ابوعلي العراقي
16-08-2011, 02:56 PM
عني الإسلام بالتربية والتعليم من أوّل حياة الإنسان إلى مَماتِه فالعناية بالطفل وإشعاره الحبّ والحنان والرعاية تبدأ من المهد. ورد عن الرسول (ص): «من وُلِدَ له مولودٌ فليؤذّن في أذنهِ اليمنى بأذان الصّلاة، وليقُم في أذنه اليسرى فانّ إقامتها عِصمة من الشيطان الرجيم».
وعندما وُلِدَ الحسن (ع) وأُتي بِهِ إلى جدّه رسول الله (ص) أذَّنَ في إذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى ليكون صوت الحق أول صوت يطرق سمعه.
قال الإمام الصادق (ع): «تجب للولد على والده ثلاث خِصال: اختياره لوالدته، وتحسين اسمه، والمبالغة في تأديبه».
قال الإمام علي بن الحسين (ع) داعياً ربّه لِوُلدِهِ: «وأعنّي على تربيتهم وبِرِّهم».
يولَد الطفل كالصفحة البيضاء قابلةً لأن يُكتَبَ عليها ما يشاءُ المربّي، قال الرّسول (ص): «ما مِن مولود يولد إلاّ على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه».
وقال الإمام علي (ع): «قلبُ الحَدِثِ كالأرضِ الخالية ما ألقيَ فيها من شيء إلاّ قبلَتهُ».
لذا تجبُ المبادرة إلى تعليم الطفل منذ صِغَرِه. وكان الرسول (ص) يعلِّمُ أمَّتَهَ ويهذِّبها بما تحتاجه في دنياها وآخرتها: حيث قال: «علّموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً وفرقوا بينهم في المضاجع». ومن مصاديق تهذيبه لأمته لتبلغ درجة الكمال قوله: «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق». ورويَ في مقام العمل ما من مسلم يغرسُ غرساً، أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلاّ كانت له به صدقة». و «إذا قامت على أحدكم القيامة وفي يده فَسلَة فليزرعها».
إنّ الله سبحانه وتعالى يوصينا بالتأهّب للمستقبل بقوله: (يا أ يّها الّذين آمنوا خذوا حِذرَكم) (النساء/ 71). وذلك بالتوقّي من كل مكروه. وإذا كان الإسلام وقائياً في مجال الطب الجسدي فانّه كذلك في المجالات الأخرى، فهو وقائي في مجال العقيدة، فاطمئنان القلوب ثمرة من ثمرات معرفة الله وذكره، والقلوب المتصلة بالله الذاكرة له لا تعرف القلق الّذي تعيشه المجتمعات غير الإسلامية والّذي أورثها الأمراض العصبية المختلفة ودفع بها في طريق الجريمة والانتحار والدرك الأسفل» وصدق الله حيث قال: (الّذين آمنوا وتطئمن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (الرعد / 28).
الجهادُ الأكبرُ: تربية النفس ومجاهدة نوازعها المنحرفة عن الحق. قال الرّسول (ص) لجمع مِن أصحابه عادوا من القتال مع عدوهم: «مرحباً بقوم قضوا الجهادَ الأصغرَ وبقي عليهم الجهادُ الأكبر. قيل يا رسول الله، ما الجهاد الأكبر ؟ قال: جهاد النفس، ثمّ قال (ص) أفضل الجهاد مَن جاهدَ نفسه»… وتربية الأسرة: (وأنذرْ عشيرتك الأقربين) (الشعراء / 214).
وتربية المجتمع: (فلولا نَفَرَ من كلِّ فِرقة طائفةٌ لِيَتَفَقَّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) (التوبة / 122).
