عبد الجليل احمد
12-01-2011, 02:29 AM
مدرسة الإمام الحسن عليه السلام
الإمام الحسن ( عليه السلام ) هو الوليد الأوّل البكر للزهراء ( عليها السلام ) الذي التقت به عناصر النبوة والإمامة، وكانت ولادته في النصف من شهر رمضان في السنة الثالثة للهجرة، ولقد غمرت النبي( صلى الله عليه وآله ) الفرحة والسعادة بميلاده ، ولمّا سمع بهذه البشرى جاء مسرعاً إلى بيت الزهراء فقدّم لـه الوليد الميمون ملفوفاً فى خرقة صفراء، فأماطها وقال: ( ألم انهكم أن تلفّوا الوليد في خرقة صفراء ) ثم استبدلها بخرقة بيضاء، وأذّن في اليمنى وأقام في الاُذن اليسرى، وفي اليوم السابع عقّ عنه بكبش.
وقد تربّى الحسن( عليه السلام ) في أحضان النبوة منذ الثالثة للهجرة حتى رُفع إلى الرفيق الأعلى ثم انتقل إلى أحضان الأمير وفاطمة ( عليهما السلام ) .
إذن ماذا يتكلم الفكر واللسان ؟ لابد لـه من العجز عن التحدث عن هذه الشخصية التي تربّت في هذه الأحضان الشريفة، ولكن دعنا نأخذ نماذج من هذه المدرسة ومن ربيعها، ومن تلك الصفات صفة الكرم والجود، ونلتفت إلى بعض القضايا التي تذكر في هذه الصفة:
فمنها: ماذكره الخطيب البغدادي في تاريخه أنه قال: روي عن الإمام الحسن بن علي أنه كان ماراً في حيطان المدينة - أي بستان - فرأى عبداً أسوداً بيده رغيف خبز يأكل ويطعم كلبه لقمة، إلى أن شاطره طعامه في الرغيف، فقال لـه الإمام الحسن عليه السلام : (( ما حملك على ما عملت وشاطرته ولم تعافيه فيه شيء؟ )) فقال الغلام : استحت عيناي من عينه.
فقال لـه الإمام: (( غلامُ مَن أنت؟ )) فقال:غلام أبان بن عثمان. فقال: (( والحائط؟ )). قال: لأبان بن عثمان فقال لـه الإمام الحسن عليه السلام : (( أقسمت عليك لا برحت حتى أعود إليك )).
فمرّ على صاحب الحائط فاشترى الحائط والغلام معاً، وجاء إلى الغلام فقال: (( يا غلام قد اشتريتك ))، فقال الغلام قائماً وقال: السمع والطاعة لله ولرسوله ولك يا مولاي. فقال الإمام: (( وقد اشتريت الحائط، وأنت حرٌ لوجه الله، والحائط هبة مني إليك )). فقال الغلام : يا مولاي قد وهبت الحائط للذي وهبتني لـه . انتهى.
وأيضاً مما يجدر بنا ذكره أن نتعرض إلى كرم الإمام وجوده، لابد من التعرض إلى هذه القضية التي توضح هذه المدرسة العظيمة إلى من يدعي أنه من أصحاب الأمام عليه السلام، ولا يكفي أن نجلس للعزاء من دون التفكر والتدبر في هذه الفصول.
فمما يذكر أنه كان يمرّ على فقراء المدينة فيجلس معهم ويأكل مع أولئك الفقراء المعدمين، ولم يأخذه شرف السيادة والرفعة، بل كان يوضح أن شرف السيادة هي هذه الخلق: الجلوس مع الفقراء وعدم الترفع عنهم لأجل جاه أو سلطان أو شرف، فيأكل مع الفقراء ثم يدعوهم إلى منزله ويقدم لهم أفضل الطعام ويأكل معهم.
هذه مدرسة الرسول ومدرسة الخلق العظيم، فليتعلم الإنسان العاقل من هذه المدرسة وليتفكر فيها، ونكتفي بهذا الفصل من هذه المدرسة.
بعد الانتهاء من إحدى فصول مدرسته عليه السلام نأتي إلى فصلٍ آخر، وهو فصل الحلم وكيفية التعامل بالخلق الحميد من هذه المدرسة التي تصفها الزهراء بقولها للإمام الحسن عليه السلام كما عن المفيد في الارشاد : ( كان الحسن أشبه الناس برسول الله خلقاً وهيئة وهدياً وسؤدداً ).
ويكفينا في هذا الفصل قضية الشامي وكيف تعامل الإمام معه، ذلك الشامي المتربي في أحضان معاوية عليه اللعنة، إذ دخل رجل من أهل الشام المدينة ذات يوم فرأى موكب الإمام الحسن عليه السلام مقبلاً تحفّه الهيبة والإجلال، ومن حوله الناس يتبركون بالنظر إليه، فسأل الشامي : لمن هذا الموكب؟ قيل له: للحسن بن علي. قال : يعني ابن أبي تراب؟ قيل: بلى.
