مرتضى علي الحلي
26-08-2011, 08:51 PM
(( قراءة معرفيّة في ضرورة التعاطي العَقَدي والمنهجي مع الإمام المهدي(عليه السلام) في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المُبارك ))::::القسم الحادي عشر والأخير ::::
===============================
((مِنهاجيَّة دُعاء الإفتتاح إنموذجا)):: القسم الحادي عشر والأخير ::
===============================
(القسم ا لحادي عشر والأخير )
==========
بسم الله الرحمن الرحيم
(( ألّلُهمّ ما عرفتنا من الحق فحمّلناه وما قصرنا عنه فبلّغناه . اللهم المم به شعثنا واشعب به صدعنا وارتق به فتقنا ،و كثر به قلتنا ، وأعز به ذلتنا ، واغن به عائلنا ،
واقض به عن مغرمنا ، واجبر به فقرنا ، وسد به خلتنا ، ويسر به عسرنا ، وبيض به وجوهنا ، وفك به أسرنا ، وانجح به طلبتنا ، وانجز به مواعيدنا ، واستجب به دعوتنا ، وأعطنا به آمالنا وأعطنا به فوق رغبتنا .
يا خير المسؤولين وأوسع المعطين ، اشف به صدورنا ، واذهب به غيظ قلوبنا ، واهدنا به لما اختلف فيه من الحق باذنك ، انك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ، وانصرنا به على عدوك وعدونا اله الحق آمين .
ألّلهُم إنّا نشكو إليك فقد نبينا صلواتك عليه وآله وغيبة امامنا وكثرة عدونا وقلة عددنا، وشدة الفتن بنا وتظاهر الزمان علينا ، فصل على محمد وآل محمد وأعنا على ذلك بفتح منك تعجله وبضر تكشفه ، ونصر تعزه ، وسلطان حق تظهره ورحمة منك تجللناها ، وعافية تلبسناها ، برحمتك يا ارحم الراحمين ))
يطرحُ هذا النصُ الأخير من دعاء الإفتتاح مقولات قيمية تربوية وحقوقية تصبُ في صالح وصلاح الإنسان حياتيا
وأبرز هذه المقولات هو(معرفة الحق) و(تحَمُّل الحق)
والتي إستبطنتهما مفردة::
((ألّلُهمّ ما عرفتنا من الحق فحمّلناه وما قصرنا عنه فبلّغناه))
فمعرفة الحق وشؤوناته وتحمل أدائه وتطبيقه تُعتبَر المعيار والمِلاك في تحديد خيارات الأنسان فكريا وشرعيا وسلوكيا
بمعنى على الأنسان المؤمن أن يَعرِفَ الحق أولاً ويُذعِن به ثانيا ويُطبقه ثالثا ويتبع حملته وأهله رابعا
والحق هوأمرٌ واضح وبديهي في صوره المتعدده من الفكر الحق والإعتقاد الحق والأخلاقيات الحقة والمنهج الحق والثقافة والمعرفة الحقة
وتوصيفاته واسعة جدا ولكن تطبيقاته قليلة جدا في نفس الوقت.
كما ذكر ذلك أمير المؤمنين الإمام علي /ع/::فقال/ع/::
((الحق أوسع الأشياء في التواصف ، وأضيقها في التناصف ،
لا يجري لأحد إلا جرى عليه ، ولا يجري عليه إلا جرى له ،
ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصا لله سبحانه ))/نهج البلاغة/خ/216.
وأمير المؤمنين علي/ع/ نفسه قد أسس لنا معيارية رائعة في طريقة ونمطية التعاطي مع مفاهيم الحق وتطبيقاته وحدد لنا/ع/ بوصلة معرفة الحق وتشخيصه
فقال/ع/::
((لايُعرف الحق بالرجال إعرف الحق تعرف أهله))/بحار الأنوار /المجلسي/ج/40/ص126.
