أبو مرتضى عليّ
02-08-2011, 09:26 PM
الفرق الجوهري بين السنة والشيعة (http://www.albadri.info/rodod/shob/sh0/Sh0.htm#home)
... ان الفرق الجوهري بين السنة والشيعة ليس في النظرية السياسية او نظام الحكم بل في مسألة وجود اثني عشر وصياً معصوما للنبي (ص) وان منزلتهم في بيان القرآن وأحكام الشريعة كمنزلة النبي سواء كان هذا البيان قوليا او سيرة عملية وان هؤلاء الاوصياء الاثني عشر لهم امتياز في الحكم كامتياز النبي (ص) فاثبت ذلك الشيعة ونفاه أهل السنة .
2 . ان الاصل في وجود المعصومين المنصوص عليهم من اهل بيت النبي بعد النبي (ص) المؤيدين بمؤيدات الهية خاصة ليس لان الحكم الاسلامي بحاجة الى معصوم بل لان الرسالة الخاتمة بحاجة الى صيانة من الاجتهادات الخاطئة التي قد تصبح جزءا من الرسالة بحكم قربها من عهد الرسول (1) وايضا بحاجة الى توضيح تفاصيلها في حوادث نوعية في المجتمع الاسلامي سوف تحصل بعد النبي تحتاج الى موقف معصوم يستهدى به من قبيل ما حصل في عهد ابي بكر حين حارب الممتنعين عن الزكاة مع اقرارهم بها وسبى نساءهم ولم يفرق بينهم وبين غيرهم من المرتدين بعد النبي او سائر المشركين ، حتى جاء علي (ع) وسار بسيرة اخرى مع مقاتليه في الجمل ولما نهى جيشه عن النساء اللواتي كن في الجيش اعترضوا عليه قائلين كيف تحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا نساؤهم ؟ قال كذلك السيرة في أهل القبلة . وقال لهم ان لم تصدقوني واكثرتم عليَّ فأيكم يأخذ امه عائشة ؟ قالوا لا ، أينا يا أمير المؤمنين بل اصبت وأخطأنا وعلمت وجهلنا ، هذا بالاضافة الى ان جيل النبوة يوجد فيه منافقون لميعرفهم حتى النبي قال تعالى (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم) التوبة/101
وهؤلاء سوف يقومون بالرواية عن النبي (ص) وسوف لا يتحرجون من الكذب على النبي (ص) والناس لا يعلمون انه كذب ويقولون هو احد اصحاب النبي وبذلك تحدث بلبلة فكرية لا مخرج منها الا بوجود الراوي المعصوم والمبيِّن المعصوم ويتأكد ذلك حين ترتبط روايات هؤلاء بتشخيص المصاديق الواقعية من الايات المتشابهة التي يتوقف تشخيص مصداقها الواقعي على بيان النبي .
3 . بعد مرور تجارب معصومة من قبل الاثني عشر سواء في الاستنباط من الكتاب والسنة او في الرواية عن النبي او في المواقف العملية من الحوادث تكون الامة قد استوعبت تراثا هاديا وفكرا وسيرة في الظروف المختلفة تعكس بامانة احكام الاسلام ، يصونها من الوقوع في الاختلاف الفكري المستعصي على الحل وتقل اخطاؤها فيما لو استأنفت الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية لوحدها وتكون اخطاؤها لو حصلت / وهي تحصل بشكل طبيعي / في استنباط الفكر او الموقف العملي اقل ضررا على الرسالة مما لو استأنفت الحياة دون تجارب هؤلاء الاوصياء المعصومين ، وفي هذا السياق يتضح الوجه الايجابي (2) لغيبة المعصوم فان من ابرز حكم الغيبة واسرارها الواضحة هي اتاحة الفرصة للامة التي حملت تراث الائمة الاثني عشر ان تمارس مسؤولياتها الفكرية والعلمية والسياسية على اساس فهمها البشري غير المعصوم للكتاب والتراث الفكري الذي خلفته التجربة المعصومة للنبي (ص) والائمة (ع) ، وتأتي فكرة عودة المعصوم الغائب في آخر الدنيا وظهوره مرة ثانية على المسرح الاجتماعي والسياسي لأجل تقييم التجارب السابقة للمسيرة غير المعصومة والكشف عن مستوى تمثيلها وصدق تعبيرها وأمانتها ، ولاجل تحقيق الوعدالالهي المذكور في قوله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ) الأنبياء/105 ويتمثل هذا الوعد بحياة حرة سعيدة في ظل النظام الالهي على الارض كلها حيث تستأصل كل عوامل الاختلاف والانحراف المؤدية الى الشر والفساد .
4 . ان البيعة والشورى ليستا في قبال النص بل يقعان على امتداده ، فأهل السنة حين يتحدثون عن نظرية الحكم في زمن النبي يقدمونها على اساس النص على شخص الحاكم وهو النبي (ص) ولا يحق لأحد في زمانه ان يتقدم عليه ، وتأتي البيعة في طول هذه النص وليست في عرضه ، فالنص يشخص من هو المؤهل للحكم والبيعة يجب ان تتم مع المنصوص عليه بشخصه وهو النبي في القرآن . فهم لا يختلفون عن الشيعة من هذه الناحية الا فيما ذكرناه آنفا من وجود اثني عشر بعد النبي لهم هذه المنزلة في الحكم أي ان النص من النبي على اشخاصهم يمنحهم الحق ، والبيعة يجب ان تتم معهم لا مع غيرهم . وهو ما يؤثر عن علي (ع) حين طولب بالبيعة قال : (انا احق بهذا الامر منكم لا ابايعكم وانتم اولى بالبيعة لي) (3) وقال : ان فلانا وفلانا قد بايعاني وطالباني بالبيعة لمن سبيله ان يبايعني (4) .
ومن هنا يتضح خطأ ابن ابي الحديد حين جعل الكلمات المأثورة عن علي (ع) في البيعة علامة على بطلان مذهب الشيعة في القول ان الامامة بالنص ، وكذلك يتضح خطأ تفسير هذه الكلمات من علي (ع) على انها صدرت تقية بتصور ان المنصوص عليه ليس بحاجة الى بيعة الناس ، والواقع ان فائدة البيعة لا تنحصر بمنح الشرعية للشخص المبايع ، بل هناك فائدة اخرى تتمثل بمنحه القدرة على النهوض بالامر وهذه الفائدة هي المتصورة عند وقوعها مع النبي أو مع أوصيائه المعصومين الاثني عشر الذين لهم منزلته وولايته (ص) .
5 . الرأي القائل بأن ولاية الفقيه وسلطته الواسعة جدا قائمة على النص وليس على بيعة الامة ليس هو الراي الوحيد الذي ينتجه التراث الامامي الاثنا عشري الذي يقوم على العقيدة بالغيبة وانتظار ظهور الامام الثاني عشر (ع) ، بل يوجد الى جانبه رأي آخر يقول ان الفقيه يستمد سلطته من البيعة ولاسلطة له قبلها ، وهو رأي مشروع ومعترف به ولم يُتَّهَم اصحابُه بانهم خرحوا عن مسلمات الفكر الامامي الاثني عشري القائم على العقيدة بالمهدي (ع) وانتظار ظهوره . وفي ضوء ذلك بالامكان ان تقوم حكومة على رأسها فقيه يستمد سلطته من الامة فيما لو رأى جمهور الامة بيعة ذلك الفقيه ، وفي الحقيقة حتى الفقيه الذي يرى ان سلطته قائمة على اساس النص تبقى سلطته هذه من دون واقعية وفعلية على الساحة السياسية مالم يبايعه الناس وبسطوا يده ويمنحوه القدرة على النهوض بمشروعه السياسي . وكذلك الحال في الراي القائل بوجوب التقية وعدم الثورة في عصر الغيبة عند توفر شروطها ليس هو الراي الوحيد الذي ينتجه الاعتقاد بغيبة الثاني عشر إذ يوجد الى جنبه راي آخر هو عكسه ، وكذلك الحال في تعطيل الحدود فيوجد الى جنبه الراي القائل بتنفيذها من قبل الفقيه عند توفر القدرة . ويتضح من ذلك ان العقيدة بغيبة المهدي وانتظار ظهوره تجتمع مع هذه الآراءالفقهية المتنوعة والمتعارضة والسر في ذلك هو ان هذه الاراء هي مسائل فقهية تعكس افهام الفقهاء لادلة هذه المسائل ، وهم حين يختلفون في مسائل الفقه تبعا لما يفهمه كل واحد منهم من النص وفق قواعد فهم النص ، يتفقون على مسألة غيبة المهدي وانتظار ظهوره حين ينظرون الى ادلتها ، نعم قد يختلفون في بيان حكمة الغيبة واسرارها وليس من شك ان هذه الاسرار والحكم المستنبطة ليس جزءا من المعتقد .
6 . ورد لفظ الامامة في التراث الفكري الشيعي على ثلاثة معاني :
المعنى الاول : وهو معنى خاص ويراد به منصب الحجة على الخلق بعد النبي (ص)وهذا المعنى ينحصر باثني عشر من اهل بيت النبي وتلحق بهم الزهراء (ع)في ذلك .
المعنى الثاني : وهو معنى عام ويراد به منصب الحكومة وإقامة الحدود سواء شغل هذا هذه المنصب المعصوم او شغله غيره ، وهذا المعنى يعتقد الشيعة فيه انه للنبي (ص)ومن بعده للائمة الاثني عشر (ص) ومن بعده للفقهاء العدول . وقد انتشر هذا المعنى للفظة عند متكلمي السنة وفقهائهم منذ القرن الاول الهجري الى اليوم ، اما عند الشيعة فقد بقي منحصرا في التراث الروائي ولم يستخدم في التراث الفقهي الا عند ثلة معاصرة منهم قبيل الثورة الاسلامية في ايران .
المعنى الثالث : وهو معنى خاص يراد به خصوص الاثني عشر وصيا للنبي حيث اصبحت علما خاصا لهم (ع) لغلبة استعماله من قبل الشيعة فيهم (ع) ، وصار يدل ايضا على المعنى الاول والثاني معا باعتبار التقاء المعنيين في عصر الائمة الاثني عشر في شخصهم (ع) ، وهو المراد به عند متكلمي الشيعة في كتبهم الكلامية المشهورة ...
* مقتبس عن بحث السيد سامي البدري *
والسلام في البدء والختام
أبو مرتضى عليّ
الفهرس :
(1) قال الماوردي : حكي عن الشافعي انه قال : أخذ المسلمون السيرة في قتال المشركين من رسول الله (ص) ، وأخذوا السيرة في قتال المرتدين من ابي بكر (رض) واخذوا السيرة في قتال البغاة من علي بن ابي طالب (رض) . /كتاب قتال اهل البغي ص 74 . اقول وفي هذا النص دليل على ما قلناه من ان الاجتهادات لقربها من عهد النبي تاخذه صفة خاصة وتصبح جزءا من الرسالة ، وقد روت كتب الحديث والسيرة ان عبد الرحمن بن عوف حين عرض البيعة على علي (ص) اشترط عليه ان يسير بكتاب الله وسيرة النبي وسيرة والشيخين فرفض علي (ع) ذلك وقال ان كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما الى إجِّيري احد أي لا يحتاجان الى عادة وطريقة احد .
(2) وجود وجه ايحابي للغيبة لايعفي المسؤولين عن اسبابها المباشرة التي كانت تتمثل بالتضييق على المعصوم الثاني عشر خوفا على كرسيهم ، وقد جرت سنة الله تعالى المكر باعدائه وتحويل المخطط السئ الى عنصر ايجابي في مسيرة المؤمنين مع ابقاء تبعة المكر السئ على اهله (وَمَكْرَ السَّيِّىءِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْوِيلاً) فاطر/43 (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) ومن سنة الله تعالى في الاولين انجاؤه لنبيه عيسى وتغييبه وترك تلاميذ عيسى وشيعته ليمارسوا حياتهم على اساس ما تحملوه من تجارب الفكر والعمل المعصومة التي خلفها عيسى وامه مريم و يحيى وزكريا ثم يظهر الله تعالى نبيه عيسى في آخر الزمان لتقييم تجارب عمل امته التي تحملت رسالته وبالطبع هنا سوف يدين من لم يؤمن برسالة محمد (ص) ويعتبر عدم الايمان بمحمد (ص) وقد بشرهم به وأخذ العهد منهم ان يؤمنوا به معلما من اهم معالم الاخفاق بعده .
(3) شرح النهج 6/118 .
(4) بحار الانوار 28/248 .
... ان الفرق الجوهري بين السنة والشيعة ليس في النظرية السياسية او نظام الحكم بل في مسألة وجود اثني عشر وصياً معصوما للنبي (ص) وان منزلتهم في بيان القرآن وأحكام الشريعة كمنزلة النبي سواء كان هذا البيان قوليا او سيرة عملية وان هؤلاء الاوصياء الاثني عشر لهم امتياز في الحكم كامتياز النبي (ص) فاثبت ذلك الشيعة ونفاه أهل السنة .
2 . ان الاصل في وجود المعصومين المنصوص عليهم من اهل بيت النبي بعد النبي (ص) المؤيدين بمؤيدات الهية خاصة ليس لان الحكم الاسلامي بحاجة الى معصوم بل لان الرسالة الخاتمة بحاجة الى صيانة من الاجتهادات الخاطئة التي قد تصبح جزءا من الرسالة بحكم قربها من عهد الرسول (1) وايضا بحاجة الى توضيح تفاصيلها في حوادث نوعية في المجتمع الاسلامي سوف تحصل بعد النبي تحتاج الى موقف معصوم يستهدى به من قبيل ما حصل في عهد ابي بكر حين حارب الممتنعين عن الزكاة مع اقرارهم بها وسبى نساءهم ولم يفرق بينهم وبين غيرهم من المرتدين بعد النبي او سائر المشركين ، حتى جاء علي (ع) وسار بسيرة اخرى مع مقاتليه في الجمل ولما نهى جيشه عن النساء اللواتي كن في الجيش اعترضوا عليه قائلين كيف تحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا نساؤهم ؟ قال كذلك السيرة في أهل القبلة . وقال لهم ان لم تصدقوني واكثرتم عليَّ فأيكم يأخذ امه عائشة ؟ قالوا لا ، أينا يا أمير المؤمنين بل اصبت وأخطأنا وعلمت وجهلنا ، هذا بالاضافة الى ان جيل النبوة يوجد فيه منافقون لميعرفهم حتى النبي قال تعالى (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم) التوبة/101
وهؤلاء سوف يقومون بالرواية عن النبي (ص) وسوف لا يتحرجون من الكذب على النبي (ص) والناس لا يعلمون انه كذب ويقولون هو احد اصحاب النبي وبذلك تحدث بلبلة فكرية لا مخرج منها الا بوجود الراوي المعصوم والمبيِّن المعصوم ويتأكد ذلك حين ترتبط روايات هؤلاء بتشخيص المصاديق الواقعية من الايات المتشابهة التي يتوقف تشخيص مصداقها الواقعي على بيان النبي .
3 . بعد مرور تجارب معصومة من قبل الاثني عشر سواء في الاستنباط من الكتاب والسنة او في الرواية عن النبي او في المواقف العملية من الحوادث تكون الامة قد استوعبت تراثا هاديا وفكرا وسيرة في الظروف المختلفة تعكس بامانة احكام الاسلام ، يصونها من الوقوع في الاختلاف الفكري المستعصي على الحل وتقل اخطاؤها فيما لو استأنفت الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية لوحدها وتكون اخطاؤها لو حصلت / وهي تحصل بشكل طبيعي / في استنباط الفكر او الموقف العملي اقل ضررا على الرسالة مما لو استأنفت الحياة دون تجارب هؤلاء الاوصياء المعصومين ، وفي هذا السياق يتضح الوجه الايجابي (2) لغيبة المعصوم فان من ابرز حكم الغيبة واسرارها الواضحة هي اتاحة الفرصة للامة التي حملت تراث الائمة الاثني عشر ان تمارس مسؤولياتها الفكرية والعلمية والسياسية على اساس فهمها البشري غير المعصوم للكتاب والتراث الفكري الذي خلفته التجربة المعصومة للنبي (ص) والائمة (ع) ، وتأتي فكرة عودة المعصوم الغائب في آخر الدنيا وظهوره مرة ثانية على المسرح الاجتماعي والسياسي لأجل تقييم التجارب السابقة للمسيرة غير المعصومة والكشف عن مستوى تمثيلها وصدق تعبيرها وأمانتها ، ولاجل تحقيق الوعدالالهي المذكور في قوله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ) الأنبياء/105 ويتمثل هذا الوعد بحياة حرة سعيدة في ظل النظام الالهي على الارض كلها حيث تستأصل كل عوامل الاختلاف والانحراف المؤدية الى الشر والفساد .
4 . ان البيعة والشورى ليستا في قبال النص بل يقعان على امتداده ، فأهل السنة حين يتحدثون عن نظرية الحكم في زمن النبي يقدمونها على اساس النص على شخص الحاكم وهو النبي (ص) ولا يحق لأحد في زمانه ان يتقدم عليه ، وتأتي البيعة في طول هذه النص وليست في عرضه ، فالنص يشخص من هو المؤهل للحكم والبيعة يجب ان تتم مع المنصوص عليه بشخصه وهو النبي في القرآن . فهم لا يختلفون عن الشيعة من هذه الناحية الا فيما ذكرناه آنفا من وجود اثني عشر بعد النبي لهم هذه المنزلة في الحكم أي ان النص من النبي على اشخاصهم يمنحهم الحق ، والبيعة يجب ان تتم معهم لا مع غيرهم . وهو ما يؤثر عن علي (ع) حين طولب بالبيعة قال : (انا احق بهذا الامر منكم لا ابايعكم وانتم اولى بالبيعة لي) (3) وقال : ان فلانا وفلانا قد بايعاني وطالباني بالبيعة لمن سبيله ان يبايعني (4) .
ومن هنا يتضح خطأ ابن ابي الحديد حين جعل الكلمات المأثورة عن علي (ع) في البيعة علامة على بطلان مذهب الشيعة في القول ان الامامة بالنص ، وكذلك يتضح خطأ تفسير هذه الكلمات من علي (ع) على انها صدرت تقية بتصور ان المنصوص عليه ليس بحاجة الى بيعة الناس ، والواقع ان فائدة البيعة لا تنحصر بمنح الشرعية للشخص المبايع ، بل هناك فائدة اخرى تتمثل بمنحه القدرة على النهوض بالامر وهذه الفائدة هي المتصورة عند وقوعها مع النبي أو مع أوصيائه المعصومين الاثني عشر الذين لهم منزلته وولايته (ص) .
5 . الرأي القائل بأن ولاية الفقيه وسلطته الواسعة جدا قائمة على النص وليس على بيعة الامة ليس هو الراي الوحيد الذي ينتجه التراث الامامي الاثنا عشري الذي يقوم على العقيدة بالغيبة وانتظار ظهور الامام الثاني عشر (ع) ، بل يوجد الى جانبه رأي آخر يقول ان الفقيه يستمد سلطته من البيعة ولاسلطة له قبلها ، وهو رأي مشروع ومعترف به ولم يُتَّهَم اصحابُه بانهم خرحوا عن مسلمات الفكر الامامي الاثني عشري القائم على العقيدة بالمهدي (ع) وانتظار ظهوره . وفي ضوء ذلك بالامكان ان تقوم حكومة على رأسها فقيه يستمد سلطته من الامة فيما لو رأى جمهور الامة بيعة ذلك الفقيه ، وفي الحقيقة حتى الفقيه الذي يرى ان سلطته قائمة على اساس النص تبقى سلطته هذه من دون واقعية وفعلية على الساحة السياسية مالم يبايعه الناس وبسطوا يده ويمنحوه القدرة على النهوض بمشروعه السياسي . وكذلك الحال في الراي القائل بوجوب التقية وعدم الثورة في عصر الغيبة عند توفر شروطها ليس هو الراي الوحيد الذي ينتجه الاعتقاد بغيبة الثاني عشر إذ يوجد الى جنبه راي آخر هو عكسه ، وكذلك الحال في تعطيل الحدود فيوجد الى جنبه الراي القائل بتنفيذها من قبل الفقيه عند توفر القدرة . ويتضح من ذلك ان العقيدة بغيبة المهدي وانتظار ظهوره تجتمع مع هذه الآراءالفقهية المتنوعة والمتعارضة والسر في ذلك هو ان هذه الاراء هي مسائل فقهية تعكس افهام الفقهاء لادلة هذه المسائل ، وهم حين يختلفون في مسائل الفقه تبعا لما يفهمه كل واحد منهم من النص وفق قواعد فهم النص ، يتفقون على مسألة غيبة المهدي وانتظار ظهوره حين ينظرون الى ادلتها ، نعم قد يختلفون في بيان حكمة الغيبة واسرارها وليس من شك ان هذه الاسرار والحكم المستنبطة ليس جزءا من المعتقد .
6 . ورد لفظ الامامة في التراث الفكري الشيعي على ثلاثة معاني :
المعنى الاول : وهو معنى خاص ويراد به منصب الحجة على الخلق بعد النبي (ص)وهذا المعنى ينحصر باثني عشر من اهل بيت النبي وتلحق بهم الزهراء (ع)في ذلك .
المعنى الثاني : وهو معنى عام ويراد به منصب الحكومة وإقامة الحدود سواء شغل هذا هذه المنصب المعصوم او شغله غيره ، وهذا المعنى يعتقد الشيعة فيه انه للنبي (ص)ومن بعده للائمة الاثني عشر (ص) ومن بعده للفقهاء العدول . وقد انتشر هذا المعنى للفظة عند متكلمي السنة وفقهائهم منذ القرن الاول الهجري الى اليوم ، اما عند الشيعة فقد بقي منحصرا في التراث الروائي ولم يستخدم في التراث الفقهي الا عند ثلة معاصرة منهم قبيل الثورة الاسلامية في ايران .
المعنى الثالث : وهو معنى خاص يراد به خصوص الاثني عشر وصيا للنبي حيث اصبحت علما خاصا لهم (ع) لغلبة استعماله من قبل الشيعة فيهم (ع) ، وصار يدل ايضا على المعنى الاول والثاني معا باعتبار التقاء المعنيين في عصر الائمة الاثني عشر في شخصهم (ع) ، وهو المراد به عند متكلمي الشيعة في كتبهم الكلامية المشهورة ...
* مقتبس عن بحث السيد سامي البدري *
والسلام في البدء والختام
أبو مرتضى عليّ
الفهرس :
(1) قال الماوردي : حكي عن الشافعي انه قال : أخذ المسلمون السيرة في قتال المشركين من رسول الله (ص) ، وأخذوا السيرة في قتال المرتدين من ابي بكر (رض) واخذوا السيرة في قتال البغاة من علي بن ابي طالب (رض) . /كتاب قتال اهل البغي ص 74 . اقول وفي هذا النص دليل على ما قلناه من ان الاجتهادات لقربها من عهد النبي تاخذه صفة خاصة وتصبح جزءا من الرسالة ، وقد روت كتب الحديث والسيرة ان عبد الرحمن بن عوف حين عرض البيعة على علي (ص) اشترط عليه ان يسير بكتاب الله وسيرة النبي وسيرة والشيخين فرفض علي (ع) ذلك وقال ان كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما الى إجِّيري احد أي لا يحتاجان الى عادة وطريقة احد .
(2) وجود وجه ايحابي للغيبة لايعفي المسؤولين عن اسبابها المباشرة التي كانت تتمثل بالتضييق على المعصوم الثاني عشر خوفا على كرسيهم ، وقد جرت سنة الله تعالى المكر باعدائه وتحويل المخطط السئ الى عنصر ايجابي في مسيرة المؤمنين مع ابقاء تبعة المكر السئ على اهله (وَمَكْرَ السَّيِّىءِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْوِيلاً) فاطر/43 (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) ومن سنة الله تعالى في الاولين انجاؤه لنبيه عيسى وتغييبه وترك تلاميذ عيسى وشيعته ليمارسوا حياتهم على اساس ما تحملوه من تجارب الفكر والعمل المعصومة التي خلفها عيسى وامه مريم و يحيى وزكريا ثم يظهر الله تعالى نبيه عيسى في آخر الزمان لتقييم تجارب عمل امته التي تحملت رسالته وبالطبع هنا سوف يدين من لم يؤمن برسالة محمد (ص) ويعتبر عدم الايمان بمحمد (ص) وقد بشرهم به وأخذ العهد منهم ان يؤمنوا به معلما من اهم معالم الاخفاق بعده .
(3) شرح النهج 6/118 .
(4) بحار الانوار 28/248 .