حيدر عراق
21-08-2011, 11:15 PM
دين الله ونبيه أم دين السياسة والرغبة ( الحلقة الأولى 1/4)
حيدر محمد الوائلي
(الحلقة الأولى)
(أفكلما جاءكم رسولٌ بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون)اية87/سورة البقرة.
في غار حراء جاء الخلاص، حيث لا مناص من ظلم الجاهلية الجهلاء، ومن الأعراف العرقية الظلماء، وهيمنة العبودية العمياء ...
صرخ جبرائيل بالدعوة أن إقرأ يا محمد فبالقراءة والعلم والمعرفة والتفكير سيكون خلاص الأمة في الحاضر والمستقبل ولذلك يبلغك الله قوله: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إِنّما يتذكَّر أُولوا الأَلباب)آية9/سورة الزمر.
فمن غير المعقول أن يتساوى عقلان، أحدهما واعي وثاني مغفل، وعقل ذكي وثاني غبي، وعقل فاهم وثاني جاهل، ومن المستحيل أن يتساويان ...
فهذا فكر وذاك هباء، وهذا فوز وذاك خسارة وشقاء ...
وليس العلماء بزي ورداء، بل بفكر وعطاء ...
وليس الفكر أن تكون ولدت في بيت مسلم (سني ، شيعي) فصرت مسلماً (سنياً ، شيعياً) أو ولدت في بيت مسيحي فصرت مسيحياً أو في بيت علماني فصرت علمانياً ...
الفكر هو أن تعرف لماذا أخترت الدين أو المعتقد الذي أنت تؤمن به اليوم ما عدا كونه وراثة أو جاء من عدوى المحيط حولك، أو تم تلقينه لك تلقيناً أعمى ...
لماذا أنت مسلم (سني ، شيعي) أو مسيحي أو علماني ؟!
ولو عرفت الجواب فستعلم أن جوابك مهما يكن نوعه على شرط صدقه وصحته ومستنده العلمي فسيقودك لأحترام الآخرين الذين يخالفونك في الدين والفكر والمعتقد ...
الفكر هو أن تكون واعياً يقظاً نبهاً لما يدور حولك وأن تعرف أن السنة والشيعة طائفتين إسلاميتين يجمعهم الكثير جداً ويوجد بينهم خلافات على مستوى العقيدة والفقه ضمن نفس الدين ...
وإذا كان دين الإسلام أكد وشدد على ضرورة إحترام الناس فيما بينهم والتعايش السلمي فيما بينهم وأن يكون المسيحي واليهودي والصابئي وغيرهم محفوظين الحق في أمة الإسلام ولا ينتهك حقهم وكرامتهم أو إيذائهم بأي شكل من الأشكال فمن الأولى أن يتم حفظ حق المسلمين فيما بينهم خصوصاً أن حرمة المسلم قد شدد الله عليها وعلى عدم انتهاكها وأهانتها وإيذائها ...
وضح الرسول محمد (ص) قول الله عملياً والسنة مكملة للقران بقوله (ص): (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم)و(اطلب العلم من المهد إلى اللحد)و(طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)و(اطلب العلم ولو في الصين) حيث كانت الصين من أبعد الأماكن المقصودة يومها ...
هذا ما أراد النبي (ص) له أن يكون ديناً لا الدين الذي نقرأ عنه في التاريخ وسمعنا عنه في الماضي ونراه في الحاضر الذي جعلوه وصيروه دين الشهوة والأحقاد والنزوات والرغبات والسياسات والطوائف ...
وأصبحت بعض تلك المسميات التي صنعتها السياسة والسلطة هي المحرك والدافع لما أرادوه، وليس العلم والأخلاق التي أراده لنا الله والرسول (ص)، فأصبح البعض (وكثيراً ما هم) يطلب العلم لا لتحصيل علم ومعرفة بل وفقاً للشهوات والموروثات ولو كانت خلاف الحقيقة فيغضوا النظر عنها ليجعلوها حقيقة بنظرهم فقط، ومن يخالفهم فهو مرتد أو عميل أو خائن أو فاسق ...
