khaledkrom
10-07-2011, 02:16 AM
الكيان الصهيونى وحرب الجواسيس فى مصر
اسلام تايمز - يمكن قراءة نجاح الأجهزة الأمنية المصرية في الآونة الأخيرة في ضبط أكثر من شبكة تجسسية إسرائيلية داخل مصر بأكثر من منظور واحد.
اسلام تایمز (http://www.islamtimes.org/ar/)
مؤلف : خالد كروم
http://www.islamtimes.org/images/docs/000083/n00083531-b.jpg
الكيان الصهيونى وحرب الجواسيس فى مصر
بعض المحللين والمتابعين للعلاقات المصرية - الإسرائيلية بعد انتقالها من علاقات صراعية إلي علاقات سلامية وسلمية يؤكدون أن اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 لم تحسم مسألة استمرار جولات أخري من العلاقات الصراعية لا تستخدم فيها الجيوش والأسلحة النارية وإنما تدور في ساحة خافتة المقاتلون فيها جنود مجهولون.
إسرائيل ظلت هي الممسكة بزمام المبادرة في هذه الحرب السرية وإدارة الصراع مع مصر في ميادين أخري.. وقد سبق لمدير المؤسسة المركزية للاستخبارات والمهمات الخاصة 'الموساد' الأسبق 'إسحاق حوفي' الذي أدار المفاوضات السرية في المغرب مع رئيس جهاز المخابرات المصرية الأسبق كمال حسن علي الكشف عن هذه الحقيقة.
عندما سئل بعد التوقيع علي كامب ديفيد عام 1979 هل رئيس الوزراء الإسرائيلي 'مناحيم بيجن' أصدر أمرا إلي الموساد بوقف أي نشاط استخباراتي ضد مصر كما فعل الرئيس المصري السادات؟
كانت إجابته: 'إن موقع مصر في خريطة نشاط المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية 'الموساد' والاستخبارات العسكرية 'أمان' سيظل في الصدارة بصرف النظر عن التحول في العلاقات بين الجانبين وانتقالها من مرحلة الصراع والمواجهة إلي مرحلة السلام والتطبيع الشامل.
واستطرد: اعتقد أيضا أن القيادة السياسية لم تغير نظرتها حيال هذا النشاط، لذا فإن هذه النخب الإسرائيلية وعلي الأخص صانعو القرارات لم تتخل في مدركاتها عن أهمية بقاء الساحة المصرية ضمن دائرة الاستهداف بالعمل الاستخباراتي المثابر والدءوب.
ثمة من المحللين والخبراء في الشئون الإسرائيلية أكدوا واقعة دالة ومهمة علي تصميم القيادات الإسرائيلية الأمنية والسياسية علي مواصلة هذا النشاط بل وتصعيد مستوياته.
هذه الواقعة تتمثل وتتجلي في نقطتين:
النقطة الأولي: تصميم إسرائيل ونقصد الحكومة الإسرائيلية علي تعيين 'إيلياهو بن أليسار' كأول سفير إسرائيلي في القاهرة، هذا الرجل صاحب النزعة اليمينية المغالية في تطرفها والمحافظة كان مسئولا في الموساد عن منطقة شمال إفريقيا وتورط في الكثير من العمليات التخريبية وحتي الاغتيال ومن بين ضحاياه المناضل المغربي المهدي بن بركة.
النقطة الثانية: إناطة مهمة إدارة المفاوضات حول تنفيذ بنود اتفاق كامب ديفيد بنائب رئيس الموساد الأسبق 'دافيد كمحي'.
'دافيد كمحي' كان مسؤولا عن ملف دول المغرب العربي في الموساد، وفي إطار إدارته لهذا الملف وقبل أن يعين نائبا لوزير الخارجية نفذ سلسلة من العمليات والأنشطة ضد الجزائر وأبرم أول اتفاق للتعاون الأمني مع المغرب وتحديدا مع الجنرال محمد أولفقير الذي كان مسئولا عن الأجهزة الأمنية المغربية.
إناطة مهمة التفاوض مع الجانب المصري حول تنفيذ بنود اتفاقية كامب ديفيد بـ 'دافيد كمحي' تمت لغاية في نفس يعقوب.
وهو ما دفع الخبير الإسرائيلي في الشؤون المصرية 'عاموس جلعاد' في عام 1982 إلي كشف المستور، فلقد أشار إلي أن 'كمحي' وبناء علي توجيهات 'الموساد' و'أمان' كُلف بالعمل علي إعطاء تفسيرات لكامب ديفيد بما يؤدي إلي إقامة عدة واجهات إسرائيلية تسهل العمل الاستخباراتي ومنها:
1 - السفارة الإسرائيلية بالقاهرة وملحقاتها القنصلية.
2 - المركز الأكاديمي الإسرائيلي.
3 - المكاتب السياحية.
4 - المركز التجاري.
5 - مكتب الخطوط الجوية الإسرائيلية آل عال.
6 - أفواج السياح الذين يزورون القاهرة.
وبرز في تأكيد رئيس الموساد آنذاك 'إسحاق حوفي' خلال اجتماع مع 'كمحي' علي أهمية أن تقام في مصر محطات فاعلة للعمل الاستخباراتي بصرف النظر عن أسماء ومسميات وعناوين هذه الواجهات.
مداخل من أجل إنجاز عملية الاختراق
شكلت تلك البداية مداخل عبرت منها المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية علي داخل مصر دون حسيب أو رقيب علي ضوء علاقات السلام، ونقصد بالاختراق الاستخباراتي هنا إحداث فجوات في السياج الأمني المصري الذي ظل مضروربا منذ إقحام إسرائيل علي المنطقة العربية عام 1948، هذا السياج أوقع منذ عام 1952 وحتي عام 1970 العشرات من شبكات التجسس الإسرائيلية داخل مصر وفي ساحات أخري ومن بينها شبكة تجسس كان يقودها 'جور آرييه' الذي حمل جواز سفر ألمانيا وكان مكلفا بملاحقة نشاط تطوير الصواريخ في مصر، وكذلك إرسال طرود ناسفة إلي الخبراء الألمان في مصر.
فرص الاختراق تهيأت ليس فقط بحكم قيام علاقات دبلوماسية وتجارية وثقافية وإنما في انفتاح الساحة المصرية بكل مداخلها أمام الحركة الإسرائيلية وعلي الأخص تدفق بضع عشرات الآلاف من الإسرائيليين إما تحت غطاء سياحي أو تجاري أو أكاديمي سنويا إلي مصر.
لم يتركز الجهد الاستخباراتي الإسرائيلي علي اخضاع مصر لرقابة استخباراتية صارمة من أجل ضمان عدم ارتدادها إلي مربع المواجهة ضد إسرائيل وإنما العمل بمنهجية وإصرار علي بقاء مصر معزولة في ساحتها العربية وإعمال معول الضعف والتهميش في مكانتها العربية والإقليمية عن طريق تهميش وتقويض أية عوامل قوة مازالت تتحرك وتعمل في الجسد المصري.
في خط مواز للاستهداف الإسرائيلي للساحة المصرية بالحرب السرية التي تخوضها الاستخبارات الإسرائيلية فإن الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه مصر ظلت تتأسس علي مبدأ مهم وفاعل حتي وإن لم تكن المواجهة العسكرية حاضرة، هذا المبدأ يتأسس علي إدراك بأنه يمكن إدارة الصراع مع مصر بأدوات ووسائل أخري لأن معطيات الصراع بعد كامب ديفيد تحولت لصالح إدارة الصراع بالوجه السلمي وبوسائل خفية.
باختصار شديد الحرب مع مصر من المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي انتقلت إلي إدارتها بالأداة الاستخباراتية ثم إدارتها عبر أطراف أخري، المهم في النهاية هو الاستمرار في تهديد الأمن القومي المصري.
قراءة موجزة لمعطيات النشاط الاستخباراتي الإسرائيلي
بداية قبل البدء بقراءة المعطيات حول النشاط الاستخباراتي الإسرائيلي، لا بد أن نعرض بإيجاز إلي الادراك الإسرائيلي بعد اتفاقية كامب ديفيد للتعاطي مع مصر.
هذا الإدراك ظل محكوما بمجموعة من الاعتبارات والمحددات من أظهرها:
1 - أمني إسرائيلي ينبع من أهمية موقع ومكانة مصر، وبالتالي لا بد من تحييدها في ساحة الصراع وإبقائها خارج ساحة المواجهة لأن بقاء ثقلها العسكري والبشري وحتي العلمي يفرض تحديا بالغ الخطورة والأهمية.
2 - الاعتبار الثاني جيو استراتيجي، موقع مصر علي البحرين الأحمر والأبيض وموقع وأهمية قناة السويس يضمن لها مكانة دولية وإقليمية سيكون علي حساب الموقع الجيو استراتيجي الإسرائيلي.
3 - الثقل البشري والمعنوي الذي تمثله مصر في المواجهة مع إسرائيل والذي أدي تحييده عام 1979 إلي خسارة الدول العربية لأكبر قوة علي خيار الحسم في المعركة ضد إسرائيل.
