فارس اللواء
26-08-2011, 01:30 AM
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ عبد الرحمن شيبان
قوة المسلمين في التوحد... والسنة والشيعة يؤمنون بأركان الإسلام الخمسة
حاوره: عز الدين جلولي
تناهت إلى مسامع المسلمين في المشرق العربي الإسلامي أنباء عودة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للعمل من جديد، بعد انقطاع دام حوالي الأربعين عاماً. والمسلمون إذ يستبشرون خيراً بهذا الاستهلال المجيد يرغبون في معرفة الكثير عن هذه الجمعية الراشدة، التي كان لها الفضل الأول في ترسيخ الدين الإسلامي في النفوس وفي تحريك الألسنة بالحرف العربي، في وقت كانت تسمى الجزائر فرنسيةً.
فهذا الشرف العظيم والمجد التليد يثير فينا المزيد من الأسئلة التي تضيء لنا الدرب الذي سار عليه السابقون، ومن بعدهم اللاحقون، فنأمل التفضل بالإجابة عما تيسّر من هذه الهموم، ولكم منا الشكر العميم ومن الله تعالى الفضل الجزيل.
1. أنتم فضيلة الشيخ عبد الرحمن شيبان شخصية ذات صيت طيب منذ فترة طويلة، فهل لكم أن تحدثونا عن شخصكم الكريم من حيث الجذور والولادة والنشأة ومسار حياتكم.
• الحمد لله الحقيق بالحمد لا أحصي ثناء عليه سبحانه وتعالى هو كما أثنى على نفسه والصلاة على نبيه سيدنا محمد سيد الأنام ، وعلى آله الطيبين الأطهار وصحابته الكرام الأخيار أما بعد: (لقد ولدت في عام 1918 بولاية البويرة، ونشأت في أسرة مسلمة محافظة محبة للإسلام ومعتزة به، ولذا حرص والدي رحمة الله عليه على تنشئتي تنشئة دينية علمية، وقد كان على علاقة طيبة مع الشيخ عبد الحميد بن باديس فدرست بقريتي أولاً، ثم بزاوية الشيخ بن سحنون، ثم أوفدني إلى تونس للدراسة بجامعها المعمور جامع الزيتونة ولما عدت إلى الجزائر دعاني الشيخ البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء والشيخ العربي التبسي مدير معهد بن باديس للتدريس بالمعهد.
أضحيت أستاذا بمعهد عبد الحميد بن باديس واشتغلت بالصحافة حيث كنت أوالي الكتابة بالجرائد التي كانت تصدرها الجمعية. اعتقلتني السلطة الاستعمارية أنا وزوجتي في سبتمبر 1956م. وعملت مستشاراً لرئيس بعثة الثورة الجزائرية بليبيا سنة 1960م.
بعد الاستقلال في 22 أوت / آب 1962م نشرت برفقة نخبة من أعضاء الجمعية نداء لإحباط دعوة تجعل اللائكية أساساً للدستور الجزائري. توليت بعدها مهاماً عديدة في الدولة الجزائرية في التربية والتعليم. كما عُيِّنْتُ عضواً في المجلس الإسلامي الأعلى، ووزيراً للشؤون الدينية لمدة ست سنوات (1980- 1986م). ولا أزال أعمل عضواً مؤسساً في مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وأتابع الإشراف على الجمعية ونشاطاتها العامة.
2. جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جمعية توليتم إعادة بعثها من جديد فهل لكم أن تعرفوا القارئ الكريم في المشرق عن ماهية هذه الجمعية: من أسسها؟ وما هي أهدافها التي عملت لها؟
• إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لم تتأسس صدفة ولا طفرة، بل هي ثمرة جهود قام بها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقد أرادوها رداً على دعوى المحتل الفرنسي الذي زعم في احتفاله المئوي لاحتلاله الجزائر الذي أقامه سنة 1930 أن الصليب قد هزم الهلال وأخرجه منها إلى الأبد فكان الإعلان عن تأسيسها رداً حازماً وحاسماً على بطلان دعواه، وخيبة مسعاه. كما جاءت تصديقاً لنبوة سيدنا محمد عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم الذي قال: ((إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)) ولا يخفى على أحد أن جمعيتنا هذه قد تكفلت قبل الثورة بمهام أساسية حتى يتسنى لها استنهاض أمتنا من الوهدة التي سقطت فيها وتلكم المهام هي:
- الحفاظ على الإسلام والدفاع عنه ومقاومة كل محاولات تنصير المجتمع.
- الحفاظ على اللسان العربي ومقاومة محاولات الفرنسة ولإحباطها.
- مقاومة محاولات الإدماج ومساعي وتذويب المجتمع الجزائري في الكيان الفرنسي.
وقد تطلب ذلك نشر التعليم العربي وإذكاء الفكر الديني وبث الوعي السياسي قصد تهيئة العقول والنفوس لتحمل مسؤولية القيام بالواجب حالة نشوب حرب تحريرية تقتضيها رغبة الشعب في استرجاع سيادته المسلوبة ، واعتمدت كذلك إستراتيجية طويلة المدى سخرت لها أدوات منها:
- إنشاء المدارس والتوسع في التعليم وجعله يشمل الجنسين ومتعدد المراحل واتخاذ الإجراءات التي تسمح لخريجي مدارس الجمعية بمواصلة التعليم العالي خارج الجزائر مثل تونس والمشرق العربي.
- بناء المساجد والتوسع فيها تكثيراً لمنابر الدعوة ونشراً للفكر الديني الصحيح عند الكبار.
- تأسيس النوادي لاستقطاب الشباب واتخاذها إطاراً للتكوين الثقافي والسياسي قصد تحصينهم ضد الانحراف ومحاولات تخديرهم من قبل المحتل لصرفهم عن واجبا تهم الوطنية والاجتماعية.
- إصدار الصحافة الناطقة بالعربية لنشر فكر الجمعية على أوسع نطاق ولاستقطاب الكفاءات ذات التوجه الوطني للاستفادة من جهودها في خدمة أهداف الجمعية.
- استغلال المجالس العامة والخاصة وتوظيف المناسبات الاجتماعية والدينية لخدمة أهداف الجمعية وتوعية الجماهير بواجبهم تجاه دينهم ولغتهم ووطنهم.
- إنشاء جمعيات خيرية ورياضية وكشفية لاستغلال الفراغ ومحاربة البطالة وتدريباً لأفراد المجتمع على التنظيم والتسيير لتكوين قاعدة من القيادات تفيد المجتمع في القيام بمسؤولياته كاملة عند اللزوم، وقد استطاعت الجمعية - بحمد الله – وبفضل الرجال الذين سخرهم الله لتأسيسها أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد البشير الإبراهيمي والعربي التبسي والفضيل الوارتلاني أن توفق إلى تحقيق أهدافها في تهيئة الشعب للقيام بواجبه نحو وطنه ودينه ولغته إذ ثار في وجه المحتل وحرر أرضه وطهرها من دنسه واسترجع سيادته كاملة غير منقوصة.
لقد تأسست هذه الجمعية بمبادرة من العلامة الفاضل الإمام المجاهد المؤمن الوطني الشيخ عبد الحميد بن باديس وزميله في الكفاح الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، بمعية جمهرة من رجال الفكر والدين؛ وذلك على إثر تفكرهما وتدبرهما فيما آل إليه وطنهم وما كان يتهدد دينه وشخصيته من طمس وإدراكهما لفشل العمل الفردي والجهد المعزول، فانتهيا إلى أن الخطب لا يدفع إلا بالعمل الجماعي المنظم. فقررا رحمهما الله تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وبادراً على الفور الاتصال بالعلماء ورجال الفكر والدين وتبصرتهم بحاجتهم إلى ضم جهود بعضهم إلى بعض والعمل في إطار منظم يكفل لهم نجاح مسعاهم في استنهاض وطنهم، واستغرق ذلك منهما سنوات حتى تم لهم الأمر سنة 1931 وقد وفقها الله لتحقيق أهدافها واستعاد الشعب حريته وسيادته على أرضه واسترجع الإسلام مكانته في أرض الإسلام هذه، كما استرجع الشعب لغته التي حاول المستعمر الفرنسي تجريده منها وها هي اليوم بعد أن عادت إلى العمل تسعى جاهدة لدعم جهود الدولة في خدمة الإسلام والعربية والحفاظ على سلامة الوحدة الوطنية.
أما أعلام الجمعية فيتقدمهم الشيخ الإمام المؤسس عبد الحميد بن باديس ورئيسها الثاني محمد البشير الإبراهيمي ونائبه في الرئاسة العربي التبسي وممثلها بالمشرق العربي الفضيل الوارتيلاني وغيرهم... وغيرهم... فهم لا يحصى عددهم رحمهم الله جميعاً وأكرم مثواهم وجعل الجنة مأواهم.
أما آثار الجمعية فهي كذلك لا تحصى، فقد أسست المدارس والمعاهد ومساجد ونوادي ثقافية وأسست الصحافة وشجعت العمل الاجتماعي الخيري وتكفلت بالشباب فأنشأت لهم النوادي الرياضية والكشفية ويكفيها شرفاً أن رجالها شاركوا في الحياة الثقافية والفكرية بالمشرق العربي أمثال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الذي كان عضواً بالمجمع اللغوي بالقاهرة ودمشق والفضيل الوارتيلاني. ويمكن لكم إذا شئتم أن تتعرفوا على بعض آثارها من الجرائد التي كانت تصدرها مثل المنتقد والشهاب والبصائر. وأنا على يقين أنكم تجدون بها ثروة فكرية تبهركم: بجمالها أسلوباً وسموها فكراً ونضجها وعياً.
3. بعد الاستقلال توقفت الجمعية لظروف غير مفهومة وقد طال توقفها رغم ما لها من مكانة محترمة في النفوس. فما هي أسباب ذلك التوقف غير الاعتيادي عقب الاستقلال؟
• إن توقف الجمعية عن النشاط لم يكن لظروف غير مفهومة كما قلتم حيث أن الجزائر بعد الاستقلال وتبني الدولة للنظام الاشتراكي الذي يعمل بالحزب الواحد اقتضى ذلك وقف نشاط جميع الجمعيات والمنظمات ماعدا تلك التي تنضوي تحت لواء الحزب. ومع ذلك فإن رجال الجمعية تعبوا على العمل في إطار مبادئها في مختلف المجالات حيث ساهموا في مواجهة التيار العلماني وحمل الدولة على اتخاذ الدين الإسلامي دينا للدولة والعربية لغة وطنية ورسمية لها .
4. لا نسمع كثيرا ولا قليلا إشارة إلى ما قدمته الجمعية للجزائريين إبان الاحتلال الفرنسي من قبل جهات من الطبقة الحاكمة في الجزائر، فهل ذلك يعود إلى جهلهم بإرثها التاريخي أم أن لذلك علاقة بما تعرضت له الجمعية بداية الاستقلال؟
• لا أحد من رجال الدولة الجزائرية وطبقتها الحاكمة يجهل أو ينكر ما قدمته الجمعية قبل وأثناء الثورة على المحتل الفرنسي من خدمات جليلة لعبت دوراً أساسياً وحاسماً في إعداد الشعب للثورة ثم في التفافه حولها ومناصرته لها.
وإرثها التاريخي معروف للجميع وذلك لا يمنع من وجود صراع أفكار غير أن ذلك الصراع لا يعني البتة وجود نية مبيتة لدى الطبقة الحاكمة لاستبعاد الجمعية وإقصائها عن دائرة الفعل الاجتماعي وذلك بالتغطية المتعمدة على آثارها ماضياً أو حاضراً. ولا أدل على ما نقول من ذلك الثناء الذي خص به فخامة رئيس الجمهورية الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في الملتقى الذي أقامته الجمعية تحت رعايته السامية يومي 22 و 23 مايو 2005 حيث أن ذلك الثناء دل على عظيم التقدير الذي يكنه فخامته لأحد أبرز رجال الجمعية وللجمعية ذاتها.
5. صورة الجمعية بعد تجديدها تشابه إلى حد كبير صورتها أيام نشأتها، فما هي الثوابت في مسار الجمعية قديماً وحديثاً؟ وما هي المجالات التي تريد الجمعية التجديد فيها؟
• ما زالت الجمعية متمسكة بمبادئها الإصلاحية الإسلامية ووجهتها الوطنية وتراثها الفكري والأدبي، وهذا ما جعلك تجد في صورتها الحالية شبهاً كبيراً بصورتها الماضية غير أنها إن كانت فيما مضى تمثل المرجع الديني والفكري والتربوي والإصلاحي، فهي في عهدها الحالي تقوم بدور الإسناد لمؤسسات الدولة المتخصصة في الشؤون الدينية والفكرية والثقافية والتربوية والاجتماعية، من حيث أن الأهداف التي كانت تعمل لأجلها قد تحققت، ومن ثم فإن دورها تحول من المطالبة إلى تثبيت وترسيخ ما تحقق من مكاسب وذلك عن طريق التركيز على إثراء الفكر الديني والثقافة العربية بالتعاون مع الجهات الشعبية والرسمية.
6. هل لكم أن تحدثونا عن تواجد وحضور الجمعية في الأوساط الشعبية ومدى قدرتها على تأطير الجماهير في شِعَبٍ ولائية ومحلية أي أن تقوموا لنا المسيرة خلال السنوات الأخيرة؟
• بعد مجيء دستور 1989 الذي أقر بالتعددية السياسية سارع رجال الجمعية بالاتصال بعضهم ببعض واتفقوا على بعث الجمعية وسعوا لاعتمادها، وباشرت نشاطها وأول ما بدأت به أنها عاودت إصدار جريدة ( البصائر) لسان حالها. وجاهدت لإعادة تأسيس شعبها الولائية حتى تمكنت من إيجاد تمثيل لها على مستوى كل ولايات الوطن كما تمكنت سنة 2004 من استعادة نادي الترقي ذلك النادي الذي شهد ميلاد الجمعية سنة 1930 وهي تعتزم استرجاع كل المرافق والمدارس خصوصاً تلك التي حُوِّلَتْ عن وضعها الأساسي. والجمعية بحمد الله متواجدة فكرياً وثقافياً واجتماعياً وعلى كل المستويات الشعبية والرسمية.
7. كيف تتعامل قيادة الجمعية مع باقي الجمعيات السياسية والمحلية الأخرى؟ وهل تتعاطى العمل السياسي إضافة إلى عملها في التربية والتثقيف والإرشاد.
• الجمعية تتعامل مع جميع الجمعيات السياسية والمحلية في إطار مبادئها التي تحكمها والتي تفرض عليها التعاون مع الجميع في إطار خدمة أهدافها التي تقتضيها مساندة كل جهد يرمى إلى خدمة الوطن وصيانة سيادته غير أنها لا تتعاطى العمل السياسي الحزبي لأن ذلك ليس من اختصاصها ولذلك تتركز جهودها في المجال الفكري التربوي الديني والسياسة الوطنية العامة.
8. ما هي رؤية الجمعية لقضايا الوحدة الإسلامية بين المذاهب المختلفة للمسلمين، خاصة وأن لها تجربة في مرحلة التأسيس، عندما اشترك في تأسيسها إباضية ومالكية.
• إن رأي الجمعية من حكم الله الوارد في الآية الثالثة عشر من سورة الشورى (((أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا))) (الشورى: من الآية 13) ورأي الجمعية من رأي مؤسسها الإمام عبد الحميد بن باديس الذي قضى بأن الأخوة في الدين تسمو على كل خلاف وعلى كل ما يقبل أو يرد من أفكار، والجمعية لا ترى سبباً للفرقة والاختلاف ما دام الجميع يؤمن بكتاب الله ويأتم برسوله عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم. وإذا كان الناس اليوم يسعون لتقارب الأديان السماوية والمذاهب الأرضية فكيف يحسن بنا أن نختلف نحن المسلمين فيما بيننا خصوصاً أن الاختلافات المذهبية استندت إلى الفروع لا إلى الأصول، فنحن على يقين من أن ذلك يمكن تجاوزه ويمكن أن تتقارب المذاهب فيما بينها ولعل الظروف السياسية الدولية التي تحيط بالأمة الإسلامية اليوم ستسهم بطريقة أو أخرى في التقريب بين مذاهبنا بل قد تعمل على توحيدنا كلية إن شاء الله.
9. كيف ترى الجمعية لما يثار حاليا من نعرات تفرق بين السنة والشيعة في أكثر من بلد وموقع إسلامي كما نشاهد ذلك في باكستان والعراق ولبنان والخليج؟
• إن جمعيتنا تتألم لذلك أيما ألم ونحن ندعو الله أن يجمع شمل أمتنا ولا يشتته، وحري بالمسلمين أن يستوعبوا واقعهم ويعلموا أن قوتهم في التوحد لا في الفرقة والشتات، ولا نرى تلك الدعوات والطروحات التي تحرض على ذلك إلا كيداً من العدو المتربص، ولذلك نأمل أن ينتبه لذلك المسلمون في كل البلاد الإسلامية وأن يفوتوا على عدونا الفرصة ولا يتركوا له المجال لتفريقنا فالسنة والشيعة كلهم يؤمنون بأركان الإسلام الخمسة الواردة في الصحاح : ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً))، وهم يتجهون إلى قبلة واحدة وفي ذلك ما يتسع للجميع، وهناك مؤسسات دينية إسلامية تسعى مشكورة للتقريب بين المذاهب الإسلامية مثل المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامي الذي مقره بطهران عاصمة الجمهورية الإسلامية بإيران، وكذلك الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي يرأسه الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي، وعسى الله أن يبارك جهود المؤمنين ويحقق التقارب .
10. يدعو كثير من العلماء إلى ضرورة اشتراك كل المسلمين في الحقوق الدينية والسياسية والاجتماعية، مما يعني تغييرا في نمط التعاطي مع مجتمعات ظلت تظهر بمظهر واحد باستمرار كما في السعودية التي تظهر بمظهر سني، والجمهورية الإسلامية التي تظهر بمظهر شيعي. فما هي وجهة نظر الجمعية في مثل هذه الحالة الطارئة ؟ وهل ترون أنها تغني العمل الإسلامي داخل الأمة أم أنها أمور تدعو إلى إثارة الفتنة أكثر مما تدعو إلى البناء والوحدة؟
• إن ما يبدو لكم جديداً في واقع الأمة الإسلامية الراهن ما هو بجديد فقد عرفته في مراحل تطورها التاريخي، ففي العهد العباسي تباينت التيارات الفكرية وتعددت المذاهب وتنوعت الفرق ولكن قوة الدولة جعلتها تتمكن من الحفاظ على التوازنات داخل المجتمع فالعبرة ليست بتغليب مذهب على المذاهب، وإنما العبرة في جعل هذه المذاهب تتعايش داخل المجتمع الواحد في إطار من الاحترام المتبادل من الجميع.
ولا ينبغي أن تنسى أن التنوع هو الأصل ولذلك قال الله تعالى في الآية الثالثة عشر من سورة الحجرات: (((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))) (الحجرات:13). فاختلاف المذاهب أمر طبيعي حتى يتحقق الانسجام الكامل بين الفرد وما يعتقده ويدين به.
وبما أن الأفراد يتفاوتون ذكاءً وفهماً، وشدة وليناً، تعددت المذاهب ليتحقق الانسجام بين هذا وذاك فيجد كل فرد ما يلائمه ويوافق فهمه ومزاجه وتطمئن له نفسه وتقر به عينه، ونحن نعتقد أن مراعاة الدولة في تشريعاتها للاختلافات المذهبية يوطئ لها القلوب ويحقق لها احترام مواطنيها لإرادتها لأنها بذلك تؤكد لهم احترامها لاختياراتهم ومراعاتها، هذا اجتهادنا والله ورسوله أعلم.
قوة المسلمين في التوحد... والسنة والشيعة يؤمنون بأركان الإسلام الخمسة
حاوره: عز الدين جلولي
تناهت إلى مسامع المسلمين في المشرق العربي الإسلامي أنباء عودة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للعمل من جديد، بعد انقطاع دام حوالي الأربعين عاماً. والمسلمون إذ يستبشرون خيراً بهذا الاستهلال المجيد يرغبون في معرفة الكثير عن هذه الجمعية الراشدة، التي كان لها الفضل الأول في ترسيخ الدين الإسلامي في النفوس وفي تحريك الألسنة بالحرف العربي، في وقت كانت تسمى الجزائر فرنسيةً.
فهذا الشرف العظيم والمجد التليد يثير فينا المزيد من الأسئلة التي تضيء لنا الدرب الذي سار عليه السابقون، ومن بعدهم اللاحقون، فنأمل التفضل بالإجابة عما تيسّر من هذه الهموم، ولكم منا الشكر العميم ومن الله تعالى الفضل الجزيل.
1. أنتم فضيلة الشيخ عبد الرحمن شيبان شخصية ذات صيت طيب منذ فترة طويلة، فهل لكم أن تحدثونا عن شخصكم الكريم من حيث الجذور والولادة والنشأة ومسار حياتكم.
• الحمد لله الحقيق بالحمد لا أحصي ثناء عليه سبحانه وتعالى هو كما أثنى على نفسه والصلاة على نبيه سيدنا محمد سيد الأنام ، وعلى آله الطيبين الأطهار وصحابته الكرام الأخيار أما بعد: (لقد ولدت في عام 1918 بولاية البويرة، ونشأت في أسرة مسلمة محافظة محبة للإسلام ومعتزة به، ولذا حرص والدي رحمة الله عليه على تنشئتي تنشئة دينية علمية، وقد كان على علاقة طيبة مع الشيخ عبد الحميد بن باديس فدرست بقريتي أولاً، ثم بزاوية الشيخ بن سحنون، ثم أوفدني إلى تونس للدراسة بجامعها المعمور جامع الزيتونة ولما عدت إلى الجزائر دعاني الشيخ البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء والشيخ العربي التبسي مدير معهد بن باديس للتدريس بالمعهد.
أضحيت أستاذا بمعهد عبد الحميد بن باديس واشتغلت بالصحافة حيث كنت أوالي الكتابة بالجرائد التي كانت تصدرها الجمعية. اعتقلتني السلطة الاستعمارية أنا وزوجتي في سبتمبر 1956م. وعملت مستشاراً لرئيس بعثة الثورة الجزائرية بليبيا سنة 1960م.
بعد الاستقلال في 22 أوت / آب 1962م نشرت برفقة نخبة من أعضاء الجمعية نداء لإحباط دعوة تجعل اللائكية أساساً للدستور الجزائري. توليت بعدها مهاماً عديدة في الدولة الجزائرية في التربية والتعليم. كما عُيِّنْتُ عضواً في المجلس الإسلامي الأعلى، ووزيراً للشؤون الدينية لمدة ست سنوات (1980- 1986م). ولا أزال أعمل عضواً مؤسساً في مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وأتابع الإشراف على الجمعية ونشاطاتها العامة.
2. جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جمعية توليتم إعادة بعثها من جديد فهل لكم أن تعرفوا القارئ الكريم في المشرق عن ماهية هذه الجمعية: من أسسها؟ وما هي أهدافها التي عملت لها؟
• إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لم تتأسس صدفة ولا طفرة، بل هي ثمرة جهود قام بها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقد أرادوها رداً على دعوى المحتل الفرنسي الذي زعم في احتفاله المئوي لاحتلاله الجزائر الذي أقامه سنة 1930 أن الصليب قد هزم الهلال وأخرجه منها إلى الأبد فكان الإعلان عن تأسيسها رداً حازماً وحاسماً على بطلان دعواه، وخيبة مسعاه. كما جاءت تصديقاً لنبوة سيدنا محمد عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم الذي قال: ((إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)) ولا يخفى على أحد أن جمعيتنا هذه قد تكفلت قبل الثورة بمهام أساسية حتى يتسنى لها استنهاض أمتنا من الوهدة التي سقطت فيها وتلكم المهام هي:
- الحفاظ على الإسلام والدفاع عنه ومقاومة كل محاولات تنصير المجتمع.
- الحفاظ على اللسان العربي ومقاومة محاولات الفرنسة ولإحباطها.
- مقاومة محاولات الإدماج ومساعي وتذويب المجتمع الجزائري في الكيان الفرنسي.
وقد تطلب ذلك نشر التعليم العربي وإذكاء الفكر الديني وبث الوعي السياسي قصد تهيئة العقول والنفوس لتحمل مسؤولية القيام بالواجب حالة نشوب حرب تحريرية تقتضيها رغبة الشعب في استرجاع سيادته المسلوبة ، واعتمدت كذلك إستراتيجية طويلة المدى سخرت لها أدوات منها:
- إنشاء المدارس والتوسع في التعليم وجعله يشمل الجنسين ومتعدد المراحل واتخاذ الإجراءات التي تسمح لخريجي مدارس الجمعية بمواصلة التعليم العالي خارج الجزائر مثل تونس والمشرق العربي.
- بناء المساجد والتوسع فيها تكثيراً لمنابر الدعوة ونشراً للفكر الديني الصحيح عند الكبار.
- تأسيس النوادي لاستقطاب الشباب واتخاذها إطاراً للتكوين الثقافي والسياسي قصد تحصينهم ضد الانحراف ومحاولات تخديرهم من قبل المحتل لصرفهم عن واجبا تهم الوطنية والاجتماعية.
- إصدار الصحافة الناطقة بالعربية لنشر فكر الجمعية على أوسع نطاق ولاستقطاب الكفاءات ذات التوجه الوطني للاستفادة من جهودها في خدمة أهداف الجمعية.
- استغلال المجالس العامة والخاصة وتوظيف المناسبات الاجتماعية والدينية لخدمة أهداف الجمعية وتوعية الجماهير بواجبهم تجاه دينهم ولغتهم ووطنهم.
- إنشاء جمعيات خيرية ورياضية وكشفية لاستغلال الفراغ ومحاربة البطالة وتدريباً لأفراد المجتمع على التنظيم والتسيير لتكوين قاعدة من القيادات تفيد المجتمع في القيام بمسؤولياته كاملة عند اللزوم، وقد استطاعت الجمعية - بحمد الله – وبفضل الرجال الذين سخرهم الله لتأسيسها أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد البشير الإبراهيمي والعربي التبسي والفضيل الوارتلاني أن توفق إلى تحقيق أهدافها في تهيئة الشعب للقيام بواجبه نحو وطنه ودينه ولغته إذ ثار في وجه المحتل وحرر أرضه وطهرها من دنسه واسترجع سيادته كاملة غير منقوصة.
لقد تأسست هذه الجمعية بمبادرة من العلامة الفاضل الإمام المجاهد المؤمن الوطني الشيخ عبد الحميد بن باديس وزميله في الكفاح الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، بمعية جمهرة من رجال الفكر والدين؛ وذلك على إثر تفكرهما وتدبرهما فيما آل إليه وطنهم وما كان يتهدد دينه وشخصيته من طمس وإدراكهما لفشل العمل الفردي والجهد المعزول، فانتهيا إلى أن الخطب لا يدفع إلا بالعمل الجماعي المنظم. فقررا رحمهما الله تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وبادراً على الفور الاتصال بالعلماء ورجال الفكر والدين وتبصرتهم بحاجتهم إلى ضم جهود بعضهم إلى بعض والعمل في إطار منظم يكفل لهم نجاح مسعاهم في استنهاض وطنهم، واستغرق ذلك منهما سنوات حتى تم لهم الأمر سنة 1931 وقد وفقها الله لتحقيق أهدافها واستعاد الشعب حريته وسيادته على أرضه واسترجع الإسلام مكانته في أرض الإسلام هذه، كما استرجع الشعب لغته التي حاول المستعمر الفرنسي تجريده منها وها هي اليوم بعد أن عادت إلى العمل تسعى جاهدة لدعم جهود الدولة في خدمة الإسلام والعربية والحفاظ على سلامة الوحدة الوطنية.
أما أعلام الجمعية فيتقدمهم الشيخ الإمام المؤسس عبد الحميد بن باديس ورئيسها الثاني محمد البشير الإبراهيمي ونائبه في الرئاسة العربي التبسي وممثلها بالمشرق العربي الفضيل الوارتيلاني وغيرهم... وغيرهم... فهم لا يحصى عددهم رحمهم الله جميعاً وأكرم مثواهم وجعل الجنة مأواهم.
أما آثار الجمعية فهي كذلك لا تحصى، فقد أسست المدارس والمعاهد ومساجد ونوادي ثقافية وأسست الصحافة وشجعت العمل الاجتماعي الخيري وتكفلت بالشباب فأنشأت لهم النوادي الرياضية والكشفية ويكفيها شرفاً أن رجالها شاركوا في الحياة الثقافية والفكرية بالمشرق العربي أمثال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الذي كان عضواً بالمجمع اللغوي بالقاهرة ودمشق والفضيل الوارتيلاني. ويمكن لكم إذا شئتم أن تتعرفوا على بعض آثارها من الجرائد التي كانت تصدرها مثل المنتقد والشهاب والبصائر. وأنا على يقين أنكم تجدون بها ثروة فكرية تبهركم: بجمالها أسلوباً وسموها فكراً ونضجها وعياً.
3. بعد الاستقلال توقفت الجمعية لظروف غير مفهومة وقد طال توقفها رغم ما لها من مكانة محترمة في النفوس. فما هي أسباب ذلك التوقف غير الاعتيادي عقب الاستقلال؟
• إن توقف الجمعية عن النشاط لم يكن لظروف غير مفهومة كما قلتم حيث أن الجزائر بعد الاستقلال وتبني الدولة للنظام الاشتراكي الذي يعمل بالحزب الواحد اقتضى ذلك وقف نشاط جميع الجمعيات والمنظمات ماعدا تلك التي تنضوي تحت لواء الحزب. ومع ذلك فإن رجال الجمعية تعبوا على العمل في إطار مبادئها في مختلف المجالات حيث ساهموا في مواجهة التيار العلماني وحمل الدولة على اتخاذ الدين الإسلامي دينا للدولة والعربية لغة وطنية ورسمية لها .
4. لا نسمع كثيرا ولا قليلا إشارة إلى ما قدمته الجمعية للجزائريين إبان الاحتلال الفرنسي من قبل جهات من الطبقة الحاكمة في الجزائر، فهل ذلك يعود إلى جهلهم بإرثها التاريخي أم أن لذلك علاقة بما تعرضت له الجمعية بداية الاستقلال؟
• لا أحد من رجال الدولة الجزائرية وطبقتها الحاكمة يجهل أو ينكر ما قدمته الجمعية قبل وأثناء الثورة على المحتل الفرنسي من خدمات جليلة لعبت دوراً أساسياً وحاسماً في إعداد الشعب للثورة ثم في التفافه حولها ومناصرته لها.
وإرثها التاريخي معروف للجميع وذلك لا يمنع من وجود صراع أفكار غير أن ذلك الصراع لا يعني البتة وجود نية مبيتة لدى الطبقة الحاكمة لاستبعاد الجمعية وإقصائها عن دائرة الفعل الاجتماعي وذلك بالتغطية المتعمدة على آثارها ماضياً أو حاضراً. ولا أدل على ما نقول من ذلك الثناء الذي خص به فخامة رئيس الجمهورية الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في الملتقى الذي أقامته الجمعية تحت رعايته السامية يومي 22 و 23 مايو 2005 حيث أن ذلك الثناء دل على عظيم التقدير الذي يكنه فخامته لأحد أبرز رجال الجمعية وللجمعية ذاتها.
5. صورة الجمعية بعد تجديدها تشابه إلى حد كبير صورتها أيام نشأتها، فما هي الثوابت في مسار الجمعية قديماً وحديثاً؟ وما هي المجالات التي تريد الجمعية التجديد فيها؟
• ما زالت الجمعية متمسكة بمبادئها الإصلاحية الإسلامية ووجهتها الوطنية وتراثها الفكري والأدبي، وهذا ما جعلك تجد في صورتها الحالية شبهاً كبيراً بصورتها الماضية غير أنها إن كانت فيما مضى تمثل المرجع الديني والفكري والتربوي والإصلاحي، فهي في عهدها الحالي تقوم بدور الإسناد لمؤسسات الدولة المتخصصة في الشؤون الدينية والفكرية والثقافية والتربوية والاجتماعية، من حيث أن الأهداف التي كانت تعمل لأجلها قد تحققت، ومن ثم فإن دورها تحول من المطالبة إلى تثبيت وترسيخ ما تحقق من مكاسب وذلك عن طريق التركيز على إثراء الفكر الديني والثقافة العربية بالتعاون مع الجهات الشعبية والرسمية.
6. هل لكم أن تحدثونا عن تواجد وحضور الجمعية في الأوساط الشعبية ومدى قدرتها على تأطير الجماهير في شِعَبٍ ولائية ومحلية أي أن تقوموا لنا المسيرة خلال السنوات الأخيرة؟
• بعد مجيء دستور 1989 الذي أقر بالتعددية السياسية سارع رجال الجمعية بالاتصال بعضهم ببعض واتفقوا على بعث الجمعية وسعوا لاعتمادها، وباشرت نشاطها وأول ما بدأت به أنها عاودت إصدار جريدة ( البصائر) لسان حالها. وجاهدت لإعادة تأسيس شعبها الولائية حتى تمكنت من إيجاد تمثيل لها على مستوى كل ولايات الوطن كما تمكنت سنة 2004 من استعادة نادي الترقي ذلك النادي الذي شهد ميلاد الجمعية سنة 1930 وهي تعتزم استرجاع كل المرافق والمدارس خصوصاً تلك التي حُوِّلَتْ عن وضعها الأساسي. والجمعية بحمد الله متواجدة فكرياً وثقافياً واجتماعياً وعلى كل المستويات الشعبية والرسمية.
7. كيف تتعامل قيادة الجمعية مع باقي الجمعيات السياسية والمحلية الأخرى؟ وهل تتعاطى العمل السياسي إضافة إلى عملها في التربية والتثقيف والإرشاد.
• الجمعية تتعامل مع جميع الجمعيات السياسية والمحلية في إطار مبادئها التي تحكمها والتي تفرض عليها التعاون مع الجميع في إطار خدمة أهدافها التي تقتضيها مساندة كل جهد يرمى إلى خدمة الوطن وصيانة سيادته غير أنها لا تتعاطى العمل السياسي الحزبي لأن ذلك ليس من اختصاصها ولذلك تتركز جهودها في المجال الفكري التربوي الديني والسياسة الوطنية العامة.
8. ما هي رؤية الجمعية لقضايا الوحدة الإسلامية بين المذاهب المختلفة للمسلمين، خاصة وأن لها تجربة في مرحلة التأسيس، عندما اشترك في تأسيسها إباضية ومالكية.
• إن رأي الجمعية من حكم الله الوارد في الآية الثالثة عشر من سورة الشورى (((أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا))) (الشورى: من الآية 13) ورأي الجمعية من رأي مؤسسها الإمام عبد الحميد بن باديس الذي قضى بأن الأخوة في الدين تسمو على كل خلاف وعلى كل ما يقبل أو يرد من أفكار، والجمعية لا ترى سبباً للفرقة والاختلاف ما دام الجميع يؤمن بكتاب الله ويأتم برسوله عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم. وإذا كان الناس اليوم يسعون لتقارب الأديان السماوية والمذاهب الأرضية فكيف يحسن بنا أن نختلف نحن المسلمين فيما بيننا خصوصاً أن الاختلافات المذهبية استندت إلى الفروع لا إلى الأصول، فنحن على يقين من أن ذلك يمكن تجاوزه ويمكن أن تتقارب المذاهب فيما بينها ولعل الظروف السياسية الدولية التي تحيط بالأمة الإسلامية اليوم ستسهم بطريقة أو أخرى في التقريب بين مذاهبنا بل قد تعمل على توحيدنا كلية إن شاء الله.
9. كيف ترى الجمعية لما يثار حاليا من نعرات تفرق بين السنة والشيعة في أكثر من بلد وموقع إسلامي كما نشاهد ذلك في باكستان والعراق ولبنان والخليج؟
• إن جمعيتنا تتألم لذلك أيما ألم ونحن ندعو الله أن يجمع شمل أمتنا ولا يشتته، وحري بالمسلمين أن يستوعبوا واقعهم ويعلموا أن قوتهم في التوحد لا في الفرقة والشتات، ولا نرى تلك الدعوات والطروحات التي تحرض على ذلك إلا كيداً من العدو المتربص، ولذلك نأمل أن ينتبه لذلك المسلمون في كل البلاد الإسلامية وأن يفوتوا على عدونا الفرصة ولا يتركوا له المجال لتفريقنا فالسنة والشيعة كلهم يؤمنون بأركان الإسلام الخمسة الواردة في الصحاح : ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً))، وهم يتجهون إلى قبلة واحدة وفي ذلك ما يتسع للجميع، وهناك مؤسسات دينية إسلامية تسعى مشكورة للتقريب بين المذاهب الإسلامية مثل المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامي الذي مقره بطهران عاصمة الجمهورية الإسلامية بإيران، وكذلك الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي يرأسه الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي، وعسى الله أن يبارك جهود المؤمنين ويحقق التقارب .
10. يدعو كثير من العلماء إلى ضرورة اشتراك كل المسلمين في الحقوق الدينية والسياسية والاجتماعية، مما يعني تغييرا في نمط التعاطي مع مجتمعات ظلت تظهر بمظهر واحد باستمرار كما في السعودية التي تظهر بمظهر سني، والجمهورية الإسلامية التي تظهر بمظهر شيعي. فما هي وجهة نظر الجمعية في مثل هذه الحالة الطارئة ؟ وهل ترون أنها تغني العمل الإسلامي داخل الأمة أم أنها أمور تدعو إلى إثارة الفتنة أكثر مما تدعو إلى البناء والوحدة؟
• إن ما يبدو لكم جديداً في واقع الأمة الإسلامية الراهن ما هو بجديد فقد عرفته في مراحل تطورها التاريخي، ففي العهد العباسي تباينت التيارات الفكرية وتعددت المذاهب وتنوعت الفرق ولكن قوة الدولة جعلتها تتمكن من الحفاظ على التوازنات داخل المجتمع فالعبرة ليست بتغليب مذهب على المذاهب، وإنما العبرة في جعل هذه المذاهب تتعايش داخل المجتمع الواحد في إطار من الاحترام المتبادل من الجميع.
ولا ينبغي أن تنسى أن التنوع هو الأصل ولذلك قال الله تعالى في الآية الثالثة عشر من سورة الحجرات: (((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))) (الحجرات:13). فاختلاف المذاهب أمر طبيعي حتى يتحقق الانسجام الكامل بين الفرد وما يعتقده ويدين به.
وبما أن الأفراد يتفاوتون ذكاءً وفهماً، وشدة وليناً، تعددت المذاهب ليتحقق الانسجام بين هذا وذاك فيجد كل فرد ما يلائمه ويوافق فهمه ومزاجه وتطمئن له نفسه وتقر به عينه، ونحن نعتقد أن مراعاة الدولة في تشريعاتها للاختلافات المذهبية يوطئ لها القلوب ويحقق لها احترام مواطنيها لإرادتها لأنها بذلك تؤكد لهم احترامها لاختياراتهم ومراعاتها، هذا اجتهادنا والله ورسوله أعلم.