أبو مرتضى عليّ
11-08-2011, 10:09 PM
ادلة ولاية الفقيه
يقسم دليل اثبات ولاية الفقيه الجامع للشرائط عموما الى قسمين :عقلى و نقلى.
الدليل العقلى
نظرا لضرورة وجود الحكومة من اجل تلبية حاجات المجتمع و منع وقوع الفوضى و الفساد و الضطراب النظام .و بما ان احكام الاسلام لا تختص بعهد الرسول صلى الله عليه و آله و الائمة عليهم السلام و انما يجب تطبيقها فى كل العصور، من هنا يمكن اثبات ولاية الفقيه بدليلين هما:
اولا :عندما يتعذر تحقيق المصلحة بشكلها المثالى المطلوب، يجب حينئذاك احراز المرتبة الادنى من الحد المطلوب .و فى المسالة المعروضة امامنا حينما يحرم الناس من المصالح التى توفرها لهم حكومة الامام المعصوم يجب عليهم السعى لنيل المرتبة التالية لها.
اى يجب عليهم تبنى حكومة من هو اقرب الى الامام المعصوم .و هذا القرب يتبلور فى ثلاثة امور اصلية، هى:
ا ـ العلم باحكام الاسلام العامة، و تلك هى الفقاهة.
ب ـ الجدارة الروحية و الاخلاقية بحيث لا يقع تحت تاثير الاهواء النفسية و الترغيب
و الترهيب، و تلك هى التقوى.
ج ـ الكفاءة و القدرة على تدبير شوءون المجتمع، و هذا يستلزم توافر خصال فرعية من قبيل
الوعى السياسى و الاجتماعى ، و فهم القضايا الدولية، و الشجاعة فى التصدى للاعدا و المفسدين، و الحدس الصائب فى تحديد الاولويات و الشوءون الاكثر اهمية، و ما شابه ذلك.
اذن يجب ان يتصدى لزعامة المجتمع من تتوافر فيه هذه الشروط اكثر من غيره من الناس، و هو الذى يخلق الانسجام بين اركان الحكومة و يسوقها نحو الكمال المنشود. و تعيين مثل هذا الشخص يقع طبعا على عاتق ذوى الخبرة، كما هو الحال فى سائر جوانب الحياة الاجتماعية.
ثانيا :ان الولاية على اموال و اعراض و نفوس الناس من شان الله تعالى، و تتخذ صيغتها الشرعية بتنصيب و اذن منه .و نحن نوءمن انه منح هذه السلطة القانونية للرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم، و للائمة المعصومين عليهم السلام .و لكن عندما يحرم الناس من القائد المعصوم، فاما ان يكون البارى تعالى قد اذن للناس بالانصراف عن تطبيق الاحكام الاجتماعية للاسلام، او انه اجاز لاصلح الناس تطبيقها لكى لا يستلزم ذلك ترجيح المرجوح عليه و نقض الغرض المطلوب و ما هو مخالف للحكمة.
و نظر البطلان الفرض الاول، يثبت لدينا الفرض الثانى .اى اننا نستشف عن طريق العقل ان مثل هذا الاذن قد صدر من الله تعالى و من الاوليا المعصومين و ان لم يصلنا دليل نقلى واضح فى هذا الخصوص .و الفقيه الجامع للشرائط هو ذلك الفرد الاصلح الذى يعرف احكام الاسلام اكثر من غيره، و يتصف ايضا بضمانه اخلاقية اكثر من اجل تطبيق تلك الاحكام اكثر كفاءة من غيره فى ضمان مصالح المجتمع و تدبير شوءونه.
اذن نستشف شرعية ولايته عن طريق العقل، مثلما الحال فى الكثير من الاحكام الفقهية الاخرى و خاصة فى الشوءون الاجتماعية التى تثبت لدينا صحتها عن هذا الطريق (اى طريق الدليل العقلى.)
الادلة النقلية
و هى عبارة عن الروايات الدالة على ارجاع الامة الى الفقهاء للنظر فى متطلباتهم الحكومية وخاصة الشوءون القضائية و المنازعات، او تلك التى تسمى الفقهاء بصفة(( الامناء ))او(( الخلفاء)) او(( ورثة الانبياء )) و من بايديهم زمام الامور .و د انجزت بحوث و فيرة عن سندها و دلالتها يتسع المجال هنا للدخول فى تفاصيلها، و يمكن الرجوع الى الكتب و الرسائل المختصة فى هذا الحقل.
