المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صلح الحديبية قسم المسلمين: الرسول وحزبه وعمر وحزبه


عاشق داحي الباب
03-01-2011, 08:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد

الوهابية تـهدم دينها !
يطرح الوهابيون إشكالا مفاده أن الصحابة وعلي بن أبي طالب قد تركوا أمر النبي في الحديبية فلا داعي للتفريق بين موقف عمر وموقف علي فكلاهما لم يحلقا رأسيهما عندما أمرهما النبي بذلك !

وطرح الوهابين هذا الإشكال على الإمام علي عليه السلام يعد من الغرائب ، لأن هذا إقرار منهم أن الصحابة يخالفون أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويعصونه جهارا عيانا وهو حي بين أظهرهم ! بل إن إشكالهم هذا يدل على أنـهم على يقين من أن الصحابة كلهم أجمعين قد خالفوا أمر النبي وعصوه وصاروا يردون عليه في حياته ! وإلا لو احتملوا أن بعض الصحابة قد كانوا مع النبي قلبا وقالبا لما صح أن يوجهوا الإشكال للإمام علي عليه السلام لأنه يدخل ضمن من يحتمل كونه مع النبي وليس ضده ، إذ صريح روايات الصحيحين تقول أن المتمرد على الرسول الوحيد المصرح باسمه هو عمر بن الخطاب فلا معنى لتوجيه الإشكال على غيره لولا أنهم يعتقدون أن كل الصحابة قد تمردوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا هدم لدينهم المهترئ القائم على أن الصحابة لا يعصون النبي وأنهم من المستحيل أن يتركوا أمرا أمرهم به بعد حياته ! مع أنهم هنا يعترفون أنهم فعلوا ما فعلوا في حياته وأمام عينيه !!

الحقد على الشيعة يعمي ويصم !
وهم في واقع الأمر لم يلتفوا لهذه الطامة التي أتوا بـها إذ أصمهم وأعماهم هدفهم الوحيد في أن يكف الشيعة عن ذكر هذا الواقع والتستر على التمرد الذي قاده عمر بن الخطاب فلذلك أقحموا الإمام علي عليه السلام في زمرة العصاة التي ترأسها سيدهم عمر كي يخاف الشيعة من تشويه صورة الإمام علي عليه السلام فيكفوا عن ذكر مأساة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية !!

عمر بن الخطاب يشك في إسلامه ويتهم النبي بالكذب !!
خفي على الوهابية أن هذا الإشكال لا قيمة له عند الشيعة ولا يخدش كرامة الصحابة المخلصين من حول النبي فضلا عن خدش ساحة وصي رسول الله وأسد الله الغالب علي بن أبي طالب ، لما سنبينه بعد قليل ، وأما عمر بن الخطاب فإن ما فعله يوم الحديبيبة كان أمرا عظيما وخطرا جسيما لا يغسل مدى الدهر ، فإن عمر بن الخطاب قد اعترف في ذلك الموقف أنه قد شك في إسلامه ، كما في صحيح ابن حبان وغيره ، وجعل يرد القول على رسول الله ! والنبي علم منه أنه يطعن في نبوته لذلك صار يقول له : إني رسول الله ! فلم يقنع عمر وصار يذكر النبي بكلامه السابق من أنـهم سيطوفون بالبيت ! وكأن النبي قد كذب عليهم والعياذ بالله !! ثم ذهب إلى أبي بكر غاضبا من النبي !! وقال له ( أليس هذا نبي الله ) !! ثم لم يقنع عمر حتى عمل أعمالا لنقض الصلح !! فالنبي يصالح وعمر يسعى لنقضه !! :

صحيح ابن حبان ج11ص224 : " فقال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ألست رسول الله حقا ؟ قال : بلى ! قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى ! قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذن ؟ قال : إني رسول الله ! ولست أعصي ربي وهو ناصري . قلت : أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ! قال : بلى ! فخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قال : لا . قال : فإنك تأتيه فتطوف به . قال : فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا ؟! قال : بلى ! قلت : أو لسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى ! قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذن ؟ قال : أيها الرجل إنه رسول الله ! وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه حتى تموت فوالله إنه على حق . قلت : أوليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : بلى ! قال : فأخبرك أنا نأتيه العام ! قلت : لا . قال : فإنك آتيه وتطوف به . قال عمر بن الخطاب : فعملت في ذلك أعمالا يعني في نقض الصحيفة " .
وتفسير الطبري ج26 ص100:" قال عمر بن الخطاب والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ ".وأخرجه البخاري ج2ص978 وتستر كعادته على شكه في اسلامه !

