علي الصريوي
11-04-2011, 11:27 AM
* الكاتبة
ليزلي هازلتون ذات الخلفية اليهودية من مواليد إنجلترا, نالت درجة البكالريوس في علم النفس من جامعة مانشستر الإنجليزية و الماجستير في نفس التخصص من الجامعة العبرية في القدس المحتلة. تخصصت في مجال تقاطع الدين مع السياسة. عملت مراسلة لمجلة الـ Time من فلسطين المحتلة و بعدها ككاتبة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط لكثير من المنشورات مثلThe New York Times, Harper’s, The Nation و غيرها قبل أن تستقر قبل خمسة عشر عاما في أمريكا و تنال جنسيتها. ألفت أكثر من أحد عشر كتابا و عملت كمحاضرة في بعض الجامعات الأمريكية منها جامعة واشنطن بسياتل و جامعة بنسلفانيا الحكومية و جامعة باسيفيك لوثرن[5]. من أشهر أقوالها "الخطورة تكمن في التفكير أحادي الأبعاد".
* كتاب "مابعد النبي: ملحمة الإنقسام بين الشيعة و السنة في الإسلام": عاشوراء و المتضادات!! [6]
في كتابها الأخير "مابعد النبي" و الذي يعد محاولة لتنوير العقل الغربي بالقضايا و الإفكار الأساسية التي تؤثر في حياة المسلمين, أعطت هزلتون جزاءً كبيراً من كتابها لقضية عاشوراء كحدث مفصلي تاريخي في التاريخ الإسلامي. تنبع مفصلية أحداث وقيم عاشوراء وفقا للكاتبة في أنها تتعدى كونها تاريخا قديما و إنما أحداث تُعاش في الحاضر و تُؤثر في الحياة اليومية لشريحة كبيرة من الناس, و مما قالته هو الإقتباس العميق الذي بدأ به المقال و الذي يتحدث عن العراق. فكأنما العراق ذا التاريخ الأعرق في العالم بلا تاريخ و ذلك لأن التاريخ بقيمه و معانيه يتجسّد حيّا حاليّا من خلال عاشوراء. هذا العامل هو ما يعطي قصة عاشوراء عمقا و قوة في المعنى, فعاشوراء أكبر من كونها قصة تُحكى, إنما أحداث تُعاش. يُلاحظ محاولة الكاتبة لتوصيل القيم و الأحاسيس العميقة مخترقة الإختلافات الثقافية و الدينية بين العالمين الإسلامي و الغربي, فلقد حاولت أكثر من مرّه توضيح التشابه بين قصة عيسى و قصة الحُسين عليهما السلام[7] لنقل المعاني الإنسانية التي يراها الشيعة في قصة الحُسين عليه السلام.
يبدأ الكتاب بتساؤل كيف يمكن لمحمد رسول الوحدة, الأمة الواحدة و الرب الواحد أن يترك خلفه هذا الإنقسام المأساوي و الدموي و الذي يبدو بلا نهاية بين السنة والشيعة؟ هذا التساؤل قاد الكاتبة لدراسة التاريخ الإسلامي و الذي و جدت فيه -على حسب تعبيرها- قصة حية معروفة لكل السنة و لكنها مدفونة في قلوب كل الشيعة و رغم هذا تظل هذه القصة غير معروفة في العالم الغربي! و تُرجع هزلتون تميّز هذه القصة بسبب خواصها الفريدة و التي تقول على سبيل الممازحة بأن الروائي الكولومبي العالمي جابريل جارسيا ماركيز[8] و الحائز على جائزة نوبل في الأدب سيشعر بالغيرة إذا قرأها لما تتميّز به هذه القصة من معاني, فهذه القصة تجمع المتضادات: الولاء ضد الخيانة, الحب ضد الحرب, النبل ضد الفساد, الأخلاق ضد السياسة و التي زامنت الأحداث بعد وفاة الرسول الاكرم صلى الله عليه و آله وسلم و من سيقود الإسلام من بعده. هذه الأحداث إذا ما ناقشها الغرب ستكون مناقشتها مختصرة و هذا الاختصار يلازمه عدم التعمق في القضية و الذي يكمن فيه الجوهر و العاطفة و المتعة! الكتاب موجه للقُرّاء الغريبيين لمعرفة القصة بعمقها و مأساتها, و لمعرفة سبب كونها في إلهام الناس إيجابا و سلبا حيث أن هذه هي الطريقة الوحيدة لمعرفة ما يحدث في الشرق الأوسط. هذه القصة حيّة مع أنها حدثت قبل حوالي 1400 عام, فيبدو و كأنها حدثت بالأمس. هذه إحدى مفارقات التاريخ كما تقول الكاتبة.
