الشیخ حسین الصالح
25-06-2011, 02:49 AM
و لأی الأمور تدفن سراً بضعۀ المصطفى و يعفي ثراها
فلما جنّ الیل و مضی شطراً منه و هدأت الاصوات و نامت العیون قام اميرالمؤمنين صلوات الله عليه لينفّذ وصیة الزهراء سلام الله عليها، فاشعل النار فی جریدۀ النخل ثم بادر الی غسل جثمان الزهراء الذی انهکته المصائب و الآلام، الجثمان الذی ذاب لحمها و صارت کالخیال و کانت اسماء تناوله الماء و امیرالمؤمنین یصب الماء علی جسدها الطاهرۀ و هی فی قمیصها، فلم یکشف القمیص عنها و هذه بوصیۀ منها کی لا یقع عیون بعلها و ابناءها علی اثر الضربات و الصدمات.
فلمات أکمل امیرالمؤمنین غسلها و کفنّها فی سبعۀ اثواب و قال : ( اللهم انها امتك و ابنة رسولك و صفيتك و خيرتك من خلقك، اللهم لقّنها حجتها و أعظم برهانها و أعل درجتها و أجمع بینها و بین ابیها)
ثم حنّطها من فضلۀ حنوط أبیها و کفّنها و أدرجها فی أکفانها، فلما همّ أن یعقد الرداء نادی اسد الله الغالب ( یا أم کلثوم و یا زینب و یا فضۀ و یا حسن و یا حسین، هلمّوا و تزودوا من أمکم، فهذا الفراق و اللقاء فی الجنۀ)
و کان ابناء الزهراء ینتظرون اذن ابیهم لیتزودوا من أمهم، فلمّا أذن لهم بذلک أقبل الحسنان، فألقیا بانفسهما الی جسدها و یصف امیرالمؤمنین هذه الحالۀ قائلاً : (إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ أَنَّهَا قَدْ حَنَّتْ وَ أَنَّتْ وَ مَدَّتْ يَدَيْهَا وَ ضَمَّتْهُمَا إِلَى صَدْرِهَا مَلِيّاً وَ إِذَا بِهَاتِفٍ مِنَ السَّمَاءِ يُنَادِي يَا أَبَا الْحَسَنِ ارْفَعْهُمَا عَنْهَا فَلَقَدْ أَبْكَيَا وَ اللَّهِ مَلَائِكَةَ السَّمَاوَاتِ فَقَدِ اشْتَاقَ الْحَبِيبُ إِلَى الْمَحْبُوب)
ثم حان موعد الصلاۀ علیها، فلم یصلّ علیها احداً ممن ظلمها، بل صلّی علیها أفضل من علی وجه البریّۀ، ثم جعلها علی بن ابی طالب فی ملحودۀ قبرها و واری علیها التراب، فلما نفذ یده من تراب القبر هاج علیه الحزن، فأرسل دموعه علی خدیه و حوّل وججه الشریف الی قبر رسول الله، فقال : (السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي وَ عَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ وَ السَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي وَ رَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي إِلَّا أَنَّ فِي التَّأَسِّي لِي بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ وَ فَادِحِ مُصِيبَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ وَ فَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَ صَدْرِي نَفْسُكَ فَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ وَ أُخِذَتِ الرَّهِينَةُ أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ وَ أَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللَّهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمٌ وَ سَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ وَ اسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ )
نَفْسِي عَلَى زَفَرَاتِهَا مَحْبُوسَةٌ يَا لَيْتَهَا خَرَجَتْ مَعَ الزَّفَرَاتِ
لَا خَيْرَ بَعْدَكَ فِي الْحَيَاةِ وَ إِنَّمَا أَبْكِي مَخَافَةَ أَنْ تَطُولَ حَيَاتِي
و بقیت حال الحزن و الأسی کامنۀ فی قلب علی علیه السلام بعد فقدانه الزهراء و کان ذلک الحزن ینصب فی صدره الشریف بین الحین و الآخر، فکان حینما لایجد من یبث الیه ما یختلج فی صدره، یجلس عند حافۀ بئر و یلقي ما عنده من هموم و غموم فيه فصبر و في عينه القذی و فی حلقه الشجی.
و اذا اشتدت الدنیا علیه، قام علی قبر حبیبها و قال :
مَا لِي وَقَفْتُ عَلَى الْقُبُورِ مُسَلِّماً قَبْرَ الْحَبِيبِ فَلَمْ يَرُدَّ جَوَابِي
أَ حَبِيبُ مَا لَكَ لَا تَرُدُّ جَوَابَنَا أَ نَسِيتَ بَعْدِي خُلَّةَ الْأَحْبَاب
قَالَ الْحَبِيبُ وَ كَيْفَ لِي بِجَوَابِكُمْ وَ أَنَا رَهِينُ جَنَادِلَ وَ تُرَابٍ
أَكَلَ التُّرَابُ مَحَاسِنِي فَنَسِيتُكُمْ وَ حُجِبْتُ عَنْ أَهْلِي وَ عَنْ أَتْرَابِي
فَعَلَيْكُمُ مِنِّي السَّلَامُ تَقَطَّعَتْ عَنِّي وَ عَنْكُمْ خُلَّةُ الْأَحْبَاب
و مرۀ أخری تمنی الموت و قال : ( فلیت ابن ابی طالب مات قبل یومه، فلا یری الکفرۀ الفجرۀ، قد ازدحموا علی ظلم الطاهرۀ البرّۀ) و کان بعض الأحیان یذکر اسوداد متنها و یقول : ( فقد عزّ علی ابن ابی طالب أن یسودّ متن فاطمۀ ضرباً)
لكنّ كسر الضلع ليس ينجبرْ
إلاَّ بصمصام عزيز مقتدر
بقلمي
الشيخ حسين الصالح
فلما جنّ الیل و مضی شطراً منه و هدأت الاصوات و نامت العیون قام اميرالمؤمنين صلوات الله عليه لينفّذ وصیة الزهراء سلام الله عليها، فاشعل النار فی جریدۀ النخل ثم بادر الی غسل جثمان الزهراء الذی انهکته المصائب و الآلام، الجثمان الذی ذاب لحمها و صارت کالخیال و کانت اسماء تناوله الماء و امیرالمؤمنین یصب الماء علی جسدها الطاهرۀ و هی فی قمیصها، فلم یکشف القمیص عنها و هذه بوصیۀ منها کی لا یقع عیون بعلها و ابناءها علی اثر الضربات و الصدمات.
فلمات أکمل امیرالمؤمنین غسلها و کفنّها فی سبعۀ اثواب و قال : ( اللهم انها امتك و ابنة رسولك و صفيتك و خيرتك من خلقك، اللهم لقّنها حجتها و أعظم برهانها و أعل درجتها و أجمع بینها و بین ابیها)
ثم حنّطها من فضلۀ حنوط أبیها و کفّنها و أدرجها فی أکفانها، فلما همّ أن یعقد الرداء نادی اسد الله الغالب ( یا أم کلثوم و یا زینب و یا فضۀ و یا حسن و یا حسین، هلمّوا و تزودوا من أمکم، فهذا الفراق و اللقاء فی الجنۀ)
و کان ابناء الزهراء ینتظرون اذن ابیهم لیتزودوا من أمهم، فلمّا أذن لهم بذلک أقبل الحسنان، فألقیا بانفسهما الی جسدها و یصف امیرالمؤمنین هذه الحالۀ قائلاً : (إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ أَنَّهَا قَدْ حَنَّتْ وَ أَنَّتْ وَ مَدَّتْ يَدَيْهَا وَ ضَمَّتْهُمَا إِلَى صَدْرِهَا مَلِيّاً وَ إِذَا بِهَاتِفٍ مِنَ السَّمَاءِ يُنَادِي يَا أَبَا الْحَسَنِ ارْفَعْهُمَا عَنْهَا فَلَقَدْ أَبْكَيَا وَ اللَّهِ مَلَائِكَةَ السَّمَاوَاتِ فَقَدِ اشْتَاقَ الْحَبِيبُ إِلَى الْمَحْبُوب)
ثم حان موعد الصلاۀ علیها، فلم یصلّ علیها احداً ممن ظلمها، بل صلّی علیها أفضل من علی وجه البریّۀ، ثم جعلها علی بن ابی طالب فی ملحودۀ قبرها و واری علیها التراب، فلما نفذ یده من تراب القبر هاج علیه الحزن، فأرسل دموعه علی خدیه و حوّل وججه الشریف الی قبر رسول الله، فقال : (السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي وَ عَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ وَ السَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي وَ رَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي إِلَّا أَنَّ فِي التَّأَسِّي لِي بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ وَ فَادِحِ مُصِيبَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ وَ فَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَ صَدْرِي نَفْسُكَ فَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ وَ أُخِذَتِ الرَّهِينَةُ أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ وَ أَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللَّهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمٌ وَ سَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ وَ اسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ )
نَفْسِي عَلَى زَفَرَاتِهَا مَحْبُوسَةٌ يَا لَيْتَهَا خَرَجَتْ مَعَ الزَّفَرَاتِ
لَا خَيْرَ بَعْدَكَ فِي الْحَيَاةِ وَ إِنَّمَا أَبْكِي مَخَافَةَ أَنْ تَطُولَ حَيَاتِي
و بقیت حال الحزن و الأسی کامنۀ فی قلب علی علیه السلام بعد فقدانه الزهراء و کان ذلک الحزن ینصب فی صدره الشریف بین الحین و الآخر، فکان حینما لایجد من یبث الیه ما یختلج فی صدره، یجلس عند حافۀ بئر و یلقي ما عنده من هموم و غموم فيه فصبر و في عينه القذی و فی حلقه الشجی.
و اذا اشتدت الدنیا علیه، قام علی قبر حبیبها و قال :
مَا لِي وَقَفْتُ عَلَى الْقُبُورِ مُسَلِّماً قَبْرَ الْحَبِيبِ فَلَمْ يَرُدَّ جَوَابِي
أَ حَبِيبُ مَا لَكَ لَا تَرُدُّ جَوَابَنَا أَ نَسِيتَ بَعْدِي خُلَّةَ الْأَحْبَاب
قَالَ الْحَبِيبُ وَ كَيْفَ لِي بِجَوَابِكُمْ وَ أَنَا رَهِينُ جَنَادِلَ وَ تُرَابٍ
أَكَلَ التُّرَابُ مَحَاسِنِي فَنَسِيتُكُمْ وَ حُجِبْتُ عَنْ أَهْلِي وَ عَنْ أَتْرَابِي
فَعَلَيْكُمُ مِنِّي السَّلَامُ تَقَطَّعَتْ عَنِّي وَ عَنْكُمْ خُلَّةُ الْأَحْبَاب
و مرۀ أخری تمنی الموت و قال : ( فلیت ابن ابی طالب مات قبل یومه، فلا یری الکفرۀ الفجرۀ، قد ازدحموا علی ظلم الطاهرۀ البرّۀ) و کان بعض الأحیان یذکر اسوداد متنها و یقول : ( فقد عزّ علی ابن ابی طالب أن یسودّ متن فاطمۀ ضرباً)
لكنّ كسر الضلع ليس ينجبرْ
إلاَّ بصمصام عزيز مقتدر
بقلمي
الشيخ حسين الصالح