مشاهدة النسخة كاملة : الحسين عليه السلام...السيرة...مسيرته...ملحمة الطف...فضائله...ما قيل فيه ارجو التثبيت
محب الائمة للموت
25-12-2010, 08:05 PM
من هو الحسين عليه السلام
طالما أن هنالك ظالمين يتحكمون بمصائر الشعوب بالقهر والظلم والتعسف، وطالما ثمة نفوس تواقة إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل، فأن هناك بصيص أمل يكاد نوره يبهر الألباب لمن أراد أن يتعرف عليه ويتعاطى معه إزاء معالجة المشاكل التي تحيق به من كل حدب وصوب.
ومن هذا المنطلق، فإنه يحق لكل أمة أن تقتبس من ذلك البصيص، لتبديد الظلام الذي يكتنفها، والسعي حثيثاً لاقتفاء أثر المصلحين، الذين رفعوا لواء الحرية، ودافعوا عن كرامة الإنسان، ليكون حراً بعيداً عن كل أشكال العبودية والاستبداد، أولئك الذين زوّدوا الأمة أمصال المناعة ضد كل احتقان سياسي أو طائفي أو عنصري، وألبسوا الإنسانية حلتها الجديدة الناصعة في التعاطي مع الأحداث بالسلوك القيمي والأخلاقي، الذي ينأى بطبعه عن كل العصبيات القبلية والإثنية والقومية.
فمن حق الأمة المتحررة أن تفتخر بروادها الذين أسسوا للحرية، وحفروا في التاريخ القديم والمعاصر أخاديد الحب والكرامة والإباء، ومن بين أولئك الأفذاذ، الذين من حقنا أن نفتخر بهم الإمام الهمام سيد الأحرار الحسين بن علي (عليه السلام) وكيف لا؟ ونحن لا نجد في سيرته المباركة سوى معاني الإخلاص والثورة ضد كل أنواع الفساد، والدفاع عن حقوق الإنسان بما هو إنسان بغض النظر عن انتمائه! وهذا المعنى يتجلى في سيرته المباركة، وهو ما عبر عنه حينما صدح صوته في صحراء كربلاء مخاطبا أعداءه (إنْ لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم)
من هو الحسين (عليه السلام) ؟
هو الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) وأُمه فاطمة بنت محمد بن عبد الله رسول رب العالمين ونبي المسلمين الصادق الأمين، وأخوه الحسن بن علي (عليهما السلام) الذي قال الرسول الأعظم بحقه وبحق أخيه (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، اللهم إني أحبهما فأحب من يحبهما).
من كنى الإمام الحسين عليه السلام (الرشيد و الوفي و الطيب و السيد الزكي و المبارك و التابع لمرضاة الله و الدليل على ذات الله و السبط...) و أعلاها رتبة ما لقبه به جده صلىالله عليه وآله في قوله عنه و عن أخيه الحسن أنهما (سيدا شباب أهل الجنة) و كذلك (السبط) لقوله صلىالله عليه وآله (حسين سبط من الأسباط).
ولد الإمام الحسين عليه السلام بالمدينة في الثالث من شعبان و قيل لخمس خلون منه سنة ثلاث أو أربع من الهجرة و روى الحاكم في المستدرك من طريق محمد بن إسحاق الثقفي بسنده عن قتادة أن ولادته لست سنين و خمسة أشهر و نصف من التاريخ.
و قيل ولد في أواخر ربيع الأول و قيل لثلاث أو خمس خلون من جمادى الأولى و المشهور المعروف أنه ولد في شعبان و كانت مدة حمله ستة أشهر.
ولما ولد جيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاستبشر به و أذن في أذنه اليمنى و أقام في اليسرى فلما كان اليوم السابع سماه حسينا و عق عنه بكبش و أمر أن تحلق رأسه و تتصدق بوزن شعره فضة كما فعلت بأخيه الحسن فامتثلت ما أمرها به.
وعن الزبير بن بكار في كتاب أنساب قريش أن رسول الله صلى الله عليه وآله سمى حسنا و حسينا يوم سابعهما و اشتق اسم حسين من اسم حسن.
وقيل ان الرسول صلى الله عليه وآله سمّاه حسيناً باسم ابن النبي هارون (شبـير) كما سمى ريحانته الأول حسناً باسم إبن النبي هارون (شبر).
وروى الحاكم في المستدرك و صححه بسنده عن أبي رافع رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله أذن في أذن الحسين حين ولدته فاطمة) و بسنده (عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي عليه السلام و صححه أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر فاطمة فقال زني شعر الحسين و تصدقي بوزنه فضة و أعطي القابلة رجل العقيقة.) و بسنده (أن رسول الله صلى الله عليه وآله عق عن الحسن و الحسين يوم السابع و سماهما و أمر أن يماط عن رءوسهما الأذى.
و بسنده عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب قال عق رسول الله صلى الله عليه وآله عن الحسين بشاة و قال يا فاطمة احلقي رأسه و تصدقي بزنة شعره فوزناه و كان وزنه درهما و بسنده أن النبي صلىاللهعليهوآله عق عن الحسن و الحسين عن كل واحد منهما كبشين اثنين مثليين متكافيين.
للإمام الحسين عليه السلام من الأولاد ستة ذكور وثلاث بنات.
- علي الأكبر.. شهيد كربلاء أمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية.
- علي الأوسط.
- علي الأصغر زين العابدين أمه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد ملك الفرس و معنى شاه زنان بالعربية ملكة النساء.
وقال المفيد: الأكبر زين العابدين و الأصغر شهيد كربلاء و المشهور الأول.
- محمد.
- جعفر مات في حياة أبيه ولم يعقب أمه قضاعية.
- وعبد الله الرضيع جاءه سهم و هو في حجر أبيه فذبحه.
- وسكينة وأمها أم عبد الله الرضيع الرباب بنت إمرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم ، كلبية معدية.
- وفاطمة أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله تيمية.
- زينب.
ومن أخلاق الأمام عليه السلام أنه دخل على أسامة بن زيد و هو مريض و هو يقول وا غماه فقال و ما غمك قال ديني و هو ستون ألف درهم، فقال عليه السلام هو عليّ، قال إني أخشى أن أموت قبل أن يقضى، قال عليه السلام لن تموت حتى أقضيها عنك فقضاها قبل موته.
ويذكر التأريخ أنه لما أخرج مروان الفرزدق من المدينة أتى الفرزدق الحسين عليهالسلام فأعطاه الإمام أربعمائة دينار، فقيل له إنه شاعر فاسق فقال إن خير مالك ما وقيت به عرضك و قد أثاب رسول الله صلىالله عليه وآله كعب بن زهير و قال في العباس ابن مرداس اقطعوا لسانه عني.
و روى ابن عساكر في تاريخ دمشق أن سائلا خرج يتخطى أزقة المدينة حتى أتى باب الإمام الحسين فقرع الباب و أنشا يقول:
لم يخب اليوم من رجاك و من حرك من خلف بابك الحلقه
فأنت ذو الجود أنت معدنه أبوك قد كان قاتل الفسقة
و كان الحسين واقفا يصلي فخفف من صلاته و خرج إلى الأعرابي فرأى عليه أثر ضر و فاقة فرجع و نادى بقنبر فأجابه لبيك يا ابن رسول الله (صلىالله عليه وآله) قال ما تبقى معك من نفقتنا؟قال مائتا درهم أمرتني بتفريقها في أهل بيتك فقال هاتها فقد أتى من هو أحق بها منهم فأخذها و خرج يدفعها إلى الأعرابي و أنشا يقول:
خذها فإني إليك معتذر***و اعلم بأني عليك ذو شفقه
لو كان في سيرنا الغداة عصا***كانت سمانا عليك مندفقه
لكن ريب الزمان ذو نكد***و الكف منا قليلة النفقه
فأخذها الأعرابي و ولى و هو يقول:
مطهرون نقيات جيوبهم*** تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
و أنتم أنتم الأعلون عندكم علم***الكتاب و ما جاءت به السور
من لم يكن علويا حين تنسبه ***ما له في جميع الناس مفتخر
وفي تحف العقول : جاءه رجل من الأنصار يريد أن يسأله حاجة فقال يا أخا الأنصار صن وجهك عن بذلة المسألة و ارفع حاجتك في رقعة فإني آت فيها ما هو سارك إن شاء الله فكتب يا أبا عبد الله إن لفلان علي خمسمائة دينار و قد ألح بي فكلمه أن ينظرني إلى ميسرة فلما قرأ الحسين عليهالسلام الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرة فيها ألف دينار و قال له: أما خمسمائة فاقض بها دينك و أما خمسمائة فاستعن بها على دهرك، و لا ترفع حاجتك إلا إلى ثلاثة إلى ذي دين أو مروءة أو حسب، فأما ذو الدين فيصون دينه، و أما ذو المروءة فإنه يستحيي لمروءته، و أما ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك.
وجد على ظهره عليه السلام يوم الطف أثر فسئل زين العابدين عليهالسلام عن ذلك فقال هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل و اليتامى و المساكين.
أما أصحابه أصحابه فكانوا خير أصحاب، فارقوا الأهل و الأحباب و جاهدوا دونه جهاد الأبطال و تقدموا مسرعين إلى ميدان القتال قائلين له أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا و وجوهنا يضاحك بعضهم بعضا قلة مبالاة بالموت و سرورا بما يصيرون إليه من النعيم، و لما أذن لهم في الانصراف أبوا و أقسموا بالله لا يخلونه أبدا و لا ينصرفون عنه قائلين أ نحن نخلي عنك و قد أحاط بك هذا العدو و بم نعتذر إلى الله في أداء حقك، و بعضهم يقول لا و الله لا يراني الله أبدا و أنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي و أضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي و لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة و لم أفارقك أو أموت معك و بعضهم يقول و الله لو علمت إني أقتل فيك ثم أحيا ثم أحرق حيا يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك و بعضهم يقول و الله لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرة و أن الله يدفع بذلك القتل عنك و عن أهل بيتك و بعضهم يقول أكلتني السباع حيا إن فارقتك و لم يدعو أن يصل إليه أذى و هم في الأحياء و منهم من جعل نفسه كالترس له ما زال يرمي بالسهام حتى سقط و أبدوا يوم عاشوراء من الشجاعة و البسالة ما لم ير مثله فأخذت خيلهم تحمل و إنما هي اثنان و ثلاثون فارسا فلا تحمل على جانب من خيل الأعداء إلا كشفته.
أما إباؤه للضيم و مقاومته للظلم و استهانته القتل في سبيل الحق و العز فقد ضربت به الأمثال و سارت به الركبان و ملئت به المؤلفات و خطبت به الخطباء و نظمته الشعراء و كان قدوة لكل أبي و مثالا يحتذيه كل ذي نفس عالية و همة سامية و منوالا ينسج عليه أهل الإباء في كل عصر و زمان و طريقا يسلكه كل من أبت نفسه الرضا بالدنية و تحمل الذل و الخنوع للظلم، و قد أتى الحسين عليه السلام في ذلك بما حير العقول و أذهل الألباب و أدهش النفوس و ملأ القلوب و أعيا الأمم عن أن يشاركه مشارك فيه و أعجز العالم أن يشابهه أحد في ذلك أو يضاهيه و أعجب به أهل كل عصر و بقي ذكره خالدا ما بقي الدهر، أبى أن يبايع يزيد بن معاوية السكير الخمير صاحب الطنابير و القيان و اللاعب بالقرود و المجاهر بالكفر و الإلحاد و الاستهانة بالدين.
قائلا لمروان و على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ، و لأخيه محمد بن الحنفية : و الله لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، في حين أنه لو بايعه لنال من الدنيا الحظ الأوفر و النصيب الأوفى و لكان معظما محترما عنده مرعي الجانب محفوظ المقام لا يرد له طلب و لا تخالف له إرادة لما كان يعلمه يزيد من مكانته بين المسلمين و ما كان يتخوفه من مخالفته له و ما سبق من تحذير أبيه معاوية له من الحسين فكان يبذل في إرضائه كل رخيص و غال، و لكنه أبى الانقياد له قائلا: إنا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة بنا فتح الله و بنا ختم و يزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة و مثلي لا يبايع مثله، فخرج من المدينة بأهل بيته و عياله و أولاده، ملازما للطريق الأعظم لا يحيد عنه، فقال له أهل بيته: لو تنكبته كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب، فأبت نفسه أن يظهر خوفا أو عجزا و قال: والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض، و لما قال له الحر : أذكرك الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، أجابه الحسين عليه السلام مظهرا له استهانة الموت في سبيل الحق و نيل العز، فقال له: أ فبالموت تخوفني و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني، و سأقول كما قال أخو الأوس و هو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله فخوفه ابن عمه و قال: أين تذهب فإنك مقتول: فقال:
سأمضي و ما بالموت عار على الفتى *** إذا ما نوى حقا و جاهد مسلم
اأقدم نفسي لا أريد بقاءها *** لتلقي خميسا في الوغى و عرمرم
فإن عشت لم أندم و إن مت لم ألم *** كفى بك ذلا أن تعيش فترغما
يقول الحسين عليه السلام : ليس شأني شأن من يخاف الموت ما أهون الموت علي في سبيل نيل العز و إحياء الحق ليس الموت في سبيل العز إلا حياة خالدة، و ليست الحياة مع الذل إلا الموت الذي لا حياة معه، أ فبالموت تخوفني هيهات طاش سهمك و خاب ظنك لست أخاف الموت إن نفسي لأكبر من ذلك و همتي لأعلى من أن أحمل الضيم خوفا من الموت و هل تقدرون على أكثر من قتلي مرحبا بالقتل في سبيل الله و لكنكم لا تقدرون على هدم مجدي و محو عزي و شرفي فإذا لا أبالي بالقتل. وهو القائل: موت في عز خير من حياة ذل، وكان يحمل يوم الطف و هو يقول:
الموت خير من ركوب العار***والعار أولى من دخول النار
لما أحيط به بكربلاء و قيل له: أنزل على حكم بني عمك، قال: لا و الله!لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل و لا أقر إقرار العبيد، فاختار المنية على الدنية و ميتة العز على عيش الذل، و قال: إلا أن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا و رسوله و المؤمنون و جدود طابت و حجور طهرت و أنوف حمية و نفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.أقدم الحسين عليهالسلام على الموت مقدما نفسه و أولاده و أطفاله و أهل بيته للقتل قربانا وفاء لدين جده صلىالله عليه وآله بكل سخاء و طيبة نفس و عدم تردد.
أما شجاعته فقد أنست شجاعة الشجعان و بطولة الأبطال و فروسية الفرسان من مضى و من سيأتي إلى يوم القيامة، فهو الذي دعا الناس إلى المبارزة فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة، و هو الذي قال فيه بعض الرواة: و الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جاشا و لا أمضى جنانا و لا أجرأ مقدما منه و الله ما رأيت قبله و لا بعده مثله و إن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه و عن شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب، و لقد كان يحمل فيهم فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، و هو الذي حين سقط عن فرسه إلى الأرض و قد أثخن بالجراح، قاتل راجلا قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية و يفترص العورة. ويشد على الشجعان و هو يقول: أعلي تجتمعون، و هو الذي جبن الشجعان و أخافهم و هو بين الموت و الحياة حين بدر خولي ليحتز رأسه فضعف و أرعد.و في ذلك يقول السيد حيدر الحلي :
عفيرا متى عاينته الكماة***يختطف الرعب ألوانها
فما أجلت الحرب عن مثله***قتيلا يجبن شجعانها
وهو الذي صبر على طعن الرماح و ضرب السيوف و رمي السهام حتى صارت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ و حتى وجد في ثيابه مائة و عشرون رمية بسهم و في جسده ثلاث و ثلاثون طعنة برمح و أربع و ثلاثون ضربة بسيف.
هذا الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام سيد الشهداء وأبو الأحرار.
محب الائمة للموت
25-12-2010, 08:07 PM
السيرة
شكلت النهضة الحسينية ولا زالت مجالاً واسعاً للبحث والدراسة واستخلاص العبر، ورغم مرور ما يزيد على الثلاثة عشر قرنا على هذه الواقعة الخالدة، فان أجيال الأحرار في العالم ما فتأت تستلهم من المعين الكربلائي هدي طريقها ونبراس سيرها.
وإذا كان (لكل عصر يزيده ولكل عصر حسينه) فإن التعرف على أبطال الواقعة الكربلائية الخالدة ومجريات الأحداث والوقائع التي سبقتها بلغة العقل والقلب معاً المشفوعة بالتحليل الدقيق والعميق لهذه المجريات سواء تلك التي سبقت أو واكبت أو لحقت يوم العاشر من المحرم لعام 61 هجري. تعد مقدمة ضرورية لفهم مقتضيات هذه النهضة وظروفها ومفاعيلها ونتائجها.
معنى الإمامة
الإمامة هي القيادة المنصوص عليها من الله تعالى لمرحلة ما بعد الرسول صلى الله عليه وآله، وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله مكلفاً بإبلاغها إلى الناس.
دور الإمامة
إن لأئمة أهل البيت عليه السلام دوراً عاماً يشتركون جميعاً في السعي لتحقيقه بالرغم من تفاوت الظروف السياسية والاجتماعية التي يمرون بها، كمثل مسؤوليتهم في الحفاظ على الرسالة الإسلامية وتحصينها من كل ما يشوبها من عوالق، ومسؤوليتهم في الحفاظ على الأمة ووقايتها من الأخطار التي تهددها، وتبيين الأحكام الشرعية والحقائق القرآنية، وإنقاذ الدولة الإسلامية من كل تحدٍّ كافر، وتعريف الأمة بفضل أهل البيت عليه السلام وأحقيتهم بالأمر ما سنحت الفرصة واتسع المجال، ومن الدور العام المشترك لأئمة أهل البيت عليه السلام أصل القيام بوجه الحاكم الظالم إذا توفرت "العدة" اللازمة للقيام بكل أبعادها لا في بُعد العدد فقط.
وقد تتشابه الأدوار الخاصة لبعضهم نتيجة تشابه تلك الظروف، كما هي الحال في الظروف التي عاشها كل من الإمامين الباقر والصادق عليهم السلام أو الإمامين الهادي والعسكري عليهم السلام. وقد تتعارض الأدوار الخاصة لبعضهم نتيجة التغاير بين تلك الظروف، كما هي الحال في مهادنة الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية والثورة التي قام بها الإمام الحسين عليه السلام ضد يزيد بن معاوية.
الحكم الأموي
بعد فتح مكة المكرمة تحوّل المسلمون إلى قوة مركزية قاهرة ودولة ظافرة. وتحولت قريش كقبيلة مشركة من تجمع مركزي مؤثّر في الأحداث إلى شتات ضعيف فاشل. وقد أصرّ غالب بني أمية كما أصرّ كل عتاة قريش على الكفر برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله رغم أنهم حاولوا إرضاءه ظاهراً، عندما سألهم يوم فتح مكة: "ماتظنون أني صانع بكم"
فقالوا أخ كريم وابن أخ كريم. فقال صلى الله عليه وآله: "اذهبوا فأنتم الطلقاء "
أظهرت قريش ومنها غالب الأمويين الإسلام نفاقاً، وكانوا يترصّدون مجرى الأحداث لعل الأمر يتيح لهم الفرصة السانحة للانقضاض على الإسلام، ولمّا لم يتمكنوا من ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، إستبطأوا تحقق غاياتهم الشيطانية.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"إن العرب كرهت أمر محمد صلى الله عليه وآله وحسدته على ما أتاه الله من فضله، واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته، ونفرت به ناقته مع عظيم إحسانه إليها، وجسيم مننه عندها، وأجمعت مذ كان حيا على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته، ولولا أن قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة وسُلماً إلى العز والإمرة لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً".
وعندما رأوا الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ينحرف عن مساره كما خططوا، تجدد لهم الأمل والرجاء بأن يعود لهم سابق شأنهم في الجاهلية، فعملوا بعقلية الحزب الحاكم، وعادت الجاهلية بالانقلاب على الأعقاب، ولكن تحت غطاء الإسلام لطمس المعالم الحقيقية للإسلام المحمدي الأصيل.
يضيف الأمير عليه السلام:
"ثم فتح الله عليها الفتوح فأثْرت بعد الفاقة، وتموّلت بعد الجهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجا، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطربا، وقالت: لولا أنه حق لما كان كذا، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن تدبير المراء القائمين بها، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين، فكنا نحن ممن خمل ذكره، وخبت ناره وانقطع صوته وصيته حتى أكل الدهر علينا وشرب، ومضت السنون والأحقاب بما فيها، ومات كثير ممن يعرف، ونشأ كثير ممن لا يعرف".
وهكذا بدأ العمل لمحاصرة السُنّة النبوية علناً تحت ستار الخشية من انتشار الاختلاف في الأمة، ونشأت حالة الشلل النفسي فيها حتى التي تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعجزت عن تمييز الحق من الباطل.
ومن أبرز النتائج السلبية التي برزت عبر السنوات ما بين وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وبداية إمامة الحسين عليه السلام:
1 إقصاء الولي الشرعي عن مقامه.
2 التضييق على أهل البيت عليهم السلام ومحاصرتهم اقتصاديا بشكل خاص، وملاحقة الأتباع.
3 منع بني هاشم من تولي المناصب الحكومية.
4 بسط يد الأمويين وأضرابهم في تولي المناصب الحكومية.
5 انبعاث الروح القبلية من جديد، والروح القومية التي كانت أساس التفريق في العطاء (توزيع الثروة الاجتماعية).
6 الركون إلى الترف والبذخ واكتناز المال.
لقد تمزقت الأمة التي جعلها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله "خير أمة أخرجت للناس"، فعادت إلى القبلية والطبقية وراج التناحر بدلاً من المؤاخاة التي أرسى قواعدها الرسول صلى الله عليه وآله، وشاعت الوصولية والانتهازية، مما أدى إلى ظهور أهل الترف وطبقة الفقراء الأذلاء، فصار جُل سعي الناس التزلف إلى السلطان والتقرّب منه والتملق إليه.
صلح الإمام الحسن عليه السلام وموقف الإمام الحسين عليه السلام منه
كان صلح الإمام الحسن عليه السلام مع السلطة الأموية أبغض الخيارات أمامه. وقد اضطر إليه حرصاً على مصالح إسلامية كبرى، فلقد كان عليه السلام يرى الأمة المتخاذلة لا يعنيها مصير الإسلام، وقد تفرقت عن أبيه من قبله، وحسمت خيارها في أخر معركة صفين وكان المضي قدماً في المواجهة يمكّن معاوية من استئصال المحمديين الصادقين الذين أراد الله تعالى إيصال الإسلام بهم إلى الأجيال، دون أن يمكّن ذلك الإمام الحسن عليه السلام أن يلزم معاوية بقبول شروط تكشف عدوانه وادعاء ما ليس له به أدنى علاقة من قريب ولا من بعيد.
انتمى معاوية إلى الإسلام ظاهراً قبل رحيل المصطفى صلى الله عليه وآله بخمسة أشهر، إلا أن الحزب القرشي الأموي، مهد له ليتمكن من الوصول إلى مركز التلاعب بمصير الإسلام والمسلمين.
ويجب التنبه في هذا المجال إلى التحالف بين معاوية وبين بعض أهل الكتاب الذي يؤكده ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله:
"ليموتن ابن هند على غير ملتي".
كان ما عرف بالصلح هو الخيار الوحيد الذي يعري حقيقة السلطة ونفاقها والجاهلية الثانية التي أشار إليها القران الكريم.
وقد وقف الإمام الحسين عليه السلام من كل قرارات الإمام الحسن عليه السلام ومواقفه موقف الشريك المعاضد والنصير المؤازر، وأكد دعمه التام للقرار الحسني بالصلح، وامتثل لأمره كإمام مفترض الطاعة، ورفض التحلل من هذا الصلح، وحرص على تهدئة فورة بعض المعترضين، وأمرهم بالصبر والترقب والانتظار.
وبعد استشهاد الإمام الحسن عليه السلام كتب الموالون إليه يدعونه للتحلل من الصلح والقيام ضد معاوية، فأجابهم عليه السلام:
"إني لأرجو أن يكون رأي أخي في جهاد الظلمة رشداً وسداداً، فالصقوا بالأرض، وأخفوا الشخص، واكتموا الهوى".
شخصية يزيد بن معاوية
ولد يزيد بن معاوية سنة 25 أو 26هـ. أمه ميسون النصرانية من قبيلة بني كلاب، وقد ظلّت على ديانتها وهي في قصر خليفة المسلمين! فعادت إلى أهلها في البادية وهي تحمله لتلده فيها حيث نشأ يزيد هناك بين أخواله. وكان يزيد متهتكاً في معاصيه و مباذله وهواياته لا يأبه بأحكام الله وحدوده تعالى، ولا يقيم لها وزناً، وتلك هي سير أبيه من قبله، فكان يقول له: "يا بني ما أقدرك على أن تصل إلى حاجتك من غير تهتك يذهب بمروءتك وقدرك ويشمت بك عدوك و يسيء بك صديقك".
كان يزيد أول من أظهر شرب الخمر والانصراف إلى الغناء والصيد واتخاذ الغلمان واللعب بالقرود،، وكان يُلبس كلاب الصيد أساور وحُللاً من ذهب ويهب لكل كلب عبداً يخدمه.
قال زياد بن أبيه لمعاوية عندما طلب إليه أخذ بيعة المسلمين في البصرة لولده: "فما يقول الناس إذا دعوناهم إلى بيعة يزيد، وهو يلعب بالكلاب والقرود، ويلبس المصبّغ، ويدمن الشراب، ويمشي على الدفوف".
وأمر يزيد عبيد الله بن زياد بقتل الإمام الحسين عليه السلام وإرسال رأسه إليه بعدما رفض بيعته، وقد افتخر بانتمائه إلى الجاهلية ورأسُ ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله بين يديه بعدما تمثّل بأبيات ابن الزبعري التي مطلعها:
ليت أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل
وختامها:
لعبت هاشم بالملك فلا***خبر جاء ولا وحي نزل
كانت ولاية يزيد ثلاث سنين وستة أشهر
في السنة الأولى قتل الإمام الحسين بن علي عليه السلام وأهل بيته وأصحابه في واقعة كربلاء وسبى نساءه من كربلاء إلى الشام.
في السنة الثانية نهب مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وأباحها ثلاثة أيام لجيشه، تمّ فيها قتل سبعمائة من المهاجرين والأنصار، فلم يبق بدري بعد ذلك، وقتل عشرة آلاف من الموالي والعرب والتابعين، وانتهكت النساء.
وفي السنة الثالثة حاصر مكة وأحرق الكعبة الشريفة.
بين معاوية ويزيد
كان إصرار معاوية على استخلاف ولده يزيد إصراراً على القضاء على الإسلام، وانتقاما من رسول الله صلى الله عليه وآله بتحويل الخلافة إلى مُلك لا قيمة فيه لإرادة الأمة واختيارها.
وقال معاوية: "ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي وعرفت قصدي"، وتدل هذه العبارة أن معاوية بما لديه من دهاء، كان يعلم أن استمرار نجاح جهود حركة النفاق التي أنتجت الحكم الأموي الجاهلي المتستر بالمظهر الإسلامي، يقتضي أن يأتي بعد معاوية حاكم آخر داهية لا يرتكب الحماقات التي تفضح خطة التستر بالدين، وحتى تستمر الخدعة إلى وقت لا يبقى من الدين إلا اسمه، ولكن معاوية كان على علم بأن هذه الصفات لا تتوفر في يزيد، فهو يمتلك من الرعونة والحماقة ما يكفي لهدم ما بني طيلة خمسين سنة.
ولكن حب معاوية لذاته وليزيد كامتداد وجودي ونسبي له جعله يصر على استخلاف يزيد انقياداً لهواه في ولده مع معرفته للمصائب التي سيجلبها للأمويين، خصوصاً مع وجود ولاةٍ في الإمارات الإسلامية كيزيد، تقودهم حماقتهم إلى المواجهة العلنية مع آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله لما يكنون لهم من حقدٍ وضغينة، وأن هؤلاء سيقضون على إمارة الولاة المتبنين لسياسة معاوية الخبيثة وهي المواجهة السرية، بإلصاق تهم الضعف في إدارة شؤون البلاد.
معاوية يأخذ البيعة ليزيد
بعد استشهاد الإمام الحسن عليه السلام، إثر السم الذي دسته له زوجه جعدة بنت الأشعث بعد وعدٍ قطعه لها معاوية بتزويجها لابنه يزيد ولم يفِ به، أخذ معاوية البيعة ليزيد في الشام وفي أغلب الأمصار.
وأرسل إلى مروان بن الحكم والي المدينة آنذاك بأخذ البيعة ليزيد من وجهاء القوم، فأنكروا على مروان ذلك.
والمدينة المنورة هي مركز ثقل الدعوة الإسلامية، ففيها منزل الإمام الحسين عليه السلام وال بيته الأطهار من بني هاشم، وبقية صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله، لذا فإن أحذ البيعة من أهلها يعتبر انتصاراً كبيراً لمعاوية لناحية وضع "الهاشميين" وعلى رأسهم الإمام الحسين عليه السلام تحت أمرٍ واقع ببقاء إمارة المسلمين بيد الأمويين.
واستعصت المدينة على البيعة فعزل معاوية مروان وعيّن سعيد بن العاص والياً عليها، وقد أوصاه أن يأخذ البيعة من المهاجرين والأنصار بالشدة، وكتب إليه وأمره بالحزم والتصلب مع الرفق وتجنب الخرق في التعامل مع الإمام الحسين عليه السلام قائلاً: "وانظر حسيناً خاصة، فلا يناله منك مكروه، فإن له قرابة وحقاً عظيماً لا ينكره مسلم ولا مسلمة، وهو ليث عرين، ولستُ آمنك إن شاورته أن لا تقوى عليه" ولم يكن هذا من منطلق احترامه له بل لدهائه على ما سيأتي.
وقد شدد معاوية في حياته الرقابة على الإمام الحسين عليه السلام ورصد عليه الصغيرة والكبيرة من سكناته وحركاته في حياته الخاصة والعامة، وتعمد إشعار الإمام عليه السلام بذلك لردعه عن فكرة الخروج والقيام.
وكتب معاوية إلى الإمام عليه السلام بعد رفضه مبايعة يزيد ولياً للعهد: "أما بعد.. فقد انتهت إلي منك أمور، لم أكن أظنّ بك رغبة عنها، وإن أحق الناس بالوفاء لَمن أعطى بيعته من كان مثلك في خطرك وشرك ومنزلتك التي أنزلك الله بها، فلا تنازع إلى قطيعتك، واتق الله ولا تردن هذه الأمة في فتنة، وأنظر لنفسك ودينك وأمة محمد، ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون".
أما الإمام الحسين عليه السلام فقد رد على معاوية رداً احتجاجياً تضمن إدانته له بقتل الصحابي الجليل حجر بن عدي، و بإستلحاقه زياد بن عبيد الرومي بنسب أبي سفيان ثم تسليطه على الأمة يبطش بها، وذكّره مغبة سوء العاقبة وزوال الدنيا، وأن لله كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وكانت الفقرة الختامية في هذا الرد:
"واعلم أن الله ليس بناسٍ لك قتلك بالظّنة وأخذك بالتهمة، وإمارتك صبياً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ما أراك إلا وقد أوبقت نفسك وأهلكت دينك وأضعت الرعية، والسلام".
فقدم معاوية إلى المدينة حاجاً وأوفد إلى الإمام الحسين عليه السلام وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، كل على انفراد، ودعاهم إلى قبول البيعة ليزيد لكنه لم يحصل منهم على ما يريد.
وفي اليوم الثاني أرسل إلى الإمام الحسين عليه السلام وعبد الله بن عباس، فسبق ابن عباس، وأقعده معاوية في الفراش على يساره وحادثه ملياً حتى أقبل الإمام الحسين عليه السلام، فلما رآه معاوية جمع له وسادة على يمينه، فدخل الإمام عليه السلام وسلم، فسأله معاوية عن حال بني أخيه الحسن عليه السلام، فأخبره ثم سكت.
وابتدأ معاوية بالكلام، فقال بعد الحمد والثناء كلاماً مطولاً يصف فيه ولده يزيد وماذا يريد معاوية من تنصيبه خليفة، ومن جملة ما قال: "وقد كان من أمر يزيد ما سُبقتم إليه وإلى تجويزه، وقد علم الله ما أحاول به من أمر الرعية، من سدّ الخلل ولم ّالصدع بولاية يزيد، بما أيقظ العين وأحمد الفعل، هذا معناي في يزيد...".
فأشار إليه الإمام الحسين عليه السلام راداً:
".. وفهمتُ ما ذكرته عن يزيد، من اكتماله وسياسته لأمة محمد، تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنك تصفُ محجوباً، أو تنعتُ غائباً، أو تخبر عمّا كان مما احتويته بعلم خاص. وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه..".
فاحتجب معاوية عن الناس في المدينة ثلاثة أيام، ثم خرج فأمر المنادي أن ينادي في الناس أن يجتمعوا لأمر جامع، فاجتمع الناس في المسجد، وقعد الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه حول المنبر. فأخذ معاوية يخبر الناس بفضائل يزيد، وأنه طلب له البيعة من كل القرى والمدر فأجابت إلا المدينة قد أخرّت بيعته.