و من بين تلك الروايات مقبولة عمر بن حنظلة، و مشهورة ابى خديجة، و التوقيع الشريف للامام صاحب الزمان عجل الله فرجه، و هى ذات سند معتبر، و من غير المسوغ التشكيك فى سند امثال هذه الروايات التى تتسم بشهرة الراوية و الفتوى، و دلالتها واضحة على تنصيب الفقهاء كنواب عن الامام المقبوض اليد فى تصريف الامور .و ان لم تكن الحاجة لمثل هذا التنصيب فى زمن الغيبة اكثر، فهو لا يقل عنه.
اذن يثبت لدينا نصب الفقيه فى زمن الغيبة بدلالة (( الموافقة.)) كما ان احتمال تفويض تنصيب ولى الامر الى الناس فى زمن الغيبة لا يقوم عليه ادنى دليل كما انه يتنافى مع التوحيد فى الربوبية التشريعية، و لم يقل به اى فقيه شيعى ( الا فى الآونة الاخيره ) و لا حتى من باب الاحتمال.
و على اية حال تعتبر الروايات المار ذكرها موءيدات جيدة لتعضيد الادلة العقلية.
يتضح اذن فى ضوء هذا المبداء ان البيعة لا دور لها ابدا فى شرعية ولاية الفقيه، مثلما انها مجردة ايضا عن اى دور فى شرعية حكومة الامام المعصوم، و انما توفر بيعة الناس الارضية لانزال مبدا الولاية الى حيز التنفيذ، و لا عذر للحاكم الشرعى مع وجود البيعة للاعتزال عن تدبير شوءون المجتمع، و هو ما يشير اليه قول امير الموءمنين عليه السلام(( :لو لا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر())...1.)
و هنا يخطر سوءال مفاده :باية صورة حصل تنصيب الولى الفقيه من الله تعالى و من الامام المعصوم؟ و هل مقام الولاية لكل فقيه جامع للشرائط بالفعل؟ ام انها لفرد خاص دون غيره؟ ام لمجموع الفقهاء فى كل عصر؟
و للاجابة على هذه التساوءلات ينبغى القول :اذا كان المستند الاساسى هو الدليل العقلى، فمقتضاه واضح ;لان نصب الفقيه الافضل من حيث الكفاءة الادارية و مستلزماتها و من لديه القدرة على ادارة دفة شوءون جميع مسلمى العالم عبر تعيين الحكام و الولاة المحليين، اقرب الى المشروعالاصلى لحكومة الامام المعصوم، و هو اقدر على تحقيق الهدف الالهى القاضى بوحدة الامة الاسلامية و حكومة العدل العالمية .و لكن فيما لو انعدمت الظروف العالمية المناسبة لاقامة مثل هذه الدولة الواحدة .يجب النزول الى صيغ اخرى مع مراعاة الاقرب فالاقرب.
و لكن لو كان المستند الاصلى له هو الروايات ;فمع ان مقتضى اطلاقها يفيد ولاية كل فقيه جامع للشرائط، و لكن بما ان روايات اخرى اكدت على تقديم الاعلم، كالحديث النبوى المشهور(1 ) و صحيحة عيص بن قاسم، لهذا السبب نصل الى مفاد نفس تلك الادلة العقلية.
السوءال الآخر الذى يثار هنا هو :اذا لم يوجد الشخص الافضل فى جميع الجوانب، فما الذى ينبغى عمله؟
و جواب ذلك هو ان الافضل نسبيا يجب ان يتصدى لادا هذه المسوءولية .و على الناس القبول بولايته .و فروع هذه المسالة تتسع طبعا للكثير من البحث، و تتطلب بحثا مستانفا.
النتيجة
نعود هنا للاجابة عن الاسئلة و هى:
مفاد السوءال الاول هو:اذا كان بلد اسلامى واحد يحكمه نظام ولاية الفقيه، هل يجب على المسلمين الذين يعيشون فى بلدان غير اسلامية اطاعة او امره الحكومية ام لا (طبعا فيما اذا كانت اوامره تشملهم ايضا)؟
جواب هذا السوءال وفقا للمبدا الاول ( اى ثبوت الولاية بالتعيين او باذن الامام المعصوم)، واضح ; لانه على فرض احراز افضلية الفقيه المذكور للتصدى لمقام الولاية، ووفقا للادلة العقلية و النقلية يحق لمثل هذا الشخص الولاية على الناس، و يكون امره نافذا على كل مسلم و يجب عليه تنفيذه .اذن طاعته واجبة ايضا حتى على المسلمين المقيمين فى الدول غير الاسلامية.
اما فى ضو المبدا الثانى الذى ينص على توقف ولاية الفقيه على الانتخاب و البيعة فيمكن القول ان انتخاب اكثرية الامة او اكثرية اعضاء الشورى او اهل الحل و العقد يعتبر حجة على الآخرين ايضا .و هذا مما يقره العقل و ربما توءيده بعض الاقوال النقضية الواردة فى نهج البلاغة (3 )و التى تنظر بعين الاعتبار لبيعة المهاجرين و الانصار .و هذا يعنى ان طاعة الولى الفقية، وفقا لهذا المبدا، واجبة ايضا على المسلم المقيم فى البلاد غير الاسلامية، سوا بايع ام لم يبايع.
و لكن قد يقال ان هذا الانتخاب و هذه البيعة معناها تفويض الصلاحية من قبل المبايع للمبايع له ضمن اتفاق معين، و من هنا تجب طاعة الولى الفقيه على من بايعه فقط، و هى غير واجبة على المسلمين خارج تلك الدولة بل و لا على المسلمين الذين لم يبايعونه فى داخل تلك الدولة .الا ان حكم العقل ليس ثابتا و لا قاطعا فى مثل هذه المسالة .كما هو الحال فى الآراء الجدلية التى لا يراد من ورائها الا اقناع او الزام الخصم ليس الا.
اما السوءال الثانى فكان مفاده :اذا كانت هناك دولتان اسلاميتان، احداهما فقط تساس بنظام ولاية الفقيه، فهل طاعته واجبة على المسلمين الذين يعيشون فى دولة اخرى ام لا؟ و جواب هذا السوءال يجرى ايضا مجرى السوءال السابق مع فارق واحد هنا و هو امكان افتراض صورة نادرة اخرى و هى ان مسلمى البلد الآخر، اذا كانوا يرون حكومتهم ـ اجتهادا او تقليدا ـ شرعية و واجبة الطاعة( حتى و ان كانت تدار بنمط آخر يختلف عن ولاية الفقيه)، يكون واجبهم الظاهرى هنا طاعة حكومتهم، و ليس طاعة الولى الفقيه الذى يحكم فى بلد آخر.
و اما السوءال الثالث فهو:اذا اقام اهالى دولتين اسلاميتين او اكثر ولاية فقيه خاصة بهم فهل يعتبر حكم اى من الفقهاء الحاكمين نافذا من التانى، و سبب ذلك يعود الى:
اولا : يجب افتراض شرعية ولاية كلا الفقيهين( او الفقهاء )و حكم كل منهم واجب الطاعة فى بلده، كما سبق و ان اشرنا الى ان وجود بلدين اسلاميين مستقلين استقلالا تاما و لهما حكومتان شرعيتان يقبل فى حالة تعذر اقامة حكومة اسلامية واحدة، و اما اذا افترضنا ان ولايةاحد الفقهاء فقط شرعية و محرزة، فهذا نعود الى ما عرض فى المسالة السابقة.
ثانيا :يجب ان نفترض على ادنى تقدير ان حكم احد الفقهاء الحاكمين امرا عاما بحيث يشمل المسلمين المقيمن فى البلد الآخر الذى يتبع فقيها آخر، تكون لهذه المسالة ثلاثة احتمالات على الاقل ;لان الحاكم الآخر اما يوءيده، او ينقضه، او يسكت ازاه.
فاذا ايد الحاكم الآخر الحكم المذكور، فلا نقاش فى هذا الصدد لان هذا يعتبر بمنزلة اصدار حكم مشابه من قبله و يجب تنفيذه طبعا، و اما اذا نقضه ـ و لا بد ان يكون نقضا معتبرا طبعا يستند الى بطلان ملاك ذلك الحكم بشكل عام، او القول بعدم نفاذه على ابناء دولته ـ ففى هذه الحالة يكون للحكم المنقوض اى اعتبار عند اهالى دولته ،الا اذا او قن ان النقض الوارد لم يكن صحيحا اما اذا اختار الصمت ازا الحكم المذكور، تكون الحالة هنا وفقا للاصل الاول فى اعتبار ولاية الفقيه( حيث يكون التعيين من قبل الامام المعصوم .)اي تجب طاعته حتى على الفقهاء الآخرين.
مثلما ينفذ حكم احد القاضيين الشرعيين على القاضي الآخر و على نطاق الدائرة التي يقضي فيها.
و اما اذا نظرنا للمسالة فى ضوء الاصل الثانى فيجب القول حينها ان حكم كل فقيه نافذ على اهالى دولته فقط( بل و على من بايعه منهم فقط )و لا اعتبار له على الآخرين و لا مجال هنا للتمسك بدليل العقل.
و اما على فرض مبايعة المسلمين المقيمين فى بلد ما للفقيه الحاكم فى بلد آخر، فهذا يعتبر فى الحقيقة بمثابة انسلاخ من الانتما الى البلد الذى يقيمون فيه و اختيار الانتما الى البلد الذى بايعوا الولى الحاكم فيه، و لا تدخل هذه المسالة فى صلب موضوعنا هذا...
والسلام في البدء والختام
مقتبس
الهوامش
1 ـ نهج البلاغة، الخطبة الشقشقية.
2 ـ البرقى، المحاسن، عن رسول الله(ص)انه قال(( :من ام قوما و فيهم اعلم منه او افقه منه لم يزل
امرهم فى سفال الى يوم القيامة .))و ايضا راجع :نهج البلاغة، الخطبة 173 ;و وسائل الشيعة، ج1، ص35;
و تحف العقول، ص375 ، و كتاب سليم بن قيس، ص148.
3 ـ نهج البلاغة، الخطبة 173، و الرسالة 6 ;و شرح نهج البلاغة، لابن ابى الحديد، ج4، ص17
يقسم دليل اثبات ولاية الفقيه الجامع للشرائط عموما الى قسمين :عقلى و نقلى.
الدليل العقلى
نظرا لضرورة وجود الحكومة من اجل تلبية حاجات المجتمع و منع وقوع الفوضى و الفساد و الضطراب النظام .و بما ان احكام الاسلام لا تختص بعهد الرسول صلى الله عليه و آله و الائمة عليهم السلام و انما يجب تطبيقها فى كل العصور، من هنا يمكن اثبات ولاية الفقيه بدليلين هما:
اولا :عندما يتعذر تحقيق المصلحة بشكلها المثالى المطلوب، يجب حينئذاك احراز المرتبة الادنى من الحد المطلوب .و فى المسالة المعروضة امامنا حينما يحرم الناس من المصالح التى توفرها لهم حكومة الامام المعصوم يجب عليهم السعى لنيل المرتبة التالية لها.
اى يجب عليهم تبنى حكومة من هو اقرب الى الامام المعصوم .و هذا القرب يتبلور فى ثلاثة امور اصلية، هى:
ا ـ العلم باحكام الاسلام العامة، و تلك هى الفقاهة.
ب ـ الجدارة الروحية و الاخلاقية بحيث لا يقع تحت تاثير الاهواء النفسية و الترغيب
و الترهيب، و تلك هى التقوى.
ج ـ الكفاءة و القدرة على تدبير شوءون المجتمع، و هذا يستلزم توافر خصال فرعية من قبيل
الوعى السياسى و الاجتماعى ، و فهم القضايا الدولية، و الشجاعة فى التصدى للاعدا و المفسدين، و الحدس الصائب فى تحديد الاولويات و الشوءون الاكثر اهمية، و ما شابه ذلك.
اذن يجب ان يتصدى لزعامة المجتمع من تتوافر فيه هذه الشروط اكثر من غيره من الناس، و هو الذى يخلق الانسجام بين اركان الحكومة و يسوقها نحو الكمال المنشود. و تعيين مثل هذا الشخص يقع طبعا على عاتق ذوى الخبرة، كما هو الحال فى سائر جوانب الحياة الاجتماعية.
