مرتضى علي الحلي
23-05-2011, 11:04 AM
((وقفة إعتبارٍمع الصدِّيقة الزهراء/ع/:: في ولادتها :: قراءة معرفية في ضرورة إستيحاء القيم الجديدة من أصالتها المعصومة))
============================================
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
في البداية أرفع لكم أرقى صور التبريكات الإيمانية الواعية بذكرى ولادة الصديقة الكبرى المعصومة فاطمة الزهراء/ع/
ونسأل الله تعالى أن يجعل نسائنا من المهتديات بهدي الزهراء والمتثقفات بثقافة الزهراء ع والتي هي تُمثل ثقافة الله تعالى القويمة ثقافة معرفة الله تعالى وثقافة معرفة حقوقه تعالى علينا
ثقافة لايُستَنكَف منها في هذه الوقت
فتبدل الزمان والمكان لايُغيّر من صورة القيم شيئا بل تبقى القيمة قيمة وإن جرى ما جرى
وهنا أضف شيئا مهما وهو أنّ مشكلة الانسان بشكل عام (رجل او إمرأة ) تكمن في ابتعاده عن الله تعالى
فمعرفة الله تعالى مهمشة ثقافيا في تكوين اغلب الناس وهنا تكمن الطامة الكبرى
فالانسان اذا جهل امر ربه تعالى فقطعا سيجهل معرفة اوليائه
وهذا ما اكدته الروايات في باب معرفة الله تعالى
فهناك فقرة كثيرا ما نقرائها تؤكد هذه الحقيقة
(اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم اعرف رسولك /اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك / اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللتُ عن ديني )/كمال الدين وتمام النعمة/الصدوق/ص521.
فعلى هذا الاساس فإنّ إبتعاد بعض النساء عن الزهراء/ع/ ابتعادا قيميا ناتج عن ابتعادهنّ حقيقة عن الله تعالى وإلاّ لوكُنّ قريبات من الله تعالى لما رأينا ما رأينا هذا اولا / .
وثانيا /أنّ نفس قيم الزهراء ومنظومتها الفكرية والسلوكية والمعرفية والعقدية مهمشة واقعا في مؤسساتنا العلمية والدراسية
فشبابنا وشابتنا لايعرفون الشيء الكثير عن حقيقة الزهراء ع
وأرى إنّ الذي يُرجِع الفروع الى اصولها في طرح مفهوم القدوة الحسنة في وقتنا هذا المتمثل بشخص الصديقة الزهراء/ ع /هو تحديث ادوات الطرح معرفيا بما يتلائم ولغة الوقت وخصوصياته وتحديث البحث في موضوع قضية الزهراء:/ع:/ بما يستوعب جميع مساحات حياتها
لاأن نركز على جانب ونهمل جوانب اخرى واستيحاء الجديد من الاصيل قيميا
فأئمتنا علمونا التفريع على التأصيل وخاصة ما ورد عن الإمام جعفر الصادق/ع/
في قوله/ع/
((إنما علينا أن نُلقي إليكم الأصول وعليكم أن تُفرّعوا))/ميزان الحكمة/محمد الريشهري/ج1/ص549.
فتقدم الشعوب يتحقق بقدر ما تحتفي وتقتدي بقدواتها قيميا
ولذا حثنا الله تعالى على ذلك في قوله تعالى
((لقد كان لكم في رسول اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا))/21/الأحزاب.
وفي قوله تعالى أيضا
((لقد كان لكم فيهم اسوة حسنة لمن يرجو الله واليوم الأخر ومن يتول فإنّ الله هو الغني الحميد))/المتحنة/6.
نعم نحن اليوم بأمس الحاجة المعرفية لقيم الزهراء/ع/ وثقافتها البشرية كأنثى وزوجة وصديقة معصومة
فالمعرفة التأريخية فقط لاتكفي بل المطلوب الـتأسي وفق التأسيسات الأخلاقية والمنهجية المُستقاة من منظومة الزهراء/ع/
فمثلا عندماكَبُرَت الزهراء/ع/وشبّ معها حُبُ أبيها محمد/ص/ رعت والدها/ص/ رعاية الأم لولدها
وخاصة بعد وفاة أمها خديجة/ع/ حتى سماها النبيُ/ص/ (بأم أبيها))/إنظر /اُسد الغابة/ابن الأثير/ج5/ص520.
وهنا نأخذ قيمة وإعتبار بسلوك الزهراء/ع/ هذا وضرورة إستيحائه عمليا في تنضيج علاقة الأبناء بآبائهم
علاقة تقوم على الحنان المُتبادل والحب والعاطفة لاعلاقة تقوم على ثقافة((إقدح لي أضأ لك)) مع الأسف.
فاليوم الأبناء يرمون آبائهم خارج البيت بعد ان يكبروا ويعجزوا وهم في حال أحوج فيه لأبنائهم الذين ربوهم
وصاروا ينظرون إليهم بشفقة ورحمة علّهم يردون لهم جميل ماصنعوا معهم
ولكن فقدان الأخلاق يجعل الإبناء يعقونَ آبائهم ظلما .
وممكن أيضاً أن نقف بوعي على كل سلوكيات الزهراء /ع/المعصومة نصيا ومطلقا فسلوكها حجة شرعا علينا
إذ أنه يُمثل في حقيقته دليلا شرعيا غير لفظي كفعلها وسلوكياتها الخارجية في تعاطيعها مع الناس بشريا
فكل سلوك وفعل قامت به الزهراء/ع/ يمكن لنا الأخذ بقيمته وكلياته والعمل به في حياتنا المعاصرة
وإن اختلف الحال وتبدل الزمان فالمهم قيمة وقداسة سلوكها بصورته العامة لاالخاصة
نعم ظروف سلوكياتها تختلف كليا عن زمننا ولكن قيمها هي هي واحدة في المضمون والهدف كالذي يُريدُ أن يشرب الماء في حال عطشه فتارة يشربُ بيده واخرى بقدح والمحصلة واحدةوهي تحقق الأرتواء بحقيقة الماء
فقيم وقدسية سلوكيات المعصوم /ع/ وأعني الزهراء/ع/ تكمن في هذا
وإلاّ كيف يُعقل جعل الحجية العقدية والأخلاقية والشرعية إلهيا لها علينا إن لم نتكمن من الأستفادة من منهاجها الخاص والعام.
ففي عنوانها كزوجة الكثيرمما يصلح إنموذجا إجتماعيا وأخلاقيا للنساء المتزوجات
من توفير القدرة الذاتية على تدبير شؤون بيت الزوجية إلى العمل الشخصي بنفسها في إدارة البيت الزوجي
وترك الأعتماد على الخدم كما هو شائع عندنا اليوم
فالتاريخ ينقل لنا انها/ع/ كانت تطحن الشعير بيدها الشريفة وتديرالرحى بيدها أيضا ببساطة الحياة آنذاك
وتكنس البيت وهي في حال تعب وجهد مع ما كان من علي/ع/ من تقديمه المساعدة لها شخصيا
فالمهم هو أننا نرى القيمة هنا جليا في صبر الزهراء/ع/ وقناعتها الأختيارية بحياة الزوجية
ولما رآها رسول الله/ص/على حالها هذا صابرة محتسبة وخاطبها بقوله/ص/
((يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا اليوم لنعيم غدا))
فقالت/ع/
((يارسول الله :الحمدُ لله على نعمائه والشكر لله على آلائه))/تنبيه الخواطر ونزهة النواظر/المالكي الأشتري/ج2/ص230.
وهنا نرى بوضوح ثقافة الحمد والشكرلله تعالى من قبل الزهراء/ع/ وهذه هي القيمة التي يجب أن نستوحيها عمليا
فالزوجة اليوم يجب أن تقنع بماهو موجود في بيتها فلاتتكلف إلاّ للضرورات الحياتية فالترف زائل
وماينفع الناس يمكث في الارض.
ويجب أن تكون مُطيعة لزوجها بصورة عادلة ومعتدلة مثلما هي تُريدُ منه فالتعامل بين الرزوج وزوجته
يجب أن يقوم على اساس مراعاة كل منها لحقوق وواجبات الآخر
فهذا أمير المؤمنين علي/ع/ ينقل لنا عن صورة تعاطيه مع زوجته الزهراء/ع/ وتعاطيها معه
فيقول /ع/
(( فو الله ما أغضبتها ولاأكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عز وجل ولاأغضبتني ولاعصت لي أمر))/كشف الغمة/الأربلي/ج1/ص373.
ولايقول قائل أنّ علياً/ع/ والزهراء/ع/ هما شخصان معصومان وهذا قياس مع الفارق فلايمكن لنا أن نكون مثلهما
ونحن نقول ليس المطلوب أن تكون مثلهما ولكن المطلوب أن تقتدي بنهجهما فهو ممكن عرفا وعقلا
فترك الزوج لإغضاب وإكراه زوجته ليس مستحيلا في لائحة الأخلاق العملية وكذا الزوجة
فليس مُتَعسرٌ عليها ترك إغضاب زوجها وعصيانه.
فكانت حياة الزهراء/ع/ كزوجة مع علي/ع/ حياة قوامها الإخلاق والإخلاص والحب المتبادل بينها خصوصا
ففي مقطع قصير ورد عن علي/ع/ في حق الزهراء/ع/ أنه قال
((لقد كنتُ أنظرُ إليها فتكشف عني الهموم والأحزان))/كشف الغمة/الأربلي/ج1/373.
وهذا المقطع العميق يكشف بوضوح عن مدى سعادتهما الخاصة وتطبيق المنهج الزوجي القويم فأي إمرأة هذه بحيثُ إذا نظر لها زوجها تجلي همه وحزنه ؟
ثم يأتي دورالزهراء/ع/ المنهجي القيمي للنساء في تعاطيها كأم في قدرتها على تربية أولادها خيرُ تربية
منطلقة من القرآن الكريم وسنة أبيها محمد/ص/
مطبقة لقوله تعالى
((ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناسُ والحجارة )) /التحريم/6.
فالزهراء/ع/ كانت خير أم لخير أولاد حيث أهتمت بهم /ع/ وربتهم تربية قائمة على سلوك التقوى والفضيلة
وحثهم على فعل الخيرات فقد ورد في الروايات أنها /ع/ كانت تحثهم على إحياء ليالي الجمع وليالي القدر
والذهاب إلى المسجد .
وقد ركزت /ع/ في نفوس أبنائها الحسن والحسين وزينب /ع/ روح الإيثار والأحسان إلى الغيرنفسيا وسلوكيا وهذا ما أفصح عنه القرآن الكريم في سورة الإنسان (الدهر)
حيث قال تعالى بشأنهم
((ويُطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا *إنما نُطعمكم لوجه الله لانُريدُ منكم جزاءً ولاشكورا*
إنّا نخافُ من ربنا يوما عبوسا قمطريرا* فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا))ألإنسان/9_11.
وهذه الآيات نزلت في حق آل البيت المعصومين/ع/ وإعتراف المفسرين كلهم /إنظر/جامع أحاديث الشيعة/السيد البروجردي/ج13/ص178.
ولاينبغي لنا أيضا أن نغفل قيم الزهراء/ع/ الصالحة لكل وقت وإنسان حتى من غير المتدينين لو حدثتهم
بأنّ الزهراء/ع/ كانت تدعوللغير وتحبهم قبل ذاتها حتى في صلاتها لاتنسى الخلق والعباد
لوقف لها إجلالا وقال هذا خُلقٌ إنساني مكين
فعن الحسن /ع/ يسأل امه/ع/ بعد أن تنتهي من صلاتها
فيقول ((اماه لِمَ لاتدعي لنفسك))؟
فيأتيه الجواب منها/ع/((يا بني الجار قبل الدار))/علل الشرائع/الصدوق/ج1/ص182.
وهذا ذرة من بحر أخلاق الزهراء/ع/ وليتنا إلتفتنا لذلك لا إلى غيرها ؟؟
فإذن كل ما تركته الزهراء/ع/ من سلوك وقول فهو إنموذج مُؤهلٌ للإقتداء به في حياتنا المعاصره
وهذا هو عين الإقتداء والولاء للمعصومين /ع/ فإحياء ذكرى ولادتهم يجب أن تعني إحياء منهج هدايتهم للعباد وهذه حقيقة ركزها القرآن الكريم في ضرورة تنضيج التأسي أخلاقيا وإنسانيا بالمعصومين/ع/
فقد قال تعالى
((أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده))الأنعام/90.
فالعبرة تكمن حقيقة في واقعية الأقتداء لاالذكرفقط
ولنا أيضا أن نستوحي قيما اخرى من سلوكيات الزهراء/ع/ منهجياً فهي /ع/ شاركت وبصورة مباشرة في فعاليات الدعوة الأسلامية وحركتها في مواجهة الأعداء وخاصة في أخطر معركة وهي (معركة احد)
والتي جُرِحَ فيها رسول الله/ص/ وتكسرت اسنانه واستشهد فيها عم النبي حمزة بن عبد المطلب بطل الأسلام ونخبة معه من المؤمنين
نلحظ في هذه المعركة دورا ظاهرا وقيمي لشخصية الزهراء/ع/ فعملت /ع/ على تضميد جرح ابيها/ص/
وكانت هي واحدة من ضمن النسوة اللاتي شاركن في واقعة احد كما ذكر التاريخ ذلك
فقال الواقدي
(وكُنّ أربع عشرة إمرأة منهن فاطمة بنت رسول الله/ص/ يحملن الطعام والشراب على ظهورهن ويسقين الجرحى ويداوينهم )) المغازي/الواقدي/ج1/ص249.
وهذاالنص التأريخي يعطينا صورة مشرفةعن جهاد المرأة المسلمة والمؤمنة في حركتها الدعوية إلى الله تعالى حتى في سوح الوغى فضلا عن مشروعية مشاركة المرأة في كل فعاليات التثقيف الرسالي الأسلامي
في الحياة المعاصرة من باب أولى إذ انه بمشروعية السماح لها بالمشاركة في ساحة الحرب ضد الاعداء
فطبيعي مشروع لها العمل في مناشط الدعوة بصورها كافة
وأخيرا يجب الإعتبار بقوله تعالى
(( لقد كان في قصصهم عِبرَةٌ لأولي الألباب ما كان حديثاً يُفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )) /111/ يوسف/ .
وهذه الأية الشريفة وإن كانت تؤسس لمنهاجية الأعتبار بالقصص الماضية من الأمم الغابرة ولكنها تُخاطب النُخبة ((أولوا الألباب ))
وتطرح طريقا للأهتداء وإستنزال الرحمة الإلهية لقوم يؤمنون..
ولوإني أعتقد قاطعا أنّ الزهراء/ع/ ليست هي مفردة تأريخية مرحلية تحيثت بحاضنة التأريخ الماضي
بل هي حجة وجودية واقعية لاينفك الإستغناء عنها بأي حال وزمان أبدا
وإن عاشت/ع/ في بطن التأريخ
ولكنها تحولت إلى قيمة حيّة بفضل ألله تعالى وبمنحها ذاتها الشريفة قُربانا لله تعالى
.ومن هنا ينبغي علينا الوقوف الجاد والأيماني على أهمية الكسب والأخذ مماتركت الزهراء/ع/ من قيم أطلاقية للبشرية عامة
والمهم من إحياء ذكرها هو كيف لنا أن أن نوظف منهاجها عمليا وبصورة جديدة عقلانية ومعتدلة في تطبيقاتها الحياتية وهل نقدر على تفعيل ذلك ميدانيا ؟
وتقديري لكم جميعا ...