وحاججه الإمام الحسين عليه السلام أمام القوم حول خصال يزيد. غير أن أهل الشام ضربوا بأيديهم إلى سيوفهم فسلّوها، وطلبوا الإذن بضرب أعناق الرجال الرافضين للبيعة، وكان هدف الإمام الحسين عليه السلام تسجيل الموقف ليتضح أنه لا يعطي أدنى شرعية لتعيين يزيد.. فنزل معاوية عن المنبر.
وأقبل أهل مكة إلى الإمام الحسين عليه السلام يسألونه عن بيعة يزيد، وأنه وصلهم أنه قد دُعي وبايع.
فقال الإمام الحسين عليه السلام:
"لا والله ما بايعنا، ولكن معاوية خدعنا وكادنا ببعض ما كادكم به".
الإمام الحسين عليه السلام في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله
كان الناسُ قد كرهوا الحرب لطول معاناتهم منها ورغبة منهم في الدنيا والسلامة والدعة وطاعةً لرغبات زعماء قبائلهم، ولكنهم اكتشفوا بعد مدة مدى الخطأ الذي وقعوا فيه بضعفهم عن القيام بتبعات القتال وخذلان الإمام الحسن عليه السلام بعدما ذاقوا طعم واقع السلطة التي اعتمدت مبدأ الاضطهاد والإرهاب والتجويع والحرمان والمطاردة المستمرة وخنق الحريات والاستهزاء بالشريعة والاستخفاف بالقيم. فأولى الإمام الحسين عليه السلام أتباعه عناية فائقة ورعاية خاصة، وحرص في ظرفه السياسي الاجتماعي الشديد الحساسية والخطورة على حفظهم من كل سوء، وعمل ما بوسعه لإبقائهم بمنأى عن منال يد البطش، وحثّ أهل المعرفة والعلم من مواليه بأن يكفلوا إخوانهم المحرومين من العلم، ونشر الثقافة السياسية والوعي إزاء خطر الحكومة المحدق بالدين المحمدي.
في خضم تيار التضليل الديني والسياسي المهيمن على الرأي العام الإسلامي، كان الإمام الحسين عليه السلام يُصارع هذا التيار ويحاول اختراقه في تبيين الحق والدعوة إليه والدفاع عنه.
وقد عمد الإمام الحسين عليه السلام إلى كشف الضلال وزيفه عن ذهنية الأمة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليمها وتربيتها من خلال حلقات الوعظ والإرشاد التي كان يقوم بها في المدينة ومكة، واستغل المناسبات الدينية لبث الوعي فيها وتذكيرها بالسُنّة النبوية الشريفة ودعوتها إلى نصرة الحق، وقد ورد في كلامٍ خاطب به أهل العلم من الصحابة خاصة والتابعين عامة، يحتجُ عليهم فيه ويوضّح الأسباب العميقة لرفض بيعة يزيد:
".. اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنُري المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، و يأمن المظلوم من عبادك، ويُعمل بفرائضك وسننك وأحكامك..".
وجاء الناس إليه من أهل العراق وأشراف الحجاز والبصرة واليمن ومختلف المدن الإسلامية، يجلّونه ويعظّمونه ويدعونه إلى أنفسهم، ويقولون له: "إنا لك عضد ويد"، حتى إذا مات معاوية لم يعدل الناس بالإمام الحسين عليه السلام أحد.
وقد حرص معاوية بقية حياته يهتم بأمر الإمام الحسين عليه السلام اهتماماً فائقاً ويحسب له حساباً في موازنة دقيقة بين عدم التحرش به وعدم إثارته، وبين مراقبة دقيقة متواصلة للحيلولة دون خروج فكرة القيام والثورة عنده من مكنون النية إلى حيّز التطبيق والتنفيذ العملي. فقد صرّح الوليد بن العُتبة الذي استلم ولاية المدينة بعد سعيد بن العاص، بحدود موقف السلطة الرسمي منه حينما عنفه الإمام عليه السلام على منعه أهل العراق من اللقاء به قائلاً له:
"يا ظالماً لنفسه، عاصياً لربه، علامَ تحول بيني وبين قوم عرفوا من حقي ما جهلته أنتَ وعمك؟".
هلاك معاوية
هلك معاوية وعمره يناهز أكثر من سبعين سنة، قضى فيها حوالي اثنين وأربعين سنة منها والياً على دمشق، فيها تسعة عشر سنة وبضعة أشهر (ملكاً) على جميع البلاد الإسلامية، وهو القائل: "أنا أول الملوك" و "رضينا بها ملكاً".
وقد نشر بين خاصته أنه كتب في الوصية لابنه يزيد: "فأما الحسين فأرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه، وإن له رحماً ماسّة وحقاً عظيماً وقرابة من محمد صلى الله عليه وآله ولا أظنُّ أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه، فإن قدرت عليه فاصفح عنه، فإني لو أني صاحبه عفوت عنه..".
وما هذه الوصية الأموية الشيطانية إلا رسالة مبطنة للفت نظر يزيد المستخف بشؤون الدين والسياسة إلى خطورة مقارعة الإمام الحسين عليه السلام علناً، فذلك سيفصل الإسلام نهائياً عن السلطة ويمزق الإطار الديني الذي يتشبث به الحكم الأموي، ويمنح الأمة روحاً ثورية وتضحوية جديدة خالصة من كل شوائب الشلل النفسي، وبذلك تتابع الثورات ضد الحكم. أما المواجهة السرية وقتل الإمام عليه السلام بالسم مثلاً أو الاغتيال، فلن يترك أي أثر، ويمكن أن تنطلي حيلة موته المزعوم على الأمة.
ولكن الأمر لم يكن منحصراً في احتمال المواجهة السرية، بل هناك احتمال حصول مواجهة علنية يختار الأمام عليه السلام لها الظروف الزمانية والمكانية ويصنع أجواءها الإعلامية والتبليغية كما يريد هو لا كما تريد السلطة. وهذا بالضبط ما كان يخشاه معاوية في حياته وقد حصل بعد موته مع ابنه يزيد الذي أصبح خليفةً للمسلمين.
يزيد يطلب البيعة من الإمام الحسين عليه السلام
أرسل يزيد بن معاوية رسالته إلى الوليد بن عتبة بعد موت معاوية فيها: "إذا أتاكَ كتابي هذا، فأحضر الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير فخذهما بالبيعة لي، فإن امتنعا فأضرب عنقيهما وأبعث إليّ برأسيهما، وخذ الناس بالبيعة فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم".
وكانت بيعة الإمام الحسين عليه السلام ليزيد تعني المشروعية والمصادقة على انتهاء الدين الإسلامي الحنيف وحلول الدين الأموي مكانه، إضافةً إلى تحول شكل الحكم الإسلامي إلى ملك وراثي.
كما أن قتله عليه السلام يعني التخلص من الخطر الأكبر الذي يمكن أن يكشف عدم مشروعية بيعة يزيد، وهذا يؤكد أن معاوية الداهية قد خطط لذلك وإن تظاهر بخلاف ذلك، كما حاول يزيد في ما بعد أن يلقي بالتبعة على ابن زياد.
فلما قرأ الوليد الكتاب استرجعَ وحوقل، وتمتم: "يا ويحَ الوليد بن عتبة من أدخله الإمارة! ما لي والحسين بن فاطمة"!. ويرجع السبب في كلمات الوليد هذه إلى ما يعرفه من مغبة المواجهة العلنية والعواقب الوخيمة التي سينجر إليها الحكم الأموي.
وبقي خبر موت معاوية سراً ولم يعرفه إلا الخواص من أتباع الحكم في محاولة لأخذ البيعة ليزيد من الإمام عليه السلام قبل الإعلان عن موت الخليفة، فأرسل الوليد إلى الإمام عليه السلام ليأخذ منه البيعة.
كان الوليد يرجعُ في أموره كارهاً إلى مروان بن الحكم الذي كان والياً قبله، وهما على خلافٍ شديد، فأرسل الوليد بإثر الإمام الحسين عليه السلام، فما كان منه عليه السلام إلا أن بعث إلى فتيانه وعشيرته ومواليه وأهل بيته وأعلمهم بشأنه:
"كونوا بباب هذا الرجل فإني ماضٍ إليه ومكلّمه، فإن سمعتم أن صوتي قد علا وسمعتم كلامي وصحت بكم، فادخلوا يا آل الرسول واقتحموا من غير إذن، ثم اشهروا السيوف ولا تعجلوا، فإن رأيتم ما تكرهون فضعوا سيوفكم ثم اقتلوا من يريد قتلي".
ثم خرج الإمام عليه السلام من منزله، وفي يده قضيب جده رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاثين رجلاً من أهل بيته ومواليه وشيعته حتى أوقفهم على باب الوليد بن عتبة، وقال عليه السلام :
"انظروا ماذا أوصيتكم فلا تتعدوه وأنا أرجو أن اخرج إليكم سالماً إنشاء الله".
ثم دخل الإمام عليه السلام على الوليد فسلّم عليه فرد عليه رداً حسناً ثم أدناه وقربه، و مروان بن الحكم هنالك جالساً في مجلسه. فقال الإمام عليه السلام للوليد و مروان:
"أصلح الله الأمير والصلاح خير من الفساد، والصلة خير من الخشناء والشحناء، وقد آن لكما أن تجتمعا، فالحمد لله الذي ألف بينكما".
فلم يجيباه بشيء.
فقال عليه السلام:
"هل أتاكم من معاوية كائنة خبر. فإنه كان عليلاً وقد طالت علته. فكيف حاله الآن؟!"
فتأوه الوليد وقال: يا أبا عبد الله، آجرك الله في معاوية، فقد كان لك عمّ صدقٍ، وقد ذاق الموت، وهذا كتاب أمير المؤمنين يزيد..
فقال الإمام:
"إنا لله وإنا إليه راجعون وعظم الله لك الأجر أيها الأمير. ولكن لماذا دعوتني؟"
فقال الوليد: دعوتك للبيعة فقد اجتمع عليه الناس.
فقال الحسين عليه السلام:
"إن مثلي لا يعطي بيعته سراً، وإنما أحب أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة. ولكن إذا كان الغد ودعوت الناس إلى البيعة ودعوتنا معهم، فيكون أمرنا واحداً "
فأجابه الوليد: أبا عبد الله، لقد قلتَ فأحسنتَ القول، وأحببت جواب مثلك، وكذا ظني بك، فانصرف راشداً على بركة الله حتى تأتيني غداً مع الناس.
فقال له مروان: أيها الأمير، إنه إذا فارقك في هذه الساعة لم يبايع فإنك لن تقدر منه ولن تقدر على مثلها، فاحبسه عندك ولا تدعه يخرج أو يبايع وإلا فاضرب عنقه!
فالتفت إليه الإمام الحسين عليه السلام :
"ويلي عليك يا ابن الزرقاء! أتأمر بضرب عنقي! كذبت والله، والله لو رام أحد من الناس لسقيتُ الأرض من دمه قبل ذلك، وإن شئت ذلك فرَمِّ ضرب عنقي إن كنتَ صادقاً!"
ثم أقبل الإمام الحسين عليه السلام على الوليد:
"إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب للخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله. ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة".
وسمع من بالباب الإمام فهمّوا بفتحه وإشهار سيوفهم، فخرج إليهم الإمام سريعاً وأمرهم بالانصراف إلى منازلهم، وتوجه عليه السلام إلى داره.
لقد فوت الإمام الحسين عليه السلام على السلطة المحلية فرصة قتله باصطحاب أهل بيته وشيعته ومواليه شاكين بالسلاح ليكونوا بانتظار الإشارة للتدخل في اللحظة الحاسمة.
وثارت ثائرة مروان على الوليد: عصيتني حتى أفلت الحسين من يدك، أما والله لا تقدر على مثلها أبداً، والله ليخرجن عليك وعلى أمير المؤمنين فاعلم ذلك.
فأجابه الوليد: ويحك! أشرت علي بقتل الحسين وفي قتله ذهاب ديني و دنياي ! والله ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها وإني قتلتُ الحسين بن علي، ابن فاطمة الزهراء، والله ما أظن أحداً يلقى الله بقتل الحسين إلا وهو خفيف الميزان عند الله يوم القيامة لا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.
كان الوليد يعلم أن سلامة الحكم تنضوي في قتل الإمام الحسين عليه السلام سراً لا علانية. وسكت مروان الذي أراد أيضاً من خلال قتل الوليد للإمام التخلّص من الإمام عليه السلام بغضاً به من جهة، ومن أخرى ليدفع بارتكاب هذه الجريمة الفتنة في المدينة حسداً وحنقاً على الوليد لأنه شغل منصب الولاية بدلاً منه.
لقد احتاط الإمام لكل مكروه محتمل في هذا اللقاء وللامتناع عن أي قهر فيه بقوة عسكرية من أهل بيته، بل وأعلن عن خروجه وقيامه على يزيد في نفس هذا اللقاء. فقد أراد في إجابته على طلب الوليد بأن يُدعى إليها علناً مع الناس استثمار قوة واسعة وتأثير العامل الإعلامي و التبليغي في الاجتماع الجماهيري العام الذي تُدعى إليه الأمة في المدينة للبيعة عادة. ذلك أنه لو رفض بيعة يزيد أمام جماهير أهل المدينة وفضح أمام هذه الجموع الحاشدة حقيقة يزيد في فسقه واستهتاره، وحرّضهم على رفض البيعة ليزيد واستنهضهم للثورة ضده، وأعلن أمامهم عن قيامه وبيّن لهم ما هو عازم على النهوض به ودعاهم بما هو مأثور وشائع من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وآله يكون قد نزع عن النظام برقع التستر بالشرعية على أوسع نطاق ممكن.
قرار خروج الإمام عليه السلام من المدينة
بعد لقاء الإمام الحسين عليه السلام مع الوليد وإعلانه عليه السلام لموقفه الصريح أصبح الاحتمال قوياً في أن تقدم السلطة على اغتيال الإمام عليه السلام، أو أن تقع مواجهة عسكرية في المدينة بين الإمام عليه السلام وأنصاره من جهة وبين السلطة من جهة أخرى بسبب إصرار الحزب الحاكم ومخططيه وهو ما يكشف عنه موقف مروان وبالتالي إصرار يزيد الذي تجسد في أوامره المشددة للوليد بقتل الإمام الحسين عليه السلام في حال رفضه للبيعة.
واستباقاً لما هو متوقع الحدوث، قرر الإمام الخروج من المدينة بركبه إذ لم تعد مدينة جده رسول الله صلى الله عليه وآله مأمناً له. وإذا كان قرار الخروج من المدينة خشية الاغتيال خوفاً على نفسه الشريفة، بقتله غيلةً أو في مواجهة مسلّحة، فالصحيح أيضاً في العمق أن هذا الخوف كان يقع ضمن إطار خوف أكبر، هو خوفه عليه السلام من أن تخنق ثورته المقدسة قبل اشتعالها بقتله في المدينة بظروف زمانية ومكانية و ملابسات مفتعلة، لذا كان حريصاً على أن يحقق مصرعه الذي كان لا بدّ منه ما لم يبايع في ظروفٍ زمانية ومكانية يختارها هو لا يتمكن العدو فيها أن يعتم على مصرعه ويستفيد منه فتخنق الأهداف المنشودة من وراء هذا المصرع الذي أراد منه أن يهز أعماق وجدان الأمة لتتحرك بالاتجاه الصحيح الذي أراده لها.
الإمام الحسين عليه السلام عند قبر جده وأمه وأخيه عليه السلام
في نفس الليلة التي كان فيها الإمام الحسين عليه السلام عند الوليد بن عتبة أتى قبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال:
"السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة، أنا فرخك وابن فرختك، وسبطك في الخلف الذي خلفت على أمتك، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذلوني وضيعوني، وإنهم لم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتى ألقاكَ صلى الله عليكَ وسلّم".
وأرسل الوليد، في نفس الليلة، بطلب الإمام عليه السلام فلم يجده في منزله فظنّه خرج من المدينة، وفي الصباح عندما كان الإمام عليه السلام عائداً إلى منزله التقى بمروان بن الحكم، فدعاهُ الأخير للبيعة، فأكد الإمام عليه السلام على أن مبايعة يزيد هي القضاء على الإسلام بقوله لمروان:
"إنا لله وإنا إليه راجعون وعلى الإسلام السلام إذ قد بُليت الأمة براعٍ مثل يزيد".
ثم عادَ الإمام عليه السلام في نفس الليلة التي التقى فيها مروان إلى قبر جده زائراً فصلّى ركعتين ولما فرغ من صلاته جعل يقول:
"اللهم هذا قبر نبيك محمد وأنا ابن بنت محمد، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت. اللهم وأني أحب المعروف وأكره المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق هذا القبر ومن فيه إلا ما اخترت من أمري هذا ما هو لك رضى".
وجعل يبكي حتى وضع رأسه على القبر فأغفى ساعة، فرأى النبي صلى الله عليه وآله قد أقبل مع ملائكة تحفُّ به حتى ضمّ الحسين عليه السلام إلى صدره وقبّله بين عينه وقال صلى الله عليه وآله:
"يا بُني يا حسين، كأني عن قريب أراك مقتولاً مذبوحاً بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمتي، وأنتَ في ذلك عطشان لا تُسقى، وظمآن لا تروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، ما أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، فما لهم عند الله من خلاق. حبيبي يا حُسين؛ إن أباك وأمك وأخاك قد قدموا عليّ، وهم إليك مشتاقون وإن لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة..."
ومضى في جوف الليل إلى قبر أمه الزهراء عليها السلام فصلّى عند قبرها وودعها، ثم قام وصار إلى قبر أخيه الحسن عليه السلام ففعل مثل ذلك.
لقاءات الوداع في المدينة
وفي غضون هذه الفترة الوجيزة، هُرع إلى الإمام عليه السلام رجال ونساء من بني هاشم ومن غيرهم يودعونه ويتزودون من رؤيته قبل الفراق، ورأته أم سلمة (رضي الله عنها) زوج النبي صلى الله عليه وآله فقالت: يا بُني لا تحزنّي بخروجك إلى العراق، فإني سمعتُ جدّك يقول:
"يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء".
فقال لها الإمام عليه السلام :
"يا أماه، وأنا والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أدفن فيها، وأني أعرف من يُقتل من أهل بيتي وقرابتي و شيعتي، وإن أردت يا أماه أريك حفرتي ومضجعي".
فبكت أم سلمة (رضي الله عنها) بكاءً شديداً، وسلّمت أمره إلى الله. قالت له: "وعندي تربة دفعها إليّ جدك في قارورة" فقال عليه السلام : "والله إني مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضاً" ثم أخذ تربة فجعلها في قارورة وأعطاها إياها وقال عليه السلام : "اجعليها مع قارورة جدي، فإذا فاضتا دماً فاعلمي إني قد قُتلت" ودفع إليها الوصية والكتب وغير ذلك، وقال لها: "إذا أتاكِ أكبر ولدي فادفعي إليه ما قد دفعتْ".
وصية الإمام عليه السلام لأخيه محمد بن الحنفية
هو محمد ابن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، والحنفية لقب أمه، وهي خولة بنت جعفر بنت قيس بن سلمة بن ثعلبة ابن الدول بن حنفية، وهي من سبي اليمامة الذين سبيوا لولاية أمير المؤمنين عليه السلام، فأرادوا بيعها فتزوجها الأمير عليه السلام، وكان محمد ابن الحنفية يتولى الحسين عليه السلام إماماً ويتولى علي ابن الحسين عليه السلام.
وكان أمير المؤمنين علي عليه السلام يقذفُ محمداً في لهوات الحرب ولا يسمح في ذلك للحسنين عليه السلام ويقول:
"هو ولدي، وهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله".
وقد قال بعضُ الخوارج لمحمد بن الحنفية: كيف يسمح أبوك بك في الحروب ويبخل بهما؟!
فقال: "أنا يمينه وهما عيناه، فهو يدفع عن عينيه بيمينه".
وجاء محمد بن الحنفية إلى الإمام الحسين عليه السلام في صباح نهارٍ آخر في المدينة، وقد غلبه الأسى والحزن، وطغى عليه القلق والخوف على حياة الإمام عليه السلام، فلما استقر به المقام بين يدي الإمام عليه السلام قال: "يا أخي أنت أحب الناس إلي، وأعزهم عليّ، ولستُ أدّخر النصيحة لأحد من الخلق إلا لك، وأنتَ أحق بها، تنحَّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فإن بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك، وان اجتمع الناس على غيرك لن ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مرؤتك ولا فضلك، إني أخاف عليك أن تدخل مِصراً من هذه الأمصار، فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك، وأخرى عليك، فيقتتلون، فتكون لأول الأسنة غرضاً، فإذا خير هذه الأمة كلها نفساً وأباً وأماً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً!!"
فقال له الحسين عليه السلام :
"فأين أذهب يا أخي؟!".
قال: "انزل مكة، فإن اطمأنت بك الدار بها فسبيل ذلك، وإن نَبَتْ بك لحقت بالرمال وشعوب الجبال، وخرجتَ من بلدٍ إلى بلد، حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس إليه، فإنك أصوب ما تكون رأياً حين تستقبلُ الأمر استقبالاً".
فقال عليه السلام:
"يا أخي، والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعتُ والله يزيد بن معاوية أبداً.. اللهم لا تبارك في يزيد".
فبكى محمد بن الحنفية وبكى معه الإمام عليه السلام
ثم قال عليه السلام : "يا أخي، قد نصحتَ وأشفقتَ، وأرجو أن يكون رأيك سديداً موفقاً، وإني قد عزمت على الخروج إلى مكة، وقد تهيأتُ لذلك أنا وأخوتي و بنو إخوتي و شيعتي، وأمرهم أمري ورأيهم رأيي. وأما أنتَ يا أخي عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً عليهم ولا تخف عليّ شيئاً من أمورهم".
ثم دعا الإمام الحسين عليه السلام بدواة وبياضٍ وكتب وصيته الخالدة لأخيه محمد التي بيّن فيها الهدف الأساسي والرئيسي لخروجه على يزيد:
"بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أوصى به الحسين ابن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية:
ان الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعثُ من في القبور، وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين، وهذه وصيتي إليك وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".
الخروج من المدينة ليلاً وسلوك الطريق الأعظم
خرج الإمام الحسين عليه السلام بركبه من المدينة في ساعات الليل المتأخرة، وهو ما حصل أيضاً في خروجه من مكة المكرمة، مما يوحي أن الخروج كان بصورة سرية وعلى خوف من طلب السلطة حرصاً منه على أن لا يقتل في المدينة أو من وقوع مواجهة مسلحة فيها، إلا أنه قد أخبر كما سيأتي معنا في مكة عن موعد خروجه. وتحدثت بعض الروايات أن الإمام عليه السلام قد خرج من المدينة وهو يقرأ قوله تعالى:
"فخرج منها خائفاً يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين".
محب الائمة للموت
25-12-2010, 08:14 PM
مع العلم أنه من المستبعد أن يخفى على السلطة خروج الركب الحسيني ساعة خروجه لأنه كبير نسبياً، فضلاً عن أن الوليد ابن عتبة كان متراخياً في الضغط على الإمام عليه السلام ويتمنى خروجه من المدينة كي لا يُبتلى بدمه.
وقد أصر الإمام عليه السلام على سلوك الطريق الأعظم إصرار من يرضى بمواجهة كل خطر محتسب وغير محتسب ولا يرضى بالتخلي عن سلوك هذا الطريق الرئيس للتعريف بقيامه ونهضته من خلال التقاء الركب الحسيني القاصد مكة بكل المارة والقوافل لأنهم سيتساءلون عن سبب خروج الإمام عليه السلام من مدينة جده مع جلّ بني هاشم ومن معهم من أنصاره، فيتحقق بذلك عمل إعلامي وتبليغي ضروري لتوسيع رقعة هذا القيام المبارك النابع من الشجاعة الحسينية المحمدية، وبذلك أيضاً يعلن للأمة أنه ليس من العصاة الخارجين على حكومة شرعية كانوا قد اعترفوا بها ثم تمردوا عليها، وأنه هو الممثل الشرعي وصاحب الحق بالطريق الأعظم وبالخلافة وبكل شؤون الأمة.
الركب الحسيني
خرج الإمام الحسين عليه السلام ببنيه وإخوته وبني أخيه ومعظم أهل بيته إلا محمد بن الحنفية لمرضٍ وعبد الله بن جعفر زوج العقيلة زينب عليه السلام لكفاف بصره، ومن ولده ابنته فاطمة الصغرى لمرضٍ ألمَّ بها، وعبد الله بن عباس لضعفٍ شديد في الرؤية تحول إلى العمى بعد شهادة الإمام عليه السلام.
أما الأنصار غير الهاشميين الذين خرجوا معه فكانوا حوالي العشرة رجال، منهم: عبد الله بُقطر الحميري، سليمان بن رزين، سعد بن عبد الله الدئلي،..
وقد التحق بعض الأنصار بالركب في الطريق إلى مكة منهم: مجمع بن زياد بن عمرو الجُهني، عباد بن المهاجر بن أبي المهاجر الجهُني، عقبة بن الصلت الجُهني..
وسار بركبه حتى وافى مكة، ولم تصله من أهل الكوفة أية رسالة ذلك أنهم لم يعرفوا بموت معاوية إلا وقد وصل الإمام عليه السلام إلى مكة المكرمة.
بداية النهضة الحسينية
الوصول إلى مكة
أقام الإمام الحسين عليه السلام في مكة منذ الثالث من شعبان وحتى الثامن من ذي الحجة، وقد اختار مكة استثماراً لأشهر الحج ليوصل نهضته المباركة والتعريف بأهدافها إلى كل العالم الإسلامي. ونزل في دار العباس عليه السلام بن عبد المطلب المتواجد في "شِعب علي"، ذلك أنه لم يبقَ في مكة إلاّ هي داراً لبني هاشم، فعقيل بن أبي طالب كان قد باع دور المهاجرين من بني هاشم خشية أن تستولي عليها قريش وتصادرها وباع حتى دار النبي صلى الله عليه وآله. وقد اختار دار العباس عليه السلام ليبدأ من هناك بالتهيئة لنهضته لأسبابٍ سياسية واجتماعية و تبليغية، وكان الموالون في جميع أنحاء البلاد الإسلامية يبعثون بمكاتيبهم إلى الإمام الحسين عليه السلام ويسألونه عمّا يهمهم من أمور دينهم.
البنية الاجتماعية والسياسة لمكة المكرمة
إن التركيبة الاجتماعية لمكة المكرمة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وآله تركيبة قبلية، فهي من بيوتاتٍ وعشائر. وتتألف قريش من خمسة وعشرين بطناً تنقسم إلى قسمين؛ القسم الأول من ثلاثة وعشرين بطناً هم الأكثر عدداً ومدداً ظاهرياً. والقسم الثاني يتألف من رسول الله محمد صلى الله عليه وآله ومن بطنه الهاشمي وبطن عبد المطلب بن عبد مناف.
وكانت بطون قريش بأجمعها مناوئة للدعوة المحمدية، وقد أصيبت بالخيبة وشدة النكسة مما أصابها من بني هاشم عامة ومن علي بن أبي طالب عليه السلام خاصة بعد تعاظم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله، واشتداد شوكته خصوصاً بعد معركة بدر الكبرى التي عبّأت فيها قريش كل قواها، إذ ما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرج مالاً لتجهيز الجيش، وقالوا: من لم يخرج نهدم داره.
بعد بدر ترسخ حقد قريش على بني هاشم عامة، وكانت تعلم أن علياً عليه السلام هو السبب الرئيسي في انهزامها وخسارتها المفجعة لقتله أبرز وجوه قريش، وقد بقي هذا الحقد دفيناً، وغذته السلطة التي كانت منبثقة من أحد أكثر بطون قريش كرهاً لآل الرسول صلى الله عليه وآله، وهم بني سفيان، ما يؤكد عدم وجود قاعدة شعبية تتولى الإمام الحسين عليه السلام وتنصره، بل كان الأمر كما وصفه الإمام السجاد عليه السلام :
"ما بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبناً".
وهذا هو السبب في عدم اختيار الإمام عليه السلام لمكة مركزاً لانطلاق ثورته، إذ لم تتوفر له، ولا لأخيه الحسن عليه السلام، ولا حتى لأبيهما علي عليه السلام، قاعدة موالية في مكة.
لذا وبعد دخوله عليه السلام مكة عكف الناس من المعتمرين والحجاج من أهل الأقطار الأخرى يفدون إليه ويجلسون حواليه ويستمعون من كلامه وينتفعون بما يسمعون منه ويضبطون ما يروون عنه، وليس فيهم من أهل مكة سوى القلّة الذين هم ليسوا من قريش بل ممّن سكن مكة بعد الفتح. حركة الإمام الحسين عليه السلام في مكة
طيلة المدة التي أقام فيها الإمام الحسين عليه السلام في مكة المكرمة التقى مجموعة متنوعة من المشارب والميول والأفكار من وجهاء مرموقين ومعروفين في أوساط الأمة الإسلامية، وقد عرض هؤلاء على الإمام عليه السلام مشورتهم ونصائحهم واعتراضاتهم، كل منهم على هدي مشربه وميله وطريقة تفكيره، ولئن اختلفت تلك المشورات والنصائح والاعتراضات في بعض تفاصيلها، فقد اشتركت جميعها في منطلق التفكير والنظرة إلى القضية، إذ أن جميعها كان يرى الفوز والنصر في تسلّم الحكم والسلامة والعافية والأمان الدنيوي التي تكون برفض بيعة يزيد، ويرى الخسارة والانكسار في القتل والتشرد والبلاء والتعرض للاضطهاد إثر القيام بوجهه، فمن هذا المنطلق انبعثت جميع تلك الاعتراضات و المشورات والنصائح.
في نفس الوقت كان الإمام الحسين عليه السلام يتحرك بالفعل على أساس منطق العمق الذي جعل أساس حساباته مصير الإسلام والأمة الإسلامية، وأيضاً بمنطق الحجج الظاهرة في تعامله منطق المشورات والنصائح، فكان عليه السلام يراعي في ردوده وإجاباته نوع المخاطب من حيث قدر عقله ومستوى بصيرته ودرجة ولائه لآل البيت عليهم السلام.
موقف السلطة من حركة الإمام عليه السلام في مكة
اخترق الإمام الحسين عليه السلام بدخوله إلى مكة المرحلة الأولى من الحصار الذي فرضه عليه يزيد بن معاوية في المدينة المنورة وهو إما البيعة أو القتل. وانتاب السلطة الخوف حينما علمت بدخول الإمام عليه السلام مكة المكرمة في الأيام التي تتقاطر فيها جموع المعتمرين والحجاج من جميع مستويات أقطار العالم الإسلامي. فهُرعت إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمواصلة فرض الحصار على حركة الإمام عليه السلام من جديد، فاجتمع يزيد مع مستشار القصر سرجون الرومي، وخلص اجتماعهما إلى توجيه رسائل إلى بعض وجهاء الأمة تدعوهم إلى التدخل وممارسة الضغط على الإمام عليه السلام وبذل قصارى سعيهم لإخراج السلطة من مأزقها الكبير، ورسائل أخرى تضمنت تهديداً وإنذاراً لأهل المدينة عامة ومن بقي من بني هاشم خاصة تحذرهم من مغبة الالتحاق بالإمام عليه السلام والانضمام إلى حركته.
ومن أبرز قرارات هذا الاجتماع أيضاً اغتيال الإمام عليه السلام في مكة، وقد بعثت السلطة جمعاً من جلاوزتها إلى مكة لتنفيذ هذه المهمة، إذ لم توفق هذه الزمرة بمساعدة السلطة المحلية في المدينة في محاولة لإلقاء القبض على الإمام عليه السلام وإرساله إلى دمشق.
واجتهد والي مكة عمرو بن سعيد بن العاص الذي أوصاه يزيد بالفتك بالحسين أينما وجد وقتله ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة.
وأكد الإمام الحسين عليه السلام هذه الحقيقة من خلال قوله لأخيه محمد بن الحنفية الذي لحقه إلى مكة:
"يا أخي قد خفتُ أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت".
وعمد عمرو بن سعيد بن العاص إلى متابعة الصغيرة والكبيرة من حركات الإمام عليه السلام، وقد ذعر من تقاطر الوفود على الإمام عليه السلام والتفاف الناس حوله، فلم يطق صبراً، ولم يجد بداً من أن يسأل الإمام عليه السلام عن سر قدومه إلى مكة، فأجابه الإمام عليه السلام : "عائذاً بالله وبهذا البيت!".
لم يحقق عمرو ما أُمر به من إلقاء القبض على الإمام عليه السلام أو الفتك به سراً أو جهراً، لأن الإمام عليه السلام كان يتمتع بوجود حماية كاملة من جهة، ومن جهة أخرى خوفه من مواجهة الإمام عليه السلام علانية إمام الحجيج.
