سلطان البرزخ
29-08-2011, 02:52 AM
ان النظرة العابرة تفترض ان موت الانسان فناؤه وعدمه , وحدد حياة الانسان بالايام التي يعيشها فيما بـيـن ولادتـه ووفاته , في حين نرى ان الاسلام يعتبر الموت انتقالا من مرحلة حياتية الى مرحلة حـيـاتـيـة اخرى , وللانسان حياة ابدية لا نهاية لها,وما الموت الذي يفصل بين الروح والجسم الا ليورده المرحلة الاخرى من حياته , وان السعادة والشقا فيها يعتمدان على الاعمال الحسنة او السيئة في مرحلة حياته قبل الموت , ومما يروى عن النبي (ص ), ما مضمونه , تظنون انكم تفنون بالموت , ولكنكم تنتقلون من بيت لاخر.
4.
عالم البرزخ
ومما يستفاد من القرآن الكريم والسنة , ان الانسان يتمتع بحياة مؤقتة ومحدودة في الحد الفاصل بين الموت ويوم القيامة , والتي تعتبر رابطة بين الحياة الدنيا والحياة الاخرى .
والانـسان بعد موته , يحاسب محاسبة خاصة , من حيث الاعتقاد, والاعمال الحسنة والسيئة التي كان عليها في الدنيا, وبعد هذه المحاسبة المختصرة , ووفقا للنتيجة التي يحصل عليها, يحكم عليه بحياة سعيدة او شقية , ويكون عليها الى يوم القيامة .
وحـالـة الانـسان في عالم البرزخ تشابه كثيرا حالة الشخص الذي يراد التحقيق معه لما قام به من اعمال , فيجلب الى دائرة قضائية كي تتم مراحل الاستجواب والاستنطاق منه , لغرض تنظيم ملف له وبعدها يقضي فترة ينتظر خلالها وقت محاكمته .
روح الانسان في عالم البرزخ , تعيش بالشكل الذي كانت عليه في الدنيا, فاذاكانت من الصلحا, تتمتع بـالـسعادة والنعمة وجوار الصلحا والمقربين للّه تعالى , واذا ماكانت من الاشقيا, تقضيها في النقمة والعذاب , ومصاحبة الاشرار, واهل الضلال .
فاللّه جل شانه يصف حالة بعض السعدا بقوله :
((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه امواتا بل احيا عند ربهم يرزقون ,فرحين مما آتاهم اللّه من فـضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ان لاخوف عليهم ولا هم يحزنون , يستبشرون بنعمة من اللّه وفضل وان اللّه لا يضيع اجرالمؤمنين )).
وفـي وصف حالة مجموعة اخرى , الذين كانوا ينفقون اموالهم وثرواتهم في مشاريع غير مشروعة في الحياة الدنيا, يصفهم بقوله تعالى :
((حتى اذا جا احدهم الموت قال رب ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون )).
5.
يوم القيامة ـ المعاد
يـنـفـرد الـقـرآن الـكريم بين الكتب السماوية , بالتحدث عن المعاد والحشر تفصيلا,في حين ان ((الـتـوراة )) لـم تـشر الى هذا اليوم وهذا الموقف , وكتاب ((الانجيل )) يشيراشارة مختصرة , والـقـرآن يـذكره ويذكر به في مئات الموارد, وباسما شتى , ويشرح عاقبة العالم والبشرية , التي تنتظرهم فتارة باختصار واخرى باسهاب .
ويـذكر مرارا ان الاعتقاد بيوم الجزا (يوم القيامة ) يعادل الاعتقاد باللّه تعالى ,ويعتبر احد الاصول الـثـلاثـة لـلاسـلام ومـنـكـره (منكر المعاد), خارج عن شريعة الاسلام وما عاقبته الا الهلاك والخسران .
وحـقـيـقـة الامر هكذا, اذا لم تكن هناك محاسبة وجزا وعقاب , فان الدعوة الدينية بما تحتوي من اوامر اللّه ونواهيه , لم يكن لها ادنى فائدة او اثر, وان وجود النبوة والابلاغ وعدمه كان سوا, بل يـرجح عدمه على وجوده , لان تقبل الدين واتباع موازين الشرع , لا يخلو من تكلف وسلب للحرية , واذا كـان اتـبـاع الـديـن لم يكن له اثر او نتيجة ,لن يتحمل الناس هذا العب وهذه المسؤولية , ولن يتخلوا عن الحرية الطبيعية .