ثانيا :ان الولاية على اموال و اعراض و نفوس الناس من شان الله تعالى، و تتخذ صيغتها الشرعية بتنصيب و اذن منه .و نحن نوءمن انه منح هذه السلطة القانونية للرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم، و للائمة المعصومين عليهم السلام .و لكن عندما يحرم الناس من القائد المعصوم، فاما ان يكون البارى تعالى قد اذن للناس بالانصراف عن تطبيق الاحكام الاجتماعية للاسلام، او انه اجاز لاصلح الناس تطبيقها لكى لا يستلزم ذلك ترجيح المرجوح عليه و نقض الغرض المطلوب و ما هو مخالف للحكمة.
و نظر البطلان الفرض الاول، يثبت لدينا الفرض الثانى .اى اننا نستشف عن طريق العقل ان مثل هذا الاذن قد صدر من الله تعالى و من الاوليا المعصومين و ان لم يصلنا دليل نقلى واضح فى هذا الخصوص .و الفقيه الجامع للشرائط هو ذلك الفرد الاصلح الذى يعرف احكام الاسلام اكثر من غيره، و يتصف ايضا بضمانه اخلاقية اكثر من اجل تطبيق تلك الاحكام اكثر كفاءة من غيره فى ضمان مصالح المجتمع و تدبير شوءونه.
اذن نستشف شرعية ولايته عن طريق العقل، مثلما الحال فى الكثير من الاحكام الفقهية الاخرى و خاصة فى الشوءون الاجتماعية التى تثبت لدينا صحتها عن هذا الطريق (اى طريق الدليل العقلى.)
الادلة النقلية
و هى عبارة عن الروايات الدالة على ارجاع الامة الى الفقهاء للنظر فى متطلباتهم الحكومية وخاصة الشوءون القضائية و المنازعات، او تلك التى تسمى الفقهاء بصفة(( الامناء ))او(( الخلفاء)) او(( ورثة الانبياء )) و من بايديهم زمام الامور .و د انجزت بحوث و فيرة عن سندها و دلالتها يتسع المجال هنا للدخول فى تفاصيلها، و يمكن الرجوع الى الكتب و الرسائل المختصة فى هذا الحقل.
و من بين تلك الروايات مقبولة عمر بن حنظلة، و مشهورة ابى خديجة، و التوقيع الشريف للامام صاحب الزمان عجل الله فرجه، و هى ذات سند معتبر، و من غير المسوغ التشكيك فى سند امثال هذه الروايات التى تتسم بشهرة الراوية و الفتوى، و دلالتها واضحة على تنصيب الفقهاء كنواب عن الامام المقبوض اليد فى تصريف الامور .و ان لم تكن الحاجة لمثل هذا التنصيب فى زمن الغيبة اكثر، فهو لا يقل عنه.
اذن يثبت لدينا نصب الفقيه فى زمن الغيبة بدلالة (( الموافقة.)) كما ان احتمال تفويض تنصيب ولى الامر الى الناس فى زمن الغيبة لا يقوم عليه ادنى دليل كما انه يتنافى مع التوحيد فى الربوبية التشريعية، و لم يقل به اى فقيه شيعى ( الا فى الآونة الاخيره ) و لا حتى من باب الاحتمال.
و على اية حال تعتبر الروايات المار ذكرها موءيدات جيدة لتعضيد الادلة العقلية.
يتضح اذن فى ضوء هذا المبداء ان البيعة لا دور لها ابدا فى شرعية ولاية الفقيه، مثلما انها مجردة ايضا عن اى دور فى شرعية حكومة الامام المعصوم، و انما توفر بيعة الناس الارضية لانزال مبدا الولاية الى حيز التنفيذ، و لا عذر للحاكم الشرعى مع وجود البيعة للاعتزال عن تدبير شوءون المجتمع، و هو ما يشير اليه قول امير الموءمنين عليه السلام(( :لو لا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر())...1.)
و هنا يخطر سوءال مفاده :باية صورة حصل تنصيب الولى الفقيه من الله تعالى و من الامام المعصوم؟ و هل مقام الولاية لكل فقيه جامع للشرائط بالفعل؟ ام انها لفرد خاص دون غيره؟ ام لمجموع الفقهاء فى كل عصر؟
و للاجابة على هذه التساوءلات ينبغى القول :اذا كان المستند الاساسى هو الدليل العقلى، فمقتضاه واضح ;لان نصب الفقيه الافضل من حيث الكفاءة الادارية و مستلزماتها و من لديه القدرة على ادارة دفة شوءون جميع مسلمى العالم عبر تعيين الحكام و الولاة المحليين، اقرب الى المشروعالاصلى لحكومة الامام المعصوم، و هو اقدر على تحقيق الهدف الالهى القاضى بوحدة الامة الاسلامية و حكومة العدل العالمية .و لكن فيما لو انعدمت الظروف العالمية المناسبة لاقامة مثل هذه الدولة الواحدة .يجب النزول الى صيغ اخرى مع مراعاة الاقرب فالاقرب.
و لكن لو كان المستند الاصلى له هو الروايات ;فمع ان مقتضى اطلاقها يفيد ولاية كل فقيه جامع للشرائط، و لكن بما ان روايات اخرى اكدت على تقديم الاعلم، كالحديث النبوى المشهور(1 ) و صحيحة عيص بن قاسم، لهذا السبب نصل الى مفاد نفس تلك الادلة العقلية.
السوءال الآخر الذى يثار هنا هو :اذا لم يوجد الشخص الافضل فى جميع الجوانب، فما الذى ينبغى عمله؟
و جواب ذلك هو ان الافضل نسبيا يجب ان يتصدى لادا هذه المسوءولية .و على الناس القبول بولايته .و فروع هذه المسالة تتسع طبعا للكثير من البحث، و تتطلب بحثا مستانفا.
النتيجة
نعود هنا للاجابة عن الاسئلة و هى:
مفاد السوءال الاول هو:اذا كان بلد اسلامى واحد يحكمه نظام ولاية الفقيه، هل يجب على المسلمين الذين يعيشون فى بلدان غير اسلامية اطاعة او امره الحكومية ام لا (طبعا فيما اذا كانت اوامره تشملهم ايضا)؟
جواب هذا السوءال وفقا للمبدا الاول ( اى ثبوت الولاية بالتعيين او باذن الامام المعصوم)، واضح ; لانه على فرض احراز افضلية الفقيه المذكور للتصدى لمقام الولاية، ووفقا للادلة العقلية و النقلية يحق لمثل هذا الشخص الولاية على الناس، و يكون امره نافذا على كل مسلم و يجب عليه تنفيذه .اذن طاعته واجبة ايضا حتى على المسلمين المقيمين فى الدول غير الاسلامية.
اما فى ضو المبدا الثانى الذى ينص على توقف ولاية الفقيه على الانتخاب و البيعة فيمكن القول ان انتخاب اكثرية الامة او اكثرية اعضاء الشورى او اهل الحل و العقد يعتبر حجة على الآخرين ايضا .و هذا مما يقره العقل و ربما توءيده بعض الاقوال النقضية الواردة فى نهج البلاغة (3 )و التى تنظر بعين الاعتبار لبيعة المهاجرين و الانصار .و هذا يعنى ان طاعة الولى الفقية، وفقا لهذا المبدا، واجبة ايضا على المسلم المقيم فى البلاد غير الاسلامية، سوا بايع ام لم يبايع.
و لكن قد يقال ان هذا الانتخاب و هذه البيعة معناها تفويض الصلاحية من قبل المبايع للمبايع له ضمن اتفاق معين، و من هنا تجب طاعة الولى الفقيه على من بايعه فقط، و هى غير واجبة على المسلمين خارج تلك الدولة بل و لا على المسلمين الذين لم يبايعونه فى داخل تلك الدولة .الا ان حكم العقل ليس ثابتا و لا قاطعا فى مثل هذه المسالة .كما هو الحال فى الآراء الجدلية التى لا يراد من ورائها الا اقناع او الزام الخصم ليس الا.
اما السوءال الثانى فكان مفاده :اذا كانت هناك دولتان اسلاميتان، احداهما فقط تساس بنظام ولاية الفقيه، فهل طاعته واجبة على المسلمين الذين يعيشون فى دولة اخرى ام لا؟ و جواب هذا السوءال يجرى ايضا مجرى السوءال السابق مع فارق واحد هنا و هو امكان افتراض صورة نادرة اخرى و هى ان مسلمى البلد الآخر، اذا كانوا يرون حكومتهم ـ اجتهادا او تقليدا ـ شرعية و واجبة الطاعة( حتى و ان كانت تدار بنمط آخر يختلف عن ولاية الفقيه)، يكون واجبهم الظاهرى هنا طاعة حكومتهم، و ليس طاعة الولى الفقيه الذى يحكم فى بلد آخر.
و اما السوءال الثالث فهو:اذا اقام اهالى دولتين اسلاميتين او اكثر ولاية فقيه خاصة بهم فهل يعتبر حكم اى من الفقهاء الحاكمين نافذا من التانى، و سبب ذلك يعود الى:
اولا : يجب افتراض شرعية ولاية كلا الفقيهين( او الفقهاء )و حكم كل منهم واجب الطاعة فى بلده، كما سبق و ان اشرنا الى ان وجود بلدين اسلاميين مستقلين استقلالا تاما و لهما حكومتان شرعيتان يقبل فى حالة تعذر اقامة حكومة اسلامية واحدة، و اما اذا افترضنا ان ولايةاحد الفقهاء فقط شرعية و محرزة، فهذا نعود الى ما عرض فى المسالة السابقة.
ثانيا :يجب ان نفترض على ادنى تقدير ان حكم احد الفقهاء الحاكمين امرا عاما بحيث يشمل المسلمين المقيمن فى البلد الآخر الذى يتبع فقيها آخر، تكون لهذه المسالة ثلاثة احتمالات على الاقل ;لان الحاكم الآخر اما يوءيده، او ينقضه، او يسكت ازاه.
فاذا ايد الحاكم الآخر الحكم المذكور، فلا نقاش فى هذا الصدد لان هذا يعتبر بمنزلة اصدار حكم مشابه من قبله و يجب تنفيذه طبعا، و اما اذا نقضه ـ و لا بد ان يكون نقضا معتبرا طبعا يستند الى بطلان ملاك ذلك الحكم بشكل عام، او القول بعدم نفاذه على ابناء دولته ـ ففى هذه الحالة يكون للحكم المنقوض اى اعتبار عند اهالى دولته ،الا اذا او قن ان النقض الوارد لم يكن صحيحا اما اذا اختار الصمت ازا الحكم المذكور، تكون الحالة هنا وفقا للاصل الاول فى اعتبار ولاية الفقيه( حيث يكون التعيين من قبل الامام المعصوم .)اي تجب طاعته حتى على الفقهاء الآخرين.
مثلما ينفذ حكم احد القاضيين الشرعيين على القاضي الآخر و على نطاق الدائرة التي يقضي فيها.
و اما اذا نظرنا للمسالة فى ضوء الاصل الثانى فيجب القول حينها ان حكم كل فقيه نافذ على اهالى دولته فقط( بل و على من بايعه منهم فقط )و لا اعتبار له على الآخرين و لا مجال هنا للتمسك بدليل العقل.
و اما على فرض مبايعة المسلمين المقيمين فى بلد ما للفقيه الحاكم فى بلد آخر، فهذا يعتبر فى الحقيقة بمثابة انسلاخ من الانتما الى البلد الذى يقيمون فيه و اختيار الانتما الى البلد الذى بايعوا الولى الحاكم فيه، و لا تدخل هذه المسالة فى صلب موضوعنا هذا...
والسلام في البدء والختام
مقتبس
الهوامش
1 ـ نهج البلاغة، الخطبة الشقشقية.
2 ـ البرقى، المحاسن، عن رسول الله(ص)انه قال(( :من ام قوما و فيهم اعلم منه او افقه منه لم يزل
امرهم فى سفال الى يوم القيامة .))و ايضا راجع :نهج البلاغة، الخطبة 173 ;و وسائل الشيعة، ج1، ص35;
و تحف العقول، ص375 ، و كتاب سليم بن قيس، ص148.
3 ـ نهج البلاغة، الخطبة 173، و الرسالة 6 ;و شرح نهج البلاغة، لابن ابى الحديد، ج4، ص17