فأقبل يشقّ طريقه حتى وصل إلى الإمام، أمسك بزمام بغلته وقال : أنت الحسن؟ فقال: (( بلى )) . قال: أبوك أبو تراب؟ قال: (( نعم )). فراح يشتم الحسن ويشتم أباه أمير المؤمنين، فوضع أصحاب الإمام أيديهم على قوائم سيوفهم، إلا أنّ النفس الكبيرة من الإمام حيث تبسم في وجهه ثم التفت إليه قائلاً: (( يا هذا أحسبك غريباً، هلمّ معي، إن كنت محتاجاً أغنيناك، أو ضالاً أرشدناك، أو جائعاً أطعمناك )). ثم بعد ذلك اصطحبه الإمام إلى داره وأكرمه وأحسن إليه.
فقال الشامي: دخلت المدينة وليس على وجه الأرض أهل بيت أبغض إليَّ منكم، وأنا الآن سأخرج وليس على وجه الأرض أهل بيت أحبّ إليَّ منكم، أشهد أنكم حجج الله على بريته( )... انتهى.
لو تمعّنا في هذه القضية لوجدنا فيها تلك العوامل التي ربما يعذَر فيها ذلك الشامي في شتمه للإمام الحسن عليه السلام وكيف أخذه الإمام بالحكمة، فإنّ هذا الشامي تربى عند معاوية الذي جعل في أذهان أهل الشام أنّ أرذل اُناس على وجه الأرض هم أتباع علي بن أبي طالب، وحاول بكل الطرق، حيث جعل ثلّة من أصحابه في دس تلك الروايات التي تذم علي بن أبي طالب وتجعل من علي بن أبي طالب ذلك الرجل البعيد عن الدين.
لاحظ كيف أخذ هذه المدحة التي ذكرت لعلي بن أبي طالب عليه السلام من تعظيم النبي لـه في قولـه: (أبو تراب)، والشواهد التي قيلت فيها للإمام علي عليه السلام ، مما يتضح لك إنها كانت من الاُمور والألقاب التي كان الإمام علي يفرح عندما يلقب بها، ولكن صوّر معاوية لأهل الشام أنها مذمة لعلي بن أبي طالب حتى تربّى عليها أهل الشام، ولذلك هذا الشامي من كلامه يقول: هذا الرجل هو ابن أبي تراب، يعني صاحب المنقصة. فهذه تربية معاوية الملعون، صوّر هذه الصورة وغيّرها مما جعلت أهل الشام في معتقدهم أنّ علي بعيد عن الدين.
ويكفيك ذلك الرجل الشامي عندما دخل على الإمام علي في حرب صفين وتعجب حيث يرى الإمام يصلي فقال للإمام عليه السلام : أنت تصلي ؟!
ومن الجانب الآخر حاول معاوية رفع تلك الطبقة التي اغتصبت الخلافة من الإمام عليه السلام أنها هي العصبة وصاحبة الفضيلة، من جعل الأحاديث المكذوبة وضعيفة السند في رفعهم، وأنّ الحق مع من سلك طريقهم ومنهم معاوية، فيعني هو من أصحاب الحق، والباطل مع من سلك طريق من خالفهم وهو الإمام علي عليه السلام.
وتلاحظ أنّ معاوية لم يكتفِ لرفع هؤلاء وتبيان أنه كان متمسك بهم، بل جاء بتلك الروايات المكذوبة التي تُرفع في حق من لعنه الرسول" ومن سلك مخالفة الرسول"، ومنها ما يروى في البخاري وغيره : (( ان معاوية من اُمناء الوحي )). هذا شارب الخمر الخارج على إمام زمانه.
أو التي جاء بها من الرواية المكذ وبة، وهي: (( إن ولدي الحسن سيصلح بين فئتين مؤمنتين )) أو (( مسلمتين )) ، كي يشهد لنفسه بأنه من الفئة المسلمة على الأقل.
فلاعجب أن يكون الشامي على هذا البغض للإمـام علي عليه السلام وللإمام الحسن عليه السلام وكل من سلك مسلك معاوية، فهذا يكون المصير من بغضه للإمام علي وكل من سلك مسلك الإمام علي عليه السلام ، ولكن بخلق الإمام الحسن وخلق من اتبع مسلك الإمام الحسن عليه السلام سوف يتعرف كل من كانت عنده هذه البغضاء والحقد، كالشامي الذي تعرف على هذه الخلق. وهذه الصفات هي في الواقع التي جعلت من معاوية يحقد على الإمام الحسن حتى يفكر في سم الإمام عليه السلام .
عبدالجليل المكراني
الإمام الحسن ( عليه السلام ) هو الوليد الأوّل البكر للزهراء ( عليها السلام ) الذي التقت به عناصر النبوة والإمامة، وكانت ولادته في النصف من شهر رمضان في السنة الثالثة للهجرة، ولقد غمرت النبي( صلى الله عليه وآله ) الفرحة والسعادة بميلاده ، ولمّا سمع بهذه البشرى جاء مسرعاً إلى بيت الزهراء فقدّم لـه الوليد الميمون ملفوفاً فى خرقة صفراء، فأماطها وقال: ( ألم انهكم أن تلفّوا الوليد في خرقة صفراء ) ثم استبدلها بخرقة بيضاء، وأذّن في اليمنى وأقام في الاُذن اليسرى، وفي اليوم السابع عقّ عنه بكبش.
وقد تربّى الحسن( عليه السلام ) في أحضان النبوة منذ الثالثة للهجرة حتى رُفع إلى الرفيق الأعلى ثم انتقل إلى أحضان الأمير وفاطمة ( عليهما السلام ) .
إذن ماذا يتكلم الفكر واللسان ؟ لابد لـه من العجز عن التحدث عن هذه الشخصية التي تربّت في هذه الأحضان الشريفة، ولكن دعنا نأخذ نماذج من هذه المدرسة ومن ربيعها، ومن تلك الصفات صفة الكرم والجود، ونلتفت إلى بعض القضايا التي تذكر في هذه الصفة:
فمنها: ماذكره الخطيب البغدادي في تاريخه أنه قال: روي عن الإمام الحسن بن علي أنه كان ماراً في حيطان المدينة - أي بستان - فرأى عبداً أسوداً بيده رغيف خبز يأكل ويطعم كلبه لقمة، إلى أن شاطره طعامه في الرغيف، فقال لـه الإمام الحسن عليه السلام : (( ما حملك على ما عملت وشاطرته ولم تعافيه فيه شيء؟ )) فقال الغلام : استحت عيناي من عينه.
فقال لـه الإمام: (( غلامُ مَن أنت؟ )) فقال:غلام أبان بن عثمان. فقال: (( والحائط؟ )). قال: لأبان بن عثمان فقال لـه الإمام الحسن عليه السلام : (( أقسمت عليك لا برحت حتى أعود إليك )).
فمرّ على صاحب الحائط فاشترى الحائط والغلام معاً، وجاء إلى الغلام فقال: (( يا غلام قد اشتريتك ))، فقال الغلام قائماً وقال: السمع والطاعة لله ولرسوله ولك يا مولاي. فقال الإمام: (( وقد اشتريت الحائط، وأنت حرٌ لوجه الله، والحائط هبة مني إليك )). فقال الغلام : يا مولاي قد وهبت الحائط للذي وهبتني لـه . انتهى.
وأيضاً مما يجدر بنا ذكره أن نتعرض إلى كرم الإمام وجوده، لابد من التعرض إلى هذه القضية التي توضح هذه المدرسة العظيمة إلى من يدعي أنه من أصحاب الأمام عليه السلام، ولا يكفي أن نجلس للعزاء من دون التفكر والتدبر في هذه الفصول.
فمما يذكر أنه كان يمرّ على فقراء المدينة فيجلس معهم ويأكل مع أولئك الفقراء المعدمين، ولم يأخذه شرف السيادة والرفعة، بل كان يوضح أن شرف السيادة هي هذه الخلق: الجلوس مع الفقراء وعدم الترفع عنهم لأجل جاه أو سلطان أو شرف، فيأكل مع الفقراء ثم يدعوهم إلى منزله ويقدم لهم أفضل الطعام ويأكل معهم.
هذه مدرسة الرسول ومدرسة الخلق العظيم، فليتعلم الإنسان العاقل من هذه المدرسة وليتفكر فيها، ونكتفي بهذا الفصل من هذه المدرسة.
بعد الانتهاء من إحدى فصول مدرسته عليه السلام نأتي إلى فصلٍ آخر، وهو فصل الحلم وكيفية التعامل بالخلق الحميد من هذه المدرسة التي تصفها الزهراء بقولها للإمام الحسن عليه السلام كما عن المفيد في الارشاد : ( كان الحسن أشبه الناس برسول الله خلقاً وهيئة وهدياً وسؤدداً ).
ويكفينا في هذا الفصل قضية الشامي وكيف تعامل الإمام معه، ذلك الشامي المتربي في أحضان معاوية عليه اللعنة، إذ دخل رجل من أهل الشام المدينة ذات يوم فرأى موكب الإمام الحسن عليه السلام مقبلاً تحفّه الهيبة والإجلال، ومن حوله الناس يتبركون بالنظر إليه، فسأل الشامي : لمن هذا الموكب؟ قيل له: للحسن بن علي. قال : يعني ابن أبي تراب؟ قيل: بلى.