* الطريق إلى فهم الإنقسام يتمحور حول الحُسين
تبدأ الكاتبة بشرح الخلافات الأساسية بين السنة و الشيعة بخصوص الخلافة و الحروب المدنية التي حدثت بسببها وصولا إلى الحكم الأموي الذي يقود إلى الحدث المفصلي. في محاولتها لفهم أسباب الإنقسام بين المسلمين تقول هزلتون "كان من الصعب تحديد ما يُقرأ من وفاة الرسول الى الحرب في العراق الآن لكن حدث واحد في الماضي لم يكن تجنُّب الإنقسام بعد حدوثه ممكنا و هو ماحدث في كربلاء .. تسعة عشر عاما بعد وفاة الامام علي و أقل من خمسين عاما بعد وفاة الرسول....فإذا كان علي هو الرمز الاساسي للمسلمين الشيعة فالحُسين هو رمز التضحية, فما حدث له عندما وصل الى العراق سيصبح قصة عاطفية و روحية, قصة العشق و الولع الشيعية ... لا أحد يناقش في صحة الحدث و لكن يناقش لماذا حدث ما حدث؟ "
أسهبت الكاتبة في توصيف تفاصيل الأحداث من خروج الإمام الحُسين عليه السلام من مكة إلى قمع الإنتفاضة في الكوفة قبل بدئها ثم إلى أحداث يوم عاشوراء وصولا إلى الحاضر.
إحدى ملاحظات هزلتون فيما يخص التشابه بين الثقافات كان يتعلّق بوحشية و جور الحكّام الظالمين لدى الرومان و المسلمين على حد سواء عندما علّقت على ماحدث لمسلم بن عقيل و كيف تم صلبه في سوق الكوفة بـتعليق " لم يكن الرومانيين الوحيدين الذين إستخدموا الصلب"!
ثم تحاول الكاتبة فهم أسباب إصرار الإمام الحُسين على مواصلة طريقه إلى العراق حتى بعد علمه بقمع الإنتفاضة الكوفية قبل بدئها من قبل الأمويين.فهو لم يكن محاربا و لا رجل دولة سياسي, و لكنه كان عالما و معروفا بأنه الوحيد في ذلك الوقت الذي يحظى بشرف روح الرسول بين جنبيه. فتتساءل بفضولها الغربي:
• ما الذي يدفع هذا الشيخ الكبير لما قام به؟
• لماذا لا يذهب ليعيش آخر أيامه بسلام في مكة أو المدينة؟
• و لماذا ذهب إلى العراق و هو البلد الذي عانى أباه الإمام علي من أهله أثناء حربه مع معاوية؟ هل ظن الحُسين انهم حقا تغيّروا؟
• هل كان يظن ان العدل يمكن ان يغلب السلطة و القوة؟
• هل كان يظن أن إثنين و سبعين مقاتلا يستطيعون التغلب على جيش يزيد؟
• هل كان فاقدا للواقع أم مليئا بالنبل و العدل والصواب فيما يخص هدفه؟
• هل كان يتحرك بيأس أم بنقاء الدافع؟
أسئلة كثيرة طرحتها الكاتبة و حاولت الغوص في أعماق التاريخ لمعرفة إجاباتها و لمعرفة الحقيقة.
