مرتضى علي الحلي
06-07-2011, 10:29 AM
((قراءةٌ في شخصية سيدنا العباس بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) ))
::صلابة الإيمان ونافذية البصيرة::
====================================
(( الهوية الذاتية لسيدناالعبّاس(عليه السلام))
=======================
ولِدَ سيدنا العباس (عليه السلام) سنة ست وعشرين من الهجرة ،
وأمه فاطمة بنت حزام الكلابية .
عاش (ع) مع أبيه(عليه السلام) أربع عشرة سنة حضر بعض الحروب كالجمل وصفين والنهروان ،
فلم يأذن له أبوه بالنزال .
ومع أخيه الحسن(ع)عاش إلى أربع وعشرين سنة ،
ومع أخيه الحسين (ع)عاش إلى أن بلغ أربعا وثلاثين سنة
إنظر/هامش شرح الأخبار/القاضي النعمان المغربي/ج3/ص 194.
كان /ع/ يُكنى بأبي الفضل وكان يسمى بالسقاء
وتسميته بالسقّاء منحها إيّاها أبوه الإمام علي/ع/ في قصة معروفة وشهيرة في التأريخ
وهي أنّ أمير المؤمنين علي/ع/ كان جالسا في المسجد وحوله الحسن والحسين/ع/ والعباس
إذ عطش الحسين/ع/ فقام العباس (ع) وهو صبي صغير وجاء الى امه أم البنين
فقال أماه إنّ أخي الحسين(ع) عطشان فقامت فاطمة أم البنين(رضوان الله تعالى عليها) وملئت له الركوة (وعاء للماء) ووضعتها على رأس العباس (ع) فجاء بها الى المسجد والماء يتصبب على كتفيه حتى جاء بها الى الحسين(ع)
فلمّا رآه أمير المؤمنين علي/ع/ صاح ولدي عباس أنت ساقي عطاشا كربلاء فسُميَ عند ذلك بالسقاء
، ويُكنى أيضا بأبي قربة .
وكان رجلا وسيما جميلا ، يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض ،
وكان يقال له قمر بني هاشم ،
وكان لواء الحسين ( عليه السلام ) معه يوم قتل .
إنظر /المناقب/ لابن شهرآشوب :ج3 /ص260.
و/ الفصول المهمة فيي معرفة الأئمة/ابن الصباغ المالكي/ج2/ص843.
تزوج سيدنا العباس من لبابة بنت عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب ، فولِدَ له منها عبيد الله و فضل .
وكانت جميلة عاقلة .|
/مستدركات علم رجال الحديث/الشاهرودي/ج8/ص 598.
وتذكر كتب التاريخ بأن للعباس(ع) خمسة أولاد و بنت واحدة
وهم الفضل ، وعبيدالله ، والحسن ،و القاسم و محمد.
وقد انحصر عقب العباس(ع) في ولده عبيدالله
و انحصر عقب عبيدالله في ولده الحسن .
((العباس (ع) مع الإمام الحسين(عليه السلام)))
في الموقف المُمَيّز:
::الأخ الوفي والمؤمن الصلب ::
====================================
من المعلوم إننا إذا أردنا الحديث عن شخص عظيم النفس وكبيرالعقل وصلب الإيمان وأبن معصوم(أي ابن الإمام علي/ع/)
وأخ لمعصومَين مثل الحسن والحسين/ع/
وابن إمرأة هي من أشرف نساء العرب وأعقلهنّ وأكملهنّ
إختارها علي/ع/ بدقة وحكمة
ولابأس بذكر قصة إختيار أم العباس /ع/ لما في ذلك من أثربليغ تركه ذلك الإختيار واقعا في كيان العباس /ع/ كشخص وكموقف شريف مع الحسين/ع/ خلده التأريخ في مدونته وأرشيفه
. فعن كتاب عمدة الطالب إنّ أمير المؤمنين علي/ع /قال لأخيه عقيل وكان نسابة عالما باخبار العرب وأنسابهم
ابغني امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا
فقال له أين أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية
فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس
فتزوجها أمير المؤمنين /ع/ فولدت له وأنجبت وأول ما ولدت العباس وبعده عبد الله وبعده جعفرا وبعده عثمان
| انظر/اعيان الشيعة/السيد محسن الأمين/ج7/ص430.
فمن هنا لابدّ لنا من الولوج الى كيانية العباس/ع/ من خلال معرفة المعصوم/ع/ به وهي معرفة واقعية وشهادة فعلية وتقديرية
جديرة بالتأسيس القيمي عليها إذ أنّ المعرفة التأريخية لاتنفع صاحبها مالم تتحول الى قيمة معاصرة تأخذ بحركتها وسلوكها الإنسان المؤمن الى الصراط الحق.
ففي تعريف وجيز ومهم جدا أفصح عنه الإمام المعصوم علي بن الحسين/ع/يتضح لك معنى كيانية العباس /ع/ عظمته .
قال/ع/ رحم الله العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه .
وكانت له /ع /صفات عالية وأفعال جليلة امتاز بها
منها انه كان أيدا شجاعا فارسا وسيما جسيما ومنها انه كان صاحب لواء الحسين /ع/ واللواء هو العلم الأكبر
وكان العباس /ع/اخر من قتل من اخوة الحسين/ع/
/نفس المصدر اعلاه/اعيان الشيعة/السيد محسن
وإليك عزيزي المؤمن أيضا ما قاله الإمام جعفر الصادق /ع/في حق العباس/ع/:
انه قال/ع/ كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الايمان
جاهد مع أبي عبد الله عليه السلام وأبلى بلاء حسنا ومضى شهيدا
/نفس المصدر اعلاه/اعيان الشيعة/
وهذان الوصفان الفعليان اللذان إتصف بهما سيدنا العباس /ع/ وهما نافذية البصيرة وصلابة الإيمان لهُما بحق ما يُمثل الشخصية الموقنة في أمر ربها .
وهما روحا الإستقامة والتقوى واليقين في ذات العباس /ع/
فلو لم يكن العباس /ع/ بهذه الدرجة من الرفعة التقوائية قلبا وعقلا وفكرا لما إستحق وصف المعصوم كالإمام الصادق/ع/ له بذلك.
فالعباس /ع/ بسلوكه وتعاطيه مع الإمام الحسين/ع/ وأخته زينب /ع/ في يوم عاشوراء ضرب رقما صعبا في رائعة التآخي الدموي والإيماني بين بني الإنسان
فالعباس /ع/ وفق معطيات النصوص وشهادات المعصومين/ع/
كان بحق إنساناً بلغ من الكمال بدرجة تصنّف بقيمتها بعد المعصوم/ع/
ثم قال الإمام الصادق( عليه السلام ) : رحم الله العباس ، فلقد آثر وأبلى ، وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه ، فأبدله الله عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب ،
وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة
انظر/الأمالي/ الصدوق/ ص 548.
وهذه المنزلة للعباس /ع/والتي بحيث يغبطه بها جميع الشهداء (أي يتمنونها لهم مع تمنيهم ببقائها للعباس/ع/)
هي الآخرى تكشف عن عظمة العباس /ع/ وقدسيته عند الله تعالى
وهذا ليس ضرباً من الباطنية أو الغلو بل هو شهادة معصوم/ع/ومنصوب من قبل الله تعالى كإمام حجة على البشر بقوله وفعله وهو الإمام الصادق/ع/والذي يعترف به المؤالف والمخالف.
فهذا الذي تقدّم هو شهادة حقة من ألسنة المعصومين/ع/
وأما عن التأريخ نفسه فكثيرهو العطاء من لدن أبي الفضل العباس في نصرة الدين وإمامه الحسين/ع/
ففي يوم عاشوراء قال العباس بن علي /ع/ لإخوته من أمه
عبد الله وجعفر وعثمان :
يا بنى أمي تقدموا حتى أرثكم فإنه لا ولد لكم ففعلوا فقتلوا دون الحسين/ع/ وفداءاً للدين وحقانيته.
انظر ./مقتل الحسين/ع/ /ابو مخنف الأزدي/ص176.
أما موقفه الذاتي /ع/ مع الحسين/ع/ ونهضته فلايمكن للتأريخ نكرانه فهو أشهر من نار على علم
|
فيروي التأريخ أن العباس /ع/لما رأى وحدة أخيه الحسين/ع/ أتى أخاه(الحسين/ع/)
وقال : يا أخي هل من رخصة ؟
فبكى الحسين عليه السلام بكاء شديدا
ثم قال : يا أخي أنت صاحب لوائي وإذا مضيت تفرق عسكري
فقال العباس/ع/
: قد ضاق صدري وسئمت من الحياة وأريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين .
فقال الحسين عليه السلام : فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء ،
فذهب العباس ووعظهم وحذرهم فلم ينفعهم فرجع إلى أخيه
فأخبره فسمع الأطفال ينادون : العطش العطش !
فركب /ع/فرسه وأخذ رمحه والقربة ، وقصد نحو الفرات
فأحاط به أربعة آلاف ممن كانوا موكلين بالفرات ، ورموه بالنبال فكشفهم وقتل منهم على ما روي ثمانين رجلا حتى دخل الماء .
فلما أراد أن يشرب غرفة من الماء ، ذكر عطش الحسين وأهل بيته ،
فرمى الماء وملأ القربة وحملها على كتفه الأيمن ، وتوجه نحو الخيمة ، فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كل جانب ،
فحاربهم حتى ضربه نوفل الأزرق على يده اليمنى فقطعها ، فحمل القربة على كتفه الأيسر فضربه نوفل فقطع يده اليسرى من الزند ،
فحمل القربة بأسنانه فجاءه سهم فأصاب القربة وأريق ماؤها ثم جاءه سهم آخر فأصاب صدره ، فانقلب عن فرسه
وصاح إلى أخيه الحسين : أدركني ،|
ولما قُتِل العباس /ع/ قال الحسين/ع/ آلان انكسر ظهري وقلت حيلتيي
انظر/بحار الأنوار/المجلسي/ج45/ص42.
وهذا الموقف العملاق بهدفيته الذي أركزه العباس/ع/ في أرض كربلاء .
لايمكن المرورعليه جزافا دونما نُسجّل وعيا جديدا له
إختزله العباس /ع/ في كربلاء وحفظه التأريخ
مُنجزا قيميا ساريا بمفرداته في مناحي الحياة
وفي موقف آخر يُسجّل سيدنا العبّاس رائعة أخرى وخصوصا في وغى الحرب وساعة المحنة العصيبة
وإليك الموقف عزيزي القاريء
روى أبو مخنف أنه لما كاتب عمر بن سعد عبيد الله بن زياد في أمر الحسين ( عليه السلام )
وكتب إليه على يدي شمر بن ذي الجوشن بمنازلة الحسين ونزوله ،
أو بعزله وتولية شمر العمل ،
قام عبد الله بن أبي المحل بن حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر الوحيد - وكانت عمته أم البنين –
فطلب من عبيد الله كتابا بأمان العباس وإخوته ،
وقام معه شمر في ذلك ، فكتب أمانا وأعطاه لعبد الله ،
فبعثه إلى العباس /ع/وإخوته مع مولى له يقال له : كزمان ،
فأتى به إليهم (أي للعباس وأخوته)
فلما قرأوه
قالوا له : أبلغ خالنا السلام وقل له أن لا حاجة لنا في الأمان ،
أمان الله خير من أمان ابن سمية . فرجع ،
قال : ووقف شمر في اليوم العاشر ناحية
فنادى : أين بنو أختنا ، أين العباس وإخوته ،
فلم يجبه أحد ،
فقال لهم الحسين ( عليه السلام ) : أجيبوه ولو كان فاسقا ،
فقام إليه العباس فقال له : ما تريد ؟
قال : أنتم
آمنون يا بني أختنا .
فقال له العباس/ع/ (( لعنك الله ولعن أمانك ، لئن كنت خالنا أتؤمنا وابن رسول الله لا أمان له ؟
وتكلم إخوته بنحو كلامه ثم رجعوا ))
/انظر/تاريخ الرسل والملوك/الطبري/ ج3/ص313.
وروى أبو مخنف أيضا وغيره أن عمر بن سعد نادى في اليوم التاسع :
يا خيل الله اركبي وأبشري بالجنة . فركب الناس وزحفوا ، و ذلك بعد صلاة العصر ،
والحسين ( عليه السلام ) جالس أمام بيته محتبيا بسيفه و قد خفق على ركبتيه ،
فسمعت زينب الصيحة فدنت منه
وقالت : أما تسمع الأصوات يا أخي قد اقتربت !
فرفع الحسين ( عليه السلام ) رأسه وأخبرها برؤية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنه يدعوه ، فلطمت زينب وجهها وقالت ، يا ويلتاه ، فقال لها : ليس الويل لك يا أخية ، أسكتي رحمك الرحمن .
ثم قال العباس/ع/ له : يا أخي قد أتاك القوم فنهض ،
ثم قال : " يا عباس ، اركب بنفسي أنت حتى تلقاهم فتقول لهم : ما لكم ؟
وما بدا لكم ؟
وتسألهم عما جاء بهم " ،
فأتاهم العباس في نحو عشرين فارسا فيهم زهير وحبيب
فقال لهم /ع/: ما لكم وما بدا لكم وما تريدون ؟
فقالوا : جاء أمر عبيد الله أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم .
قال :/ع/ فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله
فأعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا ثم قالوا : القه فأعلمه ذلك ، ثم أعلمنا بما يقول .
فانصرف العباس يركض فرسه إلى الحسين ( عليه السلام ) يخبره ،
ووقف أصحابه يخاطبون القوم
حتى أقبل العباس يركض فرسه فانتهى إليهم ،
فقال : يا هؤلاء : إن أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الأمر ،
فإن هذا أمر لم يجر بينكم وبينه فيه منطق ،
فإذا أصبحنا التقينا فإما رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه أو كرهنا فرددناه .
قال : وإنما أراد بذلك أن يردهم عن الحسين تلك العشية حتى يأمر بأمره ويوصي أهله ،
وقد كان الحسين ( عليه السلام ) قال له : " يا أخي إن استطعت أن تؤخرهم هذه العشية إلى غدوة ،وتدفعهم عنا لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار " ،
فقال لهم العباس/ع/ ما قال ،
فقال عمر بن سعد : ما ترى يا شمر ؟
فقال : ما ترى أنت ، أنت الأمير والرأي رأيك ،
فقال ابن سعد : قد أردت أن لا أكون ذا رأي . ثم أقبل على الناس
فقال : ماذا ترون ؟
فقال عمرو بن الحجاج : سبحان الله ! والله لو كانوا من الديلم ثم سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها .
وقال قيس بن الأشعث : لا تجبهم إلى ما سألوك فلعمري ليصبحنك بالقتال غدوة .
فقال ابن سعد : والله لو أعلم أن يفعلوا ما أخرتهم العشية ،
ثم أمر رجلا أن يدنوا من الحسين ( عليه السلام ) بحيث يسمع الصوت فينادي : إنا قد أجلناكم إلى غد ، فإن استسلمتم سرحنا بكم إلى الأمير ، وإن أبيتم فلسنا تاركيكم
/انظر/الأرشاد/المفيد/ج2/ص90.
وهذا النص يكشف عن عمق الإعتماد والتعالق الإيماني والأخوي بين الحسين والعباس(عليهما السلام)
فالعباس سفير الحسين الى القوم وفارسه المكين
وهنا نرى العباس/ع/ إنسانا مُطيعا لإمامه الحسين وأخا وفيا له بحق .
وهذا هو الدرس الممنهج من العباس /ع/ إذ أنه يتصرف بإمرة الحسين /ع/ ويُنفّذ توجيهاته ويُحامي عن شخص المعصوم/ع/ والذي يجب شرعا الد فاع عنه .
وأخيرا ختم العباس /ع/ حياته بالشهادة في سبيل الله تعالى ودفاعا عن الإمام الحسين/ع/ وعياله
وفي هذا الشأن قال أبو جعفر الطبري
لما نشبت الحرب بين الفريقين تقدم عمر بن خالد ومولاه سعد ، ومجمع بن عبد الله ، وجنادة بن الحرث فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس ،
فلما وغلوا فيهم عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم ، وقطعوهم من أصحابهم ،
فندب الحسين ( عليه السلام ) لهم أخاه العباس فحمل على القوم وحده ، فضرب فيهم بسيفه حتى فرقهم عن أصحابه وخلص إليهم
فسلموا عليه فأتى بهم ، ولكنهم كانوا جرحى فأبوا عليه أن يستنقذهم سالمين ، فعاودوا القتال وهو يدفع عنهم حتى قتلوا في مكان واحد .
فعاد العباس إلى أخيه وأخبره بخبرهم
./تاريخ الرسل والملوك/الطبري/ج3/ص330.
وقال أهل السير :
وكان العباس قد ركز لواءه أمام الحسين وحامى عن أصحابه أو استقى ماء فكان يلقب بالسقاء . ويكنى أبا قربة بعد قتله .
وقالوا أيضا:
ولما رأى العباس وحدة الحسين ( عليه السلام ) بعد قتل أصحابه وجملة من أهل بيته ،
قال لإخوته من أمه : تقدموا لأحتسبكم عند الله تعالى ، فإنه لا ولد لكم . فتقدموا حتى قتلوا ،
فجاء إلى الحسين ( عليه السلام ) واستأذنه في المصال ،
فقال له : " أنت حامل لوائي " ،
فقال العباس/ع/: لقد ضاق صدري وسئمت الحياة .
فقال له الحسين : " إن عزمت فاستسق لنا ماء " ، فأخذ قربته وحمل على القوم حتى ملأ القربة .
قالوا : واغترف من الماء غرفة
ثم ذكر عطش الحسين ( عليه السلام ) فرمى بها
وقال :
يا نفس من بعد الحسين هوني * وبعده لا كنت أن تكوني
هذا الحسين وارد المنون * وتشربين بارد المعين
ثم عاد فأخذ عليه الطريق ، فجعل يضربهم بسيفه
وهو يقول :
لا أرهب الموت إذا الموت زقا * حتى أوارى في المصاليت لقى
إني أنا العباس أغدو بالسقا * ولا أهاب الموت يوم الملتقى
فضربه حكيم بن طفيل الطائي السنبسي على يمينه فبرأها ، فأخذ اللواء بشماله وهو يقول :
والله إن قطعتم يميني * إني أحامي أبدا عن ديني
فضربه زيد بن ورقاء الجهني على شماله فبرأها ،
فضم اللواء إلى صدره كما فعل عمه جعفر إذ قطعوا يمينه ويساره في مؤتة ، فضم اللواء إلى صدره وهو يقول :
ألا ترون معشر الفجار * قد قطعوا ببغيهم يساري
فحمل عليه رجل تميمي من أبناء أبان بن دارم فضربه بعمود على رأسه فخر صريعا إلى الأرض ، ونادى بأعلى صوته : أدركني يا أخي .
فانقض عليه أبو عبد الله كالصقر قرأه مقطوع اليمين واليسار مرضوخ
الجبين مشكوك العين بسهم مرتثا بالجراحة ،
فوقف عليه منحنيا ، وجلس عند رأسه يبكي حتى فاضت نفسه ، ثم حمل على القوم فجعل يضرب فيهم يمينا وشمالا فيفرون من بين يديه كما تفر المعزى إذا شد فيها الذئب ،
وهو يقول : أين تفرون وقد قتلتم أخي ؟ !
أين تفرون وقد فتتم عضدي ؟ !
ثم عاد إلى موقفه منفردا .
وكان العباس آخر من قتل من المحاربين لأعداء الحسين
( عليه السلام ) ،
ولم يقتل بعده إلا الغلمان الصغار من آل أبي طالب الذين لم يحملوا السلاح /المناقب /ابن شهر آشوب/ج4/ص 58.
فسلامٌ على العباس يوم ولِدَ ويوم قضى شهيدا ويوم يُبعثُ حيّا
تحقيق /مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف/
::صلابة الإيمان ونافذية البصيرة::
====================================
(( الهوية الذاتية لسيدناالعبّاس(عليه السلام))
=======================
ولِدَ سيدنا العباس (عليه السلام) سنة ست وعشرين من الهجرة ،
وأمه فاطمة بنت حزام الكلابية .
عاش (ع) مع أبيه(عليه السلام) أربع عشرة سنة حضر بعض الحروب كالجمل وصفين والنهروان ،
فلم يأذن له أبوه بالنزال .
ومع أخيه الحسن(ع)عاش إلى أربع وعشرين سنة ،
ومع أخيه الحسين (ع)عاش إلى أن بلغ أربعا وثلاثين سنة
إنظر/هامش شرح الأخبار/القاضي النعمان المغربي/ج3/ص 194.
كان /ع/ يُكنى بأبي الفضل وكان يسمى بالسقاء
وتسميته بالسقّاء منحها إيّاها أبوه الإمام علي/ع/ في قصة معروفة وشهيرة في التأريخ
وهي أنّ أمير المؤمنين علي/ع/ كان جالسا في المسجد وحوله الحسن والحسين/ع/ والعباس
إذ عطش الحسين/ع/ فقام العباس (ع) وهو صبي صغير وجاء الى امه أم البنين
فقال أماه إنّ أخي الحسين(ع) عطشان فقامت فاطمة أم البنين(رضوان الله تعالى عليها) وملئت له الركوة (وعاء للماء) ووضعتها على رأس العباس (ع) فجاء بها الى المسجد والماء يتصبب على كتفيه حتى جاء بها الى الحسين(ع)
فلمّا رآه أمير المؤمنين علي/ع/ صاح ولدي عباس أنت ساقي عطاشا كربلاء فسُميَ عند ذلك بالسقاء
، ويُكنى أيضا بأبي قربة .
وكان رجلا وسيما جميلا ، يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض ،
وكان يقال له قمر بني هاشم ،
وكان لواء الحسين ( عليه السلام ) معه يوم قتل .
إنظر /المناقب/ لابن شهرآشوب :ج3 /ص260.
و/ الفصول المهمة فيي معرفة الأئمة/ابن الصباغ المالكي/ج2/ص843.
تزوج سيدنا العباس من لبابة بنت عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب ، فولِدَ له منها عبيد الله و فضل .
وكانت جميلة عاقلة .|
/مستدركات علم رجال الحديث/الشاهرودي/ج8/ص 598.
وتذكر كتب التاريخ بأن للعباس(ع) خمسة أولاد و بنت واحدة
وهم الفضل ، وعبيدالله ، والحسن ،و القاسم و محمد.
وقد انحصر عقب العباس(ع) في ولده عبيدالله
و انحصر عقب عبيدالله في ولده الحسن .
((العباس (ع) مع الإمام الحسين(عليه السلام)))
في الموقف المُمَيّز:
::الأخ الوفي والمؤمن الصلب ::
====================================
من المعلوم إننا إذا أردنا الحديث عن شخص عظيم النفس وكبيرالعقل وصلب الإيمان وأبن معصوم(أي ابن الإمام علي/ع/)
وأخ لمعصومَين مثل الحسن والحسين/ع/
وابن إمرأة هي من أشرف نساء العرب وأعقلهنّ وأكملهنّ
إختارها علي/ع/ بدقة وحكمة
ولابأس بذكر قصة إختيار أم العباس /ع/ لما في ذلك من أثربليغ تركه ذلك الإختيار واقعا في كيان العباس /ع/ كشخص وكموقف شريف مع الحسين/ع/ خلده التأريخ في مدونته وأرشيفه
. فعن كتاب عمدة الطالب إنّ أمير المؤمنين علي/ع /قال لأخيه عقيل وكان نسابة عالما باخبار العرب وأنسابهم
ابغني امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا
فقال له أين أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية
فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس
فتزوجها أمير المؤمنين /ع/ فولدت له وأنجبت وأول ما ولدت العباس وبعده عبد الله وبعده جعفرا وبعده عثمان
| انظر/اعيان الشيعة/السيد محسن الأمين/ج7/ص430.
فمن هنا لابدّ لنا من الولوج الى كيانية العباس/ع/ من خلال معرفة المعصوم/ع/ به وهي معرفة واقعية وشهادة فعلية وتقديرية
جديرة بالتأسيس القيمي عليها إذ أنّ المعرفة التأريخية لاتنفع صاحبها مالم تتحول الى قيمة معاصرة تأخذ بحركتها وسلوكها الإنسان المؤمن الى الصراط الحق.
ففي تعريف وجيز ومهم جدا أفصح عنه الإمام المعصوم علي بن الحسين/ع/يتضح لك معنى كيانية العباس /ع/ عظمته .
قال/ع/ رحم الله العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه .
وكانت له /ع /صفات عالية وأفعال جليلة امتاز بها
منها انه كان أيدا شجاعا فارسا وسيما جسيما ومنها انه كان صاحب لواء الحسين /ع/ واللواء هو العلم الأكبر
وكان العباس /ع/اخر من قتل من اخوة الحسين/ع/
/نفس المصدر اعلاه/اعيان الشيعة/السيد محسن
وإليك عزيزي المؤمن أيضا ما قاله الإمام جعفر الصادق /ع/في حق العباس/ع/:
انه قال/ع/ كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الايمان
جاهد مع أبي عبد الله عليه السلام وأبلى بلاء حسنا ومضى شهيدا
/نفس المصدر اعلاه/اعيان الشيعة/
وهذان الوصفان الفعليان اللذان إتصف بهما سيدنا العباس /ع/ وهما نافذية البصيرة وصلابة الإيمان لهُما بحق ما يُمثل الشخصية الموقنة في أمر ربها .
وهما روحا الإستقامة والتقوى واليقين في ذات العباس /ع/
فلو لم يكن العباس /ع/ بهذه الدرجة من الرفعة التقوائية قلبا وعقلا وفكرا لما إستحق وصف المعصوم كالإمام الصادق/ع/ له بذلك.
فالعباس /ع/ بسلوكه وتعاطيه مع الإمام الحسين/ع/ وأخته زينب /ع/ في يوم عاشوراء ضرب رقما صعبا في رائعة التآخي الدموي والإيماني بين بني الإنسان
فالعباس /ع/ وفق معطيات النصوص وشهادات المعصومين/ع/
كان بحق إنساناً بلغ من الكمال بدرجة تصنّف بقيمتها بعد المعصوم/ع/
ثم قال الإمام الصادق( عليه السلام ) : رحم الله العباس ، فلقد آثر وأبلى ، وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه ، فأبدله الله عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب ،
وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة
انظر/الأمالي/ الصدوق/ ص 548.
وهذه المنزلة للعباس /ع/والتي بحيث يغبطه بها جميع الشهداء (أي يتمنونها لهم مع تمنيهم ببقائها للعباس/ع/)
هي الآخرى تكشف عن عظمة العباس /ع/ وقدسيته عند الله تعالى
وهذا ليس ضرباً من الباطنية أو الغلو بل هو شهادة معصوم/ع/ومنصوب من قبل الله تعالى كإمام حجة على البشر بقوله وفعله وهو الإمام الصادق/ع/والذي يعترف به المؤالف والمخالف.
فهذا الذي تقدّم هو شهادة حقة من ألسنة المعصومين/ع/
وأما عن التأريخ نفسه فكثيرهو العطاء من لدن أبي الفضل العباس في نصرة الدين وإمامه الحسين/ع/
ففي يوم عاشوراء قال العباس بن علي /ع/ لإخوته من أمه
عبد الله وجعفر وعثمان :
يا بنى أمي تقدموا حتى أرثكم فإنه لا ولد لكم ففعلوا فقتلوا دون الحسين/ع/ وفداءاً للدين وحقانيته.
انظر ./مقتل الحسين/ع/ /ابو مخنف الأزدي/ص176.
أما موقفه الذاتي /ع/ مع الحسين/ع/ ونهضته فلايمكن للتأريخ نكرانه فهو أشهر من نار على علم
|
فيروي التأريخ أن العباس /ع/لما رأى وحدة أخيه الحسين/ع/ أتى أخاه(الحسين/ع/)
وقال : يا أخي هل من رخصة ؟
فبكى الحسين عليه السلام بكاء شديدا
ثم قال : يا أخي أنت صاحب لوائي وإذا مضيت تفرق عسكري
فقال العباس/ع/
: قد ضاق صدري وسئمت من الحياة وأريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين .
فقال الحسين عليه السلام : فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء ،
فذهب العباس ووعظهم وحذرهم فلم ينفعهم فرجع إلى أخيه
فأخبره فسمع الأطفال ينادون : العطش العطش !
فركب /ع/فرسه وأخذ رمحه والقربة ، وقصد نحو الفرات
فأحاط به أربعة آلاف ممن كانوا موكلين بالفرات ، ورموه بالنبال فكشفهم وقتل منهم على ما روي ثمانين رجلا حتى دخل الماء .
فلما أراد أن يشرب غرفة من الماء ، ذكر عطش الحسين وأهل بيته ،
فرمى الماء وملأ القربة وحملها على كتفه الأيمن ، وتوجه نحو الخيمة ، فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كل جانب ،
فحاربهم حتى ضربه نوفل الأزرق على يده اليمنى فقطعها ، فحمل القربة على كتفه الأيسر فضربه نوفل فقطع يده اليسرى من الزند ،
فحمل القربة بأسنانه فجاءه سهم فأصاب القربة وأريق ماؤها ثم جاءه سهم آخر فأصاب صدره ، فانقلب عن فرسه
وصاح إلى أخيه الحسين : أدركني ،|
ولما قُتِل العباس /ع/ قال الحسين/ع/ آلان انكسر ظهري وقلت حيلتيي
انظر/بحار الأنوار/المجلسي/ج45/ص42.
وهذا الموقف العملاق بهدفيته الذي أركزه العباس/ع/ في أرض كربلاء .
لايمكن المرورعليه جزافا دونما نُسجّل وعيا جديدا له
إختزله العباس /ع/ في كربلاء وحفظه التأريخ
مُنجزا قيميا ساريا بمفرداته في مناحي الحياة
وفي موقف آخر يُسجّل سيدنا العبّاس رائعة أخرى وخصوصا في وغى الحرب وساعة المحنة العصيبة
وإليك الموقف عزيزي القاريء
روى أبو مخنف أنه لما كاتب عمر بن سعد عبيد الله بن زياد في أمر الحسين ( عليه السلام )
وكتب إليه على يدي شمر بن ذي الجوشن بمنازلة الحسين ونزوله ،
أو بعزله وتولية شمر العمل ،
قام عبد الله بن أبي المحل بن حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر الوحيد - وكانت عمته أم البنين –
فطلب من عبيد الله كتابا بأمان العباس وإخوته ،
وقام معه شمر في ذلك ، فكتب أمانا وأعطاه لعبد الله ،
فبعثه إلى العباس /ع/وإخوته مع مولى له يقال له : كزمان ،
فأتى به إليهم (أي للعباس وأخوته)
فلما قرأوه
قالوا له : أبلغ خالنا السلام وقل له أن لا حاجة لنا في الأمان ،
أمان الله خير من أمان ابن سمية . فرجع ،
قال : ووقف شمر في اليوم العاشر ناحية
فنادى : أين بنو أختنا ، أين العباس وإخوته ،
فلم يجبه أحد ،
فقال لهم الحسين ( عليه السلام ) : أجيبوه ولو كان فاسقا ،
فقام إليه العباس فقال له : ما تريد ؟
قال : أنتم
آمنون يا بني أختنا .
فقال له العباس/ع/ (( لعنك الله ولعن أمانك ، لئن كنت خالنا أتؤمنا وابن رسول الله لا أمان له ؟
وتكلم إخوته بنحو كلامه ثم رجعوا ))
/انظر/تاريخ الرسل والملوك/الطبري/ ج3/ص313.
وروى أبو مخنف أيضا وغيره أن عمر بن سعد نادى في اليوم التاسع :
يا خيل الله اركبي وأبشري بالجنة . فركب الناس وزحفوا ، و ذلك بعد صلاة العصر ،
والحسين ( عليه السلام ) جالس أمام بيته محتبيا بسيفه و قد خفق على ركبتيه ،
فسمعت زينب الصيحة فدنت منه
وقالت : أما تسمع الأصوات يا أخي قد اقتربت !
فرفع الحسين ( عليه السلام ) رأسه وأخبرها برؤية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنه يدعوه ، فلطمت زينب وجهها وقالت ، يا ويلتاه ، فقال لها : ليس الويل لك يا أخية ، أسكتي رحمك الرحمن .
ثم قال العباس/ع/ له : يا أخي قد أتاك القوم فنهض ،
ثم قال : " يا عباس ، اركب بنفسي أنت حتى تلقاهم فتقول لهم : ما لكم ؟
وما بدا لكم ؟
وتسألهم عما جاء بهم " ،
فأتاهم العباس في نحو عشرين فارسا فيهم زهير وحبيب
فقال لهم /ع/: ما لكم وما بدا لكم وما تريدون ؟
فقالوا : جاء أمر عبيد الله أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم .
قال :/ع/ فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله
فأعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا ثم قالوا : القه فأعلمه ذلك ، ثم أعلمنا بما يقول .
فانصرف العباس يركض فرسه إلى الحسين ( عليه السلام ) يخبره ،
ووقف أصحابه يخاطبون القوم
حتى أقبل العباس يركض فرسه فانتهى إليهم ،
فقال : يا هؤلاء : إن أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الأمر ،
فإن هذا أمر لم يجر بينكم وبينه فيه منطق ،
فإذا أصبحنا التقينا فإما رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه أو كرهنا فرددناه .
قال : وإنما أراد بذلك أن يردهم عن الحسين تلك العشية حتى يأمر بأمره ويوصي أهله ،
وقد كان الحسين ( عليه السلام ) قال له : " يا أخي إن استطعت أن تؤخرهم هذه العشية إلى غدوة ،وتدفعهم عنا لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار " ،
فقال لهم العباس/ع/ ما قال ،
فقال عمر بن سعد : ما ترى يا شمر ؟
فقال : ما ترى أنت ، أنت الأمير والرأي رأيك ،
فقال ابن سعد : قد أردت أن لا أكون ذا رأي . ثم أقبل على الناس
فقال : ماذا ترون ؟
فقال عمرو بن الحجاج : سبحان الله ! والله لو كانوا من الديلم ثم سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها .
وقال قيس بن الأشعث : لا تجبهم إلى ما سألوك فلعمري ليصبحنك بالقتال غدوة .
فقال ابن سعد : والله لو أعلم أن يفعلوا ما أخرتهم العشية ،
ثم أمر رجلا أن يدنوا من الحسين ( عليه السلام ) بحيث يسمع الصوت فينادي : إنا قد أجلناكم إلى غد ، فإن استسلمتم سرحنا بكم إلى الأمير ، وإن أبيتم فلسنا تاركيكم
/انظر/الأرشاد/المفيد/ج2/ص90.
وهذا النص يكشف عن عمق الإعتماد والتعالق الإيماني والأخوي بين الحسين والعباس(عليهما السلام)
فالعباس سفير الحسين الى القوم وفارسه المكين
وهنا نرى العباس/ع/ إنسانا مُطيعا لإمامه الحسين وأخا وفيا له بحق .
وهذا هو الدرس الممنهج من العباس /ع/ إذ أنه يتصرف بإمرة الحسين /ع/ ويُنفّذ توجيهاته ويُحامي عن شخص المعصوم/ع/ والذي يجب شرعا الد فاع عنه .
وأخيرا ختم العباس /ع/ حياته بالشهادة في سبيل الله تعالى ودفاعا عن الإمام الحسين/ع/ وعياله
وفي هذا الشأن قال أبو جعفر الطبري
لما نشبت الحرب بين الفريقين تقدم عمر بن خالد ومولاه سعد ، ومجمع بن عبد الله ، وجنادة بن الحرث فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس ،
فلما وغلوا فيهم عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم ، وقطعوهم من أصحابهم ،
فندب الحسين ( عليه السلام ) لهم أخاه العباس فحمل على القوم وحده ، فضرب فيهم بسيفه حتى فرقهم عن أصحابه وخلص إليهم
فسلموا عليه فأتى بهم ، ولكنهم كانوا جرحى فأبوا عليه أن يستنقذهم سالمين ، فعاودوا القتال وهو يدفع عنهم حتى قتلوا في مكان واحد .
فعاد العباس إلى أخيه وأخبره بخبرهم
./تاريخ الرسل والملوك/الطبري/ج3/ص330.
وقال أهل السير :
وكان العباس قد ركز لواءه أمام الحسين وحامى عن أصحابه أو استقى ماء فكان يلقب بالسقاء . ويكنى أبا قربة بعد قتله .
وقالوا أيضا:
ولما رأى العباس وحدة الحسين ( عليه السلام ) بعد قتل أصحابه وجملة من أهل بيته ،
قال لإخوته من أمه : تقدموا لأحتسبكم عند الله تعالى ، فإنه لا ولد لكم . فتقدموا حتى قتلوا ،
فجاء إلى الحسين ( عليه السلام ) واستأذنه في المصال ،
فقال له : " أنت حامل لوائي " ،
فقال العباس/ع/: لقد ضاق صدري وسئمت الحياة .
فقال له الحسين : " إن عزمت فاستسق لنا ماء " ، فأخذ قربته وحمل على القوم حتى ملأ القربة .
قالوا : واغترف من الماء غرفة
ثم ذكر عطش الحسين ( عليه السلام ) فرمى بها
وقال :
يا نفس من بعد الحسين هوني * وبعده لا كنت أن تكوني
هذا الحسين وارد المنون * وتشربين بارد المعين
ثم عاد فأخذ عليه الطريق ، فجعل يضربهم بسيفه
وهو يقول :
لا أرهب الموت إذا الموت زقا * حتى أوارى في المصاليت لقى
إني أنا العباس أغدو بالسقا * ولا أهاب الموت يوم الملتقى
فضربه حكيم بن طفيل الطائي السنبسي على يمينه فبرأها ، فأخذ اللواء بشماله وهو يقول :
والله إن قطعتم يميني * إني أحامي أبدا عن ديني
فضربه زيد بن ورقاء الجهني على شماله فبرأها ،
فضم اللواء إلى صدره كما فعل عمه جعفر إذ قطعوا يمينه ويساره في مؤتة ، فضم اللواء إلى صدره وهو يقول :
ألا ترون معشر الفجار * قد قطعوا ببغيهم يساري
فحمل عليه رجل تميمي من أبناء أبان بن دارم فضربه بعمود على رأسه فخر صريعا إلى الأرض ، ونادى بأعلى صوته : أدركني يا أخي .
فانقض عليه أبو عبد الله كالصقر قرأه مقطوع اليمين واليسار مرضوخ
الجبين مشكوك العين بسهم مرتثا بالجراحة ،
فوقف عليه منحنيا ، وجلس عند رأسه يبكي حتى فاضت نفسه ، ثم حمل على القوم فجعل يضرب فيهم يمينا وشمالا فيفرون من بين يديه كما تفر المعزى إذا شد فيها الذئب ،
وهو يقول : أين تفرون وقد قتلتم أخي ؟ !
أين تفرون وقد فتتم عضدي ؟ !
ثم عاد إلى موقفه منفردا .
وكان العباس آخر من قتل من المحاربين لأعداء الحسين
( عليه السلام ) ،
ولم يقتل بعده إلا الغلمان الصغار من آل أبي طالب الذين لم يحملوا السلاح /المناقب /ابن شهر آشوب/ج4/ص 58.
فسلامٌ على العباس يوم ولِدَ ويوم قضى شهيدا ويوم يُبعثُ حيّا
تحقيق /مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف/