شاكر7
11-07-2007, 12:16 AM
أن دين الإسلام مبني على أصل عظيم؛ هو عبادة الله وحده لا يشركه في هذه العبادة لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا مخلوق. وقد جاءت كل الديانات السماوية، وكل الأنبياء، والرسل بهذا الأصل، وآخرهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بما أنزل الله عليه في كتابه من وجوب توحيده، وإفراده وحده بالعبادة في قوله عز وجل في آيات كثيرة منها قوله سبحانه
( إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم)
وقوله عز من قائل ( ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء)
وقوله جل ثناؤه( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)
وقوله جل من قائل( هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين)
والآيات في وجوب توحيد الله، وتفرده بالعبادة كثيرة
وإفراد الله بالعبادة يقتضي ثلاثة أصول عظيمة أولها:
الإخلاص المطلق في هذه العبادة وتجريدها له وحده عملاً بقوله عزوجل
( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)
وثانيها البراءة من كل عبادة لغيره، سواء كانت في صيغة دعاء، أو رجاء، أو استعاذة، أو استغاثة لجلب نفع، أو دفع ضر.
قال سبحانه وتعالى (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده )
وثالث الأصلين: اتباع ما جاء به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير
قال سبحانه وتعالى ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) .
وفي سؤال الأخ السائل ثلاث مسائل
المسألة الأولى: بناء المساجد على القبور
لقد درج قلة من المسلمين في العصور المتأخرة على بناء المساجد على القبور ؛ خاصة قبور من يسمونهم بالأولياء والصالحين. وقد استتبع هذا تعظيم هذه القبور، والدعاء عندها بل ودعاء أصحابها. ثم تطور هذا إلى وجود سدنة لها يقبضون الأموال من الجهلة من العامة حتى إن هؤلاء يتقربون إلى السدنة لقبول أموالهم، وتمكينهم من زيارة هذه القبور وتعظيمه. ومن سبب فشُو هذه الشركيات , هو هجر القرآن العظيم وعدم تدبر آياته المبينات , ففي القرآن آيات عِده تُبين حرمة دعاء الأولياء الأموات وأنهم لايقدون على جلب الحاجات ولادفع المصيبات فكُل شيء بيد الله تعالى لاشريك له ,
قال عز وجل (ان الذين تدعون من دون الله عباد امثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم ان كنتم صادقين)
وقال سبحانه (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا انفسهم ينصرون )
وقال جلّ شانه (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون . أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ )
وقال سبحانه (قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً )
وقال تعالى (إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ )
وقال سبحانه وتعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا )
ومع أن العلماء في البلاد التي توجد فيها هذه المساجد يعرفون تحريم هذه الأبنية لما تفضي إليه من المفاسد، إلا أنهم لم يستطيعوا منعها إما لعدم قدرتهم على إقناع جهلة العامة بتحريمها، وإما لأنهم يظنون أن هذا الأمر قد استحكم، وتعقد مما يصعب علاجه.
ولا شك أن في بناء هذه المساجد على القبور خطر عظيم، لما يؤدي إليه التساهل فيها من الاستمرار في بنائها، وهذا هو ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما روته عائشة -رضي الله عنها- أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور
فقال عليه الصلاة والسلام (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله). وما روته أيضاً أنه لما نُزِلَ به صلى الله عليه وسلم طفِق يطرح خُمِيصَةً له على وجهه. فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)
وقد ورد في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك )
ومقتضى هذا التحريم من وجهين:
أولهما: أنه نهي عن فعل مجرد، وهذا يقتضي التوقف عنده بالانتهاء عنه، وليس للمسلم خيار فيه
لقول الله عز وجل ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ).
وقوله عز وجل( إن هو إلا وحي يوحى)
وقوله سبحانه ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)
الوجه الثاني: أنه نهي عن فعل لعلة هي: درء حدوث مفسدة تنزع بالمسلم إلى الشرك، بدليل ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تدرج قوم نوح في تعظيمهم للقبور إلى أن عبدوا ما فيها
وهناك سؤال ما زال ينفك عن مسألة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه في مسجده وفيه أسوة حسنة، ويرد على هذه الشبهة بأنه صلى الله عليه وسلم , دفن في حجرة عائشة رضي الله عنها ، وكانت هذه الحجرة خارجة عن المسجد، وفي عهد الوليد بن عبد الملك كتب إلى عمر بن عبدالعزيز عامله آنذاك على المدينة أن يزيد في المسجد بعد أن ضاق بالمصلين؛ فاشترى عمر حُجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت هذه الحجرة في شرق المسجد وقبلته فأدخلها في المسجد، فدخلت الحجرة في المسجد من ضمن الحجر، وقد بنيت مسنمة عن سمت القبلة خشية أن يصلي أحد إليها، فدل هذا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُقبر في المسجد. وعامة العلماء على أنه لا يتوجه إلى قبره عليه صلى الله عليه وسلم بالدعاء في مسجده، بل يكون الداعي في دعائه مستقبل القبلة. وفي هذا قال الإمام ابن تيمية: وقد استجاب الله دعوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بألا يجعل الله قبره وثناً يُعبد، فلم يتخذ -ولله الحمد- وثناً كما اتخذ قبر غيره بل لا يتمكن أحد من الدخول إلى حجرته بعد أن بنيت الحجرة ، وقبل ذلك ما كانوا يمكِّنون أحداً من أن يدخل إليه ليدعو عنده ، ولا يصلي عنده، ولا غير ذلك مما يفعل عند قبر غيره. لكن من الجهال من يرفع صوته، أو يتكلم بكلام منهي عنه، وهذا إنّما يفعل خارجاً عن حجرته لا عند قبره، وإلا فهو -ولله الحمد- استجاب الله دعوته فلم يمكن أحداً قط من أن يدخل إلى قبره فيصلي عنده، أو يدعو أو يشرك به كما فعل بغيره اتخذ قبره وثناً، فإنه في حياة عائشة -رضي الله عنها- ما كان أحد يدخل إلا لأجلها ، ولم تكن تمكن أحداً من أن يفعل عند قبره شيئاً مما نهى عنه، وبعدها كانت مغلقة إلى أن أدخلت في المسجد فسد بابها وبني عليها حائط آخر. كل ذلك صيانة له صلى الله عليه وسلم أن يتخذ بيته عيداً وقبره وثناً .."
المسألة الثانية: دعاء الأموات لطلب العون منهم
طلب العون -من حيث العموم- له وجهان: الأول: طلب العون فيما يقدر عليه المخلوق( الحي ) ، وطلب العون فيما لا يقدر عليه إلا الله. أما طلب العون من المخلوق الحي فيكون في أمور دنيوية يقدر عليها مما تعارف عليه الناس، كطلب قرض، أو طلب شفاعة، أو مساعدة في أمر دنيوي، ونحو ذلك مما هو معروف فهذا لا بأس به؛ لأن نبي الله يوسف عليه السلام قال لأحد سجانيه ( اذكرني عند ربك) ، ولأن أحد أتباع نبي الله موسى استغاث به على عدوه( فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه)
الوجه الثاني: طلب العون من المخلوق الميت في شيء لا يقدر عليه إلا الله، فهو أمر محرم بل هو من الشرك الذي حرمه الله، كالاستعانة بالمخلوق الميت والاستغاثة به على جلب نفع أو دفع ضر، كالشفاء من المرض، أو كفالة الرزق، أو دفع المصيبة، أو إيلاد الولد ونحو ذلك، فالعبادة لا تكون إلا لله والاستعانة لا تكون إلا به
كما قال تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين).
والاستغاثة لا تكون إلا به، قال تعالى ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم)
والدعاء لا يرفع إلا إليه سبحانه قال تعالى( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي)
وقال تعالى ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم )
وسائر أنواع العبادة لا تكون إلا لله عز وجل ،
قال تعالى ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت)
وقد تعودت ألسنة بعض الجهال من بعض عامة المسلمين استعمال عبارات بدعية، بل هي من قبيل الشرك كقولهم عند وقوع حادثة لأحدهم: يا علي، يا محمد، أو: ياحسن، أو يسمي اسم من يعتقده ولياً أو صالحاً، أو يقول: يا جاه محمد، يا جاه النبي، يا جاه فلان وفلانة ؛ فهذه من المحرمات التي تبطل العمل كما قال تعالى
( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين )
المسألة الثالثة: الصلاة في المساجد التي فيها قبور
لما كان بناء المساجد على القبور من المحرمات -كما ذكر آنفاً- فإن الصلاة في هذه المساجد لا تجوز، ويستثنى من ذلك الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن قبره صلى الله عليه وسلم لم يكن في المسجد، بل كان في حجرة عائشة -رضي الله عنها- وهذه كانت خارج المسجد، ولم تدخل فيه إلا في زمن الوليد بن عبد الملك، وبعد انقراض عصر الصحابة رضوان الله عليهم -كما أشير إليه-.