فأقبل يشقّ طريقه حتى وصل إلى الإمام، أمسك بزمام بغلته وقال : أنت الحسن؟ فقال: (( بلى )) . قال: أبوك أبو تراب؟ قال: (( نعم )). فراح يشتم الحسن ويشتم أباه أمير المؤمنين، فوضع أصحاب الإمام أيديهم على قوائم سيوفهم، إلا أنّ النفس الكبيرة من الإمام حيث تبسم في وجهه ثم التفت إليه قائلاً: (( يا هذا أحسبك غريباً، هلمّ معي، إن كنت محتاجاً أغنيناك، أو ضالاً أرشدناك، أو جائعاً أطعمناك )). ثم بعد ذلك اصطحبه الإمام إلى داره وأكرمه وأحسن إليه.
فقال الشامي: دخلت المدينة وليس على وجه الأرض أهل بيت أبغض إليَّ منكم، وأنا الآن سأخرج وليس على وجه الأرض أهل بيت أحبّ إليَّ منكم، أشهد أنكم حجج الله على بريته( )... انتهى.
لو تمعّنا في هذه القضية لوجدنا فيها تلك العوامل التي ربما يعذَر فيها ذلك الشامي في شتمه للإمام الحسن عليه السلام وكيف أخذه الإمام بالحكمة، فإنّ هذا الشامي تربى عند معاوية الذي جعل في أذهان أهل الشام أنّ أرذل اُناس على وجه الأرض هم أتباع علي بن أبي طالب، وحاول بكل الطرق، حيث جعل ثلّة من أصحابه في دس تلك الروايات التي تذم علي بن أبي طالب وتجعل من علي بن أبي طالب ذلك الرجل البعيد عن الدين.
لاحظ كيف أخذ هذه المدحة التي ذكرت لعلي بن أبي طالب عليه السلام من تعظيم النبي لـه في قولـه: (أبو تراب)، والشواهد التي قيلت فيها للإمام علي عليه السلام ، مما يتضح لك إنها كانت من الاُمور والألقاب التي كان الإمام علي يفرح عندما يلقب بها، ولكن صوّر معاوية لأهل الشام أنها مذمة لعلي بن أبي طالب حتى تربّى عليها أهل الشام، ولذلك هذا الشامي من كلامه يقول: هذا الرجل هو ابن أبي تراب، يعني صاحب المنقصة. فهذه تربية معاوية الملعون، صوّر هذه الصورة وغيّرها مما جعلت أهل الشام في معتقدهم أنّ علي بعيد عن الدين.
ويكفيك ذلك الرجل الشامي عندما دخل على الإمام علي في حرب صفين وتعجب حيث يرى الإمام يصلي فقال للإمام عليه السلام : أنت تصلي ؟!
ومن الجانب الآخر حاول معاوية رفع تلك الطبقة التي اغتصبت الخلافة من الإمام عليه السلام أنها هي العصبة وصاحبة الفضيلة، من جعل الأحاديث المكذوبة وضعيفة السند في رفعهم، وأنّ الحق مع من سلك طريقهم ومنهم معاوية، فيعني هو من أصحاب الحق، والباطل مع من سلك طريق من خالفهم وهو الإمام علي عليه السلام.
وتلاحظ أنّ معاوية لم يكتفِ لرفع هؤلاء وتبيان أنه كان متمسك بهم، بل جاء بتلك الروايات المكذوبة التي تُرفع في حق من لعنه الرسول" ومن سلك مخالفة الرسول"، ومنها ما يروى في البخاري وغيره : (( ان معاوية من اُمناء الوحي )). هذا شارب الخمر الخارج على إمام زمانه.
أو التي جاء بها من الرواية المكذ وبة، وهي: (( إن ولدي الحسن سيصلح بين فئتين مؤمنتين )) أو (( مسلمتين )) ، كي يشهد لنفسه بأنه من الفئة المسلمة على الأقل.
فلاعجب أن يكون الشامي على هذا البغض للإمـام علي عليه السلام وللإمام الحسن عليه السلام وكل من سلك مسلك معاوية، فهذا يكون المصير من بغضه للإمام علي وكل من سلك مسلك الإمام علي عليه السلام ، ولكن بخلق الإمام الحسن وخلق من اتبع مسلك الإمام الحسن عليه السلام سوف يتعرف كل من كانت عنده هذه البغضاء والحقد، كالشامي الذي تعرف على هذه الخلق. وهذه الصفات هي في الواقع التي جعلت من معاوية يحقد على الإمام الحسن حتى يفكر في سم الإمام عليه السلام .
عبدالجليل المكراني