* خروج الحُسين: بين السنة و الشيعة
توضح هزلتون رأي المدرسة السنية و تقول أنهم يقولون بأن تحرك الحُسين كان دليلا لافتقاده المؤهلات المناسبة لإسقاط الإمبراطورية الأموية, فلقد كان يسعى لمصير سئ لا يجب على الإنسان أن يتخذه. و كان عليه ان يعترف بالواقع و يخضع للتاريخ و تستدل بقول إبن تيمية و الذي تصفه بمُعادي الشيعة[9] و الذي وصف حركة الحُسين بالـ "غير فعّالة", فهو يرى خطأ الحُسين في أنه بدون الدولة لا يمكن التطبيق الشريعة ولكن هزلتون لا تنسى التعليق بأن إبن تيمية عندها يعترف بافتراق الشريعة عن الدولة و وهو الأمر الذي لم يكن كذلك في زمن الرسول صلى الله عليه و آله.
بعد ذلك توضح الكاتبة رأي مدرسة أهل البيت و تقول بأن الشيعة يرون أن نهضة الإمام الحُسين عليه السلام كانت تمثل الشجاعة المطلقة و النبل المطلق في التضحية بالنفس, فلقد قام بحركته عن وعي كامل و معرفة تامة بأهميتها. فالحُسين اتخذ الطريق الوحيد أمامه لفضح فساد الحكم الاموي و إستشهاده سبب صدمة لكل المسلمين ليرجعوا الى الإسلام الحقيقي تحت الحكم الذي أراده الرسول المتمثل في أهل البيت. بهداية إلهية ضحى بنفسه كما ضحى النبي عيسى قبله بستمائه عام – حسب تعبيرالكاتبة- تضحية مقدسة في سبيل الآخرين و استسلامه للموت كان صورة للفداء الأمثل.
* في قلب الحدث: كربلاء و رموز لا تموت
في وصفها لأحداث ما بعد الوصول إلى الكربلاء, و بعد منع الماء عن الإمام الحُسين عليه السلام في ذلك الحر الشديد تقول هزلتون "بينما كان جيش شمر ينتظر أن يحل الضعف بالحُسين جراء العطش ليأتي لهم راكعاً, تكوّنت أحداث تاريخية واحدة تلو الآخرى, أحداث لا يمكن أن تموت ... فالرموز الشيعية كانت تولد حينها!". تطرقت إلى تفاصيل زفاف القاسم الشاب, عبدالله الرضيع, العباس و غيرها من الأحداث. عندما كانت هزلتون تصف زفاف القاسم الذي تم على الرغم من عدم إمكانية إتمام الزواج بسبب العلم بالأمر المحتوم –الموت- و ماسيحدث من بعد ذلك, وصفته بأنه صوره للإحتفال بالحياة على الموت, و المستقبل على الحاضر.