والسلام عليكم ورحمة ألله وبركاته..
/مرتضى علي الحلي /النجف الأشرف/
============================================
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
في البداية أرفع لكم أرقى صور التبريكات الإيمانية الواعية بذكرى ولادة الصديقة الكبرى المعصومة فاطمة الزهراء/ع/
ونسأل الله تعالى أن يجعل نسائنا من المهتديات بهدي الزهراء والمتثقفات بثقافة الزهراء ع والتي هي تُمثل ثقافة الله تعالى القويمة ثقافة معرفة الله تعالى وثقافة معرفة حقوقه تعالى علينا
ثقافة لايُستَنكَف منها في هذه الوقت
فتبدل الزمان والمكان لايُغيّر من صورة القيم شيئا بل تبقى القيمة قيمة وإن جرى ما جرى
وهنا أضف شيئا مهما وهو أنّ مشكلة الانسان بشكل عام (رجل او إمرأة ) تكمن في ابتعاده عن الله تعالى
فمعرفة الله تعالى مهمشة ثقافيا في تكوين اغلب الناس وهنا تكمن الطامة الكبرى
فالانسان اذا جهل امر ربه تعالى فقطعا سيجهل معرفة اوليائه
وهذا ما اكدته الروايات في باب معرفة الله تعالى
فهناك فقرة كثيرا ما نقرائها تؤكد هذه الحقيقة
(اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم اعرف رسولك /اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك / اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللتُ عن ديني )/كمال الدين وتمام النعمة/الصدوق/ص521.
فعلى هذا الاساس فإنّ إبتعاد بعض النساء عن الزهراء/ع/ ابتعادا قيميا ناتج عن ابتعادهنّ حقيقة عن الله تعالى وإلاّ لوكُنّ قريبات من الله تعالى لما رأينا ما رأينا هذا اولا / .
وثانيا /أنّ نفس قيم الزهراء ومنظومتها الفكرية والسلوكية والمعرفية والعقدية مهمشة واقعا في مؤسساتنا العلمية والدراسية
فشبابنا وشابتنا لايعرفون الشيء الكثير عن حقيقة الزهراء ع
وأرى إنّ الذي يُرجِع الفروع الى اصولها في طرح مفهوم القدوة الحسنة في وقتنا هذا المتمثل بشخص الصديقة الزهراء/ ع /هو تحديث ادوات الطرح معرفيا بما يتلائم ولغة الوقت وخصوصياته وتحديث البحث في موضوع قضية الزهراء:/ع:/ بما يستوعب جميع مساحات حياتها
لاأن نركز على جانب ونهمل جوانب اخرى واستيحاء الجديد من الاصيل قيميا
فأئمتنا علمونا التفريع على التأصيل وخاصة ما ورد عن الإمام جعفر الصادق/ع/
في قوله/ع/
((إنما علينا أن نُلقي إليكم الأصول وعليكم أن تُفرّعوا))/ميزان الحكمة/محمد الريشهري/ج1/ص549.
فتقدم الشعوب يتحقق بقدر ما تحتفي وتقتدي بقدواتها قيميا
ولذا حثنا الله تعالى على ذلك في قوله تعالى
((لقد كان لكم في رسول اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا))/21/الأحزاب.
وفي قوله تعالى أيضا
((لقد كان لكم فيهم اسوة حسنة لمن يرجو الله واليوم الأخر ومن يتول فإنّ الله هو الغني الحميد))/المتحنة/6.
نعم نحن اليوم بأمس الحاجة المعرفية لقيم الزهراء/ع/ وثقافتها البشرية كأنثى وزوجة وصديقة معصومة
فالمعرفة التأريخية فقط لاتكفي بل المطلوب الـتأسي وفق التأسيسات الأخلاقية والمنهجية المُستقاة من منظومة الزهراء/ع/
فمثلا عندماكَبُرَت الزهراء/ع/وشبّ معها حُبُ أبيها محمد/ص/ رعت والدها/ص/ رعاية الأم لولدها
وخاصة بعد وفاة أمها خديجة/ع/ حتى سماها النبيُ/ص/ (بأم أبيها))/إنظر /اُسد الغابة/ابن الأثير/ج5/ص520.
وهنا نأخذ قيمة وإعتبار بسلوك الزهراء/ع/ هذا وضرورة إستيحائه عمليا في تنضيج علاقة الأبناء بآبائهم
علاقة تقوم على الحنان المُتبادل والحب والعاطفة لاعلاقة تقوم على ثقافة((إقدح لي أضأ لك)) مع الأسف.
فاليوم الأبناء يرمون آبائهم خارج البيت بعد ان يكبروا ويعجزوا وهم في حال أحوج فيه لأبنائهم الذين ربوهم
وصاروا ينظرون إليهم بشفقة ورحمة علّهم يردون لهم جميل ماصنعوا معهم
ولكن فقدان الأخلاق يجعل الإبناء يعقونَ آبائهم ظلما .
وممكن أيضاً أن نقف بوعي على كل سلوكيات الزهراء /ع/المعصومة نصيا ومطلقا فسلوكها حجة شرعا علينا
إذ أنه يُمثل في حقيقته دليلا شرعيا غير لفظي كفعلها وسلوكياتها الخارجية في تعاطيعها مع الناس بشريا
فكل سلوك وفعل قامت به الزهراء/ع/ يمكن لنا الأخذ بقيمته وكلياته والعمل به في حياتنا المعاصرة
وإن اختلف الحال وتبدل الزمان فالمهم قيمة وقداسة سلوكها بصورته العامة لاالخاصة
نعم ظروف سلوكياتها تختلف كليا عن زمننا ولكن قيمها هي هي واحدة في المضمون والهدف كالذي يُريدُ أن يشرب الماء في حال عطشه فتارة يشربُ بيده واخرى بقدح والمحصلة واحدةوهي تحقق الأرتواء بحقيقة الماء
فقيم وقدسية سلوكيات المعصوم /ع/ وأعني الزهراء/ع/ تكمن في هذا
وإلاّ كيف يُعقل جعل الحجية العقدية والأخلاقية والشرعية إلهيا لها علينا إن لم نتكمن من الأستفادة من منهاجها الخاص والعام.
ففي عنوانها كزوجة الكثيرمما يصلح إنموذجا إجتماعيا وأخلاقيا للنساء المتزوجات
من توفير القدرة الذاتية على تدبير شؤون بيت الزوجية إلى العمل الشخصي بنفسها في إدارة البيت الزوجي
وترك الأعتماد على الخدم كما هو شائع عندنا اليوم
فالتاريخ ينقل لنا انها/ع/ كانت تطحن الشعير بيدها الشريفة وتديرالرحى بيدها أيضا ببساطة الحياة آنذاك
وتكنس البيت وهي في حال تعب وجهد مع ما كان من علي/ع/ من تقديمه المساعدة لها شخصيا
فالمهم هو أننا نرى القيمة هنا جليا في صبر الزهراء/ع/ وقناعتها الأختيارية بحياة الزوجية
ولما رآها رسول الله/ص/على حالها هذا صابرة محتسبة وخاطبها بقوله/ص/
((يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا اليوم لنعيم غدا))
فقالت/ع/
((يارسول الله :الحمدُ لله على نعمائه والشكر لله على آلائه))/تنبيه الخواطر ونزهة النواظر/المالكي الأشتري/ج2/ص230.
وهنا نرى بوضوح ثقافة الحمد والشكرلله تعالى من قبل الزهراء/ع/ وهذه هي القيمة التي يجب أن نستوحيها عمليا
فالزوجة اليوم يجب أن تقنع بماهو موجود في بيتها فلاتتكلف إلاّ للضرورات الحياتية فالترف زائل
وماينفع الناس يمكث في الارض.
ويجب أن تكون مُطيعة لزوجها بصورة عادلة ومعتدلة مثلما هي تُريدُ منه فالتعامل بين الرزوج وزوجته
يجب أن يقوم على اساس مراعاة كل منها لحقوق وواجبات الآخر
فهذا أمير المؤمنين علي/ع/ ينقل لنا عن صورة تعاطيه مع زوجته الزهراء/ع/ وتعاطيها معه
فيقول /ع/
(( فو الله ما أغضبتها ولاأكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عز وجل ولاأغضبتني ولاعصت لي أمر))/كشف الغمة/الأربلي/ج1/ص373.
ولايقول قائل أنّ علياً/ع/ والزهراء/ع/ هما شخصان معصومان وهذا قياس مع الفارق فلايمكن لنا أن نكون مثلهما
ونحن نقول ليس المطلوب أن تكون مثلهما ولكن المطلوب أن تقتدي بنهجهما فهو ممكن عرفا وعقلا
فترك الزوج لإغضاب وإكراه زوجته ليس مستحيلا في لائحة الأخلاق العملية وكذا الزوجة
فليس مُتَعسرٌ عليها ترك إغضاب زوجها وعصيانه.
فكانت حياة الزهراء/ع/ كزوجة مع علي/ع/ حياة قوامها الإخلاق والإخلاص والحب المتبادل بينها خصوصا
ففي مقطع قصير ورد عن علي/ع/ في حق الزهراء/ع/ أنه قال
((لقد كنتُ أنظرُ إليها فتكشف عني الهموم والأحزان))/كشف الغمة/الأربلي/ج1/373.
وهذا المقطع العميق يكشف بوضوح عن مدى سعادتهما الخاصة وتطبيق المنهج الزوجي القويم فأي إمرأة هذه بحيثُ إذا نظر لها زوجها تجلي همه وحزنه ؟
ثم يأتي دورالزهراء/ع/ المنهجي القيمي للنساء في تعاطيها كأم في قدرتها على تربية أولادها خيرُ تربية
منطلقة من القرآن الكريم وسنة أبيها محمد/ص/
مطبقة لقوله تعالى
((ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناسُ والحجارة )) /التحريم/6.
فالزهراء/ع/ كانت خير أم لخير أولاد حيث أهتمت بهم /ع/ وربتهم تربية قائمة على سلوك التقوى والفضيلة
وحثهم على فعل الخيرات فقد ورد في الروايات أنها /ع/ كانت تحثهم على إحياء ليالي الجمع وليالي القدر
والذهاب إلى المسجد .
وقد ركزت /ع/ في نفوس أبنائها الحسن والحسين وزينب /ع/ روح الإيثار والأحسان إلى الغيرنفسيا وسلوكيا وهذا ما أفصح عنه القرآن الكريم في سورة الإنسان (الدهر)
حيث قال تعالى بشأنهم
((ويُطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا *إنما نُطعمكم لوجه الله لانُريدُ منكم جزاءً ولاشكورا*
إنّا نخافُ من ربنا يوما عبوسا قمطريرا* فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا))ألإنسان/9_11.
وهذه الآيات نزلت في حق آل البيت المعصومين/ع/ وإعتراف المفسرين كلهم /إنظر/جامع أحاديث الشيعة/السيد البروجردي/ج13/ص178.
ولاينبغي لنا أيضا أن نغفل قيم الزهراء/ع/ الصالحة لكل وقت وإنسان حتى من غير المتدينين لو حدثتهم
بأنّ الزهراء/ع/ كانت تدعوللغير وتحبهم قبل ذاتها حتى في صلاتها لاتنسى الخلق والعباد
لوقف لها إجلالا وقال هذا خُلقٌ إنساني مكين
فعن الحسن /ع/ يسأل امه/ع/ بعد أن تنتهي من صلاتها
فيقول ((اماه لِمَ لاتدعي لنفسك))؟
فيأتيه الجواب منها/ع/((يا بني الجار قبل الدار))/علل الشرائع/الصدوق/ج1/ص182.
