سلطان البرزخ
13-08-2011, 12:50 AM
سورة الفاتحة
(وفيها آيتان):
1ـ ((اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)) الآية: 6.
2ـ ((صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)) الآية: 7.
((اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ))
الفاتحة / 6
روى الحافظ الكبير، الحاكم الحسكاني الحذّاء (الحنفي) النيسابوري، من أعلام القرن الخامس الهجري، في كتابه (شواهد التنزيل، لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت):
قال: أخبرنا الحاكم الوالد أبو محمد عبد الله بن أحمد (بإسناده المذكور) عن أبي بريدة في قول الله:
((اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ))
قال: صراط محمد وآله.[1] (http://ebook/history/fatima/1.htm#_ftn1)
وروى هو أيضاً قال: أخبرنا عقيل بن الحسين القسوي (بإسناده المذكور) عن سفيان الثوري، عن أسباط ومجاهد، عن ابن عبّاس في قول الله تعالى:
((اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)).
قال: يقول: قولوا معاشر العباد اهدنا إلى حبِّ النبيّ وأهل بيته.[2] (http://ebook/history/fatima/1.htm#_ftn2)
(أقول) آل محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته. محورهم الصّديقة الكبرى فاطمة الزهراء، ولولاها لم يكن لعليّ زوج تليق بإنجاب الأئمّة الأطهار (عليهم الصلاة والسلام)، وقد ورد في حديث الكساء الشريف: (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) فهي المحور حتّى في الحديث القدسي.
((صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ))
الفاتحة/ 7
أخرج علاّمة الشافعية أبو بكر الحضرمي في كتابه (رشفة الصّادي) قال:
((اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ))
قال أبو العالية: هم آل رسول الله (صلى الله عليه وسلّم).[3] (http://ebook/history/fatima/1.htm#_ftn3)
(أقول) بما أنَّ سيّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) من ((آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كما سيأتي مكرراً منّا التنبيه على ذلك مشفوعاً بحشد من الأدلة المتكاثرة ـ صحّ عدّ هذه الآية الكريمة فيما نزل في شأنها، صلوات الله عليها من القرآن الحكيم.
ـ2ـ
سورة البقرة (وفيها إحدى عشرة آية)
1ـ ((وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ.. الخ)) الآية: 25
2ـ ((فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ)) الآية 37
3ـ ((وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) الآية: 57.
4ـ ((وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ)) الآية 58
5ـ ((وَإِذِ ابْتَلى إبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ)) الآية: 124
6ـ ((وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)) الآية: 143
7ـ ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)) الآية: 208
8ـ ((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ)) الآية: 253
9ـ ((فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى)) الآية: 256
10ـ ((يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ..)) الآية: 269
11ـ ((آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إليه مِنْ رَبِّهِ)) الآية: 285
((وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أن لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً
قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً
وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ))
البقرة / 25
أخرج علاّمة (الحنفيّة) الحافظ عبيد الله، المعروف بالحاكم الحسكاني (بسنده المذكور) عن ابن عبّاس قال:
ممّا نزل من القرآن خاصةً في رسول الله وعليٍّ وأهل بيته من سورة البقرة:
((وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا)) الآية.[1] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn1)
(أقول) حيث إنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي من أهل البيت، بإجماع المسلمين قاطبةً، كانت الآية الكريمة منطبقةً عليها، والاختصاص هنا معناه أكمل الأفراد، أو أوّل الأفراد، ولا ينافي ذلك عموم الآية لسائر المؤمنين.
((فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ))
البقرة/ 37
روى العلاّمة الحافظ ابن المغازلي (الشافعي) في مناقبه ـ بإسناده المذكور ـ عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عبّاس سأل النبي (صلى الله عليه وسلّم) عن الكمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه؟ قال(صلى الله عليه وسلّم): سأله بحقِّ محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلاّ ما تُبت عليَّ ((فَتابَ عَلَيْهِ))[2] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn2).
وأخرج نحواً منه علاّمة الشوافع السّيوطي في تفسيره[3] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn3) وآخرون أيضاً...
((وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ))
البقرة/ 57
روى الحافظ الحنفي سليمان القندوزي، بسنده عن أبي جعفر الباقر (رضي الله عنه) في تفسير هذه الآية:
((وَلكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)).
قال: فالله جلّ شأنُه، وعظُم سلطانُه، ودام كبرياؤه، أعزّ وأرفع وأقدس من أن يُعرض له ظلم، ولكن أدخل ذاته الأقدس فينا أهل البيت، فجعل ظلمنا ظلمه فقال: ((وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ))[4] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn4).
(أقول) المفهوم من هذا الحديث الشريف: إنّ من ظلموا فاطمة الزهراء (عليها السلام) فكأنّهم ظلموا الله (سبحانه وتعالى علوّاً كبيراً).
((وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ))
البقرة (58)
روى (الفقيه الشافعي) جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (السّيوطي) في تفسيره، عند قوله تعالى: ((وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ)).
قال: وأخرج ابن أبي شيبة عن عليّ قال:
((إنّما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح، وكـ: باب حِطّة)).[5] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn5)
نقل قريباً من ذلك الطبري في المسترشد ضمن خطبة لعليّ (عليه السلام)[6] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn6).
ونقله أيضاً النعماني، عن الموافق والمخالف.[7] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn7)
(أقول) في هذا الحديث الشريف ((مثلنا)) يعني: أهل البيت الشامل لسيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) باجماع عامّة مذاهب المسلمين.
((وَإِذِ ابْتَلى إبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ))
البقرة/ 124
روى الحافظ القندوزي (الحنفي) بإسناده عن المفضّل، قال: سألتُ جعفر الصادق (رضي الله عنه) عن قوله عزّ وجلّ:
((وَإِذِ ابْتَلى إبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ)) الآية.
قال: هي الكلمات التّي تلّقاها آدم من ربِّه فتاب عليه.
وهو أنّه قال: (يا ربِّ أسألك بحقّ محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين إلاّ تبت عليَّ)
((فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)).
فقلت له: يا بن رسول الله فما يعني بقوله:
((فَأَتَمَّهُنَّ))؟
قال: يعني: أتمّهُنَّ إلى القائم المهدي اثني عشر إماماً تسعة من الحسين.[8] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn8)
(أقول) معنى هذا الحديث الشريف ـ والعشرات من أمثاله المرويّة في كثير من المصادرـ:
إنّ فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) كانت إحدى الكلمات التي عناها القرآن الحكيم في هذه الآية المباركة، وأوجبت اختبار الله تعالى بهنَّ نبيّه العظيم إبراهيم الخليل (عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام).
((وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ))
البقرة/ 143
روى الحافظ الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد الصّوفي (بإسناده المذكور) عن سليم بن قيس، عن علي (كرّم الله وجهه) قال:
إنّ الله ايّانا عني بقوله تعالى:
((لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ)) فرسول الله شاهد علينا، ونحن شهداء على الناس، وحجّته في أرضه، ونحن الّذين قال الله جلّ اسمه:
((وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)).[9] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn9)
(أقول) قوله: (إيّانا) يعني: نحن أهل البيت ـ كما يدلُّ عليه نظائر كثيرة له في مختلف الكتب، وكتب الأحاديث ـ ومنهم سيّدتنا ومولاتنا، الصّديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام).
(ولا يخفى) أنّ تقديم ((لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ)) مع كونه متأخراً ذكره في القرآن، لعلّه من بعض الرواة، أو الكتاب الناقل عنهم.
ويمكن أن يكون ذلك في أصل الحديث، فالجهات البلاغيّة الموجبة لتأخير وتقديم الذكر، وتشويش اللفّ والنشر، وترتيبهُ كثيرة، وفي الأحاديث نظائر له غير عزيزة، يعرفها المتتّبع للموسوعات الحديثية.
((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً))
البقرة/ 208
روى العلاّمة البحراني، قال: روى الأصفهاني (يعني: أبا الفرج) الأموي في معنى الآية من عدّة طرق إلى عليّ أنّه قال:
(ولايتنا أهل البيت)[10] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn10).
(أقول) ضمير (نا) راجع إلى أهل البيت ـ الّذين ثبت بالأدلّة الأربعة وجوب ولايتهم ـ وأنّ بها تُقبل الأعمال وتُزّكى الأفعال، وسيّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) من أهل البيت، فتكون هذه الآية ممّا نزل بشأنها وبشأن بقيّة أهلها ـ أهل البيت ـ (عليهم السلام).
اذاً: فالسِلْم الذي أمر الله تعالى الناس بالدخول فيه هو الاعتراف بولاية عليٍّ والزهراء وأولادهما الأحد عشر، الأئمة الأطهار (عليهم جميعاً صلوات الله).
ولعلّ تفسير (السلم) بهم لكونهم السبب الوحيد للسلامة والأمن في الدنيا والآخرة.
((تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا
وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ))
البقرة/ 253
روى العلاّمة البحراني، عن ابن أبي الحديد ـ في شرح نهج البلاغة ـ بإسناده المذكور عن الأصبغ بن نباتة، قال: جاء رجل إلى عليٍّ فقال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء القوم الّذين نقاتلهم، الدعوة واحدة، والرسول واحد، والصلاة واحدة، والحجّ واحد، فمإذا نسمّيهم؟
فقال: سمّهم بما سمّاهم الله في كتابه.
قال: وما كلُّ ما في الكتاب أعلمه.
قال: أما سمعت الله تعالى يقول:
((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ)) إلى قوله ((وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ))
فلّما وقع الاختلاف، كنّا نحن أولى بالله، وبالكتاب، وبالنبيّ (صلى الله عليه) وبالحق، فنحن الّذين آمنوا، وهم الّذين كفروا، وشاء الله قتالهم، نقاتلهم بمشيئة الله وإرادته[11] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn11).
(أقول) إنّما ذكرنا هذه الآية، وهذا الحديث في هذا الكتاب (فاطمة الزهراء عليها السلام في القرآن) لأنّ ظاهر قوله (عليه السلام) (كنّا نحن...) أنّهم بما هم أهل بيت الرسول، وعترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) الشاملة لبقيّة أهل البيت وفي طليعتهم فاطمة الزهراء (عليها السلام).
فنفس الحكم جار في غضب الزهراء (عليها السلام) وسخطها، ـ وهي الحرب الباردة، لأنّ القتال موضوع عن النساء ـ على من غصبها حقّها، وابتزّها فدكاً، وأحرق عليها دارها، وكسر ضلعها عصراً بين الباب والحائط، وأسقط جنينها مُحسناً.
فالزهراء (عليها السلام) ومن والاها، هم الّذين آمنوا، ومن غصبها حقّها، وأسقط مُحسنها، وكسر ضلعها، ممّا أدّى إلى وفاتها، وهي في مُقتبل عمرها، وشهادتها وهي في ريعان شبابها، هم الّذين كفروا.
((فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى
لاَ انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))
البقرة/256
روى العلاّمة البحراني، عن أبي الحسن الفقيه محمد بن عليّ بن شاذان، في المناقب المائة من طريق العامّة، بحذف الإسناد عن ابن عبّاس قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) يقول ـ في حديث ـ:
(معاشر الناس اعلموا أنّ لله تعالى باباً، من دخله أمن من النّار، ومن الفزع الأكبر) فقام إليه أبو سعيد الخدري فقال: يا رسول الله (ص) اهدنا لهذا الباب حتّى نعرفه.
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (هو علي بن أبي طالب سيّد الوصيين، وأمير المؤمنين، وأخو رسول ربّ العالمين، وخليفة الله على النّاس أجمعين، معاشر الناس من أحبّ أن يتمسّك بالعروة الوثقى الّتي لا انفصام لها فليتمسّك بولاية علي بن أبي طالب، فولايته ولايتي، وطاعته طاعتي. (معاشر الناس) من أحبّ أن يعرف الحجة بعدي فليعرف عليّ بن أبي طالب (معاشر الناس) من سرّه ليقتدي بي، فعليه أن يتولى ولاية علي بن أبي طالب والأئمة من ذرّيتي، فإنهم خزان علمي)[12] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn12) الحديث.
(أقول) وحيث إنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) أحبّ أهل بيت النبيّ وذريته إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وهي أمّ الآئمة من ذريته، فيكون ولاؤها كولايتهم، ولاءً للرسول الأعظم، وتمسُّكاً بالعروة الوثقى، وتكون الآية ممّا أشار إلى فضلها ونزل في حقّها سلام الله عليها).
((يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ
فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً))
البقرة / 269
روى الحافظ القندوزي (الحنفي) قال: وفي مُسند أحمد (إمام الحنابلة) بسنده عن حميد بن عبد الله، قال: إنّه ذكر عند النبي (صلى الله عليه وسلّم) قضاء قضى به عليّ بن أبي طالب، فأعجب وقال (صلى الله عليه وسلّم):
(الحمد الله الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت)[13] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn13).
(أقول) حيث إنّ الحديث الشريف ذكر (أهل البيت) فهو مطلق، يشمل فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ولا ينافي ذلك تطبيق النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، لانطابقها على جميع أهل البيت جماعةً، ووحداناً.
((آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إليه مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ))
البقرة / 285
أخرج العالم الشافعي، محمد بن إبراهيم (الحمويني) بأسانيده المذكورة المتعدّدة، عن أبي سلمى داعي رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) قال:
ليلة أُسري بي إلى السماء قال لي الجليل جلّ جلالُه:
((آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إليه مِنْ رَبِّهِ)).
قلت: ((وَالْمُؤْمِنُونَ)).
قال: صدقت يا محمد.
قال: من خلفتَ في أمّتك؟
قلت: خيرَها.
قال: عليّ بن أبي طالب.
قلت: نعم يا ربّ.
قال: يا محمد إنّي اطّلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها، وشققت لك اسماً من أسمائي، فلا أُذكر في موضع إلاّ ذُكرت معي، فأنا المحمود، وأنت محمّد (ثم) اطّلعت الثانية فاخترت منها عليّاً، وشققت له اسماً من أسمائي، وأنا الأعلى وهو عليّ.
يا محمد: إنّي خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده، من شبح نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين.
يا محمد: لو أن عبداً من عبيدي عبدني حتّى يتقطّع أو يصير كالشنّ البالي، ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتّى يقرَّ بولايتكم.
يا محمد: أتحبّ أنْ تراهم؟
قلت: نعم.
فقال لي: التفت عن يمين العرش.
فالتفتُ، فإذا بعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والمهدي في ضحضاح من نور قياماً يصلّون وهو في وسطهم ـ يعني المهدي ـ كأنّه كوكبٌ دُريّ.
قال: يا محمد هؤلاء الحجج وهو القائد من عترتك، وعزّتي وجلالي إنّه الحجّة الواجبة لأوليائي، والمنتقم من أعدائي[14] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn14).
وأخرجه بتفاوت يسير في بعض الألفاظ عديد من الأعلام:
(مثل) الإمام أخطب خطباء خوارزم موفّق بن أحمد (الحنفي) في كتاب المقتل[15] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn15).
والحافظ الحنفي سليمان القندوزي في ينابيعه[16] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn16) وغيرهما.
(أقول) صريح هذا الحديث الشريف: أنّ علياً وفاطمة والأئمّة من ولدهما (عليهم السلام) هم في رأس القائمة التي أُنزلت على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وآمن بما أُنزل من ربّه.
فالآية الكريمة شاملة لربيبة الوحي والرسالة، فاطمة الزهراء (عليها السلام
(وفيها آيتان):
1ـ ((اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)) الآية: 6.
2ـ ((صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)) الآية: 7.
((اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ))
الفاتحة / 6
روى الحافظ الكبير، الحاكم الحسكاني الحذّاء (الحنفي) النيسابوري، من أعلام القرن الخامس الهجري، في كتابه (شواهد التنزيل، لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت):
قال: أخبرنا الحاكم الوالد أبو محمد عبد الله بن أحمد (بإسناده المذكور) عن أبي بريدة في قول الله:
((اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ))
قال: صراط محمد وآله.[1] (http://ebook/history/fatima/1.htm#_ftn1)
وروى هو أيضاً قال: أخبرنا عقيل بن الحسين القسوي (بإسناده المذكور) عن سفيان الثوري، عن أسباط ومجاهد، عن ابن عبّاس في قول الله تعالى:
((اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)).
قال: يقول: قولوا معاشر العباد اهدنا إلى حبِّ النبيّ وأهل بيته.[2] (http://ebook/history/fatima/1.htm#_ftn2)
(أقول) آل محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته. محورهم الصّديقة الكبرى فاطمة الزهراء، ولولاها لم يكن لعليّ زوج تليق بإنجاب الأئمّة الأطهار (عليهم الصلاة والسلام)، وقد ورد في حديث الكساء الشريف: (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) فهي المحور حتّى في الحديث القدسي.
((صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ))
الفاتحة/ 7
أخرج علاّمة الشافعية أبو بكر الحضرمي في كتابه (رشفة الصّادي) قال:
((اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ))
قال أبو العالية: هم آل رسول الله (صلى الله عليه وسلّم).[3] (http://ebook/history/fatima/1.htm#_ftn3)
(أقول) بما أنَّ سيّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) من ((آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كما سيأتي مكرراً منّا التنبيه على ذلك مشفوعاً بحشد من الأدلة المتكاثرة ـ صحّ عدّ هذه الآية الكريمة فيما نزل في شأنها، صلوات الله عليها من القرآن الحكيم.
ـ2ـ
سورة البقرة (وفيها إحدى عشرة آية)
1ـ ((وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ.. الخ)) الآية: 25
2ـ ((فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ)) الآية 37
3ـ ((وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) الآية: 57.
4ـ ((وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ)) الآية 58
5ـ ((وَإِذِ ابْتَلى إبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ)) الآية: 124
6ـ ((وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)) الآية: 143
7ـ ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)) الآية: 208
8ـ ((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ)) الآية: 253
9ـ ((فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى)) الآية: 256
10ـ ((يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ..)) الآية: 269
11ـ ((آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إليه مِنْ رَبِّهِ)) الآية: 285
((وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أن لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً
قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً
وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ))
البقرة / 25
أخرج علاّمة (الحنفيّة) الحافظ عبيد الله، المعروف بالحاكم الحسكاني (بسنده المذكور) عن ابن عبّاس قال:
ممّا نزل من القرآن خاصةً في رسول الله وعليٍّ وأهل بيته من سورة البقرة:
((وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا)) الآية.[1] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn1)
(أقول) حيث إنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي من أهل البيت، بإجماع المسلمين قاطبةً، كانت الآية الكريمة منطبقةً عليها، والاختصاص هنا معناه أكمل الأفراد، أو أوّل الأفراد، ولا ينافي ذلك عموم الآية لسائر المؤمنين.
((فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ))
البقرة/ 37
روى العلاّمة الحافظ ابن المغازلي (الشافعي) في مناقبه ـ بإسناده المذكور ـ عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عبّاس سأل النبي (صلى الله عليه وسلّم) عن الكمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه؟ قال(صلى الله عليه وسلّم): سأله بحقِّ محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلاّ ما تُبت عليَّ ((فَتابَ عَلَيْهِ))[2] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn2).
وأخرج نحواً منه علاّمة الشوافع السّيوطي في تفسيره[3] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn3) وآخرون أيضاً...
((وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ))
البقرة/ 57
روى الحافظ الحنفي سليمان القندوزي، بسنده عن أبي جعفر الباقر (رضي الله عنه) في تفسير هذه الآية:
((وَلكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)).
قال: فالله جلّ شأنُه، وعظُم سلطانُه، ودام كبرياؤه، أعزّ وأرفع وأقدس من أن يُعرض له ظلم، ولكن أدخل ذاته الأقدس فينا أهل البيت، فجعل ظلمنا ظلمه فقال: ((وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ))[4] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn4).
(أقول) المفهوم من هذا الحديث الشريف: إنّ من ظلموا فاطمة الزهراء (عليها السلام) فكأنّهم ظلموا الله (سبحانه وتعالى علوّاً كبيراً).
((وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ))
البقرة (58)
روى (الفقيه الشافعي) جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (السّيوطي) في تفسيره، عند قوله تعالى: ((وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ)).
قال: وأخرج ابن أبي شيبة عن عليّ قال:
((إنّما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح، وكـ: باب حِطّة)).[5] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn5)
نقل قريباً من ذلك الطبري في المسترشد ضمن خطبة لعليّ (عليه السلام)[6] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn6).
ونقله أيضاً النعماني، عن الموافق والمخالف.[7] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn7)
(أقول) في هذا الحديث الشريف ((مثلنا)) يعني: أهل البيت الشامل لسيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) باجماع عامّة مذاهب المسلمين.
((وَإِذِ ابْتَلى إبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ))
البقرة/ 124
روى الحافظ القندوزي (الحنفي) بإسناده عن المفضّل، قال: سألتُ جعفر الصادق (رضي الله عنه) عن قوله عزّ وجلّ:
((وَإِذِ ابْتَلى إبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ)) الآية.
قال: هي الكلمات التّي تلّقاها آدم من ربِّه فتاب عليه.
وهو أنّه قال: (يا ربِّ أسألك بحقّ محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين إلاّ تبت عليَّ)
((فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)).
فقلت له: يا بن رسول الله فما يعني بقوله:
((فَأَتَمَّهُنَّ))؟
قال: يعني: أتمّهُنَّ إلى القائم المهدي اثني عشر إماماً تسعة من الحسين.[8] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn8)
(أقول) معنى هذا الحديث الشريف ـ والعشرات من أمثاله المرويّة في كثير من المصادرـ:
إنّ فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) كانت إحدى الكلمات التي عناها القرآن الحكيم في هذه الآية المباركة، وأوجبت اختبار الله تعالى بهنَّ نبيّه العظيم إبراهيم الخليل (عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام).
((وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ))
البقرة/ 143
روى الحافظ الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد الصّوفي (بإسناده المذكور) عن سليم بن قيس، عن علي (كرّم الله وجهه) قال:
إنّ الله ايّانا عني بقوله تعالى:
((لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ)) فرسول الله شاهد علينا، ونحن شهداء على الناس، وحجّته في أرضه، ونحن الّذين قال الله جلّ اسمه:
((وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)).[9] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn9)
(أقول) قوله: (إيّانا) يعني: نحن أهل البيت ـ كما يدلُّ عليه نظائر كثيرة له في مختلف الكتب، وكتب الأحاديث ـ ومنهم سيّدتنا ومولاتنا، الصّديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام).
(ولا يخفى) أنّ تقديم ((لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ)) مع كونه متأخراً ذكره في القرآن، لعلّه من بعض الرواة، أو الكتاب الناقل عنهم.
ويمكن أن يكون ذلك في أصل الحديث، فالجهات البلاغيّة الموجبة لتأخير وتقديم الذكر، وتشويش اللفّ والنشر، وترتيبهُ كثيرة، وفي الأحاديث نظائر له غير عزيزة، يعرفها المتتّبع للموسوعات الحديثية.
((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً))
البقرة/ 208
روى العلاّمة البحراني، قال: روى الأصفهاني (يعني: أبا الفرج) الأموي في معنى الآية من عدّة طرق إلى عليّ أنّه قال:
(ولايتنا أهل البيت)[10] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn10).
(أقول) ضمير (نا) راجع إلى أهل البيت ـ الّذين ثبت بالأدلّة الأربعة وجوب ولايتهم ـ وأنّ بها تُقبل الأعمال وتُزّكى الأفعال، وسيّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) من أهل البيت، فتكون هذه الآية ممّا نزل بشأنها وبشأن بقيّة أهلها ـ أهل البيت ـ (عليهم السلام).
اذاً: فالسِلْم الذي أمر الله تعالى الناس بالدخول فيه هو الاعتراف بولاية عليٍّ والزهراء وأولادهما الأحد عشر، الأئمة الأطهار (عليهم جميعاً صلوات الله).
ولعلّ تفسير (السلم) بهم لكونهم السبب الوحيد للسلامة والأمن في الدنيا والآخرة.
((تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا
وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ))
البقرة/ 253
روى العلاّمة البحراني، عن ابن أبي الحديد ـ في شرح نهج البلاغة ـ بإسناده المذكور عن الأصبغ بن نباتة، قال: جاء رجل إلى عليٍّ فقال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء القوم الّذين نقاتلهم، الدعوة واحدة، والرسول واحد، والصلاة واحدة، والحجّ واحد، فمإذا نسمّيهم؟
فقال: سمّهم بما سمّاهم الله في كتابه.
قال: وما كلُّ ما في الكتاب أعلمه.
قال: أما سمعت الله تعالى يقول:
((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ)) إلى قوله ((وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ))
فلّما وقع الاختلاف، كنّا نحن أولى بالله، وبالكتاب، وبالنبيّ (صلى الله عليه) وبالحق، فنحن الّذين آمنوا، وهم الّذين كفروا، وشاء الله قتالهم، نقاتلهم بمشيئة الله وإرادته[11] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn11).
(أقول) إنّما ذكرنا هذه الآية، وهذا الحديث في هذا الكتاب (فاطمة الزهراء عليها السلام في القرآن) لأنّ ظاهر قوله (عليه السلام) (كنّا نحن...) أنّهم بما هم أهل بيت الرسول، وعترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) الشاملة لبقيّة أهل البيت وفي طليعتهم فاطمة الزهراء (عليها السلام).
فنفس الحكم جار في غضب الزهراء (عليها السلام) وسخطها، ـ وهي الحرب الباردة، لأنّ القتال موضوع عن النساء ـ على من غصبها حقّها، وابتزّها فدكاً، وأحرق عليها دارها، وكسر ضلعها عصراً بين الباب والحائط، وأسقط جنينها مُحسناً.
فالزهراء (عليها السلام) ومن والاها، هم الّذين آمنوا، ومن غصبها حقّها، وأسقط مُحسنها، وكسر ضلعها، ممّا أدّى إلى وفاتها، وهي في مُقتبل عمرها، وشهادتها وهي في ريعان شبابها، هم الّذين كفروا.
((فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى
لاَ انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))
البقرة/256
روى العلاّمة البحراني، عن أبي الحسن الفقيه محمد بن عليّ بن شاذان، في المناقب المائة من طريق العامّة، بحذف الإسناد عن ابن عبّاس قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) يقول ـ في حديث ـ:
(معاشر الناس اعلموا أنّ لله تعالى باباً، من دخله أمن من النّار، ومن الفزع الأكبر) فقام إليه أبو سعيد الخدري فقال: يا رسول الله (ص) اهدنا لهذا الباب حتّى نعرفه.
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (هو علي بن أبي طالب سيّد الوصيين، وأمير المؤمنين، وأخو رسول ربّ العالمين، وخليفة الله على النّاس أجمعين، معاشر الناس من أحبّ أن يتمسّك بالعروة الوثقى الّتي لا انفصام لها فليتمسّك بولاية علي بن أبي طالب، فولايته ولايتي، وطاعته طاعتي. (معاشر الناس) من أحبّ أن يعرف الحجة بعدي فليعرف عليّ بن أبي طالب (معاشر الناس) من سرّه ليقتدي بي، فعليه أن يتولى ولاية علي بن أبي طالب والأئمة من ذرّيتي، فإنهم خزان علمي)[12] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn12) الحديث.
(أقول) وحيث إنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) أحبّ أهل بيت النبيّ وذريته إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وهي أمّ الآئمة من ذريته، فيكون ولاؤها كولايتهم، ولاءً للرسول الأعظم، وتمسُّكاً بالعروة الوثقى، وتكون الآية ممّا أشار إلى فضلها ونزل في حقّها سلام الله عليها).
((يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ
فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً))
البقرة / 269
روى الحافظ القندوزي (الحنفي) قال: وفي مُسند أحمد (إمام الحنابلة) بسنده عن حميد بن عبد الله، قال: إنّه ذكر عند النبي (صلى الله عليه وسلّم) قضاء قضى به عليّ بن أبي طالب، فأعجب وقال (صلى الله عليه وسلّم):
(الحمد الله الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت)[13] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn13).
(أقول) حيث إنّ الحديث الشريف ذكر (أهل البيت) فهو مطلق، يشمل فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ولا ينافي ذلك تطبيق النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، لانطابقها على جميع أهل البيت جماعةً، ووحداناً.
((آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إليه مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ))
البقرة / 285
أخرج العالم الشافعي، محمد بن إبراهيم (الحمويني) بأسانيده المذكورة المتعدّدة، عن أبي سلمى داعي رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) قال:
ليلة أُسري بي إلى السماء قال لي الجليل جلّ جلالُه:
((آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إليه مِنْ رَبِّهِ)).
قلت: ((وَالْمُؤْمِنُونَ)).
قال: صدقت يا محمد.
قال: من خلفتَ في أمّتك؟
قلت: خيرَها.
قال: عليّ بن أبي طالب.
قلت: نعم يا ربّ.
قال: يا محمد إنّي اطّلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها، وشققت لك اسماً من أسمائي، فلا أُذكر في موضع إلاّ ذُكرت معي، فأنا المحمود، وأنت محمّد (ثم) اطّلعت الثانية فاخترت منها عليّاً، وشققت له اسماً من أسمائي، وأنا الأعلى وهو عليّ.
يا محمد: إنّي خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده، من شبح نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين.
يا محمد: لو أن عبداً من عبيدي عبدني حتّى يتقطّع أو يصير كالشنّ البالي، ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتّى يقرَّ بولايتكم.
يا محمد: أتحبّ أنْ تراهم؟
قلت: نعم.
فقال لي: التفت عن يمين العرش.
فالتفتُ، فإذا بعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والمهدي في ضحضاح من نور قياماً يصلّون وهو في وسطهم ـ يعني المهدي ـ كأنّه كوكبٌ دُريّ.
قال: يا محمد هؤلاء الحجج وهو القائد من عترتك، وعزّتي وجلالي إنّه الحجّة الواجبة لأوليائي، والمنتقم من أعدائي[14] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn14).
وأخرجه بتفاوت يسير في بعض الألفاظ عديد من الأعلام:
(مثل) الإمام أخطب خطباء خوارزم موفّق بن أحمد (الحنفي) في كتاب المقتل[15] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn15).
والحافظ الحنفي سليمان القندوزي في ينابيعه[16] (http://ebook/history/fatima/2.htm#_ftn16) وغيرهما.
(أقول) صريح هذا الحديث الشريف: أنّ علياً وفاطمة والأئمّة من ولدهما (عليهم السلام) هم في رأس القائمة التي أُنزلت على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وآمن بما أُنزل من ربّه.
فالآية الكريمة شاملة لربيبة الوحي والرسالة، فاطمة الزهراء (عليها السلام