في توصيفها لليلة عاشوراء و لمحاولة تقريب الصورة للمتلقي الغربي المتأثر بالثقافة المسيحية, وصفت الكاتبة الليلة بأنها موازية لليلة العشاء الأخير لدى المسيحيين و التي شارك فيها نبي الله عيسى حوّاريه العشاء للمرة الأخيرة قبل موته. وضّحت مدى إخلاص و تفاني أتباع الحُسين برفضهم طلبه منهم بتركه و التستر بالليل للهروب و مدى تسليم الحُسين لقضاء الله عندما قال لهم "إنا لله و إنا اليه ارجعون"[10]. تم قضاء الليلة الاخيرة بين الصلاة و التجهيز و الدموع
* الشيعة اليوم
في القسم التالي تعبر الكاتبة الزمن لتصف حال الشيعة اليوم و تعاملهم مع أحداث عاشوراء. فتوضّح مدى محورية الحدث بالنسبة للفرد الشيعي بحيث تم إبقائه حيّاً سنة بعد سنة, وقرنا بعد قرنا, ولكن ذلك لم يتم بقراءة القصة كاملة و لكن بالتذكر و التكرار و التمثيل في العشر الليالي الأولى من شهر المحرم. فتصف مواكب العزاء الضخمة التي تتكرر كل سنة "الكثير من الناس في كثير من الأماكن بشكل يشابه التمثيليات الضخمة التي كان يقوم بها المسيحيون في العصور الوسطى لكن حتى أكبر تمثيل مسرحي في برودواي[11] أو أي تمثيل غربي آخر يحظى بنفس هذا العدد من الجماهير". ثم تُسهب الكاتبة في التفاصيل و مدى تأثر الناس و بما يواكب ذلك من لطم و بكاء. تقول هزلتون "قمة المأساة ليست حينما قتل الحُسين و لكنها لحظة القبول بالموت".
في وصفها لمدى تأثير أيام عاشوراء, تعكس الكاتبة قدرة كبيرة في قراءة أبعاد الشعائر الحُسينية مثل التمثيل و اللطم بشكل غاب حتى على بعض الأصوات الشيعية الحديثة ممن تستنقص من هذه الشعائر و تعتبرها تخلفا أو غير مواكبة للعصر أو شعائر تصلح للمتاحف. فتواصل هزلتون المتخصصة في علم النفس "إن تجمع الناس في بيوت الحُسين هو فرصة للبكاء, التأمل و التفكير, و العلاج. و عندما تتجمع النسوة لتجهيز زفاف القاسم من سكينة و تجهيز منام عبدالله الرضيع و ما يصاحب هذا التمثيل لاحقا من توزيع للحلوى, فإن هؤلاء النسوة يخلقن رابطاً بين أولادهن و الحُسين و قضيته مما يُسهم في ترسيخ مبادئ تحفظهم من العنف و المخدرات و كل أمراض العصر الأخلاقية".
تواصل الكاتبة وصفها للشعائر الحُسينية و التي تصل ذروتها في يوم العاشر الذي تخرج فيه الناس بالمئات في القرى و بالآلاف في المدن و بصوت باكي تواصل وصفها للطم على الصدور و ما يواكبه من صياح "ياحسين..ياحسين" فتقول " صوت ضخم يمكن سماعه من بعيد و كأنه صوت جرس كاتدرائية في يوم الإيستر[12] و لكن التعجب يزداد عند معرفة أن مصدر هذا الصوت الضخم إنما هو نتاج ضرب الكفوف على الصدور!! وبعضهم –تقصد الشيعة- يذهب أبعد من ذلك, فبعضهم يضرب ظهره و أكتافه بالسلاسل و الشفرات حتى تسيل منهم الدماء, و بعضهم يضرب نفسه بالسكاكين حتى تختلط الدماء السائلة من رؤوسهم بدموعهم في موقف خليط من القدسية و الرهبة". يلاحظ في هذا المقطع دقة وصف الكاتبة لمراسم عاشوراء و يُلاحظ أيضا أنها لم تستنقص أو تنتقد هذه الشعائر و إنما وصفتها بإحترام و موضوعية في تطبيق لمبدئها المُشار له أعلاه "الخطورة تكمن في التفكير أحادي الأبعاد".
و تختم الكاتبة بـ" في اللحظة التي قُتل فيها الحُسين, و ما يعتبره السنة تاريخا, وُلد تاريخ مُقدّس لدى الشيعة و الذي سيكون شعلة لكل ما سيحدث لاحقا ... و الخلافات حول التفاصيل الدقيقة في المعركة تسقط أهميتها امام حدث بهذا العمق و الضخامة.... فموت الحُسين يعبر التاريخ الى تفاصيل و مكوّنات التاريخ ويدخل مساحة الإيمان و الإلهام و العشق العاطفي و الديني".