إذن معرفة الحق هي وظيفة الإنسان المؤمن بعدما يُعرّفه الله تعالى به
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً }الكهف29
و:
((ألّلُهمّ ما عرفتنا من الحق فحمّلناه وما قصرنا عنه فبلّغناه))
وعلى اساس معرفة الحق وأهله يكون القبول والرفض اسلوبنا المعياري في تعاطينا مع الأشياء كافة
فبقول الحق نقبل الأشياء وحملتها .
وهذه قيمة مقدّسة لاينبغي التفريط بها واقعا
وأستَشهدُ بصورة رائعة عن هذه الحقيقة وهي::
عند قراءة الحوارية التي دارت بين الإمام الحسين(ع) وأخيه (محمد بن الحنفية) والتي ركّزفيها الحسين /ع/على ضرورة الإصلاح وتطبيقه ميدانيا حينما قال/ع/.
((إني لم أخرج أشراً ولا بطرا ولا مُفسدا ولاظالما وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي . أُريدُ أن أمرَ بالمعروف وأنهى عن المنكر. ))
((فمن قبلني بقبول الحق فألله أولى بالحق ومن ردّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي ألله بيني وبين القوم بالحق وهو خيرٌ الحاكمين)). ...... (موضع الشاهد)
وفي هذا النص الوثائقي من لدن الحسين(ع) يظهر للقارىء الواعي معيارية وقيمية
النهضة الحسينية الشريفة والتي تقومت بمقولة إصلاح الأمة وتقويمها بعد الأعوجاج الذي حصل في وقت حكم الأمويين.
وهذه المعيارية القيمية في حركة الحسين (ع) المجتمعية تعنونت بعنوان وملاك قبول الحق والذي هو محور مقدّس يجمع حوله كل مقولات وغايات ألله تعالى في تعاطيه مع عباده في هذه الحياة الدنيا .
وهذا الملاك ( القبول بقبول الحق) يَفتحُ تأسيساً جديدا وأصيلاً قيمياً لم يكن معهودا عند الأنظمة الطاغية في وقت نهضة الحسين(ع) فلذا رسخه الحسين (ع) في حركته ترسيخاً ودعماً لمقولة أبيه الإمام علي(ع) ::
(( إعرِف الحق تَعرِف أهله لايُعرَفُ الحقّ بالرجال )).
هذا من جهة ومن جهة اخرى إنّ ملاكيّة ومعياريّة
( القبول بقبول الحق)
تُبعِد الأنسان المُصلِح عن ذاتياته البشرية كمنزلته ودرجته الخاصة حياتيا لذا نجدُ
الحسين (ع) كان مُلتفتاً إلتفاتا سديدا وواعيا لما يؤسس نظريا وتطبيقيا لمشروع التغيير ولأجل قطع الطريق أمام خصومه من اتهامه بالتأسيس لشخصه وذاته
حيثُ أنه (ع) ::
((لم يقُل ..فمن قبلني لشرفي ومنزلتي في المسلمين وقرابتي من رسول ألله (ص) وما إلى ذلك ...لم يقُل شيئا من هذا ..إنّ قبوله يجب أن يكون عنده (ع) بقبول الحق فهذا داعٍ من دعاته وحين يقبلُ الناس داعي الحق فإنما يقبلونه لما يحمله إليهم من الحق والخير لا لنفسه))
//1// هذا النصُ مُقتبس من كلام المرحوم الشيخ
محمد مهدي شمس الدين في كتابه القيّم ( ثورة الحسين) ص140/ .
ومن أبرزصورمعرفة الحق وضرورة تحمله هي معرفة إمام الزمان والإيمان به عَقّديّا.
وأعني الإمام المهدي/ع/ وهو اليوم إمام العصر والإنسان في عصر الغيبة الكبرى.
والروايات الصحيحة بعد تأكيد القرآن الكريم على حقيقة أصل الإمامة الحقة والمجعولة ربانيا بعد ختم النبوة أكدت هذا الأصل بصورة لاتقبل الشك .
قال النبي محمد صلى الله عليه وآله :
(( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ))/الرسائل العشر/ الطوسي/ص317.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ؟
قلتُ(الراوي) : جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف إمامه ؟
قال/ص/ : ((جاهلية كفر ونفاق وضلال ) ) /الكافي /الكليني/ج1/ص 374.
وإليك عزيزي القارىء روايات صحيحة أخرى عن الأئمة المعصومين/ع/ وهذه متونها كمايلي::
((إن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام ، حتى يعرف )) .
(( إن الأرض لا تخلو إلا وفيها إمام))
وفي صحيحة ابن أبي العلاء :يسأل أحد الأئمة /ع/
تكون الأرض ليس فيها إمام ؟
قال /ع/: " لا "
وفي رواية أبي حمزة : (( لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت ))
وفي رواية أبي هراسة : ((لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها ))
. وفي رواية يونس : (( لو لم يكن في الأرض إلا اثنان لكان الإمام أحدهما ))/مستند الشيعة/ المحقق النراقي/ج6/ص26.
إذن إذا أدركنا وعرفنا الحق بصوره المتعدده والتي عرّفنا الله تعالى بها وعلى رأسها توحيده سبحانه والإيمان به وببعثة نبيه محمد /ص/والإعتقاد بإمامة المعصومين/ع/ المنصوبين من قبل الله تعالى وضرورة الإيمان بعدل الله تعالى وبعثه للخلائق لمحاسبتها وجزائها يوم يقوم الناس لرب العالمين.
إذا عرفنا ذلك كله ينبغي علينا أن ندرك جيدا أنّ وجود ونصب الإمام بصورة عامة وخصوصا عقيدتنا بوجود وإمامة الإمام المهدي/ع/ هو تأمين عقدي وذهني وشرعي وإجتماعي وأخلاقي لحياتنا البشرية إذ أنه من دون وجود إمام للناس سيحصل الأختلاف والتناحر والفساد بين بني البشر
لأنّ البشر غير المعصوم يتحرك وفق هواه بعيدا عن الله تعالى في الأعم الأغلب
فلذا تكون ضرورة الإمامة أمانا للناس من التفرق والتناحروالضياع الفكري.
وهذا ما أكدته الصديقة الزهراء/ع/ نصا في خطبتها الشهيرة في المسجد النبوي الشريف
فقالت/ع/::
((وطاعتنا نظاما للملة ، وإمامتنا أمانا من الفرقة))
/أعيان الشيعة/السيد محسن الأمين/ج1/ص316.
فطبيعي أن نجد في متن دعاء الإفتتاح الشريف مهمات الإمام المعصوم/ع/ وأخص بالذكر خاتم الأئمة/ع/ الإمام المهدي/ع/
ومنها ما قاله/ع/:
((اللهم المم به شعثنا واشعب به صدعنا وارتق به فتقنا ،و كثر به قلتنا ، وأعز به ذلتنا ، واغن به عائلنا ،
واقض به عن مغرمنا ، واجبر به فقرنا ، وسد به خلتنا ، ويسر به عسرنا ، وبيض به وجوهنا ، وفك به أسرنا ، وانجح به طلبتنا ، وانجز به مواعيدنا ، واستجب به دعوتنا ، وأعطنا به آمالنا وأعطنا به فوق رغبتنا .
يا خير المسؤولين وأوسع المعطين ، اشف به صدورنا ، واذهب به غيظ قلوبنا ، واهدنا به لما اختلف فيه من الحق باذنك ، انك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ، وانصرنا به على عدوك وعدونا اله الحق آمين .))
فلاحظوا أحبتي مصطلحات متن الدعاء أعلاه والتي من أهمها:
لملمة الشعث/ وهو تعبير يرمز الى جمع الشتات ومنع التفرق
و(اشعب به صدعنا) والصدع هو التشقق الذي يظهر في جسم الجدار
وهنا تعبير رائع حيثُ يُشبه الإمام المهدي/ع/ المجتمع البشري بالكتلة الواحدة والتي يُصيبها التصدّع والتشقق المادي والمعنوي في كيانيتها في حال غياب الإمام المعصوم/ع/ وعدم تمكنه من تدبير أمر البشرية وجوديا وحياتيا.
فيكون المعنى هو تقويم الصدع وإصلاحه معنويا وماديا بواسطة ظهور الإمام المهدي/ع/.
ومصطلح(وإرتق به فتقنا) هو الآخرمن التعابير القيمية التي تُحدد الوظيفة الأساسية للإمام /ع/
والرتق هوسد الفتق ولصقه ببعضه البعض ماديا ومعنويا
ومعنى الفتق هنا هو ما حصل من إنحراف ديني ودنيوي بعد شهادة الخاتم محمد/ص/ وما نجم عن ذلك من دفع المعصومين/ع/ عن مقامهم ومراتبهم التي رتبهم الله فيها .
فالإمام المهدي/ع/هو الذي سيرتق الفتق دينيا ودنيويا حتى يعم العدل والصلاح في الآرض عامة.
وهكذا الحال مع بقية مصطلحات الدعاء الشريف والتي هي وظائف للمعصوم/ع/ كلها تنص على إصلاح الحال الإقتصادي والإجتماعي والفكري والأخلاقي للبشرية عامة.
وهذا ما ستتوفر عليه دولة العدل الألهي الظاهرة إن شاء الله تعالى على يد الإمام المهدي/ع/
وأخيرا تحصل في متن وختام دعاء الإفتتاح نقله ندبية عظيمة تُحدد الفقرات التالية معالمها ::
((ألّلهُم إنّا نشكو إليك فقد نبينا صلواتك عليه وآله وغيبة امامنا وكثرة عدونا وقلة عددنا ، وشدة الفتن بنا وتظاهر الزمان علينا ، فصل على محمد وآل محمد وأعنا على ذلك بفتح منك تعجله وبضر تكشفه ، ونصر تعزه ، وسلطان حق تظهره ورحمة منك تجللناها ، وعافية تلبسناها ، برحمتك يا ارحم الراحمين ))
فحقيقية إنّ مضامين هذه الشكوى لله تعالى هي وقفات صعبة جدا وعسيرة على الإنسان المؤمن وخصوصا فقد النبي محمد/ص/ ذلك الرسول الأكرم والذي عبّر عنه القرآن الكريم بالرحمة الألهية للناس كافة.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107
وقد رأينا ماذا حصل مباشرة بعد فقد النبي محمد/ص/ وما جرى والى يومنا هذا نتحمل آثار الذي وقع وتبعاته .
وغيبة إمامنا أو ولينا في بعض المتون هي محنة اخرى ما بعدها محنة وأعني وقوع الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي/ع/ تلك الغيبة التي معها حُرمّنا من رؤية وطلعة وظهور إمامنا والتي لولم تقع لكان حالنا على غير ما نحن عليه يقينا .
س
ونسأل الله رفعها وتعجيل ظهور إمامنا المهدي/ع/
والمفارقات الأخرى والتي نعيشها واقعا هي كثرة الأعداء وقلة العدد وتظاهر الزمان علينا بفتنه وبلاءه
وهذه هي من علامات ومعالم آخر الزمان حيثُ يكثر الأعداء وتشتد الفتن بنا
ولا منجي من ذلك إلاّ الله تعالى فبالتوسل والعمل الصالح والأخلاص والوعي ستنفرج الأمورقطعا إن شاء الله تعالى.
قال تعالى::
{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }الزمر61
وأخيرا ياربّ::
(( فصل على محمد وآل محمد وأعنا على ذلك بفتح منك تعجله وبضر تكشفه ، ونصر تعزه ، وسلطان حق تظهره ورحمة منك تجللناها ، وعافية تلبسناها ، برحمتك يا ارحم الراحمين ))
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين.
