ابوعلي العراقي
19-08-2011, 06:36 PM
تقع خيبر على بعد 32 فرسخاً من المدينة، وهي منطقة واسعة خصبة، سكنها اليهود وبنوا فيها الحصون والقلاع المتينة،بلغ عدد سكانها 20 ألف فرد.
ولما كانوا ممّن اشتركوا في جيش الأحزاب وساعدوا المشركين في حربهم ضدّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين،فإنّ النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» أسرع للقضاء عليهم وعلى خطرهم نحو الإسلام والمسلمين،إذ هم أشدّ تعصباً لدينهم،من تعصب قريش للوثنية،فقد كان يعلن ألف مشرك وثني إسلامهم في مقابل يهودي واحد. كما أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تخوّف من استغلال جهات أُخرى معادية كالقيصر أو كسرى، لهؤَلاء اليهود في القضاء على الدولة الإسلامية، إذ لا يستبعد منهم ذلك،وخاصة أنّهم كانوا المحرّضين لقريش في محاربة المسلمين.
ولذا فقد أعدَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لغزو آخر مركز من مراكز اليهود في الجزيرة العربية وقال: لا تخرجوا معي إلاّ راغبين في الجهاد أمّا الغنيمة فلا، فخرج معه ألف و600 مقاتل.
وعندما وصل إلى المنطقة، قطع الطريق عن أيّة إمدادات عسكرية تأتي من الشمال وذلك بقطع خط الارتباط بين قبائل غطفان وفزارة ويهود خيبر، فلم تستطع هذه القبائل أن تمد حلفاءها اليهود بأيّ شيء طوال شهر هو مدّة الحصار.
ولمّا كانت حصونهم وقلاعهم متينة وقوية وممتنعة بمتاريس قوية شديدة، فإنّه كان لابدّ لفتحها من استخدام تكتيك عسكري مناسب، فكان أوّل عمل قام به الرسول هو احتلال كلّ النقاط والطرق الحساسة ليلاً، بالسرعة والسرية.
أمّا اليهود فقد قرروا في اجتماعهم العسكري أن يضعوا الأطفال و النساء في حصن،والذخيرة من الطعام في حصن آخر، بينما يستقر المقاتلون على الأبراج يدافعون عن القلاع والحصون، في الوقت الذي يخرج أبطالهم ليقاتلوا المسلمين ويبارزونهم خارج الحصون، و لذلك فإنّهم تمكنوا من مقاومة الجيش الإسلامي لمدّة شهر، بحيث كانت محاولة فتح كلّ حصن تستغرق عشرة أيّام دون نتيجة.
وقد فتح أوّل حصن وهو ناعم بعد أن استشهد في معاركه: محمود بن مسلمة الأنصاري، وهو أحد فرسان المسلمين،وجرح خمسون مقاتلاً نقلوا إلى منطقة مخصصة للتمريض والعلاج، حيث سمح لبعض نساء بني غفار بالحضور إلى خيبر للمساعدة في التمريض والتضميد وتقديم خدمات أُخرى في المعسكر. ثمّ جرى فتح حصن القموص وأُسرت فيه «صفية بنت حيي بن أخطب» التي أصبحت زوجة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما بعد.
ولكن الجوع استولى على المسلمين فاضطروا بسببه إلى تناول ما كره أكله من الأنعام، وكادوا أن يهلكوا، فأمر الرسول ص أن تؤَخذ شاتان من غنم اليهود اضطرارا،وأطلق البقية ـ من الأغنام ـ لتدخل الحصن بأمان. وقد سمح النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بذلك للاضطرار الذي يباح معه المحذور بقدره، فدعا ربّه: «اللّهمّ إنّك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوّة،وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إيّاه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء وأكثرها طعاماً».
ثمّ بعث رجالاً معروفين من صحابته لفتح الحصون، إلاّ أنّ شيئاً جديداً لم يتم، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) :لأَعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ اللّه ورسولَه ويحبُه اللّه ورسولُه،يفتح اللّه على يديه، ليس بفرار ـ أو كرّار غير فرّار) فبات كلّ واحد يتمنى أن يكون هو صاحب هذا النوط الخالد العظيم. وعندما بلغ الإمام عليّاً (عليه السلام) مقالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو في خيمته قال: «اللّهم لا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت». وفي الصباح طلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً فقيل أنّ به رمد، فأُتي به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فمرر يده الشريفة على عينيه ودعا له بخير فعوفي من ساعته،فدفع إليه اللواء ودعا له بالنصر، وأمره أن يبعث إلى اليهود قبل قتالهم، من يدعو روؤَساء الحصون إلى الإسلام، فإن أبوا و رفضوا، أمرهم بتسليم أسلحتهم إلى الحكومة الإسلامية ليعيشوا تحت ظلّها بحريّة وأمان شريطة أن يدفعوا لجزية. وإذا رفضوا قاتلهم. ثمّ قال ص للإمام علي (عليه السلام):
(لئن يهدي اللّه بك رجلاً واحداً خير من أن يكون لك حمر النعم).
ومن ثمّ توجه الإمام علي (عليه السلام) إلى القلعتين المحصنتين سلالم والوطيح، والتي عجز المسلمون وقوادّهم عن فتحهما،فخرج إليه الحارث، أخو مرحب، فقاتله الإمام (عليه السلام) و سقط على الأرض جثة هامدة بضربة من ضربات الإمام (عليه السلام) المشهورة، ممّا أغضب مرحب أخيه فخرج غارقاً في الدروع والسلاح ليقاتل علياً (عليه السلام) الذي تمكن من شقّ رأسه نصفين، فكانت ضربة قوية بحيث أفزعت من كان مع مرحب من أبطال اليهود، ففروا لاجئين إلى الحصن. وبقي آخرون منهم قاتلوا علياً منازلة، فقضى عليهم الإمام (عليه السلام) ثمّ لحق بالفارين إلى الحصن، فضربه أحدهم فطاح ترسه من يده، إلاّ أنّ الإمام (عليه السلام) تناول باباً كان على الحصن فانتزعه من مكانه واستخدمه ترساً يحمى نفسه حتى فرغ من القتال. وبعد ذلك حاول ثمانية من أبطال المسلمين، كان منهم أبو رافع مولى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقلبوا ذلك الباب أو يحرّكوه فلم يقدروا.
ونقل الشيخ المفيد في إرشاده بسند خاص عن أمير المؤَمنين علي «عليه السلام» بخصوص الباب، قوله: «لما عالجتُ باب خيبر جعلته مجناً لي فقاتلتهم به،فلمّا أخزاهم اللّه وضعتُ الباب على حصنهم طريقاً ثمّ رميتُ به في خندقهم».
وأمّا المؤَرخون فقد نقلوا قضايا عجيبة حول قلع باب خيبر و عن بطولات الإمام (عليه السلام) في فتح الحصن، إلاّ أنّ جميعها لا تتمشى و لا تتيسر مع القدرة البشرية المتعارفة، ولا يمكن أن تصدر منها، حتى أنّ الإمام (عليه السلام)
نفسه يرفع كلّ شك في هذا بقوله: «ما قلعتها بقوّة بشريّة، ولكن قلعتها بقوّة إلهية، ونفسي بلقاء ربّها مطمئنة رضية».
وهكذا انتهت الحرب بانتصار المسلمين، الذي كان وراءه ثلاثة عوامل أساسية:
1.التخطيط العسكري والحربي الدقيق.
2.حصولهم على معلومات وافرة عن العدو وأسراره.
3.بطولة الإمام علي (عليه السلام) .
فقد تمكّن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من تحييد قبيلة غطفان ومنعها من إمداد المساعدات لليهود، كما تعرف على أحوالهم وأوضاعهم في حصون خيبر، سواء العسكرية منها أو النفسية للمقاتلين والأفراد. بالإضافة إلى بطولة الإمام علي (عليه السلام) الذي قال: «فلم يبرز إليّ أحد منهم إلا قتلته، ولا يثبت لي فارس إلاّ طحنته،ثمّ شددت عليهم شدّة الليث على فريسته حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسدداً عليهم، فاقتلعت باب حصنهم بيدي حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي أقتل من يظهر فيها من رجالها وأسبي من أجد من نسائها، حتى افتتحتها وحدي ولم يكن لي فيها معاون إلا الله وحده».
ثمّ أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن تجمع الغنائم كلّها في مكان واحد، وأن ينادي:
أدّوا الخيط والمخيط، فإن الغلول عار وشنار ونار يوم القيامة. فالإسلام يشدّد على أهمية الأمانة، حتى اعتبر ردّ الأمانة مهما صغرت من علائم الإيمان،والخيانة من علائم النفاق.
وفي لحظات الفرح بالانتصار على اليهود، رجعت مجموعة من مسلمي الحبشة المهاجرين إليها بقيادة جعفر بن أبي طالب، فاستقبله النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وقبّل ما بين عينيه وقال: ما أدري بأيّهما أُسرّ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر. ثمّ إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) علّمه الصلاة المعروفة بصلاة جعفر الطيّار.
وبالنسبة لقتلى الجانبين، فقد بلغ عدد شهداء المسلمين 20 فرداً، بينما سجّل التاريخ أسماء 93 رجلاً هم قتلى اليهود.
وبعد ذلك تمّ الاتّفاق بين الطرفين على:
1. قبول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لطلب اليهود بأن يسكّنهم في خيبر كما كان الوضع.
2.ترك أراضيهم وبساتينهم لهم.
3.حصول المسلمين على نصف محاصيلها سنوياً.
فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجبرهم على شيء بل تركهم أحراراً في ممارسة شعائرهم والبقاء على ما كانوا يعتقدونه من أُصول دينهم، إذ أنّه لم يحارب أهل خيبر إلا عندما تحولت إلى بؤَرة خطرة للمؤَامرات والكيد للإسلام والمسلمين،فقد أمدّوا الكفار والمشركين بكلّ ما يحتاجون للقضاء على الحكومة الإسلامية الناشئة، ممّا اضطر معه النبي ص إلى إعلان الحرب عليهم وقتالهم وتجريدهم من السلاح ليعيشوا تحت ظل الدولة الإسلامية، ويدفعوا الجزية لقاء دفاع الحكومة الإسلامية عنهم وحمايتهم من الأعداء، وهو ما يعني حماية أنفسهم وأنّ أموالهم مؤَمنة لهم من قبل المسلمين.
وعند جمع الغنائم حصل المسلمون على قطعة من التوراة طلب اليهود إعادتها، فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإعادتها إليهم، ممّا يكشف عن احترام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للشرائع والأديان الأخرى.
وقد توجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد خيبر إلى وادي القرى التي شكلت مركزاً آخر لليهود،ففتحها وعقد صلحاً مع أهلها على غرار معاهدة خيبر. وبذا فإنّ الحجاز طهُرت من فتنة اليهود،وجرّدوا من أسلحتهم،ووضعوا تحت حماية المسلمين ومراقبتهم.
إلاّ أنّ بعضهم خطّط بعد فترة من الهدوء والاستقرار، للتخلص من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقدّمت زينب بنتُ الحارث شاة مشوية سمّمت كتفها التي يحبها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأثّر به السم بعد ذلك وتوفي ص من أثره. ولم ينتقم منها النبي (ص) بل عفا عنها، فالنبي ص لم يكن كبعض القادة والزعماء الذين يصبغون الأرض بدماء من ظنّ أنّهم قصدوا قتله،أو يملئَون السجون بهم، أو يخضعونهم لأَشد أنواع العذاب والتعذيب الجسدي والنفسي.
ولما كانوا ممّن اشتركوا في جيش الأحزاب وساعدوا المشركين في حربهم ضدّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين،فإنّ النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» أسرع للقضاء عليهم وعلى خطرهم نحو الإسلام والمسلمين،إذ هم أشدّ تعصباً لدينهم،من تعصب قريش للوثنية،فقد كان يعلن ألف مشرك وثني إسلامهم في مقابل يهودي واحد. كما أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تخوّف من استغلال جهات أُخرى معادية كالقيصر أو كسرى، لهؤَلاء اليهود في القضاء على الدولة الإسلامية، إذ لا يستبعد منهم ذلك،وخاصة أنّهم كانوا المحرّضين لقريش في محاربة المسلمين.
ولذا فقد أعدَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لغزو آخر مركز من مراكز اليهود في الجزيرة العربية وقال: لا تخرجوا معي إلاّ راغبين في الجهاد أمّا الغنيمة فلا، فخرج معه ألف و600 مقاتل.
وعندما وصل إلى المنطقة، قطع الطريق عن أيّة إمدادات عسكرية تأتي من الشمال وذلك بقطع خط الارتباط بين قبائل غطفان وفزارة ويهود خيبر، فلم تستطع هذه القبائل أن تمد حلفاءها اليهود بأيّ شيء طوال شهر هو مدّة الحصار.
ولمّا كانت حصونهم وقلاعهم متينة وقوية وممتنعة بمتاريس قوية شديدة، فإنّه كان لابدّ لفتحها من استخدام تكتيك عسكري مناسب، فكان أوّل عمل قام به الرسول هو احتلال كلّ النقاط والطرق الحساسة ليلاً، بالسرعة والسرية.
أمّا اليهود فقد قرروا في اجتماعهم العسكري أن يضعوا الأطفال و النساء في حصن،والذخيرة من الطعام في حصن آخر، بينما يستقر المقاتلون على الأبراج يدافعون عن القلاع والحصون، في الوقت الذي يخرج أبطالهم ليقاتلوا المسلمين ويبارزونهم خارج الحصون، و لذلك فإنّهم تمكنوا من مقاومة الجيش الإسلامي لمدّة شهر، بحيث كانت محاولة فتح كلّ حصن تستغرق عشرة أيّام دون نتيجة.
وقد فتح أوّل حصن وهو ناعم بعد أن استشهد في معاركه: محمود بن مسلمة الأنصاري، وهو أحد فرسان المسلمين،وجرح خمسون مقاتلاً نقلوا إلى منطقة مخصصة للتمريض والعلاج، حيث سمح لبعض نساء بني غفار بالحضور إلى خيبر للمساعدة في التمريض والتضميد وتقديم خدمات أُخرى في المعسكر. ثمّ جرى فتح حصن القموص وأُسرت فيه «صفية بنت حيي بن أخطب» التي أصبحت زوجة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما بعد.
ولكن الجوع استولى على المسلمين فاضطروا بسببه إلى تناول ما كره أكله من الأنعام، وكادوا أن يهلكوا، فأمر الرسول ص أن تؤَخذ شاتان من غنم اليهود اضطرارا،وأطلق البقية ـ من الأغنام ـ لتدخل الحصن بأمان. وقد سمح النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بذلك للاضطرار الذي يباح معه المحذور بقدره، فدعا ربّه: «اللّهمّ إنّك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوّة،وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إيّاه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء وأكثرها طعاماً».
ثمّ بعث رجالاً معروفين من صحابته لفتح الحصون، إلاّ أنّ شيئاً جديداً لم يتم، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) :لأَعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ اللّه ورسولَه ويحبُه اللّه ورسولُه،يفتح اللّه على يديه، ليس بفرار ـ أو كرّار غير فرّار) فبات كلّ واحد يتمنى أن يكون هو صاحب هذا النوط الخالد العظيم. وعندما بلغ الإمام عليّاً (عليه السلام) مقالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو في خيمته قال: «اللّهم لا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت». وفي الصباح طلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً فقيل أنّ به رمد، فأُتي به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فمرر يده الشريفة على عينيه ودعا له بخير فعوفي من ساعته،فدفع إليه اللواء ودعا له بالنصر، وأمره أن يبعث إلى اليهود قبل قتالهم، من يدعو روؤَساء الحصون إلى الإسلام، فإن أبوا و رفضوا، أمرهم بتسليم أسلحتهم إلى الحكومة الإسلامية ليعيشوا تحت ظلّها بحريّة وأمان شريطة أن يدفعوا لجزية. وإذا رفضوا قاتلهم. ثمّ قال ص للإمام علي (عليه السلام):
(لئن يهدي اللّه بك رجلاً واحداً خير من أن يكون لك حمر النعم).
ومن ثمّ توجه الإمام علي (عليه السلام) إلى القلعتين المحصنتين سلالم والوطيح، والتي عجز المسلمون وقوادّهم عن فتحهما،فخرج إليه الحارث، أخو مرحب، فقاتله الإمام (عليه السلام) و سقط على الأرض جثة هامدة بضربة من ضربات الإمام (عليه السلام) المشهورة، ممّا أغضب مرحب أخيه فخرج غارقاً في الدروع والسلاح ليقاتل علياً (عليه السلام) الذي تمكن من شقّ رأسه نصفين، فكانت ضربة قوية بحيث أفزعت من كان مع مرحب من أبطال اليهود، ففروا لاجئين إلى الحصن. وبقي آخرون منهم قاتلوا علياً منازلة، فقضى عليهم الإمام (عليه السلام) ثمّ لحق بالفارين إلى الحصن، فضربه أحدهم فطاح ترسه من يده، إلاّ أنّ الإمام (عليه السلام) تناول باباً كان على الحصن فانتزعه من مكانه واستخدمه ترساً يحمى نفسه حتى فرغ من القتال. وبعد ذلك حاول ثمانية من أبطال المسلمين، كان منهم أبو رافع مولى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقلبوا ذلك الباب أو يحرّكوه فلم يقدروا.
ونقل الشيخ المفيد في إرشاده بسند خاص عن أمير المؤَمنين علي «عليه السلام» بخصوص الباب، قوله: «لما عالجتُ باب خيبر جعلته مجناً لي فقاتلتهم به،فلمّا أخزاهم اللّه وضعتُ الباب على حصنهم طريقاً ثمّ رميتُ به في خندقهم».
وأمّا المؤَرخون فقد نقلوا قضايا عجيبة حول قلع باب خيبر و عن بطولات الإمام (عليه السلام) في فتح الحصن، إلاّ أنّ جميعها لا تتمشى و لا تتيسر مع القدرة البشرية المتعارفة، ولا يمكن أن تصدر منها، حتى أنّ الإمام (عليه السلام)
نفسه يرفع كلّ شك في هذا بقوله: «ما قلعتها بقوّة بشريّة، ولكن قلعتها بقوّة إلهية، ونفسي بلقاء ربّها مطمئنة رضية».
وهكذا انتهت الحرب بانتصار المسلمين، الذي كان وراءه ثلاثة عوامل أساسية:
1.التخطيط العسكري والحربي الدقيق.
2.حصولهم على معلومات وافرة عن العدو وأسراره.
3.بطولة الإمام علي (عليه السلام) .
فقد تمكّن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من تحييد قبيلة غطفان ومنعها من إمداد المساعدات لليهود، كما تعرف على أحوالهم وأوضاعهم في حصون خيبر، سواء العسكرية منها أو النفسية للمقاتلين والأفراد. بالإضافة إلى بطولة الإمام علي (عليه السلام) الذي قال: «فلم يبرز إليّ أحد منهم إلا قتلته، ولا يثبت لي فارس إلاّ طحنته،ثمّ شددت عليهم شدّة الليث على فريسته حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسدداً عليهم، فاقتلعت باب حصنهم بيدي حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي أقتل من يظهر فيها من رجالها وأسبي من أجد من نسائها، حتى افتتحتها وحدي ولم يكن لي فيها معاون إلا الله وحده».
ثمّ أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن تجمع الغنائم كلّها في مكان واحد، وأن ينادي:
أدّوا الخيط والمخيط، فإن الغلول عار وشنار ونار يوم القيامة. فالإسلام يشدّد على أهمية الأمانة، حتى اعتبر ردّ الأمانة مهما صغرت من علائم الإيمان،والخيانة من علائم النفاق.
وفي لحظات الفرح بالانتصار على اليهود، رجعت مجموعة من مسلمي الحبشة المهاجرين إليها بقيادة جعفر بن أبي طالب، فاستقبله النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وقبّل ما بين عينيه وقال: ما أدري بأيّهما أُسرّ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر. ثمّ إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) علّمه الصلاة المعروفة بصلاة جعفر الطيّار.
وبالنسبة لقتلى الجانبين، فقد بلغ عدد شهداء المسلمين 20 فرداً، بينما سجّل التاريخ أسماء 93 رجلاً هم قتلى اليهود.
وبعد ذلك تمّ الاتّفاق بين الطرفين على:
1. قبول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لطلب اليهود بأن يسكّنهم في خيبر كما كان الوضع.
2.ترك أراضيهم وبساتينهم لهم.
3.حصول المسلمين على نصف محاصيلها سنوياً.
فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجبرهم على شيء بل تركهم أحراراً في ممارسة شعائرهم والبقاء على ما كانوا يعتقدونه من أُصول دينهم، إذ أنّه لم يحارب أهل خيبر إلا عندما تحولت إلى بؤَرة خطرة للمؤَامرات والكيد للإسلام والمسلمين،فقد أمدّوا الكفار والمشركين بكلّ ما يحتاجون للقضاء على الحكومة الإسلامية الناشئة، ممّا اضطر معه النبي ص إلى إعلان الحرب عليهم وقتالهم وتجريدهم من السلاح ليعيشوا تحت ظل الدولة الإسلامية، ويدفعوا الجزية لقاء دفاع الحكومة الإسلامية عنهم وحمايتهم من الأعداء، وهو ما يعني حماية أنفسهم وأنّ أموالهم مؤَمنة لهم من قبل المسلمين.
وعند جمع الغنائم حصل المسلمون على قطعة من التوراة طلب اليهود إعادتها، فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإعادتها إليهم، ممّا يكشف عن احترام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للشرائع والأديان الأخرى.
وقد توجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد خيبر إلى وادي القرى التي شكلت مركزاً آخر لليهود،ففتحها وعقد صلحاً مع أهلها على غرار معاهدة خيبر. وبذا فإنّ الحجاز طهُرت من فتنة اليهود،وجرّدوا من أسلحتهم،ووضعوا تحت حماية المسلمين ومراقبتهم.
إلاّ أنّ بعضهم خطّط بعد فترة من الهدوء والاستقرار، للتخلص من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقدّمت زينب بنتُ الحارث شاة مشوية سمّمت كتفها التي يحبها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأثّر به السم بعد ذلك وتوفي ص من أثره. ولم ينتقم منها النبي (ص) بل عفا عنها، فالنبي ص لم يكن كبعض القادة والزعماء الذين يصبغون الأرض بدماء من ظنّ أنّهم قصدوا قتله،أو يملئَون السجون بهم، أو يخضعونهم لأَشد أنواع العذاب والتعذيب الجسدي والنفسي.