ابوعلي العراقي
10-08-2011, 12:48 AM
تبرز أمام الوعي الإنساني آية حاسمة ذات دلالة خطيرة في مسألة السقوط الحضاري وهذه الآية تقول:
(وتلك الأيام نداولها بين الناس).. إنها ترد في هذا الإطار القرآني تعقيباً على تجربة المسلمين التاريخية في أحد (قد خلت من قبلكم سنن، فيسروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين.
هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين. ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين). آل عمران 137-141
قاعدة أساسية
إن القرآن يطرح في هذا المقطع التاريخي ذي المغزى العميق، والذي ترد فيه كلمات ذات علاقة عضوية بالمسألة مثل: سنن، مداولة، تمحيص.. قاعدة أساسية في موقفه إزاء الدول والتجارب البشرية والحضارات.. إنه بواقعيته وإحاطته المعجزة يقرر منذ البدء عدم ديمومة أي من هذه المعطيات، ولا يستثني منها الإسلام والمسلمين (وتلك الأيام ندولها بين الناس).. وقد قال (بين الناس) بمعنى عموم هذه (السنة) التي لا محيص عنها، والتي تقوم بلا ريب على أسبابها ومقدماتها في صميم الفعل الإنساني نفسه.
الحتمية القرآنية
وفي أماكن عديدة أخرى يؤكد لنا القرآن هذه الحتمية كأجل لا مفر من نزوله في وقته المحدّد سلفاً في علم الله، ويكشف لنا عن صيغها في صميم الممارسة البشرية:
(ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه؟ ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) هود 8.
(وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم. ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون) الحجر 4-5.
(ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين). الحجر 24.
(وإن من قرية إلا ونحن مهلكوها قبل يوم القيامة، أو معذبوها عذاباً شديداً، كان ذلك في الكتاب مسطوراً). الإسراء 58.
استثمارات متباينة
ونظراً لارتباط هذه الآجال بمواعيد ثابتة محددة في علم الله، كجزء من نظام كوني متماسك ووفق مقاييس زمنية قد تبدو للإنسان ـ ذي القدرات النسبية الموقوتة ـ طويلة، ونظراً إلى أن إرادة الله سبحانه وحكمته في خلقه، شاءت أن تمدّ في هذه الآجال كي تمنح الفرصة كاملة لكل جماعة أن تكفّر عن ظلمها وطغيانها، وأن تسعى لالتزام الطريق العادل المستقيم.. نظراً لهذا وذاك، يتصور بعضهم، انهم غدوا بمنأى عن عقاب الله، وانه لا تدهور ولا سقوط.. ويتطرف بعضهم الآخر فيستعجل المصير قبل تحققه على سبيل التحدي والاستفزاز..
(ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماّ ولهم عذاب مهين). آل عمران 178.
(ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرّهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون). النمل 61.
تحريكاً للفعل التاريخي
والقرآن الكريم يطرح فكرة المداولة كفعل داينامي يستهدف (تمحيص) الجماعات البشرية، وإثارة الصراع الدائم بينها، الأمر الذي يتمخض عن تحريك الفعل التاريخي، وخلق التحديات المستمرة أمام المنتمين إلى هذا المذهب أو ذاك.. إنه لا يفرزها تشاؤماً وحزناً كما هو الحال في بعض المواقف التفسيرية الوضعية؛ ولا يطرحها عبثاً ولا جدوى كما هو الحال في مواقف أخرى.. ولا يقدمها كحتمية قاهرة يتحول الناس إزاءها إلى عبيد مسلوبي الإرادة والعقل الحر، والإخبار المسبق، كما هو الحال في مواقف ثالثة.. إن التعبير القرآني نفسه يحمل دلالاته العميقة، كما هو شأن القرآن دائماً..
دعوة لعدم اليأس
إن (المداولة) توحي بالحركة الدائمة، وبالتجدّد، وبالأمل.. وتقرّر أن الأيام ليست ملكاً لأحد، ومن ثم لا داعي لليأس والهزيمة، فمن هم في القمة الآن ستنزل بهم حركة (الأيام) إلى الحضيض، ومنهم في القاع ستصعد به الحركة نفسها ـ ومن خلال فعلهم الحرّ وحركتهم واختيارهم ـ إلى القمة.. إن (المداولة) القرآنية تحمل كافة جوانب إيجابيتها التاريخية: حركة العالم المستمرة، وتمخّض الصراع الفعال، وديمومة الأمل البشري الذي يرفض الحزن والهوان (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) !!
(وتلك الأيام نداولها بين الناس).. إنها ترد في هذا الإطار القرآني تعقيباً على تجربة المسلمين التاريخية في أحد (قد خلت من قبلكم سنن، فيسروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين.
هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين. ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين). آل عمران 137-141
قاعدة أساسية
إن القرآن يطرح في هذا المقطع التاريخي ذي المغزى العميق، والذي ترد فيه كلمات ذات علاقة عضوية بالمسألة مثل: سنن، مداولة، تمحيص.. قاعدة أساسية في موقفه إزاء الدول والتجارب البشرية والحضارات.. إنه بواقعيته وإحاطته المعجزة يقرر منذ البدء عدم ديمومة أي من هذه المعطيات، ولا يستثني منها الإسلام والمسلمين (وتلك الأيام ندولها بين الناس).. وقد قال (بين الناس) بمعنى عموم هذه (السنة) التي لا محيص عنها، والتي تقوم بلا ريب على أسبابها ومقدماتها في صميم الفعل الإنساني نفسه.
الحتمية القرآنية
وفي أماكن عديدة أخرى يؤكد لنا القرآن هذه الحتمية كأجل لا مفر من نزوله في وقته المحدّد سلفاً في علم الله، ويكشف لنا عن صيغها في صميم الممارسة البشرية:
(ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه؟ ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) هود 8.
(وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم. ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون) الحجر 4-5.
(ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين). الحجر 24.
(وإن من قرية إلا ونحن مهلكوها قبل يوم القيامة، أو معذبوها عذاباً شديداً، كان ذلك في الكتاب مسطوراً). الإسراء 58.
استثمارات متباينة
ونظراً لارتباط هذه الآجال بمواعيد ثابتة محددة في علم الله، كجزء من نظام كوني متماسك ووفق مقاييس زمنية قد تبدو للإنسان ـ ذي القدرات النسبية الموقوتة ـ طويلة، ونظراً إلى أن إرادة الله سبحانه وحكمته في خلقه، شاءت أن تمدّ في هذه الآجال كي تمنح الفرصة كاملة لكل جماعة أن تكفّر عن ظلمها وطغيانها، وأن تسعى لالتزام الطريق العادل المستقيم.. نظراً لهذا وذاك، يتصور بعضهم، انهم غدوا بمنأى عن عقاب الله، وانه لا تدهور ولا سقوط.. ويتطرف بعضهم الآخر فيستعجل المصير قبل تحققه على سبيل التحدي والاستفزاز..
(ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماّ ولهم عذاب مهين). آل عمران 178.
(ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرّهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون). النمل 61.
تحريكاً للفعل التاريخي
والقرآن الكريم يطرح فكرة المداولة كفعل داينامي يستهدف (تمحيص) الجماعات البشرية، وإثارة الصراع الدائم بينها، الأمر الذي يتمخض عن تحريك الفعل التاريخي، وخلق التحديات المستمرة أمام المنتمين إلى هذا المذهب أو ذاك.. إنه لا يفرزها تشاؤماً وحزناً كما هو الحال في بعض المواقف التفسيرية الوضعية؛ ولا يطرحها عبثاً ولا جدوى كما هو الحال في مواقف أخرى.. ولا يقدمها كحتمية قاهرة يتحول الناس إزاءها إلى عبيد مسلوبي الإرادة والعقل الحر، والإخبار المسبق، كما هو الحال في مواقف ثالثة.. إن التعبير القرآني نفسه يحمل دلالاته العميقة، كما هو شأن القرآن دائماً..
دعوة لعدم اليأس
إن (المداولة) توحي بالحركة الدائمة، وبالتجدّد، وبالأمل.. وتقرّر أن الأيام ليست ملكاً لأحد، ومن ثم لا داعي لليأس والهزيمة، فمن هم في القمة الآن ستنزل بهم حركة (الأيام) إلى الحضيض، ومنهم في القاع ستصعد به الحركة نفسها ـ ومن خلال فعلهم الحرّ وحركتهم واختيارهم ـ إلى القمة.. إن (المداولة) القرآنية تحمل كافة جوانب إيجابيتها التاريخية: حركة العالم المستمرة، وتمخّض الصراع الفعال، وديمومة الأمل البشري الذي يرفض الحزن والهوان (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) !!