وهذا ذرة من بحر أخلاق الزهراء/ع/ وليتنا إلتفتنا لذلك لا إلى غيرها ؟؟
فإذن كل ما تركته الزهراء/ع/ من سلوك وقول فهو إنموذج مُؤهلٌ للإقتداء به في حياتنا المعاصره
وهذا هو عين الإقتداء والولاء للمعصومين /ع/ فإحياء ذكرى ولادتهم يجب أن تعني إحياء منهج هدايتهم للعباد وهذه حقيقة ركزها القرآن الكريم في ضرورة تنضيج التأسي أخلاقيا وإنسانيا بالمعصومين/ع/
فقد قال تعالى
((أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده))الأنعام/90.
فالعبرة تكمن حقيقة في واقعية الأقتداء لاالذكرفقط
ولنا أيضا أن نستوحي قيما اخرى من سلوكيات الزهراء/ع/ منهجياً فهي /ع/ شاركت وبصورة مباشرة في فعاليات الدعوة الأسلامية وحركتها في مواجهة الأعداء وخاصة في أخطر معركة وهي (معركة احد)
والتي جُرِحَ فيها رسول الله/ص/ وتكسرت اسنانه واستشهد فيها عم النبي حمزة بن عبد المطلب بطل الأسلام ونخبة معه من المؤمنين
نلحظ في هذه المعركة دورا ظاهرا وقيمي لشخصية الزهراء/ع/ فعملت /ع/ على تضميد جرح ابيها/ص/
وكانت هي واحدة من ضمن النسوة اللاتي شاركن في واقعة احد كما ذكر التاريخ ذلك
فقال الواقدي
(وكُنّ أربع عشرة إمرأة منهن فاطمة بنت رسول الله/ص/ يحملن الطعام والشراب على ظهورهن ويسقين الجرحى ويداوينهم )) المغازي/الواقدي/ج1/ص249.
وهذاالنص التأريخي يعطينا صورة مشرفةعن جهاد المرأة المسلمة والمؤمنة في حركتها الدعوية إلى الله تعالى حتى في سوح الوغى فضلا عن مشروعية مشاركة المرأة في كل فعاليات التثقيف الرسالي الأسلامي
في الحياة المعاصرة من باب أولى إذ انه بمشروعية السماح لها بالمشاركة في ساحة الحرب ضد الاعداء
فطبيعي مشروع لها العمل في مناشط الدعوة بصورها كافة
وأخيرا يجب الإعتبار بقوله تعالى
(( لقد كان في قصصهم عِبرَةٌ لأولي الألباب ما كان حديثاً يُفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )) /111/ يوسف/ .
وهذه الأية الشريفة وإن كانت تؤسس لمنهاجية الأعتبار بالقصص الماضية من الأمم الغابرة ولكنها تُخاطب النُخبة ((أولوا الألباب ))
وتطرح طريقا للأهتداء وإستنزال الرحمة الإلهية لقوم يؤمنون..
ولوإني أعتقد قاطعا أنّ الزهراء/ع/ ليست هي مفردة تأريخية مرحلية تحيثت بحاضنة التأريخ الماضي
بل هي حجة وجودية واقعية لاينفك الإستغناء عنها بأي حال وزمان أبدا
وإن عاشت/ع/ في بطن التأريخ
ولكنها تحولت إلى قيمة حيّة بفضل ألله تعالى وبمنحها ذاتها الشريفة قُربانا لله تعالى
.ومن هنا ينبغي علينا الوقوف الجاد والأيماني على أهمية الكسب والأخذ مماتركت الزهراء/ع/ من قيم أطلاقية للبشرية عامة
والمهم من إحياء ذكرها هو كيف لنا أن أن نوظف منهاجها عمليا وبصورة جديدة عقلانية ومعتدلة في تطبيقاتها الحياتية وهل نقدر على تفعيل ذلك ميدانيا ؟
وتقديري لكم جميعا ...
والسلام عليكم ورحمة ألله وبركاته..
/مرتضى علي الحلي /النجف الأشرف/