وعجل الله فرج إمامنا المهدي/ع/ وجعلنا من أنصاره الواعين والعاملين بين يديه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف:
===============================
((مِنهاجيَّة دُعاء الإفتتاح إنموذجا)):: القسم الحادي عشر والأخير ::
===============================
(القسم ا لحادي عشر والأخير )
==========
بسم الله الرحمن الرحيم
(( ألّلُهمّ ما عرفتنا من الحق فحمّلناه وما قصرنا عنه فبلّغناه . اللهم المم به شعثنا واشعب به صدعنا وارتق به فتقنا ،و كثر به قلتنا ، وأعز به ذلتنا ، واغن به عائلنا ،
واقض به عن مغرمنا ، واجبر به فقرنا ، وسد به خلتنا ، ويسر به عسرنا ، وبيض به وجوهنا ، وفك به أسرنا ، وانجح به طلبتنا ، وانجز به مواعيدنا ، واستجب به دعوتنا ، وأعطنا به آمالنا وأعطنا به فوق رغبتنا .
يا خير المسؤولين وأوسع المعطين ، اشف به صدورنا ، واذهب به غيظ قلوبنا ، واهدنا به لما اختلف فيه من الحق باذنك ، انك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ، وانصرنا به على عدوك وعدونا اله الحق آمين .
ألّلهُم إنّا نشكو إليك فقد نبينا صلواتك عليه وآله وغيبة امامنا وكثرة عدونا وقلة عددنا، وشدة الفتن بنا وتظاهر الزمان علينا ، فصل على محمد وآل محمد وأعنا على ذلك بفتح منك تعجله وبضر تكشفه ، ونصر تعزه ، وسلطان حق تظهره ورحمة منك تجللناها ، وعافية تلبسناها ، برحمتك يا ارحم الراحمين ))
يطرحُ هذا النصُ الأخير من دعاء الإفتتاح مقولات قيمية تربوية وحقوقية تصبُ في صالح وصلاح الإنسان حياتيا
وأبرز هذه المقولات هو(معرفة الحق) و(تحَمُّل الحق)
والتي إستبطنتهما مفردة::
((ألّلُهمّ ما عرفتنا من الحق فحمّلناه وما قصرنا عنه فبلّغناه))
فمعرفة الحق وشؤوناته وتحمل أدائه وتطبيقه تُعتبَر المعيار والمِلاك في تحديد خيارات الأنسان فكريا وشرعيا وسلوكيا
بمعنى على الأنسان المؤمن أن يَعرِفَ الحق أولاً ويُذعِن به ثانيا ويُطبقه ثالثا ويتبع حملته وأهله رابعا
والحق هوأمرٌ واضح وبديهي في صوره المتعدده من الفكر الحق والإعتقاد الحق والأخلاقيات الحقة والمنهج الحق والثقافة والمعرفة الحقة
وتوصيفاته واسعة جدا ولكن تطبيقاته قليلة جدا في نفس الوقت.
كما ذكر ذلك أمير المؤمنين الإمام علي /ع/::فقال/ع/::
((الحق أوسع الأشياء في التواصف ، وأضيقها في التناصف ،
لا يجري لأحد إلا جرى عليه ، ولا يجري عليه إلا جرى له ،
ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصا لله سبحانه ))/نهج البلاغة/خ/216.
وأمير المؤمنين علي/ع/ نفسه قد أسس لنا معيارية رائعة في طريقة ونمطية التعاطي مع مفاهيم الحق وتطبيقاته وحدد لنا/ع/ بوصلة معرفة الحق وتشخيصه
فقال/ع/::
((لايُعرف الحق بالرجال إعرف الحق تعرف أهله))/بحار الأنوار /المجلسي/ج/40/ص126.
إذن معرفة الحق هي وظيفة الإنسان المؤمن بعدما يُعرّفه الله تعالى به
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً }الكهف29
و:
((ألّلُهمّ ما عرفتنا من الحق فحمّلناه وما قصرنا عنه فبلّغناه))
وعلى اساس معرفة الحق وأهله يكون القبول والرفض اسلوبنا المعياري في تعاطينا مع الأشياء كافة
فبقول الحق نقبل الأشياء وحملتها .
وهذه قيمة مقدّسة لاينبغي التفريط بها واقعا
وأستَشهدُ بصورة رائعة عن هذه الحقيقة وهي::
عند قراءة الحوارية التي دارت بين الإمام الحسين(ع) وأخيه (محمد بن الحنفية) والتي ركّزفيها الحسين /ع/على ضرورة الإصلاح وتطبيقه ميدانيا حينما قال/ع/.
((إني لم أخرج أشراً ولا بطرا ولا مُفسدا ولاظالما وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي . أُريدُ أن أمرَ بالمعروف وأنهى عن المنكر. ))
((فمن قبلني بقبول الحق فألله أولى بالحق ومن ردّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي ألله بيني وبين القوم بالحق وهو خيرٌ الحاكمين)). ...... (موضع الشاهد)
وفي هذا النص الوثائقي من لدن الحسين(ع) يظهر للقارىء الواعي معيارية وقيمية
النهضة الحسينية الشريفة والتي تقومت بمقولة إصلاح الأمة وتقويمها بعد الأعوجاج الذي حصل في وقت حكم الأمويين.
وهذه المعيارية القيمية في حركة الحسين (ع) المجتمعية تعنونت بعنوان وملاك قبول الحق والذي هو محور مقدّس يجمع حوله كل مقولات وغايات ألله تعالى في تعاطيه مع عباده في هذه الحياة الدنيا .
وهذا الملاك ( القبول بقبول الحق) يَفتحُ تأسيساً جديدا وأصيلاً قيمياً لم يكن معهودا عند الأنظمة الطاغية في وقت نهضة الحسين(ع) فلذا رسخه الحسين (ع) في حركته ترسيخاً ودعماً لمقولة أبيه الإمام علي(ع) ::
(( إعرِف الحق تَعرِف أهله لايُعرَفُ الحقّ بالرجال )).
هذا من جهة ومن جهة اخرى إنّ ملاكيّة ومعياريّة
( القبول بقبول الحق)
تُبعِد الأنسان المُصلِح عن ذاتياته البشرية كمنزلته ودرجته الخاصة حياتيا لذا نجدُ
الحسين (ع) كان مُلتفتاً إلتفاتا سديدا وواعيا لما يؤسس نظريا وتطبيقيا لمشروع التغيير ولأجل قطع الطريق أمام خصومه من اتهامه بالتأسيس لشخصه وذاته
حيثُ أنه (ع) ::
((لم يقُل ..فمن قبلني لشرفي ومنزلتي في المسلمين وقرابتي من رسول ألله (ص) وما إلى ذلك ...لم يقُل شيئا من هذا ..إنّ قبوله يجب أن يكون عنده (ع) بقبول الحق فهذا داعٍ من دعاته وحين يقبلُ الناس داعي الحق فإنما يقبلونه لما يحمله إليهم من الحق والخير لا لنفسه))
//1// هذا النصُ مُقتبس من كلام المرحوم الشيخ
محمد مهدي شمس الدين في كتابه القيّم ( ثورة الحسين) ص140/ .
ومن أبرزصورمعرفة الحق وضرورة تحمله هي معرفة إمام الزمان والإيمان به عَقّديّا.
وأعني الإمام المهدي/ع/ وهو اليوم إمام العصر والإنسان في عصر الغيبة الكبرى.
والروايات الصحيحة بعد تأكيد القرآن الكريم على حقيقة أصل الإمامة الحقة والمجعولة ربانيا بعد ختم النبوة أكدت هذا الأصل بصورة لاتقبل الشك .
قال النبي محمد صلى الله عليه وآله :
(( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ))/الرسائل العشر/ الطوسي/ص317.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ؟
قلتُ(الراوي) : جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف إمامه ؟
قال/ص/ : ((جاهلية كفر ونفاق وضلال ) ) /الكافي /الكليني/ج1/ص 374.
وإليك عزيزي القارىء روايات صحيحة أخرى عن الأئمة المعصومين/ع/ وهذه متونها كمايلي::
((إن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام ، حتى يعرف )) .
(( إن الأرض لا تخلو إلا وفيها إمام))
وفي صحيحة ابن أبي العلاء :يسأل أحد الأئمة /ع/
تكون الأرض ليس فيها إمام ؟
قال /ع/: " لا "
وفي رواية أبي حمزة : (( لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت ))
وفي رواية أبي هراسة : ((لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها ))
. وفي رواية يونس : (( لو لم يكن في الأرض إلا اثنان لكان الإمام أحدهما ))/مستند الشيعة/ المحقق النراقي/ج6/ص26.
إذن إذا أدركنا وعرفنا الحق بصوره المتعدده والتي عرّفنا الله تعالى بها وعلى رأسها توحيده سبحانه والإيمان به وببعثة نبيه محمد /ص/والإعتقاد بإمامة المعصومين/ع/ المنصوبين من قبل الله تعالى وضرورة الإيمان بعدل الله تعالى وبعثه للخلائق لمحاسبتها وجزائها يوم يقوم الناس لرب العالمين.
إذا عرفنا ذلك كله ينبغي علينا أن ندرك جيدا أنّ وجود ونصب الإمام بصورة عامة وخصوصا عقيدتنا بوجود وإمامة الإمام المهدي/ع/ هو تأمين عقدي وذهني وشرعي وإجتماعي وأخلاقي لحياتنا البشرية إذ أنه من دون وجود إمام للناس سيحصل الأختلاف والتناحر والفساد بين بني البشر
لأنّ البشر غير المعصوم يتحرك وفق هواه بعيدا عن الله تعالى في الأعم الأغلب
فلذا تكون ضرورة الإمامة أمانا للناس من التفرق والتناحروالضياع الفكري.
وهذا ما أكدته الصديقة الزهراء/ع/ نصا في خطبتها الشهيرة في المسجد النبوي الشريف
فقالت/ع/::
((وطاعتنا نظاما للملة ، وإمامتنا أمانا من الفرقة))
/أعيان الشيعة/السيد محسن الأمين/ج1/ص316.
فطبيعي أن نجد في متن دعاء الإفتتاح الشريف مهمات الإمام المعصوم/ع/ وأخص بالذكر خاتم الأئمة/ع/ الإمام المهدي/ع/
ومنها ما قاله/ع/:
((اللهم المم به شعثنا واشعب به صدعنا وارتق به فتقنا ،و كثر به قلتنا ، وأعز به ذلتنا ، واغن به عائلنا ،
واقض به عن مغرمنا ، واجبر به فقرنا ، وسد به خلتنا ، ويسر به عسرنا ، وبيض به وجوهنا ، وفك به أسرنا ، وانجح به طلبتنا ، وانجز به مواعيدنا ، واستجب به دعوتنا ، وأعطنا به آمالنا وأعطنا به فوق رغبتنا .
يا خير المسؤولين وأوسع المعطين ، اشف به صدورنا ، واذهب به غيظ قلوبنا ، واهدنا به لما اختلف فيه من الحق باذنك ، انك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ، وانصرنا به على عدوك وعدونا اله الحق آمين .))
فلاحظوا أحبتي مصطلحات متن الدعاء أعلاه والتي من أهمها:
لملمة الشعث/ وهو تعبير يرمز الى جمع الشتات ومنع التفرق
و(اشعب به صدعنا) والصدع هو التشقق الذي يظهر في جسم الجدار
وهنا تعبير رائع حيثُ يُشبه الإمام المهدي/ع/ المجتمع البشري بالكتلة الواحدة والتي يُصيبها التصدّع والتشقق المادي والمعنوي في كيانيتها في حال غياب الإمام المعصوم/ع/ وعدم تمكنه من تدبير أمر البشرية وجوديا وحياتيا.
فيكون المعنى هو تقويم الصدع وإصلاحه معنويا وماديا بواسطة ظهور الإمام المهدي/ع/.
ومصطلح(وإرتق به فتقنا) هو الآخرمن التعابير القيمية التي تُحدد الوظيفة الأساسية للإمام /ع/
والرتق هوسد الفتق ولصقه ببعضه البعض ماديا ومعنويا
ومعنى الفتق هنا هو ما حصل من إنحراف ديني ودنيوي بعد شهادة الخاتم محمد/ص/ وما نجم عن ذلك من دفع المعصومين/ع/ عن مقامهم ومراتبهم التي رتبهم الله فيها .
فالإمام المهدي/ع/هو الذي سيرتق الفتق دينيا ودنيويا حتى يعم العدل والصلاح في الآرض عامة.
وهكذا الحال مع بقية مصطلحات الدعاء الشريف والتي هي وظائف للمعصوم/ع/ كلها تنص على إصلاح الحال الإقتصادي والإجتماعي والفكري والأخلاقي للبشرية عامة.
وهذا ما ستتوفر عليه دولة العدل الألهي الظاهرة إن شاء الله تعالى على يد الإمام المهدي/ع/
وأخيرا تحصل في متن وختام دعاء الإفتتاح نقله ندبية عظيمة تُحدد الفقرات التالية معالمها ::
((ألّلهُم إنّا نشكو إليك فقد نبينا صلواتك عليه وآله وغيبة امامنا وكثرة عدونا وقلة عددنا ، وشدة الفتن بنا وتظاهر الزمان علينا ، فصل على محمد وآل محمد وأعنا على ذلك بفتح منك تعجله وبضر تكشفه ، ونصر تعزه ، وسلطان حق تظهره ورحمة منك تجللناها ، وعافية تلبسناها ، برحمتك يا ارحم الراحمين ))
فحقيقية إنّ مضامين هذه الشكوى لله تعالى هي وقفات صعبة جدا وعسيرة على الإنسان المؤمن وخصوصا فقد النبي محمد/ص/ ذلك الرسول الأكرم والذي عبّر عنه القرآن الكريم بالرحمة الألهية للناس كافة.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107
وقد رأينا ماذا حصل مباشرة بعد فقد النبي محمد/ص/ وما جرى والى يومنا هذا نتحمل آثار الذي وقع وتبعاته .
وغيبة إمامنا أو ولينا في بعض المتون هي محنة اخرى ما بعدها محنة وأعني وقوع الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي/ع/ تلك الغيبة التي معها حُرمّنا من رؤية وطلعة وظهور إمامنا والتي لولم تقع لكان حالنا على غير ما نحن عليه يقينا .
س
ونسأل الله رفعها وتعجيل ظهور إمامنا المهدي/ع/
والمفارقات الأخرى والتي نعيشها واقعا هي كثرة الأعداء وقلة العدد وتظاهر الزمان علينا بفتنه وبلاءه
وهذه هي من علامات ومعالم آخر الزمان حيثُ يكثر الأعداء وتشتد الفتن بنا
ولا منجي من ذلك إلاّ الله تعالى فبالتوسل والعمل الصالح والأخلاص والوعي ستنفرج الأمورقطعا إن شاء الله تعالى.
قال تعالى::
{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }الزمر61
وأخيرا ياربّ::
(( فصل على محمد وآل محمد وأعنا على ذلك بفتح منك تعجله وبضر تكشفه ، ونصر تعزه ، وسلطان حق تظهره ورحمة منك تجللناها ، وعافية تلبسناها ، برحمتك يا ارحم الراحمين ))
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين.
وعجل الله فرج إمامنا المهدي/ع/ وجعلنا من أنصاره الواعين والعاملين بين يديه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف: