مرتضى علي الحلي
01-08-2011, 12:02 PM
(( قراءة معرفيّة في ضرورة التعاطي العَقَدي والمنهجي مع الإمام المهدي(عليه السلام) في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المُبارك ))::::القسم الرابع:::::
================================================== ===
((مِنهاجيَّة دُعاء الإفتتاح إنموذجا))
=====================
(القسم الرابع)
==========
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام المهدي/ع/ في أروع نصٍ ذكره في متن دعاء الإفتتاح::
((الحمدُ لله مالكُ المُلكِ مُجري الفُلك مُسخر الرياح فالِق الإصباح ديّان الدين رب العالمين ،
الحمد لله على حلمه بعد علمه ، الحمد لله على عفوه بعد قدرته ،
الحمد لله على طول أناته في غضبه وهو القادر على ما يريد . ))
في هذا النص الشريف يُلاحظُ على الإمام المهدي /ع/ قد أكثر من مقولة(الحمدُ لله) في بدء كل فقرة
من الدعاء وقرنها بذكرصفات الله تعالى الوجودية وتوحيده في كل حال هو عليه تعالى
بمعنى أنّ الله تعالى دوما ولزوما هو لوحده مَن يستحق الحمد وبإستحقاق حقيق وذاتي له تعالى
بداية من قدرته تعالى على تدبير وإدارة الكون والوجود وإنتهاءاً بجزاءه للبشرية يوم الدين
وهذا التحميد المتكرر لله تعالى إنما ساقه الإمام المهدي/ع/ لنا إرشادا منه/ع/ بضرورة إفتتاح التقديس
لله تعالى بالحمد.
وهذا مصداق ما ذكره/ع/ في أول فقرة من دعاء الإفتتاح:: وهي
((اللهم إني افتتح الثناء بحمدك))
وتكرارالحمد هنا لم يكُ إعتباطاً بل على العكس إنما هو جاء تنظيما وترتيبا لصورة دعاء العبد لربه تعالى
وبياناً لعمق ووجوب التحميد لله تعالى في كل ثناء له ومدح لصفاته سبحانه وتعالى.
وإسلوب تكرار التحميد لله تعالى ليس هو للتأكيد فحسب لا بل هو لتثبيت حقانية ولزومية إستدامة
التحميد له تعالى في كل شأن من شؤوناته سبحانه وتعالى
وهذا الأسلوب ليس هو ببعيد عن إسلوبية القرآن الكريم في نصوصه الشريفة.
فقد كررالله تعالى في سورة الرحمن من إستعمال آية:
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }الرحمن13
والتي ذكرها الله تعالى بعد كل صفة من صفاته وشأن من شؤونات وبعد كل
نعمة أنعم بها سبحانه على الجن والأنس
فالإمام المهدي/ع/ إذن بتكراره للتحميد أراد/ع/ تقرير الحمد لله في كل شيء والذي ذكره /ع/ اعلاه هو من باب إستعراض المصاديق وإلاّ فالله تعالى يستحق الحمد على كل حال
وهكذا ينبغي للعبد إذا أراد أن يحمد لله تعالى فعليه أولاً أن يُقرَّ بإستحاق الله تعالى للحمد ويشكر الله على نعمه ويحمده عليها.
فإذا إتضح ذلك نقول إنّ المقصود بقول الإمام المهدي/ع/ في متن الدعاء من فقرة::
((الحمدُ لله مالكُ المُلكِ مُجري الفُلك مُسخر الرياح فالِق الإصباح ديّان الدين رب العالمين))
هو أنّ الله تعالى هو مَن له ولوحده السلطنة التدبيرية على نظام الوجود عامة منذ الأزل والى ما لا نهاية
(فمالكُ المٌلك) هي وصف واقعي ويقيني لله تعالى حصرا بمعنى أنّ له تعالى كل ما خلقه في الوجود
من السموات والأرض وما فيهما وما بينهما وما نَعلم وما لانعلم يتصرف به كيف ما يشاء سبحانه
وهذا ما ذكره القرآن الكريم نصا بقوله سبحانه::
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26
أي أنت ياربي
يا مَن لك الملك كلُّه, أنت الذي تمنح المُلك والمال والتمكين في الأرض مَن تشاء مِن خلقك,
وتسلب الملك ممن تشاء, وتهب العزة في الدنيا والآخرة مَن تشاء,
وتجعل الذلَّة على من تشاء, بيدك الخير, إنك -وحدك- على كل شيء قدير. وفي الآية إثبات لصفة اليد لله تعالى على ما يليق به سبحانه.
{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً }الإسراء111
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }التغابن1
{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الملك1
ومفردة ((مُجري الفُلك)) هذه صورة من صور تدبير الله تعالى وإدارته لنظام الوجود
والفُلك بضم الفاء هي السفن :
وقد ذكر الله تعالى هذه الصورة التدبيرية في القرآن الكريم فقال عزّ من قائل::
{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ }يونس22
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }الحج65
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }الروم46
فلاحظوا أحبتي كل شيء هو يتحرك بأمر الله تعالى ولا يخرج عن سلطنته المطلقه سبحانه على نظام الوجود
حتى السفن التي نراها تجوب البحار هي تتحرك بإرادة الله تعالى ومشئيته
((وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ))
وعلى مثل هذا التدبير الألهي يستحق سبحانه الحمد حقا
((و مُسخر الرياح))
وهذه صورة أخرى وعجيبة من الله تعالى في تسخير الرياح لخدمة البشرية
حياتيا
فيقول الله تعالى بشأن هذه الحقيقة التدبيرية للوجود فعليا::
{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }الأعراف57
فألله تعالى هو الذي يرسل الرياح الطيبة اللينة مبشرات بالغيث الذي تثيره بإذن الله,
فيستبشر الخلق برحمة الله, حتى إذا حملت الريح السحاب المُحَمّل بالمطر ساقه الله بها لإحياء بلد,
قد أجدبت أرضه, ويَبِست أشجاره وزرعه, فأنزل الله به المطر,
فأخرج به الكلأ والأشجار والزروع, فعادت أشجاره مُحَمَلّة بأنواع الثمرات.
كما نحيي هذا البلد الميت بالمطر نخرج الموتى من قبورهم أحياءً بعد فنائهم; لتتعظوا, فتستدلوا على توحيد الله وقدرته على البعث.
فالرياح لها من الوظائف الحيوية ما يتوقف عليها نظام حياة الإنسان واقعيا
لذا فالقرآن الكريم إنما إستعرض وظائف الرياح مُذكّرا الإنسان بنعم ربه وفضله عليه
فقال الله تعالى::
{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }الحجر22
{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }الروم48
فجريان الله تعالى للفُلك وتسخيره سبحانه للرياح هي من النعم المغفول عن شكرها بشريا
ولذا جاء ذكرها من لدن الإمام المهدي/ع/ تذكيرا لنا بضرورة شكر النعم وجوديا
وحتى أن إستحباب
قراءة دعاء الإفتتاح في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك فيه من النص الأخلاقي على ضرورة عدم كفران النعم الألهية والتي نحن نلمسها يوميا ولولاها لما إستقامت الحياة على ألارض.
((و فالِق الإصباح)) وهذه هي الأخرى من أروع ما إمتاز به الله تعالى فقد ذكرها القرآن الكريم
::بقوله تعالى::
{فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }الأنعام96
بمعنى ::
أنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي شق ضياء الصباح من ظلام الليل, وجعل الليل مستقرًا, يسكن فيه كل متحرك ويهدأ,
وجعل الشمس والقمر يجريان في فلكيهما بحساب متقن مقدَّر, لا يتغير ولا يضطرب,
ذلك تقدير العزيز الذي عزَّ سلطانه, العليم بمصالح خلقه وتدبير شئونهم.
فلنلتفت ونتأمل مليّا بتلك الظواهر الوجودية والكونية.
مَنْ مُهندسها ومدبّرها؟
أليس الله ؟
فأنّى لنا نكران تلك النعم والغفلة عنها.
وأما معنى ((ديّان الدين رب العالمين))
هو أنّ الله تعالى هو مَن سيُحاسب الخلائق يوم الدين أي يوم القيامة وهونفسه ربُّ العالمين ومدبّرهم
ومعنى (رب العالمين) أي مالك جميع الخلق من الإنس والجن والملائكة والدواب وغيرهم وكل منها يُطلَقُ عليه عَالَم ،
فيُقالُ عالم الإنس وعالم الجن إلى غير ذلك .
والقرآن الكريم قد ركّز على لزوم وعي مفهوم رب العالمين فلذا إفتتح الحمدلله تعالى بهذا الوصف العظيم بقوله تعالى:
{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الفاتحة2
ثم بعد تحميد الإمام المهدي/ع/ لله تعالى على صور تدبير الله للوجود يُعرّج /ع/على تحميده على صفاته المقدّسة بخصوص تعاطي الله
سبحانه مع عبده
فيقول/ع/::
((الحمد لله على حلمه بعد علمه ، الحمد لله على عفوه بعد قدرته ،
الحمد لله على طول أناته في غضبه وهو القادر على ما يُريد .
الحمد لله خالق الخلق باسط الرزق ذي الجلال والاكرام والفضل والانعام ))
وهنا يطرح الإمام المهدي/ع/ خصائص الله تعالى المقدّسة والتي ليس كمثله فيها شيء
من الحلم بعد العلم والعفو بعد القدرة وطول الأناة في الغضب والقادرية في إرادته النافذة وجوديا
وخالقية الخلق وباسطية الرزق وجامعيته تعالى لصفات الكمال والجلال .
فالحليم هومَن بيده تأخير العقوبة عن مستحقها
وخصوصا إذا ما جاء الحلم بعد العلم
((وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ))النساء12
والعليم هوالمُحيطُ بجميع ما خَلق
فألله تعالى بحكم كونه حليما هو كثيرا ما يُؤخّر معاقبة المذنبين رغم إستحقاقهم للعقوبة آنيا
ولكن مقتضى حلمه إمهالهم لفترة ما علّهم يتوبون توبة يستحقون معها العفو والمغفرة
وأخلاقية حلم الله تعالى هي التي تعطي للإنسان فسحة من الرجاء والأمل للعودة الى ساحة الطاعة
لأنه إن لم يحلم الله تعالى بعباده فيقيناً سينزل بهم العذاب فورا
وهذا ما بيّنه القرآن الكريم نصا: فقال:
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }النحل61
أي::
ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم بالمعاصي ما ترك عليها أي الأرض من دابة أي نسمة تدب عليها ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون عليه
وهذا هو عين حلم الله بعباده العاصين بعد علمه التام بإستحقاقهم العقوبة
ولكن مع هذا فهو العليم الحليم
ومن هنا يجب حمد الله تعالى على ذلك دوما.
ومن أخلاقيّات الله تعالى المقدّسة هي:
((عفوه بعد قدرته)) والعفو :هو المحو والتجاوز عن أفعال الإنسان المُنكرات.
فألله تعالى واقعا هوالعفو مع كونه قادرا على معاقبة المقصرين
فقال تعالى بشأن ذلك::
((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً ))النساء/99.
فالعفو عند المقدرة من صفات الله العزيز القدير الذي يعفو عن عباده مع امتلاكه القدرة على الانتقام بأي صورة شاء
وهنا يغفل الكثير من العبادة العصاة عن شكر وحمد الله تعالى على عفوه عنهم
إذ أنّهم لم يلتفتوا الى ذلك.
و((الحمد لله على طول أناته في غضبه))
وهذه هي الأخرى أيضاً من أقدّس أخلاقيات الله تعالى إذ أنه سبحانه كثيرا ما يتصف بطول الأناة وهو
الإمهال للخُطاة والعاصين في تنفيذ عقوبته تعالى بهم.
بمعنى أنه تعالى بطيء الغضب ولايتسرّع في تفعيل غضبه بعباده المذنبين إلاّ بعد أن يحق القول عليهم .
وهنا تكمن حقانية حمده سبحانه بجد .
وبعد هذه الفقرة جائت عبارة :
((وهو القادر على ما يُريد)) وهذه العبارة فيها جنبتي القوة المطلقة لله تعالى في سرعة تنفيذ غضبه
إن أراد سبحانه.
وفيها جنبة التفضل والتكرم الألهي على المذنبين في عدم إنزال العذاب بهم فورا
إذ أنه عز وجل إتصف بطول الأناة في غضبه
والحمدُ لله رب العالمين
ويتبع (القسم الخامس) إن شاء الله تعالى
============================
وصيام وقيام مقبولٌ للجميع بحق محمد وآله/ع/
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف:
================================================== ===
((مِنهاجيَّة دُعاء الإفتتاح إنموذجا))
=====================
(القسم الرابع)
==========
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام المهدي/ع/ في أروع نصٍ ذكره في متن دعاء الإفتتاح::
((الحمدُ لله مالكُ المُلكِ مُجري الفُلك مُسخر الرياح فالِق الإصباح ديّان الدين رب العالمين ،
الحمد لله على حلمه بعد علمه ، الحمد لله على عفوه بعد قدرته ،
الحمد لله على طول أناته في غضبه وهو القادر على ما يريد . ))
في هذا النص الشريف يُلاحظُ على الإمام المهدي /ع/ قد أكثر من مقولة(الحمدُ لله) في بدء كل فقرة
من الدعاء وقرنها بذكرصفات الله تعالى الوجودية وتوحيده في كل حال هو عليه تعالى
بمعنى أنّ الله تعالى دوما ولزوما هو لوحده مَن يستحق الحمد وبإستحقاق حقيق وذاتي له تعالى
بداية من قدرته تعالى على تدبير وإدارة الكون والوجود وإنتهاءاً بجزاءه للبشرية يوم الدين
وهذا التحميد المتكرر لله تعالى إنما ساقه الإمام المهدي/ع/ لنا إرشادا منه/ع/ بضرورة إفتتاح التقديس
لله تعالى بالحمد.
وهذا مصداق ما ذكره/ع/ في أول فقرة من دعاء الإفتتاح:: وهي
((اللهم إني افتتح الثناء بحمدك))
وتكرارالحمد هنا لم يكُ إعتباطاً بل على العكس إنما هو جاء تنظيما وترتيبا لصورة دعاء العبد لربه تعالى
وبياناً لعمق ووجوب التحميد لله تعالى في كل ثناء له ومدح لصفاته سبحانه وتعالى.
وإسلوب تكرار التحميد لله تعالى ليس هو للتأكيد فحسب لا بل هو لتثبيت حقانية ولزومية إستدامة
التحميد له تعالى في كل شأن من شؤوناته سبحانه وتعالى
وهذا الأسلوب ليس هو ببعيد عن إسلوبية القرآن الكريم في نصوصه الشريفة.
فقد كررالله تعالى في سورة الرحمن من إستعمال آية:
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }الرحمن13
والتي ذكرها الله تعالى بعد كل صفة من صفاته وشأن من شؤونات وبعد كل
نعمة أنعم بها سبحانه على الجن والأنس
فالإمام المهدي/ع/ إذن بتكراره للتحميد أراد/ع/ تقرير الحمد لله في كل شيء والذي ذكره /ع/ اعلاه هو من باب إستعراض المصاديق وإلاّ فالله تعالى يستحق الحمد على كل حال
وهكذا ينبغي للعبد إذا أراد أن يحمد لله تعالى فعليه أولاً أن يُقرَّ بإستحاق الله تعالى للحمد ويشكر الله على نعمه ويحمده عليها.
فإذا إتضح ذلك نقول إنّ المقصود بقول الإمام المهدي/ع/ في متن الدعاء من فقرة::
((الحمدُ لله مالكُ المُلكِ مُجري الفُلك مُسخر الرياح فالِق الإصباح ديّان الدين رب العالمين))
هو أنّ الله تعالى هو مَن له ولوحده السلطنة التدبيرية على نظام الوجود عامة منذ الأزل والى ما لا نهاية
(فمالكُ المٌلك) هي وصف واقعي ويقيني لله تعالى حصرا بمعنى أنّ له تعالى كل ما خلقه في الوجود
من السموات والأرض وما فيهما وما بينهما وما نَعلم وما لانعلم يتصرف به كيف ما يشاء سبحانه
وهذا ما ذكره القرآن الكريم نصا بقوله سبحانه::
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26
أي أنت ياربي
يا مَن لك الملك كلُّه, أنت الذي تمنح المُلك والمال والتمكين في الأرض مَن تشاء مِن خلقك,
وتسلب الملك ممن تشاء, وتهب العزة في الدنيا والآخرة مَن تشاء,
وتجعل الذلَّة على من تشاء, بيدك الخير, إنك -وحدك- على كل شيء قدير. وفي الآية إثبات لصفة اليد لله تعالى على ما يليق به سبحانه.
{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً }الإسراء111
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }التغابن1
{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الملك1
ومفردة ((مُجري الفُلك)) هذه صورة من صور تدبير الله تعالى وإدارته لنظام الوجود
والفُلك بضم الفاء هي السفن :
وقد ذكر الله تعالى هذه الصورة التدبيرية في القرآن الكريم فقال عزّ من قائل::
{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ }يونس22
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }الحج65
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }الروم46
فلاحظوا أحبتي كل شيء هو يتحرك بأمر الله تعالى ولا يخرج عن سلطنته المطلقه سبحانه على نظام الوجود
حتى السفن التي نراها تجوب البحار هي تتحرك بإرادة الله تعالى ومشئيته
((وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ))
وعلى مثل هذا التدبير الألهي يستحق سبحانه الحمد حقا
((و مُسخر الرياح))
وهذه صورة أخرى وعجيبة من الله تعالى في تسخير الرياح لخدمة البشرية
حياتيا
فيقول الله تعالى بشأن هذه الحقيقة التدبيرية للوجود فعليا::
{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }الأعراف57
فألله تعالى هو الذي يرسل الرياح الطيبة اللينة مبشرات بالغيث الذي تثيره بإذن الله,
فيستبشر الخلق برحمة الله, حتى إذا حملت الريح السحاب المُحَمّل بالمطر ساقه الله بها لإحياء بلد,
قد أجدبت أرضه, ويَبِست أشجاره وزرعه, فأنزل الله به المطر,
فأخرج به الكلأ والأشجار والزروع, فعادت أشجاره مُحَمَلّة بأنواع الثمرات.
كما نحيي هذا البلد الميت بالمطر نخرج الموتى من قبورهم أحياءً بعد فنائهم; لتتعظوا, فتستدلوا على توحيد الله وقدرته على البعث.
فالرياح لها من الوظائف الحيوية ما يتوقف عليها نظام حياة الإنسان واقعيا
لذا فالقرآن الكريم إنما إستعرض وظائف الرياح مُذكّرا الإنسان بنعم ربه وفضله عليه
فقال الله تعالى::
{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }الحجر22
{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }الروم48
فجريان الله تعالى للفُلك وتسخيره سبحانه للرياح هي من النعم المغفول عن شكرها بشريا
ولذا جاء ذكرها من لدن الإمام المهدي/ع/ تذكيرا لنا بضرورة شكر النعم وجوديا
وحتى أن إستحباب
قراءة دعاء الإفتتاح في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك فيه من النص الأخلاقي على ضرورة عدم كفران النعم الألهية والتي نحن نلمسها يوميا ولولاها لما إستقامت الحياة على ألارض.
((و فالِق الإصباح)) وهذه هي الأخرى من أروع ما إمتاز به الله تعالى فقد ذكرها القرآن الكريم
::بقوله تعالى::
{فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }الأنعام96
بمعنى ::
أنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي شق ضياء الصباح من ظلام الليل, وجعل الليل مستقرًا, يسكن فيه كل متحرك ويهدأ,
وجعل الشمس والقمر يجريان في فلكيهما بحساب متقن مقدَّر, لا يتغير ولا يضطرب,
ذلك تقدير العزيز الذي عزَّ سلطانه, العليم بمصالح خلقه وتدبير شئونهم.
فلنلتفت ونتأمل مليّا بتلك الظواهر الوجودية والكونية.
مَنْ مُهندسها ومدبّرها؟
أليس الله ؟
فأنّى لنا نكران تلك النعم والغفلة عنها.
وأما معنى ((ديّان الدين رب العالمين))
هو أنّ الله تعالى هو مَن سيُحاسب الخلائق يوم الدين أي يوم القيامة وهونفسه ربُّ العالمين ومدبّرهم
ومعنى (رب العالمين) أي مالك جميع الخلق من الإنس والجن والملائكة والدواب وغيرهم وكل منها يُطلَقُ عليه عَالَم ،
فيُقالُ عالم الإنس وعالم الجن إلى غير ذلك .
والقرآن الكريم قد ركّز على لزوم وعي مفهوم رب العالمين فلذا إفتتح الحمدلله تعالى بهذا الوصف العظيم بقوله تعالى:
{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الفاتحة2
ثم بعد تحميد الإمام المهدي/ع/ لله تعالى على صور تدبير الله للوجود يُعرّج /ع/على تحميده على صفاته المقدّسة بخصوص تعاطي الله
سبحانه مع عبده
فيقول/ع/::
((الحمد لله على حلمه بعد علمه ، الحمد لله على عفوه بعد قدرته ،
الحمد لله على طول أناته في غضبه وهو القادر على ما يُريد .
الحمد لله خالق الخلق باسط الرزق ذي الجلال والاكرام والفضل والانعام ))
وهنا يطرح الإمام المهدي/ع/ خصائص الله تعالى المقدّسة والتي ليس كمثله فيها شيء
من الحلم بعد العلم والعفو بعد القدرة وطول الأناة في الغضب والقادرية في إرادته النافذة وجوديا
وخالقية الخلق وباسطية الرزق وجامعيته تعالى لصفات الكمال والجلال .
فالحليم هومَن بيده تأخير العقوبة عن مستحقها
وخصوصا إذا ما جاء الحلم بعد العلم
((وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ))النساء12
والعليم هوالمُحيطُ بجميع ما خَلق
فألله تعالى بحكم كونه حليما هو كثيرا ما يُؤخّر معاقبة المذنبين رغم إستحقاقهم للعقوبة آنيا
ولكن مقتضى حلمه إمهالهم لفترة ما علّهم يتوبون توبة يستحقون معها العفو والمغفرة
وأخلاقية حلم الله تعالى هي التي تعطي للإنسان فسحة من الرجاء والأمل للعودة الى ساحة الطاعة
لأنه إن لم يحلم الله تعالى بعباده فيقيناً سينزل بهم العذاب فورا
وهذا ما بيّنه القرآن الكريم نصا: فقال:
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }النحل61
أي::
ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم بالمعاصي ما ترك عليها أي الأرض من دابة أي نسمة تدب عليها ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون عليه
وهذا هو عين حلم الله بعباده العاصين بعد علمه التام بإستحقاقهم العقوبة
ولكن مع هذا فهو العليم الحليم
ومن هنا يجب حمد الله تعالى على ذلك دوما.
ومن أخلاقيّات الله تعالى المقدّسة هي:
((عفوه بعد قدرته)) والعفو :هو المحو والتجاوز عن أفعال الإنسان المُنكرات.
فألله تعالى واقعا هوالعفو مع كونه قادرا على معاقبة المقصرين
فقال تعالى بشأن ذلك::
((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً ))النساء/99.
فالعفو عند المقدرة من صفات الله العزيز القدير الذي يعفو عن عباده مع امتلاكه القدرة على الانتقام بأي صورة شاء
وهنا يغفل الكثير من العبادة العصاة عن شكر وحمد الله تعالى على عفوه عنهم
إذ أنّهم لم يلتفتوا الى ذلك.
و((الحمد لله على طول أناته في غضبه))
وهذه هي الأخرى أيضاً من أقدّس أخلاقيات الله تعالى إذ أنه سبحانه كثيرا ما يتصف بطول الأناة وهو
الإمهال للخُطاة والعاصين في تنفيذ عقوبته تعالى بهم.
بمعنى أنه تعالى بطيء الغضب ولايتسرّع في تفعيل غضبه بعباده المذنبين إلاّ بعد أن يحق القول عليهم .
وهنا تكمن حقانية حمده سبحانه بجد .
وبعد هذه الفقرة جائت عبارة :
((وهو القادر على ما يُريد)) وهذه العبارة فيها جنبتي القوة المطلقة لله تعالى في سرعة تنفيذ غضبه
إن أراد سبحانه.
وفيها جنبة التفضل والتكرم الألهي على المذنبين في عدم إنزال العذاب بهم فورا
إذ أنه عز وجل إتصف بطول الأناة في غضبه
والحمدُ لله رب العالمين
ويتبع (القسم الخامس) إن شاء الله تعالى
============================
وصيام وقيام مقبولٌ للجميع بحق محمد وآله/ع/
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف: