سلطان البرزخ
18-08-2011, 03:50 PM
التوسّل بأسمائه وصفاته
أمر الله سبحانه عباده بدعائه بأسمائه الحسنى وقال تعالى: { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } (الأعراف/80).
إنّ الآية تصف أسماءه كلَّها بالحسنى لحسن معانيها، من غير فرق بين ما يرجع إلى صفات ذاته كالعالم والقادر، والحي. وما يرجع إلى صفات فعله كالخالق والرازق والمحيي والمميت، ومن غير فرق بين ما يفيد التنزيه ورفع النقص كالغنيّ والقدّوس، وما يعرب عن رحمته وعفوه كالغفور والرحيم، فعلى المسلم دعاؤه سبحانه بها فيقول: يا الله يا رحمن يا رحيم، يا خالق السماوات والأرض، يا غافر الذنوب ويا رازق الطفل الصغير. وتركِ عملِ الذين يعدلون بأسماء الله تعالى عمّا هي عليه فيسمّون بها أصنامهم بالزيادة والنقصان، فيسمّون أصنامهم باللات والعزّى أخذاً من الله العزيز، سيجزون ما كانوا يعملون في الآخرة.
فعندما يذكره العبد بأسمائه التي تضمّنت كل خير وجمال، ورحمة ومغفرة وعزّة وقدرة، ثم يعقبه بما يطلبه من مغفرة الذنوب وقضاء الحوائج فيستجيبه سبحانه، وقد دلّت على ذلك، الآثار الصحيحة التي نذكر منها ما يلي:
1 ـ أخرج الترمذي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أنّ رسول الله سمع رجلا يقول: اللّهمّ إنّي أسألك بأنّي أشهد أنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت، الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد فقال النبي: " لقد سألتَ الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعيَ به أجاب، وإذا سُئل به أعطى "(1).
والحديث تضمّن بيان الوسيلة، والتوسّل بالأسماء، وإن لم يأت فيه الغرض الذي لأجله سأل الله تعالى بأسمائه.
2 ـ عن أبي هريرة قال: جاءت فاطمة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تسأله خادماً، فقال لها: " قولي: اللّهمّ ربّ السماوات السبع، وربّ العرش العظيم، ربّنا وربّ كل شيء ومنزل التوراة والإنجيل والقرآن، فالق الحبّ والنوى، أعوذ بك من شرّ كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأوّل فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين وأغنني
____________
1- الترمذي: الصحيح: 5/515 برقم 3475، كتاب الدعوات، الباب 65 من كتاب جامع الدعوات عن النبي.
من الفقر "(1).
3 ـ وأخرج أحمد والترمذي عن أنس بن مالك، أنّه كان مع رسول الله جالساً ورجل يصلّي، ثم دعا: اللّهم إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلاّ أنت، أنت المنّان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حيّ يا قيّوم، فقال النبي: " تدرون بم دعا الله؟ دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى "(2).
وفي روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) نماذج من هذا النوع من التوسّل يقف عليها السابر في رواياتهم وأحاديثهم.
4 ـ فقد روى الإمام الرضا (عليه السلام) عن جدّه محمد الباقر (عليه السلام) أنّه كان يدعو الله تبارك وتعالى شهر رمضان بدعاء جاء فيه: " اللّهمّ إنّي أسألك بما أنت فيه من الشأن والجبروت، وأسألك بكلّ شأن وحده وجبروت وحدها، اللّهم إنّي أسألك بما تجيبني به حين أسألك فأجبني يا الله "(3).
روى الشيخ الطوسي في مصباحه عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام دعاءً باسم دعاء السمات مستهلّه:
" اللّهمّ إنّي أسألك باسمك العظيم الأعظم، الأعزّ الأجلّ الأكرم، الذي إذا دُعيتَ به على مغالق أبواب السماء للفتح بالرحمة، انفتحت، وإذا دُعيتَ به على مضايق أبواب الأرض للفرج، انفرجت، وإذا دعيت به على العسير لليسر تيسرت... "(4).
____________
1- الترمذي: الصحيح: 5/518 برقم 3481، كتاب الدعوات، الباب 68 من كتاب جامع الدعوات.
2- الترمذي: الصحيح: 5/549 ـ 550 برقم 3544، الباب 100 من كتاب الدعوات.
3- السيد ابن طاووس الحلّي: الإقبال، ص 348، ط عام 1416.
4- الطوسي: مصباح المتهجد، ص 374.
إنّ ثناء الله وتقديسه ووصفه بما وصف به في كتابه وسنّة نبيّه، يوجد أرضية صالحة لاستجابة الدعاء، ويكشف عن استحقاق الداعي لرحمته وعفوه وكرمه. وبما أنّ هذا القسم من التوسّل اتفقت عليه الأُمة سلفها وخلفها ولم يذكر فيه أيّ خلاف فلنتقصر فيه بهذا المقدار.
التوسّل بالقرآن الكريم
إنّ الإنسان مهما كان مبدعاً في الوصف والتعبير، لا يستطيع أن يصف كلام الله العزيز بمثل ما وصفه به سبحانه، فقد وصف هو كتابه بأنّه نور، وكتاب مبين، وهدىً للمتّقين، نزل بالحق تبياناً لكل شيء، إلى غير ذلك من المواصفات الواردة فيه.
وكتابه سبحانه، فعله، فالتوسّل بالقرآن والسؤال به، توسّل بفعله سبحانه ورحمته التي وسعت كل شيء ومع ذلك كلّه يجب على المتوسّل، التحقّق من وجود دليل على جواز هذا النوع من التوسّل، لما عرفت أنّ كل ما يقوم به المسلم من التوسّلات يلزم أن لا يخدش أصل التوحيد وحرمة التشريع، ومن حسن الحظ ترى وروده في الشرع.
روى الإمام أحمد، عن عمران بن الحصين، أنّه مرّ على رجل يقصّ، فقال عمران: إنّا لله وإنّا إليه راجعون سمعت رسول الله يقول: " اقرأوا القرآن واسألوا الله تبارك وتعالى به قبل أن يجيء قوم يسألون به الناس "(1). فعموم لفظ الحديث يدل على جواز سؤال سبحانه بكتابه المنزل ما شاء من الحوائج الدنيوية والأُخروية.
والإمعان في الحديث يرشدنا إلى حقيقة واسعة وهي جواز السؤال بكل من له عند الله منزلة وكرامة، وما وجه السؤال بالقرآن إلاّ لكونه عزيزاً عند الله، مكرّماً لديه، وهو كلامه وفعله، ونفس ذاك متحقّق في رسوله الأعظم وأوليائه الطاهرين عليهم سلام الله أجمعين.
وورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنّه يستحبّ في ليلة القدر أن يفتح القرآن فيقول: " اللّهمّ إنّي أسألك بكتابك المنزل وما فيه، وفيه اسمك الأكبر وأسماؤك الحسنى وما يخاف ويرجى أن تجعلني من عتقائك من النار "(2).
____________
1- الإمام أحمد: المسند: 4/445. ورواه في كنز العمال عن الطبراني في الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان، لاحظ ج 1، ص 608 برقم 2788.
2- ابن طاووس الحلّي: الإقبال، ص 41. رواه حريز بن عبد الله السجستاني عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام).
التوسّل بالأعمال الصالحة
إذا كان التوسّل بمعنى تقديم شيء إلى ساحة الله ليستجيب دعاءه، فلا شك في أنّ العمل الصالح أحسن شيء يتقرّب به الإنسان إلى الله تعالى، وأحسنُ وسيلة يُتمسّك بها فتكون نتيجة التقرّب هي نزول رحمته عليه وإجابة دعائه، وفي بعض الآيات الكريمة تلميح إلى ذلك، وإن لم يكن فيها تصريح إلاّ أنّ السنّة النبويّة صرّحت بذلك، أمّا الآيات فنأتي بنموذجين منها:
1 ـ { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السميع العليم * ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أُمّة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم } (البقرة/127 ـ 128).ترى أنّ إبراهيم وولده الحليم قدّما إلى الله تبارك وتعالى وسيلة وهي بناء البيت، فعند ذلك طلبا من الله سبحانه عدّة أُمور تجمعها الأُمور التالية:
تقبّل منّا، واجعلنا مسلمين لك، ومن ذريّتنا أُمّة مسلمة لك، وأرنا مناسكنا، وتب علينا.
والآية إن لم تكن صريحة فيما نبتغيه غير أنّ دعاء إبراهيم في الظروف التي كان يرفع فيها قواعد البيت مع ابنه، ترشدنا إلى أنّ طلب الدعاء في ذلك الظرف، لم يكن أمراً اعتباطياً، بل كانت هناك صلة بين العمل الصالح والدعاء، وأنّه في قرار نفسه تمسك بالأوّل ليستجيب دعاءه.
2 ـ قوله سبحانه: { الذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار } (آل عمران/169).
ترى أنّه عطف طلب الغفران بالفاء على قوله: { ربّنا إنّنا آمنّا } ، ففاء التفريع تعرب عن صلة بين الإيمان وطلب الغفران.
وأنت إذا سبرت الآيات الكريمة تقف على نظير ذلك فكلّها من قبيل التلميح لا التصريح، غير أنّ في السنّة النبوية تصريح على أنّ ذكر العمل الصالح الذي أتى به الإنسان لله تبارك وتعالى، يثير رحمته، فتنزل رحمته على عبده ويُستجاب دعاؤه، وقد روى الفريقان القصّة التالية وفيها غنى وكفاية:
روى البخاري عن ابن عمران عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر، فآووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلاّ الصدق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه.
فقال واحد منهم: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمِلَ لي على فرق من أرُز، فذهب وتركه، وإنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقراً، وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنّما لي عندك فَرَق من أرُز، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فإنّها من ذلك الفَرَق، فساقها، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك، ففرّج عنّا، فانساحت عنهم الصخرة.
فقال الآخر: اللّهمّ إن كنت تعلم كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي فأبطأتُ عليهما ليلةً، فجئتُ وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فَيسْتَكنّا لشربتهما، فلم أزل انتظر حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، فانساحت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء.
فقال الآخر: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي ابنة عم من أحبّ الناس إليّ وأنّي راودتها عن نفسها فأبت إلاّ أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتى قدرتُ، فأتيتها بها، فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها فقالت: اتّق الله ولا تفضّ الخاتم إلاّ بحقّه، فقمت وتركت المائة دينار، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا "(1).
____________
1- البخاري: الصحيح: 4/173، كتاب الأنبياء، الباب 53 ; ورواه في كتاب البيوع، الباب 98، واللفظ لكتاب الأنبياء.
لم تكن الغاية من تحديث النبي بما ذكر إلاّ تعليم أُمته حتى يتّخذوا ذكر العمل الصالح وسيلة لاستجابة دعوتهم. ولو كان ذلك من خصائص الأُمم الماضية لصرّح بها. وقد رواه الفريقان، باختلاف في اللفظ.
3 ـ روى البرقي أحمد بن خالد (ت 427 هـ) في محاسنه، عن عبد الرحمن ابن أبي نجران، عن المفضل بن صالح، عن جابر الجعفي، يرفعه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " خرج ثلاثة نفر يسيحون في الأرض، فبينما هم يعبدون الله في كهف في قلّة جبل حتى بدت صخرة من أعلى الجبل حتى التقمت باب الكهف، فقال بعضهم لبعض: عباد الله والله ما ينجيكم ممّا وقعتم إلاّ أن تصدقوا الله، فهلمّوا ما عملتم لله خالصاً، فانّما أسلمتم بالذنوب.
فقال أحدهم: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي طلبت امرأة لحسنها وجمالها، فأعطيت فيها مالا ضخماً، حتى إذا قدرت عليها وجلست منها مجلس الرجل من المرأة وذكرت النار، فقمت عنها فزعاً منك، اللّهمّ فارفع عنّا هذه الصخرة، فانصدعت حتى نظروا إلى الصدع.
ثم قال الآخر: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي استأجرت قوماً يحرثون كل رجل منهم بنصف درهم، فلمّا فرغوا أعطيتهم أُجورهم، فقال أحدهم: قد عملت عمل اثنين والله لا آخذ إلاّ درهماً واحداً، وترك ماله عندي، فبذرت بذلك النصف الدرهم في الأرض، فأخرج الله من ذلك رزقاً، وجاء صاحب النصف الدرهم فأراده، فدفعت إليه ثمن عشرة آلاف، فإن كنت تعلم أنّما فعلته مخافة منك فارفع عنّا هذه الصخرة، قال: فانفرجت منهم حتى نظر بعضهم إلى بعض.ثم إنّ الآخر قال: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّ أبي وأُمّي كانا نائمين، فأتيتهما بقعب من لبن، فخفت أن أضعه أن تمج فيه هامة، وكرهت أن أُوقظهما من نومهما، فيشق ذلك عليهما، فلم أزل كذلك حتى استيقظا وشربا، اللّهمّ فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فارفع عنّا هذه الصخرة، فانفرجت لهم حتى سهل لهم طريقهم، ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من صدق الله نجا "(1).
4 ـ وقال الإمام الطبرسي: أصحاب الرقيم هم النفر الثلاثة الذين دخلوا في غار، فانسدّ عليهم، فقالوا: ليدعُ الله تعالى كل واحد منّا بعمله حتى يفرّج الله عنّا، ففعلوا، فنجّاهم الله. رواه النعمان بن بشر مرفوعاً(2).
ولعل فيها غنىً وكفاية ومن أراد التبسط فعليه السبر في غضون الروايات.
____________
1- نور الثقلين: الجزء 3 في تفسير قوله: (أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً) (الكهف/9) نقلا عن محاسن البرقي في تفسير الآية.
2- الطبرسي: مجمع البيان: 3 / 452.
التوسّل بدعاء الرسول الأكرم
إنّ للنبي الأكرم مكانة مرموقة عند ربّه ليس لأحد مثلها، فهو أفضل الخليقة، وقد بلغت عناية القرآن الكريم ببيان نواح من مناقبه إلى حد لا ترى مثل ذلك إلاّ في حق القليل من أنبيائه، وربما يطول بنا الكلام إذا قمنا بعرض جميع الآيات الواردة في حقّه، وإنّما نشير إلى بعضها.
فقد أشار الذكر الحكيم إلى مكانته المرموقة ولزوم توقيره وتكريمه وأنّه لا يصلح دعاؤه كدعاء البعض للبعض بقوله سبحانه: { يا أيّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيِّ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } (الحجرات/2) وقال سبحانه أيضاً: { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً } (النور/63).وإلى كماله الرفيع وإمامته وكونه قدوة وأُسوة للمؤمنين يتأسّون به في قِيَمه ومُثُله العليا، بقوله سبحانه: { لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً } (الأحزاب/21).
وإلى عظمته وكرامته عند الله بحيث يصلّي عليه سبحانه وملائكته فأمر المؤمنين أن يصلّوا عليه بقوله: { إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً } (الأحزاب/56).
وإلى صفاء نفسه وقوة روحه وجمال خلقه بقوله: { إنّك لعلى خُلق عظيم } (الشعراء/137).
وإلى عكوفه على عبادة ربّه وتهجّده في الليل وسهره في طريق طاعة الله بقوله: { إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك } (المزمل/20).
وإلى غزارة علمه بقوله: { وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً } (النساء/113).
وإلى أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أحد الأمانين في الأرض بقوله: { وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم وما كان الله معذّبهم وهم يستغفرون } (الأنفال/33).
قد بلغت كرامة الرسول ـ عند الله ـ إلى حدّ يتلو اسمه، اسم الله وينسب إليهما فعل واحد ويقول: { وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردّون إلى عالم الغيب والشّهادة } (التوبة/94).
وقال سبحانه: { من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } (الأحزاب/71).
وقال الله سبحانه: { وما نقموا إلاّ أن أغناهم الله ورسوله من فضله } (التوبة/74).إلى غير ذلك من الآيات التي اقترن فيها اسم نبيه إلى اسمه سبحانه ونسب إليهما فعل واحد وشهدت بكرامته عند الله وقربه منه، فإذا كانت هذه منزلته عند الله، فلا يرد دعاؤه، وتستجاب دعوته، فيكون دعاء مثل تلك النفس غير مردود، والمتمسك بدعائه متمسكاً بركن وثيق وعماد رصين، ولأجل تلك الخصوصية نرى أنّه سبحانه يأمر المذنبين من المسلمين إلى التمسّك بذيل دعائه، ويأمرهم بأن يحضروا الرسول الأعظم ويستغفروا الله في مجلسه ويسألونه أن يستغفر لهم أيضاً، فكان استغفاره لهم سبباً لنزول رحمته وقبوله توبتهم، قال سبحانه: {وما أرسلنا من رسول إلاّ ليطاع بإذن الله ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءُوكَ فاستغفروا الله واستغفر لهم الرَّسول لوجدوا الله توّاباً رحيماً } (النساء/64).
نرى أنّه سبحانه في آية أُخرى يندّد بالمنافقين بأنّه، إذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله، لوّوا رؤوسهم، يقول سبحانه: { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوّوا رؤوسهم ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون } (المنافقون/5).
وما هذا إلاّ لأنّ دعاء الرسول دعاء مستجاب، ودعوته مقبولة، واستغاثته مستجابة، لأنّه نابع من نفس طاهرة مؤمنة راضية مرضية.
إنّ من الظلم الواضح تسوية دعاء النبي بسائر المسلمين والتعبير عن دعائه (صلى الله عليه وآله وسلم) بدعاء الأخ المؤمن! وجعل الجميع تحت عنوان واحد، فانّ لدعاء الأخ المؤمن مقاماً رفيعاً، ولكن أين هو من دعاء الرسول؟!
إنّ التوسّل بدعاء الإنسان الأمثل كان رائجاً في الرسالات السابقة، نرى أنّ أبناء يعقوب بعدما كُشِفَ أمرهم وبان ظلمهم توسّلوا بدعاء أبيهم النبيّ وقالوا له: { يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنّا كنّا خاطئين * قال سوف أستغفر لكم ربّي إنّه هو الغفور الرحيم } (يوسف/97 ـ 98).
ففي هذه الآيات دلالة واضحة على أنّ رحمة الله الواسعة تارة تنزل على العبد مباشرة وبدون واسطة، وأُخرى تنزل على طريق أفضل خلائقه وأشرف رسله، بل مطلق رسله وسفرائه.
وفي ذلك دلالة على وهن ما يلوكه بعض الناس ويقولون: إنّه سبحانه أعرف بحال عبده وأقرب إليه من حبل الوريد يراه ويسمع دعاءه، فلا حاجة لتوسط سبب والتوسّل بمخلوق و...، هذه الكلمات تصدر عمّن ليس له إلمام بالقرآن الكريم ولا بالسنّة النبوية ولا بسيرة السلف الصالح إذ ليس الكلام في علمه سبحانه، بل الكلام في أمر آخر وهو أنّ دعاء الإنسان الظالم لنفسه ربما لا يكون صاعداً إلى الله تبارك وتعالى ومقبولا عنده، ولكنّه إذا ضمّ إليه دعاء الرسول أصبح دعاؤه مستجاباً وصاعداً إليه سبحانه.
وللشيخ محمد الفقّي ـ من علماء الأزهر الشريف ـ كلام في المقام نأتي بملخّصه.
لقد شرّف الله تعالى نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسمى آيات التشريف، وكرّمه بأكمل وأعلى آيات التكريم، فأسبغ عليه نِعَمه ظاهرة وباطنة، وتوّجه بأعظم أنواع التيجان قدراً وذكراً، وأرفع الأكاليل شأناً وخطراً. فذكر منزلته منه جلّ شأنه حياً وميتاً في قوله تعالى: { إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً } فأيّ تشريف أرفع وأعظم من صلاته سبحانه وتعالى هو وملائكته عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وأيّ تكريم أسمى بعد ذلك من دعوة عباده وأمره لهم بالصلاة والسلام عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
ولم يقف تقدير الله تعالى له عند هذا التقدير الرائع، بل هناك ما يدعو إلى الإعجاب ويلفت الأنظار إلى تعظيم على جانب من الأهمية، ألم تر في قوله تعالى: { لعمرك إنّهم لفي سكرتهم يعمهون } ما يأخذ بالألباب ويدهش العقول، فقد أقسم سبحانه وتعالى بنبيّه في هذه الآية: { وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم } قال ابن عباس (رضي الله عنه): ما خلق الله ولا ذرأ ولا برأ نفساً أكرم على الله من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
وما سمعتُ أنّه تعالى أقسم بحياة أحد غيره، والقرآن الكريم تفيض آياته بسموّ مقامه، وتوحي بعلوّ قدره، وجميل ذكره، فقد جعل طاعته (صلى الله عليه وآله وسلم) طاعة له تعالى وقوله عزّ من قائل: { من يطع الرَّسول فقد أطاع الله } وعلّق حبّه تعالى لعباده على اتّباعه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما بعث به وأرسل للعالمين، إذ يقول سبحانه: { قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله }.
وممّا يدل على مبلغ تقديره، ومدى محبة الله تعالى، وتشريفه لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله تعالى: { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه } الآية، قال عليّ (رضي الله عنه): " لم يبعث الله نبياً من آدم فمن بعده إلاّ أخذ عليه العهد في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لئن بعث وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه ويأخذ العهد ".
ففي ملازمة جبريل له (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكّة إلى بيت المقدس أكبر مظهر من مظاهر الشرف والفخار، وأسمى آية من آيات التقدير للرسول الأعظم في حياة الأُمم وتأريخها. فهذه الآيات التي قصصتها وجئتكم بها وإن كانت كلّها بصائر وهدى ورحمة لقوم يؤمنون لا أرى مانعاً من ذكر ما عداها، ففيها تنبيه الغافلين إلى مزيد من النظر فيما عساه أن يقنعهم ويهديهم إلى الإيمان بما جاءت به الآيات البيّنات، وما يوحي به الدين وتعاليمه القويمة، فمن روائع ما يتمتع به من العظمة الصلاة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) عند بدء الدعاء وختمه، فانّ في ذلك القبول والاستجابة، فقد صحّ عن عمر وعليّ ـ رضي الله عنهما ـ أنّهما قالا لرجل دعا ولم يصلِّ على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يرفع ولا تفتح له الأبواب حتى يصلّي الداعي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومثل هذا لا يقال من قبيل الرأي فهو في حكم المرفوع، بل قد ثبت هذا مرفوعاً إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأخيراً قد دلّ قوله تعالى: { ورفعنا لك ذكرك } على علوّ مكانته وجليل قدره وعظم شأنه، إذ المعنى في ذلك انّنا قرنّا اسمك باسمنا، وجعلنا الإيمان لا يتحقّق إلاّ بالنطق بالشهادتين، وغير ذلك من براهين الشريعة وأدلّتها التي لا تحصى ولا يمكن أن تستقصى.
</span></span></span></span></span></span>
أمر الله سبحانه عباده بدعائه بأسمائه الحسنى وقال تعالى: { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } (الأعراف/80).
إنّ الآية تصف أسماءه كلَّها بالحسنى لحسن معانيها، من غير فرق بين ما يرجع إلى صفات ذاته كالعالم والقادر، والحي. وما يرجع إلى صفات فعله كالخالق والرازق والمحيي والمميت، ومن غير فرق بين ما يفيد التنزيه ورفع النقص كالغنيّ والقدّوس، وما يعرب عن رحمته وعفوه كالغفور والرحيم، فعلى المسلم دعاؤه سبحانه بها فيقول: يا الله يا رحمن يا رحيم، يا خالق السماوات والأرض، يا غافر الذنوب ويا رازق الطفل الصغير. وتركِ عملِ الذين يعدلون بأسماء الله تعالى عمّا هي عليه فيسمّون بها أصنامهم بالزيادة والنقصان، فيسمّون أصنامهم باللات والعزّى أخذاً من الله العزيز، سيجزون ما كانوا يعملون في الآخرة.
فعندما يذكره العبد بأسمائه التي تضمّنت كل خير وجمال، ورحمة ومغفرة وعزّة وقدرة، ثم يعقبه بما يطلبه من مغفرة الذنوب وقضاء الحوائج فيستجيبه سبحانه، وقد دلّت على ذلك، الآثار الصحيحة التي نذكر منها ما يلي:
1 ـ أخرج الترمذي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أنّ رسول الله سمع رجلا يقول: اللّهمّ إنّي أسألك بأنّي أشهد أنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت، الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد فقال النبي: " لقد سألتَ الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعيَ به أجاب، وإذا سُئل به أعطى "(1).
والحديث تضمّن بيان الوسيلة، والتوسّل بالأسماء، وإن لم يأت فيه الغرض الذي لأجله سأل الله تعالى بأسمائه.
2 ـ عن أبي هريرة قال: جاءت فاطمة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تسأله خادماً، فقال لها: " قولي: اللّهمّ ربّ السماوات السبع، وربّ العرش العظيم، ربّنا وربّ كل شيء ومنزل التوراة والإنجيل والقرآن، فالق الحبّ والنوى، أعوذ بك من شرّ كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأوّل فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين وأغنني
____________
1- الترمذي: الصحيح: 5/515 برقم 3475، كتاب الدعوات، الباب 65 من كتاب جامع الدعوات عن النبي.
من الفقر "(1).
3 ـ وأخرج أحمد والترمذي عن أنس بن مالك، أنّه كان مع رسول الله جالساً ورجل يصلّي، ثم دعا: اللّهم إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلاّ أنت، أنت المنّان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حيّ يا قيّوم، فقال النبي: " تدرون بم دعا الله؟ دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى "(2).
وفي روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) نماذج من هذا النوع من التوسّل يقف عليها السابر في رواياتهم وأحاديثهم.
4 ـ فقد روى الإمام الرضا (عليه السلام) عن جدّه محمد الباقر (عليه السلام) أنّه كان يدعو الله تبارك وتعالى شهر رمضان بدعاء جاء فيه: " اللّهمّ إنّي أسألك بما أنت فيه من الشأن والجبروت، وأسألك بكلّ شأن وحده وجبروت وحدها، اللّهم إنّي أسألك بما تجيبني به حين أسألك فأجبني يا الله "(3).
روى الشيخ الطوسي في مصباحه عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام دعاءً باسم دعاء السمات مستهلّه:
" اللّهمّ إنّي أسألك باسمك العظيم الأعظم، الأعزّ الأجلّ الأكرم، الذي إذا دُعيتَ به على مغالق أبواب السماء للفتح بالرحمة، انفتحت، وإذا دُعيتَ به على مضايق أبواب الأرض للفرج، انفرجت، وإذا دعيت به على العسير لليسر تيسرت... "(4).
____________
1- الترمذي: الصحيح: 5/518 برقم 3481، كتاب الدعوات، الباب 68 من كتاب جامع الدعوات.
2- الترمذي: الصحيح: 5/549 ـ 550 برقم 3544، الباب 100 من كتاب الدعوات.
3- السيد ابن طاووس الحلّي: الإقبال، ص 348، ط عام 1416.
4- الطوسي: مصباح المتهجد، ص 374.
إنّ ثناء الله وتقديسه ووصفه بما وصف به في كتابه وسنّة نبيّه، يوجد أرضية صالحة لاستجابة الدعاء، ويكشف عن استحقاق الداعي لرحمته وعفوه وكرمه. وبما أنّ هذا القسم من التوسّل اتفقت عليه الأُمة سلفها وخلفها ولم يذكر فيه أيّ خلاف فلنتقصر فيه بهذا المقدار.
التوسّل بالقرآن الكريم
إنّ الإنسان مهما كان مبدعاً في الوصف والتعبير، لا يستطيع أن يصف كلام الله العزيز بمثل ما وصفه به سبحانه، فقد وصف هو كتابه بأنّه نور، وكتاب مبين، وهدىً للمتّقين، نزل بالحق تبياناً لكل شيء، إلى غير ذلك من المواصفات الواردة فيه.
وكتابه سبحانه، فعله، فالتوسّل بالقرآن والسؤال به، توسّل بفعله سبحانه ورحمته التي وسعت كل شيء ومع ذلك كلّه يجب على المتوسّل، التحقّق من وجود دليل على جواز هذا النوع من التوسّل، لما عرفت أنّ كل ما يقوم به المسلم من التوسّلات يلزم أن لا يخدش أصل التوحيد وحرمة التشريع، ومن حسن الحظ ترى وروده في الشرع.
روى الإمام أحمد، عن عمران بن الحصين، أنّه مرّ على رجل يقصّ، فقال عمران: إنّا لله وإنّا إليه راجعون سمعت رسول الله يقول: " اقرأوا القرآن واسألوا الله تبارك وتعالى به قبل أن يجيء قوم يسألون به الناس "(1). فعموم لفظ الحديث يدل على جواز سؤال سبحانه بكتابه المنزل ما شاء من الحوائج الدنيوية والأُخروية.
والإمعان في الحديث يرشدنا إلى حقيقة واسعة وهي جواز السؤال بكل من له عند الله منزلة وكرامة، وما وجه السؤال بالقرآن إلاّ لكونه عزيزاً عند الله، مكرّماً لديه، وهو كلامه وفعله، ونفس ذاك متحقّق في رسوله الأعظم وأوليائه الطاهرين عليهم سلام الله أجمعين.
وورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنّه يستحبّ في ليلة القدر أن يفتح القرآن فيقول: " اللّهمّ إنّي أسألك بكتابك المنزل وما فيه، وفيه اسمك الأكبر وأسماؤك الحسنى وما يخاف ويرجى أن تجعلني من عتقائك من النار "(2).
____________
1- الإمام أحمد: المسند: 4/445. ورواه في كنز العمال عن الطبراني في الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان، لاحظ ج 1، ص 608 برقم 2788.
2- ابن طاووس الحلّي: الإقبال، ص 41. رواه حريز بن عبد الله السجستاني عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام).
التوسّل بالأعمال الصالحة
إذا كان التوسّل بمعنى تقديم شيء إلى ساحة الله ليستجيب دعاءه، فلا شك في أنّ العمل الصالح أحسن شيء يتقرّب به الإنسان إلى الله تعالى، وأحسنُ وسيلة يُتمسّك بها فتكون نتيجة التقرّب هي نزول رحمته عليه وإجابة دعائه، وفي بعض الآيات الكريمة تلميح إلى ذلك، وإن لم يكن فيها تصريح إلاّ أنّ السنّة النبويّة صرّحت بذلك، أمّا الآيات فنأتي بنموذجين منها:
1 ـ { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السميع العليم * ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أُمّة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم } (البقرة/127 ـ 128).ترى أنّ إبراهيم وولده الحليم قدّما إلى الله تبارك وتعالى وسيلة وهي بناء البيت، فعند ذلك طلبا من الله سبحانه عدّة أُمور تجمعها الأُمور التالية:
تقبّل منّا، واجعلنا مسلمين لك، ومن ذريّتنا أُمّة مسلمة لك، وأرنا مناسكنا، وتب علينا.
والآية إن لم تكن صريحة فيما نبتغيه غير أنّ دعاء إبراهيم في الظروف التي كان يرفع فيها قواعد البيت مع ابنه، ترشدنا إلى أنّ طلب الدعاء في ذلك الظرف، لم يكن أمراً اعتباطياً، بل كانت هناك صلة بين العمل الصالح والدعاء، وأنّه في قرار نفسه تمسك بالأوّل ليستجيب دعاءه.
2 ـ قوله سبحانه: { الذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار } (آل عمران/169).
ترى أنّه عطف طلب الغفران بالفاء على قوله: { ربّنا إنّنا آمنّا } ، ففاء التفريع تعرب عن صلة بين الإيمان وطلب الغفران.
وأنت إذا سبرت الآيات الكريمة تقف على نظير ذلك فكلّها من قبيل التلميح لا التصريح، غير أنّ في السنّة النبوية تصريح على أنّ ذكر العمل الصالح الذي أتى به الإنسان لله تبارك وتعالى، يثير رحمته، فتنزل رحمته على عبده ويُستجاب دعاؤه، وقد روى الفريقان القصّة التالية وفيها غنى وكفاية:
روى البخاري عن ابن عمران عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر، فآووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلاّ الصدق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه.
فقال واحد منهم: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمِلَ لي على فرق من أرُز، فذهب وتركه، وإنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقراً، وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنّما لي عندك فَرَق من أرُز، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فإنّها من ذلك الفَرَق، فساقها، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك، ففرّج عنّا، فانساحت عنهم الصخرة.
فقال الآخر: اللّهمّ إن كنت تعلم كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي فأبطأتُ عليهما ليلةً، فجئتُ وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فَيسْتَكنّا لشربتهما، فلم أزل انتظر حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، فانساحت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء.
فقال الآخر: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي ابنة عم من أحبّ الناس إليّ وأنّي راودتها عن نفسها فأبت إلاّ أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتى قدرتُ، فأتيتها بها، فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها فقالت: اتّق الله ولا تفضّ الخاتم إلاّ بحقّه، فقمت وتركت المائة دينار، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا "(1).
____________
1- البخاري: الصحيح: 4/173، كتاب الأنبياء، الباب 53 ; ورواه في كتاب البيوع، الباب 98، واللفظ لكتاب الأنبياء.
لم تكن الغاية من تحديث النبي بما ذكر إلاّ تعليم أُمته حتى يتّخذوا ذكر العمل الصالح وسيلة لاستجابة دعوتهم. ولو كان ذلك من خصائص الأُمم الماضية لصرّح بها. وقد رواه الفريقان، باختلاف في اللفظ.
3 ـ روى البرقي أحمد بن خالد (ت 427 هـ) في محاسنه، عن عبد الرحمن ابن أبي نجران، عن المفضل بن صالح، عن جابر الجعفي، يرفعه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " خرج ثلاثة نفر يسيحون في الأرض، فبينما هم يعبدون الله في كهف في قلّة جبل حتى بدت صخرة من أعلى الجبل حتى التقمت باب الكهف، فقال بعضهم لبعض: عباد الله والله ما ينجيكم ممّا وقعتم إلاّ أن تصدقوا الله، فهلمّوا ما عملتم لله خالصاً، فانّما أسلمتم بالذنوب.
فقال أحدهم: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي طلبت امرأة لحسنها وجمالها، فأعطيت فيها مالا ضخماً، حتى إذا قدرت عليها وجلست منها مجلس الرجل من المرأة وذكرت النار، فقمت عنها فزعاً منك، اللّهمّ فارفع عنّا هذه الصخرة، فانصدعت حتى نظروا إلى الصدع.
ثم قال الآخر: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي استأجرت قوماً يحرثون كل رجل منهم بنصف درهم، فلمّا فرغوا أعطيتهم أُجورهم، فقال أحدهم: قد عملت عمل اثنين والله لا آخذ إلاّ درهماً واحداً، وترك ماله عندي، فبذرت بذلك النصف الدرهم في الأرض، فأخرج الله من ذلك رزقاً، وجاء صاحب النصف الدرهم فأراده، فدفعت إليه ثمن عشرة آلاف، فإن كنت تعلم أنّما فعلته مخافة منك فارفع عنّا هذه الصخرة، قال: فانفرجت منهم حتى نظر بعضهم إلى بعض.ثم إنّ الآخر قال: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّ أبي وأُمّي كانا نائمين، فأتيتهما بقعب من لبن، فخفت أن أضعه أن تمج فيه هامة، وكرهت أن أُوقظهما من نومهما، فيشق ذلك عليهما، فلم أزل كذلك حتى استيقظا وشربا، اللّهمّ فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فارفع عنّا هذه الصخرة، فانفرجت لهم حتى سهل لهم طريقهم، ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من صدق الله نجا "(1).
4 ـ وقال الإمام الطبرسي: أصحاب الرقيم هم النفر الثلاثة الذين دخلوا في غار، فانسدّ عليهم، فقالوا: ليدعُ الله تعالى كل واحد منّا بعمله حتى يفرّج الله عنّا، ففعلوا، فنجّاهم الله. رواه النعمان بن بشر مرفوعاً(2).
ولعل فيها غنىً وكفاية ومن أراد التبسط فعليه السبر في غضون الروايات.
____________
1- نور الثقلين: الجزء 3 في تفسير قوله: (أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً) (الكهف/9) نقلا عن محاسن البرقي في تفسير الآية.
2- الطبرسي: مجمع البيان: 3 / 452.
التوسّل بدعاء الرسول الأكرم
إنّ للنبي الأكرم مكانة مرموقة عند ربّه ليس لأحد مثلها، فهو أفضل الخليقة، وقد بلغت عناية القرآن الكريم ببيان نواح من مناقبه إلى حد لا ترى مثل ذلك إلاّ في حق القليل من أنبيائه، وربما يطول بنا الكلام إذا قمنا بعرض جميع الآيات الواردة في حقّه، وإنّما نشير إلى بعضها.
فقد أشار الذكر الحكيم إلى مكانته المرموقة ولزوم توقيره وتكريمه وأنّه لا يصلح دعاؤه كدعاء البعض للبعض بقوله سبحانه: { يا أيّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيِّ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } (الحجرات/2) وقال سبحانه أيضاً: { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً } (النور/63).وإلى كماله الرفيع وإمامته وكونه قدوة وأُسوة للمؤمنين يتأسّون به في قِيَمه ومُثُله العليا، بقوله سبحانه: { لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً } (الأحزاب/21).
وإلى عظمته وكرامته عند الله بحيث يصلّي عليه سبحانه وملائكته فأمر المؤمنين أن يصلّوا عليه بقوله: { إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً } (الأحزاب/56).
وإلى صفاء نفسه وقوة روحه وجمال خلقه بقوله: { إنّك لعلى خُلق عظيم } (الشعراء/137).
وإلى عكوفه على عبادة ربّه وتهجّده في الليل وسهره في طريق طاعة الله بقوله: { إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك } (المزمل/20).
وإلى غزارة علمه بقوله: { وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً } (النساء/113).
وإلى أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أحد الأمانين في الأرض بقوله: { وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم وما كان الله معذّبهم وهم يستغفرون } (الأنفال/33).
قد بلغت كرامة الرسول ـ عند الله ـ إلى حدّ يتلو اسمه، اسم الله وينسب إليهما فعل واحد ويقول: { وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردّون إلى عالم الغيب والشّهادة } (التوبة/94).
وقال سبحانه: { من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } (الأحزاب/71).
وقال الله سبحانه: { وما نقموا إلاّ أن أغناهم الله ورسوله من فضله } (التوبة/74).إلى غير ذلك من الآيات التي اقترن فيها اسم نبيه إلى اسمه سبحانه ونسب إليهما فعل واحد وشهدت بكرامته عند الله وقربه منه، فإذا كانت هذه منزلته عند الله، فلا يرد دعاؤه، وتستجاب دعوته، فيكون دعاء مثل تلك النفس غير مردود، والمتمسك بدعائه متمسكاً بركن وثيق وعماد رصين، ولأجل تلك الخصوصية نرى أنّه سبحانه يأمر المذنبين من المسلمين إلى التمسّك بذيل دعائه، ويأمرهم بأن يحضروا الرسول الأعظم ويستغفروا الله في مجلسه ويسألونه أن يستغفر لهم أيضاً، فكان استغفاره لهم سبباً لنزول رحمته وقبوله توبتهم، قال سبحانه: {وما أرسلنا من رسول إلاّ ليطاع بإذن الله ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءُوكَ فاستغفروا الله واستغفر لهم الرَّسول لوجدوا الله توّاباً رحيماً } (النساء/64).
نرى أنّه سبحانه في آية أُخرى يندّد بالمنافقين بأنّه، إذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله، لوّوا رؤوسهم، يقول سبحانه: { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوّوا رؤوسهم ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون } (المنافقون/5).
وما هذا إلاّ لأنّ دعاء الرسول دعاء مستجاب، ودعوته مقبولة، واستغاثته مستجابة، لأنّه نابع من نفس طاهرة مؤمنة راضية مرضية.
إنّ من الظلم الواضح تسوية دعاء النبي بسائر المسلمين والتعبير عن دعائه (صلى الله عليه وآله وسلم) بدعاء الأخ المؤمن! وجعل الجميع تحت عنوان واحد، فانّ لدعاء الأخ المؤمن مقاماً رفيعاً، ولكن أين هو من دعاء الرسول؟!
إنّ التوسّل بدعاء الإنسان الأمثل كان رائجاً في الرسالات السابقة، نرى أنّ أبناء يعقوب بعدما كُشِفَ أمرهم وبان ظلمهم توسّلوا بدعاء أبيهم النبيّ وقالوا له: { يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنّا كنّا خاطئين * قال سوف أستغفر لكم ربّي إنّه هو الغفور الرحيم } (يوسف/97 ـ 98).
ففي هذه الآيات دلالة واضحة على أنّ رحمة الله الواسعة تارة تنزل على العبد مباشرة وبدون واسطة، وأُخرى تنزل على طريق أفضل خلائقه وأشرف رسله، بل مطلق رسله وسفرائه.
وفي ذلك دلالة على وهن ما يلوكه بعض الناس ويقولون: إنّه سبحانه أعرف بحال عبده وأقرب إليه من حبل الوريد يراه ويسمع دعاءه، فلا حاجة لتوسط سبب والتوسّل بمخلوق و...، هذه الكلمات تصدر عمّن ليس له إلمام بالقرآن الكريم ولا بالسنّة النبوية ولا بسيرة السلف الصالح إذ ليس الكلام في علمه سبحانه، بل الكلام في أمر آخر وهو أنّ دعاء الإنسان الظالم لنفسه ربما لا يكون صاعداً إلى الله تبارك وتعالى ومقبولا عنده، ولكنّه إذا ضمّ إليه دعاء الرسول أصبح دعاؤه مستجاباً وصاعداً إليه سبحانه.
وللشيخ محمد الفقّي ـ من علماء الأزهر الشريف ـ كلام في المقام نأتي بملخّصه.
لقد شرّف الله تعالى نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسمى آيات التشريف، وكرّمه بأكمل وأعلى آيات التكريم، فأسبغ عليه نِعَمه ظاهرة وباطنة، وتوّجه بأعظم أنواع التيجان قدراً وذكراً، وأرفع الأكاليل شأناً وخطراً. فذكر منزلته منه جلّ شأنه حياً وميتاً في قوله تعالى: { إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً } فأيّ تشريف أرفع وأعظم من صلاته سبحانه وتعالى هو وملائكته عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وأيّ تكريم أسمى بعد ذلك من دعوة عباده وأمره لهم بالصلاة والسلام عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
ولم يقف تقدير الله تعالى له عند هذا التقدير الرائع، بل هناك ما يدعو إلى الإعجاب ويلفت الأنظار إلى تعظيم على جانب من الأهمية، ألم تر في قوله تعالى: { لعمرك إنّهم لفي سكرتهم يعمهون } ما يأخذ بالألباب ويدهش العقول، فقد أقسم سبحانه وتعالى بنبيّه في هذه الآية: { وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم } قال ابن عباس (رضي الله عنه): ما خلق الله ولا ذرأ ولا برأ نفساً أكرم على الله من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
وما سمعتُ أنّه تعالى أقسم بحياة أحد غيره، والقرآن الكريم تفيض آياته بسموّ مقامه، وتوحي بعلوّ قدره، وجميل ذكره، فقد جعل طاعته (صلى الله عليه وآله وسلم) طاعة له تعالى وقوله عزّ من قائل: { من يطع الرَّسول فقد أطاع الله } وعلّق حبّه تعالى لعباده على اتّباعه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما بعث به وأرسل للعالمين، إذ يقول سبحانه: { قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله }.
وممّا يدل على مبلغ تقديره، ومدى محبة الله تعالى، وتشريفه لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله تعالى: { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه } الآية، قال عليّ (رضي الله عنه): " لم يبعث الله نبياً من آدم فمن بعده إلاّ أخذ عليه العهد في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لئن بعث وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه ويأخذ العهد ".
ففي ملازمة جبريل له (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكّة إلى بيت المقدس أكبر مظهر من مظاهر الشرف والفخار، وأسمى آية من آيات التقدير للرسول الأعظم في حياة الأُمم وتأريخها. فهذه الآيات التي قصصتها وجئتكم بها وإن كانت كلّها بصائر وهدى ورحمة لقوم يؤمنون لا أرى مانعاً من ذكر ما عداها، ففيها تنبيه الغافلين إلى مزيد من النظر فيما عساه أن يقنعهم ويهديهم إلى الإيمان بما جاءت به الآيات البيّنات، وما يوحي به الدين وتعاليمه القويمة، فمن روائع ما يتمتع به من العظمة الصلاة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) عند بدء الدعاء وختمه، فانّ في ذلك القبول والاستجابة، فقد صحّ عن عمر وعليّ ـ رضي الله عنهما ـ أنّهما قالا لرجل دعا ولم يصلِّ على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يرفع ولا تفتح له الأبواب حتى يصلّي الداعي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومثل هذا لا يقال من قبيل الرأي فهو في حكم المرفوع، بل قد ثبت هذا مرفوعاً إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأخيراً قد دلّ قوله تعالى: { ورفعنا لك ذكرك } على علوّ مكانته وجليل قدره وعظم شأنه، إذ المعنى في ذلك انّنا قرنّا اسمك باسمنا، وجعلنا الإيمان لا يتحقّق إلاّ بالنطق بالشهادتين، وغير ذلك من براهين الشريعة وأدلّتها التي لا تحصى ولا يمكن أن تستقصى.
</span></span></span></span></span></span>