ومن هنا يتضح ان اهمية ذكر يوم الحشر وتذكره يعادل اهمية اصل الدعوة الدينية .
ويـتـضـح ايـضـا ان الاعـتقاد بيوم الجزا من اهم العوامل التي تجبر الانسان على ان ينتهج الورع والـتـقوى , وان يتجنب الاخلاق الرذيلة , والمعاصي والذنوب , كما ان نسيانه , او عدم الاعتقاد به , سوف يكون اساسا واصلا لكل معصية او ذنب , ويقول جل من قائل :
((ان الذين يضل ون عن سبيل اللّه لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب )).
ومما يلاحظ في الاية , ان منشا كل ضلال هو نسيان يوم الحساب .
والـتـدبـر في خلقة الانسان والعالم , وكذا في الهدف من الشرائع السماوية , يتضح الغرض من اليوم الذي سيلاقيه الانسان ((يوم الجزا)).
ونـحـن عـندما نتدبر الاعمال والافعال في الطبيعة , نرى ان كل عمل (والذي يحتوي على نوع من الـحركة بالضرورة ) لا يتم الا عن غاية وهدف , ولم يكن العمل نفسه بالاصالة هو المقصود, بل انه مقدمة لهدف وغاية فيكون مطلوبا لذلك الهدف او لتلك الغاية , حتى في الاعمال التي تعتبر سطحية مثل الافـعـال الطبيعية والاعمال الصبيانية ونظائرها, لو دققنا فيها لوجدنا فيها غايات واغراضا تناسب نـوع الـفـعـل , كـما في الاعمال الطبيعية التي تتصف بالحركة غالبا, فان الغاية التي تسعى اليها هذه الـحـركـة تـعتبر الغاية والهدف لها, واما في لعب الاطفال وما يتناسب مع نوع اللعبة , فان هناك غاية خيالية وهمية , والهدف من اللعب هو الوصول اليه .
وفـي الحقيقة ان خلقة الانسان والعالم , من اعمال اللّه تعالى وانه منزه من ان يقوم باعمال عبث , دون هـدف او غرض , فهو الذي يخلق , ويرزق ويميت , وهكذا يخلق ويهلك , فهل يتصور ان يكون خلقه هذا دون هدف معين , وغرض محكم يتابعه ؟.
اذن لابـد لـخـلق الكون والانسان , هدف وغاية ثابتة , وان الفائدة منه لا تعود الى اللّه الغني المتعال , وكـل مـا فيه يعود للمخلوق اذن يجب الاعتراف بان الكون بما فيه الانسان يتجه ويسير نحو خلقة معينة خاصة , ووجود اكمل , لا يتصفان بالفنا والزوال .
واذا امـعـنـا الـنـظر في حالة الناس ووضعهم , ومدى تاثرهم بالتربية الدينية , فاننانرى ان الناس يـنقسمون الى قسمين , اثر الارشادات الالهية , والتربية الدينية , وهم الاخيار والاشرار, ومع هذا الـوصـف , فـاننا لم نجد اي امتياز او فارق في هذه الحياة , بل على العكس , وغالبا ما تكون الموفقية للاشرار والظالمين , اما الاخيار فانهم على صلة بالفتن والمشاكل والحياة السيئة والحرمان وتحمل الظلم .
والـحـال هـذه تقتضي العدالة الالهية في ان تكون هناك نشاة اخرى , حتى يجدفيها كل من الفريقين المذكورين , جزا اعمالهم , ويحيون حياة تناسب حالهم , ويشيراللّه تعالى في كتابه العزيز الى هاتين الحالتين بقوله :
((وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما الا بالحق ولكن اكثرهم لا يعلمون )) .
(( ومـا خلقنا السما والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ام نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض ام نجعل المتقين كالفجار)).
ويذكر في آية اخرى , وقد جمع فيها الدليلين بقوله جل شانه :
((ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سوا محياهم ومماتهم سـا مـا يـحـكـمـون وخـلـق اللّه السماوات والارض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون )).
6.
بيان آخر
قد اشرنا في الفصل الثاني من الكتاب في مبحث الظاهر والباطن القرآني , ان المعارف الاسلامية في الـقـرآن الـكـريـم , مبينة من طرق مختلفة , والطرق المذكورة بشكل تنقسم الى قسمين , الظاهر والباطن .
والـمـراد مـن طـريق الظاهر, هو البيان الذي يتناسب ومستوى افكار العامة , على خلاف الطريف الباطن الذي يختص بالخاصة منهم , ويدرك مع روح الحياة المعنوية .
والبيان الذي يؤخذ عن طريق الظاهر مؤداه ان اللّه تعالى الحاكم المطلق لعالم الخلقة , فكل ما في هذا الـكـون مـلـكـه , فهو الذي خلق الملائكة التي لا يعلم احصاؤها كي تكون مطيعة ومنفذة لاوامره , يـرسـلهم الى حيث شا من الكون , ولكل بقعة من عالم الطبيعة وما يلازمها من نظام ترتبط بمجموعة خاصة من الملائكة موكلين عليها.
والـنـوع الانساني من مخلوقاته وعباده الذين يجب عليهم اتباع اوامره ونواهيه ,والاطاعة له , وما الانبيا الا حملة شرائعه وقوانينه , يبعثهم الى الناس , لبيان واجرا تلك الشرائع والقوانين .
فـاللّه جـل ثناؤه , لما جعل الثواب والاجر لمن آمن واطاع , جعل العقاب والعذاب لمن كفر وعصى , وهـو الـقائل , لن يخلف اللّه وعده , ولما كان عادلا, فعدالته تقتضي ان يفصل بين الفريقين في النشاة الاخرى , وهما الاخيار والاشرار, وان يمتع الاخياربالنعيم , وللاشرار الشقا.
وقـد وعـد اللّه تـعـالـى بـمـقتضى عدله , ان يحشر الناس الذين مروا فى الحياة الدنيادون استثنا ويـحـاسبهم حسابا دقيقا فى معتقداتهم واعمالهم , من صغيرة او كبيرة ,ويقضى بينهم بالحق والعدل , وفـي النهاية , سيوصل كل ذي حق حقه , وياخذ لكل مظلوم نصيبه ممن ظلمه , ويعطى اجر عمل كل عامل , ويصدر الحكم لفريق في الجنة وفريق في السعير.
هذا هو البيان الظاهري للقرآن الكريم , وقد جا مطابقا لفكر الانسان الاجتماعي , لتكون فائدته اعم , ونطاقه اشمل .
امـا الـذيـن تـعمقوا في الحقائق , ولهم القدرة على فهم المعنى الباطنى للقرآن الكريم , فهم يدركون الايـات الـقـرآنية على مستوى ارفع من العامة والقرآن الكريم ,يلوح خلال تعابيره البسيطة احيانا بالمعنى الباطني تلويحا.
فـالقرآن الكريم , مع تعبيراته المختلفة , يذكر اجمالا ان الطبيعة بجميع اجزائها,والانسان احدها, مـع سـيـرهـا الـتكويني (والتي تسير نحو الكمال ) تصير الى اللّه تعالى ,وسياتى اليوم الذي تنهي حركتها وسيرها, وتفقد آنيتها واستقلالها كليا.
والانـسـان وهو جز من اجزا هذا الكون , فان طريق تكامله الخاص يتم عن طريق الشعور والعلم , يـسـرع فى طريقه الى اللّه تعالى , واليوم الذي يختتم به هذاالانطلاق , سيشاهد عيانا حقانية اللّه الاحـد, وسـيرى ان القدرة والملك وكل صفة من صفات الكمال تنحصر في ذاته القدسية , ومن هذا الطريق , ستنجلي له حقيقة الاشياكلها.
وهذا هو اول منزل وموقف من العالم الابدي , فاذا كان الانسان في هذه الدنيا,بايمانه وعمله الصالح , اوجـد ارتـبـاطـا واتـصالا باللّه تعالى واستانس به , وبالمقربين من عباده , فانه سيحظى بسعادة لا تـوصف , وسيكون في جوار اللّه سبحانه , ويكون قرين الصالحين فى العالم العلوي , واذا ما كان ممن تـربطهم علاقة وثيقة بهذه الدنيا الدنيئة ,ولذائذها الزائلة , فقد قطع اتصاله بالعالم العلوي , ولم تقم بينه وبين خالقه رابطة اواتصال ولا مع المقربين من عباده , فانه سيحاط بعذاب دائم , وخزي ابدي .
صـحـيح ان الاعمال الحسنة والسيئة للانسان في هذه الدنيا تزول وتذهب , لكن صور الاعمال هذه تستقر في باطنه , واينما رحل في معه , وتكون مصدر حياته الاتية سوا فى السعادة او الشقا.
وكل ما ذكر يمكن استنتاجه من الايات التالية :
يقول حل من قائل : ((ان الى ربك الرجعى )).
ويقول : ((الا الى اللّه تصير الامور)).
ويقول : ((الامر يومئذ للّه )).
ويـقـول : ((يـا ايـتـها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي )).
ويخاطب اللّه سبحانه يوم القيامة بعض افراد البشر, بقوله :
((لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاك فبصرك اليوم حديد)).
وفي تاويل القرآن الكريم , والحقائق التي تنبع منه الايات , يقول جل اسمه :
((هـل ينظرون الا تاويله يوم ياتي تاويله يقول الذين نسوه من قبل قد جات رسل ربنا بالحق فهل لنا مـن شـفـعـا فيشفعوا لنا او نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قدخسروا انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون )).
ويقول تعالى :
((يومئذ يوفيهم اللّه دينهم الحق و يعلمون ان اللّه هو الحق المبين )).
ويقول تعالى شانه :
((يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه )).
ويقول تعالى ذكره :
((من كان يرجو لقا اللّه فان اجل اللّه لات )).
ويقول تعالى اسمه :
((فمن كان يرجو لقا ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا)).
ويقول سبحانه :
((يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي )).
ويقول سبحانه وتعالى :
((فـاذا جـات الطامة الكبرى , يوم يتذكر الانسان ما سعى , وبرزت الجحيم لمن يرى , فاما من طغى وآثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي الماوى , واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى , فان الجنة هي الماوى )).
ويتحدث القرآن الكريم عن كنه جزا الاعمال قائلا:
((يا ايها الذين كفروا, لا تعتذروا اليوم انما تجزون ما كنتم تعملون )).
7.
4.
عالم البرزخ
ومما يستفاد من القرآن الكريم والسنة , ان الانسان يتمتع بحياة مؤقتة ومحدودة في الحد الفاصل بين الموت ويوم القيامة , والتي تعتبر رابطة بين الحياة الدنيا والحياة الاخرى .
والانـسان بعد موته , يحاسب محاسبة خاصة , من حيث الاعتقاد, والاعمال الحسنة والسيئة التي كان عليها في الدنيا, وبعد هذه المحاسبة المختصرة , ووفقا للنتيجة التي يحصل عليها, يحكم عليه بحياة سعيدة او شقية , ويكون عليها الى يوم القيامة .
وحـالـة الانـسان في عالم البرزخ تشابه كثيرا حالة الشخص الذي يراد التحقيق معه لما قام به من اعمال , فيجلب الى دائرة قضائية كي تتم مراحل الاستجواب والاستنطاق منه , لغرض تنظيم ملف له وبعدها يقضي فترة ينتظر خلالها وقت محاكمته .
روح الانسان في عالم البرزخ , تعيش بالشكل الذي كانت عليه في الدنيا, فاذاكانت من الصلحا, تتمتع بـالـسعادة والنعمة وجوار الصلحا والمقربين للّه تعالى , واذا ماكانت من الاشقيا, تقضيها في النقمة والعذاب , ومصاحبة الاشرار, واهل الضلال .
فاللّه جل شانه يصف حالة بعض السعدا بقوله :
((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه امواتا بل احيا عند ربهم يرزقون ,فرحين مما آتاهم اللّه من فـضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ان لاخوف عليهم ولا هم يحزنون , يستبشرون بنعمة من اللّه وفضل وان اللّه لا يضيع اجرالمؤمنين )).
وفـي وصف حالة مجموعة اخرى , الذين كانوا ينفقون اموالهم وثرواتهم في مشاريع غير مشروعة في الحياة الدنيا, يصفهم بقوله تعالى :
((حتى اذا جا احدهم الموت قال رب ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون )).
5.
يوم القيامة ـ المعاد
يـنـفـرد الـقـرآن الـكريم بين الكتب السماوية , بالتحدث عن المعاد والحشر تفصيلا,في حين ان ((الـتـوراة )) لـم تـشر الى هذا اليوم وهذا الموقف , وكتاب ((الانجيل )) يشيراشارة مختصرة , والـقـرآن يـذكره ويذكر به في مئات الموارد, وباسما شتى , ويشرح عاقبة العالم والبشرية , التي تنتظرهم فتارة باختصار واخرى باسهاب .
ويـذكر مرارا ان الاعتقاد بيوم الجزا (يوم القيامة ) يعادل الاعتقاد باللّه تعالى ,ويعتبر احد الاصول الـثـلاثـة لـلاسـلام ومـنـكـره (منكر المعاد), خارج عن شريعة الاسلام وما عاقبته الا الهلاك والخسران .
وحـقـيـقـة الامر هكذا, اذا لم تكن هناك محاسبة وجزا وعقاب , فان الدعوة الدينية بما تحتوي من اوامر اللّه ونواهيه , لم يكن لها ادنى فائدة او اثر, وان وجود النبوة والابلاغ وعدمه كان سوا, بل يـرجح عدمه على وجوده , لان تقبل الدين واتباع موازين الشرع , لا يخلو من تكلف وسلب للحرية , واذا كـان اتـبـاع الـديـن لم يكن له اثر او نتيجة ,لن يتحمل الناس هذا العب وهذه المسؤولية , ولن يتخلوا عن الحرية الطبيعية .
ومن هنا يتضح ان اهمية ذكر يوم الحشر وتذكره يعادل اهمية اصل الدعوة الدينية .
ويـتـضـح ايـضـا ان الاعـتقاد بيوم الجزا من اهم العوامل التي تجبر الانسان على ان ينتهج الورع والـتـقوى , وان يتجنب الاخلاق الرذيلة , والمعاصي والذنوب , كما ان نسيانه , او عدم الاعتقاد به , سوف يكون اساسا واصلا لكل معصية او ذنب , ويقول جل من قائل :
((ان الذين يضل ون عن سبيل اللّه لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب )).
ومما يلاحظ في الاية , ان منشا كل ضلال هو نسيان يوم الحساب .
والـتـدبـر في خلقة الانسان والعالم , وكذا في الهدف من الشرائع السماوية , يتضح الغرض من اليوم الذي سيلاقيه الانسان ((يوم الجزا)).
ونـحـن عـندما نتدبر الاعمال والافعال في الطبيعة , نرى ان كل عمل (والذي يحتوي على نوع من الـحركة بالضرورة ) لا يتم الا عن غاية وهدف , ولم يكن العمل نفسه بالاصالة هو المقصود, بل انه مقدمة لهدف وغاية فيكون مطلوبا لذلك الهدف او لتلك الغاية , حتى في الاعمال التي تعتبر سطحية مثل الافـعـال الطبيعية والاعمال الصبيانية ونظائرها, لو دققنا فيها لوجدنا فيها غايات واغراضا تناسب نـوع الـفـعـل , كـما في الاعمال الطبيعية التي تتصف بالحركة غالبا, فان الغاية التي تسعى اليها هذه الـحـركـة تـعتبر الغاية والهدف لها, واما في لعب الاطفال وما يتناسب مع نوع اللعبة , فان هناك غاية خيالية وهمية , والهدف من اللعب هو الوصول اليه .
وفـي الحقيقة ان خلقة الانسان والعالم , من اعمال اللّه تعالى وانه منزه من ان يقوم باعمال عبث , دون هـدف او غرض , فهو الذي يخلق , ويرزق ويميت , وهكذا يخلق ويهلك , فهل يتصور ان يكون خلقه هذا دون هدف معين , وغرض محكم يتابعه ؟.
اذن لابـد لـخـلق الكون والانسان , هدف وغاية ثابتة , وان الفائدة منه لا تعود الى اللّه الغني المتعال , وكـل مـا فيه يعود للمخلوق اذن يجب الاعتراف بان الكون بما فيه الانسان يتجه ويسير نحو خلقة معينة خاصة , ووجود اكمل , لا يتصفان بالفنا والزوال .
واذا امـعـنـا الـنـظر في حالة الناس ووضعهم , ومدى تاثرهم بالتربية الدينية , فاننانرى ان الناس يـنقسمون الى قسمين , اثر الارشادات الالهية , والتربية الدينية , وهم الاخيار والاشرار, ومع هذا الـوصـف , فـاننا لم نجد اي امتياز او فارق في هذه الحياة , بل على العكس , وغالبا ما تكون الموفقية للاشرار والظالمين , اما الاخيار فانهم على صلة بالفتن والمشاكل والحياة السيئة والحرمان وتحمل الظلم .
والـحـال هـذه تقتضي العدالة الالهية في ان تكون هناك نشاة اخرى , حتى يجدفيها كل من الفريقين المذكورين , جزا اعمالهم , ويحيون حياة تناسب حالهم , ويشيراللّه تعالى في كتابه العزيز الى هاتين الحالتين بقوله :
((وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما الا بالحق ولكن اكثرهم لا يعلمون )) .
(( ومـا خلقنا السما والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ام نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض ام نجعل المتقين كالفجار)).
ويذكر في آية اخرى , وقد جمع فيها الدليلين بقوله جل شانه :
((ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سوا محياهم ومماتهم سـا مـا يـحـكـمـون وخـلـق اللّه السماوات والارض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون )).
6.
بيان آخر
قد اشرنا في الفصل الثاني من الكتاب في مبحث الظاهر والباطن القرآني , ان المعارف الاسلامية في الـقـرآن الـكـريـم , مبينة من طرق مختلفة , والطرق المذكورة بشكل تنقسم الى قسمين , الظاهر والباطن .
والـمـراد مـن طـريق الظاهر, هو البيان الذي يتناسب ومستوى افكار العامة , على خلاف الطريف الباطن الذي يختص بالخاصة منهم , ويدرك مع روح الحياة المعنوية .
والبيان الذي يؤخذ عن طريق الظاهر مؤداه ان اللّه تعالى الحاكم المطلق لعالم الخلقة , فكل ما في هذا الـكـون مـلـكـه , فهو الذي خلق الملائكة التي لا يعلم احصاؤها كي تكون مطيعة ومنفذة لاوامره , يـرسـلهم الى حيث شا من الكون , ولكل بقعة من عالم الطبيعة وما يلازمها من نظام ترتبط بمجموعة خاصة من الملائكة موكلين عليها.
والـنـوع الانساني من مخلوقاته وعباده الذين يجب عليهم اتباع اوامره ونواهيه ,والاطاعة له , وما الانبيا الا حملة شرائعه وقوانينه , يبعثهم الى الناس , لبيان واجرا تلك الشرائع والقوانين .
فـاللّه جـل ثناؤه , لما جعل الثواب والاجر لمن آمن واطاع , جعل العقاب والعذاب لمن كفر وعصى , وهـو الـقائل , لن يخلف اللّه وعده , ولما كان عادلا, فعدالته تقتضي ان يفصل بين الفريقين في النشاة الاخرى , وهما الاخيار والاشرار, وان يمتع الاخياربالنعيم , وللاشرار الشقا.
وقـد وعـد اللّه تـعـالـى بـمـقتضى عدله , ان يحشر الناس الذين مروا فى الحياة الدنيادون استثنا ويـحـاسبهم حسابا دقيقا فى معتقداتهم واعمالهم , من صغيرة او كبيرة ,ويقضى بينهم بالحق والعدل , وفـي النهاية , سيوصل كل ذي حق حقه , وياخذ لكل مظلوم نصيبه ممن ظلمه , ويعطى اجر عمل كل عامل , ويصدر الحكم لفريق في الجنة وفريق في السعير.
هذا هو البيان الظاهري للقرآن الكريم , وقد جا مطابقا لفكر الانسان الاجتماعي , لتكون فائدته اعم , ونطاقه اشمل .
امـا الـذيـن تـعمقوا في الحقائق , ولهم القدرة على فهم المعنى الباطنى للقرآن الكريم , فهم يدركون الايـات الـقـرآنية على مستوى ارفع من العامة والقرآن الكريم ,يلوح خلال تعابيره البسيطة احيانا بالمعنى الباطني تلويحا.
فـالقرآن الكريم , مع تعبيراته المختلفة , يذكر اجمالا ان الطبيعة بجميع اجزائها,والانسان احدها, مـع سـيـرهـا الـتكويني (والتي تسير نحو الكمال ) تصير الى اللّه تعالى ,وسياتى اليوم الذي تنهي حركتها وسيرها, وتفقد آنيتها واستقلالها كليا.
والانـسـان وهو جز من اجزا هذا الكون , فان طريق تكامله الخاص يتم عن طريق الشعور والعلم , يـسـرع فى طريقه الى اللّه تعالى , واليوم الذي يختتم به هذاالانطلاق , سيشاهد عيانا حقانية اللّه الاحـد, وسـيرى ان القدرة والملك وكل صفة من صفات الكمال تنحصر في ذاته القدسية , ومن هذا الطريق , ستنجلي له حقيقة الاشياكلها.
وهذا هو اول منزل وموقف من العالم الابدي , فاذا كان الانسان في هذه الدنيا,بايمانه وعمله الصالح , اوجـد ارتـبـاطـا واتـصالا باللّه تعالى واستانس به , وبالمقربين من عباده , فانه سيحظى بسعادة لا تـوصف , وسيكون في جوار اللّه سبحانه , ويكون قرين الصالحين فى العالم العلوي , واذا ما كان ممن تـربطهم علاقة وثيقة بهذه الدنيا الدنيئة ,ولذائذها الزائلة , فقد قطع اتصاله بالعالم العلوي , ولم تقم بينه وبين خالقه رابطة اواتصال ولا مع المقربين من عباده , فانه سيحاط بعذاب دائم , وخزي ابدي .
صـحـيح ان الاعمال الحسنة والسيئة للانسان في هذه الدنيا تزول وتذهب , لكن صور الاعمال هذه تستقر في باطنه , واينما رحل في معه , وتكون مصدر حياته الاتية سوا فى السعادة او الشقا.
وكل ما ذكر يمكن استنتاجه من الايات التالية :
يقول حل من قائل : ((ان الى ربك الرجعى )).
ويقول : ((الا الى اللّه تصير الامور)).
ويقول : ((الامر يومئذ للّه )).
ويـقـول : ((يـا ايـتـها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي )).
ويخاطب اللّه سبحانه يوم القيامة بعض افراد البشر, بقوله :
((لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاك فبصرك اليوم حديد)).
وفي تاويل القرآن الكريم , والحقائق التي تنبع منه الايات , يقول جل اسمه :
((هـل ينظرون الا تاويله يوم ياتي تاويله يقول الذين نسوه من قبل قد جات رسل ربنا بالحق فهل لنا مـن شـفـعـا فيشفعوا لنا او نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قدخسروا انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون )).
ويقول تعالى :
((يومئذ يوفيهم اللّه دينهم الحق و يعلمون ان اللّه هو الحق المبين )).
ويقول تعالى شانه :
((يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه )).
ويقول تعالى ذكره :
((من كان يرجو لقا اللّه فان اجل اللّه لات )).
ويقول تعالى اسمه :
((فمن كان يرجو لقا ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا)).
ويقول سبحانه :
((يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي )).
ويقول سبحانه وتعالى :
((فـاذا جـات الطامة الكبرى , يوم يتذكر الانسان ما سعى , وبرزت الجحيم لمن يرى , فاما من طغى وآثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي الماوى , واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى , فان الجنة هي الماوى )).
ويتحدث القرآن الكريم عن كنه جزا الاعمال قائلا:
((يا ايها الذين كفروا, لا تعتذروا اليوم انما تجزون ما كنتم تعملون )).
7.