لم يكن يوماً بنظرهم مخالف فكري لهم من المحتمل أن يخطأ أو يصيب كما هو الحال معهم فهم يخطئون ويصيبون كبقية العلماء، ولا أقول كبقية البشر، فالبشر بطبعهم خطاءون ...
وخير الخطاءون التوابون ...
هي أحاديث وآيات تؤكد على طلب العلم والبحث عليه وتقصي الحقائق والسماح لنفسك في التفكير ...
والحياة أما أن تكون أو لا تكون، وسوف لم ولن ولا تكون بدون تفكير وتدبر، فالتفكير خير عبادة عُبِدَ الله بها، لذلك أبدع الله في أن يجعل الناس يتفكرون: (سَنُريهم آياتنا في الآفَاق وفي أَنفسهِم حتى يتبين لهم أنه الْحَق أولم يَكف بربك أنه على كل شَيءٍ شَهيدٌ)اية53/سورة فُصلت.
طبعاً لا نتيجة ستأتي من التفكير من دون بحث علمي لنيل حقيقة مدروسة حول هذه الفكرة، وهذه الفكرة سوف لن تتحقق من دون البحث في الخلافات حولها وبمن يؤيدها ويعارضها ليتكامل فهمها ودراستها، والخوض فيها وبمن يعارضك بالفكر ...
يجب أن يكون الإيمان بأي دين وفكر وعقيدة على أساس أن هذا الدين والفكر والعقيدة الذي تم إختياره أو وراثته كما يحصل في الكثير من أتباع الديانات والأفكار والعقائد مع الأسف حيث يرثوا الدين والفكر والعقيدة وراثة كما يرثوا الدار والعقار، فيجب أن يتم إتباع وفهم ودراسة الدين والفكر والعقيدة كما هي تعليماته وشرائعه لا أن يتم إتباع ما يتماشى مع ما تحب وترغب وتترك ما تكره ولا تريد ...
لا داعي من الدين أصلاً عندئذٍ وعش حياتك كما هي من دون دين أفضل من أن تكون منافقاً، متصنعاً، مزدوج الشخصية، مكّاراً ...
فسيكون مصير من يتبع ذلك الدين الشهواني المتصنع الحاقد كمصير الفاسدين والكافرين الذين هم بلا دين وهو قوله تعالى:
(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون)آية85/سورة البقرة.
بل وتقرأ ما يكتب المخالفون، فلعلهم أصابوا فيما أخطأت ولعلك آمنت أكثر بما أتضح لك من أخطائهم ...
كان النبي محمد (ص) يدعو أمته بالحكمة والموعظة الحسنة والقول السديد والخلق الرفيع، بعد أن أمره الله بذلك، وهو (ص) كذلك:
(ادع إِلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هُو أَعلم بمن ضَلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)اية125/سورة النحل.
لذلك دخل الناس في دين الله أفواجاً ...
فما بال الكثير من المسلمين قديماً وحديثاً، يتجادلون بالتي هي أسوأ وأعنف وأقسى وأقذر وهم يتجادلون حول النبي محمد (ص) وسنته وتاريخه ونسوا أول شيء قام به النبي محمد (ص) نفسه وهو أسلوبه الجميل، وكلامه المؤدب الحكيم، وطيبة أخلاقه ومحاسنها ...
بل أصبح الجدال والخلاف الفكري في الماضي واليوم يوجب القتل والتكفير والطعن والتجريح والحقد والكراهية، وإسقاط الجنسية وحرمان المواطن من وطنه طالباً لجوء في بلد أجنبي لا يكترث كثيراً لتلك الخلافات ...
كل ذلك يحصل بسبب فكره من الممكن النقاش فيها وإثباتها أو دحضها وطمس أثارها، فأصبحت الفكرة لا تُرد بفكرة، بل بالقتل والسجن ورمي الناس بالكفر والزندقة ...
كان في المدينة المنورة في زمن النبي (ص) يهود ومسيحيين وقد أحترمهم الرسول (ص) كثيراً وجادلهم بالتي هي أحسن فمن أمن فلنفسه ومن أساء فعليها والله عليم بذات الصدور وهو الحكم يوم القيامة ...
عامل الله سبحانه مخلوقات بالرحمة والشفقة وورد في المأثور: (إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) ...
ففي أحد المرات أمر الله نبيه (ص) بتشييع رجل كان معروف بالفسق، فشيعه الرسول كما أمره الله، ولكن البعض ممن حول الرسول تساءل حول ذلك وهو انه رجل فاسق وما بالك وباله وأنت رسول الله لتشيعه ...
لم يرد الرسول عليهم لأنه أمر الله، ليخبره فيما بعد رب العزة بحديث بأن هذا الرجل في أحد المرات كان يسير وصادف أن رأى كلباً يريد أن يشرب ماءاً قرب بئر ولم يستطع ...
فدلف هذا الرجل للبئر لإعطاء الكلب ماءاً، فوجد الدلو مقطوع الحبل، فخلع هذا الرجل قميصه وربط بعضه بإزار بعض وأخذ ينقع قميصه بالماء ويعصر للكلب ليشرب ...
رحم خلقي فرحمته بأن تشيعه بنفسك ...
والله خاطب الرسول بأنه سبحانه أرسله (للناس كافة) وكثيراً ما خاطب الله الناس بقوله لهم (يا أيها الناس ...) فيعاملهم كأناس أولاً وأخيراً ...
والله يحكم بين الناس يوم القيامة بعد أن يكون قد فكر كل فرد بدينه وطريقة تفكيره تفكيراً جيداً كتفكيره على الأقل بطريقة إختيار طعامه وشرابه وملبسه ...
وها هو الله يخاطب العلماء ورجال الدين والمتدينين والناس جميعاً، بأن الحكم هو الله وهو من يحاسب ويعاقب ...
فمن خوّل (البعض) من هؤلاء بالكلام، فيدخلون فئة الجنة ويسكنون اخرى نار السعير، حسب ما يشتهون ويريدون، لا حسبما قال الله والرسول ...
وإن وجد من الله والرسول حديثاً فمن خولك جعل يوم القيامة في الحياة الدنيا لتحاسبون فيها الناس وتحرقونهم بنار فتواكم وفكركم وتطردون الناس من جنة لم يسعها فكركم رغم أنها وسعت السماوات والأرض ...
ها هو الله يكرر مراراً في قرانه الكريم مخاطباً من له فكر وعقل أن يفهم ويفكر:
(إن الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون)اية62/سورة البقرة.
(إن الذين امنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون)اية69/سورة المائدة.
(إن الذين امنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد)اية17/سورة الحج.
فما بال الكثير من المتدينين في يومنا ومن خلفهم رجال دين كثيرين أيضاً من الذين جعلوا الدين في يومنا وزماننا دين العبوات الناسفة والرصاص والسب والشتم والقذف والتشهير وتكفير الناس، ودحض الشرائع لا بالأفكار بل بأصوات الخوف والطرد والعنف والتهديد والأنفجار ...
من الذي جعل الأحقاد والكراهية تربو، ويخفت كل يوم صوت السلام والطمأنينة والحب حتى يكاد أن يصبح أخرساً...
في يومنا هذا الذي أصبحت فيه السياسة تتحكم بالدين وتوجهه حسب ما تريد، وعندما تدخل المتدينون في السياسة فأتلفوها أكثر مما أصلحوا بحالها ...
أتلفت السياسة دينهم ولم يصلح دينهم بالسياسة شيئاً ...
بل زاد دينهم (المزيف) وتوجهاتهم الدينية (المنافقة) وفكرهم الديني (الحاقد) وموروثهم الديني (الشهواني) خراب السياسة خراباً أكثر، وفسادها فساداً أكثر ...
ضيعوا الأخلاق ومأثور القول الذي أصبح زخرف القول ويقولوه للتسلية وحلاوة الكلام لا للتطبيق ...
((يتبعها قريباً الحلقة الثانية))
حيدر محمد الوائلي
(الحلقة الأولى)
(أفكلما جاءكم رسولٌ بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون)اية87/سورة البقرة.
في غار حراء جاء الخلاص، حيث لا مناص من ظلم الجاهلية الجهلاء، ومن الأعراف العرقية الظلماء، وهيمنة العبودية العمياء ...
صرخ جبرائيل بالدعوة أن إقرأ يا محمد فبالقراءة والعلم والمعرفة والتفكير سيكون خلاص الأمة في الحاضر والمستقبل ولذلك يبلغك الله قوله: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إِنّما يتذكَّر أُولوا الأَلباب)آية9/سورة الزمر.
فمن غير المعقول أن يتساوى عقلان، أحدهما واعي وثاني مغفل، وعقل ذكي وثاني غبي، وعقل فاهم وثاني جاهل، ومن المستحيل أن يتساويان ...
فهذا فكر وذاك هباء، وهذا فوز وذاك خسارة وشقاء ...
وليس العلماء بزي ورداء، بل بفكر وعطاء ...
وليس الفكر أن تكون ولدت في بيت مسلم (سني ، شيعي) فصرت مسلماً (سنياً ، شيعياً) أو ولدت في بيت مسيحي فصرت مسيحياً أو في بيت علماني فصرت علمانياً ...
الفكر هو أن تعرف لماذا أخترت الدين أو المعتقد الذي أنت تؤمن به اليوم ما عدا كونه وراثة أو جاء من عدوى المحيط حولك، أو تم تلقينه لك تلقيناً أعمى ...
لماذا أنت مسلم (سني ، شيعي) أو مسيحي أو علماني ؟!
ولو عرفت الجواب فستعلم أن جوابك مهما يكن نوعه على شرط صدقه وصحته ومستنده العلمي فسيقودك لأحترام الآخرين الذين يخالفونك في الدين والفكر والمعتقد ...
الفكر هو أن تكون واعياً يقظاً نبهاً لما يدور حولك وأن تعرف أن السنة والشيعة طائفتين إسلاميتين يجمعهم الكثير جداً ويوجد بينهم خلافات على مستوى العقيدة والفقه ضمن نفس الدين ...
وإذا كان دين الإسلام أكد وشدد على ضرورة إحترام الناس فيما بينهم والتعايش السلمي فيما بينهم وأن يكون المسيحي واليهودي والصابئي وغيرهم محفوظين الحق في أمة الإسلام ولا ينتهك حقهم وكرامتهم أو إيذائهم بأي شكل من الأشكال فمن الأولى أن يتم حفظ حق المسلمين فيما بينهم خصوصاً أن حرمة المسلم قد شدد الله عليها وعلى عدم انتهاكها وأهانتها وإيذائها ...
وضح الرسول محمد (ص) قول الله عملياً والسنة مكملة للقران بقوله (ص): (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم)و(اطلب العلم من المهد إلى اللحد)و(طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)و(اطلب العلم ولو في الصين) حيث كانت الصين من أبعد الأماكن المقصودة يومها ...
هذا ما أراد النبي (ص) له أن يكون ديناً لا الدين الذي نقرأ عنه في التاريخ وسمعنا عنه في الماضي ونراه في الحاضر الذي جعلوه وصيروه دين الشهوة والأحقاد والنزوات والرغبات والسياسات والطوائف ...
وأصبحت بعض تلك المسميات التي صنعتها السياسة والسلطة هي المحرك والدافع لما أرادوه، وليس العلم والأخلاق التي أراده لنا الله والرسول (ص)، فأصبح البعض (وكثيراً ما هم) يطلب العلم لا لتحصيل علم ومعرفة بل وفقاً للشهوات والموروثات ولو كانت خلاف الحقيقة فيغضوا النظر عنها ليجعلوها حقيقة بنظرهم فقط، ومن يخالفهم فهو مرتد أو عميل أو خائن أو فاسق ...
لم يكن يوماً بنظرهم مخالف فكري لهم من المحتمل أن يخطأ أو يصيب كما هو الحال معهم فهم يخطئون ويصيبون كبقية العلماء، ولا أقول كبقية البشر، فالبشر بطبعهم خطاءون ...
وخير الخطاءون التوابون ...
هي أحاديث وآيات تؤكد على طلب العلم والبحث عليه وتقصي الحقائق والسماح لنفسك في التفكير ...
والحياة أما أن تكون أو لا تكون، وسوف لم ولن ولا تكون بدون تفكير وتدبر، فالتفكير خير عبادة عُبِدَ الله بها، لذلك أبدع الله في أن يجعل الناس يتفكرون: (سَنُريهم آياتنا في الآفَاق وفي أَنفسهِم حتى يتبين لهم أنه الْحَق أولم يَكف بربك أنه على كل شَيءٍ شَهيدٌ)اية53/سورة فُصلت.
طبعاً لا نتيجة ستأتي من التفكير من دون بحث علمي لنيل حقيقة مدروسة حول هذه الفكرة، وهذه الفكرة سوف لن تتحقق من دون البحث في الخلافات حولها وبمن يؤيدها ويعارضها ليتكامل فهمها ودراستها، والخوض فيها وبمن يعارضك بالفكر ...
يجب أن يكون الإيمان بأي دين وفكر وعقيدة على أساس أن هذا الدين والفكر والعقيدة الذي تم إختياره أو وراثته كما يحصل في الكثير من أتباع الديانات والأفكار والعقائد مع الأسف حيث يرثوا الدين والفكر والعقيدة وراثة كما يرثوا الدار والعقار، فيجب أن يتم إتباع وفهم ودراسة الدين والفكر والعقيدة كما هي تعليماته وشرائعه لا أن يتم إتباع ما يتماشى مع ما تحب وترغب وتترك ما تكره ولا تريد ...
لا داعي من الدين أصلاً عندئذٍ وعش حياتك كما هي من دون دين أفضل من أن تكون منافقاً، متصنعاً، مزدوج الشخصية، مكّاراً ...
فسيكون مصير من يتبع ذلك الدين الشهواني المتصنع الحاقد كمصير الفاسدين والكافرين الذين هم بلا دين وهو قوله تعالى:
(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون)آية85/سورة البقرة.
بل وتقرأ ما يكتب المخالفون، فلعلهم أصابوا فيما أخطأت ولعلك آمنت أكثر بما أتضح لك من أخطائهم ...
كان النبي محمد (ص) يدعو أمته بالحكمة والموعظة الحسنة والقول السديد والخلق الرفيع، بعد أن أمره الله بذلك، وهو (ص) كذلك:
(ادع إِلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هُو أَعلم بمن ضَلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)اية125/سورة النحل.
لذلك دخل الناس في دين الله أفواجاً ...
فما بال الكثير من المسلمين قديماً وحديثاً، يتجادلون بالتي هي أسوأ وأعنف وأقسى وأقذر وهم يتجادلون حول النبي محمد (ص) وسنته وتاريخه ونسوا أول شيء قام به النبي محمد (ص) نفسه وهو أسلوبه الجميل، وكلامه المؤدب الحكيم، وطيبة أخلاقه ومحاسنها ...
بل أصبح الجدال والخلاف الفكري في الماضي واليوم يوجب القتل والتكفير والطعن والتجريح والحقد والكراهية، وإسقاط الجنسية وحرمان المواطن من وطنه طالباً لجوء في بلد أجنبي لا يكترث كثيراً لتلك الخلافات ...
كل ذلك يحصل بسبب فكره من الممكن النقاش فيها وإثباتها أو دحضها وطمس أثارها، فأصبحت الفكرة لا تُرد بفكرة، بل بالقتل والسجن ورمي الناس بالكفر والزندقة ...
كان في المدينة المنورة في زمن النبي (ص) يهود ومسيحيين وقد أحترمهم الرسول (ص) كثيراً وجادلهم بالتي هي أحسن فمن أمن فلنفسه ومن أساء فعليها والله عليم بذات الصدور وهو الحكم يوم القيامة ...
عامل الله سبحانه مخلوقات بالرحمة والشفقة وورد في المأثور: (إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) ...
ففي أحد المرات أمر الله نبيه (ص) بتشييع رجل كان معروف بالفسق، فشيعه الرسول كما أمره الله، ولكن البعض ممن حول الرسول تساءل حول ذلك وهو انه رجل فاسق وما بالك وباله وأنت رسول الله لتشيعه ...
لم يرد الرسول عليهم لأنه أمر الله، ليخبره فيما بعد رب العزة بحديث بأن هذا الرجل في أحد المرات كان يسير وصادف أن رأى كلباً يريد أن يشرب ماءاً قرب بئر ولم يستطع ...
فدلف هذا الرجل للبئر لإعطاء الكلب ماءاً، فوجد الدلو مقطوع الحبل، فخلع هذا الرجل قميصه وربط بعضه بإزار بعض وأخذ ينقع قميصه بالماء ويعصر للكلب ليشرب ...
رحم خلقي فرحمته بأن تشيعه بنفسك ...
والله خاطب الرسول بأنه سبحانه أرسله (للناس كافة) وكثيراً ما خاطب الله الناس بقوله لهم (يا أيها الناس ...) فيعاملهم كأناس أولاً وأخيراً ...
والله يحكم بين الناس يوم القيامة بعد أن يكون قد فكر كل فرد بدينه وطريقة تفكيره تفكيراً جيداً كتفكيره على الأقل بطريقة إختيار طعامه وشرابه وملبسه ...
وها هو الله يخاطب العلماء ورجال الدين والمتدينين والناس جميعاً، بأن الحكم هو الله وهو من يحاسب ويعاقب ...
فمن خوّل (البعض) من هؤلاء بالكلام، فيدخلون فئة الجنة ويسكنون اخرى نار السعير، حسب ما يشتهون ويريدون، لا حسبما قال الله والرسول ...
وإن وجد من الله والرسول حديثاً فمن خولك جعل يوم القيامة في الحياة الدنيا لتحاسبون فيها الناس وتحرقونهم بنار فتواكم وفكركم وتطردون الناس من جنة لم يسعها فكركم رغم أنها وسعت السماوات والأرض ...
ها هو الله يكرر مراراً في قرانه الكريم مخاطباً من له فكر وعقل أن يفهم ويفكر:
(إن الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون)اية62/سورة البقرة.
(إن الذين امنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون)اية69/سورة المائدة.
(إن الذين امنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد)اية17/سورة الحج.
فما بال الكثير من المتدينين في يومنا ومن خلفهم رجال دين كثيرين أيضاً من الذين جعلوا الدين في يومنا وزماننا دين العبوات الناسفة والرصاص والسب والشتم والقذف والتشهير وتكفير الناس، ودحض الشرائع لا بالأفكار بل بأصوات الخوف والطرد والعنف والتهديد والأنفجار ...
من الذي جعل الأحقاد والكراهية تربو، ويخفت كل يوم صوت السلام والطمأنينة والحب حتى يكاد أن يصبح أخرساً...
في يومنا هذا الذي أصبحت فيه السياسة تتحكم بالدين وتوجهه حسب ما تريد، وعندما تدخل المتدينون في السياسة فأتلفوها أكثر مما أصلحوا بحالها ...
أتلفت السياسة دينهم ولم يصلح دينهم بالسياسة شيئاً ...
بل زاد دينهم (المزيف) وتوجهاتهم الدينية (المنافقة) وفكرهم الديني (الحاقد) وموروثهم الديني (الشهواني) خراب السياسة خراباً أكثر، وفسادها فساداً أكثر ...
ضيعوا الأخلاق ومأثور القول الذي أصبح زخرف القول ويقولوه للتسلية وحلاوة الكلام لا للتطبيق ...
((يتبعها قريباً الحلقة الثانية))