رسالة الإمام الحسين عليه السلام إلى أهل البصرة
كانت البصرة آنذاك تحت سيطرة عبيد الله بن زياد وهو والٍ قوي ومستبد، وقد هيمن على إدارة أمورها وأحكم الرقابة الشديدة على أهلها. والبصرة كما الكوفة ولايتين لم تنغلقا لصالح السلطة كالشام تماماً، فأتباع أهل البيت عليهم السلام في هاتين الولايتين، برغم الإرهاب والقمع كانت لهم اجتماعاتهم ومنتدياتهم السرية. ولكن الفرق بين الكوفة والبصرة ليس من حيث عدد الموالين فحسب بل أيضاً من حيث درجة تحفزّهم للتحرك ضد السلطة.
وقد بادر الإمام عليه السلام إلى الكتابة لأهل البصرة عن طريق أشرافها ورؤساء الأخماس فيها حيث كانت قد قُسّمت إلى خمسة أقسام، ولكل خمس منها رئيس من الأشراف، وكان بعض هؤلاء ممّن يميل إلى السلطة، والبعضُ ممّن لا يؤتمن والبعض الآخر ممّن لا تتسق مواقفه باتجاه واحد.
وعلى الرغم من ذلك، أراد الإمام الحسين عليه السلام إلقاء الحجة على الجميع، فرسالته إليهم تُرينا كيف كان عليه السلام يعرف مسؤوليته ويمضي معها، فأهل البصرة لم يكتبوا إليه، ولم يدعوه إلى بلدهم كما فعل أهل الكوفة، ولكنه أراد أن يعدّهم للمجابهة المحتومة، ذلك أنه حين قرر أن ينهض بتبعات دينه وأمته كان قراره هذا آتيا من أعماق روحه وضميره، وليس من حركة أهل الكوفة ودعوتهم إياه، وبتلك الرسالة أيضاً يُعلِم البصريين الراغبين في نصرته بأمر نهضته وتعبئتهم لذلك من خلال أشرافهم الموالين.
وكانت رسالة الإمام الحسين عليه السلام إلى البصريين:
"وقد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيه، فإن السُنّة قد أميتت، وإن البدعة قد أحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد".
وأرسلها مع سُليمان بن رزين لثقته به واعتماده عليه، وقد قتله عُبيد الله بن زياد بعد خيانة المنذر بن الجارود العبدي الذي كانت ابنته عبرية زوجةً لعبيد الله، زاعماً أنه قد خاف أن يكون الكتاب من عبيد الله نفسه، فصلبه عبيد الله وقتل رسول الإمام الحسين عليه السلام سليمان ليكون الشهيد الأول في النهضة الحسينية، وذلك قبل يوم من ترك عبيد الله البصرة لتوليه سلطة الكوفة بأمر من يزيد.
الموالون في البصرة
وإذا كانت البصرة قد شهدت من أكثر رؤساء الأخماس تردداً في نصرة الإمام عليه السلام وشهدت إعراضاً عنه، ما عدا تحرك يزيد بن مسعود النهشلي من تحريك وتوجيه المشاعر القبلية من خلال مزجها بذكاء بمشاعر دينية باتجاه نصرة الإمام الحسين عليه السلام.
لكن ما شهدته البصرة في السر اختلف كثيراً عن العلن، فقد اجتمع بعض الموالون وهم من قبائل شتى على أساس الولاء لأهل البيت عليهم السلام والبراءة من أعدائهم، وقد تذاكر فيه المجتمعون أمر الإمام عليه السلام وما آل إليه الوضع الراهن، وتداولوا ما يجب عليهم القيام به أداءً للتكليف الديني، وقد نتج عن هذه اللقاءات انطلاقة تسعة رجال من البصرييين برغم أعين الرصد وحواجز الحصار، مسرعين نحو مكة المكرمة ليلتحقوا بالركب الحسيني، وهم: الحجاج بن بدر التميمي السعدي، قعنب بن عمر النمري، يزيد ابن ثبيط العبدي وابناه عبد الله وعبيد الله، الأدهم بن أمية العبدي، سيف بن مالك لعبدي، عامر بن مسلم العبدي ومولاه سالم.
اجتماع الإمام الحسين عليه السلام برسل أهل الكوفة ومبعوثيهم
بعد أن علم أهل الكوفة بامتناع الإمام الحسين عليه السلام عن بيعة يزيد، وأنه قد صار إلى مكة، تقاطرت رسائلهم الكثيرة إليه بلا انقطاع، وقد أبدوا استعدادهم لنصرته والقيام معه، ودعوه فيها إلى القدوم إليهم، حتى بلغ عدد رسائلهم في يوم واحد ستمائة رسالة.
وتلاقت الرُسل كلها عند الإمام عليه السلام فقرأ الكتب، وسأل آخر الرسل إليه هاني بن هاني وسعيد بن عبد الله:
"خبّراني من اجتمع على هذا الكتاب الذي كتب معكما إليّ..".
فعددا من اجتمع عليه ومنهم: "شبث الربعي، حجار بن ابجر، يزيد ابن الحارث، عروة بن قيس، عمرو بن الحجاج..".
فقام عندها الحسين عليه السلام فتطهّر وصلّى ركعتين بين الركن والمقام، ثم جمع الرسل فقال لهم:
"أنه ماضٍ لأمره، فعزم الله لي بالخير، إنه ولي ذلك والقادر عليه إن شاء الله تعالى".
ثم كتبَ إلى أهل الكوفة رسالته وأرسلها مع هاني وسعيد ابن عبد الله، وهي:
"بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين، أما بعدُ: فإن هانياً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم، وقد فهمتُ كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلكم، إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق والهدى. وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)، فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملأكم وذوي الحجة والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فإني أقدم إليكم وشيكاً إن شاء الله، فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله، والسلام".
ودعا الإمام الحسين عليه السلام ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فسرحه مع قيس بن مسّهر الصيداوي وعمارة بن عبد الله السلولي وعبد الرحمن وعبد الله ابني شداد الأرحبي، وأمره "بالتقوى وكتمان أمره، واللطف"، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجّل إليه بذلك.
ودفع الإمام عليه السلام إلى مسلم (رضي الله عنه) كتاباً وختمه بختمه، وفيه:
"إني موجهك إلى أهل الكوفة، وسيقضي الله من أمرك ما يحب ويرضى، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء، فامضِ ببركة الله وعونه حتى تدخل الكوفة، فإن دخلتها فانزل عند أوثق أهلها، وادعُ الناس إلى طاعتي، فإن رأيتهم مجتمعين على بيعتي فعجّل عليّ بالخبر حتى أعمل على حساب ذلك إن شاء الله تعالى".
وما يلفتُ في وصية الإمام عليه السلام لمسلم (رضي الله عنه) الطلب إليه )كتمان أمره واللطف(، وكتمان الأمر هنا لا يعني إتباع مسلم (رضي الله عنه) أسلوب العمل السري في الدعوة إلى طاعة الإمام عليه السلام ذلك لأن ظاهر قوله عليه السلام :
"وادع الناس إلى طاعتي".
هو العلانية في العمل. نعم قد يلزم الأمر أن تكون البداية والمنطلق من أهل الثقة والولاء، وهذا ما يشير إليه قوله عليه السلام :
"فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها".
ويستفاد من هذه الرواية أيضاً أن الإمام عليه السلام قد أشعر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)، أو اخبره بأن عاقبة أمره الفوز بالشهادة من خلال قوله عليه السلام:
"وأنا أرجو أن أكون أنا وأنتَ في درجة الشهداء"
ممّا يدل على أن مسلم (رضي الله عنه) قد علم من قول الإمام عليه السلام أنه متوجه إلى الشهادة.
فخرج مسلم (رضي الله عنه) من مكة في النصف من شهر رمضان حتى قدم الكوفة في الخامس من شوّال.
رسالة الإمام الحسين عليه السلام إلى محمد بن الحنفية
بعثَ الإمام الحسين عليه السلام إلى أخيه محمد بن الحنفية رسالة موجزة، يستقدم إليه من خفّ من بني هاشم، ونصها:
"بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قِبله من بني هاشم. أما بعدُ: فإن من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام".
فقدم إليه جماعة منهم، وتبعهم ابن الحنفية. وقد أخبر الإمام الحسين عليه السلام الأسرة النبوية بأن من لحقه منهم سوف يظفر بالشهادة، ومن لم يلحق به فإنه لا ينال الفتح الذي لم يحرزه أحد غيره من قادة العالم وأبطال التاريخ.
لم يرد الإمام الحسين عليه السلام بالفتح إلا ما يترتب على نهضته وتضحيته من نقض دعائم الضلال وكسح أشواك الباطل عن صراط الشريعة المطهرة، وإقامة أركان العدل والتوحيد وأن واجب الأمة القيام في وجه المنكر.
رسالة يزيد بن معاوية للإمام الحسين عليه السلام
أما يزيد فكتب من الشام كتاباً أرفقه بأبياتٍ من الشعر يخاطب فيها الإمام الحسين عليه السلام خاصة، وأرسله إلى عبد الله ابن عباس يطلبُ إليه فيها أن يرد الإمام عليه السلام عن الخروج على النظام ويحذره من مغبة ذلك، قائلاً:
"فإن ابن عمك حسيناً وعدو الله ابن الزبير التويا ببيعتي ولحقا بمكة مرصدين الفتنة، معرضين أنفسهما للهلكة، فأما ابن الزبير فإنه صريع الفناء وقتيل السيف غداً، وأما الحسين فقد أحببتُ الإعذار إليكم أهل البيت ممَّا كان منه".
وقد سعى يزيد من خلال رسالته لابن عباس إلى عدة أمور أهمها:
1 الموازنة في الترغيب والترهيب وهذا من تأثير وإملاء سرجون الرومي صاحب الخبرة العتيقة في الحرب النفسية ومعالجة الأزمات السياسية.
2 العودة إلى نفس الطريقة التي اتبعها والده بوجه المعارضة، وهي التحذير من شق عصا الأمة وتفريق المسلمين وإرجاعهم إلى الفتنة.
3 اتهام الإمام عليه السلام بأن غاية خروجه طلب الملك والدنيا، لذا طلب يزيد من ابن عباس أن يمني الإمام عليه السلام في حال تخليه عن القيام بالأمان والكرامة الواسعة.
وبعد أن نظر أهل المدينة إلى الكتاب وجهوه إلى الإمام الحسين عليه السلام الذي كشف جوابه عن ازدرائه الكامل ليزيد إذ لم يذكر في الجواب اسمه، كما لم يلّقبه بلقب ولم يسّلم عليه مما يتبين منه أن يزيد مصداق تام للمكذّب بالدين وبالرسل والأوصياء:
"بسم الله الرحمن الرحيم وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم، أنتم بريئون مما أعمل، وأنا بريء مما تعملون. والسلام".
مقتطفات من خطبتي الإمام الحسين عليه السلام في مكة
أقام الإمام الحسين عليه السلام في مكة ما يقارب مائة وخمسة وعشرين يوماً، ولم يسجل التاريخ طيلة هذه الفترة إلا خطبتين له عليه السلام ألقاهما قُبيل خروجه إلى العراق في موسم الحج.
الخطبة الأولى كانت في الليلة الثامنة من ذي الحجة، وهي تختصُ بقيامه والدعوة للالتحاق به.
أما الثانية فقد اختلفت مضامينها عن الأولى إذ اقتصرت على إشارات أخلاقية ومنها؛ "إن الحلم زينة، والوفاء مروة، والصلة نعمة، والاستكبار صلف، والعجلة سفه، والسفه ضعف، والعلّو ورطة، ومجالسة أهل الدناءة شر، ومجالسة أهل الفسق ريبة".
أما الخطبة الأولى فهي:
"الحمد لله، ما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، وصلّى الله على رسوله، خُطّ الموت على ولد ادم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخِيرَ لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا، فيملأن مني أكرشاً جوفاً وأجربة سغباًًً، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجر الصابرين، لن تشذ عن رسول الله صلى الله عليه وآله لحمته، وهي مجموعة في حظيرة القدس، تقربهم عينه، وينجز بهم وعده، من كان باذلاً فينا مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنني راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى".
شبّه الإمام الحسين عليه السلام حتمية عدم انفلات الإنسان من طوق قهرية الموت بعدم انفلات عنق الفتاة من طوق القلادة المحكم، وتشبيه الموت بالقلادة على جيد الفتاة وهي زينة لها التفاته رائعة إلى أن الموت خطوة تكاملية في مسار حركة الإنسان التكوينية، وهو زينة للمؤمن خاصة في مسار حركة المصير لكونه معبراً للمؤمن من دار العناء والتزاحم والابتلاء والشدائد إلى دار النعيم والجزاء الأوفى والسعادة الأبدية، ولا شك أن الشهادة وهي أفضل وأشرف الموت أحرى بحقيقة الزينة من مطلق الموت، ولا يؤتها إلا ذو حظ عظيم.
كما أشار الإمام الحسين عليه السلام في خطبته إلى أن مصرعه اختيار إلهي لا على نحو القهر والجبر طبعاً، بل على نحو التشريف بكرامة التكليف في الظروف الصعبة الخاصة المؤدية إلى أن يتحرك الإمام عليه السلام نحو هذا المصرع تعبداً وامتثالاً لأمر الله تعالى في أداء هذا التكليف في مثل تلك الظروف.
والمتأمل في تفاصيل حركة الإمام الحسين عليه السلام يرى أنه دأب على الإخبار بمصرعه منذ أن كان في المدينة، وفي الطريق إلى مكة، وفي منازل الطريق إلى العراق، مغربلاً بذلك الركب الحسيني من جميع من أرادوا الدنيا من وراء الالتحاق به، ولم يكتفِ بذلك بل عرّض حتى الصفوة الخالصة من أنصاره لهذا الاختبار، لتعلو بثباتهم درجاتهم الرفيعة عند الله تعالى.
Dr.Zahra
26-12-2010, 04:57 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ولا يحصى نعمائه العادون ولا يؤدي حقه المجتهدون
وصلى الله على محمد وأل محمد الطيبين الطاهرين هم أهل الهدى وهم سبل النجاة والتقى
اللهم عجل لوليك الفرج
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
..
جزاك الله خيرا اخي الفاضل بالحسين الشهيد..
ولابأس بالمحاوله غدا ان شاء الله
واذا احتجتم لأي مساعده فأنا خادمة ان شاء الله
علماً سننقل الموضوع بعد يومين الى منتدى الثوره الحسينه لأنه الانسب هناك
حيث يمكنكم اكمال الطرح هناك اذا شاء الله
طهر الله حرفك بحب الحسين...
..
http://store2.up-00.com/Dec10/X2w31671.png
ودمتم محاطين بالألطاف المهدويه..
محب الائمة للموت
26-12-2010, 02:18 PM
مسيرة الحسين
يوم الخروج من مكة
وصلت رسالة مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) إلى الإمام الحسين عليه السلام قبل أن يقتل ويستشهد بسبعةٍ وعشرين يوماً، وفيها الرد الذي انتظره الإمام الحسين عليه السلام قبل التوجه إلى الكوفة مع قيس بن المسهّر، وفيها:
"أما بعد، فإن الرائد لا يُكذّّّّّب أهله إن جمع أهل الكوفة معك، فأقبل حين تقرأ كتابي، والسلام"
وعلى ضوء رسالة مسلم (رضي الله عنه) عقد الإمام عليه السلام عزمه على التوجه إلى الكوفة، وقد كتب إليهم رسالته الثانية:
"وقد شخصتُ إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمانٍ مضين من ذي الحجة يوم التروية"
وحملها قيس بن المسهّر إلى الكوفة، ولكنه قبض عليه أثناء هذه السفارة في الطريق فمزق الرسالة حتى لا يقرأها عبيد الله بن زياد قبل أن يقتله.
لماذا الخروج من مكة أيام الحج
شعر الإمام عليه السلام بسعي السلطة الحثيث لقتله، حتى وإن استباحوا بدمه حرمة البيت العتيق، وبذلك تستطيع السلطة طمس الحقيقة بالإشاعات الكاذبة التي يبثها يزيد بن معاوية، وتكون أهداف رحلة الإمام عليه السلام من المدينة إلى مكة ذهبت سُدى، ودخل الإمام عليه السلام في إحرام العمرة ابتداءً ولم يُحرم للحج، لعلمه بأن الظالمين سوف يصدونه عن إتمام حجه!.
وتؤكد طبيعة وتاريخ الخطبة الأولى للإمام عليه السلام أن خروجه بالركب الحسيني من مكة لم يكن سراً، والركبُ كان كبير نسبياً خصوصاً بعد التحاق جميع بنو هاشم من المدينة والأنصار والموالين والبصريين، والجميع على أهبة واستعداد لكل احتمال، في وقت لم يكن من مصلحة السلطة مواجهة الإمام عليه السلام مواجهة حربية علنية في مكة أو أطرافها، لأنها تعلم ما له عليه السلام من مكانة سامية وقدسية بالغة في قلوب جموع الحجيج الذين كان لا يزالون آنذاك في مكة.
وقد حاول عمرو بن سعيد بن العاص منعه من الخروج ابتداءً قائلاً لشرطته:"اركبوا كل بعير بين السماء والأرض فاطلبوه!"، وهذا يدل على أن خروج الإمام عليه السلام من مكة كان معناه انفلات الثورة الحسينية من طوق الحصار الذي سعت إليه السلطة الأموية في المدينة ابتداءً ثم مكة.
ولكن مع تفاقم الأمور أمر شرطته بالانسحاب والسماح للإمام عليه السلام بالمغادرة العاجلة خوفاً من انقلاب الأمور لصالح الإمام عليه السلام .
ولكن من المؤكد أيضاً أن الركب قد خرج ليلاً.
لماذا حمل الإمام الحسين عليه السلام النساء والأطفال معه؟
عند خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكة، جاء إليه أخوه محمد بن الحنفية وأخذ بزمام ناقته، قائلاً له: يا أخي، ألم تعدني النظر فيما سألتك؟! فأجابه الإمام عليه السلام :"بلى"
قال محمد: فما حداك على الخروج عاجلاً؟
فقال الإمام عليه السلام :"أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله بعدما فارقتك، فقال: يا حسين، أخرج فإن الله شاء أن يراك قتيلا!"
فقال محمد بن الحنفية: إنا لله وإنا إليه راجعون. فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنتَ تخرج على مثل هذه الحال؟
فقال الإمام عليه السلام :قد قال لي: إن الله شاء أن يراهن سبايا."
لقد علل الإمام عليه السلام حمله لأهله ونسائه معه، بأن ذلك تحقيق لمشيئة الله تعالى، وقد أشار إلى ذلك في المدينة مع محاورته لأم سلمة:
"يا أماه، قد شاء الله عز وجل أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً، وقد شاء الله أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردين"
وأراد الله لهذا الركب النسائي أن يكون المسيرة الإعلامية التبليغية الكبرى من بعد الإمام عليه السلام ، إذ لولاها لما كان يمكن للثورة الحسينية أن تحقق كامل أهدافها في عصرها وفي ما بعدها من العصور.
إذن فحمل الإمام عليه السلام لودائع النبوة من ضرورات نجاح الثورة الحسينية، وكان لا بدّ أن يقوم بذلك حتى لو لم يكن هناك احتمال لتعرض هذه الودائع النبوية للأذى والسجن إذا بقين في المدينة أو مكة وهذا الاحتمال ورد بقوة. وكان يوم خرج الإمام عليه السلام من مكة الثامن من ذي الحجة.
لماذا العراق؟
لقد أعلن الإمام عليه السلام لأهل بيته وشيعته عن قصده النهائي في الخروج إلى أرض العراق وهو في المدينة لمّا يخرج عنها بعد، ويُستفاد من هذه الحقيقة على صعيد التحليل التاريخي، إضافة إلى البعد الإعتقادي الحاكي عن أن الإمام عليه السلام كان يعلم بكل تفاصيل ما يجري عليه بعلمٍ إلهي لكونه إماماً. ومع دراسته السياسية الاجتماعية كان يرى أن العراق أفضل أرض يختارها مسرحاً للمواجهة وللمعركة الفاصلة بينه وبين السلطة، فقد كانت الكوفة بمثابة العاصمة الحقيقية للعالم الإسلامي، لما كانت تمثله من مركز الثقل العسكري الأبرز، التي هي المنطلق إلى حروب الفتح والمستقر، وكانت الأحداث التي تقع فيها تلقي بظلالها على العالم الإسلامي كله.
أحداث الكوفة
كان الكوفيون يكاتبون الإمام الحسين عليه السلام بعد استشهاد الإمام الحسن عليه السلام باذلين له الطاعة ويدعونه إلى القيام والنهضة ضد السلطة. حتى إذا ما بلغهم تسلّم يزيد إمارة المسلمين كاتبوا الإمام عليه السلام وبايعوه، ومن رسائلهم:"إنا قد حبسنا أنفسنا عليك، ولسنا نحضر الصلاة مع الولاة، فأقدم علينا فنحن في مئة ألف، وقد فشى الجور، وعمل فينا بغير كتاب الله وسنة نبيه، ونرجو أن يجمعنا الله بك على الحق، وينفي عنا بك الظلم، فأنت أحق بهذا الأمر من يزيد الذي غصب الأمة فيئها، وشرب الخمر ولعب بالقرود والطنابير، وتلاعب بالدين".
لكن الصادقين منهم قليل، إذ كان الشلل النفسي ومرض ازدواج الشخصية وحب الدنيا وكراهية الموت قد تفشى في حياتهم، إضافة إلى رسائل المنافقين والذين في قلوبهم مرض والتي أرسلت إلى الإمام عليه السلام لتبايعه مدعين الطاعة له والاستعداد لنصرته. فأرسل الإمام الحسين عليه السلام سفيره مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) ليهيئ له قاعدة النهضة، حتى إذا ما لمس صدقهم توجه إليه ملبياً دعوتهم.
مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)
مسلم بن عقيل بن أبي طالب (رضي الله عنه)، من أصحاب الإمام علي والحسنين عليه السلام وجنده، تزوج من رقية بنت الإمام علي عليه السلام.
يذكر أن الإمام علي عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وآله:
"يا رسول الله إنك لتحب عقيلاً؟"
فأجاب النبي صلى الله عليه وآله:
"حباً له، وحباً لحب أبي طالب له، وأن ولده مقتول في محبة ولدك..."
وكان مسلم (رضي الله عنه) مثالاً سامياً في الأخلاق الإسلامية، وفي الشجاعة والجرأة والبأس خاصة، وكان من شدة بأسه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت.
وصول مسلم (رضي الله عنه) إلى الكوفة
وصل مسلم (رضي الله عنه) إلى الكوفة في 5 شوال، والتزاماً بوصية الإمام الحسين عليه السلام ، كان لا بدّ من نزوله "عند أوثق أهلها"الذي لا يمكن تحديده على وجه اليقين، إلا أن الراجح أنه نزل في دار عوسجة ولعلها هي دار الشهيد مسلم بن عوسجة أو دار والده، وروي أنه نزل في دار المختار. والظاهر أن المراد نزوله في الدار التي عرفت فيما بعد بدار المختار.
النعمان بن بشير
كان والي الكوفة حين دخلها مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) النعمان بن بشير وهو من (الأنصار)، وله ولأبيه تاريخ أسود في خدمة الحكم الأموي، وقد ظلّ مناوئاً لأهل بيت النبوة عليهم السلام حتى مات. وكان النعمان يجاهر ببغض الإمام علي عليه السلام ويسيء القول فيه وحاربه وقاد بعض الحملات الإرهابية على بعض المناطق العراقية الموالية لأهل البيت عليهم السلام .
ومن أسباب تراخي موقف النعمان إثر دخول مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) إلى الكوفة، تبنيه لسياسة معاوية الذي كان يتحاشى المواجهة العلنية مع الإمام الحسين عليه السلام وليس ذلك حباً بالإمام عليه السلام وإنما لدهاء معاوية. لذا فإن موقف النعمان من الثوار ومن بوادر الثورة إنما اتسم ظاهرياً باللين والتسامح، لأنه كان يرى، إيماناً بنظرة معاوية، أن المواجهة العلنية ليست في صالح الحكم.
مسلم (رضي الله عنه) والمجتمع الكوفي
أقبلت الشيعة إلى مسلم (رضي الله عنه) تختلف إليه، فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الإمام الحسين عليه السلام وهم يبكون:
"فقوموا مع ابن عمي وبايعوه وانصروه ولا تخذلوه".
وتتابعت اجتماعات الشيعة مع مسلم (رضي الله عنه) فبايعه من الناس ثمانية عشر ألفاً، وهم يبكون ويقولون:"والله لنضربن بين يديه بسيوفنا حتى نموت جميعاً".
وفي الاجتماع الأول لمسلم (رضي الله عنه) مع المبايعين، برزت ظاهرة ثابتة من ظواهر المجتمع الكوفي، وهي ظاهرة وجود القلة من المؤمنين الصادقين المتحررين من الشلل النفسي ومرض الازدواجية وحب الدنيا وكراهية الموت، فعلى الرغم من كثرة المبايعين لم يقم إلا ثلاثة أظهروا لمسلم (رضي الله عنه) استعدادهم التام للتضحية في سبيل الإسلام، ومنهم عابس بن أبي شبيب الذي قال لمسلم (رضي الله عنه) بعد الحمد لله والثناء عليه:"فإني لا أخبرك عن الناس، ولا أعلم ما في أنفسهم، وما أغرك منهم، والله أحدثك عمَّا أنا موطن نفسي عليه، والله لأجيبنَّكم إذا دعوتم، ولأقاتلنَّ معكم عدوكم، ولأضربَّن بسيفي دونكم حتى ألقى الله".
ثم قام حبيب بن مظاهر (رضي الله عنه) فقال:"رحمك الله، وأنا والله الذي لا إله إلا هو على مثل ما هذا عليه".
ثم قال سعيد بن عبد الله الحنفي (رضي الله عنه) بمثل ما قال عابس وحبيب.
أما الظاهرة الثانية التي ظهرت في هذا الاجتماع وهي أكبر وأوضح ظواهر المجتمع الكوفي، وهي الفئة التي تحب الحق وتكره أن تضحي من أجله.
ولما رأى مسلم (رضي الله عنه) مبايعة الناس، كتب الإمام الحسين عليه السلام الذي علّق عزمه في التوجه إلى الكوفة على تقرير مسلم (رضي الله عنه) ، وطلب إليه القدوم، وبعث الكتاب مع قيس بن مسهّر الصيداوي وأصحبه عابس بن أبي شبيب الشاكري وشوذباً مولاه.
النتائج السياسية لحركة مسلم (رضي الله عنه) في الكوفة
لمّا رأى النعمان بن بشير استقبال أهل الكوفة الكبير لمسلم وحفاوتهم البالغة به، خطب في الناس يحذرهم من إثارة الفتنة والفرقة وشق عصا الأمة. وإزاء ذلك كانت جواسيس يزيد ترفع إليه تقاريرها عن ضعف موقف واليها النعمان في مواجهة التحولات الناشئة عن تواجد مسلم (رضي الله عنه) فيها، في وقتٍ كانت الكوفة ظاهرياً، قد سقطت سياسياً وعسكرياً أو تكاد في يد سفير الإمام الحسين عليه السلام ، ولم يبق دون أن يتحقق ذلك إلا أن يأمر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) بالثورة والتغيير، لكن مسلم (رضي الله عنه) التزم بحدود صلاحيته التي رسمها له الإمام الحسين عليه السلام.
لم يكد يزيد يعرف بمجريات الكوفة حتى انتابه الذعر الشديد لما تحمله هذه المدينة من تاريخ معارض للحكم الأموي، فأسرَّ له سرجون الرومي بما كاد أن يفعله معاوية قبل أن يدركه الموت، وهو عهد الكوفة لعبيد الله بن زياد، الرجل الذي يستطيع ببطشه أن يلجم ثورة الناس الخائفة أصلاً، وبذلك الكتاب الذي احتفظ به سرجون من معاوية وأبرزه ليزيد، استطاع يزيد تجاوز كرهه الشديد لعبيد الله بن زياد، وكتب إليه بعهد الكوفة على عجل.
وإذا كان سرجون صادقاً في نسبة الكتاب إلى معاوية فهو قرينة على تخطيط معاوية لقتل الإمام الحسين عليه السلام ، أما إن كان سرجون قد وضع الكتاب ونسبه إلى معاوية فهو دليل على مدى تدخل الرومي في مصير المسلمين.
عبيد الله بن زياد
ولد سنة 20هـ، أمه مرجانة المجوسية، وأبوه زياد بن أبيه الذي بطش أشد البطش بإتباع أهل البيت عليهم السلام بعد أن كان يتعاطف معهم، فانقلب ضدهم إثر استلحاق بني سفيان له. ولاه معاوية على خراسان سنة 54هـ، ثم البصرة سنة 55هـ. كان قبيح السريرة من الأُكّل لا يشبع، فاسقاً ظالماً جباناً. تربى في ظل الاعتزاز بالبيت السفياني وأجج فيه وهم هذا الانتساب نيران حقده الشديد على أهل البيت عليهم السلام. وعندما خرج الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة، كتب يزيد لعبيد الله:"إنه بلغني أن حسيناً سار إلى الكوفة وقد أبتلي فيه زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وابتليت به من بين العمال، وعنده تعتق أو تعود عبداً". وظلّ عبيد الله يبرر قتله للإمام الحسين عليه السلام بأن يزيد هدده بسحب النسب منه. لما مات يزيد أغرى عبيد الله بعض البصريين أن يبايعوه ثم جبن عن مواجهة الناس، فاستتر ثم هرب إلى الشام. قُتل على يد إبراهيم بن مالك الأشتر، بضربةٍ قدّه بها نصفين في يوم عاشوراء سنة 67هـ.
تولي عبيد الله بن زياد إمارة الكوفة
قُبيل انطلاق عبيد الله إلى الكوفة، عرف عبيد الله بأمر رسالة الإمام الحسين عليه السلام إلى البصريين، والتي يدعوهم فيها للانضمام إليه في قيامه وتأييده، فقتل رسول الإمام عليه السلام سليمان بن رزين، ثم صعد إلى منبر البصرة وقلبه يرتعد خيفة من استجابة أهلها لنداء الإمام عليه السلام ، فألقى خطاباً مليئاً بالتهديد والوعيد، محذراً من الخلاف، معلناً أنه ولّى عليهم عثمان أخيه.
وأقبل إلى الكوفة ومعه جماعة من أهل بيته في جيش، ودخل الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو ملثم، فكان لا يمر بجماعة إلا ظنّوا أنه الإمام الحسين عليه السلام فيقومون له ويدعون له ويقولون:"مرحباً بابن رسول الله قدمت خير مقدم"، فما أن دخل القصر علم الناس أنه ابن زياد.
بعد أن هدأت أنفاس ابن زياد، أمر الناس بالاجتماع في المسجد وقد نودي للصلاة جماعة. فلمّا اجتمع الناس، خرج إليهم، فحمد الله وأثنى عليه وقال:"أما بعد، فإن أمير المؤمنين أصلحه الله ولاّني مصركم وثغركم، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم، وبالإحسان إلى سامعكم و مطيعكم، وبالشدة على مريبكم وعاصيكم، وأنا متبع فيكم أمره، ومنفذ فيكم عهده، فإنا لمحسنكم و مطيعكم كالوالد البر، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي".
وطلب إلى العرفاء أن يكتبوا إليه الغرباء من أهل الكوفة، ومن فيهم من طلبة يزيد. وكانت العرافة من وظائف الدولة المعروفة لمعرفة الرعية وتنظيم عطائهم من بيت المال، وقد كان في الكوفة مائة عريف، واعتمدت الدولة على العرفاء بتنظيم السجلات العامة التي فيها أسماء الرجال والنساء والأطفال. ولعب العرفاء دوراً مهماً في دفع الناس إلى التفرق عن مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) وإشاعة الإرهاب بينهم، كما كانوا السبب الفعّال في زج الناس لحرب الإمام الحسين عليه السلام .
مسلم (رضي الله عنه) والدعوة السرية
بعد قدوم عبيد الله بن زياد إلى الكوفة، والياً عليها من قبل يزيد وحصول التطورات السريعة المتلاحقة التي أدت إلى ضرورة تحول عمل مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) من حالة العلانية إلى السر، اضطر إلى تغيير مقره، فخرج من الدار التي كان فيها حتى انتهى إلى دار هانئ بن عروة المرادي.
وهانئ من أشراف الكوفة وأعيان الشيعة ومن رؤسائها، وشيخُ مراد وزعيمها، وقيل أنه أدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وتشرف بصحبته، فأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ على تستر من عبيد الله وقد تواصوا بالكتمان، وكان هانئ يجمع لمسلم السلاح والرجال.
قتل وحبس رجال المعارضة والتجسس على مسلم (رضي الله عنه)
لما اطلع ابن زياد على مكاتبة أهل الكوفة للإمام الحسين عليه السلام ومبايعتهم حبس أربعة آلاف وخمسمائة رجل من التوابين من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وأبطاله الذين جاهدوا معه، منهم إبراهيم بن مالك الأشتر، وعبد الله بن الحارث، وسليمان بن صرد الخزاعي والعديد من الأعيان والأشراف الموالين، وأمر أن يطلب المختار الثقفي وعبد الله بن الحارث فأُتيَ بهما وحبسهما، وقتل ميثم التمّار الذي كان له منزلة خاصة عند أهل البيت عليهم السلام .
ودس الجواسيس في أزقة وبيوت الكوفة للبحث عن ابن عقيل، ودعا مولى له يقال له معقل، وأعطاه ثلاثة آلاف درهم ليطلب مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) ويلتمس أصحابه، حتى إذا ظفر بواحد منهم أو جماعة أعطاهم المال ليستعينوا بها على حرب عدوهم [أي عبيد الله].
ففعل معقل ما أُمر به، وجاء إلى المسجد الأعظم وجلس بالقرب من مسلم بن عوسجة الأسدي وهو يصلي بعد أن سمع بعض القوم يشيرون إليه ويقولون انه يبايع الحسين عليه السلام ، فلما فرغ ابن عوسجة من صلاته أخبره معقل أنه من أهل حمص وقد منّ الله عليه بحبّ أهل البيت عليهم السلام وتباكى ثم أعطاه المال قائلاً:"أردتُ بها لقاء رجل من آل البيت عليهم السلام بلغني انه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلم أجد أحداً يدلني عليه، ولا أعرف مكانه، وسمعتُ نفر من المؤمنين يشيرون إليك انك على علاقةٍ به".
أنكر ابن عوسجة ذلك بادئ الأمر، ولما أبدى معقل تفانيه في حب الإمام الحسين عليه السلام ، أخذ منه مسلم المواثيق المغلظة، وأخبره بأنه سيطلب له الإذن من ابن عقيل لأخذ البيعة، فأُذن له، وأمر مسلم بأخذ الأموال لشراء السلاح، وكان معقل في مجلس مسلم أول الداخلين وآخر الخارجين لنقل الأخبار لابن زياد شيئاً فشيئاً.
ابن زياد في منزل هانئ بن عروة
في الوقت الذي كان فيه مسلم في بيت هانئ، مرض شريك ابن الأعور وهو من رجال البصرة شديد الموالاة لأهل البيت عليهم السلام ، وقد أتى الكوفة مع عبيد الله بن زياد، فما مكث إلا جمعة حتى مرض، فنزل دار هانئ بن عروة. فأرسل إليه عبيد الله انه آت لعيادته، فقال شريك لمسلم:"إن هذا الفاجر عائدي العشية، فإذا جلس فاخرج إليه واقتله، ثم اقعد في القصر، ليس أحد يحول بينك وبينه، فإن برئت من وجعي سرتُ إلى البصرة حتى أكفيك أمرها".
فلما كان من العشاء أتاه عبيد الله فقام مسلم ليدخل، فقال لشريك: لا يفوتنك إذا جلس!
فقال هانئ بن عروة: لا أحب أن يقتل في داري!
فجاء عبيد الله وجلس فسأل شريكاً عن مرضه، فأطال، فلمّا رأى شريك أن مسلماً لا يخرج خشي أن يفوته، فأخذ يقول:
ما الانتظار بسلمى أن تحيوها حيوا سُليمى وحيوا من يحييها
فقال ذلك مرتين أو ثلاثاً، فسأل عبيد الله عن شأنه ظاناً أنه يخلط! فقال له هانئاً: نعم، ما زال هذا دأبه قُبيل الصبح حتى ساعته هذه! فانصرف.
وقيل: إن شريكاً لما ردد الشعر فطن به مهران مولى عبيد الله المقرب والمعتمد، فغمز عبيد الله فوثب، فقال له شريك: أيها الأمير إني أريد أن أوصي إليك، فقال عبيد الله: أعود إليك. وقال له مهران: إنه أراد قتلك، فقال ابن زياد: وكيف مع إكرامي له؟ وفي بيت هانئ. فقال مهران: هو ما قلت لك.
فلما قام ابن زياد خرج مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) ، فقال له شريك: ما منعك من قتله.
قال مسلم:"لكراهية هانئ أن يُقتل في منزله".
والسبب الاخر أيضاً لعدم قيام مسلم بقتل عبيد الله، هو تمسك أهل البيت عليهم السلام بالحق والصدق ونبذ الغدر والمكر حتى عند الضرورة. ولم يكن يدور ببال أي مراقب انذاك أن بالإمكان طرد عبيد الله بن زياد من الكوفة في أي لحظة، وما حصل كان خارج كل الحسابات في بيان يطول شرحه. أما شريك فما لبث أن توفى بعد ثلاثة أيام.
ابن زياد يعتقل هانئ بن عروة
كان هانئ بن عروة المرادي لفطنته السياسية والاجتماعية يتوقع ما يحذره من عبيد الله بن زياد برغم التستر والخفاء الذي كانت تتم في ظلها اجتماعات مسلم (رضي الله عنه) مع مريديه واتباعه في بيته، وبرغم التواصي بالكتمان، ذلك لأن هانئ كان يعلم أن الهم الأكبر لأبن زياد هو معرفة مكان ومقر مسلم، فتمارض هانئ بعد وفاة شريك وامتنع عن الذهاب إلى القصر، فافتقده ابن زياد، وأرسل بطلبه عمرو بن الحجاج (وهو ممن كاتب الإمام عليه السلام) وله ابنة زوجة لهانئ، وحسان بن خارجة ومحمد بن الأشعث لعيادته وجلبه، فرافقهم هانيء على مضض، وقبيل الوصول إلى القصر أسرّ هانئ لحسان عن قلقه من هذا الطلب، فطمأنه حسان الذي لم يكن يعلم لأي شيء بعث إليه ابن زياد.
دخل هانئ على عبيد الله وعنده شريح القاضي وبعض القوم، فطالبه عبيد الله بأمر مسلم بن عقيل، فأنكر هانئ معرفته بمكان وجود مسلم، فدعا عبيد الله بمعقل فجاء حتى وقف بين يديه وأخبره كل ما راه في بيت هانئ. وجرى نقاش حاد بين هانئ وعبيد الله أدى إلى قيام عبيد الله بضرب هانئاً على وجهه.
في هذا الوقت عرفت قبيلة مذحج بما جرى على سيدها فجاءت فرسانها وأحاطت بالقصر، مطالبةً بالإفراج عن هانئ، فخرج إليهم عمر بن الحجاج بعد مداولة مع ابن زياد وشريح القاضي، واخبرهم أن سيدهم بخير وان (الأمير) لا يريد به سوءاً وطلب إليهم الانصراف ففعلوا.
وهنا برز الدور الخياني الكبير لعمر بن الحجاج بهانئ إذ كان هو السبب الأساس في منع إنقاذ هانيءً من الأسر وعدم تعرضه لسوء، وبقي موالياً لعبيد الله حتى بعد قتل هانئ، الذي رماه عبيد الله من أعلى القصر بعد قطع رأسه.
استشهاد عبد الله بن بقطر
لما أحسّ مسلم بن عقيل بخذلان أهل الكوفة له، أرسل كتاباً للإمام الحسين عليه السلام مع عبد الله بن بقطر يخبره بما انتهى إليه الأمر من تفرّقٍ وخذلان، ولكن الحصين بن نمير ألقى القبض عليه وهو يخرج من الكوفة، وجاء به إلى عُبيد الله بن زياد الذي أمر بأن يُلقى عن سطح قصر الإمارة.
قيام مسلم بن عقيل (رضي الله عنه).
كان اعتقال هانئ في حسابات ابن زياد الخطوة الثانية الناجحة بعد خطوته الأولى في اختراق الحركة الثورية من داخلها، أما في حسابات مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) فقد مثّل منعطفاً حرجاً وخطيراً اضطره للخروج عن خط السير المرسوم في الأصل، وألجأه إلى قرار استثنائي، إذ أنه أصبح أمام خيارين لا ثالث لهما:
الأول: البقاء في مواصلة التعبئة والإعداد، على الرغم من عدم القدرة على ذلك، لأن ابن زياد قد اعتقل هانئ الذي هو من أبرز وأقوى وأمنع الشخصيات الكوفية من الناحية القبلية فضلاً عن وجاهته الاجتماعية والدينية ، ما يعني أن أي شخصية أخرى ستحتضن ابن عقيل سيتم اعتقالها.
الثاني: التحرك قبل استكمال الشرائط، تحت قهر الضرورة والاضطرار، لمواجهة حاسمة مع السلطة المحلية.
فعقد مسلم لرؤوس الأرباع على القبائل: كندة، مذحج، تميم، وأسد، ومضر، وهمدان، وتداعى الناس واجتمعوا عنده، فأقبل مسلم ومن معه حتى مشارف القصر، وقيل أن العدد كان أربعة الاف، ولكن من وصل القصر مع مسلم ثلاثمائة رجل لا غير!
حينئذٍ طلب ابن زياد إغلاق باب القصر عليه وعلى من كان معه من أشراف الناس وشرطته وأهل بيته وكانوا بمقدار مئتي رجل، فقاموا على سور القصر يرمون مسلم ومن معه بالمدر والنُشاب.
و فيما كانت رحى الحرب دائرة أمام القصر بقيادة مسلم ابن عقيل (رضي الله عنه) ، قبع ابن زياد في القصر فيه خائفاً يفكر في الحيلة التي ستنقذه من هذا الموقف. فسخّر الأشراف الذين كانوا معه وأمرهم بتخذيل الناس عن نصرة مسلم، فنزل كثير بن شهاب الحارثي لقبيلة مذحج يخوفهم ويحذرهم عقوبة السلطان، ومحمد بن الأشعث لمن أطاعه من قبيلة كندة وحضرموت ورفع راية الأمان لمن جاءه من الناس، وتم اعتقال بعض الوجوه البارزة مثل عبد الأعلى بن يزيد وعمارة بن صلخب داخل القصر.
علم مسلم (رضي الله عنه) أن مجموعات ابن زياد أخذت تخذّل الناس عنه، وتعتقل المجاهدين المقبلين إليه لنصرته في أزقة الكوفة، وقد دحرت قوات مسلم على قلتها كل المجاميع التي أخرجها ابن زياد لرفع رايات الأمان ولتخذيل الناس، وعادوا جميعهم إلى القصر على عجل.
وعلى الرغم من أن مسلم (رضي الله عنه) ربح المعركة الأولى حول القصر إلا أنه لم يقتحمه:
1 لأن القصر كان محصنا بطريقة تمكنه من الصمود لمدة طويلة جداً تتجاوز عدة أشهر كما حصل أيام المختار.
2 شعور مسلم (رضي الله عنه) بخذلان القوم له من خلال تفرقهم عنه وهو يتوجه إلى القصر، إذ انطلق بأربعة آلاف ووصل بثلاثمائة!
3 عودة قبيلة مذحج وبقاء هانئ رهينةً في القصر كان له أثر سيئ بعد أن اجتمعت القبيلة لاستنقاذه ثم تخليها عنه، إذ رأى الناس أن أقوى قبيلة في الكوفة لم تستطع فعل شيء لإطلاق سراح سيدها.
4 عدم قدرة قوات مسلم الموجودة في أطراف الكوفة للالتحاق به، مثل اللواء الذي جاء به المختار)قبل اعتقاله(، ولواء عبد الله بن حارث، إلا بعد تفرق الناس عن مسلم فادعى المختار حينئذٍ بأنه جاء لحماية ابن حريث، عندها أمر ابن زياد باعتقاله وزجه في السجن.
ولما اطمأن ابن زياد إلى تفرق الجموع عن مسلم (رضي الله عنه) إذ كان الرجل من أهل الكوفة يأتي ابنه وأخاه وابن عمه فيقول:"انصرف فإن الناس يكفونك"، وتجيء المرأة إلى ابنها وزوجها وأخيها فتتعلق به حتى يرجع، ويقول بعضهم لبعض" ما نصنع بتعجيل الفتنة، غداً تأتينا جموع من جيش الشام، ينبغي أن نقعد في منازلنا وندع هؤلاء القوم حتى يُصلح الله ذات بينهم". وكان لكلمة (جيش الشام) أو (جند الشام) أثر رهيب في روع جُل أهل الكوفة لما ذاقوه من ويلات ومرارات على يد ذلك الجيش.
ثم خرج عبد الله ابن زياد وأصحابه إلى المسجد فجلسوا قبيل العتمة، ونادى عمرو بن نافع:"ألا برئت الذمة من رجلٍ من الشرطة و العرفاء والمناكب أو المقاتلة صلى العتمة إلا في المسجد"، فلم يكن إلا ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس فأقام عبيد الله الصلاة ثم خطب بالناس وهدد من يجد عنده مسلم بالقتل ومن جاء به بدية، وأمر حصين بن نمير بالبحث في الدور حتى يجده.
مسلم (رضي الله عنه) في الكوفة وحيداً
كان من الطبيعي أن يتخلف الناس في الكوفة عن مسلم (رضي الله عنه) ، ذلك انه لم يكن للشيعة فيها وهم من قبائل شتى خصوصاً في فترة ما بعد الإمام الحسن عليه السلام عميد يرجعون إليه في أمورهم، على الرغم من وجود أشراف ووجهاء متعددون من الشيعة، ولكن كلّ له تأثيره في قبيلته فقط.
كما أن الوضع الاجتماعي الذي كان يسود الكوفة هو وليد الاضطهاد المرير الذي تعرضوا له فزرع بين الناس على مدى تلك السنين الخوف الشديد من سطوة السلطان وضعف الثقة وقلة الاطمئنان فيما بينهم.
أمسى ابن عقيل (رضي الله عنه) وصلى المغرب وما معه إلا ثلاثون نفراً في المسجد، فلمّا رأى أنه قد أمسى وما معه إلا أولئك النفر الصفوة، خرج متوجهاً نحو أبواب كندة، فما بلغ الأبواب إلا ومعه عشرة، ثم خرج من الباب فإذا ليس معه إنسان يدله على الطريق.
ولم يكن تفرق هذه الصفوة فرادى والاختفاء إلا تربصاً بسنوح الفرصة للالتحاق بركب الإمام الحسين عليه السلام القادم إلى العراق، فمسلم هو الذي أمرهم بذلك، إذ أن هذه القلة مؤلفة من صفوة المؤمنين الشجعان الذين وفقوا جميعاً لنيل الشهادة بين يدي الإمام الحسين عليه السلام ، ونذكر منهم؛ مسلم بن عوسجة، أبا ثمامة الصائدي، عبد الله بن الزبير الكندي، عباس بن جعد الجدلي، عبد الله بن حازم البكري وغيرهم..
مسلم (رضي الله عنه) في دار طوعة
مشى مسلم حتى وصل إلى دار طوعة زوجة أسيد الحضرمي، وكانت تنتظر ولدها بلالاً، فطلب إليها مسلم أن تسقيه ماء، فجاءت بالإناء و أسقته ثم دخلت الدار لوضعه، فما أن خرجت ورأت مسلم جالساً على باب الدار قالت له: يا عبد الله ألم تشرب؟
قال: بلى.
قالت: فاذهب إلى اهلك.
فسكت مسلم ثم عادت فقالت مثل ذلك فسكت!
فقالت له: سبحان الله! يا عبد الله فمر إلى اهلك عافاك الله، فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك!!!
فقام عندئذٍ مسلم وقال: يا أمة الله، مالي في هذا المصر منزل ولا عشيرة، فهل لك إلى أجرٍ ومعروف ؟ ولعلي مكافئك به يوم القيامة ؟
فقالت: يا عبد الله وما ذاك؟
فقال: أنا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاء القوم وغروني.
فلما عرفته أدخلته بيتاً غير البيت الذي تكون فيه، وفرشت له، وعرضت عليه العشاء فلم يتعشَ. ولما جاء ولدها ورآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه سألها عن السبب فتحاشت الإجابة، فلّما ألحّ طلبت إليه أن يكتم بما ستخبره، وأخذت عليه الأيمان فحلف لها، فأخبرته.
فلما أصبح بلال غدا إلى عبد الرحمن بن محمد ابن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) ، ولما عرف ابن زياد أمر ابن حريث أن يبعث معه مائة رجل من قريش، وكره أن يبعث إليه غير قريش خوفاً من العصبية أن تقع!
الليلة الأخيرة لمسلم (رضي الله عنه)
كان مسلم بن عقيل قد أبى أن يأكل شيئاً في ليلته الأخيرة، وحرص على أن يُحييها بالعبادة والذكر والتلاوة، فلم يزل قائماً وراكعاً وساجداً يصلي ويدعو ربه حتى الصباح، ولكنه لشدة الإعياء إثر القتال في النهار، أخذته سُنّة من النوم، فرأى في عالم الرؤيا عمه أمير المؤمنين علياً عليه السلام وبشره بسرعة التحاقه بمن مضى منهم في أعلى عليين.
وجاءت طوعة لمسلم بالماء ليتوضأ عند الفجر.
قالت: يا مولاي، ما رأيتك رقدت هذه الليلة؟
فقال لها: اعلمي إني رقدت رقدةً فرأيت في منامي عمي أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقول: "الوحاء .. الوحاء، العجل ..العجل! وما أظنّ إلا انه آخر أيامي من الدنيا".
اعتقال مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)
عند الصباح، سمع مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) وقع حوافر الخيل وزعقات الرجال فعلم انه قد أتي في طلبه، فتقلّد سيفه والقوم يرمون الدار بالحجارة ويلهبون النار في نواحي القصب.
فتبسم مسلم وقال: "يا نفس اخرجي إلى الموت الذي ليس منه محيص ولا عنه محيد!"
ثم قال لطوعة:
"أي رحمك الله وجزاك عني خيراً، اعلمي إنما أوتيت من قبل ابنك"
وفتحت له الباب، ليخرج مسلم (رضي الله عنه) في وجوه القوم كأنه أسد مغضب! فجعل يضاربهم بسيفه حتى قتل منهم جماعة.
وبلغ ذلك عبيد الله بن زياد، فقال إلى محمد بن الأشعث: سبحان الله يا عبد الله! بعثناك إلى رجل واحد تأتينا به، فأثلم بأصحابك هذه الثلمة!
فرد محمد بن الأشعث: أيها الأمير أما تعلم أنك بعثتني إلى أسد ضرغام وسيف حسام!.
فطلب ابن زياد إلى ابن الأشعث بان يعطي مسلم الأمان ذلك انه لن يقدر على قتاله. فجعل ابن الأشعث يقول لمسلم: ويحك يا ابن عقيل! لا تقتل نفسك، لك الأمان!
فرد مسلم:
لا حاجة إلى أمان الغدرة.
ثم جعل يقاتلهم وهو يقول:
أقسمتُ لا أقتل إلا حرا ولو وجدت الموت كأساً مُراً
فناداه ابن الاشعث: ويحك يا ابن عقيل، إنك لا تُكذب، ولا تُغر! القوم ليسوا بقاتليك فلا تقتل نفسك!
فلم يلتفت مسلم إلى كلام ابن الاشعث وجعل يقاتل حتى أثخن بالجراح وضعف عن القتال وتكاثروا عليه فجعلوا يرمونه بالنبل والحجارة.
فقال مسلم (رضي الله عنه)
ويلكم، ما لكم ترمونني بالحجارة كما ترمى الكفار؟ وأنا من بيت الأنبياء الأبرار، ويلكم أما ترعون حق رسول الله صلى الله عليه وآله وذريته؟
وعاد لقتالهم على ضعفه ففرقهم، فصاح ابن الاشعث بالقوم: ذروه حتى أكلمه بما يريد. فدنا من مسلم: ويلك يا ابن عقيل، لا تقتل نفسك، أنتَ امن ودمك في عنقي..
فأجاب مسلم (رضي الله عنه)
"أتظن يا ابن الاشعث إني أعطي بيدي أبداً وأنا اقدر على القتال، لا والله لا كان ذلك أبداً"
ثم حمل عليه (رضي الله عنه) فألحقه بأصحابه، وعاد إلى مكانه قائلاً:
"اللهم إن العطش قد بلغ مني"
فلم يجسر أحد أن يسقيه الماء، فأقبل ابن الأشعث على أصحابه وقال: ويلكم إن هذا لهو العار والفشل أن تجزعوا من رجل واحد هو الجزع! احملوا عليه بأجمعكم حملة واحدة..
فحملوا عليه، وضربه بكير بن حمران الأحمري ضربة على شفته العليا، وردها مسلم إليه بضربة قاتلة، فطعن مسلم (رضي الله عنه) من ورائه وسقط على الأرض فأخذ منه سلاحه وساقوه أسيراً لعبيد الله، فكأنه عند ذلك آيس من نفسه فدمعت عيناه، فقال له عمرو ابن عبيد الله وكان رجلاً حيادياً لا موقف له: إن من يطلب الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبكِ؟
فأجابه مسلم (رضي الله عنه)
"إني والله ما لنفسي أبكي، ولا لها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفاً، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليَّّّّّ! أبكي لحسين وال الحسين"
استشهاد مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)
لما دخل مسلم (رضي الله عنه) على عبيد الله بن زياد قال له الحرس: سلم على الأمير.
فأجاب مسلم (رضي الله عنه) :
"اسكت لا أم لك، مالك وللكلام؟ والله ليس هو لي بأمير فأسّلم عليه"
فقال ابن زياد: لا عليك.. سلمت أو لم تسلم فإنك مقتول..
فقال مسلم (رضي الله عنه) :
"إن قتلتني فقد قتل شر منك من كان خيراً مني!"
ودار جدال طويل بينهما، حتى اتهم عبيد الله مسلماً (رضي الله عنه) بأنه شتت كلمة المسلمين في الكوفة وفرق كلمتهم.
فأجابه مسلم (رضي الله عنه) :
"ليس لذلك أتيت هذا البلد، ولكنكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف، وتأمّرتم على الناس من غير رضا، وحملتموهم على غير ما أمركم الله به، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف وننهاها عن المنكر، وندعوهم إلى حكم كتاب الله والسنّة"
ثم دعا عبيد الله برجلٍ من أهل الشام كان مسلم (رضي الله عنه) قد ضربه على رأسه ضربةً منكرة، وطلب إليه أن يصعد به إلى السطح ليضرب عنقه. فأصعد مسلم (رضي الله عنه) إلى أعلى القصر وهو في ذلك يسبح الله تعالى ويستغفره، ويقول:
"اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وخذلونا.."
فلم يزل كذلك حتى ضرب عنقه ورمي بجسده من أعلى السطح ليكون الشهيد الأول من الهاشميين في النهضة الحسينية، ثم ضرب عنق هانئ بن عروة ورمي بجسده أيضاً من أعلى السطح. ثم قام جلاوزة ابن زياد بسحل الجثتين الشريفتين في السوق، ثم أمر ابن زياد بصلبهما منكسين وعزم أن يوجه رأسيهما إلى يزيد ابن معاوية.
وانتقم عبيد الله بن زياد من بقية الثوار، فكلما سمع عن رجلٍ كان ملتحقاً بمسلم (رضي الله عنه) كان يطلبه ويضرب عنقه، وزج بالعديد من المجاهدين في السجون.
محب الائمة للموت
26-12-2010, 02:20 PM
الكوفة بعد مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)
كتب ابن زياد تقريره الأمني ليزيد يخبره فيه عن أوضاع الكوفة وفيه؛ أما بعد، فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقه، وكفاه مؤونة عدوه. أُخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أن مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، وإني جعلت عليهما العيون ودسست إليهما الرجال، وكدتهما حتى استخرجتهما وأمكن الله منهما فقدمتهما فضربت أعناقهما، وقد بعث إليك برأسيهما"
فرد عليه يزيد:"وإنه بلغني أن الحسين بن علي قد توجه نحو العراق، فضع المناظر و المسالح واحترس على الظن وخذ على التهمة، غير ألا تقتل إلا من قاتلك، واكتب إلي في كل ما يحدث من الخبر".
فلما بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الإمام الحسين عليه السلام من مكة إلى الكوفة، بعث الحصين بن نمير صاحب الشرطة حتى نزل القادسية، وبالغ ابن زياد في إشاعة الرعب والخوف في أوساط أهل الكوفة من خلال إجراءات إرهابية عديدة، تمهيداً لتعبئتهم وتوجيههم إلى قتال الإمام الحسين عليه السلام لعلمه بأن جلّ أهل الكوفة يكرهون التوجه لقتاله، فكان يحكم بالموت على كل من يتخلف أو يرتدع عن الخوض في المعركة.
تقع معظم أحداث الكوفة أثناء تواجد مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) فيها في إطار الأيام التي كان فيها الإمام الحسين عليه السلام بمكة. ولكن خصوصية هذه الفترة في الكوفة وحساسيتها وتسارع الأحداث فيها، ولأهمية تبيانها بتفاصيلها، كان لا بدّ من فصلها عن حركة الإمام الحسين عليه السلام بمكة، لذا اقتضى التنويه.
الإمام الحسين عليه السلام في طريق كربلاء
جدَّ الركب الحسيني في المسير نحو العراق، وكان قد مرّ في طريقه من مكة حتى وصوله إلى كربلاء، بمواقع ومنازل عديدة، بقي الإمام الحسين عليه السلام في بعضها يوماً وليلة، ولبث في بعضها الآخر يوماً، ولم يبق في بعض آخر إلا ساعات قليلة، وتوقف في بعض آخر لأداء الصلاة فقط. وقد التحق به عدد من الموالين أثناء الطريق.
التقى الإمام الحسين عليه السلام في طريقه من مكة إلى كربلاء بالعديد من الأشخاص، وحدث الكثير من المواقف التي أكد من خلالها أهمية قيامه بوجه يزيد بن معاوية والهدف الواضح من هذا القيام.
وقيل أن الشاعر الفرزدق وهو همام بن غالب التميمي الحنظلي، كان قد لقي الإمام عليه السلام قبل خروج الركب الحسيني من الحرم إلى أرض الحل، فسلّم على الإمام عليه السلام وسأله:
أعطاك الله سؤلك، واملك فيما تحب، بأبي أنتَ وأمي يا ابن رسول الله، ما أعجلك على الحج؟
فقال الإمام عليه السلام:
"لو لم أعجل لأخذتُ... أخبرني عن الناس خلفك؟"
فأجاب الفرزدق: قلوب الناس معك وسيوفهم عليك، والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء..
الإمام الحسين عليه السلام يعلم بمقتل مسلم (رضي الله عنه)
كان الركب في الثَّعلبية وهي ثلثا الطريق، لما عدل رجل من أهل الكوفة عن الطريق لما رأى الإمام الحسين عليه السلام ، فقصده الإمام عليه السلام كأنه يريده، ثم تركه ومضى. فاقترب من الرجل رجلان أسديان وسلما عليه، وكان بكير بن المثعبة، فسألاه: أخبرنا عن الناس وراءك؟ قال: لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة، فرأيتهما يجران بأرجلهما في السوق.
فنظر إليهما الإمام الحسين عليه السلام وقال:
"لا خير في العيش بعد هؤلاء.. ونظر إلى بني عقيل فقال لهم: ما ترون فقد قتل مسلم؟"
فبادر بنو عقيل وقالوا:"والله لا نرجع، أيقتل صاحبنا وننصرف، لا والله لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق صاحبنا".
فلما كانت الظهيرة، وضع الإمام الحسين عليه السلام رأسه فرقد، ثم استيقظ فقال:
"رأيت هاتفاً يقول؛ انتم تسيرون والمنايا تسرع بكم نحو الجنة"
فسأله ابنه علي الأكبر:
"يا أبه. أو لسنا على الحق؟"
قال عليه السلام :
"بلى يا بني والله الذي إليه مرجع العباد"
فقال علي الأكبر:
"يا أبه، إذن والله لا نبالي بالموت".
فأجابه الإمام عليه السلام :
"جزاك اللّه يا بني خير ما جزى ولداً عن والده"
وتابع الركب الحسيني المسير حتى وصل إلى زُبالة، وهي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة والثعلبية، وهناك وصل مبعوث محمد بن الأشعث ليخبر الإمام باستشهاد مسلم وخذلان أهل الكوفة، وكان مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) قد أوصى عمر بن سعد قبل أن يُقتل بوصاياه، والتي كانت الأخيرة منها: "وأبعث إلى الحسين من يرده، فإني قد كتبت إليه اعلمه أن الناس معه ولا أراه إلا مقبلاً."فقال عمر ابن سعد لابن زياد في نفس اللحظة بما أوصاه مسلم (رضي الله عنه)، فقال ابن زياد له: "إنه لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن".
وأما مبعوث ابن الأشعث فهو إياس بن العثل الطائي شاعر كان في زيارةٍ للكوفة، أعطاهُ ابن الأشعث راحلة مقابل أن يبلّغ الإمام الحسين عليه السلام بأمر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) إذا ما التقاه في الطريق، ففعل إياس ذلك وقد بقي في زُبالة أربع ليالٍ بضيافة الإمام عليه السلام .
فلما استيقن الإمام عليه السلام من خبر مقتل مسلم، جمع أصحابه وقرأ عليهم كتابه وهو:
"بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإنه قد أتانا خبر فظيع، قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن بقطر. وقد خذلتنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام "
فتفرق الناس عنه تفرقاً، حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة المنورة ومكة، وإنما كان الذين التحقوا به في الطريق من الأعراب لأنهم ظنوا أنه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهله، وتؤكد المتون التاريخية على أن أهل الأطماع والارتياب تفرقوا عن الإمام في زُبالة.
لقد أراد الإمام عليه السلام من كلامه السابق أن ينتقي الخُلص الذين سيقومون معه بأداء واجبهم الشرعي، وتلك هي سُنة القادة الربانيين في قيامهم، وهي أنهم يريدون الناصر الرباني ولا يهتمون بكثرة العدد والعدة، وقد واصل الإمام عليه السلام اختبار وامتحان تصميم الباقين معه على الشهادة حتى آخر لحظة.
جيش الحر الرياحي يجعجع بالركب الحسيني
وصل الركب إلى منطقة "ذو الحسم"وهو جبل يقع بين شراف وبين منزل بيضة، فلما انتصف النهار كبّر أحد الرجال، فقال الإمام الحسين عليه السلام :
"الله أكبر، لما كبرت؟ "
فقال: رأيتُ نخلاًًً..
فأجابه قوم: ما رأينا نخلة قط في هذا المكان..
فسألهم الإمام عليه السلام عن الأمر، فقيل: إنها الخيل..
فقال الإمام عليه السلام:
وأنا والله أرى ذلك.. أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد؟ "
فقيل له أن يصعد إلى جبل ذو الحسم، فتوجه الركب ناحية الجبل، فما كان بأسرع من أن طلعت الخيل وراءهم، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي الرياحي حتى وقف هو وخيله مقابل الإمام عليه السلام في حر الظهيرة، والإمام عليه السلام وأصحابه معتمّون شاهري السيوف، فلما رآهم الإمام عليه السلام أمر فتيانه بأن يسقوا القوم والخيل، ففعلوا.
بقي الحر مع الإمام عليه السلام حتى حضرت صلاة الظهر، وبعد رفع الأذان، وقف الإمام عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه وخاطب القوم:
"أيها الناس، إنها معذرة إلى الله عز وجل وإليكم. إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم: أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام، لعل الله يجمعنا بك على الهدى، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم".
ثم أقام عليه السلام للصلاة، وسأل الحر:
"أتصلي بأصحابك؟ "
فأجابه الحر: "بل تصلي أنت ونصلي بصلاتكَ".
فصلى بهم الإمام عليه السلام ، ثم دخل واجتمع في أصحابه وانصرف الحر إلى مكانه، فلما صلى الإمام عليه السلام العصر أمر القوم بالرحيل، وقد خطب في القوم خطبة ثانية:
"أما بعد أيها الناس، فإنكم إن تتقوا وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوانَ. وإن انتم كرهتمونا وجهلتم حقنا وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به علي رسلكم انصرفت عنكم "
فقال له الحر بن يزيد: "إنا والله لا ندري ما هذه الكتب التي تذكر؟ "
فقال الحسين عليه السلام :
"يا عقبة بن سمعان، أخرج الخَرجين اللذين فيهما كتبهم إلي. "
فأخرج عقبة خرجَين مملوئين صحفاً فنشرها بين أيديهم.
فقال الحر: "فإنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد "
فأجابه الإمام عليه السلام :
"الموت أدنى إليك من ذلك "
ثم قال لأصحابه:
"قوموا فاركبوا "
فركبوا وانتظروا حتى ركبت النساء، فطلب الإمام عليه السلام إلى أصحابه الانصراف فحال الحر وجيشه دون ذلك، فقال الإمام عليه السلام للحر:
"ثكلتك أمك ما تريد؟".
فرد الحر: "أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل أن أقوله، كائناً من كان، ولكن والله مالي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه. "
فقال الإمام عليه السلام :
"فما تريد؟ "
قال الحر: "أريد والله أن انطلق بك إلى عبيد الله بن زياد "
فأجابه الإمام عليه السلام :
"إذن والله لا اتبعك. "
فقال الحر: "إذن والله لا أدعك؟ "
فترادا القول ثلاث مرات، ولما كثر الكلام بينهما قال الحر: "إني لم أؤمر بقتالك، وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة. فإذا أبيت فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى المدينة، لتكون بيني وبينك نصفاً، حتى أكتب إلى ابن زياد، وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إن أردت أن تكتب إليه، أو إلى عبيد الله إن شئت، فلعل الله إلى ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك "
الإمام الحسين عليه السلام يوضح تكليف الأمة
سار ركب الإمام عليه السلام والحر وجيشه يسير على الطرف الآخر، حتى إذا وصل إلى منطقة البيضة، خطب الإمام عليه السلام إحدى أهم خطبه بأصحابه وجيش الحر، وهي الخطبة التي تضمنت أقوى الأدلة على أن المسلمين جميعاً أمام تكليف عام بوجوب النهوض لمواجهة السلطان الجائر المستحل لحرم الله، فبعد أن حمد الله وأثنى عليه قال عليه السلام :
"أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال "من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسُنة رسول الله صلى الله عليه وآله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرموا حلاله، وأنا أحق من غيري، وقد أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم: أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم..
فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهلكم، فلكم فيّ أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنُكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم، والمغرور من أغترّ بكم، فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته "
ثم واصل ركب الإمام الحسين عليه السلام المسير وجيش الحر يسايره، فقال الحر للإمام عليه السلام : "يا حسين، إني أذكرك الله في نفسك، فإني أشهد لئن قاتلتَ لتُقتلنّ، ولئن قوتلتَ لتهلكنّ فيما أرى".
فأجابه الإمام عليه السلام:
"أبالموت تخوفني؟. وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟. ما أدري ما أقول لك؟. ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه حين لقيه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: أين تذهب فإنك مقتول؟ فقال:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما
واسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق مثبوراً يغشّ ويرغما
فلمّا سمع ذلك منه الحر تنحى عنه وكان يسير بأصحابه في ناحية، والإمام عليه السلام من ناحية أخرى، حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات، فإذا بنفر قد اقبلوا من الكوفة وهم: عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي ومولاه سعد، مجمع بن عبد الله العائذي وابنه عائذ وجنادة بن الحرث السلماني ومولاه واضح التركي، وغلام لنافع بن هلال الذي التحق بركب الإمام عليه السلام قبلهم ومعه فرس نافع، فلمّا انتهوا إلى الإمام عليه السلام أنشدوا بعض الأبيات التي تُبين زهدهم بالحياة فداءً له، قال عليه السلام :
"أما والله إني لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا، قتلنا أم ظفرنا "
فأقبل إليهم الحر بن يزيد فقال: "إن هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك، وأنا حابسهم أو رادهم "
فرد الإمام عليه السلام عليه: "لأمنعهم مما امنع منه نفسي، إنما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني ألا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من ابن زياد "
فأجاب الحر: "أجل، ولكن لم يأتوا معك؟ "
فأكد الإمام عليه السلام عليه:
"هم أصحابي، وهم بمنزلة من جاء معي، فإن تممت على ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك "
فكف عنهم الحر.
وقد سأل الإمام عليه السلام الملتحقين به عن حال الناس وراءهم، فرد عليه مجمع بن عبد الله العائذي: "أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم، يستمال ودهم ويستخلص به نصيحتهم، فهم ألبٌ واحد عليك. وأما سائر الناس فإن أفئدتهم تهوي إليك وسيوفهم غداً مشهورة عليك "
فسألهم عن رسوله قيس بن مسهر، فأخبروه أن ابن زياد امره أن يلعنك وأبيك، فصلى عليك وعلى أبيك، ولعن ابن زياد وأبيه، فألقاه ابن زياد من على القصر..
فتمتم الإمام بالآية الشريفة: "منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً "
ونجد هنا أن الإمام عليه السلام ، وعلى الرغم من الأخبار التي أنبأته من أكثر من جهة عن خذلان القوم له، إلا أنه أصر على التوجه إلى الكوفة قائلاً:
"إنه كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف "
ذلك أنه كان يدرك انه له أنصار بانتظاره، أولئك الأنصار الذين رمى ابن زياد بعضهم في السجون، وقتل البعض الاخر..
وقد تجلت بشكل مفجع اثار حب الدنيا وكراهية الموت في سبيل الله في لقاء الإمام عليه السلام مع عبيد الله بن الحر الجعفي الذي دعاه الإمام عليه السلام لنصرته، فأجابه: "والله يا ابن بنت رسول الله، لو كان لك بالكوفة أعوان يقاتلون معك لكنتُ أشدهم على عدوك، ولكني رأيتُ شيعتك بالكوفة وقد لزموا منازلهم خوفاً من بني أمية وسيوفهم، فأنشدك الله أن تطلب مني هذه المنزلة، وأنا أواسيك بكل ما أقدر عليه، وهذه فرسي ملجمة، والله ما طلبت عليها شيئاً إلا أذقته حياض الموت، ولا طلبتُ عليها فلحقت، وخذ سيفي هذا فوالله ما ضربت به إلا قطعت".
فقال له الإمام الحسين عليه السلام:
"يا ابن الحر ما جئناك لفرسك وسيفك. إنما أتيناك لنسألك النصرة، فإن كنت قد بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في شيء من مالك. ولم اكن بالذي اتخذ المضلين عضداً، لأني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: من سمع داعية أهل بيتي ولم ينصرهم على حقهم إلا أكبّه الله على وجهه في النار "
وكان الإمام عليه السلام خلال مسيره يعجل الركوب ويحاول تفريق أصحابه غير أن الحر يردهم بانتظار كتاب عبيد الله بن زياد الذي وصله والركب في نينوى، وفيه: "أما بعد، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقحم عليك رسولي، فلا تنزله إلا بالعراء، في غير حصن وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام "
فأخذ الحر القوم بالنزول إلى مكان لا ماء فيه، وطلب زهير بن القين من الإمام بقتال الحر وجيشه، فرفض الإمام أن يكون أول من يبدأ القتال.
أرض كربلاء
ولمّا وصل الركب إلى كربلاء وقف فرس الإمام عليه السلام فنزل وركب فرساً أخرى فلم تتحرك، فسأل الإمام عليه السلام عن اسم الأرض، فقيل له: ارض الغاضرية.
فقال عليه السلام :
"فهل لها اسم آخر؟ "
فأجابوه: تسمى نينوى.
فقال عليه السلام :
"هل لها اسم غير هذا؟ "
قالوا: شاطئ الفرات.
قال عليه السلام :
"هل لها اسم آخر؟ "
قالوا: تسمى كربلاء..
فتنفس الصعداء، ثم قال عليه السلام :
"انزلوا، هاهنا مناخ ركابنا، هاهنا تسفك دماؤنا، هاهنا والله تهتك حريمنا، هاهنا والله قتل رجالنا، هاهنا والله تذبح أطفالنا، هاهنا والله تزار قبورنا، وبهذه التربة وعدني جدي رسول الله صلى الله عليه وآله ولا خلف لقوله.. "
وكان يوم وصول الإمام عليه السلام إلى كربلاء في الثاني من شهر محرم الحرام لعام إحدى وستين هجرياً وكان على أغلب الروايات يوم الخميس..
وقد نصبت خيام الركب الحسيني في البقعة الطاهرة التي لا تزال آثارها باقية إلى اليوم في كربلاء في بقعة بعيدة عن الماء تحيط بها سلسلة ممدودة من تلال و ربوات، وقد ضربت خيمة الإمام وأهل بيته عليهم السلام ثم خيام عشيرته حوله ثم خيام بقية الأنصار. وأحاط الجيش الأموي بمعسكر الإمام عليه السلام حتى أنه لما أطلق ابن سعد السهم الذي أنذر به بداية القتال وأطلق الرماة من جيشه سهامهم لم يبقَ أحد من معسكر الإمام عليه السلام إلا أصابه سهم.
محب الائمة للموت
26-12-2010, 02:36 PM
تم الإطلاع على الروابط
..
مشرفة منتدى أهل البيت
Dr.Zahra
27-12-2010, 01:37 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
السلام على أم الأطهار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
..
أخي الفاضل
تم اضافة المواضيع..
علماً ان السبب ليس من جهازكم بل من الموقع نفسه
لاني واجهت نفس المشكله لكن استطعت التغلب عليها
أخي الفاضل
احتاج منك وضع ست ردود في هذا الموووضوع
وتكتب فيهم اي شي
حتى لو تكتب اللهم صل على محمد وال محمد
حتى يتسنى لي تعديل هذا الرد واضافة بدله المواضيع
اذا اامكن
واكون لك من الشاكرين..
http://www.r-mbd3.com/vb/uploaded/13371_01197114023.gif (http://fashion.azyya.com/redirector.php?url=http%3A%2F%2Fwww.r-mbd3.com%2Fvb)
ودمتم محاطين بالألطاف المهدويه..
محب الائمة للموت
27-12-2010, 04:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
السلام على أم الأطهار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
..
أخي الفاضل
تم اضافة المواضيع..
علماً ان السبب ليس من جهازكم بل من الموقع نفسه
لاني واجهت نفس المشكله لكن استطعت التغلب عليها
أخي الفاضل
احتاج منك وضع ست ردود في هذا الموووضوع
وتكتب فيهم اي شي
حتى لو تكتب اللهم صل على محمد وال محمد
حتى يتسنى لي تعديل هذا الرد واضافة بدله المواضيع
اذا اامكن
واكون لك من الشاكرين..
http://www.r-mbd3.com/vb/uploaded/13371_01197114023.gif (http://fashion.azyya.com/redirector.php?url=http%3a%2f%2fwww.r-mbd3.com%2fvb)
ودمتم محاطين بالألطاف المهدويه..
اعذريني على التأخير وسوف اضع الست ردود وانت اكملي الموضوووع واكون ممنون الج
محب الائمة للموت
27-12-2010, 04:24 PM
ملحمة الطف
معسكر ابن سعد
في اليوم الثالث من محرم قدم عمر ابن سعد بن أبي وقّاص من الكوفة في أربعة الاف فارس فنـزل نينوى، وهناك انضم إليه الحر بن يزيد الرياحي في ألف فارس فصار في خمسة الاف فارس.
وقد بعث عمر بن سعد إلى الإمام الحسين عليه السلام عزرة ابن قيس الأحمسي ليسأله عمّا يريد، فاستحيا منه أن يأتيه لأنه ممن كتب للإمام عليه السلام، فعرض ابن سعد ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلهم أبى وكرهه، فعرض كثير بن عبد الله الشعبي أن يذهب إليه وإن شاء يقتله.
ورأى عمر ابن سعد أن يكتب لعبيد الله بن زياد كتاباً يُبين له الأوضاع السائدة، وكان فيه على رواية الطبري: " بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإني حيث نزلتُ بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عمّا أقدمه، وماذا يطلب ويسأل؟ فقال: كتب إلي أهل هذه البلاد، واتتني رسلهم، فسألوني القدوم ففعلت، فأما إذا كرهوني فبدا لهم ما أتتني به رسلهم فإني منصرف عنهم "
فلما وصل كتاب عمر إلى ابن زياد قال:
الان إذ علقت مخالبنا به***يرجو النجاة ولات حين مناص
وكتب إلى ابن سعد: "بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه فإذا فعل ذلك رأَينا رأينا والسلام"..
وسرعان ما أرسل ابن سعد رسوله إلى الإمام عليه السلام ليأخذ منه البيعة، فكان جواب الإمام عليه السلام:
" لا أجيب ابن زياد إلى ذلك أبداً، فهل هو إلا الموت، مرحباً به "
عندما عرف ابن زياد برد الإمام عليه السلام جمع الناس في مسجد الكوفة، وأخبرهم أن يزيد بن معاوية قد أرسل له أربعة آلاف دينار ومائتي ألف درهم ليفرقها عليهم إذا خرجوا لقتال الإمام عليه السلام.
وبقي ابن زياد يرسل الجنود حتى بلغ عددهم ثلاثون ألفاً ما بين فارس وراجل. وخرج هو غاضباً بجميع أصحابه إلى النخيلة وهو موضع قرب الكوفة.
والتأمت العساكر إلى عمر بن سعد لستٍ مضين من المحرّم.
عمر بن سعد
كان عبيد الله بن زياد قد عهد ملك الري إلى عمر بن سعد على أن يقتل الحسين عليه السلام أولاً ثم ينسحب لعمله، وقد حار عمر بن سعد في أمره، وأخذ يستشير نصحائه فلم يكن يستشير أحداً إلا نهاه، ولكن عبيد الله هدده بسحب ملك الري منه فأبى ابن سعد ذلك وفضل الخروج لقتال الإمام عليه السلام، ولكن ابن سعد لم ينل من ابن زياد ما وعده إياه، على الرغم من قيامه بتنفيذ أوامره، فقد خرج ابن سعد من عند ابن زياد يريد منزله إلى أهله وهو يقول في طريقه: "ما رجع أحد بمثل ما رجعت، أطعتُ الفاسق ابن زياد الظالم ابن الظالم، وعصيت الحاكم العادل، وقطعتُ القرابة الشريفة". وهجره الناس، وكلما مر على ملأ من الناس أعرضوا عنه، وكلما دخل المسجد خرج الناس منه، وكل من رآه قد سبه. فلزم بيته إلى أن قتل.
الرسالة الأخيرة للإمام الحسين عليه السلام
كانت آخر رسائل الإمام الحسين عليه السلام من أرض كربلاء إلى أخيه محمد بن الحنفية من أقصر الرسائل التي حوت أرقى المضامين وأبلغها:
"بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي ومن قبله من بني هاشم: أما بعد، فكأن الدنيا لم تكن. وكأن الآخرة لم تزل. والسلام".
لقد بيّن الإمام الحسين عليه السلام في رسالته هذه أرقى معنى للموت، وهو إذا كانت حقيقة الدنيا أن ختامها الموت، وكان لا بدّ من فراقها، فليكن الختام أفضل الختام، ولتكن النهاية أشرف نهاية، وبهذه الرسالة يكون الإمام عليه السلام قد أتم وأكمل رسالته لمحمد بن الحنفية والتي أرسلها من مكة وهي:
"من لحق بي استشهد....".
خطبة الإمام عليه السلام الأولى في أصحابه
لمّا أيقن الإمام الحسين عليه السلام أن القوم قاتليه، جمع أصحابه وقام بهم خطيباً، فبعد أن حمد الله وأثنى عليه قال:
" قد نزل بنا ما ترون من الأمر، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، ألا ترون أن الحق لا يعمل به. وأن الباطل لا يتناهى عنه. ليرغب المؤمن في لقاء الله، وإني لا أرى الموت إلا سعادة. والحياة مع الظالمين إلا برما ".
حبيب بن مظاهر وقبيلة بني أسد
بقي جيش عمر بن سعد يحاصر الإمام عليه السلام حتى السادس من محرم، فجاء حبيب بن مظاهر الأسدي إلى الإمام عليه السلام وأستأذنه في أن يقصد بني عشيرته يستنصرهم، فأذِن له. فسار في جوف الليل إليهم فلبوا النداء وسار مع حبيب تسعون رجلاً يريدون الإمام عليه السلام، غير أن رجلاً صار إلى عمر بن سعد وأخبره بشأن القوم، فما أن وصل حبيب وقومه شاطئ الفرات فإذ بعسكر ابن سعد يستقبلهم، فتقاتل الطرفان فقتل منهم من قتل، حتى عرف بنو أسد أن لا طاقة لهم بجيش ابن سعد فانهزموا وعادوا إلى مكانهم، ورجع حبيب إلى الإمام الحسين عليه السلام وحيداً.
ابن سعد يمنع الماء عن مخيم الإمام عليه السلام
في اليوم السابع من المحرم، حالت خيول جيش بن سعد بين الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وبين الماء، فأضرّ العطش بهم.
ولما اشتد على الإمام عليه السلام وأصحابه العطش دعا أخاه العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام، فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً، وبعث معهم بعشرين قربة، فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلاً، واستقدم أمامهم نافع بن هلال الجملي، فمنعهم عمرو بن الحجاج في خمسمائة راكب، فاقتتلوا واقتحم رجال الإمام عليه السلام فملأوا قربهم، ووقف العباس عليه السلام في أصحابه يذبون عنها حتى أوصلوا الماء إلى عسكر الإمام عليه السلام.
المحاورة بين الإمام الحسين عليه السلام وبين عمر بن سعد
أرسل الإمام الحسين عليه السلام إلى عمر بن سعد:
"إني أريد أن أكلمك، فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك".
فخرج عمر بن سعد في عشرين فارساً، وأقبل الحسين عليه السلام في مثل ذلك، فلمّا التقيا أمر الإمام الحسين عليه السلام أصحابه فتنحوا عنه، وبقي معه أخوه العباس عليه السلام وابنه علي الأكبر. ثم أمر عمر أصحابه بالتنحي وبقي معه حفص ابنه وغلامه لاحق.
فقال الإمام الحسين عليه السلام:
"ويحك يا ابن سعد. أما تتقي الله الذي إليه معادك أن تقاتلني، وأنا ابن من علمتَ يا هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فاترك هؤلاء وكن معي، فإني أقربك إلى الله عز وجل".
فقال عمر ابن سعد: أبا عبد الله.. أخاف أن تُهدم داري.
فأجاب الإمام عليه السلام:
" أنا أبنيها لك "
فقال ابن سعد: أخاف أن تؤخذ ضيعتي..
فقال الإمام عليه السلام:
" أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز "
فقال ابن سعد: لي عيال أخاف عليهم.
فأجابه الإمام عليه السلام:
" أنا أضمن سلامتهم "
فلم يجب عمر إلى شيء من ذلك، فانصرف عنه الإمام عليه السلام وعاد ابن سعد إلى معسكره.
لاشك أن عمر بن سعد كغيره من معظم جيش ابن زياد، كان يعلم يقيناً بأحقية الإمام عليه السلام بهذا الأمر، كما كان يعلم بما لا يرتاب فيه بالعار العظيم وبالسقوط الفظيع الذي سيلحقه مدى الدهر إذا ما قتل الإمام عليه السلام في هذه المواجهة التي صار هو فيها على رأس الجيش، ولكنه في باطنه أيضاً أسير رغبته الجامحة في ولاية الري ونعمائها، من هنا فقد سعى إلى أن يجد المخرج من هذه الورطة فيعافى من ارتكاب جريمة قتل الإمام عليه السلام ولا يخسر أمنيته في ولاية الري.
أكذوبة عمر بن سعد
بعد لقائه مع الإمام عليه السلام كتب ابن سعد إلى ابن زياد كتاباً نصه: " أما بعد، فإن الله أطفأ النائرة وجمع الكلمة، وأصلح أمر الأمة. هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو نسيّره إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئنا أو يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده.. "
لقد أراد ابن سعد من هذه الرسالة الكاذبة أن يتملص من قتل الإمام الحسين عليه السلام بطريقة لا يخسر فيها ملك الري، ولكن ابن زياد لما عرف بأمر لقاء الإمام عليه السلام مع ابن سعد، أشار عليه شمر بن ذي الجوشن بأن يأخذ موفقاً حازماً في هذا الموضوع، فأرسله ومعه كتاب لابن سعد فيه:أما بعد، فإني لم أبعثك إلى حسين لتكف عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شافعاً. أنظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إلي سلماً. فإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون. فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره.
فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله إلى عمر بن سعد، فلما قرأه قال عمر: ما لك ويلك، لا قرب الله دارك، وقبح ما قدمت به عليّ، والله إني لأظنك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه، أفسدت علينا أمراً كنا رجونا أن يصلح، لا يستسلم والله الحسين، إن نفساً أبية لبين جنبيه..
بذل الأمان لأبي الفضل عليه السلام وإخوته
بذل الشمر بن ذي الجوشن الأمان للعباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام واخوته من أمه أم البنين وكان هدف ابن زياد والأمويين فصلهم عن سيد الشهداء، وقد بلغ الشمر ذلك، فجاء حتى وقف على أصحاب الإمام عليه السلام فقال: أين بنو أُختننا؟
فخرج إليه العباس عليه السلام وجعفر وعبد الله وعثمان بنو علي بن أبي طالب عليه السلام فقالوا له:
" ما تريد؟ "
فقال لهم: أنتم آمنون.
فقالوا له:
" لعنك الله ولعن أمانك. أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له "
التاسع من المحرم
في التاسع من المحرم، نادي عمر سعد: يا خيل الله اركبي وابشري.
فركب الجميع ثم زحف ابن سعد نحو معسكر الإمام عليه السلام بعد صلاة العصر والإمام عليه السلام جالس أمام خيمته، مجتبٍ بسيفه، وقد أخذته إغفاءة.
وسمعت أخته زينب عليها السلام الصيحة، فدنت من أخيها، فقالت:
" يا أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟ "
فرفع الإمام عليه السلام رأسه قائلاً:
" إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام فقال لي: إنك تروح إلينا"
ثم طلب من أخيه العباس عليه السلام أن يستقبلهم في نحوٍ من عشرين فارساً، فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر، ففعل العباس عليه السلام وخاطب القوم:
" ما بدا لكم وما تريدون؟ "
قالوا: جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم.
فأجاب عليه السلام:
فلا تعجلوا حتى ارجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم".
فوقفوا ورجع العباس عليه السلام إلى الإمام عليه السلام يخبره، فيما بقي أصحابه مكانهم، وقد تحدث حبيب بن مظاهر مع القوم ليحاججهم، إلى أن جاء العباس عليه السلام راكضاً حتى انتهى إليهم فقال:
" يا هؤلاء، إن أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشيّة حتى ينظر في هذا الأمر، فإن هذا أمر لم يحر بينكم وبينه فيه منطق فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله، فإما رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه. أو كرهنا فرددناه "
فقال عمر بن سعد: ما ترى يا شمر؟
فأجاب شمر: ما ترى أنتَ؟ أنتَ الأمير والرأي رأيك؟
فأجاب عمر: قد أردتُ ألا أكون..
فأقبل على الناس ونادى: ماذا ترون؟
فأجاب عمرو بن الحجاج بن سلمة الزبيدي: سبحان الله، والله لو كانوا من الديلم ثم سألوك هذه المنزلة، لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها.
وقال قيس بن الأشعث: أجبهم إلى ما سألوك، فلعمري ليصبحنك بالقتال غدوة.
فقال عمر: والله لو أعلم أن يفعلوا ما أخرتهم العشية.
وقد أراد الإمام عليه السلام بطلبه أن يردهم عنه تلك العشية حتى يأمر بأمره ويوصي أهله، فقد قال الإمام عليه السلام للعباس:
" ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غداوة وتدفعهم عنا العشية، لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار "
وكان هذا من جملة الأسباب التي أرادها الإمام عليه السلام لثورته، فهو لم يرد أن تجري وقائع مأساته في ظلمة الليل بل في وضح النهار، ليرى أكبر عدد من الشهود ما حصل، كما أنه بالإضافة إلى الحسابات العسكرية بالنسبة لمجموعة صغيرة محاصرة في بقعة محدودة ضيقة هنالك حسابات إعلامية و تبليغية، فهو بذلك يكشف للأمة وللعالم أجمع عن أحقيته و مظلوميته، وعن وحشية أعدائه وعدم مراعاتهم لأي معنى والتزام أخلاقي وديني. فالنهار إذن كان عاملاً مهماً من عوامل نجاح يحفظ حقيقة فاجعة الطف كما هي وبكل تفاصيلها..
وقائع ليلة عاشوراء
جمع الإمام الحسين عليه السلام أصحابه بعدما رجع عمر بن سعد، وذلك عند قرب المساء، فقال:
" أثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمده على السراء والضراء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة، وعلمتنا القران، وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، ولم تجعلنا من المشركين.
أما بعد: فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً، إلا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، ألا وإني قد أذنت لكم. فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل غشيكم فاتخذوه جملاً ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله، فإن القوم إنما يطلبونني، ولو أصابوني للهوا عن طلب غيري.. "
فقال له إخوته، وأبناؤه و بنو أخيه، و ابنا عبد الله بن جعفر [ وكان أول المتكلمين أبو الفضل العباس عليه السلام ]:
" لم نفعل؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً "
ثم قال الإمام عليه السلام لبني عقيل:
" حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد أذنت لكم "
قالوا:
" فما يقول الناس؟. يقولون إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرم معه بسهم، ولم نطعن معه برمح، ولم نضرب معه بسيف، ولا ندري ما صنعوا، لا والله لا نفعل، ولكن تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك "
ثم قام الأصحاب واحداً بعد الآخر كل يظهر مدى ولائه واستعداده للتضحية بحياته بين يديه، نذكر منها:
- موقف مسلم بن عوسجة: (... أنحنُ نخلي عنك ولما نعذر إلى الله في أداء حقك، أما والله حتى أكسر في صدورهم رمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي، ولا أفارقك، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك).
- سعد بن عبد الله الحنفي: (... والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله فيك، والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق حياً ثم أذر يفعل بي سبعين مرة، ما فارقتك حتى ألقى حِمامي دونك).
- زهير بن القين:(... والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف قتلة وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك).
- محمد بن بشير الحضرمي:(... وقيل له أن ابنه قد أُسر بثغر الري. فقال: " عند الله احتسبه ونفسي، ما كنتُ أحبُّ أن يؤسر وأن أبقى بعده).
فسمع الإمام الحسين عليه السلام قوله، فقال:
" رحمك الله. أنتَ في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك "
فأجابه: أكلتني السباع حيّاً إن أنا فارقتك..
وهكذا كل واحد منهم يُبدي بذل مهجته في سبيل الإمام عليه السلام فدعا لهم عليه السلام وقال لهم:
" ارفعوا رؤوسكم.. فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم في الجنة "
برير الهمداني وعمر ابن سعد
طلب بُرير بن خضير الهمداني إلى الإمام عليه السلام وهو من الزهاد الذين يصومون النهار ويقومون الليل، أن يأذن له بأن يكلم عمر بن سعد فيعظه لعله يتعظ ويرتدع، فأذن له الإمام عليه السلام.
فذهب بُرير حتى وصل إلى خيمة بن سعد فدخل عليه وجلس ولم يسلم، فغضب ابن سعد وقال: يا أخا همدان ما منعك من السلام عليّ، ألستُ مسلماً أعرف الله ورسوله، وأشهد بشهادة الحق.
فقال له برير: لو كنت عرفت الله ورسوله كما تقول لما خرجت إلى عترة رسول الله صلى الله عليه وآله تريد قتلهم. وبعد فهذا الفرات يلوح بصفائه، ويلج كأنه بطون الحيات، تشرب منه كلاب السواد وخنازيرها، وهذا الحسين بن علي واخوته ونساؤه وأهل بيته يموتون عطشاً، وقد حلت بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه. وتزعم انك تعرف الله ورسوله صلى الله عليه وآله.
فأطرق عمر بن سعد إلى الأرض، ثم رفع رأسه وقال: والله يا برير إني لأعلم يقيناً أن من قاتلهم وغصبهم حقهم هو في النار لا محالة، ولكن يا برير أفتشير علي أن أترك ولاية الري فتكون لغيري. فوالله ما أجد نفسي تجيبني لذلك..
فرجع بُرير إلى الإمام عليه السلام وقال له: يا ابن رسول الله، إن عمر بن سعد قد رضي لقتلك بملك الري.
الإمام الحسين عليه السلام مع العقيلة زينب عليها السلام
أمر الإمام عليه السلام بحفر حفيرة حول عسكره، وأمر بأن تحشى حطباً، واعتزل عليه السلام في خباءٍ له وعنده جون مولى أبي ذي الغفاري، وهو (أي جون) يعالج سيف الإمام ويصلحه، ويقول عليه السلام:
يا دهر أفٍٍ لك من خليل***كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحبٍ أو طالبٍ قتيل***لدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الأمر إلى الجليل***وكل حي سالك سبيلي
فأعادها مرتين أو ثلاثاً، حتى فهمتها أخته السيدة زينب عليها السلام، فلم تملك نفسها إذ وثبت تجر ثوبها حتى انتهت إليه.
فقالت عليها السلام:
" وا ثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمي فاطمة، وأبي علي، وأخي الحسن، يا خليفة الماضين وثمال الباقين "
فنظر إليها الإمام عليه السلام، وترقرقت عيناه بالدموع وقال عليه السلام:
" لو تُرك القطا لغفا ونام "
فقالت عليها السلام:
" يا ويلتاه، أفتغصب نفسك اغتصاباً، فذاك أقرح لقلبي وأشد على نفسي "
ثم لطمت وجهها، وخرت مغشياً عليها..
فقام الإمام الحسين عليه السلام فصب على وجهها الماء، وقال لها:
" إيهاً يا أختاه، وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، وان كل شيء هالك إلا وجه الله الذي خلق بقدرته، ويبعث الخلق ويعيدهم، وهو فرد وحده، جدي خير مني، وأبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولكل مسلم برسول الله أسوة "
فعزاها بهذا ونحوه، وقال لها:
" يا أخية، إني أقسمتُ عليك فابرئي قسمي، لا تشقي علي جيباً، ولا تخشمي علي وجهاً، ولا تدعي بالويل والثبور إذا أنا هلكت "
وجاء حتى أجلسها عنده، ثم خرج إلى أصحابه وأمرهم أن يقرب بعضهم بيوتهم من بعض، وأن يدخلوا الأطناب بعضها ببعض، وأن يكونوا بين البيوت فيستقبلون القوم من وجهة واحدة، والبيوت من ورائهم وعن إيمانهم وعن شمائلهم، وقد حفت بهم إلا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم، ورجع عليه السلام إلى مكانه فقام الليل يصلي ويستغفر ويدعو ويتضرع وقام أصحابه كذلك يصلون ويدعون ويستغفرون.
موقف نافع بن هلال الجملي
وخرج الإمام الحسين عليه السلام في جوف الليل إلى خارج الخيام يتفقد التلاع والعقبات، فتبعه نافع بن هلال الجملي، فسأله الإمام عليه السلام عما أخرجه..
قال نافع: " يا ابن رسول الله، أفزعني خروجك إلى جهة معسكر هذا الطاغي "
فقال الإمام عليه السلام:
" إني خرجت أتفقد التلاع والروابي مخافة أن تكون مكمناً لهجوم الخيل يوم تحملون ويحملون "
ثم رجع عليه السلام وهو قابض على يد نافع ويقول:
" هي.. هي والله، وعد لا خلف فيه ".
والتفت إلى نافع:
" ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك؟ "
فوقع نافع على قدميه يقبلهما ويقول: ثكلتني أمي. إن سيفي بألف وفرسي مثله، فوالله الذي منّ بك علي لا فارقتك حتى يكلا عن فري وجري.
ثم دخل الإمام عليه السلام خيمة زينب عليها السلام ووقف نافع إزاء الخيمة ينتظره، فسمع زينب عليها السلام وهي تقول:
" هل استعلمت من أصحابك نياتهم ؟ فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة "
فقال عليه السلام لها:
" والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أمه "
فلما سمع نافع مقولة العقيلة عليها السلام بكى وأتى حبيب بن مظاهر وحكى له ما سمع. فقال حبيب: والله، لولا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي الليلة. ثم نادى حبيب بالأصحاب واجتمعوا جميعاً أمام خيم حرائر النبوة ليطمئنوا قلوبهنّ أنهم الأوفياء.
بات الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه ليلتهم الأخيرة ولهم دوّي كدوّي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد.
أنصار الإمام الحسين عليه السلام
ينقسم أنصار الإمام الحسين عليه السلام إلى قسمين؛ فهناك أنصار (عامة) وأنصار (يوم عاشوراء). وهناك أيضاً (شهداء النهضة الحسينية) و(شهداء الطف)، فهناك من جاهد بين يدي الإمام يوم الطف ولم يستشهد كالحسن المثنى. وهناك من استشهد بين يدي الإمام عليه السلام ولم يحضر عاشوراء كمسلم بن عقيل، وهانيء بن عروة وميثم التمار وقيس بن مسهر، وعبد الله بن بُقطر، وغيرهم..
وقد بلغ عدد أنصار الإمام الحسين عليه السلام الذين شهدوا معه واقعة الطف واستشهدوا إثين وسبعون رجلاً:
عدد الهاشميين سبعة عشر ما بين رجلٍ وفتى.
عدد صحابة الإمام الحسين عليه السلام في واقعة الطف حوالي سبعة عشر ممن صحب الرسول صلى الله عليه وآله، وروى عنه أومن أدركه وراه.
عدد أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام عشرين رجلاً.
الموالي الذين استشهدوا بين يدي الإمام عليه السلام بلغ عددهم ستة عشر رجلاً.
وقد روي أن عدد الملتحقين بمعسكر الإمام عليه السلام من جيش ابن سعد حتى ليلة العاشر بلغ اثنين وثلاثين رجلاً.
وتؤكد الروايات أن عدد الكوفيون في جيش الإمام الحسين عليه السلام ثمانية وستين مع مواليهم، أما البصريين بلغ فعددهم تسعة مع مواليهم.
من ألقاب الجيش الحسيني
هناك ألقاب كثيرة أطلقت على الجيش الحسيني في كربلاء، منها:
عبّاد المصر، أي المعروفون بالعبادة، في البلد أي الكوفة
أهل البصائر.
فرسان المصر.
الطيبون.
الذاكرون الله كثيراً.
المتهجدون بالأسحار.
عناصر جيش ابن سعد
يمكن تصنيف الجيش الأموي الذي واجه الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء من حيث نوع العناصر التي تألف منها إلى الأصناف التالية:
المزدلفون إلى الإمام عليه السلام لقتله.
أهل الأهواء والأطماع: ومنهم الانتهازيون الساعون وراء مصالحهم الدنيوية مهما فرضت عليهم هذه المصالح والمطامع من تقلبات أمثال عمر بن سعد وشبث بن ربعي وحجار بن ابجرو وشمر بن ذي الجوشن، وغيرهم..
والمرتزقة الذين يخدمون من يعطي أكثر من غيره.
الفسقة والبطالون: وهم الذين لا يهمهم من دنياهم إلا قضاء أوطارهم من المفاسد التي ألفوها وتعودوا عليها، وهؤلاء يشهدون على أنفسهم بأنهم أهل فساد وباطل، ويبحثون عن الفرص التي تدر عليهم المال الوفير. مثل ذلك الذي قال: املأ ركابي فضة أو ذهبا الخ
المكرهون: منهم الخوارج، وهم أعداء أهل البيت ولكنهم لم يكونوا يوالون معاوية وبني أمية.
ومنهم ميالون إلى حب الإمام عليه السلام وطاعته، ولكن بدرجات متفاوتة، بين من لم يستطع اللحاق بالإمام عليه السلام بسبب الحصار، فالتحق بجيش ابن سعد حتى إذا حضر كربلاء تحين الفرصة حتى التحق بمعسكر الإمام عليه السلام، وبين من تحين الفرصة ليهرب.
من ألقاب الجيش الأموي
لقد وصف الجيش الأموي على لسان الإمام الحسين عليه السلام ولسان أصحابه بالعديد من الأوصاف التي تكشف حقيقتهم منها:
شيعة آل أبي سفيان.
العتاة.
كفروا بعد إيمانهم.
عبيد الأمة.
شذاذ الأحزاب.
طبع الله على قلوبهم.
كفروا بعد إيمانهم.
أبرز قادة الجيش الأموي
إن أبرز القادة العسكريين في جيش ابن زياد:
- عمر بن سعد بن أبي وقاص: وهو القائد الميداني العام.
- شمر بن ذي الجوشن: ويأتي من حيث الرتبة والأهمية بعد ابن سعد وكان على رأس أربعة الاف جندي، وهو قائد الميسرة.
- شبث بن ربعي: كان أمير الرجالة على ألف فارس.
- الحر بن يزيد الرياحي: كان على ألف فارس لمحاصرة الركب الحسيني.
- الحصين بن نمير: كان على أربعة الاف في تعبئة الجيش، وقائد قوات مراقبة حدود العراق الحجاز قبل واقعة الطف.
- عمرو بن الحجاج: قائد الميمنة والمتولي لمنع الماء عن الإمام عليه السلام.
- محمد بن الأشعث: شيخ عشيرة كندة في الكوفة.
يوم عاشوراء
لما أصبح الحسين عليه السلام يوم عاشوراء وصلّى بأصحابه صلاة الصبح، قام خطيباً فيهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
" إن الله تعالى قد أذن في قتلكم وقتلي في هذا اليوم، فعليكم بالصّبر والقتال "
ثم صفّهم للحرب وكانوا على رواية إثنين وثلاثين فارساً وأربعين راجلاً.
فجعل زهير بن القين في الميمنة وحبيب بن مظاهر في الميسرة، وثبت هو عليه السلام في القلب، وأعطى رايته العظمى أخاه العباس عليه السلام، وجعلوا البيوت في ظهورهم، وأمر الحسين عليه السلام بحطبٍ وقصبٍ أن يجعل في خندق كانوا حفروه، وأن تضرم به النار فلا يأتيهم العدو من ورائهم.
وعبّأ عمر بن سعد أصحابه، وكانوا على بعض الروايات ثلاثين ألفاً، فجعل عمرَو بن الحجّاج في الميمنة، وشمر بن ذي الجّوشن في الميسرة، وعلى الخيل عُزرةَ بن قيس، وعلى الرجّالة شَبَث بن رِبعي، وأعطى رايته ذُويداً مولاه.
ولمّا نظر الحسين عليه السلام إلى جمعهم كأنّهم السيل المنحدر، رفع يديه بالدعاء قائلاً:
" اللهم أنت ثقتي في كلّ كرب، ورجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعُدّة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك، وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمّن سواك، ففرّجته وكشفته، فأنت ولّي كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومنتهى كلّ رغبة "
وأقبل القوم يجولون حول معسكر الحسين عليه السلام وينظرون إلى النّار تضطرم في الخندق، فنادى الشِّمر بن ذي الجّوشن بأعلى صوته: يا حسين، تعجلتَ بالنار في الدنيا قبل يوم القيامة.
فرفع الحسين عليه السلام رأسه قائلاً:
" من هذا؟ كأنّه الشِّمر بن ذي الّجوشن؟ "
فقالوا: نعم.
فقال عليه السلام:
".. أنتَ أولى بها صليّاً "
فقال له مسلم بن عوسجة: يا ابن رسول الله، جعلتُ فداك، ألا أرميه بسهم؟
فقال عليه السلام:
" لاترمه، فإني أكره أن أبدأهم بقتال "
وجاء رجل من بني تميم يقال له عبد الله بن حوزة، حتى وقف حيال الحسين عليه السلام، فقال له: أبشر يا حسين بالنار!
فقال عليه السلام:
" بل أُقدم على ربٍّ رحيم وشفيع مطاع "
ثم قال: من هذا؟
قالوا: إبن حوزة.
قال عليه السلام:
" حازه الله إلى النار "
فاضطربت فرسه في جدول، فعلقت رجله بالرِّكاب، ووقع رأسه في الأرض، ونفر به الفرس، وعجل الله بروحه إلى النار.
خطبة الحسين عليه السلام الأولى
ثّم دعا الحسين عليه السلام براحلته فركبها، وتقدّم نحو القوم ونادى بأعلى صوت يُسمع جلَّهم:
" أيّها الناس، إسمعوا قولي، ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحقّ لكم عليّ ّ، وحتّى أُعذر إليكم، فإن أعطيتموني النّصف كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم فأجمعوا رأيكم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غُمّة ثم اقضوا إلّي ولا تُنظرون، إنّ ولييّ الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين "
ثم حمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله وصلى على النبي واله وعلى الملائكة والأنبياء عليهم السلام.
ثم قال عليه السلام:
" أيها الناس: فانسبوني فانظروا من أنا؟ ثّم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يصلحُ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟! ألستُ ابن بنت نبيِّكم، وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين المصدّق لرسول الله بما جاء به من عند ربّه؟ أوليس حمزة سيّد الشهداء عمّي؟ أوليس جعفر الطيّار في الجنة بجناحين عمّي؟ أولم يبلغكم ما قال رسول الله لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنّة؟
فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ، فوالله ما تعمّدت كذباً منذ علمتُ أنّ الله يمقت عليه أهله، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم. سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، وزيد ابن أرقم، وأنس بن مالك، يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟! "
فقال له شمر بن ذي الّجوشن: أنا أعبد الله على حرف إن كنت أدري ما تقول!
فقال له حبيب بن مظاهر:
" والله إني لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً! وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع الله على قلبك.
ثمّ قال لهم الحسين عليه السلام:
" فإن كنتم في شكٍّ من هذا! أفتشكّون أنّي إبن بنت نبيِّكم! فوالله ما بين المشرق والمغرب إبن بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم. ويحكم! أتطلبوني بقتيل منكم قتلته! أو مالٍ لكم استهلكته! أو بقصاص جراحة!؟ "
فأخذوا لا يكلِّمونه. فنادى عليه السلام:
" يا شبث بن ربعي، يا حجّار بن أبجر، يا قيس ابن الأشعث، يا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثِّمار وأخضرّ الجناب، وإنّما تقدم على جندٍ لك مجنّدة؟! "
فقال له قيس بن الأشعث: ما ندري ما تقول! ولكن إنزل على حكم بني عمِّك، فإنّهم لا يُروك إلا ما تحب!.
فقال له الحسين عليه السلام:
" أنت أخو أخيك، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل، لا والله لا أعطيهم بيدى إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد. عباد الله إني عذت بربي وربكم أن ترجمون أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب"
ثم إنه أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها وأقبلوا يزحفون نحوه.
محب الائمة للموت
27-12-2010, 04:26 PM
خطبة زهير بن القين
ثم خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب، شاكٌ في السلاح فقال:
" يا أهل الكوفة نذارِ لكم من عذاب الله نذار، إن حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الان إخوة وعلى دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف وأنتم للنصيحة منا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا أمة وأنتم أمة. إن الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيه محمد صلى الله عليه وآله لينظر ما نحن وأنتم عاملون إنا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد، فإنكم لا تدركون منهما إلا سوء عمرِ سلطانهما كله، لّيُسَمِّلان أعينكم ويُقطَّعان أيديكم وأرجلكم ويُمَّثلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل ويقتلان أماثلكم وقراءكم أمثال حُجر بن عَدِيّ وأصحابه وهانئ بن عُروة وأشباهه".
فسبوه، وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له، وقالوا: والله لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيد الله سلما.
فقال لهم زهير:
" عباد الله إن ولد فاطمة رضوان الله عليها أحق بالود والنصر من ابن سمية، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم، فخلوا بين هذا الرجل وبين ابن عمه يزيد بن معاوية، فلعمري إن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين عليه السلام ".
قال فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم وقال: اسكت أسكت الله نَأمَتَكَ، أبرمتنا بكثرة كلامك.
فقال له زهير:
" ما إياك أخاطب إنما أنت بهيمة والله ما أظنّك تُحْكِمَ من كتاب الله ايتين فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم "
فقال له شمر: إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة.
قال:
" أفبالموت تخوفني فوالله للموت معه أحب إليّ من الخلد معكم".
ثم أقبل زهير على الناس رافعاً صوته فقال:
" عباد الله لا يغرنكم من دينكم هذا الجَلِفُ الجَافي وأشباهه فوالله لا تنال شفاعة محمد صلى الله عليه وآله قوماً أراقوا دماء ذريته وأهل بيته وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم "
فناداه رجل فقال له: إن أبا عبد الله عليه السلام يقول لك:
" أقبل فلعمري لئن كان مؤمن ال فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ".
خطبة بُرَيرِ بن خُضَير
وروي أن الحسين عليه السلام قال لبرير بن خضير الهمداني:
" كلّم القوم يا برير وعظهم "
فتقدم برير حتى وقف قريباً من القوم، والقوم قد زحفوا إليه عن بكرة أبيهم، فقال لهم برير:
" يا هؤلاء! إتّقوا الله فإنّ ثقل محمّد قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذرّيته وعترته وبناته وحرمه! فهاتوا ما عندكم؟ وما الذي تريدون أن تصنعوا بهم؟! "
فقالوا: نريد أن نمكّن منهم الأمير عبيد الله بن زياد فيرى رأيه فيهم؟
فقال برير:
" أفلا ترضون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي أقبلوا منه؟ ويلكم يا أهل الكوفة! أنسيتم كتبكم إليه وعهودكم التي أعطيتموها من أنفسكم وأشهدتم الله عليها، وكفى بالله شهيداً! ويلكم دعوتم أهل بيت نبيّكم وزعمتم أنّكم تقتلون أنفسكم من دونهم، حتى إذا أتوكم أسلمتوهم لعبيد الله! وحلأتموهم عن ماء الفرات الجاري! بئسما خلفتم محمداً في ذرِّيته! ما لكم! لا سقاكم الله يوم القيامة! فبئس القوم أنتم! "
فقال له نفر منهم: يا هذا ما ندري ما تقول؟
فقال برير:
" الحمد الله الذي زادني فيكم بصيرة، اللّهم إني أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم! اللّهم ألقِ بأسهم بينهم حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان! "
فجعل القوم يرمونه بالسهام، فرجع برير إلى ورائه.
خطبة الحسين عليه السلام الثانية
وتقدم الحسين عليه السلام ورأى صفوفهم كالسيل فخطب ثانياً فقال:
" الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرفة بأهلها حالا بعد حال، فالمغرور من غرته، والشقي من فتنته، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغَرور".
ومنها:
فنعم الرب ربنا وبئس العباد انتم، أقررتم بالطاعة وامنتم بالرسول محمد صلى الله عليه وآله، ثم أنتم رجعتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبا لكم ولما تريدون، إنا لله وإنا إليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعداً للقوم الظالمين.
تباً لكم أيتها الجماعة وترحا استصرختمونا والهين (1)، فأصرخنا كم مُوجفين (1)، سَلَلتُم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحَشَشتُم علينا ناراً اقتدحناها على عدونا وعدو كم، فأصبحتم إلباً (2) لأعدائكم على أوليائكم، بغير عدلٍ أفشوه فيكم، ولا أملٍ أصبح لكم فيهم. فهلا لكم الويلات، تركتمونا والسيف مَشيم (3)، والجأشُ (4) طامن، والرأيُ لما يُستحصَف (5)، ولكن أسرعتم إليها كطيرة (6) الدَبا (7)، وتداعيتم إليها كتهافت الفراش (8)، فسحقاً (9) يا عبيد الأمّة (10) وشُذاذ (11) الأحزاب، ونَبذةَ الكتاب، ومُحرفي الكَلِم، وعصبة الاثام ونفثةَ (12) الشَيطان، ومطفئي السنن، أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون؟ أجل والله الغدر فيكم قديم، وشَجَت (13) إليهِ أصولكم وتأزرت (14) عليه فروعكم، فكُنتُم أخبثَ ثمرٍ، شجّاً (15) للناظر وأُكلة للغاصب، ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السِلة (16) والذِلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حَمية ونفوسٌ أبية، من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحفٌ بهذه الأسرةِ مع قِلةِ العدد وخُذلةِ الناصر.
فإن نُهزم فهزامون قِدمَا***وما إن طَبنَا (1) جُبنٌ ولَكِن
إذا ما الموتُ رَفِعَ عن أُناسِ***فَأفنى ذَلِكُم سَرواةِ قَومي
فلو خُلِّد المُلوك إذاً خُلّدنا***فقُل للشامتينَ بنا أفيقوا
وإن نُغلَب فغيرُ مُغلَبينا***مَنَايانا ودَولةُ اخرينا
كَلاكِلَه (2) أناخَ باخرينا***كما أفنى القُرونَ الأولينا
ولو بقيَّ الكِرامُ إذاً بقينا***سيَلقى الشامتونَ كما لَقينا
ثم أيم الله لا تلبثون بعدها إلا كريث (3) ما يُركب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدي. فاجمعوا أمر كم وشركائكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون، إني توكلت على الله ربى وربكم، ما من دابة إلا هو اخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم.
اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسني يوسف، وسلط عليهم غلام ثقيف فيسومهم كأساً مصبّرةً (4)، فإنهم كذبونا وخذلونا، وأنت ربنا عليكَ توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير "
ثم نزل عليه السلام ودعا بفرس رسول الله صلى الله عليه وآله المرتجز، فركبه وعبأ أصحابه للقتال، واستدعى عمر بن سعد وكان كارهاً لا يحب أن يأتيه فلما حضر قال له عليه السلام:
" أي عمر، أتزعم انك تقتلني ويوليك الدعي ابن الدعي، بلاد الري (1) وجرجان (2)؟ والله لا تهنأ بذلك أبداً، عهدٌ معهود، فاصنع ما أنتَ صانع، فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا اخرة، وكأني برأسك على قصبة قد نُصب بالكوفة، يتراماه الصبيان ويتخذونه غرضاً بينهم "
فغضب ابن سعد من كلامه، وصرف وجه عنه، ثم نادى بأصحابه: ما تنتظرون، احملوا باجمعكم، إنما هي أكلة واحدة.
موقف الحر الرياحي
وجاء الحر بن يزيد الرياحي، إلى عمر بن سعد، فقال له:
" أمقاتل أنت هذا الرجل؟ "
قال إي والله قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي.
قال الحر:
" أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضاً "
قال عمر بن سعد: أما والله لو كان الأمر إليّ لفعلت ولكن أميرك قد أبى ذلك.
فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفاً، ومعه رجل من قومه يُقال له قرة بن قيس، فقال:
يا قرة هل سقيت فرسك اليوم؟
قال: لا.
قال: أما تريد أن تسقيه؟
قال: فظننت والله أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال وكره أن أراه حين يصنع ذلك.
فقلت له: لم أسقه وأنا منطلق فساقيه.
قال: فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه فأخذ يدنو من حسين قليلا قليلاً.
فقال له رجل من قومه يُقال له المهاجر بن أوس: ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟
فسكت وأخذته رعدة.
فقال له صاحبه: يا ابن يزيد والله إن أمرك لمريب والله ما رأيت منك في موقفٍ قط مثل شيء أراه الان، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلاً ما عدوتك، فما هذا الذى أرى منك؟
قال الحر:
"إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار، ووالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطعت وحرقت".
ثم ضرب فرسه فلحق بحسين عليه السلام فقال له:
"جعلني الله فداك يا ابن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان. والله الذي لا إله إلا هو ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضت عليهم أبداً ولا يبلغون منك هذه المنزلة. فقلت في نفسي: لا أبالي أن أطيع القوم في بعض أمرهم ولا يرون أني خرجت من طاعتهم. وأما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم، ووالله لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، وإني قد جئتك تائباً مما كان مني إلى ربي ومواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك أفترى ذلك لي توبة؟".
قال عليه السلام:
" نعم يتوب الله عليك ويغفر لك. ما اسمك؟ "
قال:
" أنا الحر بن يزيد "
قال عليه السلام:
" أنت الحر كما سمتك أمك، أنت الحر إن شاء الله في الدنيا والاخرة انزل "
قال:
" أنا لك فارساً خير مني راجلاً أقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول ما يصير آخر أمري "
قال الحسين عليه السلام:
" فاصنع يرحمك الله ما بدا لك "
فاستقدم أمام أصحابه ثم قال:
" أيها القوم ألا تقبلون من حسين خصلة من هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟
قالوا: هذا الأمير عمر بن سعد فكلمه، فكلمه بمثل ما كلمه به قبل وبمثل ما كلم به أصحابه.
قال عمر: قد حرصت، لو وجدت إلى ذلك سبيلاً فعلت.
فقال:
" يا أهل الكوفة لأُمكم الهبل والعبر إذ دعوتموه حتى إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته وأصبح في أيدكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع ضراً وحلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري (..) وهاهم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمداً في ذريته لا أسقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه "
فحملت عليه رجالة لهم ترميه بالنبل فأقبل حتى وقف أمام الحسين عليه السلام.
بداية الحرب
وتقدم عمر بن سعد فرمى نحو عسكر الحسين عليه السلام بسهم وقال: اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى وأقبلت السهام من القوم كأنها المطر.
فقال عليه السلام لأصحابه:
" قوموا رحمكم الله إلى الموت الذى لابد منه، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم "
فلما ارتموا بالسهام خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان، وسالم مولى عبيد الله بن زياد، فقالا: من يبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم!
فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير، فقال لهما الحسين عليه السلام:
" اجلسا.. "
فقام عبد الله بن عمير الكلبي، فقال:
" أبا عبد الله! رحمك الله، ائذن لي فلأخرج اليهما "
فأذن له، فشد عليهما وقتلهما.
فأخذت أم وهب امرأته عموداً ثم أقبلت نحو زوجها تقول له:
" فداك أبي وأمي! قاتل دون الطيبين ذرية محمد "
فأقبل إليها يردها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه، وهي تقول:
" لن أدعك دون أن أموت معك "
فناداها الحسين عليه السلام:
"جزيتم من أهل بيت خيراً، ارجعي رحمك الله إلى النساء، فإنه ليس على النساء قتال".
الحملة الأولى
وكانت الحملة الأولى على معسكر الإمام الحسين عليه السلام، فحمل عمرو بن الحجاج في ميمنة جيش عمر بن سعد من نحو الفرات فاضطربوا ساعة، وما ارتفعت الغبرة إلا ومسلم بن عوسجة الأسدي صريع، فمشى إليه الحسين عليه السلام فإذا به رمق، فقال له:
" رحمك الله يا مسلم، " منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً " "
ودنا منه حبيب بن مظاهر، فقال:
" عزّ عليّ مصرعك يا مسلم! أبشر بالجنة! "
فقال له مسلم قولاً ضعيفاً:
" بشرك الله بخير "
فقال له حبيب:
" لولا أني أعلم أني في أثرك لاحق بك من ساعتي لأحببت أن توصيني بكل ما أهمك ".
فقال له مسلم:
" فإني أوصيك بهذا وأشار إلى الحسين عليه السلام فقاتل دونه حتى تموت "
فقال له حبيب:
" لأنعمنك عيناً "
ثم فاضت روحه الطاهرة، رضوان الله عليه.
وهجم شمر بن ذي الجوشن في أصحابه، على خيم الحسين عليه السلام، فحمل عليهم زهير بن القين رحمه الله في عشرة من أصحاب الحسين عليه السلام فكشفهم عن الخيم، وقُتل بعضهم وتفرق الباقون.
وخرج يزيد بن معقل من جيش ابن سعد فقال: يا برير بن خضير كيف ترى الله صنع بك؟
قال:
" صنع الله والله بي خيراً وصنع الله بك شراً "
قال: كذبت وقبل اليوم ما كنت كذّاباً.
فقال له برير:
".. لندع الله أن يلعن الكاذب وأن يقتل المبطل ثم اخرج فلأبارزك "
قال: فخرجا فرفعا أيديهما إلى الله يدعوانه أن يلعن الكاذب وأن يقتل المحق المبطل. ثم برز كل واحد منهما لصاحبه فاختلفا ضربتين فضرب يزيد بن معقل برير بن خضير ضربة خفيفة لم تضره شيئاً وضربه برير بن خضير ضربة قدت المغفر وبلغت الدماغ، فخرّ كأنما هوى من حالق، وإن سيف ابن خضير لثابت في رأسه.
ثم تراجع القوم إلى الحسين عليه السلام فحمل شمر بن ذي الجوشن لعنه الله على أهل الميسرة فثبتوا له فطاعنوه، وأحيط بالحسين عليه السلام وأصحابه من كل جانب، وكان أصحاب الحسين عليه السلام أطواد بصيرة وهدى وثبات، يقتلون كل من يبرز إليهم.
فقال عمرو بن الحجاج وكان على الميمنة ويلكم، ياحُمَقاء. مهلاً! أتدرون من تقاتلون؟ إنما تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر وقوماً مستميتين، لا يبرزن منكم أحد إلا قتلوه على قلتهم، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم.
فقال ابن سعد: صدقت. الرأي ما رأيت، فأرسل في العسكر يعزم عليهم أن لا يبارز رجل منكم، فلو خرجتم وحداناً لأتوا عليكم مبارزة. فأخذت الخيل تحمل، وأصحاب الحسين عليه السلام يثبتون، وإنما هم اثنان وثلاثون فارساً، ولم يكونوا يحملون على جانب من هذا الجيش إلا كشفوه. فلما رأى عزرة بن قيس وهو على خيل أهل الكوفة أن خيله تنكشف من كل جانب بعث إلى عمر بن سعد فقال: أما ترى ما تلقى خيلي مذ اليوم من هذه العِدة اليسيرة ابعث إليهم الرجال والرماة (..) فبعث المجففة وهي قوة كانت تحتمي مع خيولها بالدروع وخمسمائة من (الرماة) فأقبلوا حتى إذا دنوا من الحسين عليه السلام وأصحابه رشقوهم بالنبل فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وصاروا رجالة كلهم.
صلاة الظهيرة
وبقي القتال على أشده حتى انتصف النهار، فكان إذا قُتل الرجل والرجلان من أصحاب الحسين عليه السلام يبين ذلك فيهم لقلتهم، ولا يبين القتل في جيش عمر ابن سعد مع كثرة من يُقتل منهم لكثرتهم، وكان قد قُتل من أنصار الإمام عليه السلام أكثر من أربعين.
واقترب وقت زوال الشمس، فقال أبو ثمامة الصائدي:
" يا أبا عبد الله! نفسي لك الفداء، إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، لا والله لا تقتل حتى أقتل دونك إن شاء الله، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها "
فرفع الحسين عليه السلام رأسه ثم قال:
" ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلين الذاكرين، نعم هذا أول وقتها "
ثم قال عليه السلام:
" سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي "
ففعلوا. فقال لهم الحصين بن تميم: إنها لا تُقبل.
فرد عليه حبيب بن مظاهر:
" زعمت الصلاة من ال الرسول صلى الله عليهم لا تقبل، وتقبل منك ياخَمَّار! " (1).
فحمل عليه الحصين بن تميم فخرج إليه حبيب بن مظاهر فضرب وجه فرسه بالسيف، فشبّ ووقع عنه، وحمله أصحابه فاستنقذوه.
وأخذ حبيب يقول:
أنتم أعد عدة وأكثر***ونحن أعلى حجة وأظهر
ونحن أوفى منكم وأصبر***حقا وأتقى منكم وأعذر
وقاتل قتالا شديدا حتى استشهد، فهدّ ذلك الحسين عليه السلام، وقال:
" عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي "
وكان حبيب من خواص أمير المؤمنين عليه السلام، ومن السبعين الذين نصروا الحسين عليه السلام ولقوا جبال الحديد واستقبلوا الرماح بصدورهم والسيوف بوجوههم وهم يُعرض عليهم الأمان والأموال فيأبَون ويقولون لا عذر لنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله إن قُتل الحسين عليه السلام ومنا عين تطرف حتى قُتلوا حوله..
ولما قتل حبيب أخذ الحر يقاتل راجلاً، فحمل على القوم مع زهير بن القين، فكان إذا شد احدهما فاستلحم شد الآخر واستنقذه، ففعلا ذلك ساعة.
فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون والحر يحمل على القوم مٌقْدِماً، فبرز له يزيد بن سفيان، فما لبَّث الحر أن قتله.
واستبسل يضربهم بسيفه وتكاثروا عليه حتى استشهد رضوان الله عليه، فحمله أصحابه ووضعوه بين يدي الإمام الحسين عليه السلام وبه رمق، فجعل الحسين عليه السلام يمسح وجهه ويقول:
" أنتَ الحر كما سمتك أمك، وأنت الحر في الدنيا وأنت الحر في الآخرة "
وصلّى الحسين عليه السلام بأصحابه صلاة الظهر.
فوصل إلى الحسين عليه السلام سهم فتقدم سعيد بن عبد الله الحنفي ووقف يقيه بنفسه ما زال ولا تخطى، حتى سقط إلى الأرض وهو يقول:
" اللهم العنهم لعن عاد وثمود اللهم أبلغ نبيك عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك "
ثم التفت إلى الحسين عليه السلام، فقال له:
" أوفيّتُ يا ابن رسول الله؟ "
فقال الإمام عليه السلام:
" نعم، أنتَ أمامي في الجنة "
ثم قضى نحبه رضوان الله عليه فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح.
يوم عاشوراء
الحملة الثانية
ثم قال الحسين عليه السلام لبقية أصحابه:
" يا كرام، هذه الجنة فُتحت أبوابها واتصلت انهارها وأينعت ثمارها، وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله يتوقعون قدومكم، ويتباشرون بكم، فحاموا عن دين الله ودين نبيه، وذبوا عن حرم رسول الله".
وجعل أصحاب الحسين عليه السلام يسارعون إلى القتل بين يديه، وكانوا كما قيل فيهم:
قومٌ إذا نودوا لدفع مُلمةٍ***لبسوا القلوب على الدروع
كأنهم
والخيلُ بينَ مُدعَس ومُكردَس***يتهافتون إلى ذهاب الأنفس
وكان كل من أراد القتال يأتي إلى الحسين عليه السلام يودعه، ويقول:
" السلام عليك يا ابن رسول الله "
فيجيبه الحسين عليه السلام:
" وعليك السلام، ونحن خلفك. ويقرأ: " فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً " "
أفدي قرابين الإله مجزرين على الفرات***خير الهداية أن يكون الهَدْيُ من الهداة
من بعد ما قضوا الصلاة قضوا فداءً للصلاة
وأستأذن الصحابي الجليل أنس بن الحارث الكاهلي الإمام الحسين عليه السلام بالمبارزة فأذن له، فنزل إلى الميدان شاداً وسطه بالعمامة، رافعاً حاجبيه بالعصابة لكبر سنّه، فلما راه الحسين عليه السلام بهذه الهيئة، بكى، وقال له:
" شكر الله لك يا شيخ "
وكان هذا الصحابي ممن سمع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله، عن شهادة الحسين عليه السلام، والحث على نصرته، وقد قاتل رضوان الله تعالى عليه قتال الأبطال حتى نال الفوز بالشهادة.
ثم تقدم زهير بن القين وكان سبب التحاقه بالحسين عليه السلام، ما سمعه من الصحابي الجليل سلمان الفارسي عن كربلاء واستأذن بالقتال، ووضع يده على منكب الحسين عليه السلام وهو يقول:
أقدم فُديتَ هادياً مهدياً***وحسناً والمرتضى عليا
فاليوم نلقى جدّك النبيا***وذا الجناحين الفتى الكميا
وأسد الله الشهيد الحيا
ثم برز وهو يرتجز ويقول:
أنا زهير وأنا ابن القين***أذودكم بالسيف عن حسين
وانبرى يقاتل قتالاً لم يُر مثله ولم يُسمع بشبهه، وكان يحمل على القوم وهو يقول:
إن حسيناً أحد السبطين***أضربكم ولا أرى من شين
من عترة البر التقي الزين***يا ليت نفسي قسمت نصفين
وقاتل قتالاً شديداً حتى استشهد.
فقال الحسين عليه السلام:
" لا يبعدنك الله يا زهير، ولعن الله قاتليك! "
وكان بُرير بن خضير الهمداني من خواص أمير المؤمنين عليه السلام، ناسكاً، من شيوخ القرّاء، وله كتاب يرويه عن علي عليه السلام، وقد توجه من الكوفة إلى مكة والتحق فيها بالحسين عليه السلام فبرز إلى الميدان وهو يقول:
" اقتربوا مني يا قتلة المؤمنين، اقتربوا مني يا قتلة أولاد البدريين، اقتربوا مني يا قتلة أولاد رسول رب العالمين وذريته الباقين "
فقاتل حتى استشهد رضوان الله تعالى عليه.
واشتد القتال والتحم وكثر القتل والجراح في أصحاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
وتقدم حنظلة بن سعد الشبامي بين يدي الحسين عليه السلام فنادى أهل الكوفة:
" يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد، يا قوم لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من افترى "
ثم تقدم فقاتل حتى قتل رحمه الله.
وتقدم بعده شوذب مولى شاكر فقال:
" السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته، أستودعك الله وأسترعيك "
ثم قاتل حتى قتل رحمه الله.
ثم برز إلى الميدان عابس بن أبي شبيب الشاكري فسلم على الحسين عليه السلام وقال:
" يا أبا عبد الله أما والله ما أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعز علي ولا أحب إلي منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشئ أعز علي من نفسي ودمي لفعلت، السلام عليك يا أبا عبد الله أشهد أني على هداك وهدى أبيك "
ثم مضى بالسيف نحوهم، فقاتل حتى استشهد.
بأبي من شروا لقاء حسين***بفراق النفوس والأرواح
وقفوا يدرؤون سمر العوالي***عنه والنبل وقفة الأشباح
فوقوه بيض الظُّبا بالنحور ألب***يض والنبل بالوجوه الصِّباح
أدركوا بالحسين أكبر عيد***فغدوا في منى الطفوف أضاحي
مصرع علي الأكبر عليه السلام
ولما لم يبق مع الحسين عليه السلام إلا أهل بيته خاصة. تقدم علي الأكبر بن الحسين عليه السلام وكان من أصبح الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً فاستأذن أباه في القتال فأذن له، ثم نظر إليه نظرة ايسٍ منه وأرخى عليه السلام عينيه وبكى، محترقاً قلبه، مظهراً حزنه إلى الله تعالى، رفع سبابتيه نحو السماء وقال:
" اللهم اشهد على هؤلاء، فقد برز إليهم أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك محمد صلى الله عليه وآله، وكنا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه، اللهم امنع عنهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقا، ومزقهم تمزيقا، واجعلهم طرائق قدداً ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا يقاتلونا "
وصاح عليه السلام بعمر ابن سعد:
" ما لك يا ابن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله "
ثم رفع الحسين عليه السلام صوته وتلا قوله تعالى:
" إن الله اصطفى ادم ونوحا وال إبراهيم وال عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم "
ثم حمل علي بن الحسين عليه السلام على القوم، وهو يقول:
أنا علي بن الحسين بن علي***والله لا يحكم فينا ابن الدعي
أضربكم بالسيف أحمي عن أبي***نحن وبيت الله اولى بالنبي
أطعنكم بالرمح حتى ينثني***ضرب غلام هاشمي علوي
فلم يزل يقاتل حتى ضج الناس من كثرة من قتل منهم.
ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة فقال:
" يا أبه! العطش قد قتلني وثقل الحد يد أجهدني، فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوى بها على الأعداء؟ "
فبكى الحسين عليه السلام وقال:
" يا بنى يعز على محمد وعلى علي وعلى أبيك، أن تدعوهم فلا يجيبونك، وتستغيث بهم فلا يغيثونك... "
ودفع إليه خاتمه وقال:
" خذ هذا الخاتم في فيك وارجع إلى قتال عدوك، فإني أرجو أنك لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً".
فرجع إلى موقف النـزال وقاتل أعظم القتال، فاعترضه مرة بن منقذ فطعنه فصرع، واحتواه القوم فقطعوه بأسيافهم، فنادى بأعلى صوته:
" يا أبتاه! هذا جدي رسول الله صلى الله عليه وآله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً، وهو يقول لك: العجل! فإن لك كأساً مذخورة "
فصاح الحسين عليه السلام:
" واولداه... "
وأقبل الحسين عليه السلام إلى ولده وكان في طريقه يلهج بذكره ويكثر من قول:
" ولدي علي.. ولدي علي "
حتى وصل إليه، فأرخى رجليه معاً من الركاب، ورمى بنفسه على جسد ولده، وأخذ رأسه فوضعه في حجره، وجعل يمسح الدمَ والتراب عن وجهه، وانكب عليه واضعاً خده على خده، وجعل يقول:
" قتل الله قوماً قتلوك يا بُني! ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله ".
وانهملت عيناه بالدموع ثم قال:
"على الدنيا بعدك العفا"
فخرجت زينب ابنة علي عليها السلام مسرعة وخلفها النساء والأطفال، وهي تنادي:
" وا حبيباه، يا ثمرة فؤاداه، واولداه، وامهجة قلباه "
فجاءت وانكبت عليه، فبكى الحسين عليه السلام رحمةً لبكائها، وقال:
" إنا لله وإنا إليه راجعون.. "
وقام وأخذ بيدها وردها إلى الفسطاط، وطلب إلى فتيانه من بني هاشم وقال لهم:
" احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه، وجاؤا به إلى الفسطاط الذين يقاتلون أمامه "
مقاتل آل عقيل عليهم السلام
ثم برز أبناء عقيل بن أبي طالب، وأبناء مسلم وأبناء جعفر بن عقيل وجعلوا يقاتلون قتالاً شديداً والحسين عليه السلام يقول لهم:
" صبراً على الموت يا بني عمومتي، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم "
فجعلوا يستبسلون في الدفاع عن ابن رسول الله صلى الله عليه وآله حتى استشهدوا رحمهم الله.
القاسم بن الحسن عليه السلام
وتقدم القاسم بن الإمام الحسن عليه السلام، يستأذن عمه للقتال وكأن الإمام الحسن عليه السلام أبى إلا أن يكون حاضراً في كربلاء بخمسة من أولاده، وهو القائل: لايوم كيومك يا أبا عبد الله فخرج القاسم وهو يرتجز ويقول:
إن تُنكروني فأنا فرع الحسن***سبط النبي المصطفى والمؤتمن
هذا الحسين كالأسير المرتهن***بين أناس لا سقوا صوب المزن
وفيما كان يجول في الميدان ويصول، انقطع شسع نعله، فانحنى ليصلحه.
قال من شهد الواقعة: فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي: والله لأشدن عليه. فقلت له سبحان الله وما تريد إلى ذلك؟ يكفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه، فقال والله لأشدن عليه. فما ولىّ حتى ضرب رأسه بالسيف فوقع الغلام لوجهه فقال:
"يا عماه!".
فجلى الحسين عليه السلام كما يجلي الصقر، وانجلت الغبرة فإذا.. بالحسين عليه السلام قائم على رأس الغلام والغلام يفحص برجليه، والحسين عليه السلام يقول:
" بعداً لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك "
ثم قال:
" عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك ثم لا ينفعك، صوتٌ والله كثر واتره وقل ناصره "
قال الراوي: ثم احتمله فكأني أنظر إلى رجلي الغلام يخطان في الأرض وقد وضع حسين صدره على صدره قال فقلت في نفسي ما يصنع به فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علي بن الحسين عليه السلام وقتلى قد قتلت حوله من أهل بيته فسألت عن الغلام فقيل هو القاسم بن الحسن بن على بن أبى طالب عليهم السلام.
وقد روي أن الشهداء في كربلاء من أولاد الإمام الحسن بن علي عليه السلام، ثلاثة غير القاسم، وقد جرح منهم خامس، وقطعت يده، وهو الحسن المثنى، رضوان الله عليهم أجمعين.
مقاتل إخوة العباس عليهم السلام
ثم إن أبا الفضل العباس عليه السلام، قال لإخوته من أبيه وأمه أم البنين وهم عبد الله وجعفر وعثمان سمي الصحابي الجليل عثمان بن مظعون:
"تقدموا حتى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله، تقدموا، بنفسي أنتم، فحاموا عن سيدكم حتى تقتلوا دونه".
فتقدموا جميعاً. فصاروا أمام الحسين عليه السلام، يقونه بوجوههم ونحورهم.
فكان أول من برز منهم عبد الله بن أمير المؤمنين، وقاتل قتالاً شديداً. حتى استشهد ثم برز بعده جعفر، ثم عثمان وجدوا في القتال حتى قتلوا رضي الله عنهم أجمعين.
شهادة العباس عليه السلام
قال الراوي: وبقي العباس بن علي قائما أمام الحسين عليهم السلام يقاتل دونه، ويميل معه حيث مال.
فقد كان له كما كان جده أبو طالب وأبوه علي للنبي صلى الله عليه وآله.
وكما عرضت قريش الأمان على المولى أبي طالب، ليسْلم محمداً المصطفى صلى الله عليه وآله، فقد عرض الشمر موفداً من ابن زياد الأمان في اليوم التاسع من محرم على العباس وإخوته، ليتركوا الحسين عليه السلام، فكان جوابهم جميعاً:
" لعنك الله ولعن أمانك، أتؤمننا، وابن رسول الله لا أمان له؟ "
وقد عُرف العباس عليه السلام في كربلاء بالسقاء لكثرة تردده إلى الماء ليوصله إلى مخيم سيد الشهداء عليه السلام، وفي اليوم العاشر من المحرم سمع أبو الفضل عليه السلام الأطفال ينادون:
" العطش العطش "
فخرج يطلب الماء ليوصله إليهم.
بذلت أيا عباس نفساً نفيسة***لنصر حسين عز بالجَد عن مثل
فأنت أخو السبطين في يوم مفخر***وفي يوم بذل الماء أنت أبو الفضل
ولما توجه أبو الفضل عليه السلام نحو المشرعة يطلب الماء، فحملوا عليه وحمل هو عليهم، ففرقهم وهو يقول:
لا أرهب الموت إذا الموت زقا***حتى أوارى في المصاليت لُقى
نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا***إني أنا العباس أغدو بالسقا
ولا أخاف الشر يوم الملتقى
قلب اليمين على الشمال وغاص في***الأوساط يختطف النفوس ويحطم
ما كر ذو بأس له متقدماً***إلا وفرَّ ورأسه المتقدم
بطل تورث من أبيه شجاعة***فيها أنوف بني الضلالة تُرغم
أوَ تشتكي العطشَ الفواطمُ عنده***وبصدر صعدته الفرات المُفعم
في كفه اليسرى السقاء يُقِلُّه***وبكفه اليمنى الحسام المخذم
ومضى عليه السلام يشق الصفوف، ويفرق الكتائب، فلما رأوا جولاته العلوية، وما يلقون من شدة بأسه الحيدري، وما صنعت يمينه، واستبد بهم العجز عن مواجهة أبي الفضل لجأوا إلى الحيلة والغدر.
فكمن له زيد بن ورقاء الجهني من وراء نخلة، وعاونه حكيم بن طفيل السنبسي فضربه على يمينه)فقطعها(فأخذ السيف بشماله، وضم اللواء إلى صدره، وحمل عليهم وهو يرتجز:
والله إن قطعتم يميني***وعن إمام صادق اليقين
إني أحامي أبدا عن ديني***نجل النبي الطاهر الأمين
فقاتل عليه السلام حتى ضعف عن القتال، وأصبح كل هم القوم هذه اليد اليسرى التي تفري وكأنها اليمنى. فكمن له الحكم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله فقطعها.
ولما رأى أبو الفضل أن ساعة اللقاء بالمصطفى الحبيب، قد حانت، فقال عليه السلام:
يا نفس لا تخشي من الكفار***وأبشري برحمة الجبار
قد قطعوا ببغيهم يساري***فأصلهم يا رب حر النار
مع النبي السيد المختار
فضربه ملعون بعمود من حديد، وكأني بأبي الفضل العباس عليه السلام يردد في هذه اللحظات:
يا نفس من بعد الحسين هوني***وبعده لا كنت أو تكوني
" أخي أبا عبد الله. عليك مني السلام "
فمشى لمصرعه الحسين وطرفه***بين الخيام وبينه متقسم
ألفاه محجوب الجمال كأنه***بدر بمنحطم الوشيج ملثم
فأكب منحنياً عليه ودمعه***صبغ البسيط كأنما هو عندم
قد رام يلثمه فلم ير موضعاً***لم يدمه: عض السلاح فيلثُم
فلما رآه الحسين عليه السلام صريعاً على شط الفرات بكى بكاءً شديداً وأنشأ يقول:
تعديتم يا شر قوم بفعلكم***وخالفتم قول النبي المسدد
أما كانت الزهراء أمي دونكم***أما نحن من نسل النبي محمد
ويروى أن الحسين عليه السلام أدركه وبه رمق الحياة، فأخذ رأسه الشريف ووضعه في حجره، وجعل يمسح الدم والتراب عنه ثم بكى بكاءً عالياً، قائلاً:
"الان انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمت بي عدوي".
ثم انحنى عليه واعتنقه، وجعل يُقبّل موضع السيوف من وجهه ونحره وصدره.
وقد ترك الحسين عليه السلام أخاه العباس في مكانه، وقام عنه بعد أن فاضت نفسه الزكية، ولم يحمله إلى الفسطاط الذي كان يحمل القتلى من أهل بيته وأصحابه إليه.
مصرع الإمام الحسين عليه السلام
ولما رأى الحسين عليه السلام مصارع فتيانه وأحبته عزم على لقاء القوم بمهجته ونادى:
" هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا؟ هل من معين يرجو ما عند الله في إعانتنا؟ "
فارتفعت أصوات النساء بالعويل، فتقدم إلى باب الخيمة وقال لزينب عليه السلام:
" ناوليني ولدى الصغير حتى أودعه "
فأخذه وأومأ إليه ليقبله فرماه حرملة بن الكاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه.
فقال لزينب عليها السلام:
" خذيه "
ثم تلقى الدم بكفيه فلما إمتلأتا، رمى بالدم نحو السماء ثم قال:
" هون على ما نزل بي إنه بعين الله "
قال الإمام الباقر عليه السلام:
" فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض "
ثم إن الحسين عليه السلام دعا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كل من بزر إليه حتى قتل مقتله عظيمة وهو في ذلك يقول:
القتل أولى من ركوب العار***والعار أولى من دخول النار
قال بعض الرواة فوالله ما رأيت (مكثورا) قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربطَ جأشاً منه، وإن كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شد فيه الذئب، ولقد كان يحمل عليهم ولقد تكمّلوا ثلاثين ألفا فيهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول:
" لا حول ولا قوة إلا بالله "
فلما رأى ذلك شمر بن ذي الجوشن ذلك استدعى الفرسان فصاروا في ظهور الرجالة، وأمر الرماة أن يرموه، فرشقوه بالسهام حتى صار جسمه كالقنفذ من كثرة السهام النابتة فيه، فأحجم عنهم، فوقفوا بإزائه.
قال الراوي ولم يزل عليه السلام يقاتلهم حتى حالوا بينه وبين رحله فصاح عليه السلام:
" ويلكم يا شيعة ال أبى سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عُرباً كما تزعمون "
قال فناداه الشمر ما تقول يا ابن فاطمة؟.
فقال عليه السلام إني أقول:
"أقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وجهّالكم وطغاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا".
فقال شمر: لك ذلك يا ابن فاطمة.
فقصدوه بالحرب، فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه وهو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد حتى أصابه اثنان وسبعون جراحة فوقف يستريح ساعة، وقد ضعف عن القتال، فبينا هو واقف، إذ أتاه حجر فوقع على جبهته، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته، فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه.
فقال عليه السلام:
" بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله ".
ثم رفع رأسه إلى السماء وقال:
" الهي أنت تعلم إنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيره "
ثم أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره، فانبعث الدم كأنه ميزاب، فضعف عن القتال ووقف، فكلما أتاه رجل انصرف عنه كراهة أن يلقى الله بدمه.
حتى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر، فشتم الحسين عليه السلام وضربه على رأسه الشريف بالسيف فقطع البرنس، ووصل السيف إلى رأسه فامتلأ البرنس دماً..
قال الراوي: فاستدعى الحسين عليه السلام بخرقة فشد بها رأسه، واستدعى بقلنسوة فلبسها، وأعتم.
فلبثوا هنيهة ثم عادوا إليه وأحاطوا به، فخرج عبد الله بن الحسن بن علي عليه السلام وهو غلام لم يراهق من عند النساء، يشتد حتى وقف إلى جنب الحسين عليه السلام فلحقته زينب عليها السلام لتحبسه فأبى وامتنع امتناعاً شديداً فقال:
" لا والله لا أفارق عمي "
فأهوى بحر بن كعب وقيل حرملة بن كاهل إلى الحسين عليه السلام بالسيف. فقال له الغلام:
" ويلك يا بن الخبيثة أتقتل عمي؟ "
فضربه بالسيف فاتقى الغلام بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة فنادى الغلام:
"يا أماه".
فأخذه الحسين عليه السلام وضمه إليه وقال:
" يا بن أخي اصبر على ما نزل بك وأحتسب في ذلك الخير فإن الله يلحقك بابائك الصالحين "
قال فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمه الحسين عليه السلام.
ثم إن شمر بن ذى الجوشن حمل على فسطاط الحسين عليه السلام فطعنه بالرمح ثم قال: عليّ بالنار أحرقه على من فيه.
فقال الحسين عليه السلام:
" يا بن ذي الجو شن أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي، أحرقك الله بالنار"
قال: ولما أثخن الحسين عليه السلام بالجراح (..) طعنه صالح ابن وهب المري على خاصرته طعنةً فسقط الحسين عليه السلام إلى الأرض على خده الأيمن وهو يقول:
" بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ثم قام عليه السلام ".
وحملوا عليه من كل جانب، فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى وضرب الحسين عليه السلام زرعة فصرعه، وضربه اخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا عليه السلام بها لوجهه، وكان قد أعيا وجعل ينوء ويكب، فطعنه سنان ابن أنس ألنخعي في ترقوته، ثم أنتزع الرمح فطعنه في بواني صدره، ثم رماه سنان أيضا بسهم فوقع السهم في نحره فسقط عليه السلام وجلس قاعدا.
فنزع السهم من نحره وقرن كفيه جميعاً، فكلما امتلأتا من دمائه خضب بهما رأسه ولحيته وهو يقول:
" هكذا ألقى الله مخضباً بدمى مغصوباً على حقي "
وروي عنه عليه السلام أنه قال:
"اللهم متعالي المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غني عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغُ النعمةِ، حَسَنُ البلاءِ، قريبٌ إذا دُعيتَ، محيطٌ بما خلقتَ، قابلُ التوبةِ لمن تاب إليكَ، قادر على ما أردت، تدرك ما طلبت، شكور إذا شُكرت، ذكور إذا ذُكرت، أدعوك محتاجاً وأرغب إليك فقيراً، وأفزع إليك خائفاً، وأبكي مكروباً، واستعين بك ضعيفاً وأتوكل عليك كافياً.
اللهم احكم بيننا وبين قومنا، فإنهم غرونا وخذلونا، وغدروا بنا وقتلونا، ونحن عترة نبيك، وولد حبيبك محمد الذي اصطفيته بالرسالة وائتمنته على الوحي، فاجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً يا أرحم الراحمين..
صبراً على قضائك يا رب، لا إله سواك، يا غياث المستغيثين، مالي رب سواك ولا معبود غيرك، صبراً على حكمك، يا غياث من لا غياث له، يا دائماً لا نفاد له، يا محيي الموتى، يا قائماً على كل نفسٍ بما كسبت، احكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين".
قال أحد رواة السيرة: كنت واقفاً مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخ أبشر أيها الأمير فهذا شمر قتل الحسين، قال فخرجت بين الصفين فوقفت عليه وإنه ليجود بنفسه، فوالله ما رأيت قط قتيلاً مضمخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتله، فاستسقى في تلك الحال ماءً فسمعت رجلاً يقول: والله لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها.
فسمعته يقول:
" يا ويلك أنا لا أرد الحامية ولا أشرب من حميمها بل أرد على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأسكن معه في داره في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر وأشرب من ماءٍ غير اسن وأشكو إليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي "
قال: فغضبوا بأجمعهم حتى كأن الله لم يجعل في قلب واحد منهم من الرحمة شيئاً.
وجلس الشمر على صدر الحسين عليه السلام وقبض على لحيته وضربه بسيفه اثنتا عشرة ضربة ثم حز رأسه المقدس المعظم.
ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب للحسين عليه السلام فيواطئ الخيل ظهره وصدره فانتدب منهم عشرة. فداسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم حتى رضوا صدره وظهره.
فأي شهيدٍ أصلت الشمس جسمه***ومشـــهدها من نوره متولدُ
وأي ذبيحٍ داست الخيل صـدره***وفرســـانها من ذكره تتجمّدُ
ألم تك تدري أن روح محمد***كـــقرآنه في سبطه متجسّدُ
فلو علمت تلك الخيول كأهلها***بـأن الذي تحت السنابك أحمد
لثارت على فرسانها وتمردت***عليهم كما ثاروا بها وتمرد
وخرجت عند ذلك مولاتنا زينب عليها السلام تندب الحسين عليه السلام وتنادي بصوتٍ حزين وقلبٍ كئيب:
"يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء، هذا حسين مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، وبناتك سبايا، إلى الله المشتكى وإلى محمد المصطفى وإلى علي المرتضى وإلى فاطمة الزهراء وإلى حمزة سيد الشهداء، يا محمداه، هذا حسين بالعراء تسفي عليه الصبا، قتيل أولاد البغايا واحزناه، واكرباه، اليوم مات جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يا أصحاب محمداه هؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا".
وفى رواية:
"يا محمداه بناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليهم ريح الصبا وهذا حسين محزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة والرداء، بأبي من أضحى عسكره في يوم الاثنين نهبا، بأبي من فسطاطه مقطع العُرى، بأبي من لا غائب فيرتجى ولا جريح فيداوى، بأبي من نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتى قضى، بأبي العطشان حتى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء، بأبي من جده محمد المصطفى، بأبي من جده رسول إله السماء، بأبي من هو سبط نبي الهدى، بأبي محمد المصطفى، بأبي خديجة الكبرى، بأبي علي المرتضى، بأبي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، بأبي من ردت له الشمس وصلى".
فأبكت والله كل عدوٍ وصديق.
يا صاحب الأمر أدركنا فليس لنا***ورد هني ولا عيش لنا رغد
فانهض فدتك بقايا أنفس ظفرت***بها النوائب حتى خانها الجلد
طالت علينا ليالي الانتظار فهل***يابن الزكي لليل الانتظار غد
ـــــــــــــــــ
هوامش
(1) واله: شديد الحزن.
(1) مُوجفين: مسرعين.
(2) إلبا: مجتمعين على العداوة.
(3) مشيم: مغمد.
(4) الجأش: مكنون الصدر.
(5) يستحصف: يستحكم.
(6) الطيرة: الخفة.
(7) الدبا: أصغر الجراد والنمل.
(8) الفراش: حشرة تتساقط على الضوء ليلاً.
(9) سحقاً له: أي أبعده اللّه.
(10) الأمّة: الجارية كناية عن الذل.
(11) شُذاذ: هم المتفرقون.
(12) النفث: قذف القليل من الريق.
(13) وشجت: اشتبكت.
(14) تأزرت: قوى بعضها بعضاً.
(15) الشجا: أي الهم والحزن.
(16) السلِة: استلال السيف.
(1) طَبنَا: الشأن والعادة.
(2) الكلكل: الصدر أو ما بين الترقوتين.
(3) الريث: المهلة من الزمن.
(4) المصبرة: كأس مرة.
(1) الري: مدينة إيرانية بالقرب من طهران.
(2) جرجان: مدينة مشهورة بين طبرستان وخراسان.
(1) في مثير الأحزان: وتقبل منك وأنت تشرب الخمر
محب الائمة للموت
27-12-2010, 04:27 PM
فضائله عليه السلام
أولا: من كتب أهل السنة والحديث
- سنن الترمذي ( 2/307).
في مناقـب الحسن و الحسين (عليه السلام)، روى بسنـده عن يعلى بن مرة، قال: قال رسول الله ]ص [: حسين مني و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط.
- سنن ابن ماجه
في باب من فضائـل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله). روى بسنده عن يعلي بن مرة، قال: إنهم خرجوا مع النبي ]ص [إلى طعام دعوا له، فإذا حسين يلعب في السكة، قال فتقدم النبي ]ص [أمام القوم، و بسط يديه تحت ذقنـه و الأخرى في فأس رأسه. فقبله و قال: حسين مني و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسن سبط من الأسباط.
- مستدرك الصحيحين / محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري (3/176)
روى بسنـده عن أم الفضل بنت الحارث، أنها دخلت على رسول الله [صلى الله عليه وآله] فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلماً منكراً الليلة. قال: و ما هو ؟ إنـه شديـد. قال: و ما هو ؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قُطعت و ُضعت في حجري، فقال رسول الله ]ص [: رأيت خيراً تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فيكون في حجرك. فولدت فاطمة [عليه السلام] الحسين [عليه السلام] فكان في حجري كما قال رسول الله [صلى الله عليه وآله].
- أسد الغابة في معرفة الصحابة / علي بن أثير ( 3/234)
في ترجمة عبدالله بن عمرو بن العاص، روى بسنده عن اسماعيل بن رجـاء، عن أبيه، قال: كنت في مسجد الرسول ]ص [في حلقة فيها أبو سعيد الخدري و عبدالله بن عمرو، فمر بنا الحسين بن [عليه السلام] فسلم فرد القوم السلام، فسكت عبدالله حتى فرغوا، رفع صوته و قال: و عليك السلام و رحمة الله و بركاتـه، ثم أقبل على القوم فقال: ألا أخبركم بأحـب أهل الأرض إلى أهل السماء ؟ قالوا: بلى، قال: هذا هو الماشي ما كلمني كلمة منذ ليالي صفيـن، و لأن يرضى عني أحب إليّ من أن يكون لي حمر النعم، فقال أبو سعيد: ألا تعتذر إليه، قال: بلى، قال: فتواعدوا أن يغدو إليه، قال: فغدوت معها، فاستأذن أبو سعيد، فأذن له، فدخـل ثم استأذن لعبدالله فلم يزل به حتى أذن له. فلما دخل قال: أبو سعيد: يا بن رسول الله إنك لما مررت بنـا أمس – فأخبـره بالذي كان من قول عبدالله بن عمرو – فقال الحسين [عليه السلام]: أعلمت يا عبدالله إني أحب أهل الأرض إلى - أهل السماء ؟ قال: إي و رب الكعبة، قال: فما حملك على أن قاتلتني و أبي يوم صفين فو الله لأبي كان خيراً مني، قال: أجل و لكن عمرو شكاني إلى رسول الله ]ص [: يا عبدالله صل و نم و صم و أفطر، و أطع عمرو، قال: فلما كان يوم صفيـن أقسم عليّ، فخرجت أمـا و الله ما اخترطت سيفاً و لا طعنت برمح و لا رميت بسهم، قال: فكأنه قبل منه.
- الإصابة في تمييز الصحابة / أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (1/القسم 1/15)
قال يونس بن أبي اسحاق عن العيزار بن حريب، قال: بينما عبدالله بن عمر جالس في ظل الكعبة إذ رأى الحسين [عليه السلام] مقبلاً، فقال: هذا أحـب أهل الأرض إلى أهل السماء اليـوم. و ذكـره كذلك في تهذيب التهذيب (2/346).
- تهذيب التهذيب / ابن حجر العسقلاني (2/347)
عن أبي عبدالله الضبي قال: دخلنا على ابن هرثم الضبي حين أقبل من صفين و هو مع علي (عليه السلام) فقال: أقبلنا مرجعنا من صفين فنزلنا كربلا فصلى بنا علي [عليه السلام] صلاة الفجر ثم أخذ كفاً من بعر الغزلان فشمه، ثم قال: أوه أوه يقتل بهذا المكان قوم يدخلون الجنة بغير حساب.
- تهذيب التهذيب / ابن حجر العسقلاني (2/348)
عن هرثمة بن سلمى قال: خرجنـا مع علي [عليه السلام] فسار حتى انتهى إلى كربلا فنزل إلى شجرة فصلى إليها فأخذ تربة من الأرض فشمها ثم قال: واهاً لك تربة ليقتلن بك قوم يدخلون الجنة بغير حساب، قال: فقفلنا من غزاتنـا و قتل علي [عليه السلام] و نسيت الحديث. قال: فكنت في الجيش الذي ساروا إلى الحسين [عليه السلام] فلما انتهيت إليه نظرت إلى الشجرة فذكرت الحديث فتقدمت على فرس لي فقلت: أبشرك ابن بنت رسول الله [صلى الله عليه وآله]، و حدثته الحديث قال: معنا أو علينا، قلن: لا معك و لا عليك، تركت عيالاً و تركت مالاً، قال: أما لا فول في الأرض هارباً فو الذي نفس حسين بيده لا يشهد قتلنا اليوم رجل إلا دخل جهنم، قال: فانطلقت هارباً مولياً في الأرض حتى خفي عليّ مقتله.
- صحيح البخاري
في كتاب الأدب، باب رجمة الولد و تقبيله و معانقته، روى بسنـده عن ابن أبي نعم، قال: كنت شاهداً لابن عمر و سأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت ؟ فقال: من أهل العراق، قال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض و قد قتلوا ابن النبي [صلى الله عليه وآله]، و سمعت النبي [صلى الله عليه وآله] يقول: هما ريحانتاي من الدنيا.
و رواه بطريـق آخر أيضاً في كتـاب بدء الخلق في باب مناقب الحسن و الحسين [عليه السلام]. و رواه في الأدب المفرد. كما رواه الترمذي في سننه 2/306 و أحمد في مسنده بعدة طرق.
- خصائص النسائي (ص: 37)
روى بسنده عن ؟أنس بن مالك، قال: دخلت ( أو ربما دخلت ) على وسول الله [صلى الله عليه وآله] و الحسن و الحسين [عليه السلام] يتقلبان على بطنه و يقول: ريحانتي من هذه الأمة.
- سنن الترمذي (2/306)
في مناقب الحسن و الحسين )ع(، روى سنده عن أنس بن مالك يقول: سئل رسول الله [صلى الله عليه وآله] أي أهل بيتـك أحـب إليـك ؟ قال: الحسن و الحسين، و كان يقول لفاطمة [عليه السلام]: ادعي ابني، فيشمهما و يضمهما إليه.
- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح / علي بن سلطان القاري (5/602)
قال: و عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وآله] لفاطمة [عليه السلام]: نبينا خير الأنبيـاء و هو أبوك، و شهيدنا خير الشهداء و هم عم أبيك حمزة، و منا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث شاء و هو ابن عم أبيك، و منا سبطا هذه الأمـة الحسن و الحسين و هما ابناك، و منا المهدي. أخرجـه الطبراني في معجمه، و ذكره المحب الطبري في ذخائر العقبى.
- ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى / محب الدين الطبري (ص:135)
عن علي بن الهلالي عن أبيه قال: دخلت على رسول الله في الحالـة التي قبض فيها فإذا فاطمة [عليه السلام] عند رأسه فبكت حتى ارتفع صوتها فرفع [صلى الله عليه وآله] طرفـه إليها فقال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك ؟ فقالت: أخشى الضيعة من بعدك، فقال: يا حبيبتي أما علمت أن الله اطلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته، ثم اطلع اطلاعة فاختـار منها بعلك و أوحي إليً أن أنكحك إياه ؟ يا فاطمة و نحن أهل البيت قـد أعطانا الله سبع خصال لم تعط أحد قبلنا و لا تعط أحد بعدنا، و أنا خاتـم النبيين و أكرمهم على الله عزوجل و أحب المخلوقين إلى الله عزوجل، و أنا أبوك. و وصيي خير الأوصياء و أحبهم إلى الله عزوجل و هو بعلك، و شهيدنا خيـر الشهداء، و أحبهم إلى الله عزوجل و هو حمزة بن عبدالمطلب عم أبيك و عم بعلك، و منا من له جناحان أخضران يطيـر بهما في الجنة حيث يشاء مع الملائكة و هو ابن عم أبيك و أخو بعلك، و منا سبطا هذه الأمة و هما ابناك الحسن و الحسين و هما سيدا شباب أهل الجنة و أبوهما – و الذي بعثني بالحق – خير منهما، يا فاطمة و الذي بعثني بالحق إن منهما مهدي هذه الأمـة إذا صارت الدنيا هرجاً مرجاً ( أي الاقتتال و الاختلاط ) و تظاهـرت الفتن و تقطعت السبل و أغـار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيراً و لا صغير يوقر كبيراً، فيبعث الله عزوجل عند ذلك من يفتح حصون الضلالة و قلوباً غلفاً ( أي في غلاف عن سماع الحق )، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان و يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.
- تاريخ بغداد / أحمد بن علي الخطيب البغدادي (1/259)
روى بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وآله]: ليلة عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي حِبّ الله ( أي محبوب الله )، و الحسن و الحسين صفوة الله، فاطمة خيرة الله، على باغضهم لعنة الله.
- سنن الترمذي (2/240)
و روى بسنـده عن أسامـة بن زيد، قال: طرقت النبي [صلى الله عليه وآله] ذات ليلة في بعض الحاجة، فخرج النبي [صلى الله عليه وآله] و هو مشتمل شيء لا أدري ما هو ؟ فلما فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه ؟ قال: فكشفه فإذا حسن و حسين على وركيه. فقال: هذان ابناي و ابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما فأحبهما و أحب من يحبهما.
- سنن ابن ماجه (1/51)
في فضائل الحسن و الحسين )ع(، روى بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وآله]: من أحب الحسن و الحسين فقد أحبني، و من أبغضهما فقد أبغضني.
و رواه أحمد في المسند (2/288)، و الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (1/141).
- مستدرك الصحيحين / محمد بن عبدالله النيسابوري (3/166)
روى بسنده عن أبي هريرة، قال: خرج علينا رسول الله [صلى الله عليه وآله] و معه الحسن و الحسين، هذا على عاتقه و هذا على عاتقه، و هو يلثم هذا مرة و هذا مرة حتى انتهى إلينا. فقال له رجل: يا رسول الله إنك تحبهما ؟ فقال: نعم من أحبهما فقد أحبني، و من أبغضهما فقد أبغضني. قال: هذا حديث صحيح الإسناد.
و رواه أيضاً أحمد في مسنده (2/440) و الهيثمي في مجمعه (9/179). و انظر في مضامين الحديث في كنز العمال (7/108)، سنن البيهقي (2/263)، مجمع الزائد (9/180،181،185)، ذخائر العقبى (ص123،124)، مسند أحمد (5/369)، مسند أبي داود الطيالسي (10/327)
- كنز العمال/ للمتقي الهندي علي بن حسام الدين (6/222)
و لفظه: لا يقومن أحدكم من مجلسه إلا للحسن و الحسين أو ذريتهما، قال: أخرجه ابن عساكر عن أبان عن أنس.
الحسنان سيدا شباب أهل الجنة:
- سنن الترمذي (2/306)
في مناقب الحسن و الحسين )ع(، روى بسندين عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وآله]: الحسن و الحسين سيد شباب أهل الجنة.
و رواه أحمد في المسند(3/3،62،82)، و البغدادي في تاريـخ بغداد (9/231،232)، و ابن حجر في تهذيب التهذيب ( في ترجمة زياد بن جبير، سويد بن سعيد. و في خصائص النسائي ص36.
- سنن ابن ماجه (1/44)
في باب فضائل أصحاب النبي )ص(، روى بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وآله]: الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة، و أبوهما خير منهما.
- تاريخ بغداد / أحمد بن علي الخطيب البغدادي (2/238)
روى بسنده عن عقبة بن عامر: قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وآله]: لما استقر أهل الجنة في الجنة، قالت الجنة: يا رب أليس وعدتني أن تزينني بركنيـن من أركانـك ؟ قال: ألم أزينك بالحسن و الحسين ؟ قال: فماست ( أي تبخرت ) الجنة ميساً كما تميس العروس.
- أسد الغابة في معرفة الصحابة / علي بن أثير (1/178)
في ترجمة بزيع الأزدي والد عباس ذكر عنه حديثاً، قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وآله]: قالت الجنة: يا رب زينتني فأحسن أركاني، فأوحى اله تبارك و تعالى إليها إني قد حشوت أركانك بالحسن و الحسين.
ثانياً: فضائل الحسين من مصادر أتباع أهل البيت عليهم السلام
كان عليه السلام يشبه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من صدره إلى رجليه وكان الحسن عليه السلام يشبهه من صدره إلى رأسه كما تقدم (1).
وروى سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرّة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم يقول: «حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط » (2).
وروى عبدالله بن ميمون القدّاح، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام قال: «إصطرع الحسن والحسين بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إيهاً (3) حسن خذ حسيناً،
فقالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله أتستنهض الكبير على الصغير ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: هذا جبرئيل يقول للحسين: ايهاً حسين خذ حسناً» (4).
وروى الأوزاعي، عن عبدالله بن شدّاد، عن اُمّ الفضل، أنّها دخلت على رسول الله صلى الله عليه واله
وسلّم فقالت: يا رسول الله رأيت الليلة حُلماً منكراً.
قال: «وما رأيت ؟».
فقالت: إنّه شديد.
قال: «وما هو؟».
قالت: رأيت كانّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري.
فقال رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم: «خيراً رأيت، تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك ».
فولدت الحسين عليه السلام وكان في حجري كما قال صلوات الله عليه وآله.
قالت: فدخلت به يوماً على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فوضعته في حجره، ثمّ حانت منّي التفاتة
فإذا عينا رسول اللهّ صلّى الله عليه واله وسلّم تهرقان بالدموع، فقلت: بابي أنت واُمّي يا رسول الله مالك ؟
قال: «أتاني جبرئيل فاخبرني أنّ اُمّتي ستقتل ابني هذا، وأتاني بتربة من تربته حمراء» (5).
وفي مسند الرضا عليه السلام: عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: «حدّثتني أسماء بنت عميس قالت: لمّا كان بعد حول من مولد الحسن عليه السلام ولد الحسين عليه السلام فجاء النبيّ عليه وآله السلام فقال: يا أسماء هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأذّن في اُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ووضعه في حجره وبكى.
قالت أسماء: فداك أبي واُمّي ممّ بكاؤك ؟
قال: من ابني هذا.
قلت: إنّه ولد الساعة!
قال: يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي،ثمّ قال: يا أسماء، لا تخبري
فاطمة فإنّها حديث عهد بولادته، ثمّ قال لعليّ: أيّ شيءٍ سمّيت ابني هذا؟
قال: ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله، وقد كنت اُحبّ أن اُسمّيه حرباً.
فقال رسول الله: ما كنت لأسبق باسمه ربّي.
فأتاه جبرئيل فقال: الجبّار يقرئك السلام ويقول: سمّه باسم ابن هارون.
فقال: وما اسم ابن هارون ؟
قال: شبير.
قال: سمّه الحسين.
فسمّاه الحسين، ثمّ عقّ عنه يوم سابعه بكبشين أملحين، وحلق رأسه وتصدّق بوزن شعره وَرِقاً، وطلى رأسه بالخلوق وقال: الدم فعل الجاهليّة، وأعطى القابلة فخذ كبش » (6).
وروى الضحّاك، عن ابن المخارق، عن اُمّ سلمة رضي الله عنها قالت: بينا رسول الله صلّى اللهّ عليه وآله وسلّم ذات يوم جالس والحسين عليه السلام في حجره إذ هملت عيناه بالدموع فقلت: يا رسول الله أراك تبكي جعلت فداك ؟
قال: «جاءني جبرئيل عليه السلام فعزّاني بابني الحسين، وأخبرني أنّ طائفة من اُمّتي ستقتله، لا أنالهم الله شفاعتي » (7).
وروي بإسناد آخر عن اُمّ سلمة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج من عندنا ذات ليلة فغاب عنّا طويلاً ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت له: يا رسول الله، ما لي أراك شَعِثاً مغبرّاً؟
فقال: «اُسري بي في هذه الليلة إلى موضع من العراق يقال له: كربلاء، فاُريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي، فلم أزل ألقط منه دماءهم فها هي في يدي » وبسطها فقال: «خذيه واحتفظي به ».
فأخذته فإذا هو شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها، فلمّا خرج الحسين عليه السلام متوجّها نحو العراق كنت اُخرج تلك القارورة في كلّ يوم وليلة فاشمّها وأنظر إليها ثمّ أبكي لمصابه،
فلمّا كان يوم العاشر من المحرّم - وهو اليوم الذي قُتل فيه - أخرجتها في أوّل النهار وهي بحالها ثمّ عدت إليها آخر النهار فإذا هي دمٌ عبيط، فصحت في بيتي وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتّى جاء الناعي ينعاه، فحقّق مارأيت (8).
وعن ابن عبّاس رضي الله عنه، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «قال لي جبرئيل عليه السلام: إنّ الله جلّ جلاله قتل بدم يحيى بن زكريّا سبعين ألفاً، وهو قاتل بدم ابنك الحسين سبعين ألفاً وسبعين ألفاً» (9).
وروى سفيان بن عيينة، عن عليّ بن زيد، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: «خرجنا مع الحسين عليه السلام فما نزل منزلاً ولا ارتحل عنه إلاّ ذكر يحيى بن زكريّا، وقال يوماً: من هوان الدنيا على الله عزّ وجلّ أنّ رأس يحيى بن زكريّا اُهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل » (10).
وروى يوسف بن عبدة قال: سمعت محمّد بن سيرين يقول: لم تُرَ هذه الحمرة في السماء إلاّ بعد قتل الحسين عليه السلام (11).
وذكر الحافظ الشيخ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة قال: أخبرنا القطّان: حدّثنا عبدالله بن جعفر، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حدّثنا سليمان ابن حرب، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن معمر قال: أوّل ما عُرف الزهري تكلّم في مجلس الوليد بن عبد الملك، فقال الوليد: أيّكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن عليّ ؟
فقال الزهري: بلغني أنّه لم يُقلب حجرٌ إلاّ وجد تحته دمٌ عبيط (12).
قال: وأخبرنا القطّان بإسناده، عن عليّ بن مسهر قال: حدّثتني جدّتي قالت: كنت أيّام الحسين عليه السلام جارية شابّة فكانت السماء أيّاماً علقة (13).
قال: وأخبرنا القطّان بإسناده، عن جميل بن مرّة قال: أصابوا إبلاً في عسكر الحسين عليه السلام يوم قُتل فنحروها وطبخوها، قال: فصارت مثل العلقم فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئاً (14).
وعن ابن عبّاس قال: رأيت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فيما يرى النائم ذات يوم بنصف النهار أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ما هذه ؟
قال: «هذا دم الحسين عليه السلام وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم ».
فاُحصي بذلك الوقت فوجد <قد> قتل ذلك اليوم (15).
وعن نضرة الأزديّة: لمّا قتل الحسين بن علي عليهما السلام مطرت السماء دماً، فأصبحت وكلّ شيء لنا ملء دم (16)!!
وروى محمد بن مسلم، عن السيدين الباقر والصادق عليهما السلام قال: سمعتهما يقولان: «إنّ الله تعالى عوّض الحسين عليه السلام من قتله: أن جعل الإمامة في ذرّيّته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولاتُعدّ أيّام زائره جائياً وراجعاً من عمره ».
قال محمد بن مسلم: فقلت لأبي عبدالله عليه السلام: هذه الخلال تنال بالحسين فماله هو في نفسه ؟
قال: «إنّ الله تعالى ألحقه بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فكان معه في درجته ومنزلته » ثمّ تلا أبو عبدالله عليه السلام: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأتبَعَتهُم ذُرِيّتهُم بإيفانٍ أَلحَقتا بِهِم ذُرِّيَّتَهُم ﴾ (17) (18).
وَالأخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى.
وممّا روي في السبطين عليهما السلام: ما رواه عتبة بن غزوان قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يصلّي فجاء الحسن والحسين يركبان ظهره، فانصرف فوضعهما في حجره وجعل يقبّل هذا مرّة وهذا مرّة، فقالقوم: أتحبّهما يا رسول الله ؟
فقال: «ما لي لا اُحبّ ريحانتيّ من الدنيا» (19).
وروى سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يقول: «الحسن والحسين ابنيّ من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار على وجهه » (20).
وروى ابن لهيعة عن أبي عوانة رفعه إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنّ الحسن والحسين شنفا (21) العرش، وأنّ الجنّة قالت: يا ربّ اسكنتني الضعفاء والمساكين، فقال لها الله تعالى: «ألا ترضين أنّي زيّنت أركانك بالحسن والحسين، قال: فماست كما تميس (22) العروس فرحاً» (23).
وروى عبدالله بن بريدة قال: سمعت أبي يقول: كان رسول الله صلّىالله عليه وآله وسلّم يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما السلام وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثمّ قال: «صدق الله تعالى: (اِنّما اَموالُكُم وَاَولأدُكُم فِتنَةٌ ) (24) نظرت إلى هذين الصبيّين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما» (25).
وأما ما جاء من الرواية في ثواب زيارته، وفضل تربته، وكيفيّة أخذها، وغير ذلك ممّا يتعلّق بجلال رتبته، وعلوّ منزلته عند الله فكثيرة، وما ذكرناه كاف في هذا الباب.
ـــــــــــــــــــــــ
الهوامش
(1) تقدم في صفحة: 413
(2) كامل الزيارات: 52 و 53، ارشاد المفيد 2: 127، المصنّف لابن أبي شيبة 12:102 | 12244، سنن ابن ماجة 1: 51، الأدب المفرد للبخاري 1: 364 | 455، والتاريخ الكبير 8: 414 | 3536، مسند أحمد 4: 172، صحيح الترمذي 5:658 | 3775، المعجم الكبير للطبراني 3: 20 | 2586 و 2587 و 2589، مستدرك الحاكم 3: 177، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك، تاريخ ابن عساكر - ترجمة الامام الحسين (ع ) -: 79 | 112، اُسد الغابة 2: 19، جامع الأصول 9: 29، ذخائر العقبى: 33 1، سير أعلام النبلاء 3: 190، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 3 4: 270 | 35.
(3) إيهِ: اسم سُميَ به الفعل، لأن معناه الأمر. تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل:إيهِ (بكسر الهاء). قال ابن السكيت: فإن وصلت نؤنت فقلت: إيهٍ حدثنا. »الصحاح - أيه - 6: 2226».
(4) قرب الاسناد: 101 | 339، أمالي الصدوق: 361، ارشاد المفيد 2: 128، أمالي الطوسي 2: 172، مناقب ابن شهرآشوب 3: 393، مقتل الخوارزمي: 105، تاريخ ابن عساكر - ترجمة الإمام الحسين [عليه السلام] - 116 - 117 |154 - 156، أسد الغابة 2: 19، ذخائر العقبى: 134، الاصابة: 1: 332، وفي بعضها باختلاف يسير، ونقله المجلسي في بحار الأنوار43: 276 | 45.
(5) ارشاد المفيد 2: 129، دلائل الامامة: 72، مستدرك الحاكم 3: 176، دلائل النبوة للبيهقي 6: 468، مقتل الخوارزمي 1: 158، البداية والنهاية 6: 230.
(6) عيون أخبار الرضا (ع ) 2: 25 | ضمن حديث 5.
(7) ارشاد المفيد 2: 130، كشف الغمة 2: 7.
(8) ارشاد المفيد 2: 130، كشف الغمة 2: 8، وروى مضمونه اليعقوبي في تاريخه 2: 245.
(9) تاريخ بغداد ا: 2 4 1، تاريخ ابن عساكر - ترجمة الإمام الحسين [عليه السلام] - 241 | 286، الفردوس لابن شيرويه 3: 187 | 4515.
(10) ارشاد المفيد 2: 32 1، مجمع البيان 3: 502، كشف الغمة 2: 9.
(11) ارشاد المفيد 2: 132، كشف الغمة 2: 9، طبقات ابن سعد - ترجمة الامام الحسين [عليه السلام] - ج 8 انظر: مجلة تراثنا العدد 10: ص 200 ح 326، تاريخ ابن عساكر - ترجمة الامام
علي [عليه السلام] -: 245 | 298، وباختلاف يسير في: المعجم الكبير للطبراني 3: 122 | 2840، ونحوه في: سير أعلام النبلاء 3: 312، وتاريخ الاسلام للذهبي: ص 15حوادث سنة 61.
(12) دلائل النبوة للبيهقي 6: 471، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 3: 127 |2856، والذهبي في سير أعلام النبلاء 3: 314، وتاريخ الاسلام: ص 16 حوادث سنة 61، والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 197.
(13) دلائل النبوة للبيهقي 6: 472، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 3: 120 | 2836، وابن عساكر في تاريخه - ترجمة الامام الحسين [عليه السلام]-: 242 | 289، والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 196.
(13) دلائل النبوة للبيهقي 6: 472، ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء 3: 313، وتاريخ الاسلام: ص 15 حوادث سنة 61.
(15) مسند أحمد 1: 242 و 283، المعجم الكبير للطبراني 3: 116 | 2822، مستدرك الحاكم 4: 397، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك، دلائل النبوة للبيهقي 6: 471، تاريخ بغداد 1: 142، تاريخ ابن عساكر - ترجمة الامام الحسين [عليه السلام] -: 261 | 325، اُسد الغابة 2: 23، سير أعلام النبلاء 3:315، تاريخ الاسلام للذهبي: ص 17 حوادث سنة 61، البداية والنهاية 6: 231، تهذيب التهذيب 2: 355، مجمع الزوائد 9: 194.
(16) طبقات ابن سعد - ترجمة الامام الحسين [عليه السلام] - ج 8 انظر: مجلة تراثنا العدد 10: ص 199ح 321، دلائل النبوة للبيهقي 6: 471، تاريخ ابن عساكر - ترجمة الامام الحسين [عليه السلام] - 244 |295، سير أعلام النبلاء 3: 312.
(17) الطور 52: 21.
(18) أمالي الطوسي ا: 324.
(19) مناقب ابن شهرآشوب 3: 383.
(20) مستدرك الحاكم 3: 166، وباختلاف يسير في: إرشاد المفيد 2: 28، وتاريخ ا بن عساكر - ترجمة الامام الحسين (ع )-: 97 - 98 | 131 و 132، كفاية الطالب: 422.
(21) الشنف: القرط الأعلى. « الصحاح - شنف - 4: 1383 ».
(22) الميس: ضرب من الميسان، أي ضرب من المشي في تبختر وتهاد، كما تميس الجارية العروس «العين 7: 323».
(23) ارشاد المفيد 2: 127، مناقب ابن شهرآشوب:395، وقطعة منه في: تاريخ بغداد 2:238، ومجمع الزوائد 9: 184، وكنز العمال 12: 121.
(24) الأنفال 8: 28، التغابن 64: 15.
(25) مسند أحمد 5: 4 35، صحيح الترمذي 5: 658 | 3774، تاريخ ابن عساكر - ترجمة الإمام الحسين [عليه السلام] -: 107 | 144 و145.
محب الائمة للموت
27-12-2010, 04:29 PM
ما قيل في الإمام الحسين عليه السلام
1.
إن الشيعة في جميع أنحاء العالم الإسلامي يحيون ذكرى الحسين ومقتله ويعلنون الحداد عليه في عشرة محرم الأولى كلها على مسافة غير بعيدة من كربلاء جعجع الحسين إلى جهة البادية، وظل يتجول حتى نزل في كربلاء وهناك نصب مخيمه، بينما احاط به اعداؤه ومنعوا موارد الماء عنه وما تزال تفصيلات تلك الوقائع واضحة جلية في أفكار الناس إلى يومنا هذا كما كانت قبل 1257 سنة وليس من الممكن لمن يزور هذه المدن المقدسة ان يستفيد كثيراً من زيارته ما لم يقف على شيء من هذه القصة لأن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس وهي من القصص القليلة التي لا استطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء.
الكاتبة الإنكليزية - فريا ستارك
2.
على مقربة من مدينة كربلاء حاصر هراطقة يزيد بن معاوية وجنده الحسين بن علي ومنعوا عنه الماء ثم اجهزوا عليه، انها أفجع مآسي الإسلام طراً. جاء الحسين إلى العراق عبر الصحراء ومعه منظومة زاهرة من أهل البيت وبعض مناصريه، وكان أعداء الحسين كثرة، وقطعوا عليه وعلى مناصريه مورد الماء واستشهد الحسين ومن معه في مشهد كربلاء، وأصبح منذ ذلك اليوم مبكى القوم وموطن الذكرى المؤلمة كما غدت تربته مقدسة. وتنسب الروايات المتواترة إلى أن الشمر قتل الحسين لذا تصب عليه اللعنات دوماً وعلى كل من قاد القوات الأموية ضد شهداء كربلاء، فالشمر صنو الشيطان في الأثم والعدوان من غير منازع.
الباحثة الإنكليزي. أ.س ستيفينس
3.
أخذ الحسين على عاتقه مصير الروح الإسلامية، وقتل في سبيل العدل بكربلاء.
المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون
4.
لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة.
الآثاري الإنكليزي وليم لوفتس
5.
أصبح اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي وهو العاشر من محرم يوم حداد ونواح عند المسلمين ففي مثل هذا اليوم من كل عام تمثل مأساة النضال الباسل والحدث المفجع الذي وقع للإمام الشهيد وغدت كربلاء من الأماكن المقدسة في العالم، وأصبح يوم كربلاء وثأر الحسين صيحة الاستنفار في مناهضة الظلم.
المستشرق الأميركي فيليب حتي
6.
إن مأساة مصرع الحسين بن علي تشكل أساساً لآلاف المسرحيات الفاجعة.
العالم الانثروبولوجي الأميركي - كارلتون كون
7.
إن الإمام الحسين وعصبته القليلة المؤمنة عزموا على الكفاح حتى الموت وقاتلوا ببطولة وبسالة ظلت تتحدى اعجابنا وأكبارنا عبر القرون حتى يومنا هذا.
الكتاب المؤرخ الإنكليزي السيد برسي سايكس
8.
الكتب المؤلفة في مقتل الحسين تعبر عن عواطف وانفعالات طالما خبرتها بنفس العنف أجيال من الناس قبل ذلك بقرون عديدة. ان واقعة كربلاء ذات أهمية كونية، فلقد أثرت الصورة المحزنة لمقتل الحسين الرجل النبيل الشجاع في المسلمين تأثيراً لم تبلغه أيّة شخصية مسلمة أخرى.
المستشرق الأميركي غوستاف غرونييام
9.
نشبت معركة كربلاء التي قتل فيها الحسين بن علي، وخلفت وراءها فتنة عميقة الأثر، وعرضت الأسرة الأموية في مظهر سيء، ولم يكن هناك ما يستطيع أن يحجب آثار السخط العميق في نفوس القسم الأعظم من المسلمين على السلالة الأموية والشك في شرعية ولا يتهم.
العالم الإيطالي - الدومييلي
10.
لم يكن هناك أي نوع من الوحشية أو الهمجية، ولم ينعدم الضبط بين الناس.. فشعرت في تلك اللحظة وخلال مواكب العزاء وما زلت أشعر بأني توصلت في تلك اللحظة إلى جميع ما هو حسن وممتلئ بالحيوية في الإسلام، وأيقنت بأن الورع الكامن في أولئك الناس والحماسة المتدفقة منهم بوسعهما أن يهزا العالم هزا. فيما لو وجّها توجيهاً صالحاً وانتهجا السبل القويمة ولا غرو فلهؤلاء الناس واقعية فطرية في شؤون الدين.
الكتاب الإنكليزي توماس لايل
11.
قام بين الحسين بن علي والغاصب الأموي نزاع دام، وقد زودت ساحة كربلاء تاريخ الإسلام بعدد كبير من الشهداء.. اكتسب الحداد عليهم حتى اليوم مظهراً عاطفياً.
المستشرق الهنغاري أجنانس غولد تسيهر
12.
إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي.
الباحث الإنكليزي - جون أشر
13.
أنا هندوسي بالولادة، ومع ذلك فلست أعرف كثيراً من الهندوسية، واني أعزم أن أقوم بدراسة دقيقة لديانتي نفسها وبدراسة سائر الأديان على قدر طاقتي. وقال: لقد تناقشت مع بعض الأصدقاء المسلمين وشعرت بأنني كنت أطمع في أن أكون صديقاً صدوقاً للمسلمين. وبعد دراسة عميقة لسائر الأديان عرف الإسلام بشخصية الإمام الحسين وخاطب الشعب الهندي بالقول المأثور: على الهند إذا أرادت أن تنتصر فعليها أن تقتدي بالإمام الحسين. وهكذا تأثر محرر الهند بشخصية الإمام الحسين ثائراً حقيقياً وعرف أن الإمام الحسين مدرسة الحياة الكريمة ورمز المسلم القرآني وقدوة الأخلاق الإنسانية وقيمها ومقياس الحق.. وقد ركّز غاندي في قوله على مظلومية الإمام الحسين بقوله: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فانتصر
الزعيم الهندي المهاتما غاندي
14.
1- ما أظن أن إنساناً في مسرح التاريخ والبطولة، استطاع أو يستطيع أن تكون له مثل هذه الكفاءات العالية، والمواهب الفريدة النادرة.. غير الإمام الحسين (عليه السلام) ليمثل هذا الدور الجوهري الخطير في قيادة حركة الإيمان وإحياء دعوة الإسلام.
2- إن دروس الحسين (عليه السلام) دروس عميقة بالغة الأثر والتأثير، تعلمنا - إضافة لدروس التضحية والبطولة والفداء أن ننظر إلى الأمور نظرة بعيدة مديدة، عميقة محيطة مترامية، فيكون جهادنا وفداؤنا قرباناً للأجيال المتحدرة والأحقاب المتلاحقة، لا أن يكون قرباناً عابراً، يستهدف اللحظة الراهنة.
لبيب بيضون: من كتابه (خطب الإمام الحسين على طريق الشهادة)
15.
1- إن ثورة الحسين كانت الوهج الساطع الذي أضاء المسالك لمن أراد المسيرة بالإسلام في طريقها الصحيح والمرآة الصافية للتخلص من الحاضر الذي كانت تعيشه الأمة ومن واقعها الذي كانت ترسف في أغلاله.
2- لقد كان الحسين الوارث الوحيد لتلك الثورة التي فجرها جده الرسول الأعظم على الجاهلية الرعناء والعنصرية والوثنية لإنقاذ المستضعفين في الأرض من الظلم والتسلط والاستعباد.
3- لقد وقف الحسين وقفته العظيمة التي صيرت العقول بما فيها من معاني البطولات والتضحيات التي لم يحدث التاريخ بمثلها في سبيل العقيدة والمبدأ وحرية الإنسان وكرامته.
هاشم معروف الحسيني: من كتابه (من وحي الثورة الحسينية)
16.
1- إن الحسين عند شيعته والعارفين بأهدافه ومقاصده ليس اسماً لشخص فحسب، وإنما هو رمز عميق الدلالة، رمز للبطولة والإنسانية والأمل وعنوان للدين والشريعة والفداء والتضحية في سبيل الحق والعدالة.
2- دماء كربلاء لم تكن ثمناً لحرية فرد أو شعب أو جيل بل ثمناً للدين الحنيف والإنسانية جمعاء ثمناً لكتاب الله وسنة الرسول ومن هنا كان لها ما للقرآن والإسلام من التقديس والإجلال.
محمد جواد مغنية: من كتابه (المجالس الحسينية)
17.
1- لم تعد ثورة الحسين (عليه السلام) تمثل حركة شخصية أو مصيبة فردية ليقال أنه مضى زمانها وانتهى وقتها وإنما هي رمز للاستشهاد وفي سبيل الحق وهي بذلك سوف تعيش في ضمير الإنسان ووجدانه ما بقي هذا الإنسان.
الشيخ حسين معتوق
18.
1- كل ما في عالمنا اليوم من إسلام ومسلمين بالمعنى الصحيح فإنهما مدينان في البقاء لفضل ثورة الحسين (عليه السلام) وإن بقائهما أهم ثمرات تلك الثورة.
الشيخ عبد الوهاب الكاشي: من كتابه (مأساة الحسين)
19.
1- البكاء على الحسين (عليه السلام) يوجب قبول التوبة وهو سبب طهارة القلب من الأوساخ، وبالطبع فإن جميع الخلق محتاجون إلى الشفاعة.
2- إن الله يظهر عزّة الحسين (عليه السلام) كما أن الحسين (عليه السلام) أظهر عزّة الله في عاشوراء.
3- إن الأجر الذي يعطيه الله لمن يتذكر مصيبة الحسين (عليه السلام) في أي وقت من الأوقات، تلك المصائب التي تحرق القلب، وتنهمر منها الدموع، هو أجر مصيبة الحسين (عليه السلام).
آية الله السيد عبد الحسين دستغيب:
20.
1- الحسين استهان بالحياة، اعتزازاً بدينه، وحرصاً على كرامة أمته، فقابلهم بعزيمة وثبات، وإصرار على مواجهة الأخطار مهما كان نوعها.
العلامة الشيخ أسد حيدر: من كتابه (مع الحسين في نهضته)
21.
1- كانت ثورة الحسين (عليه السلام) السبب في انبعاث الروح النضالية في الإنسان المسلم من جديد بعد فترة طويلة من الهمود والتسليم.
2- ثورة الحسين قدمت للإنسان المسلم أخلاقاً جديدة تقول له: لا تستسلم، لا تساوم على إنسانيتك، ناضل قوى الشر ما وسعك، ضح بكل شيء في سبيل مبدئك.
الشيخ محمد مهدي شمس الدين: من كتابه (ثورة الحسين: ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية)
22.
1- لم تكن مسيرة الحسين (عليه السلام) غير ثورة في الروح لم ترض بسيادة الغيّ والجهل والغباء.
2- ما أروع الحسين في جهازه النفسي المتين، يتلقط بكل حدث من الأحداث التي دارت بها أيامه، ليصوغ من احتكاكها الشرارة الأصلية التي تدفأ بها ضلوع الأمة وهي تمشي دروبها في ليالي الصقيع.
سليمان كتاني
23.
1- الحسين ليس حكراً على طائفة وإن هو إمام لكل المسلمين وسبط رسول الله الذي هو بني الأمه جمعاء واستشهد من أجل دين الله ودفاعاً عن حقوق عباد الله.
2- ثار الحسين على كل هذا التحول الرجعي الذي حدث في حياة الأمه وأراد إصلاحها بإيقاظ روخح التضحية، والنضال في أعماقها وبإعادة الثقة بنفسها.
الشيخ حسن الصفار: من كتابه (الحسين ومسؤولية الثورة)
24.
1- الحسين بن علي بن أبي طالب أقعد نسب في التأريخ وأشرف نسب عرفه التأريخ.
2- الحسين بن علي قحة العطاء الإنساني بعد جده وأبيه.
3- الحسين بن علي معين الحياة الذي لا ينضب وروحها التي لا تهرم وقلبها الذي لا يهدأ.
4- الحسين جو الإباء المتجسد على الأرض وهو الصلابة الحقة في وجه الظالم الفاني.
5- الحسين مدرسة شاملة في الأدب والسلوك والصلابة والتمسك بالمبدأ.
عبد الودود الأمين : من كتابه (الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) الشهيد)
25.
1- إلى ذكرى أمي التي علمتني منذ طفولتي أن أحب الحسين(عليه السلام)، ذلك الحب الحزين الذي يخالطه الإعجاب والإكبار والشجن، ويثير في النفس أسى غامضاً، وحنيناً خارقاً للعدل والحرية والإخاء وأحلام الخلاص).
عبد الرحمن الشرقاوي : من مقدمة الإهداء لمسرحيته (الحسين ثائرا وشهيدا)
(يوم عاشوراء) هو يوم تجدد المواقف بين الحق والباطل انتصر الله فيه بالحق على الباطل بموسى على فرعون وبالحسين على يزيد وهو فرعون هذه الأمة.
الشيخ أحمد بدر الدين الحسون : مفتي حلب الأكبر
26.
1- واقعة كربلاء لم تكن موقعه عسكرية انتهت بانتصار وانكسار بل كانت رمزاً لموقف أسمى لا دخل له بالصراع بين القوة والضعف، بين العضلات والرماح بقدر ما كانت صراعاً بين الشك والإيمان بين الحق والظلم.
2- آثر الحسين (عليه السلام) صلاح أمة جده الإنسانية الهادية بالحق العادلة به على حياته، فكان في عاشوراء رمزاً لضمير الأديان على مر العصور.
3- لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبر، ولدعونا الناس إلى المسيحية بإسم الحسين.
إنطون بارا :من كتابه (الحسين في الفكر المسيحي)
27.
(الحالة الحسينية ليست مقتصرة على الشيعة فحسب، إنما هل عامة وشاملة ولهذا فإننا نجد أن ارتباط الثورة الحسينية بمبدأ مقارعة الظلم جعلها قريبة جداً من الإنسان (أيا كانت ديانته وعقيدته لأنه ما دام هناك ظالم ومظلوم فلا بد أن يكون هناك يزيد والحسين كرمزين أساسيين لكل من الجهتين.
الدكتور بولس الحلو
28.
(دمعت عيناي على الحسين (عليه السلام) فقادني جرحي النازف إلى التشييع.
المحامي الأردني: أحمد حسين يعقوب
29.
لقد شيعني الحسين (عليه السلام) حقيقة، لأنه وضعني على عتبة التشيع، وأتمنى أن يشيعني مرة ثانية، لينطلق بي إلى الفضاءات الأوسع في عالم التشيع.
السيد المغربي : إدريس الحسين من كتابه (لقد شيعني الحسين (عليه السلام)
30.
وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ وحتى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلها.
المستشرق الإنجليزي ادوار دبروان
إن كان الإمام الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال؟ إذن فالعقل يحكم أنه ضحى فقط لأجل الإسلام.
الكاتب الإنجليزي المعروف كارلس السير برسي
31.
هذه التضحيات الكبرى من قبيل شهادة الإمام الحسين رفعت مستوى الفكر البشري، وخليق بهذه الذكرى أن تبقى إلى الأبد، وتذكر على الدوام.
الهندوسي والرئيس السابق للمؤتمر الوطني الهندي تاملاس توندون
32.
يقال في مجالس العزاء أن الحسين ضحى بنفسه لصيانة شرف وأعراض الناس، ولحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ لتسلط ونزوات يزيد، إذن تعالوا نتخذه لنا قدوة، لنتخلص من نير الاستعمار، وأن نفضل الموت الكريم على الحياة الذليلة.
موريس دوكابري
33.
على الرغم من أن القساوسة لدينا يؤثرون على مشاعر الناس عبر ذكر مصائب المسيح، إلا أنك لا تجد لدى أتباع المسيح ذلك الحماس والانفعال الذي تجده لدى أتباع الحسين [عليه السلام] لا تمثل إلا قشة أمام طود عظيم.
توماس ماساريك
34.
حينما جنّد يزيد الناس لقتل الحسين وإراقة الدماء، وكانوا يقولون: كم تدفع لنا من المال؟ أما أنصار الحسين فكانوا يقولون لو أننا نقتل سبعين مرة، فإننا على استعداد لأن نقاتل بين يديك ونقتل مرة أخرى أيضاً.
الأديب المسيحي جورج جرداق
35.
حقاً إن الشجاعة والبطولة التي أبدتها هذه الفئة القليلة، على درجة بحيث دفعت كل من سمعها إلى إطرائها والثناء عليها لا إرادياً. هذه الفئة الشجاعة الشريفة جعلت لنفسها صيتاً عالياً وخالداً لا زوال له إلى الأبد.
المستشرق الإنجليزي السير برسي سايكوس
محب الائمة للموت
27-12-2010, 04:30 PM
اللهم انصرني على الظالمين
Dr.Zahra
28-12-2010, 05:48 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
السلام على أم الأطهار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
..
أخي الكريم تم اضافة باقي اجزاء الموضوع
ان شاء الله سننقل موضوعكم غدا الى منتدى الثوره الحسينينه..
علما لدي ملاحظه التوقع الخاص بكم كبير حجما لذلك نتمنى منكم تصغيره
وقد قمت بتصغير حجم التوقيع لكم
ان احببتم استعماله..
http://www.alshiaclubs.com/upload//uploads/images/alshiaclubs-64853c36f7.jpg
http://www.r-mbd3.com/vb/uploaded/13371_01197114023.gif (http://fashion.azyya.com/redirector.php?url=http%3A%2F%2Fwww.r-mbd3.com%2Fvb)
ودمتم محاطين بالألطاف المهدويه..
محب الائمة للموت
28-12-2010, 01:54 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
السلام على أم الأطهار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
..
أخي الكريم تم اضافة باقي اجزاء الموضوع
ان شاء الله سننقل موضوعكم غدا الى منتدى الثوره الحسينينه..
علما لدي ملاحظه التوقع الخاص بكم كبير حجما لذلك نتمنى منكم تصغيره
وقد قمت بتصغير حجم التوقيع لكم
ان احببتم استعماله..
http://www.alshiaclubs.com/upload//uploads/images/alshiaclubs-64853c36f7.jpg
http://www.r-mbd3.com/vb/uploaded/13371_01197114023.gif (http://fashion.azyya.com/redirector.php?url=http%3a%2f%2fwww.r-mbd3.com%2fvb)
ودمتم محاطين بالألطاف المهدويه..
مشكووور اختي وجااااري تعديل النوقيع
vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
Jannat Alhusain Network © 2024