سلطان البرزخ
16-08-2011, 05:25 PM
المؤيّدات لدعوى
تورُّط يزيد بدم الحسين (عليه السلام)
ونطرح في هذا البحث مؤيدات خمسة :
المؤيد الاول : شخصية يزيد الذاتية
إنَّ من له أدنى اطلاع على التاريخ لا يستبعد على يزيد ان يقدم على قتل الامام الحسين (عليه السلام) ، فلم يكن ليزيد أيُّ تحرج عن هتك حرمات الله جلَّ وعلا فقد ذكر المؤرخون انَّ يزيد كان مستهتراً يميل الى الطرب ويتعاطى الخمر ويلعب مع القرود والفهود .
ومن أجل ان نوثق لك ماذكرناه نذكر بعض النصوص المتصلة بذلك :
النص الاول : ماذكره المسعودي في مروج الذهب :
« وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب ... وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة واستعملت الملاهي واظهر الناس شرب الشراب ... »(104) .
النص الثاني : ماذكره الطبري وكذلك غيره :
« وبعث الى يزيد وفداً من أهل المدينة فيهم عبد الله بن حنظلة الغسيل الانصاري ... ورجالا من أشراف أهل المدينة فقدموا على يزيد بن معاوية فأكرمهم ... فلمَّا قدم اولئك النفر الوفد المدينة قاموا فيهم فأظهروا شتم يزيد وعتبه وقالوا إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين ويشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويُضرب عنده القيان ويلعب باالكلاب ويسامر الخراب والفتيان ، وإنا نشهد انا قد خلعناه فتابعهم الناس »(105) .
النص الثالث : ماذكره ابن الاثير في الكامل قال :
« وقال عمر بن سبيئة : حج يزيد في حياة أبيه ، فلمَّا بلغ المدينة جلس على شراب ... فقال يزيد :
ألا يصاح للعجب***دعوتك ذا ولم تجبِ
الى الفتيات والشهو***ات والصهباء والطربِ
وباطية مكللة***عليها سادة العربِ
وفيهن التي تبلت***فؤادك ثم لم تتبِ(106)
النص الرابع : مانقله ابن قتيبة في الامامة والسياسة قال : « وذكروا ان عتبة بن مسعود قال مرَّ بنا نعي معاوية بن ابي سفيان ونحن في المسجد الحرام قال فقمنا فأتينا ابن عباس ... قال فما برحنا حتى جاء رسول خالد فقال يقول لك الامير لابدَّ ان تأتينا ... قال فقلت له أتبايع ليزيد وهو يشرب الخمر ويلهو بالقيان ويستهتر بالفواحش قال ـ ابن عباس ـ مهْ وكم بعده آت ممن يشرب الخمر »(107) .
النص الخامس : ماذكره الطبري وكذلك ابن الاثير في الكامل : « لمَّا أراد معاوية أن يُبايع ليزيد كتب الى زياد يستشيره ، فبعث زياد الى عبيد الله بن كعب فقال ... انَّ أمير المؤمنين كتب اليَّ يزعم انَّه عزم على بيعة يزيد وهو يتخوَّف نفرة الناس ... ويزيد صاحب رسلة وتهاون مع ماقد أولع به من الصيد ، فالقَ أمير المؤمنين مؤدياً عني فاخبره عن فعلات يزيد ، فقال له : رويدك ... فقال عبيد ... وألقى انا يزيد سراً من معاوية فاخبره عنك ... وانَّك تخوَّف خلاف الناس لهنات ينقمونها عليه »(108) .
النص السادس : ماذكره ابن قتيبة في الامامة والسياسة عن الامام الحسين (عليه السلام) انَّه قال لمعاوية ابن ابي سفيان حينما دعاه للبيعة ليزيد بولاية العهد . قال الحسين (عليه السلام) « وهيهات هيهات يا معاوية : فضح الصبح فحمة الدجى وبهرت الشمس أنوار السرج ... وفهمت ماذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لامة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، تريد ان توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دلَّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه ، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش والحمام السبق لا ترابهن والقيان ذوات المعازف ، وضرب الملاهي تجده باصراً ودع عنك ما تحاول ... »(109) .
وقال الحسين (عليه السلام) لمعاوية في موضع آخر : « هذا الافك والزور ، يزيد شارب الخمر ومشتري اللهو ... »(110) .
النص السابع : ماذكره جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء « وكان سبب خلع أهل المدينة ان يزيد أسرف في المعاصي .
وأخرج الواقدي من طرق انَّ عبد الله بن حنظلة الغسيل قال : والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا ان نرمى بالحجارة من السماء انه رجل ينكح امهات الأولاد ، والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ويدع الصلاة .
قال الذهبي : ولما فعل يزيد باهل المدينة مافعل ـ مع شرب الخمر واتيانه المنكر ـ اشتد عليه الناس »(111) .
هذه بعض النصوص التي توثق ماذكرناه من انَّ يزيد كان جريئاً على هتك حرمات الله جلَّ وعلا ، ومن كان هذا دأبه لا يستبعد منه التورط بأيِّ موبقة مهما عظمت ، فقد وصفه أشراف أهل المدينة وعلى رأسهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة بأنه « لا دين له » .
ثم انَّ بعض النصوص التي ذكرناها تكشف عن انَّ أمر يزيد لم يكن مستوراً بل انَّ الناس كانت تعرف منه هذه الخصال ، وهذا ما يُعبِّر عن ان يزيد كان مستهتراً ومتجاهراً بالفسق .
http://ebook/books/sh-books/maktal/top-page.gif (http://ebook/books/sh-books/maktal/index.html#الفهرس)
المؤيد الثاني : وقعة الحرة
وهي من الوقائع الشهيرة التي حدثت في عهد يزيد بن معاوية ، وقد ذكرها كل المؤرخين وأجمعوا على انَّ أهل الشام قتلوا في هذه الواقعة جمعاً كبيراً من الصحابة ومن أبناء المهاجرين والانصار واستباحوا المدينة المنورة ثلاث أيام بايعاز من يزيد بن معاوية(112) .
وسبب هذه الواقعة هو انَّ أهل المدينة خلعوا يزيد بن معاوية(113)وعللوا ذلك بفسق يزيد وانَّه لا دين له وانَّه يشرب الخمر ويضرب عنده القيان .
وحتى نوثق ماذكرناه ننقل بعض مانص عليه المؤرخون في شأن هذه الواقعة :
النص الاول : ماذكره ابن الاثير في الكامل ، قال :
« كان أول وقعة الحرة ما تقدم من خلع يزيد ... فبعث الى مسلم بن عقبة المرِّي وهو الذي سمي مسرفاً وهو شيخ كبير مريض فاخبره الخبر ... أمر مسلماً بالمسير اليهم ، فنادى في الناس بالتجهز الى الحجاز وان يأخذوا عطاءهم ومعونة مائة دينار ، فانتدب لذلك اثنا عشر ألفاً ، وخرج يزيد يعرضهم وهو متقلِّد سيفاً ... وسار الجيش وعليهم مسلم ، فقال له يزيد ... ادع القوم ثلاثاً فإن أجابوك وإلا فقاتلهم ، فإذا ظهرت عليهم فابحها ثلاثاً ، فكلُّ مافيها من مال أو دابَّة أو سلاح أو طعام فهو للجند ، فإذا مضت الثلاثة فاكفف عن الناس ... وقال : ـ مسلم بن عقبة ـ يا أهل الشام قاتلوا ... وانهزم الناس ... وأباح مسلم المدينة ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال ، فافزع ذلك من بها من الصحابة ... ودعا مسلم الناس الى البيعة ليزيد على انهم خول له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء فمن امتنع قتله ... وكانت وقعة الحرة لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاثة وستين »(114) .
وذكر الطبري ما يقارب هذا النص(115) .
النص الثاني : ماذكره اليعقوبي : « فلمَّا انتهى الخبر الى يزيد بن معاوية وجه مسلم بن عقبة فاقدمه من فلسطين وهو مريض ـ ثم قص عليه القصة ، فقال يا أمير المؤمنين وجهني اليهم ، فو الله لأدعنَّ أسفلها اعلاها يعني مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فوجهه ... الى المدينة فأوقع بأهلها وقعة الحرة ... فلم يبق بها كثير أحد إلا قتل ، وأباح حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ولدت الابكار لا يُعرف من أولدهن ثم أخذ الناس ان يبايعوا على انهم عبيد يزيد بن معاوية ، فكان الرجل من قريش يؤتى به فيقال بايع آية انك عبد قِنٌ ليزيد ، فيقول : لا ، فيضرب عنقه »(116) .
النص الثالث : ماذكره ابن قتيبة في الامامة والسياسة :
« فلمَّا أجمع رأي يزيد على إرسال الجيوش ... فدعا مسلم بن عقبة ، فقال له : سر الى هذه المدينة بهذه الجيوش ... فإن صدوك أو قاتلوك فاقتل من ظفرت به منهم وانهبها ثلاثاً ، فقال مسلم بن عقبة ... لست بآخذ من كل ما عهدت إلا بحرفين ... أقبل من المقبل الطائع واقتل المدبر العاصي فقال يزيد ... فإذا قدمت المدينة فمن عاقك عن دخولها أو نصب لك الحرب فالسيف السيف أجهز على جريحهم وأقبل على مدبرهم وإياك ان تُبقي عليهم ... فمضت الجيوش ... وجعل مسلم يقول : من جاء برأس رجل فله كذا كذا ، وجعل يُغري قوماً لادين لهم ... فما تركوا في المنازل من أثاث ولا حُلي ولا فراش إلا نقض صوفه حتى الحمام والدجاج كانوا يذبحونها »(117) .
النص الرابع : ماذكره ابن قتيبة أيضاً « انه قتل يوم الحرة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانون رجلا ولم يبقَ بدري بعد ذلك ومن قريش والانصار سبع مئة ومن سائر الناس من الموالي والعرب والتابعين عشرة آلاف »(118) .
النص الخامس : ماذكره جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء :
« وفي سنة ثلاث وستين بلغه أنَّ أهل المدينة خرجوا عليه وخلعوه ، فأرسل اليهم جيشاً كثيفاً وأمرهم بقتالهم ثم المسير الى مكة لقتال ابن الزبير ، فجاءوا وكانت وقعة الحرة على باب طيبة ، وما أدراك ما وقعة الحرة ؟ ذكرها الحسن مرةً فقال : واللهِ ما كادَ ينجو منهم أحد ، قتل فيها خلق من الصحابة رضي الله عنهم ومن غيرهم ، ونهبت المدينة ، وافتضَّ فيها ألف عذْراء ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ; قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » رواه مسلم »(119) .
النص السادس : ماذكره ابن قتيبة : « انَّ مسلماً لما فرغ من قتال أهل المدينة ونهبها كتب الى يزيد سلام عليك يا أمير المؤمنين ... فما صليت الظهر .. الا في مسجدهم بعد القتل الذريع والانهاب العظيم ... وأتبعنا مدبرهم وأجهزنا على جريحهم وانهبناهم ثلاثاً كما قال أمير المؤمنين أعز الله نصره »(120) .
النص السابع : مانقله سبط بن الجوزي عن المدايني في كتاب الحرة عن الزهري قال : « كان القتلى يوم الحرة سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي ، وأما من لم يُعرف من عبد أو حر أو امرأة فعشرة آلاف ، وخاض الناس في الدماء حتى وصلت الدماء الى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وامتلأت الروضة والمسجد ، قال مجاهد : التجأ الناس الى حجرة رسول الله ومنبره والسيف يعمل فيهم ... وذكر المدايني عن أبي قرة قال : قال هشام بن حسان : ولدت الف امرأة بعد الحرة من غير زوج وغير المدايني يقول عشرة آلاف امرأة »(121) .
هذه بعض النصوص التي ذكرها المؤرخون في شأن واقعة الحرة ، ولولا خوف الإطالة لذكرنا لك الكثير من العظائم التي ارتكبت في تلك الواقعة .
وقد لاحظتم انَّ ذلك كان بأمر يزيد بن معاوية ، فهو الذي أمر مسلم بن عقبة بإباحة المدينة المنورة ثلاثة أيام ، وهو الذي أمر بالإجهاز على الجريح ومتابعة المدبر .
ومن كانت هذه جرءته على هتك حرمات الله جل وعلا كيف يُنتظر منه التحرُّج من قتل الحسين بن علي (عليه السلام) .
http://ebook/books/sh-books/maktal/top-page.gif (http://ebook/books/sh-books/maktal/index.html#الفهرس)
المؤيد الثالث : غزو مكة المكرمة
وهذا آخر حدث ختم به يزيد بن معاوية حياته المليئة بالفظائع وعظائم الامور ، فقد نص المؤرخون على انَّ يزيد بن معاوية أمر مسلم بن عقبة المرِّي بأن يغزو مكة بعد ان رفض عمرو بن سعيد الأشدق وكذلك عبيد الله بن زياد انجاز هذه المهمة(122) .
وبعد ان فرغ مسلم بن عقبة من غزو المدينة المنورة واباحتها ثلاثاً سار الى مكة إلا انَّه مات في الطريق وتولَّى القيام بهذه المهمة الحصين بن نمير ، فسار بالجند الى مكة المكرمة وحاصرها وضربها بالمنجنيق واحترق من جراء ذلك طرفاً من الكعبة الشريفة .
واليك بعض ما نص عليه المؤرخون في ذلك :
النص الأول : ماذكره ابن قتيبة في الامامة والسياسة « ... فقال يزيد : فسر على بركة الله ... إن حدث بك حدث فأمر الجيوش الى حصين بن نمير فانهض باسم الله الى الزبير واتخذ المدينة طريقاً .. »(123) .
النص الثاني : ماذكره ابن الاثير في الكامل « فلمَّا فرغ مسلم من قتال أهل المدينة ونهبها شخص بمن معه نحو مكة يُريد ابن الزبير ... فلما انتهى الى المشلل نزل به الموت ... فلما مات سار الحصين بالناس ، فقدم مكة ... ثم أقاموا يقاتلونه بقية المحرم وصفر حتى مضت ثلاثة أيام من شهر ربيع رموا البيت بالمجانيق وحرقوه بالنار ... وأقام الناس يحاصرون ابن الزبير ... »(124) .
وذكر الطبري نحواً من ذلك(125) .
النص الثالث : ماذكره ابن قتيبة في الامامة والسياسة :
« وأقبل ابن نمير حتى نزل مكة وأرسل خيلا فأخذت أسفلها ، ونصب عليها الحرادات والمجانيق ، وفرض على أصحابه عشرة آلاف صخرة في كلِّ يوم يرمونها بها »(126) .
النص الرابع : ماذكره اليعقوبي في تاريخه : « وقدم الحصين بن نمير مكة فناوش ابن الزبير الحرب في الحرم ورماه بالنيران حتى أحرق الكعبة »(127) .
النص الخامس : ماذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء قال : « قال الذهبي : ولمَّا فعل يزيد بأهل المدينة مافعل ... وسار جيش الحرة الى مكة لقتال ابن الزبير ... وأتو مكة ، فحاصروا ابن الزبير وقاتلوه ورموه بالمنجنيق ... واحترقت من شرارة نيرانهم أستار الكعبة وسقفها وقرنا الكبش الذي فَدَى الله به اسماعيل ، وكانا في السقف ... »(128) .
هذا بعض ماذكره المؤرخون في شأن غزو يزيد لمكة المكرمة واحراقه للكعبة و ضربها بالمنجنيق .
وتلاحظون انَّه ليس من مبرر لذلك سوى الحرص على استقرار سلطانه ، وهذا ما يُهوِّن العظيم ويبيح الدم الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام ، فليس على يزيد من حريجة في دينه بعد ان كان هذا مرامه !!!
وقد اعتذر عن ذلك بقوله « يا أهل الشام فإنَّ أهل المدينة أخرجوا قومنا ، والله لإنْ تقع الخضراء على الغبراء أحب اليَّ من ذلك »(129) !!!
http://ebook/books/sh-books/maktal/top-page.gif (http://ebook/books/sh-books/maktal/index.html#الفهرس)
المؤيد الرابع : سياسة يزيد العامة
ومن الشواهد المؤكدة على عدم تجافي يزيد بن معاوية عن قتل الحسين (عليه السلام) هي سياسته العامة التي انتهجها مع الرعية إبَّان خلافته ، فلم يكن من ولاته وقادة جنده إلا من هو معروف بالفسق والبطش ، وكان يأخذ على الظنة والتهمة ، ولقد قتل الأخيار والابرار ، وسمل العيون وصلب مناوئيه على جذوع النخل ، ولم يكن يتحرَّج عن هتك حرمة مهما عظمت في سبيل تشييد ملكه وسلطانه .
ومن كان هذا شأنه فلا يُنتظر من التوقف في قتل الحسين (عليه السلام) بعد ان كان وجوده يعني اضطراب سلطانه وانسلاب هيبته وهذا ما تنوء به نفوس الجبابرة .
وحتى نوثق ماذكرناه ننقل بعض كلمات المؤرخين المعبِّرة عن طبيعة السياسة التعسفية التي انتهجها يزيد في الرعية .
النص الأوّل : ماذكره المسعودي في مروج الذهب : « وغلب على أصحاب يزيد وعمَّاله ما كان يفعله من الفسوق »(130) ، وقال في موضع آخر : « ولمَّا شمل الناس جورُ يزيد وعماله وعمَّهم ظلمه ، وما ظهر من فسقه من قتله ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنصاره وما أظهر من شرب الخمور وسيره سيرة فرعون بل كان فرعون أعدل منه في رعيته وأنصف منه لخاصته وعامته ... »(131) .
النص الثاني : ماذكره الطبري « انَّ الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة فحمد الله وأثنا عليه ، ثم قال : أيها الناس إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال : « من رأى سلطاناً جائراً مستحلا لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنةِ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان ، فلم يُغيِّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله ان يُدخله مدخله » ألا وانَّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا ال حدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرَّموا حلاله ، وأنا أحق من غيَّر .. »(132) .
النص الثالث : ما نقله الطبري : « لمَّا زحفنا قِبَل الحسين خرج الينا زهير بن القين ... فقال يا أهل الكوفة ... انا ندعوكم الى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد ، فإنكم لا تدركون منهما إلا بسوء غمْرَ سلطانهما كله ليسملان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ، ويمثلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل ويقتلان أمثالكم وقراءكم أمثال حجر بن عدي وأصحابه وهانيء بن عروة وأشباهه »(133) .
النص الرابع : ماذكره ابن قتيبة في سياق استعراضه بعض أحداث واقعة الحرة : « ولزم أبو سعيد الخدري بيته فدخل عليه نفر من أهل الشام ، فقالوا : أيها الشيخ من أنت ؟ فقال : أنا أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقالوا : فبحظك أخذت في تركك قتالنا وكفِّك عنا ولزوم بيتك ، ولكن أخرج الينا ما عندك ، قال : والله ماعندي مال ، فنتفوا لحيته وضربوه ضربات ثم أخذوا كلَّ ما وجدوه في بيته حتى الصواع وحتى زوج حمام كان له »(134) .
http://ebook/books/sh-books/maktal/top-page.gif (http://ebook/books/sh-books/maktal/index.html#الفهرس)
المؤيد الخامس : بطانة يزيد
ومما يمكن ان تؤيد به الدعوى هي بطانة يزيد وأهل مشورته ورجالات دولته فقد كان أكثرهم مؤيداً لقتل الحسين (عليه السلام) ولما كان ينتهجه يزيد مع رعيته من جور وتعسّف ، وهذا ما تُعبِّر عنه أقوالهم وموافقهم .
وواضح انَّ ذلك يُساهم في إغراء يزيد ويشدُّ من عزمه ويجرءه على كل حريجه لو اتفق ان تلكأ عن اقتحامها أو تهيب من خوضها .
فقد لاحظتم انَّ مسلم بن عقبة المرِّي حينما أخبره يزيد بخلع أهل المدينة له قال ليزيد « والله لأدعن أسفلها أعلاها »(135) ، وقد فعل ثم كتب ليزيد « فما صليت الظهر إلا في مسجدهم بعد القتل الذريع والإنهاب العظيم .. واتبعنا مدبرهم وأجهزنا على جريحهم وأنهبناهم ثلاثاً كما قال أمير المؤمنين أعز الله نصره »(136) .
ولاحظتم انَّ مروان بن الحكم الحَّ على الوليد بقتل الحسين (عليه السلام) حينما يأبى البيعة وعدم امهاله في ذلك ثم وبّخه على تلكئه وقال له : « عصيتني ، والله لا يمكنك من مثلها أبداً ... »(137) ، وذكر بعض المؤرخين انَّه حينما جيء برأس الحسين (عليه السلام) الى المدينة المنوّرة أخذه مروان بن الحكم وتركه بين يديه وتناول أرنبة أنفه وقال :
يا حبذا بردك في اليدينِ***ولونك الاحمر في الخدينِ
والله لكأني أنظر الى أيام عثمان(138) .
وقد لاحظتم ما فعله وقاله عمرو بن سعيد الاشدق حينما سمع واعية الحسين (عليه السلام) في بيوتات بني هاشم ، فقد قال :
عجت نساء بني زياد عجة***كعجيج نسوتنا غداة الارنبِ
ثم قال واعية بواعية عثمان ، قال ذلك وهو ضاحك(139) ، ثم نصب رأس الحسين في المدينة كما نقل البلاذري في أنساب الاشراف(140) ، وقد لاحظتم انَّه جهد ان لا يخرج الحسين من مكة المكرمة وقال لجندة « اركبوا كلَّ بعير بين السماء والأرض »(141) ، ونقل بعض المؤرّخين انَّه راسل عبيدالله بن زياد في شأن خروج الحسين (عليه السلام) الى الكوفة وأغراه به وقال له « أحذر أن يفوتك »(142) .
وقد لاحظتم كيف صنع رجالات يزيد في الكوفة حينما رأوا تلكؤ النعمان بن بشير وتحرّجه من مواجهة الحسين (عليه السلام) فقد قال له بعضهم انَّه لا يُصلح ذلك إلا الغشم ثم كتبوا الى يزيد يسألونه ان يولي رجلا حازماً قوياً يصنع كصنيعة بعدوه ـ على حدِّ تعبير النص التاريخي ـ .
ورأيتم انَّ يزيد استشار في الأمر « سرجون »(143) وذكر المؤرّخون انَّه كان يستشيره ، وعرفتم انَّ رأي « سرجون » ومشورته هو رأي من كتب الى يزيد وأن القضية لا يُصلحها الا الغشم والحزم ، وليس من أحد مؤهّل لذلك ـ كما يرى سرجون ـ إلا ابن زياد ، فحداثة سنِّه وتاريخه في البطش وتاريخ أبيه وروحه المثقلة بالعقد الناشئة عن نسبه المجهول ، كل ذلك يؤهّله لهذا المنصب ولهذه المهمّة الصعبة .
كما لاحظتم ان يزيد حينما استشار بطانته في شأن علي بن الحسين (عليهما السلام) وعائلة الحسين (عليه السلام) قال له أحدهم : « لا يتّخذن من
كلب سوء جروا اقتل علي بن الحسين حتى لا يبقى من ذريّة الحسين
أحد »(144) .
ولاحظتم انَّ الخاطب حينما صعد المنبر ـ في مجلس يزيد وفي محضر عائلة الحسين ـ أكثر من الوقيعة في الحسين (عليه السلام) وفي علي بن ابي طالب(145) .
كل ذلك يُعبِّر عن واقع المشيئة الاموية ومن هو في فلكها ، فليكن ذلك مؤيداً للدعوى .
المصادر
(104) مروج الذهب ج3 / 77 ، ونقل سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص ان مما وجده في ديوان يزيد : / 261
« أشغلتني نغمة العيدان***عن صوت الأذانِ
وتعوضت عن الحور***خموراً في الدنانِ »
في تاريخ مدينة دمشق للحافظ ابي القاسم الشافعي قال : « بعث معاوية جيشاً الى الروم فنزلوا منزلا يقال له الفرقدونة فأصابهم بها الموت فكبر ذلك على معاوية ، فاطلع يوماً ابنه يزيد وهو يشرب وعنده قينة تغنيه :
أهون عليك بما تلقى جموعهم***بالفرقدونة من وعك ومن مومِ
اذا اتكأت على الأنماط مرتفعاً***بدير مران عندي ام كلثومِ
ج65/405 ـ 406 .
(105) تاريخ الطبري ج4 / 368 ، الكامل في التاريخ ج3 / 307 ، البداية والنهاية ج8/238 .
(106) الكامل في التاريخ ج3 / 317 / 318 ، تاريخ مدينة دمشق للحافظ ابي القاسم الشافعي ج65/406 ـ 407 ، مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر للإمام المعروف بابن منظور ج28/24 .
(107) الامامة والسياسة ج1 / 202 ـ 203 ، ونقل صاحب تذكرة الخواص عن ابن عقيل ان يزيد قال في قصيدة له / 260 ـ 261
عليَّة هاتي واعلني وترنمي***بذلك اني لا احب التناجيا
حديث ابي سفيان قدماً سمى بها***الى احد حتى أقام البواكيا
ألا هاتِ فاسقيني على ذاك قهوة***تخيرها العنسي كرماً شاميا
اذا مانظرنا في امور قديمة***وجدنا حلالا شربها متواليا
(108) تاريخ الطبري ج4 / 224 ـ 225 ، الكامل في التاريخ ج3 / 249 ـ 250 ، في سير أعلام النبلاء انَّ يزيد سكر يوماً فقام يرقص فسقط على رأسه فانشق ج4/38 .
(109) الامامة والسياسة ج1 / 186 ، ونقل ابن أعثم في كتاب الفتوح عن الحسين ما يقرب من هذا النص في غير هذا المورد ج5/18 ج4/241 .
(110) الامامة والسياسة ج1 / 189 .
(111) تاريخ الخلفاء للسيوطي / 209 ، قال ابن كثير في البداية والنهاية : « وكان فيه اقبال على الشهوات وترك بعض الصلوات في بعض الاوقات واماتتها في غالب الاوقات » ج8/252 ، وفي شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي الدمشقي انَّه « استفتي الكيا الهراس فيه ، فذكر فصلا واسعاً من مخازيه حتى نفدت الورقة ثم قال : لو مُددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل » ج1/278 ، والكيا الهراس هو علي بن محمد الطبري الملقّب بعماد الدين فقيه شافعي مفسِّر مات سنة 504 هـ .
(112) البداية والنهاية ج8 / 225 ، كتاب الفتوح ج5/292 ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي الدمشقي ج1/276 ـ 278 ، تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والأعلام أحداث 64 هـ / 25 .
(113) البداية والنهاية ج8/238 ، تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام أحداث 63 هـ / 20 ـ 21 ، تاريخ ابن الوردي ج1/233 ، كنز الدرر لابي بكر الدواداري ج4/110 ، مرآة الجنان ج1/111 .
(114) الكامل في التاريخ ج3 / 310 الى 315 ، كتاب الفتوح ج5/300 ـ 292 ، تاريخ ابن الوردي ج1/233 ، الاخبار الطوال 264 .
(115) تاريخ الطبري ج4 / 372 ، أنساب الاشراف للبلاذري القسم الرابع ج1/323 .
(116) تاريخ اليعقوبي ج2 / 250 ـ 251 ، ونقل ابن كثير في البداية والنهاية قال : « ووقعوا على النساء حتى قيل انه حبلت ألف امرأة في تلك الايام من غير زوج ، وقال المدائني عن ابي قرة قال هشام : فإنَّه ولدت ألف امرأة من المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج » ج8/242 ، وفي تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام قال : « نهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثاً وافتض فيها ألف عذراء » 64 هـ / 26 ، الاخبار الطوال 265 .
(117) الامامة والسياسة ج1 / 209 الى 213 ، كنز الدرر لابي بكر الدواداري ج4/114 .
(118) الامامة والسياسة ج1 / 216 ، نقل ابن كثير في البداية والنهاية عن الزهري قال : « القتلى يوم الحرة سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ووجوه الموالي وممن لا أعرف من حر وعبد عشرة آلاف » ج8/242 ، تاريخ ابن الوردي ج1/233 ، كنز الدرر لابي بكر الدواداري ج4/117 .
(119) تاريخ الخلفاء للسيوطي / 209 ، سير اعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي ج4/37 ـ 38 « افتتح يزيد دولته بمقتل الشهيد الحسين واختتمها بواقعة الحرة » .
(120) الأمامة والسياسة ج1 / 218 .
(121) تذكرة الخواص لسبط بن الجوي / 259 ـ 260 ولعل وجه الجمع بين الخبرين انَّ العشرة آلاف هم المجموع من العذارى وغيرهن ، ونقل هذا الخبر ابن كثير في البداية والنهاية ج8/242 ، نقل ابن كثير في البداية والنهاية ان مسلم بن عقبة « دعا الناس للبيعة عن انهم خول ليزيد ويحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء » ج8/243 ، وفي الاخبار الطوال بايع على انكم فيء لامير المؤمنين 265 ، ونقل الذهبي في تاريخ الاسلام ما يقرب من نص البداية والنهاية في أحداث 64 هـ / 29 ، تهذيب التهذيب ج2/316 ، راجع أخبار مكّة لابي الوليد الازرقي ج1/202 .
(122) تاريخ الطبري ج4 / 371 ، الكامل في التاريخ ج3 / 311 .
(123) الامامة والسياسة ج1 / 209 ، البداية والنهاية ج8/239 ، تهذيب التهذيب ج2/316 .
(124) الكامل في التاريخ ج3 / 316 ، البداية والنهاية ج8/246 .
(125) تاريخ الطبري ج4 / 381 ـ 382 ، تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والأعلام أحداث 64 هـ / 34 ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي الدمشقي ج1/287 ، ونقل ابن أعثم في كتاب الفتوح ما هذا نصّه : « فجعل يرمي مكّه رمياً متداركاً لا يفتر .. فلم يزل القوم يرمون المسجد الحرام والبيت بالنيران والحجارة » ج5/302 ، تاريخ ابن الوردي ج1/234 ، الاخبار الطوال 268 ، مرآة الجنان ج1/113 ، المنتظم ج6/22 .
(126) الامامة والسياسة ج2 / 12 ، تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والأعلام أحداث 64 هـ/ 34 ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي الدمشقي ج1/287 ، ونقل ابن أعثم في كتاب الفتوح ما هذا نصّه : « فجعل يرمي مكة رمياً متداركاً لا يفتر .. فلم يزل القوم يرمون المسجد الحرام والبيت بالنيران والحجارة » ج5/302 ، تاريخ ابن الوردي ج1/234 الاخبار الطوال 268 ، مرآة الجنان ج1/113 ، المنتظم ج6/22 .
(127) تاريخ اليعقوبي ج2 / 251 .
(128) تاريخ الخلفاء / 209 ، كنز الدرر لابي بكر الدواداري ج4/118 ، راجع أخبار مكّة لابي الوليد الأزرقي ج1 / 202 .
(129) الامامة والسياسة ج1 / 209 .
(130) مروج الذهب ج3 / 77 .
(131) مروج الذهب ج3 / 78 .
(132) تاريخ الطبري ج4 / 304 ، الكامل في التاريخ ج3 / 280 ، كتاب الفتوح ج5/114 .
(133) تاريخ الطبري ج4 / 324 ، الكامل في التاريخ ج3 / 288 ، البداية والنهاية ج8/195 .
(134) الامامة والسياسة ج1 / 213 ، تاريخ الاسلام ووفيات الاعلام أحداث 64 هـ / 27 ، الاخبار الطوال 269 « وانا قائم اصلِّي فطلبوا البيت فلم يجدوا فيه شيئاً فاحتملوني من مصلاي وضربوا بي الارض وأقبل كل رجل منهم على ما يليه من لحيتي فنتفه .. » ، كنز الدرر ج4/114 .
(135) تاريخ اليعقوبي ج2/250 ـ 251 .
(136) الامامة والسياسة ج1/218 .
(137) تاريخ الطبري ج4/251 ـ 252 ، الكامل في التاريخ ج3/264 ، البداية والنهاية ج8/175 ـ 185 ، كتاب الفتوح لابن أعثم ج5/18 ، الأخبار الطوال 228 ، مقتل الحسين للخوارزمي ج1/267 .
(138) تذكرة الخواص 239 ، انساب الاشراف ج3/417 ـ 418 .
(139) تاريخ الطبري ج4/357 ، الكامل في التاريخ ج3/300 ، البداية والنهاية ج8/224 ، أنساب الاشراف ج3/417 ، مقتل الحسين للخوارزمي ج2/84 .
(140) انساب الاشراف ج3/417 ـ 418 .
(141) الامامة والسياسة ج2/3 ، الكامل في التاريخ ج3/276 ، تاريخ الطبري ج4/289 .
(142) تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام للذهبي حوادث احدى وستين / 10 .
(143) تاريخ الطبري ج4/258 ، الكامل في التاريخ ج3/267 ـ 268 ، تهذيب التهذيب ج2/302 ، البداية والنهاية ج8/164 ، كتاب الفتوح ج5/61 ، الاخبار الطوال 321 ، كنز الدرر ج4/85 ، مقتل الحسين للخوارزمي ج1/288 .
(144) البداية والنهاية ج8/213 ، مقتل الحسين للخوارزمي ج2/74 .
(145) كتاب الفتوح لابن أعثم ج5/247
تورُّط يزيد بدم الحسين (عليه السلام)
ونطرح في هذا البحث مؤيدات خمسة :
المؤيد الاول : شخصية يزيد الذاتية
إنَّ من له أدنى اطلاع على التاريخ لا يستبعد على يزيد ان يقدم على قتل الامام الحسين (عليه السلام) ، فلم يكن ليزيد أيُّ تحرج عن هتك حرمات الله جلَّ وعلا فقد ذكر المؤرخون انَّ يزيد كان مستهتراً يميل الى الطرب ويتعاطى الخمر ويلعب مع القرود والفهود .
ومن أجل ان نوثق لك ماذكرناه نذكر بعض النصوص المتصلة بذلك :
النص الاول : ماذكره المسعودي في مروج الذهب :
« وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب ... وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة واستعملت الملاهي واظهر الناس شرب الشراب ... »(104) .
النص الثاني : ماذكره الطبري وكذلك غيره :
« وبعث الى يزيد وفداً من أهل المدينة فيهم عبد الله بن حنظلة الغسيل الانصاري ... ورجالا من أشراف أهل المدينة فقدموا على يزيد بن معاوية فأكرمهم ... فلمَّا قدم اولئك النفر الوفد المدينة قاموا فيهم فأظهروا شتم يزيد وعتبه وقالوا إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين ويشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويُضرب عنده القيان ويلعب باالكلاب ويسامر الخراب والفتيان ، وإنا نشهد انا قد خلعناه فتابعهم الناس »(105) .
النص الثالث : ماذكره ابن الاثير في الكامل قال :
« وقال عمر بن سبيئة : حج يزيد في حياة أبيه ، فلمَّا بلغ المدينة جلس على شراب ... فقال يزيد :
ألا يصاح للعجب***دعوتك ذا ولم تجبِ
الى الفتيات والشهو***ات والصهباء والطربِ
وباطية مكللة***عليها سادة العربِ
وفيهن التي تبلت***فؤادك ثم لم تتبِ(106)
النص الرابع : مانقله ابن قتيبة في الامامة والسياسة قال : « وذكروا ان عتبة بن مسعود قال مرَّ بنا نعي معاوية بن ابي سفيان ونحن في المسجد الحرام قال فقمنا فأتينا ابن عباس ... قال فما برحنا حتى جاء رسول خالد فقال يقول لك الامير لابدَّ ان تأتينا ... قال فقلت له أتبايع ليزيد وهو يشرب الخمر ويلهو بالقيان ويستهتر بالفواحش قال ـ ابن عباس ـ مهْ وكم بعده آت ممن يشرب الخمر »(107) .
النص الخامس : ماذكره الطبري وكذلك ابن الاثير في الكامل : « لمَّا أراد معاوية أن يُبايع ليزيد كتب الى زياد يستشيره ، فبعث زياد الى عبيد الله بن كعب فقال ... انَّ أمير المؤمنين كتب اليَّ يزعم انَّه عزم على بيعة يزيد وهو يتخوَّف نفرة الناس ... ويزيد صاحب رسلة وتهاون مع ماقد أولع به من الصيد ، فالقَ أمير المؤمنين مؤدياً عني فاخبره عن فعلات يزيد ، فقال له : رويدك ... فقال عبيد ... وألقى انا يزيد سراً من معاوية فاخبره عنك ... وانَّك تخوَّف خلاف الناس لهنات ينقمونها عليه »(108) .
النص السادس : ماذكره ابن قتيبة في الامامة والسياسة عن الامام الحسين (عليه السلام) انَّه قال لمعاوية ابن ابي سفيان حينما دعاه للبيعة ليزيد بولاية العهد . قال الحسين (عليه السلام) « وهيهات هيهات يا معاوية : فضح الصبح فحمة الدجى وبهرت الشمس أنوار السرج ... وفهمت ماذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لامة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، تريد ان توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دلَّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه ، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش والحمام السبق لا ترابهن والقيان ذوات المعازف ، وضرب الملاهي تجده باصراً ودع عنك ما تحاول ... »(109) .
وقال الحسين (عليه السلام) لمعاوية في موضع آخر : « هذا الافك والزور ، يزيد شارب الخمر ومشتري اللهو ... »(110) .
النص السابع : ماذكره جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء « وكان سبب خلع أهل المدينة ان يزيد أسرف في المعاصي .
وأخرج الواقدي من طرق انَّ عبد الله بن حنظلة الغسيل قال : والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا ان نرمى بالحجارة من السماء انه رجل ينكح امهات الأولاد ، والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ويدع الصلاة .
قال الذهبي : ولما فعل يزيد باهل المدينة مافعل ـ مع شرب الخمر واتيانه المنكر ـ اشتد عليه الناس »(111) .
هذه بعض النصوص التي توثق ماذكرناه من انَّ يزيد كان جريئاً على هتك حرمات الله جلَّ وعلا ، ومن كان هذا دأبه لا يستبعد منه التورط بأيِّ موبقة مهما عظمت ، فقد وصفه أشراف أهل المدينة وعلى رأسهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة بأنه « لا دين له » .
ثم انَّ بعض النصوص التي ذكرناها تكشف عن انَّ أمر يزيد لم يكن مستوراً بل انَّ الناس كانت تعرف منه هذه الخصال ، وهذا ما يُعبِّر عن ان يزيد كان مستهتراً ومتجاهراً بالفسق .
http://ebook/books/sh-books/maktal/top-page.gif (http://ebook/books/sh-books/maktal/index.html#الفهرس)
المؤيد الثاني : وقعة الحرة
وهي من الوقائع الشهيرة التي حدثت في عهد يزيد بن معاوية ، وقد ذكرها كل المؤرخين وأجمعوا على انَّ أهل الشام قتلوا في هذه الواقعة جمعاً كبيراً من الصحابة ومن أبناء المهاجرين والانصار واستباحوا المدينة المنورة ثلاث أيام بايعاز من يزيد بن معاوية(112) .
وسبب هذه الواقعة هو انَّ أهل المدينة خلعوا يزيد بن معاوية(113)وعللوا ذلك بفسق يزيد وانَّه لا دين له وانَّه يشرب الخمر ويضرب عنده القيان .
وحتى نوثق ماذكرناه ننقل بعض مانص عليه المؤرخون في شأن هذه الواقعة :
النص الاول : ماذكره ابن الاثير في الكامل ، قال :
« كان أول وقعة الحرة ما تقدم من خلع يزيد ... فبعث الى مسلم بن عقبة المرِّي وهو الذي سمي مسرفاً وهو شيخ كبير مريض فاخبره الخبر ... أمر مسلماً بالمسير اليهم ، فنادى في الناس بالتجهز الى الحجاز وان يأخذوا عطاءهم ومعونة مائة دينار ، فانتدب لذلك اثنا عشر ألفاً ، وخرج يزيد يعرضهم وهو متقلِّد سيفاً ... وسار الجيش وعليهم مسلم ، فقال له يزيد ... ادع القوم ثلاثاً فإن أجابوك وإلا فقاتلهم ، فإذا ظهرت عليهم فابحها ثلاثاً ، فكلُّ مافيها من مال أو دابَّة أو سلاح أو طعام فهو للجند ، فإذا مضت الثلاثة فاكفف عن الناس ... وقال : ـ مسلم بن عقبة ـ يا أهل الشام قاتلوا ... وانهزم الناس ... وأباح مسلم المدينة ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال ، فافزع ذلك من بها من الصحابة ... ودعا مسلم الناس الى البيعة ليزيد على انهم خول له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء فمن امتنع قتله ... وكانت وقعة الحرة لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاثة وستين »(114) .
وذكر الطبري ما يقارب هذا النص(115) .
النص الثاني : ماذكره اليعقوبي : « فلمَّا انتهى الخبر الى يزيد بن معاوية وجه مسلم بن عقبة فاقدمه من فلسطين وهو مريض ـ ثم قص عليه القصة ، فقال يا أمير المؤمنين وجهني اليهم ، فو الله لأدعنَّ أسفلها اعلاها يعني مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فوجهه ... الى المدينة فأوقع بأهلها وقعة الحرة ... فلم يبق بها كثير أحد إلا قتل ، وأباح حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ولدت الابكار لا يُعرف من أولدهن ثم أخذ الناس ان يبايعوا على انهم عبيد يزيد بن معاوية ، فكان الرجل من قريش يؤتى به فيقال بايع آية انك عبد قِنٌ ليزيد ، فيقول : لا ، فيضرب عنقه »(116) .
النص الثالث : ماذكره ابن قتيبة في الامامة والسياسة :
« فلمَّا أجمع رأي يزيد على إرسال الجيوش ... فدعا مسلم بن عقبة ، فقال له : سر الى هذه المدينة بهذه الجيوش ... فإن صدوك أو قاتلوك فاقتل من ظفرت به منهم وانهبها ثلاثاً ، فقال مسلم بن عقبة ... لست بآخذ من كل ما عهدت إلا بحرفين ... أقبل من المقبل الطائع واقتل المدبر العاصي فقال يزيد ... فإذا قدمت المدينة فمن عاقك عن دخولها أو نصب لك الحرب فالسيف السيف أجهز على جريحهم وأقبل على مدبرهم وإياك ان تُبقي عليهم ... فمضت الجيوش ... وجعل مسلم يقول : من جاء برأس رجل فله كذا كذا ، وجعل يُغري قوماً لادين لهم ... فما تركوا في المنازل من أثاث ولا حُلي ولا فراش إلا نقض صوفه حتى الحمام والدجاج كانوا يذبحونها »(117) .
النص الرابع : ماذكره ابن قتيبة أيضاً « انه قتل يوم الحرة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانون رجلا ولم يبقَ بدري بعد ذلك ومن قريش والانصار سبع مئة ومن سائر الناس من الموالي والعرب والتابعين عشرة آلاف »(118) .
النص الخامس : ماذكره جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء :
« وفي سنة ثلاث وستين بلغه أنَّ أهل المدينة خرجوا عليه وخلعوه ، فأرسل اليهم جيشاً كثيفاً وأمرهم بقتالهم ثم المسير الى مكة لقتال ابن الزبير ، فجاءوا وكانت وقعة الحرة على باب طيبة ، وما أدراك ما وقعة الحرة ؟ ذكرها الحسن مرةً فقال : واللهِ ما كادَ ينجو منهم أحد ، قتل فيها خلق من الصحابة رضي الله عنهم ومن غيرهم ، ونهبت المدينة ، وافتضَّ فيها ألف عذْراء ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ; قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » رواه مسلم »(119) .
النص السادس : ماذكره ابن قتيبة : « انَّ مسلماً لما فرغ من قتال أهل المدينة ونهبها كتب الى يزيد سلام عليك يا أمير المؤمنين ... فما صليت الظهر .. الا في مسجدهم بعد القتل الذريع والانهاب العظيم ... وأتبعنا مدبرهم وأجهزنا على جريحهم وانهبناهم ثلاثاً كما قال أمير المؤمنين أعز الله نصره »(120) .
النص السابع : مانقله سبط بن الجوزي عن المدايني في كتاب الحرة عن الزهري قال : « كان القتلى يوم الحرة سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي ، وأما من لم يُعرف من عبد أو حر أو امرأة فعشرة آلاف ، وخاض الناس في الدماء حتى وصلت الدماء الى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وامتلأت الروضة والمسجد ، قال مجاهد : التجأ الناس الى حجرة رسول الله ومنبره والسيف يعمل فيهم ... وذكر المدايني عن أبي قرة قال : قال هشام بن حسان : ولدت الف امرأة بعد الحرة من غير زوج وغير المدايني يقول عشرة آلاف امرأة »(121) .
هذه بعض النصوص التي ذكرها المؤرخون في شأن واقعة الحرة ، ولولا خوف الإطالة لذكرنا لك الكثير من العظائم التي ارتكبت في تلك الواقعة .
وقد لاحظتم انَّ ذلك كان بأمر يزيد بن معاوية ، فهو الذي أمر مسلم بن عقبة بإباحة المدينة المنورة ثلاثة أيام ، وهو الذي أمر بالإجهاز على الجريح ومتابعة المدبر .
ومن كانت هذه جرءته على هتك حرمات الله جل وعلا كيف يُنتظر منه التحرُّج من قتل الحسين بن علي (عليه السلام) .
http://ebook/books/sh-books/maktal/top-page.gif (http://ebook/books/sh-books/maktal/index.html#الفهرس)
المؤيد الثالث : غزو مكة المكرمة
وهذا آخر حدث ختم به يزيد بن معاوية حياته المليئة بالفظائع وعظائم الامور ، فقد نص المؤرخون على انَّ يزيد بن معاوية أمر مسلم بن عقبة المرِّي بأن يغزو مكة بعد ان رفض عمرو بن سعيد الأشدق وكذلك عبيد الله بن زياد انجاز هذه المهمة(122) .
وبعد ان فرغ مسلم بن عقبة من غزو المدينة المنورة واباحتها ثلاثاً سار الى مكة إلا انَّه مات في الطريق وتولَّى القيام بهذه المهمة الحصين بن نمير ، فسار بالجند الى مكة المكرمة وحاصرها وضربها بالمنجنيق واحترق من جراء ذلك طرفاً من الكعبة الشريفة .
واليك بعض ما نص عليه المؤرخون في ذلك :
النص الأول : ماذكره ابن قتيبة في الامامة والسياسة « ... فقال يزيد : فسر على بركة الله ... إن حدث بك حدث فأمر الجيوش الى حصين بن نمير فانهض باسم الله الى الزبير واتخذ المدينة طريقاً .. »(123) .
النص الثاني : ماذكره ابن الاثير في الكامل « فلمَّا فرغ مسلم من قتال أهل المدينة ونهبها شخص بمن معه نحو مكة يُريد ابن الزبير ... فلما انتهى الى المشلل نزل به الموت ... فلما مات سار الحصين بالناس ، فقدم مكة ... ثم أقاموا يقاتلونه بقية المحرم وصفر حتى مضت ثلاثة أيام من شهر ربيع رموا البيت بالمجانيق وحرقوه بالنار ... وأقام الناس يحاصرون ابن الزبير ... »(124) .
وذكر الطبري نحواً من ذلك(125) .
النص الثالث : ماذكره ابن قتيبة في الامامة والسياسة :
« وأقبل ابن نمير حتى نزل مكة وأرسل خيلا فأخذت أسفلها ، ونصب عليها الحرادات والمجانيق ، وفرض على أصحابه عشرة آلاف صخرة في كلِّ يوم يرمونها بها »(126) .
النص الرابع : ماذكره اليعقوبي في تاريخه : « وقدم الحصين بن نمير مكة فناوش ابن الزبير الحرب في الحرم ورماه بالنيران حتى أحرق الكعبة »(127) .
النص الخامس : ماذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء قال : « قال الذهبي : ولمَّا فعل يزيد بأهل المدينة مافعل ... وسار جيش الحرة الى مكة لقتال ابن الزبير ... وأتو مكة ، فحاصروا ابن الزبير وقاتلوه ورموه بالمنجنيق ... واحترقت من شرارة نيرانهم أستار الكعبة وسقفها وقرنا الكبش الذي فَدَى الله به اسماعيل ، وكانا في السقف ... »(128) .
هذا بعض ماذكره المؤرخون في شأن غزو يزيد لمكة المكرمة واحراقه للكعبة و ضربها بالمنجنيق .
وتلاحظون انَّه ليس من مبرر لذلك سوى الحرص على استقرار سلطانه ، وهذا ما يُهوِّن العظيم ويبيح الدم الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام ، فليس على يزيد من حريجة في دينه بعد ان كان هذا مرامه !!!
وقد اعتذر عن ذلك بقوله « يا أهل الشام فإنَّ أهل المدينة أخرجوا قومنا ، والله لإنْ تقع الخضراء على الغبراء أحب اليَّ من ذلك »(129) !!!
http://ebook/books/sh-books/maktal/top-page.gif (http://ebook/books/sh-books/maktal/index.html#الفهرس)
المؤيد الرابع : سياسة يزيد العامة
ومن الشواهد المؤكدة على عدم تجافي يزيد بن معاوية عن قتل الحسين (عليه السلام) هي سياسته العامة التي انتهجها مع الرعية إبَّان خلافته ، فلم يكن من ولاته وقادة جنده إلا من هو معروف بالفسق والبطش ، وكان يأخذ على الظنة والتهمة ، ولقد قتل الأخيار والابرار ، وسمل العيون وصلب مناوئيه على جذوع النخل ، ولم يكن يتحرَّج عن هتك حرمة مهما عظمت في سبيل تشييد ملكه وسلطانه .
ومن كان هذا شأنه فلا يُنتظر من التوقف في قتل الحسين (عليه السلام) بعد ان كان وجوده يعني اضطراب سلطانه وانسلاب هيبته وهذا ما تنوء به نفوس الجبابرة .
وحتى نوثق ماذكرناه ننقل بعض كلمات المؤرخين المعبِّرة عن طبيعة السياسة التعسفية التي انتهجها يزيد في الرعية .
النص الأوّل : ماذكره المسعودي في مروج الذهب : « وغلب على أصحاب يزيد وعمَّاله ما كان يفعله من الفسوق »(130) ، وقال في موضع آخر : « ولمَّا شمل الناس جورُ يزيد وعماله وعمَّهم ظلمه ، وما ظهر من فسقه من قتله ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنصاره وما أظهر من شرب الخمور وسيره سيرة فرعون بل كان فرعون أعدل منه في رعيته وأنصف منه لخاصته وعامته ... »(131) .
النص الثاني : ماذكره الطبري « انَّ الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة فحمد الله وأثنا عليه ، ثم قال : أيها الناس إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال : « من رأى سلطاناً جائراً مستحلا لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنةِ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان ، فلم يُغيِّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله ان يُدخله مدخله » ألا وانَّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا ال حدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرَّموا حلاله ، وأنا أحق من غيَّر .. »(132) .
النص الثالث : ما نقله الطبري : « لمَّا زحفنا قِبَل الحسين خرج الينا زهير بن القين ... فقال يا أهل الكوفة ... انا ندعوكم الى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد ، فإنكم لا تدركون منهما إلا بسوء غمْرَ سلطانهما كله ليسملان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ، ويمثلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل ويقتلان أمثالكم وقراءكم أمثال حجر بن عدي وأصحابه وهانيء بن عروة وأشباهه »(133) .
النص الرابع : ماذكره ابن قتيبة في سياق استعراضه بعض أحداث واقعة الحرة : « ولزم أبو سعيد الخدري بيته فدخل عليه نفر من أهل الشام ، فقالوا : أيها الشيخ من أنت ؟ فقال : أنا أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقالوا : فبحظك أخذت في تركك قتالنا وكفِّك عنا ولزوم بيتك ، ولكن أخرج الينا ما عندك ، قال : والله ماعندي مال ، فنتفوا لحيته وضربوه ضربات ثم أخذوا كلَّ ما وجدوه في بيته حتى الصواع وحتى زوج حمام كان له »(134) .
http://ebook/books/sh-books/maktal/top-page.gif (http://ebook/books/sh-books/maktal/index.html#الفهرس)
المؤيد الخامس : بطانة يزيد
ومما يمكن ان تؤيد به الدعوى هي بطانة يزيد وأهل مشورته ورجالات دولته فقد كان أكثرهم مؤيداً لقتل الحسين (عليه السلام) ولما كان ينتهجه يزيد مع رعيته من جور وتعسّف ، وهذا ما تُعبِّر عنه أقوالهم وموافقهم .
وواضح انَّ ذلك يُساهم في إغراء يزيد ويشدُّ من عزمه ويجرءه على كل حريجه لو اتفق ان تلكأ عن اقتحامها أو تهيب من خوضها .
فقد لاحظتم انَّ مسلم بن عقبة المرِّي حينما أخبره يزيد بخلع أهل المدينة له قال ليزيد « والله لأدعن أسفلها أعلاها »(135) ، وقد فعل ثم كتب ليزيد « فما صليت الظهر إلا في مسجدهم بعد القتل الذريع والإنهاب العظيم .. واتبعنا مدبرهم وأجهزنا على جريحهم وأنهبناهم ثلاثاً كما قال أمير المؤمنين أعز الله نصره »(136) .
ولاحظتم انَّ مروان بن الحكم الحَّ على الوليد بقتل الحسين (عليه السلام) حينما يأبى البيعة وعدم امهاله في ذلك ثم وبّخه على تلكئه وقال له : « عصيتني ، والله لا يمكنك من مثلها أبداً ... »(137) ، وذكر بعض المؤرخين انَّه حينما جيء برأس الحسين (عليه السلام) الى المدينة المنوّرة أخذه مروان بن الحكم وتركه بين يديه وتناول أرنبة أنفه وقال :
يا حبذا بردك في اليدينِ***ولونك الاحمر في الخدينِ
والله لكأني أنظر الى أيام عثمان(138) .
وقد لاحظتم ما فعله وقاله عمرو بن سعيد الاشدق حينما سمع واعية الحسين (عليه السلام) في بيوتات بني هاشم ، فقد قال :
عجت نساء بني زياد عجة***كعجيج نسوتنا غداة الارنبِ
ثم قال واعية بواعية عثمان ، قال ذلك وهو ضاحك(139) ، ثم نصب رأس الحسين في المدينة كما نقل البلاذري في أنساب الاشراف(140) ، وقد لاحظتم انَّه جهد ان لا يخرج الحسين من مكة المكرمة وقال لجندة « اركبوا كلَّ بعير بين السماء والأرض »(141) ، ونقل بعض المؤرّخين انَّه راسل عبيدالله بن زياد في شأن خروج الحسين (عليه السلام) الى الكوفة وأغراه به وقال له « أحذر أن يفوتك »(142) .
وقد لاحظتم كيف صنع رجالات يزيد في الكوفة حينما رأوا تلكؤ النعمان بن بشير وتحرّجه من مواجهة الحسين (عليه السلام) فقد قال له بعضهم انَّه لا يُصلح ذلك إلا الغشم ثم كتبوا الى يزيد يسألونه ان يولي رجلا حازماً قوياً يصنع كصنيعة بعدوه ـ على حدِّ تعبير النص التاريخي ـ .
ورأيتم انَّ يزيد استشار في الأمر « سرجون »(143) وذكر المؤرّخون انَّه كان يستشيره ، وعرفتم انَّ رأي « سرجون » ومشورته هو رأي من كتب الى يزيد وأن القضية لا يُصلحها الا الغشم والحزم ، وليس من أحد مؤهّل لذلك ـ كما يرى سرجون ـ إلا ابن زياد ، فحداثة سنِّه وتاريخه في البطش وتاريخ أبيه وروحه المثقلة بالعقد الناشئة عن نسبه المجهول ، كل ذلك يؤهّله لهذا المنصب ولهذه المهمّة الصعبة .
كما لاحظتم ان يزيد حينما استشار بطانته في شأن علي بن الحسين (عليهما السلام) وعائلة الحسين (عليه السلام) قال له أحدهم : « لا يتّخذن من
كلب سوء جروا اقتل علي بن الحسين حتى لا يبقى من ذريّة الحسين
أحد »(144) .
ولاحظتم انَّ الخاطب حينما صعد المنبر ـ في مجلس يزيد وفي محضر عائلة الحسين ـ أكثر من الوقيعة في الحسين (عليه السلام) وفي علي بن ابي طالب(145) .
كل ذلك يُعبِّر عن واقع المشيئة الاموية ومن هو في فلكها ، فليكن ذلك مؤيداً للدعوى .
المصادر
(104) مروج الذهب ج3 / 77 ، ونقل سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص ان مما وجده في ديوان يزيد : / 261
« أشغلتني نغمة العيدان***عن صوت الأذانِ
وتعوضت عن الحور***خموراً في الدنانِ »
في تاريخ مدينة دمشق للحافظ ابي القاسم الشافعي قال : « بعث معاوية جيشاً الى الروم فنزلوا منزلا يقال له الفرقدونة فأصابهم بها الموت فكبر ذلك على معاوية ، فاطلع يوماً ابنه يزيد وهو يشرب وعنده قينة تغنيه :
أهون عليك بما تلقى جموعهم***بالفرقدونة من وعك ومن مومِ
اذا اتكأت على الأنماط مرتفعاً***بدير مران عندي ام كلثومِ
ج65/405 ـ 406 .
(105) تاريخ الطبري ج4 / 368 ، الكامل في التاريخ ج3 / 307 ، البداية والنهاية ج8/238 .
(106) الكامل في التاريخ ج3 / 317 / 318 ، تاريخ مدينة دمشق للحافظ ابي القاسم الشافعي ج65/406 ـ 407 ، مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر للإمام المعروف بابن منظور ج28/24 .
(107) الامامة والسياسة ج1 / 202 ـ 203 ، ونقل صاحب تذكرة الخواص عن ابن عقيل ان يزيد قال في قصيدة له / 260 ـ 261
عليَّة هاتي واعلني وترنمي***بذلك اني لا احب التناجيا
حديث ابي سفيان قدماً سمى بها***الى احد حتى أقام البواكيا
ألا هاتِ فاسقيني على ذاك قهوة***تخيرها العنسي كرماً شاميا
اذا مانظرنا في امور قديمة***وجدنا حلالا شربها متواليا
(108) تاريخ الطبري ج4 / 224 ـ 225 ، الكامل في التاريخ ج3 / 249 ـ 250 ، في سير أعلام النبلاء انَّ يزيد سكر يوماً فقام يرقص فسقط على رأسه فانشق ج4/38 .
(109) الامامة والسياسة ج1 / 186 ، ونقل ابن أعثم في كتاب الفتوح عن الحسين ما يقرب من هذا النص في غير هذا المورد ج5/18 ج4/241 .
(110) الامامة والسياسة ج1 / 189 .
(111) تاريخ الخلفاء للسيوطي / 209 ، قال ابن كثير في البداية والنهاية : « وكان فيه اقبال على الشهوات وترك بعض الصلوات في بعض الاوقات واماتتها في غالب الاوقات » ج8/252 ، وفي شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي الدمشقي انَّه « استفتي الكيا الهراس فيه ، فذكر فصلا واسعاً من مخازيه حتى نفدت الورقة ثم قال : لو مُددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل » ج1/278 ، والكيا الهراس هو علي بن محمد الطبري الملقّب بعماد الدين فقيه شافعي مفسِّر مات سنة 504 هـ .
(112) البداية والنهاية ج8 / 225 ، كتاب الفتوح ج5/292 ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي الدمشقي ج1/276 ـ 278 ، تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والأعلام أحداث 64 هـ / 25 .
(113) البداية والنهاية ج8/238 ، تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام أحداث 63 هـ / 20 ـ 21 ، تاريخ ابن الوردي ج1/233 ، كنز الدرر لابي بكر الدواداري ج4/110 ، مرآة الجنان ج1/111 .
(114) الكامل في التاريخ ج3 / 310 الى 315 ، كتاب الفتوح ج5/300 ـ 292 ، تاريخ ابن الوردي ج1/233 ، الاخبار الطوال 264 .
(115) تاريخ الطبري ج4 / 372 ، أنساب الاشراف للبلاذري القسم الرابع ج1/323 .
(116) تاريخ اليعقوبي ج2 / 250 ـ 251 ، ونقل ابن كثير في البداية والنهاية قال : « ووقعوا على النساء حتى قيل انه حبلت ألف امرأة في تلك الايام من غير زوج ، وقال المدائني عن ابي قرة قال هشام : فإنَّه ولدت ألف امرأة من المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج » ج8/242 ، وفي تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام قال : « نهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثاً وافتض فيها ألف عذراء » 64 هـ / 26 ، الاخبار الطوال 265 .
(117) الامامة والسياسة ج1 / 209 الى 213 ، كنز الدرر لابي بكر الدواداري ج4/114 .
(118) الامامة والسياسة ج1 / 216 ، نقل ابن كثير في البداية والنهاية عن الزهري قال : « القتلى يوم الحرة سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ووجوه الموالي وممن لا أعرف من حر وعبد عشرة آلاف » ج8/242 ، تاريخ ابن الوردي ج1/233 ، كنز الدرر لابي بكر الدواداري ج4/117 .
(119) تاريخ الخلفاء للسيوطي / 209 ، سير اعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي ج4/37 ـ 38 « افتتح يزيد دولته بمقتل الشهيد الحسين واختتمها بواقعة الحرة » .
(120) الأمامة والسياسة ج1 / 218 .
(121) تذكرة الخواص لسبط بن الجوي / 259 ـ 260 ولعل وجه الجمع بين الخبرين انَّ العشرة آلاف هم المجموع من العذارى وغيرهن ، ونقل هذا الخبر ابن كثير في البداية والنهاية ج8/242 ، نقل ابن كثير في البداية والنهاية ان مسلم بن عقبة « دعا الناس للبيعة عن انهم خول ليزيد ويحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء » ج8/243 ، وفي الاخبار الطوال بايع على انكم فيء لامير المؤمنين 265 ، ونقل الذهبي في تاريخ الاسلام ما يقرب من نص البداية والنهاية في أحداث 64 هـ / 29 ، تهذيب التهذيب ج2/316 ، راجع أخبار مكّة لابي الوليد الازرقي ج1/202 .
(122) تاريخ الطبري ج4 / 371 ، الكامل في التاريخ ج3 / 311 .
(123) الامامة والسياسة ج1 / 209 ، البداية والنهاية ج8/239 ، تهذيب التهذيب ج2/316 .
(124) الكامل في التاريخ ج3 / 316 ، البداية والنهاية ج8/246 .
(125) تاريخ الطبري ج4 / 381 ـ 382 ، تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والأعلام أحداث 64 هـ / 34 ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي الدمشقي ج1/287 ، ونقل ابن أعثم في كتاب الفتوح ما هذا نصّه : « فجعل يرمي مكّه رمياً متداركاً لا يفتر .. فلم يزل القوم يرمون المسجد الحرام والبيت بالنيران والحجارة » ج5/302 ، تاريخ ابن الوردي ج1/234 ، الاخبار الطوال 268 ، مرآة الجنان ج1/113 ، المنتظم ج6/22 .
(126) الامامة والسياسة ج2 / 12 ، تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والأعلام أحداث 64 هـ/ 34 ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي الدمشقي ج1/287 ، ونقل ابن أعثم في كتاب الفتوح ما هذا نصّه : « فجعل يرمي مكة رمياً متداركاً لا يفتر .. فلم يزل القوم يرمون المسجد الحرام والبيت بالنيران والحجارة » ج5/302 ، تاريخ ابن الوردي ج1/234 الاخبار الطوال 268 ، مرآة الجنان ج1/113 ، المنتظم ج6/22 .
(127) تاريخ اليعقوبي ج2 / 251 .
(128) تاريخ الخلفاء / 209 ، كنز الدرر لابي بكر الدواداري ج4/118 ، راجع أخبار مكّة لابي الوليد الأزرقي ج1 / 202 .
(129) الامامة والسياسة ج1 / 209 .
(130) مروج الذهب ج3 / 77 .
(131) مروج الذهب ج3 / 78 .
(132) تاريخ الطبري ج4 / 304 ، الكامل في التاريخ ج3 / 280 ، كتاب الفتوح ج5/114 .
(133) تاريخ الطبري ج4 / 324 ، الكامل في التاريخ ج3 / 288 ، البداية والنهاية ج8/195 .
(134) الامامة والسياسة ج1 / 213 ، تاريخ الاسلام ووفيات الاعلام أحداث 64 هـ / 27 ، الاخبار الطوال 269 « وانا قائم اصلِّي فطلبوا البيت فلم يجدوا فيه شيئاً فاحتملوني من مصلاي وضربوا بي الارض وأقبل كل رجل منهم على ما يليه من لحيتي فنتفه .. » ، كنز الدرر ج4/114 .
(135) تاريخ اليعقوبي ج2/250 ـ 251 .
(136) الامامة والسياسة ج1/218 .
(137) تاريخ الطبري ج4/251 ـ 252 ، الكامل في التاريخ ج3/264 ، البداية والنهاية ج8/175 ـ 185 ، كتاب الفتوح لابن أعثم ج5/18 ، الأخبار الطوال 228 ، مقتل الحسين للخوارزمي ج1/267 .
(138) تذكرة الخواص 239 ، انساب الاشراف ج3/417 ـ 418 .
(139) تاريخ الطبري ج4/357 ، الكامل في التاريخ ج3/300 ، البداية والنهاية ج8/224 ، أنساب الاشراف ج3/417 ، مقتل الحسين للخوارزمي ج2/84 .
(140) انساب الاشراف ج3/417 ـ 418 .
(141) الامامة والسياسة ج2/3 ، الكامل في التاريخ ج3/276 ، تاريخ الطبري ج4/289 .
(142) تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام للذهبي حوادث احدى وستين / 10 .
(143) تاريخ الطبري ج4/258 ، الكامل في التاريخ ج3/267 ـ 268 ، تهذيب التهذيب ج2/302 ، البداية والنهاية ج8/164 ، كتاب الفتوح ج5/61 ، الاخبار الطوال 321 ، كنز الدرر ج4/85 ، مقتل الحسين للخوارزمي ج1/288 .
(144) البداية والنهاية ج8/213 ، مقتل الحسين للخوارزمي ج2/74 .
(145) كتاب الفتوح لابن أعثم ج5/247