صحيح البخاري ج4ص1832وصحيح مسلم ج3ص1411 : " فقال : يا بن الخطاب ! إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا قال : فانطلق عمر فلم يصبر متغيظا فأتى أبا بكر".

رواية البخاري تطعن في كل الصحابة !
ونحن قلنا سابقا أن هذا التخلف العملي من الصحابة لا يعني أنـهم بأجمعهم رفضووا صلح النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ لا ريب أن بعضهم كانوا من المخلصين الذين يسلمون للنبي تسليما ، فنحن ننـزه الإمام علي عليه السلام وغيره من المخلصين من الوقوع في هذا التمرد بخلاف رواية البخاري التي تجعل هذا التمرد والخروج عن الشريعة أمرا عاما شاملا لكل الصحابة لتجعل من رأي عمر بن الخطاب رأي كل المسلمين وأن تمرده ليس إلا انعكاسا لما في صدور المسلمين كلهم !!

صحيح البخاري ج2ص978: " فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : قوموا فانحروا ثم احلقوا . قال : فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت أم سلمة : يا نبي الله أتحب ذلك ؟ أخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ".
وآخر الرواية يصرح أن الصحابة نافقوا ولم يسلموا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كما أمرهم الله سبحانه ، وإنما فقط امتثلوا فعلا دون رضا قلبي بأمر الله سبحانه ! وهذا عين النفاق والعياذ بالله .

عمر بن الخطاب ابتعد حتى لا ينـزل الله فيه قرآن من السماء !!
وقد اعترف عمر أيضا -كما في رواية مسند أحمد الصحيحة- أنه كان يخشى في تلك الحادثة أن ينـزّل الله فيه قرآنا يفضحه ويكشف عن نواياه ، لذلك ركب دابته وابتعد عن المسلمين مخافة أين يكون نزل فيه شيء ، ولما صاح به المسلمون ظن أن قد أنزل الله فيه قرآنا من السماء يذمه !!

مسند أحمد ج1ص31ح209 : " حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو نوح ثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال : ثم كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قال فسألته عن شيء ثلاث مرات فلم يرد علي . قال فقلت لنفسي : ثكلتك أمك يا بن الخطاب نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فلم يرد عليك قال فركبت راحلتي فتقدمت مخافة أن يكون نزل في شيء قال : فإذا أنا بمناد ينادي : يا عمر . أين عمر ؟ قال : فرجعت وأنا أظن أنه نزل في شيء . قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم نزلت علي البارحة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ".
وهذا الخوف والرعب في قلب عمر من نزول الآيات ذامة له يدل على أن صدر عمر قد انطوى على نوايا لا يعلمها إلا الله وأنه قد فعل أمورا عظيمة وطامات مخيفة والعياذ بالله .

بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما نزلت السورة عليه بعث إلى عمر يخبره أن الله قد سمى ما أنكرته وتمردت عليه "فتحا مبينا" واهتمام النبي صلى الله عليه وآله باخبار عمر بن الخطاب بذلك لعلمه عليه وعلى آله الصلاة والسلام أن قائد حركة التمرد تلك هو عمر بن الخطاب .

صحيح مسلم ج3ص1411 : " فقال يا بن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا قال فنـزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه ".

سورة الفتح تفضح عمر بن الخطاب
والآيات الكريمة لم تسكت عما فعله عمر بن الخطاب وما صنعه من تيهييج للصحابة ومحاولة نقض الصلح كما اعترف هو بنفسه ، فجاءت سورة الفتح معرضة بموقف عمر بن الخطاب بل إن اسم السورة فضح تمرد عمر بن الخطاب وسوء تصرفه الذي كان يزعم أن هذا الصلح من اعطاء الدنية في الدين ونقيض العزة للمسلمين !!
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}(الفتح/1-3) .

وأول السورة يحكي أن الله قد أنزل سكينته في قلوب المؤمنين ، وواضح أن عمر لم تشمله هذه السكينة وحرم منها ، ثم تعرضت لذكر المنافقين والمشركين والظانين بالله ظن السوء ولا ريب أن كبيرهم هو ابن الخطاب بلا منازع .
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }(الفتح/4-6).

ثم ذكرت الآيات أن الله قد أنزل السكينة على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعلى المؤمنين بعد أن جعل الذين كفروا في قلوبـهم الحمية {هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}(الفتح/25). إلى قوله {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(الفتح/26).

ومن البديهي بعد كل تلك الروايات الصحيحة أن عمر لم تشمله تلك السكينة إذ غضب عمر بن الخطاب على النبي ! واتـهمه بالكذب عليهم ! وشك عمر في إسلامه ! وفعل ما فعل وخاف من نزول آيات تفضحه وحاول أن يفسد الصلح و و و ! فلا شك أن عمر بن الخطاب هو الشخص الوحيد الذي نتيقن أن الله لم يشمله بالسكينة التي شملت المؤمنين .

الله عز وجل ينصر النبي ويكذب دعاوى عمر
ثم نصر الله عز وجل نبيه وفضح مقالة ابن الخطاب التي كان يشكك بـها في مصداقية النبي وصدق اخباره ، حيث كان ابن الخطاب يقول للنبي كما في البخاري :
" قلت : أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ! قال : بلى ! فخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قال : لا . قال : فإنك تأتيه فتطوف به ".
فرد الله على ابن الخطاب وحزبه الظانين بالله ظن السوء قائلا وهتك خيوط العنكبوت التي كانوا يشبثون بـها بزعم أن النبي قد اخبرهم بأمر فخالفه ! فقال عز من قائل :
{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}(الفتح/27-28).

مدح الله المؤمنين المطيعين بعد ذمه للمنافقين المتمردين
ثم بعد كل هذه الآيات التي تحكي واقع المشركين والمنافقين في صلح الحديبية وما فعلوه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومخالفة أمره وتمردهم عليه جاءت الآية الشريفة مباشرة لتمدح من كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلبا وقالبا ، يآزرونه وينـصرونه ولا يتخلفون عن أمره :
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }(الفتح/29).
فنعلم حينها أنه من المستحيل أن تشمل هذه الآية الشريفة عمر بن الخطاب ومن هو على شاكلته ممن عصى أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطعن في صدقه وعمل الأعمال لافساد الصلح وليتمرد بقية الصحابة عن أوامر الله ورسوله ، ونعلم كم هو مخطئ من يفصل هذه الآية الكريمة عن سياق الآيات السابقة وعن أصل الحادثة التي لأجلها نزلت سورة الفتح المباركة .

موقف الإمام علي عليه السلام والصحابة الأخيار في الحديبية
ومن المعلوم أن الإمام علي عليه السلام تربية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد رباه من صغره إلى أن كبر ، وقد جاء عنه عليه السلام أنه قال :

" ولقد كنت أتبع النبي اتباع الفصيل لأمه وكنت أرى نور الوحي وأشم ريح النبوة ، ولقد سمعت رنة الشيطان إذ نزل على النبي الوحي ، فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنة ؟ فقال : هذه رنة الشيطان ، أيس أن يعبد بعد ذلك ، إنك ترى ما أرى وتسمع ما أسمع إلا أنك لست بنبي بل وزير ... إلخ ".

والإمام علي عليه السلام هو وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبمنزلة هارون من موسى وقد قال الله تعالى عن لسان موسى : ( واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا ) فأجابه الله ( قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننا عليكك مرة أخرى ) .
فالإمام علي عليه السلام هو من شد الله به عضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأيده في نصرة دينه مناجزة الكفار وكسر لواء الشرك بسيفه وهذا معلوم لكل من أنصف ، وقد استنثى النبي من هذه المنزلة النبوة فقط حيث قال ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) .

وبعد هذا نقول : إن امتثال الإمام علي عليه السلام لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من البديهيات الذي لا يشك فيه أحد فضلا عن أن يشك فيه أعلم الناس بطاعة علي له وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فحينها لا يتصور شمول حث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتأنيبه للمعارضين لأمره لشخص الإمام علي عليه السلام ، بل لو خاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإمام علي بـهذا الحث الشديد مع علمه المسبق أنه يتبعه اتباع الفصيل لأمه ولم يعص له أمرا وهو منه كنفسه من نفسه لكان خطابا غير عقلائي وحاشاه أرواحنا فداه لأنه كمن يحث من يشرب الماء الآن على شرب الماء !!
ولو تصورنا الحادثة تصويرا صحيحا لعلمنا صدق هذا الأمر ، فالإمام علي عليه السلام كان يعلم أن النبي يواجه مشكلة مع هؤلاء ولم يكن يواجه مشكلة معه شخصيا لذلك كان يقف مع النبي قلبا وقالبا وينتظر امتثال أولئك القوم لأمره ، ولا نقول أن هذا الأمر قد اختص بالإمام علي عليه السلام فلعل مجموعة من الصحابة الطيبين كانوا كذلك يقفون مع النبي يريدون من أولئك أن يمتثلوا لأمر النبي وعدم تحرك هؤلاء المطيعين لا يعني أنهم لا يقبلونه وإنما ينتظرون نهاية هذا التمرد الذي قاده عمر بن الخطاب كما صرحت رواية البخاري ومسلم ، فحينها نقول :
لا وجه للإشكال على عدم تحرك بعض الصحابة –وعلى رأسهم الإمام علي عليه السلام- الذين نعلم أنـهم يمتثلون أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يخالفونه فيه ، لأن المهم في المسألة هو روح الامثال وليس التحرك الفعلي ، إذ لو قصرنا الأمر على التحرك الفعلي لدخل النبي نفسه تحت الإشكال ولقيل لماذا لم يطع النبي أمر الله ولم يحلق حتى ترك القوم ودخل على أم سلمة رضوان الله تعالى عليها وأشارت عليه بذلك ثم ذهب وحلق ؟! فاتضح من سخافة توجه هذا الإشكال على عدم تحرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن القضية ليست معلقة على التحرك الفعلي وإنما على الرضا القلبي التي يستتبعه هذا التحرك ، والرضا القلبي حاصل لا فقط عند الإمام علي عليه السلام وإنما عند الصحابة الطيبين الذين نوقرهم ونفديهم بالغالي والنفيس .

هذا الإشكال لا يتجه على من هذا حاله من الصحابة فكيف يتجه على وصي رسول الله ووزيره الذي شد الله عضده به ومن منزلته من النبي منزلة هارون من موسى ومن قال له النبي ( يا علي أنت مني وأنا منك ) ؟!!! هذا لا يتصور أصلا .

ورواية الكافي الشريف تبين هذه الحقيقة وهي أن أمر المعصوم لجماعة فيها المعصوم يتوجه للجماعة دونه لأنه كنفس المعصوم التي بين جنبيه ومن غير المناسب أن يوجه الرجل الطلب إلى نفسه ومن واقعه العملي هو الامتثال للأمر بمجرد صدوره دون تردد ، وفي الحقيقة إن هذه الرواية المروية عن أهل بيت العصمة تقصم ظهر هذا الإشكال وترميه في صندوق السخافات ، التي يسع كثير من كلمات الوهابية .

وهذه هي الرواية الشريفة :
الكافي ج8ص227 : " عن أبي مريم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أبي –الإمام زين العابدين- يوما وعنده أصحابه : من منكم تطيب نفسه أن يأخذ جمرة في كفه فيمسكها حتى تطفأ ؟ قال : فكاع الناس كلهم ونكلوا ، فقمت وقلت –أي قال أبو جعفر الباقر عليه السلام- : يا أبة أتأمر أن أفعل ؟ فقال : ليس إياك عنيت ، إنما أنت مني وأنا منك ، بل إياهم أردت . قال : وكررها ثلاثا ، ثم قال : ما أكثر الوصف وأقل الفعل إن أهل الفعل قليل إن أهل الفعل قليل ، ألا وإنا لنعرف أهل الفعل والوصف معا وما كان هذا منا تعاميا عليكم بل لنبلو أخباركم ونكتب آثاركم فقال : والله لكأنما مادت بـهم الارض حياءا مما قال حتى أني لانظر إلى الرجل منهم يرفض عرقا ما يرفع عينيه من الارض فلما رأي ذلك منهم قال : رحمكم الله فما أردت إلا خيرا ، إن الجنة درجات فدرجة أهل الفعل لا يدركها أحد من أهل القول ودرجة أهل القول لا يدركها غيرهم . قال : فوالله لكانما نشطوا من عقال .

والمقطع الذي نقصده هو هذا : " يا أبة أتأمر أن أفعل ؟ فقال : ليس إياك عنيت إنما أنت مني وأنا منك ".
أيوجد أصرح من هذا ؟! وبعد أن جاء جاء النقل الصريح موافقا للعقل الصريح ، نقول : إن من كانت منزلته من رسول الله كنفس رسول الله وهو من الرسول والرسول منه كما قال له بسند صحيح في الترمذي ( يا علي أنت مني وأنا منك ) حينها لا يتصور أن يتوجه له الخطاب وأن يعنيه بالعتاب حينما عاتب النبي أصحابه الذين خالفوا أمره في الحديبية وإنما عتابه وتأنيبه يتوجه لمن خالف أمره ومن يتوقع منه ذلك وهو غير علي بن أبي طالب بالقطع واليقين ، ولا ريب أن عمر بن الخطاب رأس من خالف أمر النبي وتمرد عليه كما صرحت رواية البخاري ومسلم وغيرهما .

ابومحمدالموسوي
04-01-2011, 05:41 AM
وفقك الله للعلم والعمل
احسنت ايها الاخ العزيز
خادم داحي الباب
واسالك الدعاء

خادم المرتضى
04-01-2011, 05:44 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحسنتم كثيرا
بحث رائع, و قراءة موضوعيه جدا
لأحداث حدثت على أرض الواقع
لا ينكرها الا جاهل او معاند
مبارك مجهودك, و جعله الله في ميزان حسناتك