ليزلي هازلتون ذات الخلفية اليهودية من مواليد إنجلترا, نالت درجة البكالريوس في علم النفس من جامعة مانشستر الإنجليزية و الماجستير في نفس التخصص من الجامعة العبرية في القدس المحتلة. تخصصت في مجال تقاطع الدين مع السياسة. عملت مراسلة لمجلة الـ Time من فلسطين المحتلة و بعدها ككاتبة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط لكثير من المنشورات مثلThe New York Times, Harper’s, The Nation و غيرها قبل أن تستقر قبل خمسة عشر عاما في أمريكا و تنال جنسيتها. ألفت أكثر من أحد عشر كتابا و عملت كمحاضرة في بعض الجامعات الأمريكية منها جامعة واشنطن بسياتل و جامعة بنسلفانيا الحكومية و جامعة باسيفيك لوثرن[5]. من أشهر أقوالها "الخطورة تكمن في التفكير أحادي الأبعاد".
* كتاب "مابعد النبي: ملحمة الإنقسام بين الشيعة و السنة في الإسلام": عاشوراء و المتضادات!! [6]
في كتابها الأخير "مابعد النبي" و الذي يعد محاولة لتنوير العقل الغربي بالقضايا و الإفكار الأساسية التي تؤثر في حياة المسلمين, أعطت هزلتون جزاءً كبيراً من كتابها لقضية عاشوراء كحدث مفصلي تاريخي في التاريخ الإسلامي. تنبع مفصلية أحداث وقيم عاشوراء وفقا للكاتبة في أنها تتعدى كونها تاريخا قديما و إنما أحداث تُعاش في الحاضر و تُؤثر في الحياة اليومية لشريحة كبيرة من الناس, و مما قالته هو الإقتباس العميق الذي بدأ به المقال و الذي يتحدث عن العراق. فكأنما العراق ذا التاريخ الأعرق في العالم بلا تاريخ و ذلك لأن التاريخ بقيمه و معانيه يتجسّد حيّا حاليّا من خلال عاشوراء. هذا العامل هو ما يعطي قصة عاشوراء عمقا و قوة في المعنى, فعاشوراء أكبر من كونها قصة تُحكى, إنما أحداث تُعاش. يُلاحظ محاولة الكاتبة لتوصيل القيم و الأحاسيس العميقة مخترقة الإختلافات الثقافية و الدينية بين العالمين الإسلامي و الغربي, فلقد حاولت أكثر من مرّه توضيح التشابه بين قصة عيسى و قصة الحُسين عليهما السلام[7] لنقل المعاني الإنسانية التي يراها الشيعة في قصة الحُسين عليه السلام.
يبدأ الكتاب بتساؤل كيف يمكن لمحمد رسول الوحدة, الأمة الواحدة و الرب الواحد أن يترك خلفه هذا الإنقسام المأساوي و الدموي و الذي يبدو بلا نهاية بين السنة والشيعة؟ هذا التساؤل قاد الكاتبة لدراسة التاريخ الإسلامي و الذي و جدت فيه -على حسب تعبيرها- قصة حية معروفة لكل السنة و لكنها مدفونة في قلوب كل الشيعة و رغم هذا تظل هذه القصة غير معروفة في العالم الغربي! و تُرجع هزلتون تميّز هذه القصة بسبب خواصها الفريدة و التي تقول على سبيل الممازحة بأن الروائي الكولومبي العالمي جابريل جارسيا ماركيز[8] و الحائز على جائزة نوبل في الأدب سيشعر بالغيرة إذا قرأها لما تتميّز به هذه القصة من معاني, فهذه القصة تجمع المتضادات: الولاء ضد الخيانة, الحب ضد الحرب, النبل ضد الفساد, الأخلاق ضد السياسة و التي زامنت الأحداث بعد وفاة الرسول الاكرم صلى الله عليه و آله وسلم و من سيقود الإسلام من بعده. هذه الأحداث إذا ما ناقشها الغرب ستكون مناقشتها مختصرة و هذا الاختصار يلازمه عدم التعمق في القضية و الذي يكمن فيه الجوهر و العاطفة و المتعة! الكتاب موجه للقُرّاء الغريبيين لمعرفة القصة بعمقها و مأساتها, و لمعرفة سبب كونها في إلهام الناس إيجابا و سلبا حيث أن هذه هي الطريقة الوحيدة لمعرفة ما يحدث في الشرق الأوسط. هذه القصة حيّة مع أنها حدثت قبل حوالي 1400 عام, فيبدو و كأنها حدثت بالأمس. هذه إحدى مفارقات التاريخ كما تقول الكاتبة.