يروي لنا جلال الدين السيوطي عن منهج الرّسول (ص): «يجب أن يُعْلَمَ أنَّ النبيّ (ص) بيّنَ لأصحابه معاني القرآن كما بيّن لهم ألفاظه فقوله تعالى: (لتبيِّنَ للنّاس ما نُزِّلَ إلَيهم). يتناول هذا وهذا..». ويروي عن الّذين كانوا يقرأون القرآن: «أ نّهم كانوا إذا تعلّموا من النّبي (ص) عشر آيات لم يتجاوزوها حتّى يعلموا ما فيها من العلم والعمل. قالوا فتعلّمنا القرآنَ والعمل جميعاً. ولهذا كانوا يبقون مدّةً في حفظ السورة».
لقد وضع المهتمون بالتربية أسساً لتربية الناشئة بتربية سليمة قويمة منها ما يلي:
إنَّ من أهم ما يجب الاهتمام به هو وضع الأسس الأولى والمبادئ الأساسية لبناء عقل الطفل وطريقة تفكيره، لتكون أساساً في تشكيل عقله، وتنظيم فكره وفق المنهج الإسلامي، وطريقة التفكير الحضاري في الإسلام.
فتعليمُه أنَّ لكلّ شيء سبباً ولكلِّ موجود غاية وقيمة في الوجود وأنَّ لهذا الشيء علاقة بغيره من الأشياء وأنَّ الإنسان يخطئ ويصحِّح خطأه، والعمل على تنظيم مبادئ القياس والاستنتاج في ذهنه وتفكيره.
وأنّ العقل هو القوة المدركة للمعرفة وأنّ الحِسَّ والتجربة والملاحظة العلمية هي من الأدوات الأساسيّة لجمع المعلومات والمعارف.... الخ وتدريسه مبادئ المنطق والرياضيات المنظّمة لتفكيره.
إنَّ تعليمه كل تلك الحقائق وغيرها عن طريق المنهج المدرسي أو القصص والممارسات وعرض تجارب الآخرين والتوعية وتفسير المشاهدات والملاحظات والتجارب تساهم مساهمة فعّالة في بناء المقدمات والأسس الّتي تنتج عقلاً إسلاميّاً وتفكيراً علميّاً منتجاً بعيداً عن الخرافة والتخلف والأساطير.
ومن المفيد أن نلخّص الأسس العامّة الّتي يتمّ على أساسها تشكيل العقل المسلم وهي:
1 ـ تركيز مبدأ السببيّة العامّة وتصحيح انطباقه على الوجود بأسره وعلى الطبيعة وما وراءَها.
2 ـ إنَّ الحِسَّ هو مصدر المعرفة وأنَّ العقل يمارس عمليّة الانتزاع والاستنتاج فيبني على أساس المعارف الحسيّة الأولية معارفَ كُلِّيَّة مجرَّدَة وبذا ينتزع القوانين ويحصل على العلوم والمعارف.
3 ـ إنَّ أدوات تحصيل المعارف هي الحواس والعقل «والتربية في جوهرها عملية بناء القيم والمبادئ، وتتمثّل في تشجيع التلاميذ برفق على الخلق الكريم واستعمال اللّوم والتوبيخ والعتاب برفق».
وبهذا الصَدد يقول أبو حامد الغزالي: «لا تكثر القَولَ عليه بالعتاب في كلّ حين فإنّه يهوِّن عليه سماع الملامة ركوبَ القبائح ويسقط ويقع الكلام في قلبه، وليكن الأب حافظاً هيبة الكلام معه فلا يوبِّخهُ إلاّ أحياناً، والأم تخوِّفه بالأب وتزجره عن القبائح».
ويوصي المفكّر الإسلامي محمّد الغزالي المؤمنين ورجالَ التربية لكي تكون العملية التربوية صحيحة وناجحة بما يلي:
لكي تكون العودة إلى الإسلام صحيحة فلابُدّ من أمور ثلاثة:
1 ـ هيمنة التربية الدينية على مراحل التعليم كُلِّها. 2 ـ ردّ جميع القوانين إلى الفقه الإسلامي وربطها ربطاً موثقاً بالشريعة الإسلامية. 3 ـ تحكيم الإسلام في التقاليد الاجتماعية السائدة ومحو ما يخالف الدين وإثبات ما يلائمه».
وفي كل الحالات الّتي يقومُ فيها المربّي بالإعداد [التربوي] القيادي يجب عليه أن يُراعي عِدَّة نقاط مهمّة مثل:
2 ـ زرع الثقة في نفس الطفل والناشئ ومكافأة الفائق في مجال عمله وعدم توجيه الإهانة إلى الطالب الفاشل عند الفشل أو إشعاره بالقصور والعجز بل تجب مناقشة الموضوع معه ليشعر بأهميّة شخصيّته ويكتشف في نفس الوقت خطأه كما يجب الاستمرار بتكليفه ليتعوّدُ الصبرَ والمثابرة.
3 ـ عدم تكليف الطفل أو الناشئ ببعض الأعمال الّتي تفوّق قدراته لئلاّ يواجه الفشل المتكرر ويفقد الثقة بنفسه.
4 ـ تنمية الروح القيادية لدى الطفل والناشئ والحذر من أن يقع في الغرور والتعالي نتيجة نجاحه أو شعوره بتفوُّقه بسبب ما يقوم به من أعمال لئلاّ تنشأ لديه عقدة الكبرياء والتعالي. هذا ما يجب تأكيده والاهتمام به في الأدوار الأولى من الحياة المدرسية».
كما نادت التربية الإسلامية بمراعاة الفروق الفرديّة بين التلاميذ. يقول سيد المرسلين (ص): «أمرنا أن نُكلِّمَ الناس على قَدَر عقولهم» فقد دَعت إلى التفرقة في أساليب وطرق التدريس للتلاميذ. يقول أبو حامد الغزالي: «إنّ أُولى واجبات المربّي أن يعلّم الطفل ما يسهل عليه فهمه لأن الموضوعات الصعبة تؤدي إلى إرباكه العقلي، وتنفِّرُهُ من العلم».
وهنالك توجيهات وتوصيات وضعها المربّون بخصوص الطلبة الّذين وصلوا المرحلة الإعدادية والجامعية لكي يُشادَ وفقها المنهج المستقبلي المناسب لوعي الطالب وإدراكه أهمها:
1 ـ العمل على إيجاد خط فكري عقائدي مُلتزم يقوم على أساس العقيدة والمفهوم الإسلاميّين وذلك عن طريق تكوين [خطّة عمل] واضحة المعالم.
2 ـ تنمية الروح القيادية عن طريق تنمية روح الاستقلال الحضاري والقضاء على روح التقليد والتبعيّة وذلك ببيان الدور القيادي الّذي قامت به امتنا في تأريخها البشري المشرق.
3 ـ إيضاح التحديات الّتي تواجهها الأمة الإسلامية وتنمية روح المواجهة بالاعتماد على النفس في دخول ميدان الحضارة أمة قائدة مؤهلة للعطاء والمشاركة.
4 ـ العمل على إزاحة التشويه القيادي لحضارتنا واقتلاع اليأس والشعور بالنقص الّذي دأب أعداء أمتنا على إيجاده وزرعه في ذهن الجيل ونفسه.
5 ـ بيان مواطن القوة وإمكانات النهوض الكثيرة الّتي تتمتّع بها أمتنا الإسلامية.
6 ـ القضاء على خرافة تفوّق من تفوّقَ من الأمم وتخلّف من تخلّفَ إلى الأبد بإيضاح الخط البياني لحركة التأريخ وسير صعود الأمم وهبوطها.
أهمّية التربية في بناء الفرد المسلم والمجتمع الصالح
إن التربية والتعليم من الموضوعات المهمّة الّتي تبني الأمم والأفراد وبهما تُمَنَّعُ الأجيال وتتطوّر الأمم. ولا ريب أنّ الأمة الإسلامية اليوم بحاجة إلى تنقيح أنظمتها التربوية ومناهجها الدراسية لربطها بتراثها الإسلامي الخالد وتعميق المفاهيم الإسلامية الّتي ينادي بها ديننا الحنيف حتّى تكون هذه الأمة هي خير أمة أخرجت للنّاس. والتربية لا تنشأ من فراغ وإنّما هي أساليب ينقل بها تراث الأمّة الخلاّق من الآباء إلى الأبناء وعن طريقها تتطوّر حضارة هذه الأُمّة، وتحقّق رسالتها في الحياة كما أرادها الله عزّ وجلّ.
وهناك هدف عام كبير لهذه التربية تندرج تحته أهداف جزئية كثيرة.. هذا الهدف هو: (تحقيق التقوى في النفوس بالخشية من الله ومراقبته عزّ وجلّ على أساس عقد الصلة الدائمة بين الإنسان وخالقه.. وبذلك يُصبح لحياة الإنسان معنى ولأعماله هدفاً فتسمو أخلاقه وتزكو نفسه ويصبح مؤهّلاً لخلافة الله في أرضه، ومتفاعلاً مع ظواهر الكون وميادين الحياة..).
أمّا الأهداف الجزئية الأخرى فمنها:
1 ـ بناء شخصية الإنسان المسلم السوي القادر على احتمال أمانة الإنسان المستخلَف في الأرض بالحق والقادر على التعرّف على الخير والشّر والعامل على إقامة المجتمع الربانيّ المصدر الإنسانيّ الطابع والملتزم بالإرادة الحرّة ذات المسؤولية الفرديّة والجزاء الأُخروي والملتزم بالسلوك الأخلاقي الّذي يطبع كلّ تصرّفاته في شتّى مجالات الحياة وفقاً لمبادئ الإسلام الحنيف المتوازن في نظرته إلى الحياة وفهمه لها.
2 ـ تربية الفرد المسلم المتكامل النمو (روحيّاً ـ انفعاليا ـ اجتماعياً ـ عقلياً ـ جسمياً) حتّى يكون قادراً على بناء مجتمعه وناصراً لدينه وجنديّاً من جنود الله في الأرض يعمل على تنفيذ أحكامه يرفع رايته في العالمين وحتّى يتحرّر من التمزّق والاضطراب، ويتحرر من النظرات الجزئية للحياة.
3 ـ تأصيل الشخصية الإسلامية وتأكيد ذاتيّتها وتمجيد مبادئها ردّاً على نظريات الإلحاد الّتي دنّست المناهج التعليميّة ودأبت على استصغار شأن المسلمين ودورهم الإنساني في التطور الحضاري».
وعندما وُلِدَ الحسن (ع) وأُتي بِهِ إلى جدّه رسول الله (ص) أذَّنَ في إذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى ليكون صوت الحق أول صوت يطرق سمعه.
قال الإمام الصادق (ع): «تجب للولد على والده ثلاث خِصال: اختياره لوالدته، وتحسين اسمه، والمبالغة في تأديبه».
قال الإمام علي بن الحسين (ع) داعياً ربّه لِوُلدِهِ: «وأعنّي على تربيتهم وبِرِّهم».
يولَد الطفل كالصفحة البيضاء قابلةً لأن يُكتَبَ عليها ما يشاءُ المربّي، قال الرّسول (ص): «ما مِن مولود يولد إلاّ على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه».
وقال الإمام علي (ع): «قلبُ الحَدِثِ كالأرضِ الخالية ما ألقيَ فيها من شيء إلاّ قبلَتهُ».
لذا تجبُ المبادرة إلى تعليم الطفل منذ صِغَرِه. وكان الرسول (ص) يعلِّمُ أمَّتَهَ ويهذِّبها بما تحتاجه في دنياها وآخرتها: حيث قال: «علّموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً وفرقوا بينهم في المضاجع». ومن مصاديق تهذيبه لأمته لتبلغ درجة الكمال قوله: «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق». ورويَ في مقام العمل ما من مسلم يغرسُ غرساً، أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلاّ كانت له به صدقة». و «إذا قامت على أحدكم القيامة وفي يده فَسلَة فليزرعها».
إنّ الله سبحانه وتعالى يوصينا بالتأهّب للمستقبل بقوله: (يا أ يّها الّذين آمنوا خذوا حِذرَكم) (النساء/ 71). وذلك بالتوقّي من كل مكروه. وإذا كان الإسلام وقائياً في مجال الطب الجسدي فانّه كذلك في المجالات الأخرى، فهو وقائي في مجال العقيدة، فاطمئنان القلوب ثمرة من ثمرات معرفة الله وذكره، والقلوب المتصلة بالله الذاكرة له لا تعرف القلق الّذي تعيشه المجتمعات غير الإسلامية والّذي أورثها الأمراض العصبية المختلفة ودفع بها في طريق الجريمة والانتحار والدرك الأسفل» وصدق الله حيث قال: (الّذين آمنوا وتطئمن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (الرعد / 28).
الجهادُ الأكبرُ: تربية النفس ومجاهدة نوازعها المنحرفة عن الحق. قال الرّسول (ص) لجمع مِن أصحابه عادوا من القتال مع عدوهم: «مرحباً بقوم قضوا الجهادَ الأصغرَ وبقي عليهم الجهادُ الأكبر. قيل يا رسول الله، ما الجهاد الأكبر ؟ قال: جهاد النفس، ثمّ قال (ص) أفضل الجهاد مَن جاهدَ نفسه»… وتربية الأسرة: (وأنذرْ عشيرتك الأقربين) (الشعراء / 214).
وتربية المجتمع: (فلولا نَفَرَ من كلِّ فِرقة طائفةٌ لِيَتَفَقَّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) (التوبة / 122).
يروي لنا جلال الدين السيوطي عن منهج الرّسول (ص): «يجب أن يُعْلَمَ أنَّ النبيّ (ص) بيّنَ لأصحابه معاني القرآن كما بيّن لهم ألفاظه فقوله تعالى: (لتبيِّنَ للنّاس ما نُزِّلَ إلَيهم). يتناول هذا وهذا..». ويروي عن الّذين كانوا يقرأون القرآن: «أ نّهم كانوا إذا تعلّموا من النّبي (ص) عشر آيات لم يتجاوزوها حتّى يعلموا ما فيها من العلم والعمل. قالوا فتعلّمنا القرآنَ والعمل جميعاً. ولهذا كانوا يبقون مدّةً في حفظ السورة».
لقد وضع المهتمون بالتربية أسساً لتربية الناشئة بتربية سليمة قويمة منها ما يلي:
إنَّ من أهم ما يجب الاهتمام به هو وضع الأسس الأولى والمبادئ الأساسية لبناء عقل الطفل وطريقة تفكيره، لتكون أساساً في تشكيل عقله، وتنظيم فكره وفق المنهج الإسلامي، وطريقة التفكير الحضاري في الإسلام.
فتعليمُه أنَّ لكلّ شيء سبباً ولكلِّ موجود غاية وقيمة في الوجود وأنَّ لهذا الشيء علاقة بغيره من الأشياء وأنَّ الإنسان يخطئ ويصحِّح خطأه، والعمل على تنظيم مبادئ القياس والاستنتاج في ذهنه وتفكيره.
وأنّ العقل هو القوة المدركة للمعرفة وأنّ الحِسَّ والتجربة والملاحظة العلمية هي من الأدوات الأساسيّة لجمع المعلومات والمعارف.... الخ وتدريسه مبادئ المنطق والرياضيات المنظّمة لتفكيره.
إنَّ تعليمه كل تلك الحقائق وغيرها عن طريق المنهج المدرسي أو القصص والممارسات وعرض تجارب الآخرين والتوعية وتفسير المشاهدات والملاحظات والتجارب تساهم مساهمة فعّالة في بناء المقدمات والأسس الّتي تنتج عقلاً إسلاميّاً وتفكيراً علميّاً منتجاً بعيداً عن الخرافة والتخلف والأساطير.
ومن المفيد أن نلخّص الأسس العامّة الّتي يتمّ على أساسها تشكيل العقل المسلم وهي:
1 ـ تركيز مبدأ السببيّة العامّة وتصحيح انطباقه على الوجود بأسره وعلى الطبيعة وما وراءَها.
2 ـ إنَّ الحِسَّ هو مصدر المعرفة وأنَّ العقل يمارس عمليّة الانتزاع والاستنتاج فيبني على أساس المعارف الحسيّة الأولية معارفَ كُلِّيَّة مجرَّدَة وبذا ينتزع القوانين ويحصل على العلوم والمعارف.
3 ـ إنَّ أدوات تحصيل المعارف هي الحواس والعقل «والتربية في جوهرها عملية بناء القيم والمبادئ، وتتمثّل في تشجيع التلاميذ برفق على الخلق الكريم واستعمال اللّوم والتوبيخ والعتاب برفق».
وبهذا الصَدد يقول أبو حامد الغزالي: «لا تكثر القَولَ عليه بالعتاب في كلّ حين فإنّه يهوِّن عليه سماع الملامة ركوبَ القبائح ويسقط ويقع الكلام في قلبه، وليكن الأب حافظاً هيبة الكلام معه فلا يوبِّخهُ إلاّ أحياناً، والأم تخوِّفه بالأب وتزجره عن القبائح».
ويوصي المفكّر الإسلامي محمّد الغزالي المؤمنين ورجالَ التربية لكي تكون العملية التربوية صحيحة وناجحة بما يلي:
لكي تكون العودة إلى الإسلام صحيحة فلابُدّ من أمور ثلاثة:
1 ـ هيمنة التربية الدينية على مراحل التعليم كُلِّها. 2 ـ ردّ جميع القوانين إلى الفقه الإسلامي وربطها ربطاً موثقاً بالشريعة الإسلامية. 3 ـ تحكيم الإسلام في التقاليد الاجتماعية السائدة ومحو ما يخالف الدين وإثبات ما يلائمه».
وفي كل الحالات الّتي يقومُ فيها المربّي بالإعداد [التربوي] القيادي يجب عليه أن يُراعي عِدَّة نقاط مهمّة مثل:
2 ـ زرع الثقة في نفس الطفل والناشئ ومكافأة الفائق في مجال عمله وعدم توجيه الإهانة إلى الطالب الفاشل عند الفشل أو إشعاره بالقصور والعجز بل تجب مناقشة الموضوع معه ليشعر بأهميّة شخصيّته ويكتشف في نفس الوقت خطأه كما يجب الاستمرار بتكليفه ليتعوّدُ الصبرَ والمثابرة.
3 ـ عدم تكليف الطفل أو الناشئ ببعض الأعمال الّتي تفوّق قدراته لئلاّ يواجه الفشل المتكرر ويفقد الثقة بنفسه.
4 ـ تنمية الروح القيادية لدى الطفل والناشئ والحذر من أن يقع في الغرور والتعالي نتيجة نجاحه أو شعوره بتفوُّقه بسبب ما يقوم به من أعمال لئلاّ تنشأ لديه عقدة الكبرياء والتعالي. هذا ما يجب تأكيده والاهتمام به في الأدوار الأولى من الحياة المدرسية».
كما نادت التربية الإسلامية بمراعاة الفروق الفرديّة بين التلاميذ. يقول سيد المرسلين (ص): «أمرنا أن نُكلِّمَ الناس على قَدَر عقولهم» فقد دَعت إلى التفرقة في أساليب وطرق التدريس للتلاميذ. يقول أبو حامد الغزالي: «إنّ أُولى واجبات المربّي أن يعلّم الطفل ما يسهل عليه فهمه لأن الموضوعات الصعبة تؤدي إلى إرباكه العقلي، وتنفِّرُهُ من العلم».
وهنالك توجيهات وتوصيات وضعها المربّون بخصوص الطلبة الّذين وصلوا المرحلة الإعدادية والجامعية لكي يُشادَ وفقها المنهج المستقبلي المناسب لوعي الطالب وإدراكه أهمها:
1 ـ العمل على إيجاد خط فكري عقائدي مُلتزم يقوم على أساس العقيدة والمفهوم الإسلاميّين وذلك عن طريق تكوين [خطّة عمل] واضحة المعالم.
2 ـ تنمية الروح القيادية عن طريق تنمية روح الاستقلال الحضاري والقضاء على روح التقليد والتبعيّة وذلك ببيان الدور القيادي الّذي قامت به امتنا في تأريخها البشري المشرق.
3 ـ إيضاح التحديات الّتي تواجهها الأمة الإسلامية وتنمية روح المواجهة بالاعتماد على النفس في دخول ميدان الحضارة أمة قائدة مؤهلة للعطاء والمشاركة.
4 ـ العمل على إزاحة التشويه القيادي لحضارتنا واقتلاع اليأس والشعور بالنقص الّذي دأب أعداء أمتنا على إيجاده وزرعه في ذهن الجيل ونفسه.
5 ـ بيان مواطن القوة وإمكانات النهوض الكثيرة الّتي تتمتّع بها أمتنا الإسلامية.
6 ـ القضاء على خرافة تفوّق من تفوّقَ من الأمم وتخلّف من تخلّفَ إلى الأبد بإيضاح الخط البياني لحركة التأريخ وسير صعود الأمم وهبوطها.
أهمّية التربية في بناء الفرد المسلم والمجتمع الصالح
إن التربية والتعليم من الموضوعات المهمّة الّتي تبني الأمم والأفراد وبهما تُمَنَّعُ الأجيال وتتطوّر الأمم. ولا ريب أنّ الأمة الإسلامية اليوم بحاجة إلى تنقيح أنظمتها التربوية ومناهجها الدراسية لربطها بتراثها الإسلامي الخالد وتعميق المفاهيم الإسلامية الّتي ينادي بها ديننا الحنيف حتّى تكون هذه الأمة هي خير أمة أخرجت للنّاس. والتربية لا تنشأ من فراغ وإنّما هي أساليب ينقل بها تراث الأمّة الخلاّق من الآباء إلى الأبناء وعن طريقها تتطوّر حضارة هذه الأُمّة، وتحقّق رسالتها في الحياة كما أرادها الله عزّ وجلّ.
وهناك هدف عام كبير لهذه التربية تندرج تحته أهداف جزئية كثيرة.. هذا الهدف هو: (تحقيق التقوى في النفوس بالخشية من الله ومراقبته عزّ وجلّ على أساس عقد الصلة الدائمة بين الإنسان وخالقه.. وبذلك يُصبح لحياة الإنسان معنى ولأعماله هدفاً فتسمو أخلاقه وتزكو نفسه ويصبح مؤهّلاً لخلافة الله في أرضه، ومتفاعلاً مع ظواهر الكون وميادين الحياة..).
أمّا الأهداف الجزئية الأخرى فمنها:
1 ـ بناء شخصية الإنسان المسلم السوي القادر على احتمال أمانة الإنسان المستخلَف في الأرض بالحق والقادر على التعرّف على الخير والشّر والعامل على إقامة المجتمع الربانيّ المصدر الإنسانيّ الطابع والملتزم بالإرادة الحرّة ذات المسؤولية الفرديّة والجزاء الأُخروي والملتزم بالسلوك الأخلاقي الّذي يطبع كلّ تصرّفاته في شتّى مجالات الحياة وفقاً لمبادئ الإسلام الحنيف المتوازن في نظرته إلى الحياة وفهمه لها.
2 ـ تربية الفرد المسلم المتكامل النمو (روحيّاً ـ انفعاليا ـ اجتماعياً ـ عقلياً ـ جسمياً) حتّى يكون قادراً على بناء مجتمعه وناصراً لدينه وجنديّاً من جنود الله في الأرض يعمل على تنفيذ أحكامه يرفع رايته في العالمين وحتّى يتحرّر من التمزّق والاضطراب، ويتحرر من النظرات الجزئية للحياة.
3 ـ تأصيل الشخصية الإسلامية وتأكيد ذاتيّتها وتمجيد مبادئها ردّاً على نظريات الإلحاد الّتي دنّست المناهج التعليميّة ودأبت على استصغار شأن المسلمين ودورهم الإنساني في التطور الحضاري».