المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حجر داود ، وسيف علي : موقفان تاريخيان غيرا مجري التاريخ وخلدتهما الكتب السماوية .


مصطفى الهادي
30-06-2011, 01:13 PM
حوار بين مقلاع داود ، وسيف علي :
موقفان تاريخيان غيرا مجري التاريخ وخلدتهما الكتب السماوية .
يخبرنا سفر الأيام بأن قوى عسائيل يؤآب والحانان بن دودو 1 لم تستطع أن تكبح جماح جليات المخيف فارس فرسان وبطل أبطال فلستيين. لقد تسلل إليهم جليات أحد أشد مقاتلي مدينة جت الفلستية كما يصفه التناخ في سفر صموئيل : كان جليات يوصف بانه الجنّي ، حيث كان رمحهُ كنول النساجين وزن نصل رمحه مئة شاقل من حديد.
يقول صموئيل الأول : ((فخرج رجلٌ مبارزٌ من جيوش الفلستيين أسمه جليات من جت ، طوله ست أذرع وشبر ، وقناة رمحهُ كنول النساجين ، وسنان رمحه ست مئة شاقل حديد )) 2.
أيام طويلة وجليات يصول ويجول في طرف الخندق الثاني مقابل الفئة المؤمنة من بني إسرائيل وهو يسبهم ويشتمهم وينهال عليهم بوابل من الإهانات ، مسفها دينهم ملقيا الذعر في قلوبهم ويقول لهم : (( تعالوا وابرزوا لي اختاروا رجلا يبارزني فإذا قتلني صرنا لكم خداما ، وإذا قتلتهُ صرتم لنا خداما )) 3. أين نبيكم أين ربكم أين جنتكم ألا يحب أحد أن يرسل كافرا إلى النار .
وبح صوت جليات من النداء ولم يجد مبارزا إلا فتى شابا يافعا كان يُريد الخروج في كل مرة ولكن شاول النبي كان يمنعهُ ويقول له اجلس يا دواد إنه جليات الفلسطي (اجلس يا علي إنه عمر) . ولم يتحمل الفتى ولم يصبر فصرخ بصوت عال وقال : وأنا داود (وأنا علي ) ثم خطف مقلاعه وأخذ حجارة وواجه جليات الفارع الذي يبلغ طوله أكثر من ثلاث أمتار ووقف داود أمام جليات الذي كان يسخر من داود ولا يلتفت إليه . وهنا هز داود مقلاعه وطوح به في الهواء وصك جبين جليات الذي خر كانه قطعة جبل انهارت في واد سحيق .
موقفان غيرا مجري التاريخ وأرسيا قواعد عقائد أمة ذكرتهما الكتب المقدسة واثنت على أبطالها موقفان حدثا في اللحظات الحاسمة حين يستسلم الإنسان للموت وتخور قواه ويُزيغ بصره ويشك حتى بالقدرة المطلقة التي يستبين عظيم جبروتها في خلق السماوات والأرض وإذا بهذا الإنسان يُشكك بنصر هذه القدرة المطلقة لهُ مقابل قدرة محدودة بشرية ضعيفة خاوية في هذه اللحظات الحاسمة حيث تزيغ الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر ويظن الإنسان بالله الظنونا برز مقلاع وسيف ، المقلاع أردى عملاق ، والسيف سقى عدوه الحيف .
مقلاع داود وسيف علي حيث لم يرد لنا في الكتب السماوية ذكرٌ لمثل هذين المشهدين اللذين احتكر فيهما البطلان مجد الأديان وثناء الديان .
المتأمل في قصة جليات وداود يرى أن يد العناية الربانية تجلت على يدي داود فتجسدت نصرا ساحقا أتى على كل معنويات ذلك الجيش الذي جاء لإبادة بني إسرائيل ، فمع أن الله تعالى كان يكلمهم شفاها عن طريق نبيهم وتنزل عليهم بركاته لحظة بلحظة ولكن بني إسرائيل ظنوا بالله الظنونا وتقاعسوا عن قتال أعدائهم ورفعوا شعارهم اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون .
فجليات ( جالوت ) كان رجلا عملاقا قوي جدا يحمل بيده نبوتا ضخما إذا وقع على حجر هشمه ، وكان بطلا تهابه الفرسان وكان يتقدم ذلك الجيش اللجب ، الذي أحاط بالمدينة من كل جوانبها ولم يحمها منهم إلا ذلك الخندق الذي حفروه حول المدينة ، وكان جليات يصول ويجول مهددا ومتوعدا ولا أحد يرد عليه الجميع أصابهم الخوار من بطشه ،والدوار من صوته الذي كان كأنه الرعد القاصف ، في تلك اللحظة الحاسمة والمصيرية من أمر الدين برز شاب يافع بيده مقلاع صغير فيه حجر لا يتعدى حجمه قبضة اليد ، وإذا بهذا الغلام يقلب المعادلة رأسا على عقب فقط برمية حجر صك جليات بين عينيه فوقع ذلك الفارس من شواهق قممه كأنه قطعة جبل تخر على واد سحيق .
عمل داود هذا أصاب العدو بالخوار والضعف وانهزمت أرواحهم قبل أجسامهم وانهارت معنوياتهم إلى درجة أن أحدهم لم يقوى على رفع رمحه بوجه جنود داود .
وفي الطرف المقابل ارتفعت معنويات جيش بني إسرائيل بشكل مذهل بحيث أنهم نهضوا كأنهم الأسود بعد أن كانوا كأنهم الفئران المختبئة في جحورها وبرزوا جميعا فهزموا جيش الكفر فوصف تعالى ذلك بقوله فقتل داود جالوت وهزموهم بأذن الله .
التاريخ يدور دورته وإذا بالحدث يتكرر في صحراء قاحلة يلف مدينة يأوي إليها جمعٌ من المهاجرين أحاطت بهم قوى الكفر والضلالة ولم يحم المدينة وهذه الشلة المؤمنة القليلة إلا خندق حفروه حول مدينتهم ، وهنا برز صنو جليات عمر بن عبد ود العامري الذي أخذ يصول ويجول ولا من مجيب وزاغت قلوب المؤمنين مع أن رسولهم بينهم وهذا يعني أن الحبل لايزال ممدود بين السماء والأرض وأن الوحي لايزال ينزل بمدد ونصر الله تعالى ومع ذلك فإن المؤمنين أصابهم ما أصاب قوم داود من خوار وضعف ، كل ذلك من رجل واحد أوقع كل هذه الهزيمة النفسية بهم حتى أن قلوبهم وصلت لحناجرهم ، وظنوا بالله الظنونا يخشون الناس كخشيتهم الله .
وهنا برز فتى يافع وحيدا يحمل حديدة بيده لا يتعدى طولها طول مقلاع داود يشد عليها ساعدٌ غضنفري ارتسمت عليه عروق كأنها مخالب تنين تريد أن تمتد إلى ذلك الذي يرعد في الطرف المقابل من الخندق . وهنا أدرك عمر من هذا الذي أمامه فأنهزم روحيا قبل أن ينهزم جسديا ، ولكنه لا يُريد أن تعيره نساء العرب فكيف يهرب من وجه هذا الفتى وهو هو ، فلم يجد عذرا إلا أن يقول لذلك الفتى : لقد كان والدك نديما لي في الجاهلية فلا أريد أن أقتلك .إنها أول علامات الهزيمة النفسية لفارس المشركين .
ههههههههه ، كلامٌ من خائف ذكي . لقد وزن عمر قتلى علي ، فعرف أنه لن ينجوا من أبن أبي طالب وأنه سوف يلحق بأولئك الصناديد الذي جندلهم علي بسيفه المنحني القصير(( عتبة وشيبة والوليد ومرحب فارس اليهود ، عبد الوليد من شياطين قريش . وطلحة بن عبد العزى حامل لواء المشركين يوم أحد . وفارس فرسان العرب فارس ياليل عمر بن معدي كرب الزبيدي الذي جاء به علي مخشوشا بعمامته والقاه بين يدي رسول الله )) 4 كل ذلك مر أمام بصر عمر فزاغ بصره ووزن قرينه وعرف من هو إنه علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي العدناني فارس الإسلام وقديسه وأسد الله ورسوله . فماذا يفعل عمر ، لقد تحصن عمر بوالد علي أبو طالب بحجة أنه كان نديما له في الجاهلية وأنه لا يرغب بقتل علي تقديرا لأبيه . ولكن لما لم تنفع هذه الحجة ورأى اصرار علي على قتله تترس عمر بفرسه ، فعلي كان راجلا ، فبقى عمر متسمرا على سرج فرسه خوفا من ذلك الفتى الذي جاءه مهرولا كأنه مدعو إلى وليمة . ولكن هذا الفتى كان يدرك خبايا نفس خصمه فقال له تقاتلني راجلا ؟ (أنظر هامش أ)، ونزل جليات المشركين من فرسه وهو ينعي نفسه مقدما وثار الغبار ولا ندري ماذا دار تحت عباءة الغبار هل توسل عمر بعلي أن يعفوا عنه هل دار كلام هناك حيث عيون الطرفين مسمرة على تلك العجاجة التي يتصارع تحتها فتى مراهق يافع ، وفارس مخضرم عريق تخشاه الفرسان وهو يُعد بألف منهم وانقشعت العجاجة تحت وقع صوت علي وهو يُكبر الله تعالى ، وانزاح ستار الغبار وإذا بعلي قابع على صدر ذلك الجبل آخذا بلحيته يُريد أن يحتز رأسه وزاغت عيون المشركين وهم يرون قلعتهم التي يحتمون بها تتهاوى على يدي ذلك الفتى اليافع بعد أن برز إليه وحده متسلحا الإيمان ومتدرعا بالصبر تحيف به دعوات الرسول وتضلله بركات النصر الإلهي و شيوخ المهاجرين و الأنصار خلفه يرتعدون هلعا قبعت قلوبهم تحت حناجرهم لا يحجز بينهم وبين الموت إلا سيف علي . عجاجة غضب علي التي قبع تحتها ذلك الفارس المهيب انطلقت من عقالها لتصب جام غضبها على من خارت قواهم خلف الخندق جيش المشركين الذي تفاجأ بانهيار حصنه المنيع ، وغبار عجاجة علي ثار وعلا حتى سد الأقطار واتجه نحوهم مدمرا خيامهم متسللا إلى مناخيرهم وعيونهم فلا يكادون يبصرون شيئا ، فولوا الأدبار تتبعهم خيام ممزقة وبقايا قدور انكفأ طعامهم فيها تلفعهم سياط الرمل المنطلقة من عجاجة علي الذي أثارها بزئيره وهو يحتز رأس جليات عصره الذي كان يصول ويجول فلا يجد له رادعا . وهكذا انهار جليات جالوت على يد فتى يافع بضربة مقلاع لا يتعدى طوله المتر وحجر صغير صك به جبين ذلك المارد ، وتهاوى عمر بضربة سيف ذلك الفتى اليافع علي بضربة حيدرية في سيف لا يتعدى طوله مقلاع داود وقبضته بحجم حجر داود . ضرب الله مثلا بداود فدون ذلك في قرآن يتلى على مر الزمان (( فقتل داوُد جالوت )) ودون ذلك نبي الرحمة عندما قال : ضربة علي يوم الخندق تعادل عبادة الثقلين إلى يوم القيامة . لماذا ؟ لأن ضربة علي أرست قواعد الإسلام وثبتت دعائمه على أرض الإيمان حتى يوم القيامة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش أ : طبعا كان طلب علي بن أبي طالب عليه السلام من عمر الكندي مبارزته راجلا يدل على بطولة خارقة للغاية ، حيث أن المقاتل الراجل يكون أثبت على الأرض وحركته لا تكون مقيدة بحركة الفرس الذي لربما يخشى بريق السيف وصوته فيتحرك عشوائيا مما يقيد من حركة الفارس ، ولذلك نرى عمر يقول لعلي تعقيبا على طلب علي المبارزة له راجلا : ما طلبها أحدٌ مني قبلك من العرب . ثم نزل عمر وعقر فرسه في مشهد نفسي استعراضي يعكس خوف الفاعل من خصمه . وإنما فعل ذلك عمر لكي يدخل الرعب في قلب خصمه .
1 - سفر خبار الأيام الأول فقرة 11 ، 26 .
2- سفر صموئيل الأول 17:4 .
3 صموئيل الأول 17 ،8 .
4 - جلس عمر بن الخطاب رض بعد الصلاة يوما فرأى عمر بن معدي كرب الزبيدي فارس يا ليل جالسا بين المصلين ، فقال له عمر بن الخطاب ، أيه يا عمر أحكي لنا من بطولات الجاهلية ومعاركها . فقال عمر الزبيدي : وهل ترك لنا علي بن أبي طالب شيئا من البطولات لنتحدث به .