ويمنع من الصلاة في هذه المساجد لأسباب عدة، منها:
أن ما كان منهياً عنه في أصله يعد منهياً عنه في فرعه؛ فعندما نقول بعدم جواز بناء المساجد على القبور، للأدلة من السنة النبوية التي سبق ذكرها، فإن ذلك يستتبع عدم جواز الصلاة فيها، ومثل هذا كما نقول أن الربا محرم؛ فالحرمة تشمل ما كان منه نقداً ، أو عيناً، أو مطعوماً، أو مشروباً.
وثاني الأسباب: أن المساجد المبنية على القبور غالباً ما يكون فيها بدع. كالدعاء عند القبر أو تعظيمه، أو الصلاة عنده، قال سبحانه (وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا) فمن الواجب عندئذٍ أن تكون الصلاة في مكان لا توجد فيه هذه البدع.
وثالث الأسباب: أن في منع الصلاة فيها سداً للذريعة حتى لا يلبس على المصلي فيها، ويتعرض لما قد يؤثر في عقيدته. ورابع الأسباب: أن في المساجد المبنية على القبور مظنة تعظيمها، وشد الرحال إليها كما هو مشاهد في زماننا من تعظيم بعض هذه المساجد والمشاهد وشد الرحال إليها، مما يتنافى مع ما ورد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمسجد الأقصى .
وينبني على هذا أنه إن كان المصلي لا يعرف ولم يدري بوجود قبر في المسجد الذي يصلي فيه -كما ورد في السؤال- فلا حرج عليه إن شاء الله؛ لأن النهي يترتب إذا كان عالماً بوجود القبر في المسجد لقول الله تعالى ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) وقول رسوله صلى الله عليه وسلم (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)
وخلاصة المسألة: أن دين الإسلام بُني على أصل عظيم ، هو: عبادة الله وحده لا يشركه في هذه العبادة لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا مخلوق. وتفرده عز وجل بهذه العبادة يقتضي ثلاثة أصول عظيمة: أولها: الإخلاص المطلق في هذه العبادة، وتجريدها له وحده. وثاني الأصول: البراءة من كل عبادة لغيره سواء كانت في صيغة دعاء، أو رجاء أو خلاف ذلك لجلب نفع أو دفع ضر. وثالث الأصول: اتباع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم
( إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم)
وقوله عز من قائل ( ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء)
وقوله جل ثناؤه( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)
وقوله جل من قائل( هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين)
والآيات في وجوب توحيد الله، وتفرده بالعبادة كثيرة
وإفراد الله بالعبادة يقتضي ثلاثة أصول عظيمة أولها:
الإخلاص المطلق في هذه العبادة وتجريدها له وحده عملاً بقوله عزوجل
( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)
وثانيها البراءة من كل عبادة لغيره، سواء كانت في صيغة دعاء، أو رجاء، أو استعاذة، أو استغاثة لجلب نفع، أو دفع ضر.
قال سبحانه وتعالى (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده )
وثالث الأصلين: اتباع ما جاء به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير
قال سبحانه وتعالى ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) .
وفي سؤال الأخ السائل ثلاث مسائل
المسألة الأولى: بناء المساجد على القبور
لقد درج قلة من المسلمين في العصور المتأخرة على بناء المساجد على القبور ؛ خاصة قبور من يسمونهم بالأولياء والصالحين. وقد استتبع هذا تعظيم هذه القبور، والدعاء عندها بل ودعاء أصحابها. ثم تطور هذا إلى وجود سدنة لها يقبضون الأموال من الجهلة من العامة حتى إن هؤلاء يتقربون إلى السدنة لقبول أموالهم، وتمكينهم من زيارة هذه القبور وتعظيمه. ومن سبب فشُو هذه الشركيات , هو هجر القرآن العظيم وعدم تدبر آياته المبينات , ففي القرآن آيات عِده تُبين حرمة دعاء الأولياء الأموات وأنهم لايقدون على جلب الحاجات ولادفع المصيبات فكُل شيء بيد الله تعالى لاشريك له ,
قال عز وجل (ان الذين تدعون من دون الله عباد امثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم ان كنتم صادقين)
وقال سبحانه (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا انفسهم ينصرون )
وقال جلّ شانه (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون . أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ )
وقال سبحانه (قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً )
وقال تعالى (إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ )
وقال سبحانه وتعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا )
ومع أن العلماء في البلاد التي توجد فيها هذه المساجد يعرفون تحريم هذه الأبنية لما تفضي إليه من المفاسد، إلا أنهم لم يستطيعوا منعها إما لعدم قدرتهم على إقناع جهلة العامة بتحريمها، وإما لأنهم يظنون أن هذا الأمر قد استحكم، وتعقد مما يصعب علاجه.