إسرائيل تدرك هذه الأهمية وهذه الخطورة في ذات الوقت لذلك تعمل بكل ما أوتيت من وسائل لإبقاء مصر خارج ساحة المواجهة والعمل الاستخباراتي هو أحد هذه الوسائل بل وأهمها.
من هنا يمكننا أن نستشف أن إسرائيل واصلت حربها السرية والصامتة ضد مصر باستخدام سلاح الدهاء وواصلت إسرائيل ممارسة استراتيجية ضد الأطراف.
هذه الممارسة لم تتوقف بعد اتفاقية الصلح المصرية مع العدو الإسرائيلي وإنما اختلفت ساحة الممارسة، والساحة الجديدة القديمة التي اختيرت هذه المرة هي منطقة أعالي حوض النيل، أي منابع نهر النيل، فبحكم أهمية هذه الساحة بالنسبة لمصر لأنها تعتبر مسألة حياة أو موت اتجهت إسرائيل لخوض حرب أخري ضد مصر لا تستخدم فيها الجيوش ولا تتقابل فيها الخنادق لأن دور إسرائيل هو الدور المحرض علي إشعال هذه الحرب بقطف نتائجها.
السلاح المستخدم هو الدهاء والإيقاع واصطناع الأعداء الجدد لمصر من أجل تشتيت ما تبقي من جهود وطاقات وتوجيهها إلي هذه الساحة دون أن تضطر إسرائيل إلي اعتلاء هذه الساحة للمبارزة بشكل علني واستعراضي.
الكشف عن شبكة طارق عبد الرازق
يشهد النشاط الاستخباراتي الإسرائيلي في الآونة الأخيرة تصعيد وتطورا مهمين وموجهين ضد مصر.
فلقد تم الكشف عن شبكة يقودها المواطن المصري طارق عبد الرزاق حسين صاحب شركة تصدير واستيراد واثنان من عناصر الموساد، وكلفت هذه الشبكة بمهمة إنجاز عملية اختراق لمنظومات الاتصال في مصر وفي سوريا ولبنان.
وقد تم تجنيده من قبل عنصرين من الموساد هما 'إيدي موشيه' و'يوسف ديمور'.
وأصدرت محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ يوم الخميس 23 'يونيو' حكما بالسجن المؤبد ضد أفراد الشبكة، وصدر الحكم غيابيا علي عنصري الموساد من الإسرائيليين.
شبكة إيلان جرابيل
بقدر ما يعكس هذا الجهد الاستخباراتي الإسرائيلي من التصعيد إلا أنه أيضا وفي ذات الوقت يكشف عملية ضبط هذه الشبكات وتفكيكها من قبل المخابرات المصرية جهدا مضادا ليس فقط بهدف تحييد الجهد الإسرائيلي وإحباطه، بل أيضا لتسليط الضوء الكاشف علي أن إسرائيل لم تبارح ساحة المواجهة مع مصر ومنها ساحة الحرب السرية.
ضبط شبكة الجاسوس الإسرائيلي 'إيلان جرابيل' المزدوج الجنسية 'أمريكية وإسرائيلية' يعد إنجازا استخباراتيا مصريا كبيرا ومسهما.
وللوقوف علي أهمية هذا الإنجاز لا بد أن نستقرئ معطيات المهمة التي أنيطت بـ 'جرابيل' في مصر.
فبينما كان وزير الخارجية الإسرائيلي 'أفيجدور ليبرمان' يشكو مما أسماه أن 'إيلان جرابيل' تحول إلي كبش فداء علي مذبح الأوضاع الداخلية في مصر ويدعو إدارة 'أوباما' أن تضغط علي السلطات المصرية وبقوة من أجل الإفراج عنه، راح يتوالي ويتوارد المزيد من المعطيات والمعلومات عن الدور الخطير الذي أوكل إليه داخل مصر.
هذا الدور كلف به من قبل قادة المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية 'الموساد' والاستخبارات العسكرية 'أمان' ويتلخص في إنجاز عملية اختراق لثلاثة مجالات مهمة بعد أن أعد لهذه المهمة داخل إسرائيل ولعدة أشهر.
المجال الأول: اختراق مجتمعي، أي اختراق للأحياء وأماكن العبادة الخاصة بالمسلمين والأقباط، وتركزت مجهوداته علي:
- حي إمبابة الذي يعيش فيه المسلمون والمسيحيون والذي توجد فيه كثافة سكانية، إضافة إلي توترات طائفية تغذيها جهات خارجية.
- كذلك شمل هذا الجهد أحياء أخري في مصر شبرا ومدينة الإسكندرية.
المهمة المنوطة به هي صب المزيد من الزيت علي بؤر التوتر حتي تتحول التوترات إلي صدامات وصراعات داخلية توفر مدخلا لتدخلات خارجية بحجة حماية الأقباط.
المجال الثاني: اختراق مجتمع البدو في سيناء، في نطاق مهمته للوصول إلي مصادر معلومات حول ملفات مفتوحة لدي منظومة الاستخبارات الإسرائيلية طلب إليه أن يجمع معلومات عن:
- عمليات تهريب الأسلحة إلي قطاع غزة محاورها، أنواعها، العناصر المتورطة فيها وخاصة من بدو سيناء.
- معلومات عن العناصر المتورطة في تفجير خط نقل الغاز المصري من سيناء إلي إسرائيل مرتين.
- العناصر المنتمية إلي حركات إسلامية راديكالية في شبه جزيرة سيناء.
- تجنيد عملاء يعملون لصالح إسرائيل من البدو أو العاملين في سيناء في مجال السياحة والصيد.
- جمع معلومات عن الوجود العسكري المصري في سيناء وعلي الأخص ما بعد ممر المثلا والجدي وأي تغييرات طرأت عليه لوجيستيا وبشريا في الآونة الأخيرة.
المجال الثالث: اختراق ميدان التحرير عندما كانت ثورة 25 يناير في بداياتها وعنفوانها.
'جرابيل' اندس في صفوف المنتفضين وراح يحمل شعارات مؤيدة للثورة وكان هدفه الأول والأخير معرفة قيادات هذه الحركة وأجندتها وبرامجها وأهدافها ومدي قدرتها علي إحداث تغيير في مصر.
'إيلان جرابيل' في إسرائيل انخرط في وحدات النخبة الوحدة 101 ومهمة نخبوية في مصر.
'إيلان جرابيل' يهودي أمريكي يبلغ من العمر 27 سنة قرر في عام 2005 التوجه إلي إسرائيل ليس كمهاجر وإنما ليقاتل أعداء إسرائيل كما كان يردد، انخرط بعد وصوله مباشرة في الوحدة 101 الخاصة، هذه الوحدة تحمل اسم نفس الوحدة التي كان يقودها 'إرييل شارون' في بداية الخمسينيات في الضفة الغربية وغزة وكان من بين المذابح التي ارتكبتها مذبحة قرية قابيا ونحالين وكذلك علي قطاع غزة خان يونس ورفح.
عندما كان يسأله بعض أفراد الوحدة لماذا جئت لتخدم في الجيش الإسرائيلي وفي هذه الوحدة بالذات التي تقوم بعمليات من نوع خاص ومحفوفة بالمخاطر؟ كان يجيب: 'إنني جئت لأقاتل من أجل أمن إسرائيل وضد أعداء إسرائيل ولقد تخليت عن حياة الرفاهية في الولايات المتحدة لأن ولائي لإسرائيل يفوق بل يسبق ولائي للولايات المتحدة'.
في عام 2006 شارك في الهجوم علي جنوب لبنان وقد أصيب في هذه الحرب ومع ذلك ظل يصر علي الاستمرار في الخدمة، وفعلا بقي في نفس الوحدة إلي أن قرأ رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق الجنرال 'عاموس يادلين' ملفه وعلي الأخص فيما يتعلق بما سمي باستعداده للتضحية والاندفاع والولاء الأعمي لإسرائيل واستعداده لإنجاز أي مهمة تسند إليه، فأمر بإعداده ضمن دورة خاصة في إحدي قواعد التدريب التابعة للاستخبارات العسكرية في بيت ليد شرقي نتانيا.
وفي إطار هذا التدريب زرع في بيئة عربية يعيش فيها مسلمون ومسيحيون ودروز في مدن وقري في الجليل، هذا في نطاق إعداده لمهمة داخل مصر.
وقد أشرف علي تدريبه وتعريفه بأبجديات المجتمع المصري وأنماط الاندماج فيه كل من:
1 - 'تسفي مزال' سفير إسرائيل الأسبق وهو يهودي عراقي.
2 - 'شالوم كوهين' السفير السابق في القاهرة.
3 - 'يوسي جينات' رئيس المركز الأكاديمي السابق والخبير في الشئون العربية.
4 - وكذلك السفير الإسرائيلي الأسبق في القاهرة 'دافيد سلطان' وهو يهودي من أصل مصري عمل في مصر واخترق المجتمع المصري.
وبعد انتهاء فترة التدريب توجه إلي الولايات المتحدة في بداية عام 2011 وفي 25 يناير توجه إلي مصر وهو يحمل مبالغ ضخمة حصل عليها من الملحق العسكري الإسرائيلي في واشنطن الجنرال 'جاد شمني'.
/ إنتهى التحليل /
اسلام تايمز - يمكن قراءة نجاح الأجهزة الأمنية المصرية في الآونة الأخيرة في ضبط أكثر من شبكة تجسسية إسرائيلية داخل مصر بأكثر من منظور واحد.
اسلام تایمز (http://www.islamtimes.org/ar/)
مؤلف : خالد كروم
http://www.islamtimes.org/images/docs/000083/n00083531-b.jpg
الكيان الصهيونى وحرب الجواسيس فى مصر
بعض المحللين والمتابعين للعلاقات المصرية - الإسرائيلية بعد انتقالها من علاقات صراعية إلي علاقات سلامية وسلمية يؤكدون أن اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 لم تحسم مسألة استمرار جولات أخري من العلاقات الصراعية لا تستخدم فيها الجيوش والأسلحة النارية وإنما تدور في ساحة خافتة المقاتلون فيها جنود مجهولون.
إسرائيل ظلت هي الممسكة بزمام المبادرة في هذه الحرب السرية وإدارة الصراع مع مصر في ميادين أخري.. وقد سبق لمدير المؤسسة المركزية للاستخبارات والمهمات الخاصة 'الموساد' الأسبق 'إسحاق حوفي' الذي أدار المفاوضات السرية في المغرب مع رئيس جهاز المخابرات المصرية الأسبق كمال حسن علي الكشف عن هذه الحقيقة.
عندما سئل بعد التوقيع علي كامب ديفيد عام 1979 هل رئيس الوزراء الإسرائيلي 'مناحيم بيجن' أصدر أمرا إلي الموساد بوقف أي نشاط استخباراتي ضد مصر كما فعل الرئيس المصري السادات؟
كانت إجابته: 'إن موقع مصر في خريطة نشاط المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية 'الموساد' والاستخبارات العسكرية 'أمان' سيظل في الصدارة بصرف النظر عن التحول في العلاقات بين الجانبين وانتقالها من مرحلة الصراع والمواجهة إلي مرحلة السلام والتطبيع الشامل.
واستطرد: اعتقد أيضا أن القيادة السياسية لم تغير نظرتها حيال هذا النشاط، لذا فإن هذه النخب الإسرائيلية وعلي الأخص صانعو القرارات لم تتخل في مدركاتها عن أهمية بقاء الساحة المصرية ضمن دائرة الاستهداف بالعمل الاستخباراتي المثابر والدءوب.
ثمة من المحللين والخبراء في الشئون الإسرائيلية أكدوا واقعة دالة ومهمة علي تصميم القيادات الإسرائيلية الأمنية والسياسية علي مواصلة هذا النشاط بل وتصعيد مستوياته.
هذه الواقعة تتمثل وتتجلي في نقطتين:
النقطة الأولي: تصميم إسرائيل ونقصد الحكومة الإسرائيلية علي تعيين 'إيلياهو بن أليسار' كأول سفير إسرائيلي في القاهرة، هذا الرجل صاحب النزعة اليمينية المغالية في تطرفها والمحافظة كان مسئولا في الموساد عن منطقة شمال إفريقيا وتورط في الكثير من العمليات التخريبية وحتي الاغتيال ومن بين ضحاياه المناضل المغربي المهدي بن بركة.
النقطة الثانية: إناطة مهمة إدارة المفاوضات حول تنفيذ بنود اتفاق كامب ديفيد بنائب رئيس الموساد الأسبق 'دافيد كمحي'.
'دافيد كمحي' كان مسؤولا عن ملف دول المغرب العربي في الموساد، وفي إطار إدارته لهذا الملف وقبل أن يعين نائبا لوزير الخارجية نفذ سلسلة من العمليات والأنشطة ضد الجزائر وأبرم أول اتفاق للتعاون الأمني مع المغرب وتحديدا مع الجنرال محمد أولفقير الذي كان مسئولا عن الأجهزة الأمنية المغربية.
إناطة مهمة التفاوض مع الجانب المصري حول تنفيذ بنود اتفاقية كامب ديفيد بـ 'دافيد كمحي' تمت لغاية في نفس يعقوب.
وهو ما دفع الخبير الإسرائيلي في الشؤون المصرية 'عاموس جلعاد' في عام 1982 إلي كشف المستور، فلقد أشار إلي أن 'كمحي' وبناء علي توجيهات 'الموساد' و'أمان' كُلف بالعمل علي إعطاء تفسيرات لكامب ديفيد بما يؤدي إلي إقامة عدة واجهات إسرائيلية تسهل العمل الاستخباراتي ومنها:
1 - السفارة الإسرائيلية بالقاهرة وملحقاتها القنصلية.
2 - المركز الأكاديمي الإسرائيلي.
3 - المكاتب السياحية.
4 - المركز التجاري.
5 - مكتب الخطوط الجوية الإسرائيلية آل عال.
6 - أفواج السياح الذين يزورون القاهرة.
وبرز في تأكيد رئيس الموساد آنذاك 'إسحاق حوفي' خلال اجتماع مع 'كمحي' علي أهمية أن تقام في مصر محطات فاعلة للعمل الاستخباراتي بصرف النظر عن أسماء ومسميات وعناوين هذه الواجهات.
مداخل من أجل إنجاز عملية الاختراق
شكلت تلك البداية مداخل عبرت منها المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية علي داخل مصر دون حسيب أو رقيب علي ضوء علاقات السلام، ونقصد بالاختراق الاستخباراتي هنا إحداث فجوات في السياج الأمني المصري الذي ظل مضروربا منذ إقحام إسرائيل علي المنطقة العربية عام 1948، هذا السياج أوقع منذ عام 1952 وحتي عام 1970 العشرات من شبكات التجسس الإسرائيلية داخل مصر وفي ساحات أخري ومن بينها شبكة تجسس كان يقودها 'جور آرييه' الذي حمل جواز سفر ألمانيا وكان مكلفا بملاحقة نشاط تطوير الصواريخ في مصر، وكذلك إرسال طرود ناسفة إلي الخبراء الألمان في مصر.
فرص الاختراق تهيأت ليس فقط بحكم قيام علاقات دبلوماسية وتجارية وثقافية وإنما في انفتاح الساحة المصرية بكل مداخلها أمام الحركة الإسرائيلية وعلي الأخص تدفق بضع عشرات الآلاف من الإسرائيليين إما تحت غطاء سياحي أو تجاري أو أكاديمي سنويا إلي مصر.
لم يتركز الجهد الاستخباراتي الإسرائيلي علي اخضاع مصر لرقابة استخباراتية صارمة من أجل ضمان عدم ارتدادها إلي مربع المواجهة ضد إسرائيل وإنما العمل بمنهجية وإصرار علي بقاء مصر معزولة في ساحتها العربية وإعمال معول الضعف والتهميش في مكانتها العربية والإقليمية عن طريق تهميش وتقويض أية عوامل قوة مازالت تتحرك وتعمل في الجسد المصري.
في خط مواز للاستهداف الإسرائيلي للساحة المصرية بالحرب السرية التي تخوضها الاستخبارات الإسرائيلية فإن الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه مصر ظلت تتأسس علي مبدأ مهم وفاعل حتي وإن لم تكن المواجهة العسكرية حاضرة، هذا المبدأ يتأسس علي إدراك بأنه يمكن إدارة الصراع مع مصر بأدوات ووسائل أخري لأن معطيات الصراع بعد كامب ديفيد تحولت لصالح إدارة الصراع بالوجه السلمي وبوسائل خفية.
باختصار شديد الحرب مع مصر من المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي انتقلت إلي إدارتها بالأداة الاستخباراتية ثم إدارتها عبر أطراف أخري، المهم في النهاية هو الاستمرار في تهديد الأمن القومي المصري.
قراءة موجزة لمعطيات النشاط الاستخباراتي الإسرائيلي
بداية قبل البدء بقراءة المعطيات حول النشاط الاستخباراتي الإسرائيلي، لا بد أن نعرض بإيجاز إلي الادراك الإسرائيلي بعد اتفاقية كامب ديفيد للتعاطي مع مصر.
هذا الإدراك ظل محكوما بمجموعة من الاعتبارات والمحددات من أظهرها:
1 - أمني إسرائيلي ينبع من أهمية موقع ومكانة مصر، وبالتالي لا بد من تحييدها في ساحة الصراع وإبقائها خارج ساحة المواجهة لأن بقاء ثقلها العسكري والبشري وحتي العلمي يفرض تحديا بالغ الخطورة والأهمية.
2 - الاعتبار الثاني جيو استراتيجي، موقع مصر علي البحرين الأحمر والأبيض وموقع وأهمية قناة السويس يضمن لها مكانة دولية وإقليمية سيكون علي حساب الموقع الجيو استراتيجي الإسرائيلي.
3 - الثقل البشري والمعنوي الذي تمثله مصر في المواجهة مع إسرائيل والذي أدي تحييده عام 1979 إلي خسارة الدول العربية لأكبر قوة علي خيار الحسم في المعركة ضد إسرائيل.
إسرائيل تدرك هذه الأهمية وهذه الخطورة في ذات الوقت لذلك تعمل بكل ما أوتيت من وسائل لإبقاء مصر خارج ساحة المواجهة والعمل الاستخباراتي هو أحد هذه الوسائل بل وأهمها.
من هنا يمكننا أن نستشف أن إسرائيل واصلت حربها السرية والصامتة ضد مصر باستخدام سلاح الدهاء وواصلت إسرائيل ممارسة استراتيجية ضد الأطراف.
هذه الممارسة لم تتوقف بعد اتفاقية الصلح المصرية مع العدو الإسرائيلي وإنما اختلفت ساحة الممارسة، والساحة الجديدة القديمة التي اختيرت هذه المرة هي منطقة أعالي حوض النيل، أي منابع نهر النيل، فبحكم أهمية هذه الساحة بالنسبة لمصر لأنها تعتبر مسألة حياة أو موت اتجهت إسرائيل لخوض حرب أخري ضد مصر لا تستخدم فيها الجيوش ولا تتقابل فيها الخنادق لأن دور إسرائيل هو الدور المحرض علي إشعال هذه الحرب بقطف نتائجها.
السلاح المستخدم هو الدهاء والإيقاع واصطناع الأعداء الجدد لمصر من أجل تشتيت ما تبقي من جهود وطاقات وتوجيهها إلي هذه الساحة دون أن تضطر إسرائيل إلي اعتلاء هذه الساحة للمبارزة بشكل علني واستعراضي.
الكشف عن شبكة طارق عبد الرازق
يشهد النشاط الاستخباراتي الإسرائيلي في الآونة الأخيرة تصعيد وتطورا مهمين وموجهين ضد مصر.
فلقد تم الكشف عن شبكة يقودها المواطن المصري طارق عبد الرزاق حسين صاحب شركة تصدير واستيراد واثنان من عناصر الموساد، وكلفت هذه الشبكة بمهمة إنجاز عملية اختراق لمنظومات الاتصال في مصر وفي سوريا ولبنان.
وقد تم تجنيده من قبل عنصرين من الموساد هما 'إيدي موشيه' و'يوسف ديمور'.
وأصدرت محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ يوم الخميس 23 'يونيو' حكما بالسجن المؤبد ضد أفراد الشبكة، وصدر الحكم غيابيا علي عنصري الموساد من الإسرائيليين.
شبكة إيلان جرابيل
بقدر ما يعكس هذا الجهد الاستخباراتي الإسرائيلي من التصعيد إلا أنه أيضا وفي ذات الوقت يكشف عملية ضبط هذه الشبكات وتفكيكها من قبل المخابرات المصرية جهدا مضادا ليس فقط بهدف تحييد الجهد الإسرائيلي وإحباطه، بل أيضا لتسليط الضوء الكاشف علي أن إسرائيل لم تبارح ساحة المواجهة مع مصر ومنها ساحة الحرب السرية.
ضبط شبكة الجاسوس الإسرائيلي 'إيلان جرابيل' المزدوج الجنسية 'أمريكية وإسرائيلية' يعد إنجازا استخباراتيا مصريا كبيرا ومسهما.
وللوقوف علي أهمية هذا الإنجاز لا بد أن نستقرئ معطيات المهمة التي أنيطت بـ 'جرابيل' في مصر.
فبينما كان وزير الخارجية الإسرائيلي 'أفيجدور ليبرمان' يشكو مما أسماه أن 'إيلان جرابيل' تحول إلي كبش فداء علي مذبح الأوضاع الداخلية في مصر ويدعو إدارة 'أوباما' أن تضغط علي السلطات المصرية وبقوة من أجل الإفراج عنه، راح يتوالي ويتوارد المزيد من المعطيات والمعلومات عن الدور الخطير الذي أوكل إليه داخل مصر.
هذا الدور كلف به من قبل قادة المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية 'الموساد' والاستخبارات العسكرية 'أمان' ويتلخص في إنجاز عملية اختراق لثلاثة مجالات مهمة بعد أن أعد لهذه المهمة داخل إسرائيل ولعدة أشهر.
المجال الأول: اختراق مجتمعي، أي اختراق للأحياء وأماكن العبادة الخاصة بالمسلمين والأقباط، وتركزت مجهوداته علي:
- حي إمبابة الذي يعيش فيه المسلمون والمسيحيون والذي توجد فيه كثافة سكانية، إضافة إلي توترات طائفية تغذيها جهات خارجية.
- كذلك شمل هذا الجهد أحياء أخري في مصر شبرا ومدينة الإسكندرية.
المهمة المنوطة به هي صب المزيد من الزيت علي بؤر التوتر حتي تتحول التوترات إلي صدامات وصراعات داخلية توفر مدخلا لتدخلات خارجية بحجة حماية الأقباط.
المجال الثاني: اختراق مجتمع البدو في سيناء، في نطاق مهمته للوصول إلي مصادر معلومات حول ملفات مفتوحة لدي منظومة الاستخبارات الإسرائيلية طلب إليه أن يجمع معلومات عن:
- عمليات تهريب الأسلحة إلي قطاع غزة محاورها، أنواعها، العناصر المتورطة فيها وخاصة من بدو سيناء.
- معلومات عن العناصر المتورطة في تفجير خط نقل الغاز المصري من سيناء إلي إسرائيل مرتين.
- العناصر المنتمية إلي حركات إسلامية راديكالية في شبه جزيرة سيناء.
- تجنيد عملاء يعملون لصالح إسرائيل من البدو أو العاملين في سيناء في مجال السياحة والصيد.
- جمع معلومات عن الوجود العسكري المصري في سيناء وعلي الأخص ما بعد ممر المثلا والجدي وأي تغييرات طرأت عليه لوجيستيا وبشريا في الآونة الأخيرة.
المجال الثالث: اختراق ميدان التحرير عندما كانت ثورة 25 يناير في بداياتها وعنفوانها.
'جرابيل' اندس في صفوف المنتفضين وراح يحمل شعارات مؤيدة للثورة وكان هدفه الأول والأخير معرفة قيادات هذه الحركة وأجندتها وبرامجها وأهدافها ومدي قدرتها علي إحداث تغيير في مصر.
'إيلان جرابيل' في إسرائيل انخرط في وحدات النخبة الوحدة 101 ومهمة نخبوية في مصر.
'إيلان جرابيل' يهودي أمريكي يبلغ من العمر 27 سنة قرر في عام 2005 التوجه إلي إسرائيل ليس كمهاجر وإنما ليقاتل أعداء إسرائيل كما كان يردد، انخرط بعد وصوله مباشرة في الوحدة 101 الخاصة، هذه الوحدة تحمل اسم نفس الوحدة التي كان يقودها 'إرييل شارون' في بداية الخمسينيات في الضفة الغربية وغزة وكان من بين المذابح التي ارتكبتها مذبحة قرية قابيا ونحالين وكذلك علي قطاع غزة خان يونس ورفح.
عندما كان يسأله بعض أفراد الوحدة لماذا جئت لتخدم في الجيش الإسرائيلي وفي هذه الوحدة بالذات التي تقوم بعمليات من نوع خاص ومحفوفة بالمخاطر؟ كان يجيب: 'إنني جئت لأقاتل من أجل أمن إسرائيل وضد أعداء إسرائيل ولقد تخليت عن حياة الرفاهية في الولايات المتحدة لأن ولائي لإسرائيل يفوق بل يسبق ولائي للولايات المتحدة'.
في عام 2006 شارك في الهجوم علي جنوب لبنان وقد أصيب في هذه الحرب ومع ذلك ظل يصر علي الاستمرار في الخدمة، وفعلا بقي في نفس الوحدة إلي أن قرأ رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق الجنرال 'عاموس يادلين' ملفه وعلي الأخص فيما يتعلق بما سمي باستعداده للتضحية والاندفاع والولاء الأعمي لإسرائيل واستعداده لإنجاز أي مهمة تسند إليه، فأمر بإعداده ضمن دورة خاصة في إحدي قواعد التدريب التابعة للاستخبارات العسكرية في بيت ليد شرقي نتانيا.
وفي إطار هذا التدريب زرع في بيئة عربية يعيش فيها مسلمون ومسيحيون ودروز في مدن وقري في الجليل، هذا في نطاق إعداده لمهمة داخل مصر.
وقد أشرف علي تدريبه وتعريفه بأبجديات المجتمع المصري وأنماط الاندماج فيه كل من:
1 - 'تسفي مزال' سفير إسرائيل الأسبق وهو يهودي عراقي.
2 - 'شالوم كوهين' السفير السابق في القاهرة.
3 - 'يوسي جينات' رئيس المركز الأكاديمي السابق والخبير في الشئون العربية.
4 - وكذلك السفير الإسرائيلي الأسبق في القاهرة 'دافيد سلطان' وهو يهودي من أصل مصري عمل في مصر واخترق المجتمع المصري.
وبعد انتهاء فترة التدريب توجه إلي الولايات المتحدة في بداية عام 2011 وفي 25 يناير توجه إلي مصر وهو يحمل مبالغ ضخمة حصل عليها من الملحق العسكري الإسرائيلي في واشنطن الجنرال 'جاد شمني'.
/ إنتهى التحليل /