المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قوة المسلمين في التوحد... والسنة والشيعة يؤمنون بأركان الإسلام الخمسة


فارس اللواء
26-08-2011, 01:30 AM
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ عبد الرحمن شيبان

قوة المسلمين في التوحد... والسنة والشيعة يؤمنون بأركان الإسلام الخمسة

حاوره: عز الدين جلولي

تناهت إلى مسامع المسلمين في المشرق العربي الإسلامي أنباء عودة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ‏للعمل من جديد، بعد انقطاع دام حوالي الأربعين عاماً. والمسلمون إذ يستبشرون خيراً بهذا الاستهلال المجيد ‏يرغبون في معرفة الكثير عن هذه الجمعية الراشدة، التي كان لها الفضل الأول في ترسيخ الدين الإسلامي في ‏النفوس وفي تحريك الألسنة بالحرف العربي، في وقت كانت تسمى الجزائر فرنسيةً.‏

فهذا الشرف العظيم والمجد التليد يثير فينا المزيد من الأسئلة التي تضيء لنا الدرب الذي سار عليه ‏السابقون، ومن بعدهم اللاحقون، فنأمل التفضل بالإجابة عما تيسّر من هذه الهموم، ولكم منا الشكر ‏العميم ومن الله تعالى الفضل الجزيل.‏

1.‏ أنتم فضيلة الشيخ عبد الرحمن شيبان شخصية ذات صيت طيب منذ فترة طويلة، فهل ‏لكم أن تحدثونا عن شخصكم الكريم من حيث الجذور والولادة والنشأة ومسار ‏حياتكم.‏

• الحمد لله الحقيق بالحمد لا أحصي ثناء عليه سبحانه وتعالى هو كما أثنى على نفسه والصلاة على نبيه ‏سيدنا محمد سيد الأنام ، وعلى آله الطيبين الأطهار وصحابته الكرام الأخيار أما بعد:‏ (لقد ولدت في عام 1918 بولاية البويرة، ونشأت في أسرة مسلمة محافظة محبة للإسلام ومعتزة به، ولذا ‏حرص والدي رحمة الله عليه على تنشئتي تنشئة دينية علمية، وقد كان على علاقة طيبة مع الشيخ عبد الحميد ‏بن باديس فدرست بقريتي أولاً، ثم بزاوية الشيخ بن سحنون، ثم أوفدني إلى تونس للدراسة بجامعها المعمور جامع ‏الزيتونة ولما عدت إلى الجزائر دعاني الشيخ البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء والشيخ العربي التبسي مدير ‏معهد بن باديس للتدريس بالمعهد.

أضحيت أستاذا بمعهد عبد الحميد بن باديس واشتغلت بالصحافة حيث كنت أوالي الكتابة بالجرائد ‏التي كانت تصدرها الجمعية. اعتقلتني السلطة الاستعمارية أنا وزوجتي في سبتمبر 1956م. وعملت مستشاراً ‏لرئيس بعثة الثورة الجزائرية بليبيا سنة 1960م.‏

بعد الاستقلال في 22 أوت / آب 1962م نشرت برفقة نخبة من أعضاء الجمعية نداء لإحباط دعوة ‏تجعل اللائكية أساساً للدستور الجزائري. توليت بعدها مهاماً عديدة في الدولة الجزائرية في التربية والتعليم. كما ‏عُيِّنْتُ عضواً في المجلس الإسلامي الأعلى، ووزيراً للشؤون الدينية لمدة ست سنوات (1980- 1986م). ولا ‏أزال أعمل عضواً مؤسساً في مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وأتابع الإشراف على الجمعية ونشاطاتها العامة. ‏

‏2.‏ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جمعية توليتم إعادة بعثها من جديد فهل لكم أن تعرفوا ‏القارئ الكريم في المشرق عن ماهية هذه الجمعية: من أسسها؟ وما هي أهدافها التي عملت ‏لها؟

• إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لم تتأسس صدفة ولا طفرة، بل هي ثمرة جهود قام بها رجال ‏صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقد أرادوها رداً على دعوى المحتل الفرنسي الذي زعم في احتفاله المئوي لاحتلاله ‏الجزائر الذي أقامه سنة 1930 أن الصليب قد هزم الهلال وأخرجه منها إلى الأبد فكان الإعلان عن تأسيسها ‏رداً حازماً وحاسماً على بطلان دعواه، وخيبة مسعاه.‏ كما جاءت تصديقاً لنبوة سيدنا محمد عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم الذي قال:‏ ‏((إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)) ولا يخفى على أحد أن ‏جمعيتنا هذه قد تكفلت قبل الثورة بمهام أساسية حتى يتسنى لها استنهاض أمتنا من الوهدة التي سقطت فيها ‏وتلكم المهام هي:‏

‏- الحفاظ على الإسلام والدفاع عنه ومقاومة كل محاولات تنصير المجتمع.‏
‏- الحفاظ على اللسان العربي ومقاومة محاولات الفرنسة ولإحباطها.‏
‏- مقاومة محاولات الإدماج ومساعي وتذويب المجتمع الجزائري في الكيان الفرنسي.‏
وقد تطلب ذلك نشر التعليم العربي وإذكاء الفكر الديني وبث الوعي السياسي قصد تهيئة العقول ‏والنفوس لتحمل مسؤولية القيام بالواجب حالة نشوب حرب تحريرية تقتضيها رغبة الشعب في استرجاع ‏سيادته المسلوبة ، واعتمدت كذلك إستراتيجية طويلة المدى سخرت لها أدوات منها:‏

‏- إنشاء المدارس والتوسع في التعليم وجعله يشمل الجنسين ومتعدد المراحل واتخاذ الإجراءات التي تسمح ‏لخريجي مدارس الجمعية بمواصلة التعليم العالي خارج الجزائر مثل تونس والمشرق العربي.‏
‏- بناء المساجد والتوسع فيها تكثيراً لمنابر الدعوة ونشراً للفكر الديني الصحيح عند الكبار.‏
‏- تأسيس النوادي لاستقطاب الشباب واتخاذها إطاراً للتكوين الثقافي والسياسي قصد تحصينهم ضد الانحراف ‏ومحاولات تخديرهم من قبل المحتل لصرفهم عن واجبا تهم الوطنية والاجتماعية.‏
‏- إصدار الصحافة الناطقة بالعربية لنشر فكر الجمعية على أوسع نطاق ولاستقطاب الكفاءات ذات التوجه ‏الوطني للاستفادة من جهودها في خدمة أهداف الجمعية.‏
‏- استغلال المجالس العامة والخاصة وتوظيف المناسبات الاجتماعية والدينية لخدمة أهداف الجمعية وتوعية ‏الجماهير بواجبهم تجاه دينهم ولغتهم ووطنهم.‏

‏- إنشاء جمعيات خيرية ورياضية وكشفية لاستغلال الفراغ ومحاربة البطالة وتدريباً لأفراد المجتمع على التنظيم ‏والتسيير لتكوين قاعدة من القيادات تفيد المجتمع في القيام بمسؤولياته كاملة عند اللزوم، وقد استطاعت الجمعية ‏‏- بحمد الله – وبفضل الرجال الذين سخرهم الله لتأسيسها أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد ‏البشير الإبراهيمي والعربي التبسي والفضيل الوارتلاني أن توفق إلى تحقيق أهدافها في تهيئة الشعب للقيام بواجبه ‏نحو وطنه ودينه ولغته إذ ثار في وجه المحتل وحرر أرضه وطهرها من دنسه واسترجع سيادته كاملة غير ‏منقوصة.‏

لقد تأسست هذه الجمعية بمبادرة من العلامة الفاضل الإمام المجاهد المؤمن الوطني الشيخ عبد الحميد ‏بن باديس وزميله في الكفاح الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، بمعية جمهرة من رجال الفكر والدين؛ وذلك على ‏إثر تفكرهما وتدبرهما فيما آل إليه وطنهم وما كان يتهدد دينه وشخصيته من طمس وإدراكهما لفشل العمل ‏الفردي والجهد المعزول، فانتهيا إلى أن الخطب لا يدفع إلا بالعمل الجماعي المنظم. فقررا رحمهما الله تأسيس ‏جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وبادراً على الفور الاتصال بالعلماء ورجال الفكر والدين وتبصرتهم بحاجتهم ‏إلى ضم جهود بعضهم إلى بعض والعمل في إطار منظم يكفل لهم نجاح مسعاهم في استنهاض وطنهم، ‏واستغرق ذلك منهما سنوات حتى تم لهم الأمر سنة 1931 وقد وفقها الله لتحقيق أهدافها واستعاد الشعب حريته وسيادته على أرضه واسترجع الإسلام ‏مكانته في أرض الإسلام هذه، كما استرجع الشعب لغته التي حاول المستعمر الفرنسي تجريده منها وها هي ‏اليوم بعد أن عادت إلى العمل تسعى جاهدة لدعم جهود الدولة في خدمة الإسلام والعربية والحفاظ على ‏سلامة الوحدة الوطنية.‏

أما أعلام الجمعية فيتقدمهم الشيخ الإمام المؤسس عبد الحميد بن باديس ورئيسها الثاني محمد البشير ‏الإبراهيمي ونائبه في الرئاسة العربي التبسي وممثلها بالمشرق العربي الفضيل الوارتيلاني وغيرهم... وغيرهم... ‏فهم لا يحصى عددهم رحمهم الله جميعاً وأكرم مثواهم وجعل الجنة مأواهم.

أما آثار الجمعية فهي كذلك لا تحصى، فقد أسست المدارس والمعاهد ومساجد ونوادي ثقافية ‏وأسست الصحافة وشجعت العمل الاجتماعي الخيري وتكفلت بالشباب فأنشأت لهم النوادي الرياضية ‏والكشفية ويكفيها شرفاً أن رجالها شاركوا في الحياة الثقافية والفكرية بالمشرق العربي أمثال الشيخ محمد ‏البشير الإبراهيمي الذي كان عضواً بالمجمع اللغوي بالقاهرة ودمشق والفضيل الوارتيلاني. ‏ويمكن لكم إذا شئتم أن تتعرفوا على بعض آثارها من الجرائد التي كانت تصدرها مثل المنتقد ‏والشهاب والبصائر. وأنا على يقين أنكم تجدون بها ثروة فكرية تبهركم: بجمالها أسلوباً وسموها فكراً ‏ونضجها وعياً.‏

‏3. بعد الاستقلال توقفت الجمعية لظروف غير مفهومة وقد طال توقفها رغم ما لها من ‏مكانة محترمة في النفوس. فما هي أسباب ذلك التوقف غير الاعتيادي عقب الاستقلال؟

• إن توقف الجمعية عن النشاط لم يكن لظروف غير مفهومة كما قلتم حيث أن الجزائر بعد الاستقلال ‏وتبني الدولة للنظام الاشتراكي الذي يعمل بالحزب الواحد اقتضى ذلك وقف نشاط جميع الجمعيات ‏والمنظمات ماعدا تلك التي تنضوي تحت لواء الحزب. ومع ذلك فإن رجال الجمعية تعبوا على العمل في ‏إطار مبادئها في مختلف المجالات حيث ساهموا في مواجهة التيار العلماني وحمل الدولة على اتخاذ الدين ‏الإسلامي دينا للدولة والعربية لغة وطنية ورسمية لها .‏

‏4. لا نسمع كثيرا ولا قليلا إشارة إلى ما قدمته الجمعية للجزائريين إبان الاحتلال الفرنسي ‏من قبل جهات من الطبقة الحاكمة في الجزائر، فهل ذلك يعود إلى جهلهم بإرثها التاريخي أم ‏أن لذلك علاقة بما تعرضت له الجمعية بداية الاستقلال؟‏

• لا أحد من رجال الدولة الجزائرية وطبقتها الحاكمة يجهل أو ينكر ما قدمته الجمعية قبل وأثناء الثورة على ‏المحتل الفرنسي من خدمات جليلة لعبت دوراً أساسياً وحاسماً في إعداد الشعب للثورة ثم في التفافه حولها ‏ومناصرته لها.‏

وإرثها التاريخي معروف للجميع وذلك لا يمنع من وجود صراع أفكار غير أن ذلك الصراع لا يعني ‏البتة وجود نية مبيتة لدى الطبقة الحاكمة لاستبعاد الجمعية وإقصائها عن دائرة الفعل الاجتماعي وذلك بالتغطية ‏المتعمدة على آثارها ماضياً أو حاضراً. ولا أدل على ما نقول من ذلك الثناء الذي خص به فخامة رئيس ‏الجمهورية الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في الملتقى الذي أقامته الجمعية تحت رعايته السامية يومي 22 و 23 ‏مايو 2005 حيث أن ذلك الثناء دل على عظيم التقدير الذي يكنه فخامته لأحد أبرز رجال الجمعية ‏وللجمعية ذاتها.‏

‏5. صورة الجمعية بعد تجديدها تشابه إلى حد كبير صورتها أيام نشأتها، فما هي الثوابت في مسار الجمعية قديماً وحديثاً؟ وما هي المجالات التي تريد الجمعية التجديد فيها؟

• ما زالت الجمعية متمسكة بمبادئها الإصلاحية الإسلامية ووجهتها الوطنية وتراثها الفكري والأدبي، وهذا ‏ما جعلك تجد في صورتها الحالية شبهاً كبيراً بصورتها الماضية غير أنها إن كانت فيما مضى تمثل المرجع ‏الديني والفكري والتربوي والإصلاحي، فهي في عهدها الحالي تقوم بدور الإسناد لمؤسسات الدولة ‏المتخصصة في الشؤون الدينية والفكرية والثقافية والتربوية والاجتماعية، من حيث أن الأهداف التي كانت ‏تعمل لأجلها قد تحققت، ومن ثم فإن دورها تحول من المطالبة إلى تثبيت وترسيخ ما تحقق من مكاسب ‏وذلك عن طريق التركيز على إثراء الفكر الديني والثقافة العربية بالتعاون مع الجهات الشعبية والرسمية.‏

6. هل لكم أن تحدثونا عن تواجد وحضور الجمعية في الأوساط الشعبية ومدى قدرتها على ‏تأطير الجماهير في شِعَبٍ ولائية ومحلية أي أن تقوموا لنا المسيرة خلال السنوات الأخيرة؟

• بعد مجيء دستور 1989 الذي أقر بالتعددية السياسية سارع رجال الجمعية بالاتصال بعضهم ببعض ‏واتفقوا على بعث الجمعية وسعوا لاعتمادها، وباشرت نشاطها وأول ما بدأت به أنها عاودت إصدار ‏جريدة ( البصائر) لسان حالها. وجاهدت لإعادة تأسيس شعبها الولائية حتى تمكنت من إيجاد تمثيل لها ‏على مستوى كل ولايات الوطن كما تمكنت سنة 2004 من استعادة نادي الترقي ذلك النادي الذي ‏شهد ميلاد الجمعية سنة 1930 وهي تعتزم استرجاع كل المرافق والمدارس خصوصاً تلك التي حُوِّلَتْ عن ‏وضعها الأساسي.‏ والجمعية بحمد الله متواجدة فكرياً وثقافياً واجتماعياً وعلى كل المستويات الشعبية والرسمية.‏
‏7. كيف تتعامل قيادة الجمعية مع باقي الجمعيات السياسية والمحلية الأخرى؟ وهل تتعاطى ‏العمل السياسي إضافة إلى عملها في التربية والتثقيف والإرشاد.‏

• الجمعية تتعامل مع جميع الجمعيات السياسية والمحلية في إطار مبادئها التي تحكمها والتي تفرض عليها ‏التعاون مع الجميع في إطار خدمة أهدافها التي تقتضيها مساندة كل جهد يرمى إلى خدمة الوطن وصيانة ‏سيادته غير أنها لا تتعاطى العمل السياسي الحزبي لأن ذلك ليس من اختصاصها ولذلك تتركز جهودها في ‏المجال الفكري التربوي الديني والسياسة الوطنية العامة.‏

‏8. ما هي رؤية الجمعية لقضايا الوحدة الإسلامية بين المذاهب المختلفة للمسلمين، خاصة وأن ‏لها تجربة في مرحلة التأسيس، عندما اشترك في تأسيسها إباضية ومالكية.‏

• إن رأي الجمعية من حكم الله الوارد في الآية الثالثة عشر من سورة الشورى (((أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا))) (الشورى: من الآية 13) ورأي الجمعية من رأي مؤسسها الإمام عبد الحميد بن باديس الذي قضى بأن الأخوة في الدين ‏تسمو على كل خلاف وعلى كل ما يقبل أو يرد من أفكار، والجمعية لا ترى سبباً للفرقة والاختلاف ‏ما دام الجميع يؤمن بكتاب الله ويأتم برسوله عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم. وإذا كان الناس اليوم ‏يسعون لتقارب الأديان السماوية والمذاهب الأرضية فكيف يحسن بنا أن نختلف نحن المسلمين فيما بيننا ‏خصوصاً أن الاختلافات المذهبية استندت إلى الفروع لا إلى الأصول، فنحن على يقين من أن ذلك يمكن ‏تجاوزه ويمكن أن تتقارب المذاهب فيما بينها ولعل الظروف السياسية الدولية التي تحيط بالأمة الإسلامية ‏اليوم ستسهم بطريقة أو أخرى في التقريب بين مذاهبنا بل قد تعمل على توحيدنا كلية إن شاء الله.‏

‏9. كيف ترى الجمعية لما يثار حاليا من نعرات تفرق بين السنة والشيعة في أكثر من بلد ‏وموقع إسلامي كما نشاهد ذلك في باكستان والعراق ولبنان والخليج؟

• إن جمعيتنا تتألم لذلك أيما ألم ونحن ندعو الله أن يجمع شمل أمتنا ولا يشتته، وحري بالمسلمين أن يستوعبوا ‏واقعهم ويعلموا أن قوتهم في التوحد لا في الفرقة والشتات، ولا نرى تلك الدعوات والطروحات التي ‏تحرض على ذلك إلا كيداً من العدو المتربص، ولذلك نأمل أن ينتبه لذلك المسلمون في كل البلاد ‏الإسلامية وأن يفوتوا على عدونا الفرصة ولا يتركوا له المجال لتفريقنا فالسنة والشيعة كلهم يؤمنون ‏بأركان الإسلام الخمسة الواردة في الصحاح : ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن ‏محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً))، وهم ‏يتجهون إلى قبلة واحدة وفي ذلك ما يتسع للجميع، وهناك مؤسسات دينية إسلامية تسعى مشكورة ‏للتقريب بين المذاهب الإسلامية مثل المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامي الذي مقره بطهران ‏عاصمة الجمهورية الإسلامية بإيران، وكذلك الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي يرأسه الدكتور الشيخ ‏يوسف القرضاوي، وعسى الله أن يبارك جهود المؤمنين ويحقق التقارب .‏

‏10. يدعو كثير من العلماء إلى ضرورة اشتراك كل المسلمين في الحقوق الدينية والسياسية ‏والاجتماعية، مما يعني تغييرا في نمط التعاطي مع مجتمعات ظلت تظهر بمظهر واحد باستمرار ‏كما في السعودية التي تظهر بمظهر سني، والجمهورية الإسلامية التي تظهر بمظهر شيعي. فما ‏هي وجهة نظر الجمعية في مثل هذه الحالة الطارئة ؟ وهل ترون أنها تغني العمل الإسلامي ‏داخل الأمة أم أنها أمور تدعو إلى إثارة الفتنة أكثر مما تدعو إلى البناء والوحدة؟

• إن ما يبدو لكم جديداً في واقع الأمة الإسلامية الراهن ما هو بجديد فقد عرفته في مراحل تطورها ‏التاريخي، ففي العهد العباسي تباينت التيارات الفكرية وتعددت المذاهب وتنوعت الفرق ولكن قوة الدولة ‏جعلتها تتمكن من الحفاظ على التوازنات داخل المجتمع فالعبرة ليست بتغليب مذهب على المذاهب، وإنما ‏العبرة في جعل هذه المذاهب تتعايش داخل المجتمع الواحد في إطار من الاحترام المتبادل من الجميع.

ولا ‏ينبغي أن تنسى أن التنوع هو الأصل ولذلك قال الله تعالى في الآية الثالثة عشر من سورة الحجرات: (((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))) (الحجرات:13).‏ فاختلاف المذاهب أمر طبيعي حتى يتحقق الانسجام الكامل بين الفرد وما يعتقده ويدين به.

وبما أن ‏الأفراد يتفاوتون ذكاءً وفهماً، وشدة وليناً، تعددت المذاهب ليتحقق الانسجام بين هذا وذاك فيجد كل فرد ما ‏يلائمه ويوافق فهمه ومزاجه وتطمئن له نفسه وتقر به عينه، ونحن نعتقد أن مراعاة الدولة في تشريعاتها ‏للاختلافات المذهبية يوطئ لها القلوب ويحقق لها احترام مواطنيها لإرادتها لأنها بذلك تؤكد لهم احترامها ‏لاختياراتهم ومراعاتها، هذا اجتهادنا والله ورسوله أعلم.