ولا شك أن في بناء هذه المساجد على القبور خطر عظيم، لما يؤدي إليه التساهل فيها من الاستمرار في بنائها، وهذا هو ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما روته عائشة -رضي الله عنها- أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور
فقال عليه الصلاة والسلام (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله). وما روته أيضاً أنه لما نُزِلَ به صلى الله عليه وسلم طفِق يطرح خُمِيصَةً له على وجهه. فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)
وقد ورد في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك )
ومقتضى هذا التحريم من وجهين:
أولهما: أنه نهي عن فعل مجرد، وهذا يقتضي التوقف عنده بالانتهاء عنه، وليس للمسلم خيار فيه
لقول الله عز وجل ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ).
وقوله عز وجل( إن هو إلا وحي يوحى)
وقوله سبحانه ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)
الوجه الثاني: أنه نهي عن فعل لعلة هي: درء حدوث مفسدة تنزع بالمسلم إلى الشرك، بدليل ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تدرج قوم نوح في تعظيمهم للقبور إلى أن عبدوا ما فيها
وهناك سؤال ما زال ينفك عن مسألة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه في مسجده وفيه أسوة حسنة، ويرد على هذه الشبهة بأنه صلى الله عليه وسلم , دفن في حجرة عائشة رضي الله عنها ، وكانت هذه الحجرة خارجة عن المسجد، وفي عهد الوليد بن عبد الملك كتب إلى عمر بن عبدالعزيز عامله آنذاك على المدينة أن يزيد في المسجد بعد أن ضاق بالمصلين؛ فاشترى عمر حُجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت هذه الحجرة في شرق المسجد وقبلته فأدخلها في المسجد، فدخلت الحجرة في المسجد من ضمن الحجر، وقد بنيت مسنمة عن سمت القبلة خشية أن يصلي أحد إليها، فدل هذا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُقبر في المسجد. وعامة العلماء على أنه لا يتوجه إلى قبره عليه صلى الله عليه وسلم بالدعاء في مسجده، بل يكون الداعي في دعائه مستقبل القبلة. وفي هذا قال الإمام ابن تيمية: وقد استجاب الله دعوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بألا يجعل الله قبره وثناً يُعبد، فلم يتخذ -ولله الحمد- وثناً كما اتخذ قبر غيره بل لا يتمكن أحد من الدخول إلى حجرته بعد أن بنيت الحجرة ، وقبل ذلك ما كانوا يمكِّنون أحداً من أن يدخل إليه ليدعو عنده ، ولا يصلي عنده، ولا غير ذلك مما يفعل عند قبر غيره. لكن من الجهال من يرفع صوته، أو يتكلم بكلام منهي عنه، وهذا إنّما يفعل خارجاً عن حجرته لا عند قبره، وإلا فهو -ولله الحمد- استجاب الله دعوته فلم يمكن أحداً قط من أن يدخل إلى قبره فيصلي عنده، أو يدعو أو يشرك به كما فعل بغيره اتخذ قبره وثناً، فإنه في حياة عائشة -رضي الله عنها- ما كان أحد يدخل إلا لأجلها ، ولم تكن تمكن أحداً من أن يفعل عند قبره شيئاً مما نهى عنه، وبعدها كانت مغلقة إلى أن أدخلت في المسجد فسد بابها وبني عليها حائط آخر. كل ذلك صيانة له صلى الله عليه وسلم أن يتخذ بيته عيداً وقبره وثناً .."