* الطريق إلى فهم الإنقسام يتمحور حول الحُسين
تبدأ الكاتبة بشرح الخلافات الأساسية بين السنة و الشيعة بخصوص الخلافة و الحروب المدنية التي حدثت بسببها وصولا إلى الحكم الأموي الذي يقود إلى الحدث المفصلي. في محاولتها لفهم أسباب الإنقسام بين المسلمين تقول هزلتون "كان من الصعب تحديد ما يُقرأ من وفاة الرسول الى الحرب في العراق الآن لكن حدث واحد في الماضي لم يكن تجنُّب الإنقسام بعد حدوثه ممكنا و هو ماحدث في كربلاء .. تسعة عشر عاما بعد وفاة الامام علي و أقل من خمسين عاما بعد وفاة الرسول....فإذا كان علي هو الرمز الاساسي للمسلمين الشيعة فالحُسين هو رمز التضحية, فما حدث له عندما وصل الى العراق سيصبح قصة عاطفية و روحية, قصة العشق و الولع الشيعية ... لا أحد يناقش في صحة الحدث و لكن يناقش لماذا حدث ما حدث؟ "
أسهبت الكاتبة في توصيف تفاصيل الأحداث من خروج الإمام الحُسين عليه السلام من مكة إلى قمع الإنتفاضة في الكوفة قبل بدئها ثم إلى أحداث يوم عاشوراء وصولا إلى الحاضر.
إحدى ملاحظات هزلتون فيما يخص التشابه بين الثقافات كان يتعلّق بوحشية و جور الحكّام الظالمين لدى الرومان و المسلمين على حد سواء عندما علّقت على ماحدث لمسلم بن عقيل و كيف تم صلبه في سوق الكوفة بـتعليق " لم يكن الرومانيين الوحيدين الذين إستخدموا الصلب"!
ثم تحاول الكاتبة فهم أسباب إصرار الإمام الحُسين على مواصلة طريقه إلى العراق حتى بعد علمه بقمع الإنتفاضة الكوفية قبل بدئها من قبل الأمويين.فهو لم يكن محاربا و لا رجل دولة سياسي, و لكنه كان عالما و معروفا بأنه الوحيد في ذلك الوقت الذي يحظى بشرف روح الرسول بين جنبيه. فتتساءل بفضولها الغربي:
• ما الذي يدفع هذا الشيخ الكبير لما قام به؟
• لماذا لا يذهب ليعيش آخر أيامه بسلام في مكة أو المدينة؟
• و لماذا ذهب إلى العراق و هو البلد الذي عانى أباه الإمام علي من أهله أثناء حربه مع معاوية؟ هل ظن الحُسين انهم حقا تغيّروا؟
• هل كان يظن ان العدل يمكن ان يغلب السلطة و القوة؟
• هل كان يظن أن إثنين و سبعين مقاتلا يستطيعون التغلب على جيش يزيد؟
• هل كان فاقدا للواقع أم مليئا بالنبل و العدل والصواب فيما يخص هدفه؟
• هل كان يتحرك بيأس أم بنقاء الدافع؟
أسئلة كثيرة طرحتها الكاتبة و حاولت الغوص في أعماق التاريخ لمعرفة إجاباتها و لمعرفة الحقيقة.
* خروج الحُسين: بين السنة و الشيعة
توضح هزلتون رأي المدرسة السنية و تقول أنهم يقولون بأن تحرك الحُسين كان دليلا لافتقاده المؤهلات المناسبة لإسقاط الإمبراطورية الأموية, فلقد كان يسعى لمصير سئ لا يجب على الإنسان أن يتخذه. و كان عليه ان يعترف بالواقع و يخضع للتاريخ و تستدل بقول إبن تيمية و الذي تصفه بمُعادي الشيعة[9] و الذي وصف حركة الحُسين بالـ "غير فعّالة", فهو يرى خطأ الحُسين في أنه بدون الدولة لا يمكن التطبيق الشريعة ولكن هزلتون لا تنسى التعليق بأن إبن تيمية عندها يعترف بافتراق الشريعة عن الدولة و وهو الأمر الذي لم يكن كذلك في زمن الرسول صلى الله عليه و آله.
بعد ذلك توضح الكاتبة رأي مدرسة أهل البيت و تقول بأن الشيعة يرون أن نهضة الإمام الحُسين عليه السلام كانت تمثل الشجاعة المطلقة و النبل المطلق في التضحية بالنفس, فلقد قام بحركته عن وعي كامل و معرفة تامة بأهميتها. فالحُسين اتخذ الطريق الوحيد أمامه لفضح فساد الحكم الاموي و إستشهاده سبب صدمة لكل المسلمين ليرجعوا الى الإسلام الحقيقي تحت الحكم الذي أراده الرسول المتمثل في أهل البيت. بهداية إلهية ضحى بنفسه كما ضحى النبي عيسى قبله بستمائه عام – حسب تعبيرالكاتبة- تضحية مقدسة في سبيل الآخرين و استسلامه للموت كان صورة للفداء الأمثل.
* في قلب الحدث: كربلاء و رموز لا تموت
في وصفها لأحداث ما بعد الوصول إلى الكربلاء, و بعد منع الماء عن الإمام الحُسين عليه السلام في ذلك الحر الشديد تقول هزلتون "بينما كان جيش شمر ينتظر أن يحل الضعف بالحُسين جراء العطش ليأتي لهم راكعاً, تكوّنت أحداث تاريخية واحدة تلو الآخرى, أحداث لا يمكن أن تموت ... فالرموز الشيعية كانت تولد حينها!". تطرقت إلى تفاصيل زفاف القاسم الشاب, عبدالله الرضيع, العباس و غيرها من الأحداث. عندما كانت هزلتون تصف زفاف القاسم الذي تم على الرغم من عدم إمكانية إتمام الزواج بسبب العلم بالأمر المحتوم –الموت- و ماسيحدث من بعد ذلك, وصفته بأنه صوره للإحتفال بالحياة على الموت, و المستقبل على الحاضر.
في توصيفها لليلة عاشوراء و لمحاولة تقريب الصورة للمتلقي الغربي المتأثر بالثقافة المسيحية, وصفت الكاتبة الليلة بأنها موازية لليلة العشاء الأخير لدى المسيحيين و التي شارك فيها نبي الله عيسى حوّاريه العشاء للمرة الأخيرة قبل موته. وضّحت مدى إخلاص و تفاني أتباع الحُسين برفضهم طلبه منهم بتركه و التستر بالليل للهروب و مدى تسليم الحُسين لقضاء الله عندما قال لهم "إنا لله و إنا اليه ارجعون"[10]. تم قضاء الليلة الاخيرة بين الصلاة و التجهيز و الدموع
* الشيعة اليوم
في القسم التالي تعبر الكاتبة الزمن لتصف حال الشيعة اليوم و تعاملهم مع أحداث عاشوراء. فتوضّح مدى محورية الحدث بالنسبة للفرد الشيعي بحيث تم إبقائه حيّاً سنة بعد سنة, وقرنا بعد قرنا, ولكن ذلك لم يتم بقراءة القصة كاملة و لكن بالتذكر و التكرار و التمثيل في العشر الليالي الأولى من شهر المحرم. فتصف مواكب العزاء الضخمة التي تتكرر كل سنة "الكثير من الناس في كثير من الأماكن بشكل يشابه التمثيليات الضخمة التي كان يقوم بها المسيحيون في العصور الوسطى لكن حتى أكبر تمثيل مسرحي في برودواي[11] أو أي تمثيل غربي آخر يحظى بنفس هذا العدد من الجماهير". ثم تُسهب الكاتبة في التفاصيل و مدى تأثر الناس و بما يواكب ذلك من لطم و بكاء. تقول هزلتون "قمة المأساة ليست حينما قتل الحُسين و لكنها لحظة القبول بالموت".
في وصفها لمدى تأثير أيام عاشوراء, تعكس الكاتبة قدرة كبيرة في قراءة أبعاد الشعائر الحُسينية مثل التمثيل و اللطم بشكل غاب حتى على بعض الأصوات الشيعية الحديثة ممن تستنقص من هذه الشعائر و تعتبرها تخلفا أو غير مواكبة للعصر أو شعائر تصلح للمتاحف. فتواصل هزلتون المتخصصة في علم النفس "إن تجمع الناس في بيوت الحُسين هو فرصة للبكاء, التأمل و التفكير, و العلاج. و عندما تتجمع النسوة لتجهيز زفاف القاسم من سكينة و تجهيز منام عبدالله الرضيع و ما يصاحب هذا التمثيل لاحقا من توزيع للحلوى, فإن هؤلاء النسوة يخلقن رابطاً بين أولادهن و الحُسين و قضيته مما يُسهم في ترسيخ مبادئ تحفظهم من العنف و المخدرات و كل أمراض العصر الأخلاقية".
تواصل الكاتبة وصفها للشعائر الحُسينية و التي تصل ذروتها في يوم العاشر الذي تخرج فيه الناس بالمئات في القرى و بالآلاف في المدن و بصوت باكي تواصل وصفها للطم على الصدور و ما يواكبه من صياح "ياحسين..ياحسين" فتقول " صوت ضخم يمكن سماعه من بعيد و كأنه صوت جرس كاتدرائية في يوم الإيستر[12] و لكن التعجب يزداد عند معرفة أن مصدر هذا الصوت الضخم إنما هو نتاج ضرب الكفوف على الصدور!! وبعضهم –تقصد الشيعة- يذهب أبعد من ذلك, فبعضهم يضرب ظهره و أكتافه بالسلاسل و الشفرات حتى تسيل منهم الدماء, و بعضهم يضرب نفسه بالسكاكين حتى تختلط الدماء السائلة من رؤوسهم بدموعهم في موقف خليط من القدسية و الرهبة". يلاحظ في هذا المقطع دقة وصف الكاتبة لمراسم عاشوراء و يُلاحظ أيضا أنها لم تستنقص أو تنتقد هذه الشعائر و إنما وصفتها بإحترام و موضوعية في تطبيق لمبدئها المُشار له أعلاه "الخطورة تكمن في التفكير أحادي الأبعاد".
و تختم الكاتبة بـ" في اللحظة التي قُتل فيها الحُسين, و ما يعتبره السنة تاريخا, وُلد تاريخ مُقدّس لدى الشيعة و الذي سيكون شعلة لكل ما سيحدث لاحقا ... و الخلافات حول التفاصيل الدقيقة في المعركة تسقط أهميتها امام حدث بهذا العمق و الضخامة.... فموت الحُسين يعبر التاريخ الى تفاصيل و مكوّنات التاريخ ويدخل مساحة الإيمان و الإلهام و العشق العاطفي و الديني".