حسين كذلك لكل عصر يزيد ومن هنا نجد وبلا مبالغة ان حسين العصر تمثل في العصر المتأخر بالقادة من آل الصدر فالسيد محمد باقر الصدر والسيد محمد الصدر إنما هم من يمثلون نهج الحسين و وقفوا أمام يزيد العصر وهو الطاغية صدام .
واليوم يقف السيد القائد مقتدى الصدر موقفا كجده الحسين أمام اعتى طواغيت العالم متمثلا بأمريكا وعملائها والسيد مقتدى الصدر خادم الحسين إنما هو امتداد للحسين فمن هنا كانت نصرة الحسين تتمثل بشكل من أشكالها في نصرة حسين العصر وليس الانشقاق عليه او الإشكال على خطواته او خذلانه ؟
وفي يوم عاشوراء تبرز لنا المرأة المجاهدة الصابرة ومن ابرز أمثلتها الحوراء زينب وعلى النساء الاقتداء بالحوراء زينب وباقي بنات الرسالة وزوجات الأصحاب .
وخير مثال للأخوات المؤمنات المتزوجات في عاشوراء هي الرباب أم الرضيع التي تقدم مثالا للمرأة المؤمنة في حسن التبعل لزوجها والوقوف الى جنبه في شدته حتى أنها ضحت في سبيل الله مع زوجها الحسين بفلذة كبدها الطفل الرضيع .
فهل تلتفت أخواتنا المؤمنات إلى موقف هذه السيدة الشريفة الفاضلة في احترام الزوج أم أن بعض النساء لا يحترم أزواجهن ويثرن المشاكل معهم لأتفه الأسباب وخصوصا إذا كان الزوج رجل فقير فأنها تثقل كاهله بالطلبات غير المبررة التي لا يقدر على توفيرها ومن هنا ندعو كافة المؤمنات الى ان يجعلن الرباب قدوة لهن في حياتهن خصوصا في ثلاث أمور ( الوفاء مع زوجها – احترام زوجها – أعانته على صعوبات الحياة ) .
ومن الأمور المهمة التي جسدها الحسين في يوم عاشوراء انه ضرب مثلا في تحمل البلاء وتركه للراحة والنعيم حينما خرج من المدينة الى العراق طالبا وجه الله تعالى وليست الراحة هي المنشودة في نعيم الحياة هذه لان الدنيا دار بلاء والمؤمن الحسيني إنما يتقبل البلاء كوسيلة من اجل التكامل وزيادة الإيمان و لا يعترض و لا يجزع .
فحينما نقف بين يدي سيد الشهداء اليوم فإننا نسمع قوله المشهور:
(( إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله آمُرُ بالمعروف وأنهى عن المنكر ))
أن هدف الحسين هو إبراز أهمية الدين، وإمكان التضحية له بهذا المقدار العظيم في جانب طاعة الله تعالى بحيث لا يعتني بأزائه بالأمور الشخصية مهما كانت والصورة التي أعطاها الحسين أنه لا ينبغي الحفاظ على الذات ولا على المال ولا على الأسرة إن كان ذلك يرضي الله تعالى .
شيء أخر مهم علينا أن نتذكره اليوم وهو سيدي ومولاي صاحب الزمان ( ع ) فإن هدف المهدي وهدف الحسين واحد وهو إيجاد طاعة الله تعالى وإصلاح الناس بمقدار ما هو ممكن .
قال السيد الشهيد الصدر ( قدس سره ) :
( فبحسب إمكانيات الحسين فإنه يصلح المجتمع المسلم، وبحسب إمكانيات المهدي فإنه يصلح العالم كله. وهذا لا ينفي أنهما مشتركان في الهدف، فكلاهما يريد أن يطبق طاعة الله تعالى )
والمهدي هو المطالب بثار الحسين ومن هنا وردت هذه العبارة المستحب ذكرها في هذه المناسبة الأليمة هي :
" عظّم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا وإياكم من الطالبين بثأره مع وليّه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام "
وأخيرا بودي ان اذكر هنا روايات ربما كثير منكم لم يسمعها لا في المقتل ولا في غيره تعبر عن عظمة الحسين في يوم عاشوراء ومنها :
قال الإمام الصادق عليه السلام: "إن أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي صلوات الله عليه، فلم يؤذن لهم في القتال فرجعوا في الاستئذان وهبطوا وقد قتل الحسين عليه السلام فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة ورئيسهم ملك يقال له منصور"
وقال السيد ابن طاووس قدس سره : وروي عن مولانا الصادق أنه قال : سمعت أبي يقول : لما التقى الحسين عمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب ، أنزل الله تعالى النصر حتى رفرف على رأس الحسين ، ثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله ، فاختار لقاء الله .
وأخيرا ورد في ( تفسير البرهان 3:3 ونقل في بحار الأنوار223:44) :
ان هذه الحروف القرآنية المقطّعة في أول سورة مريم أنّ هذه الحروف من أنباء الغيب أطْلع عليها عبده زكريا ثم قصّها على محمد عليه وآله السلام. وذلك أن زكريا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة ( ع ) فاهبط عليه جبرائيل فعلّمه إيّاها، فكان زكريا إذا ذكر محمداً وعلياً وفاطمة والحسن عليهم السلام سري عنه همه وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة، فسأل الله عن سبب ذلك فأخبره القصّة فقال: كهيعص؛ فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة الطاهرة، الياء يزيد وهو ظالم الحسين، والعين عطشه والصاد صبره فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام وأقبل على البكاء والنحيب وكان يدعو ربّه أن يرزقه ولد تقر به عينه على الكبر، وأن يفتنه بحبّه، ثم يفجعه به كما فجع محمداً بولده. فرزقه الله يحيى وفجعه به. وكان حمله مثل الحسين ستة أشهر.
أبو فاطمة العذاري
(hareth1980***********)
يوم عاشوراء يوم الحسين ويوم الشهادة ويوم الصمود ويوم العزة والكرامة ويوم التوحيد ويوم الإخلاص ويوم الإصلاح فيه وقف أبو عبد الله الحسين ( ع ) صبيحة هذا اليوم وقد قدم للأجيال مثالا ساميا في الثبات على الحق والدفاع عن المبدأ حتى قدم كل ما عنده لله تعالى .
والحسين ( ع ) ضحى بكل شيء من اجل الله ونحن نعلم إننا لا نضحي بشيء حتى نعلم استحقاق من نضحي لأجله بالتضحية .
ماذا رأى الحسين ( ع ) من الله تعالى حتى قدم هذه الأمور وما هو الشعور الإلهي الذي جعل الحسين ( ع ) يقدم هذه التقدمة العظيمة من اجل الله ؟.
هو كان يعرف بان القتل مصيره ولكنه اقبل للشهادة بلا تردد فكيف رأى حقيقة استحقاق الله تعالى للتضحية ؟
نحن نستكثر كم ألف على الله حينما نريد أن نتصدق على فقير أليس كذلك ؟
لأننا لا نرى ان الله يستحق لتضحية مالية ولكن الحسين قدم نفسه وأولاده وإخوانه وأقربائه وكل شيء نعم كل شيء قدمها لله لأنه كان يرى ان الله يستحق أغلى تضحية .
الآن مع هذه الرواية العجيبة التي ربما لم يسمعها الكثير منكم :
أنه وقعت صحيفة قد نزلت من السماء في يده الشريفة فلما فتحها ونظر فيها إذا هي العهد المأخوذ عليه بالشهادة قبل خلق الخلق في هذه الدنيا ، فلما نظر إلى ظهر تلك الصحيفة ، فإذا هو مكتوب فيه بخط واضح جلى : يا حسين ! نحن ما حتمنا عليك الموت ، وما ألزمنا عليك الشهادة ، فلك الخيار ، ولا ينقص حظك عندنا ، فإن شئت أن نصرف عنك هذه البلية ، فاعلم أنا قد جعلنا السماوات والأرضين والملائكة والجن كلهم في حكمك ، فأمر فيهم بما تريد من إهلاك هؤلاء الكفرة الفجرة لعنهم الله . فإذا بالملائكة قد ملأوا بين السماوات والأرض بأيديهم حراب من النار ينتظرون لحكم الحسين ، وأمره فيما يأمرهم به من إعدام هؤلاء الفسقة . فلما عرف مضمون الكتاب ، وما في تلك الصحيفة ، رفعها إلى السماء ورمى بها إليها وقال : إلهي وسيدي ! وددت أن أقتل وأحيى سبعين ألف مرة في طاعتك ومحبتك ، سيما إذا كان في قتلي نصرة دينك ، وإحياء أمرك وحفظ ناموس شرعك ، ثم إني قد سئمت الحياة بعد قتل الأحبة وقتل هؤلاء الفتية من آل محمد .
ومن جانب أخر نشاهد تقدير وتعظيم من الله تعالى للحسين على طول القرون فقضية الحسين باقية ومستمرة حتى أنها تختلف وتتميز على قضايا الأنبياء والمعصومين ( ع ) فهي قضية إلهية بامتياز .
أن العلاقة المعنوية والعاطفية تبقى موجودة، ومتأججة بالقلوب على مدى التأريخ وهي إحدى المزايا العظيمة والعجيبة التي وهبها الله سبحانه للحسين وهي موهوبة له بإرادة خاصة من قبل الله سبحانه وتعالى، يعني أنها نحو من أنحاء المعجزة ويكفي أن نلتفت إلى أن سمعته الطيبة مما يشهد بها كل البشر على الإطلاق من مختلف أديانهم وثقافاتهم وطبقاتهم إلا من شذَّ وندر أما الشيعة والموالون فلهم في ذلك خصوصية زائدة كما نقل عن النبي ( ص ) أنه قال : (( إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً ))
ومن جانب أخر ظهور الكرامات العديدة التي نسمع بشكل مستمر فهناك مئات بل ألوف الأشخاص حصلت لهم كرامات بجاه الحسين عند الله تعالى .
حتى أننا لم نسمع عن كرامة حصلت لأحد عند بيت الله تعالى وهو مكان مبارك ومقدس لكن ولي الله الحسين أفضل عند الله من أي مكان أخر وهي إرادة إلهية بربط الناس بالحسين .
ومنها اكتسب تراب الحسين مكانة خاصة ومنزلة مقدسة لأنها الأرض التي تضمّ جسده الشريف ولهذا فإنّ السجود على هذه التربة مستحب ، وذكر الله بمسبحة من تلك التربة فضل عظيم أيضا ، وفيها شفاء للمرضى ، ويستحب أيضا أن يوضع شيء منها مع الميت حين دفنه كما وان الدفن في كر بلاء آمان من العذاب .
وبالرغم من إن أكل التراب حرام، إلا أن تناول مقدار قليل من تربة الحسين بنيّة الاستشفاء مستحب حتى روي عن الإمام الرضا عليه السلام : "كل طين حرام كالميتة والدم وما أهل لغير الله به، ما خلا طين قبر الحسين عليه السلام فانه شفاء من كلِّ داء "
وقد ورد انه كان لدى الإمام الصادق منديل أصفر فيه تربة سيد الشهداء ، إذا حل وقت الصلاة سكب ذلك التراب في موضع سجوده وسجد عليه بل ورد عنه عليه السلام انه قال "السجود على تربة الحسين يخرق الحجب السبع" .
كما ان تحنيك المولود الجديد بتربة الحسين امر مستحب فقد روي عن الصادق عليه السلام انه قال " حنكوا أولادكم بتربة الحسين فأنها أمان "
ومن الأمور العجيبة المرتبطة بالحسين هو ان شرب المؤمن للماء يثير ذكريات من استشهدوا وهم عطشى يوم الطفّ حتى قال الإمام الصادق عليه السلام: "ما شربت ماءً بارداً إلاّ وتذكرت عطش الحسين بن علي".
وقال أيضا: "ما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله إلاّ كتب له مائة ألف حسنة وحطّ عنه مائة ألف سيئة". .
حتى ورد في بعض الزيارات: "السلام على الشفاه الذابلات ". وهي شفاه الحسين والشهداء من كانوا معه في مثل هذا اليوم .
ورحم الله المخلصين الذين يكتبون على أماكن توزيع الماء مثل الخزانات والبرادات يكتبون : " أشرب الماء واذكر عطش الحسين "
وليس التراب والماء فقط له علاقة بالحسين بل حتى الحيوانات كان لها موقفا في هذا اليوم فكلكم سمعتم عن جواد الحسين الذي يطلق عليه ذي الجناح لسرعته فبعد سقوط الإمام الحسين على الأرض صار هذا الفرس يذبّ عنه ويهجم على فرسان العدو وقتل جماعة منهم وبعد مقتل الإمام لطّخ الفرس ذؤابته بدمه، وتوجه نحو الخيام وهو يصهل ويضرب الأرض برجله ليخبر أهل البيت باستشهاده .
وقيل في بعض الأخبار :
أن فرس الإمام هام على وجهه بعد استشهاد الإمام وابتعد عن النساء وألقى بنفسه في نهر الفرات واختفى
وقد ذُكر هذا الجواد في زيارة الناحية المقدسة : " فلما نظرن النساء إلى الجواد مخزياً والسرج عليه ملوياً ".
وقيل في رواية أخرى أن هذا الفرس كان يتمتم من بعد مقتل الحسين عليه السلام ويقول: " الظليمة الظليمة لأمة قتلت ابن بنت نبيها "
ومن الأمور الأخرى التي نجدها حصلت في يوم عاشوراء هو حضور ثلاثة من المعصومين وهم الحسين والسجاد والباقر ( ع ) كان طفلا صغيرا .
السجاد ( ع ) حضر ورأى أهله وأصحاب أبيه يقتلون إمامه ولكنه انصياعا للتكليف الإلهي لم يخرج وهو من بعد الحسين أفضل من كل الذين حضروا على الإطلاق والرائع من الإمام السجاد هو الالتزام بالتكليف الإلهي وعدم الاعتراض والخروج للقتال بل صبر ولم يخرج التزاما للتكليف وانتم لو تتأملون قليلا فان هذا صبر حقيقي أعلى من غيره حتى من صبر الشهداء فقد نفسوا عن غضبهم من أعداء الله بالخروج والقتال ولكن السجاد صبر وبقى لكي يرافق عمته زينب في رحلة السبايا .
ومن الأمور التي نقف عندها في يوم عاشوراء ان الحسين حينما ضحى لله تعالى إنما أراد ان ينفعنا إذا نظرنا إلى هدف الله تعالى في حركة الحسين ( ع ) فإنه بحسب ما نعرف فإن ذلك مربوط بمصلحة الأجيال الآتية من المسلمين بعد واقعة الطف يعني أنه قتل من أجل هدايتنا ومصلحتنا.
ومن هنا نجد ان كل واحد منا ثابت في عنقه دين للحسين فإذا كان باستطاعتنا ان نرد جزء من الفضل فهو أمر واجب في أعناقنا لأبي عبد الله روحي فداه وهو صاحب الفضل علينا .
وليس نقدم خدمة للحسين من اجل ان نحصل على شيء حتى لو كان الثواب وإنما نقدم الخدمة من باب رد الفضل وما أجمل قول الشاعر :
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة
ولكنما عيني لأجلك باكية
ومن هنا أريد أن اطرح سؤال والجواب عليكم كيف نستطيع ان نرد الفضل للحسين ومن دون ان ننتظر شيء منه ؟
وهناك شيء أخر مهم في يوم عاشوراء علينا نحن أتباع محمد الصدر فإذا أردنا ان نتمسك بالحسين فعلينا ان نقف بإخلاص مع حسين العصر فكما لكل عصر حسين كذلك لكل عصر يزيد ومن هنا نجد وبلا مبالغة ان حسين العصر تمثل في العصر المتأخر بالقادة من آل الصدر فالسيد محمد باقر الصدر والسيد محمد الصدر إنما هم من يمثلون نهج الحسين و وقفوا أمام يزيد العصر وهو الطاغية صدام .
واليوم يقف السيد القائد مقتدى الصدر موقفا كجده الحسين أمام اعتى طواغيت العالم متمثلا بأمريكا وعملائها والسيد مقتدى الصدر خادم الحسين إنما هو امتداد للحسين فمن هنا كانت نصرة الحسين تتمثل بشكل من أشكالها في نصرة حسين العصر وليس الانشقاق عليه او الإشكال على خطواته او خذلانه ؟
وفي يوم عاشوراء تبرز لنا المرأة المجاهدة الصابرة ومن ابرز أمثلتها الحوراء زينب وعلى النساء الاقتداء بالحوراء زينب وباقي بنات الرسالة وزوجات الأصحاب .
وخير مثال للأخوات المؤمنات المتزوجات في عاشوراء هي الرباب أم الرضيع التي تقدم مثالا للمرأة المؤمنة في حسن التبعل لزوجها والوقوف الى جنبه في شدته حتى أنها ضحت في سبيل الله مع زوجها الحسين بفلذة كبدها الطفل الرضيع .
فهل تلتفت أخواتنا المؤمنات إلى موقف هذه السيدة الشريفة الفاضلة في احترام الزوج أم أن بعض النساء لا يحترم أزواجهن ويثرن المشاكل معهم لأتفه الأسباب وخصوصا إذا كان الزوج رجل فقير فأنها تثقل كاهله بالطلبات غير المبررة التي لا يقدر على توفيرها ومن هنا ندعو كافة المؤمنات الى ان يجعلن الرباب قدوة لهن في حياتهن خصوصا في ثلاث أمور ( الوفاء مع زوجها – احترام زوجها – أعانته على صعوبات الحياة ) .
ومن الأمور المهمة التي جسدها الحسين في يوم عاشوراء انه ضرب مثلا في تحمل البلاء وتركه للراحة والنعيم حينما خرج من المدينة الى العراق طالبا وجه الله تعالى وليست الراحة هي المنشودة في نعيم الحياة هذه لان الدنيا دار بلاء والمؤمن الحسيني إنما يتقبل البلاء كوسيلة من اجل التكامل وزيادة الإيمان و لا يعترض و لا يجزع .
فحينما نقف بين يدي سيد الشهداء اليوم فإننا نسمع قوله المشهور:
(( إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله آمُرُ بالمعروف وأنهى عن المنكر ))
أن هدف الحسين هو إبراز أهمية الدين، وإمكان التضحية له بهذا المقدار العظيم في جانب طاعة الله تعالى بحيث لا يعتني بأزائه بالأمور الشخصية مهما كانت والصورة التي أعطاها الحسين أنه لا ينبغي الحفاظ على الذات ولا على المال ولا على الأسرة إن كان ذلك يرضي الله تعالى .
شيء أخر مهم علينا أن نتذكره اليوم وهو سيدي ومولاي صاحب الزمان ( ع ) فإن هدف المهدي وهدف الحسين واحد وهو إيجاد طاعة الله تعالى وإصلاح الناس بمقدار ما هو ممكن .
قال السيد الشهيد الصدر ( قدس سره ) :
( فبحسب إمكانيات الحسين فإنه يصلح المجتمع المسلم، وبحسب إمكانيات المهدي فإنه يصلح العالم كله. وهذا لا ينفي أنهما مشتركان في الهدف، فكلاهما يريد أن يطبق طاعة الله تعالى )
والمهدي هو المطالب بثار الحسين ومن هنا وردت هذه العبارة المستحب ذكرها في هذه المناسبة الأليمة هي :
" عظّم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا وإياكم من الطالبين بثأره مع وليّه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام "
وأخيرا بودي ان اذكر هنا روايات ربما كثير منكم لم يسمعها لا في المقتل ولا في غيره تعبر عن عظمة الحسين في يوم عاشوراء ومنها :
قال الإمام الصادق عليه السلام: "إن أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي صلوات الله عليه، فلم يؤذن لهم في القتال فرجعوا في الاستئذان وهبطوا وقد قتل الحسين عليه السلام فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة ورئيسهم ملك يقال له منصور"
وقال السيد ابن طاووس قدس سره : وروي عن مولانا الصادق أنه قال : سمعت أبي يقول : لما التقى الحسين عمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب ، أنزل الله تعالى النصر حتى رفرف على رأس الحسين ، ثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله ، فاختار لقاء الله .
وأخيرا ورد في ( تفسير البرهان 3:3 ونقل في بحار الأنوار223:44) :
ان هذه الحروف القرآنية المقطّعة في أول سورة مريم أنّ هذه الحروف من أنباء الغيب أطْلع عليها عبده زكريا ثم قصّها على محمد عليه وآله السلام. وذلك أن زكريا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة ( ع ) فاهبط عليه جبرائيل فعلّمه إيّاها، فكان زكريا إذا ذكر محمداً وعلياً وفاطمة والحسن عليهم السلام سري عنه همه وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة، فسأل الله عن سبب ذلك فأخبره القصّة فقال: كهيعص؛ فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة الطاهرة، الياء يزيد وهو ظالم الحسين، والعين عطشه والصاد صبره فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام وأقبل على البكاء والنحيب وكان يدعو ربّه أن يرزقه ولد تقر به عينه على الكبر، وأن يفتنه بحبّه، ثم يفجعه به كما فجع محمداً بولده. فرزقه الله يحيى وفجعه به. وكان حمله مثل الحسين ستة أشهر.
أبو فاطمة العذاري
(hareth1980***********)