المسألة الثانية: دعاء الأموات لطلب العون منهم
طلب العون -من حيث العموم- له وجهان: الأول: طلب العون فيما يقدر عليه المخلوق( الحي ) ، وطلب العون فيما لا يقدر عليه إلا الله. أما طلب العون من المخلوق الحي فيكون في أمور دنيوية يقدر عليها مما تعارف عليه الناس، كطلب قرض، أو طلب شفاعة، أو مساعدة في أمر دنيوي، ونحو ذلك مما هو معروف فهذا لا بأس به؛ لأن نبي الله يوسف عليه السلام قال لأحد سجانيه ( اذكرني عند ربك) ، ولأن أحد أتباع نبي الله موسى استغاث به على عدوه( فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه)
الوجه الثاني: طلب العون من المخلوق الميت في شيء لا يقدر عليه إلا الله، فهو أمر محرم بل هو من الشرك الذي حرمه الله، كالاستعانة بالمخلوق الميت والاستغاثة به على جلب نفع أو دفع ضر، كالشفاء من المرض، أو كفالة الرزق، أو دفع المصيبة، أو إيلاد الولد ونحو ذلك، فالعبادة لا تكون إلا لله والاستعانة لا تكون إلا به
كما قال تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين).
والاستغاثة لا تكون إلا به، قال تعالى ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم)
والدعاء لا يرفع إلا إليه سبحانه قال تعالى( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي)
وقال تعالى ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم )
وسائر أنواع العبادة لا تكون إلا لله عز وجل ،
قال تعالى ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت)
وقد تعودت ألسنة بعض الجهال من بعض عامة المسلمين استعمال عبارات بدعية، بل هي من قبيل الشرك كقولهم عند وقوع حادثة لأحدهم: يا علي، يا محمد، أو: ياحسن، أو يسمي اسم من يعتقده ولياً أو صالحاً، أو يقول: يا جاه محمد، يا جاه النبي، يا جاه فلان وفلانة ؛ فهذه من المحرمات التي تبطل العمل كما قال تعالى
( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين )
المسألة الثالثة: الصلاة في المساجد التي فيها قبور
لما كان بناء المساجد على القبور من المحرمات -كما ذكر آنفاً- فإن الصلاة في هذه المساجد لا تجوز، ويستثنى من ذلك الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن قبره صلى الله عليه وسلم لم يكن في المسجد، بل كان في حجرة عائشة -رضي الله عنها- وهذه كانت خارج المسجد، ولم تدخل فيه إلا في زمن الوليد بن عبد الملك، وبعد انقراض عصر الصحابة رضوان الله عليهم -كما أشير إليه-.
ويمنع من الصلاة في هذه المساجد لأسباب عدة، منها:
أن ما كان منهياً عنه في أصله يعد منهياً عنه في فرعه؛ فعندما نقول بعدم جواز بناء المساجد على القبور، للأدلة من السنة النبوية التي سبق ذكرها، فإن ذلك يستتبع عدم جواز الصلاة فيها، ومثل هذا كما نقول أن الربا محرم؛ فالحرمة تشمل ما كان منه نقداً ، أو عيناً، أو مطعوماً، أو مشروباً.
وثاني الأسباب: أن المساجد المبنية على القبور غالباً ما يكون فيها بدع. كالدعاء عند القبر أو تعظيمه، أو الصلاة عنده، قال سبحانه (وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا) فمن الواجب عندئذٍ أن تكون الصلاة في مكان لا توجد فيه هذه البدع.
وثالث الأسباب: أن في منع الصلاة فيها سداً للذريعة حتى لا يلبس على المصلي فيها، ويتعرض لما قد يؤثر في عقيدته. ورابع الأسباب: أن في المساجد المبنية على القبور مظنة تعظيمها، وشد الرحال إليها كما هو مشاهد في زماننا من تعظيم بعض هذه المساجد والمشاهد وشد الرحال إليها، مما يتنافى مع ما ورد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمسجد الأقصى .
وينبني على هذا أنه إن كان المصلي لا يعرف ولم يدري بوجود قبر في المسجد الذي يصلي فيه -كما ورد في السؤال- فلا حرج عليه إن شاء الله؛ لأن النهي يترتب إذا كان عالماً بوجود القبر في المسجد لقول الله تعالى ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) وقول رسوله صلى الله عليه وسلم (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)
وخلاصة المسألة: أن دين الإسلام بُني على أصل عظيم ، هو: عبادة الله وحده لا يشركه في هذه العبادة لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا مخلوق. وتفرده عز وجل بهذه العبادة يقتضي ثلاثة أصول عظيمة: أولها: الإخلاص المطلق في هذه العبادة، وتجريدها له وحده. وثاني الأصول: البراءة من كل عبادة لغيره سواء كانت في صيغة دعاء، أو رجاء أو خلاف ذلك لجلب نفع أو دفع ضر. وثالث الأصول: اتباع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم