مرتضى علي الحلي
09-08-2011, 09:36 PM
(( قراءة معرفيّة في ضرورة التعاطي العَقَدي والمنهجي مع الإمام المهدي(عليه السلام) في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المُبارك ))::::القسم الخامس ::::
================================================== ===
((مِنهاجيَّة دُعاء الإفتتاح إنموذجا))
=====================
(القسم الخامس )
==========
بسم الله الرحمن الرحيم
((الحمد لله خالق الخلق باسط الرزق ذي الجلال والاكرام والفضل والانعام ،
الذي بَعُدَ فلا يُرى وقرُبَ فشهد النجوى تبارك وتعالى ،
الحمد لله الذي ليس مُنازعُ يُعادله ولا شبيه يُشاكله ولا ظهيرٌ يُعاضده ،
قهر بعزته الأعزاء وتواضع لعظمته العظماء ، فبلغ بقدرته ما يشاء .))
ومرة اخرى تكثّرَت مقولة (الحمد لله ) في إمتدادات هذا النص الشريف شارحة لأفعال الله تعالى وصفاته الذاتية وكاشفة عن أخلاقياته سبحانه وتعالى في رأفته بعباده عامة.
طبعا ومع مقولة كلِ حمد لله تعالى في هذا النص الشريف ينفتح بابا من المعرفة واليقين
والذي من الضرورة العقَديّة والدينية أن يدركها الإنسان المؤمن بالله تعالى وبرسله وكتبه ومنهجه.
ففي مقولة :الإمام المهدي/ع/ :
((الحمد لله خالق الخلق باسط الرزق ذي الجلال والاكرام والفضل والانعام ))
ينبسط علينا وعينا ودركا جديدا لمعنى صفات الله تعالى الفعلية كالخالقية للخلق والباسطية للرزق
فهاتان الصفتان الفعليتان من صفات وأفعال الله تعالى فيهما حقيقة وجودية قيمية إذ أنهما تمثلاث
عين العدل والرحمة بالخلائق من لدن الله تعالى.
فخالقية الخلق هي صفة مساوقة وجوديا لباسطية الرزق
بمعنى أنه تعالى قد نظّم توزانية الوجود البشري خلقا ورزقا
وإذا ما حصل خللاٌ في هذه التوازنية الوجودية فسببه يقينا هوالإنسان
لأنّ الله تعالى أجل وأكرم من أن يخلق الخلائق ويتركها سدى دون عناية وتنظيم لمعيارية العدل وتطبيقاته على أرض الحياة الدنيا
فلذا أردف الإمام المهدي/ع/ مقولة الحمد هذه بتوصيف الله تعالى بذي الجلال والاكرام والفضل والانعام إشارة منه /ع/ الى ضرورة تنزيه الله عن صفات الظلم وحاشاه تعالى عن ذلك
وقد أكّد الإمام علي /ع/:على هذه التوازنية الوجودية خلقا ورزقا بعد تشخيصه للخلل الحاصل في
خرقها عمليا من قبل الإنسان.
فقال/ع/:
((ما جاع فقير إلا بما مُتّع به غني
و ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع
وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها . وأنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع))
/نهج البلاغة/ص533.
وصدقَ عليٌ أمير المؤمنين(عليه السلام)
والمراد بقول الإمام المهدي/ع/ :
((الذي بَعُدَ فلا يُرى وقرُبَ فشهد النجوى تبارك وتعالى ،))
هوتوصيفا لذاتية الله تعالى المقدسة وحقيقتها الغيبية الممتنع إدراكها حسيا
والمشهود بوجودها قلبيا
فسبحانه هو مَن بَعُدَ عن لحظات العيون وقرُبَ من خطرات الظنون
وهذا التوصيف الذاتي لله تعالى قد نص عليه القرآن الكريم
في قوله تعالى:
{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الأنعام103
بمعنى:
(لا تدركه الأبصار) أي لا تراه العيون بحسيتها و لا تحيط به (وهو يدرك الأبصار) أي يراها ولا تراه (وهو اللطيف) بأوليائه (الخبير) بهم
وهذا التوصيف الذاتي لله تعالى إنما جاء من القرآن الكريم وعلى لسان الإمام المهدي/ع/ في دعائه أيضا رداً على من يقول بجواز الرؤية البصرية لله تعالى كفرقة المُجَسِّمة الضالة عقديا وفكريا
وهذه فرقة ضالة ظهرت في بطن التأريخ المنصرم وهي تشبه بصورة كبيرة فرقة الوهابية المعاصرة
اليوم.
فالرؤية البصرية والحسية ممتنعة على الله عقلا.
لأنّه لو كان سبحانه مرئيا لكان في جهة (حيزفي مكان ما) فيكون جسما والجسمية محال عليه تعالى
وهذا أمرٌ باطل عقلا.
والقرآن الكريم نفى إمكانية رؤية البشر لله تعالى حتى ولو كانوا من الإنبياء كما في قصة موسى/ع/
:إذ قال تعالى:بشأن ذلك:
{وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }الأعراف143
ولن تراني /هنا تفيد النفي المؤبّد.للرؤية الحسية
{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ }البقرة55
{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً }النساء153
وللعلم إنّ مفردتي البعد والقرب في توصيف الله تعالى لاعلاقة لهما بالمكان بالنسبة للإنسان
في هذه الحياة الطبيعية المحكومة بقانون الزمان والمكان والعليّة
وإنما هما تكشفان عن عمق الغيب من إستحالة إدراك ذات الله تعالى وحقيقته الواقعية
فالله تعالى بقدر ماهو غيبٌ مكنون لايُدرك حسا فهو قريبٌ وجودا من الإنسان ونفسه بل وقلبه بل يحول بينهما كما عبّر القرآن الكريم عن تلك الحقيقة العقدية في نصوصه الشريف:
حيثُ قال تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }ق16
بمعنى:
ولقد خلقنا الإنسان, ونعلم ما تُحَدِّث به نفسه, ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وهو عِرْق في العنق متصل بالقلب.
وقال تعالى أيضا:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24
بمعنى:
يا أيها الذين صدِّقوا بالله ربًا وبمحمد/ص/ نبيًا ورسولا استجيبوا لله وللرسول بالطاعة إذا دعاكم لما يحييكم من الحق,
ففي الاستجابة إصلاح حياتكم في الدنيا والآخرة, واعلموا -أيها المؤمنون- أن الله تعالى هو المتصرف في جميع الأشياء, والقادر على أن يحول بين الإنسان وما يشتهيه قلبه,
فهو سبحانه الذي ينبغي أن يستجاب له إذا دعاكم; إذ بيده ملكوت كل شيء, واعلموا أنكم تُجمعون ليوم لا ريب فيه, فيجازي كلا بما يستحق.
وبعد الذي تقدّم من بيان لمعنى (الذي بعُدَ فلا يُرى)
يكون معنى((قرُبَ فشهد النجوى تبارك وتعالى ))
أي هو قريبٌ وحاضرٌ سبحانه من حديث السر البشري لاقربا وحضورا مكانيا لابل بمعنى هو عالم
بالسر وأخفى علما إحاطيا يتخطى حدود السر والعلن والزمان والمكان والمادة.
وهذا هو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }المجادلة7
بمعنى:
ألم تعلم أن الله تعالى يعلم كل شيء في السموات والأرض؟
ما يتناجى (أي يتكلموا سرا) ثلاثة مِن خلقه بحديث سرٍّ إلا هو رابعهم بعلمه وإحاطته, ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أقلُّ من هذه الأعداد المذكورة ولا أكثرُ منها إلا هو معهم بعلمه في أيِّ مكان كانوا,
لا يخفى عليه شيء من أمرهم, ثم يخبرهم تعالى يوم القيامة بما عملوا من خير وشر ويجازيهم عليه. إن الله بكل شيء عليم.
ومقولة ::
((الحمد لله الذي ليس مُنازعُ يُعادله ولا شبيه يُشاكله ولا ظهيرٌ يُعاضده ،
قهر بعزته الأعزاء وتواضع لعظمته العظماء ، فبلغ بقدرته ما يشاء . ))
هي الأخرى مقولة توحيدية صرفة تمنح الإنسان المُدرِك لها مزيدا من الإيمان بوحدانية وواحدية الله تعالى في ملكه وإمتناع أن يكون له شريك في الوجود وإستحالة حاجته تعالى الى غيره من الملائكة أو البشر كما زعم المشركون ذلك.
وهذه المقوله تساوق بمفادها وبصورة واضحة سورة التوحيد(الأخلاص)
بسم الله الرحمن الرحيم(1)
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{ 2} اللَّهُ الصَّمَدُ{ 3} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{ 4} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{ 5}
بمعنى:
قُل -أيها الرسول/ص/: هو الله المتفرد بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات، لا يشاركه أحد فيها.
فالله تعالى لم يكن له كفوا أحد أي لم يكن له مكافئا ومماثلا في وجوده سبحانه
فهو سبحانه:
((قهر بعزته الأعزاء وتواضع لعظمته العظماء ، فبلغ بقدرته ما يشاء . ))
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }الأنعام18
أي :
أنّ الله سبحانه هو الغالب القاهر فوق عباده; خضعت له الرقاب وذَلَّتْ له الجبابرة, وهو الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها وَفْق حكمة , الخبير الذي لا يخفى عليه شيء.
ومن اتصف بهذه الصفات يجب ألا يشرك به
وهو القادرُ على ما يُريد سبحانه وتعالى.
:
{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }الأنعام65
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله المعصومين/ع/
وصيام وقيام مقبولٌ للجميع إن شاء الله تعالى .
((ويتبع القسم السادس إن شاء الله تعالى))
مرتضى علي الحلي /النجف الأشرف:
================================================== ===
((مِنهاجيَّة دُعاء الإفتتاح إنموذجا))
=====================
(القسم الخامس )
==========
بسم الله الرحمن الرحيم
((الحمد لله خالق الخلق باسط الرزق ذي الجلال والاكرام والفضل والانعام ،
الذي بَعُدَ فلا يُرى وقرُبَ فشهد النجوى تبارك وتعالى ،
الحمد لله الذي ليس مُنازعُ يُعادله ولا شبيه يُشاكله ولا ظهيرٌ يُعاضده ،
قهر بعزته الأعزاء وتواضع لعظمته العظماء ، فبلغ بقدرته ما يشاء .))
ومرة اخرى تكثّرَت مقولة (الحمد لله ) في إمتدادات هذا النص الشريف شارحة لأفعال الله تعالى وصفاته الذاتية وكاشفة عن أخلاقياته سبحانه وتعالى في رأفته بعباده عامة.
طبعا ومع مقولة كلِ حمد لله تعالى في هذا النص الشريف ينفتح بابا من المعرفة واليقين
والذي من الضرورة العقَديّة والدينية أن يدركها الإنسان المؤمن بالله تعالى وبرسله وكتبه ومنهجه.
ففي مقولة :الإمام المهدي/ع/ :
((الحمد لله خالق الخلق باسط الرزق ذي الجلال والاكرام والفضل والانعام ))
ينبسط علينا وعينا ودركا جديدا لمعنى صفات الله تعالى الفعلية كالخالقية للخلق والباسطية للرزق
فهاتان الصفتان الفعليتان من صفات وأفعال الله تعالى فيهما حقيقة وجودية قيمية إذ أنهما تمثلاث
عين العدل والرحمة بالخلائق من لدن الله تعالى.
فخالقية الخلق هي صفة مساوقة وجوديا لباسطية الرزق
بمعنى أنه تعالى قد نظّم توزانية الوجود البشري خلقا ورزقا
وإذا ما حصل خللاٌ في هذه التوازنية الوجودية فسببه يقينا هوالإنسان
لأنّ الله تعالى أجل وأكرم من أن يخلق الخلائق ويتركها سدى دون عناية وتنظيم لمعيارية العدل وتطبيقاته على أرض الحياة الدنيا
فلذا أردف الإمام المهدي/ع/ مقولة الحمد هذه بتوصيف الله تعالى بذي الجلال والاكرام والفضل والانعام إشارة منه /ع/ الى ضرورة تنزيه الله عن صفات الظلم وحاشاه تعالى عن ذلك
وقد أكّد الإمام علي /ع/:على هذه التوازنية الوجودية خلقا ورزقا بعد تشخيصه للخلل الحاصل في
خرقها عمليا من قبل الإنسان.
فقال/ع/:
((ما جاع فقير إلا بما مُتّع به غني
و ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع
وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها . وأنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع))
/نهج البلاغة/ص533.
وصدقَ عليٌ أمير المؤمنين(عليه السلام)
والمراد بقول الإمام المهدي/ع/ :
((الذي بَعُدَ فلا يُرى وقرُبَ فشهد النجوى تبارك وتعالى ،))
هوتوصيفا لذاتية الله تعالى المقدسة وحقيقتها الغيبية الممتنع إدراكها حسيا
والمشهود بوجودها قلبيا
فسبحانه هو مَن بَعُدَ عن لحظات العيون وقرُبَ من خطرات الظنون
وهذا التوصيف الذاتي لله تعالى قد نص عليه القرآن الكريم
في قوله تعالى:
{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الأنعام103
بمعنى:
(لا تدركه الأبصار) أي لا تراه العيون بحسيتها و لا تحيط به (وهو يدرك الأبصار) أي يراها ولا تراه (وهو اللطيف) بأوليائه (الخبير) بهم
وهذا التوصيف الذاتي لله تعالى إنما جاء من القرآن الكريم وعلى لسان الإمام المهدي/ع/ في دعائه أيضا رداً على من يقول بجواز الرؤية البصرية لله تعالى كفرقة المُجَسِّمة الضالة عقديا وفكريا
وهذه فرقة ضالة ظهرت في بطن التأريخ المنصرم وهي تشبه بصورة كبيرة فرقة الوهابية المعاصرة
اليوم.
فالرؤية البصرية والحسية ممتنعة على الله عقلا.
لأنّه لو كان سبحانه مرئيا لكان في جهة (حيزفي مكان ما) فيكون جسما والجسمية محال عليه تعالى
وهذا أمرٌ باطل عقلا.
والقرآن الكريم نفى إمكانية رؤية البشر لله تعالى حتى ولو كانوا من الإنبياء كما في قصة موسى/ع/
:إذ قال تعالى:بشأن ذلك:
{وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }الأعراف143
ولن تراني /هنا تفيد النفي المؤبّد.للرؤية الحسية
{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ }البقرة55
{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً }النساء153
وللعلم إنّ مفردتي البعد والقرب في توصيف الله تعالى لاعلاقة لهما بالمكان بالنسبة للإنسان
في هذه الحياة الطبيعية المحكومة بقانون الزمان والمكان والعليّة
وإنما هما تكشفان عن عمق الغيب من إستحالة إدراك ذات الله تعالى وحقيقته الواقعية
فالله تعالى بقدر ماهو غيبٌ مكنون لايُدرك حسا فهو قريبٌ وجودا من الإنسان ونفسه بل وقلبه بل يحول بينهما كما عبّر القرآن الكريم عن تلك الحقيقة العقدية في نصوصه الشريف:
حيثُ قال تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }ق16
بمعنى:
ولقد خلقنا الإنسان, ونعلم ما تُحَدِّث به نفسه, ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وهو عِرْق في العنق متصل بالقلب.
وقال تعالى أيضا:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24
بمعنى:
يا أيها الذين صدِّقوا بالله ربًا وبمحمد/ص/ نبيًا ورسولا استجيبوا لله وللرسول بالطاعة إذا دعاكم لما يحييكم من الحق,
ففي الاستجابة إصلاح حياتكم في الدنيا والآخرة, واعلموا -أيها المؤمنون- أن الله تعالى هو المتصرف في جميع الأشياء, والقادر على أن يحول بين الإنسان وما يشتهيه قلبه,
فهو سبحانه الذي ينبغي أن يستجاب له إذا دعاكم; إذ بيده ملكوت كل شيء, واعلموا أنكم تُجمعون ليوم لا ريب فيه, فيجازي كلا بما يستحق.
وبعد الذي تقدّم من بيان لمعنى (الذي بعُدَ فلا يُرى)
يكون معنى((قرُبَ فشهد النجوى تبارك وتعالى ))
أي هو قريبٌ وحاضرٌ سبحانه من حديث السر البشري لاقربا وحضورا مكانيا لابل بمعنى هو عالم
بالسر وأخفى علما إحاطيا يتخطى حدود السر والعلن والزمان والمكان والمادة.
وهذا هو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }المجادلة7
بمعنى:
ألم تعلم أن الله تعالى يعلم كل شيء في السموات والأرض؟
ما يتناجى (أي يتكلموا سرا) ثلاثة مِن خلقه بحديث سرٍّ إلا هو رابعهم بعلمه وإحاطته, ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أقلُّ من هذه الأعداد المذكورة ولا أكثرُ منها إلا هو معهم بعلمه في أيِّ مكان كانوا,
لا يخفى عليه شيء من أمرهم, ثم يخبرهم تعالى يوم القيامة بما عملوا من خير وشر ويجازيهم عليه. إن الله بكل شيء عليم.
ومقولة ::
((الحمد لله الذي ليس مُنازعُ يُعادله ولا شبيه يُشاكله ولا ظهيرٌ يُعاضده ،
قهر بعزته الأعزاء وتواضع لعظمته العظماء ، فبلغ بقدرته ما يشاء . ))
هي الأخرى مقولة توحيدية صرفة تمنح الإنسان المُدرِك لها مزيدا من الإيمان بوحدانية وواحدية الله تعالى في ملكه وإمتناع أن يكون له شريك في الوجود وإستحالة حاجته تعالى الى غيره من الملائكة أو البشر كما زعم المشركون ذلك.
وهذه المقوله تساوق بمفادها وبصورة واضحة سورة التوحيد(الأخلاص)
بسم الله الرحمن الرحيم(1)
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{ 2} اللَّهُ الصَّمَدُ{ 3} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{ 4} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{ 5}
بمعنى:
قُل -أيها الرسول/ص/: هو الله المتفرد بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات، لا يشاركه أحد فيها.
فالله تعالى لم يكن له كفوا أحد أي لم يكن له مكافئا ومماثلا في وجوده سبحانه
فهو سبحانه:
((قهر بعزته الأعزاء وتواضع لعظمته العظماء ، فبلغ بقدرته ما يشاء . ))
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }الأنعام18
أي :
أنّ الله سبحانه هو الغالب القاهر فوق عباده; خضعت له الرقاب وذَلَّتْ له الجبابرة, وهو الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها وَفْق حكمة , الخبير الذي لا يخفى عليه شيء.
ومن اتصف بهذه الصفات يجب ألا يشرك به
وهو القادرُ على ما يُريد سبحانه وتعالى.
:
{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }الأنعام65
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله المعصومين/ع/
وصيام وقيام مقبولٌ للجميع إن شاء الله تعالى .
((ويتبع القسم السادس إن شاء الله تعالى))
مرتضى علي الحلي /النجف الأشرف: