مرتضى علي الحلي
03-09-2011, 06:11 PM
(( مفهوم المُحكَم والمُتشابه في القرآن الكريم))
==========================
:وقفة معرفية في دلالتهما المَفادية ومُعطياتهما :
:الإمامُ المهدي(عليه السلام) هو مُحكَمٌ قرآني:: في قراءة تطبيقية :
بسم ألله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين.
((مقدّمة مفهوية ولغوية عن مصطلحي المُحكَم والمُتشابه))
==============================
(المُحكَم) وجذره اللغوي ينص على أنّ أصله (حَكَمَ) بمعنى أتقن الشيء ومنعه من الخبط والفساد تقول أحكمتُ الشيء إذا أتقنته فجعلته مُحكما :
/إنظر/ المحيط في اللغة/الصاحب بن عباد/ مادة حكم:
ويظهر مِن تتبع كلمات اللغويين أنّ مفهوم المُحكم لغة وإصطلاحا يتطابق بحد كبير في دلالته المفادية
فلذا قال ابن منظور في معجمه (لسان العرب) في مادة(حكم) أنّ
المُحكمَ هو الذي لاإختلاف فيه ولاإضطراب فتقول أحكمَ فهو مُحكم
وقيل هو مالم يكن متشابها لأنه اُحكِمَ بيانه بنفسه ولم يفتَقر إلى غيره في البيان.
وكيف ما كان فيكون مفهوم ومعنى المُحكم هو الضبط للشيء وإتقانه من جميع الجهات والأغراض.
والإحكام اُستُعمِلَ في القرآن الكريم في موردين :
الأول /بالنسبة إلى جميع القرآن الكريم المشتمل على الأسلوب المُحكم والمٌتقن والصادر من الحكيم العليم الله تعالى
بحيث وصف الإحكام هذا يشمل حتى المتشابهات بإعتبارها صادرة من الله تعالى وهي أيضا بهذا المعنى الأول مُحكمة من تمام الجهات من حيث كونها صادرة من الله تعالى وبإسلوبه الحكيم سبحانه وبإعجازه فلذا قال تعالى مُفصحا عن هذه الحقيقة الحكمية
((كتابٌ اُحكمت آياته ثم فُصِلَت من لدن حكيم خبير))/2/هود.
والمعنى الثاني للمُحكم هو/ في مقابل المتشابه فتصير بهذا المعنى الآيات القرآنية على قسمين :محكمة ومتشابهة: والمراد من المحكمات في هذه الآية الشريفة معلومة الدلالة ومفهومة المراد أي مصونة عن أي طرو التردد والإحتمال عند الأذهان المستقيمة )
إنظر/ مواهب الرحمن في تفسير القرآن/ السيد عبد الأعلى السبزواري/ ج5/ص36. بتصرف مني.
((التحديد اللغوي والإصطلاحي لمعنى المتشابه)
===========================
ذكر ابن منظور في لسان العرب في مادة (شبه) وتعني مِثلْ والجمع أشباه
وأشبه الشيءُ الشيءَ أي ماثلهُ
والمُتشابهات هي المتماثلات أي المُختلَطات بغيرها في الفهم والدلالة.
وقال أيضا (والمتشابهات في التنزيل ) قيل في معناها (يُشبه بعضها بعضا)
وذكر ايضاً في معنى المتشابه (إصطلاحا) في مادة المتشابه
فقال هو مالم يُلَّقَ معناه من لفظه وهو على ضربين:
أحدهما/ إذا رُدَّ إلى المُحكَم عُرِفَ معناه
وثانيهما/ مالاسبيل إلى معرفة حقيقته فالمتتبع له مُبتَغِ للفتنة لايكاد ينتهي إلى شيء
تسكن نفسه إليه.
هذا بحسب تحديد اللغويين لمفهوم المتشابه
أما المفسّرون فقد وضّحوا المفهوم أكثر في تطبيقاته.
فقذ ذكر السيد الطباطبائي في هذا المجال بيانه فقال:
(والمراد من المتشابه القرآني هو كون الآية بحيث لايتعيين مرادها لفهم السامع بمجرد سماعها بل يتردد بين معنى ومعنى حتى يَرجع إلى محكمات الكتاب فتعيّن هي معناها وتبينها بيانا فتصير الآية
المتشابه عند ذلك محكمة بواسطة الرجوع إلى الآية المحكمة الأصلية.
ومثال ذلك : عندما تسمع قوله تعالى (( الرحمن على العرش استوى)) /5/ طه.
فهذه آية متشابه ففيها يشتبه المراد على السامع من معنى استواء الرحمن على العرش أول مايسمعه ولكن عندما يُرجعها إلى المحكم الأصلي وهو قوله تعالى
((ليس كمثله شيء))/11/الشورى.
فحينها يستقر الذهن على أنّ المراد ب(الرحمن على العرش استوى) هو التسلط على الملك والإحاطة على الخَلق دون التمكن والأعتماد على المكان المُستَلزم للتجسيم
المستحيل عليه تعالى) ./ //3/ الميزان في تفسير القرآن/السيد الطباطبائي/ج3/ص19.
((مدخل معرفي إلى البحث))
=================
إنّ القرآن الكريم توفرَ في منظومته المعرفية والقيمية على مفاهيم عديدة أغلبها حاكت أساليب المحاورة والبيان عند أهل اللغة من العرب آنذاك ووقت نزول القرآن الكريم وأعجزتهم في طروحاته الجديدة لتدلُ بذاتها على أنها منزّلةٌ من لدنِ حكيم عليم.
ومن أبرز هذه المفاهيم المتكثّرة نصيا في القرآن الكريم هي العام والخاص والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والمجمل والمبيَّن والمطلق والمقيّد وغيرها
فجاءت هذه المفاهيم لتُشكّل وعيا جديدا لنصوص ومرادات القرآن الكريم ولتصوغ العقلية الجديدة بضبغة ربانية حكيمة وفق نظام القرآن الكريم ومفرداته الراقية القيمة والمعنى والعميقة البلاغة والفصاحة.
والغرض الرئيسي من وراء تأسيس الله تعالى لتلك المفاهيم هو لأجل شحذ العقول وتحريرها من الموروث الجاهلي آنذاك وشدّهم معرفيا ووجدانياً لتلقي النصوص القرآنية الجديدة وجعلهم في دوامة التفكير والتأمل في المفاهيم الجديدة التي جاء بها القرآن الكريم كإعجاز بياني وتشريعي وعقدي وأخلاقي لماهو مألوف آنذاك عند العرب خاصة والأمم من غيرهم عامة.
وعلى هذا الاساس القرآني الحكيم إذا ما أردنا إستيعاب دلالات النصوص القرآنية فما علينا إلاّ فهم تلك المفاهيم أعلاه وأخص منها المُحكَم والمتشابه واللذان أخذا حيزاً كبيراً في تشكيل ماهية وهوية العقيدة الأسلامية للمسلمين .
فالبعض منهم وخاصة من فَهَمَ حقيقة المُحَكم والمُتشابه وتمكن من إرجاع المتشابهات من النصوص إلى محكمات القرآن الكريم إستطاع صياغة العقيدة الأسلامية بصورتها الحقة والعقلانية قبولا ورفضا وأقصد مدرسة أهل البيت المعصومين /ع/ .
وصياغة مشروعية وحقانية إيمانها بوجود الإمام المهدي/ع/ كإمام منصوب من قبل الله تعالى وكمُحكم قرآني غير قبل للتأويل مفهوميا.
وخصوصا وأنّ مدرسة أهل البيت المعصومين/ع/ تستند في دليلها على مُحكَميّة إمامة الأئمة الأثني عشر ولاسيما خاتمهم وقائمهم الإمام المهدي/ع/ الى النص القرآني المُحكم القطعي الصدور واليقيني الدلالة والمَفاد .
فتمسك المعصومين/ع/ بحقانيتهم وجعليتهم كأئمة منصوبين من لدن الله تعالى وكذا أتباعهم من الشيعة الإمامية شكّل إنطلاقة كبيرة ومتينة في حركتها التأريخية والعقدية في الحيزالفكري والعقلاني والكلامي وحتى القانوني البشري العرفي.
بخلاف الأخرون الذين إشتبه عليهم الأمر فوقعوا في المحذورات الدينية من التجسيم لله تعالى ودعوى إمكانيّة رؤيته حسياً بحكم فهمهم الساذج لمفهوم المحكم والمتشابه وقولهم بأنّ الإمامة واجبة على الخلق سمعا بمعنى أنّ الناس هم من ينتخبون إمامهم بعد وفاة النبي/ص/ .
ولذا علينا اليوم أن نقرأ المحكم والمتشابة من طرق أهل البيت المعصومين /ع/
الذين نزل القرآن الكريم في حجراتهم وكما يقول المثل(وأهل مكةَ أدرى بشعابها)
فمن هنا مرة أخرى علينا الأخذ في فهم القرآن بشكل عام وخاص من مدرسة المعصومين/ع/ فإنها لاتضل من إسترشد بها .
وكما قال رسول الله /ص/(( إني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض))/ 1/المُستَرشد/ محمد بن جرير الطبري(الشيعي) /ص559.
وقال الله تعالى في محكم كتابه العزيز:
((هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب)) ( 7 )/آل عمران.
ومعنى الراسخون في العلم: هنا:ٍ
(( يعني الحجج عليهم السلام الذين أمر سبحانه بالرد إليهم وقطع على حصول العلم بجوابهم في قوله تعالى ::
(( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ))
وهم الذين أمر من لا يعلم بمسألتهم ليعلم في قوله :
(( فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ))
وقد بينا في غير هذا الكتاب ونبينه فيه كون الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أولي الأمر ، وأهل الذكر دون غيرهم .))
إنظر/الكافي /الحلبي/ص 56.
وإذا ما قارنا فهم مدرسة أهل البيت المعصومين /ع/ للمُحكم القرآني ومتشابهه مع المدارس الأخرى سيتضح لنا وجه حقانية العقيدة بالإمام المهدي/ع/ خصوصا
وإن إختلفت معنا المدارس الكلامية الأخرى حول مفهوم الإمامة من أول الأمر ومباشرة بعد رحيل الخاتم محمد/ص/.
فمثلاً القرآن الكريم اسس في نصوصه لقانون جعليّة المعصوم من لدن الله تعالى نبياً كان أو إمام.
وهو ما ذكره سبحانه وتعالى بقوله:
((وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين))/البقرة / 124 .
وهذه الآية الشريفة هي مُحكَم قرآني سديد غير قبل لـلتأويل مفهوميا وهي تنص بصراحة ظاهرة جليا أنّ مقام الإمامة المجعولة من قبل الله تعالى لاينالها إلاّ المعصوم/ع/ نبي هو أو إمام.
فلاحظوا نسبة جعل الإمامة هي لله تعالى لا للبشر (جاعلك لاجاعلوك) كما يُحاول الآخرون حرفَ مسار كيانية الإمامة الألهية الى مجعوليتها البشرية .
والأمر الآخر هو طلب النبي إبراهيم /ع/ وإستفهامه عن ديمومة وبقاء الإمامة الربانية في ذريته فجاءه الجواب الإلهي ببقائها في حيزالذرية المعصومة فحسب لاغير
بدليل نفيها عن الظالمين وبيان عدم إستحقاقهم لها ربانيا
((لاينال عهدي الظالمين)) أي غير المعصومين.
ومعلوم قرآنيا أنّ النبي محمد وآله المعصومين/ع/ ومنهم الإمام المهدي/ع/ يقيناً
هم من ذريّة إبراهيم الخليل/ع/.
فقال تعالى في شأن ذلك:حكاية عن طلب النبي إبراهيم/ع/
((ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم)) /البقرة/ 128 .
((فهذه الآية تدل على أن الأئمة والأمة المسلمة التي دعا لها إبراهيم صلوات الله عليه من ذريته ممن لم يعبد غير الله قط ،
ثم قال : /ع/ فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم فخص دعاء إبراهيم عليه السلام الأئمة والأمة التي من ذريته ، ثم دعا لشيعتهم كما دعا لهم ،
فأصحاب دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة صلوات الله عليهم ، ومن كان متوليا لهؤلاء من ولد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فهو من أهل دعوتهما لان جميع ولد إسماعيل قد عبدوا الأصنام ، غير رسول الله ( صلع ) وعلى وفاطمة والحسن والحسين وكانت دعوة إبراهيم وإسماعيل لهم .
والحديث المأثور عن النبي ( صلع ) أنه قال : أنا دعوة أبى إبراهيم ))
إنظر دعائم الإسلام/القاضي النعمان المغربي/ج1/ص 34.
وعن عبد العزيز بن مسلم قال : كنا مع الإمام الرضا عليه السلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي عليه السلام فأعلمته خوض الناس فيه ، فتبسم عليه السلام ثم قال ::ع::
يا عبد العزيز جهل القوم وخُدعوا عن آرائهم ، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شئ ،
بين فيه الحلال والحرام ، والحدود والأحكام ، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا ،
فقال عز وجل : ((ما فرطنا في الكتاب من شئ ))
وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه وآله :
((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ))
وأمر الإمامة من تمام الدين ، ولم يمض صلى الله عليه وآله حتى بين لامته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق ، وأقام لهم عليا عليه السلام علما وإمام وما ترك لهم شيئا يحتاج إليه الأمة إلا بينه ،
فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله ، ومن رد كتاب الله فهو كافر به .
هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم إنّ الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا إماما باختيارهم ،((وهو موضع الشاهد في بحثنا))
إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال :
(( إني جاعلك للناس إماما ))
فقال الخليل عليه السلام سرورا بها : (( ومن ذريتي ))
قال الله تبارك وتعالى : (( لا ينال عهدي الظالمين )) .
فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال :
(( ووهبنا له إسحاق و يعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين))
فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال جل وتعالى :
(( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ))
فكانت له خاصة فقلدها صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله ، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والايمان ))
إنظر/الكافي/الكليني/ج1/ص200.
وأما المدارس الأخرى فقد فسّروا الإمامة المجعولة ربانيا لإبراهيم/ع/ وذريته من المعصومين بالمعنى اللغوي فحسب فقالوا إمامته بمعنى قدوته الدينية في الناس
ولم يعطوها بُعداً عقديا فيه جنبة الإيمان بضرورة نصب الإمام إلهيا .لكل وقتٍ
بل إقتصروا على حيّز النبوة وقدوتها بمعنى إمامتها للناس لاغير.
وفهمهم هذا يأتي من عدم إرجاعهم المتشابه عندهم الى مُحكمه القرآني الحكيم
فالآية أعلاه مُحكمة قرآنيا لا متشابهة وهم جعلوها في رتبة المتشابهات دفعا منهم لفهم المعصومين/ع/ الحق في ضرورة نصب ووجود الإمام المعصوم/ع/ بعد النبي/ع/
ولم يكتفوا بهذا بل عملوا على تأويل مفهوم لفظة الإمام قرآنيا بالنبي تارة وأخرى بمعنى الكتاب
وكثيرة هي التطبيقات أذكر مثالا واحدة فقط
مثلا قوله تعالى::
((يوم ندعو كل أناس بإمامهم ))الإسراء/71.
ففسروا الإمام هنا بالنبي أو الكتاب أي كل امة تُدعى بنبيها أو كتابها.
في حين المقصود الحق من الإمام هنا هو إمام الوقت والزمان لكل إمة
لا النبي أو الكتاب وذلك لعدم تماميّة حجيّة النبي أو الكتاب من دون نصب حجة وقتٍ وإمام زمان بعد رحيل النبي/ص/
فكيف تتم دعوة الله تعالى للناس الذين لم يدركوا عصر النبي وعصر الكتاب على زعمهم .؟ من دون نصب إمام معصوم لهم ؟
وعن أبي جعفر (الإمام الباقر)عليه السلام قال :
قال : لما نزلت هذه الآية : ((يوم ندعو كل أناس بإمامهم ))الإسراء/71.
قال المسلمون : يا رسول الله ألستَ إمام الناس كلهم أجمعين ؟
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا رسول الله إلى الناس أجمعين
ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي ، يقومون في الناس فيُكَذَبَون ، ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم ،
فمن والاهم ، واتبعهم وصدقهم فهو مني ومعي وسيلقاني ، ألا ومن ظلمهم وكذبهم فليس مني ولا معي وأنا منه برئ .))إنظر/الكافي/الكليني/ج1/ص215.
والذي يَدعمُ ما نذهب إليه من مُحكميّة وجود الإمام المهدي/ع/ ووجوب بقائه حيّا هو
ورود توصيفات للإمام المهدي/ع/ في دعاء الندبة الصحيح متنا وسندا
وهي:
((يابن طه والمُحكَمات)) دعاء الندبة الشهير:/مفاتيح الجنان/القمي/ص611.
وهذه المفردة على وجازة ألفاظها إلاّ أنها إختزلت قضية الإمام المهدي/ع/ في كون نسبه من ذرية النبي محمد /ص/(طه)
لا كما يُصوّر الآخرون بعدم ضرورة كون المهدي من ذرية النبي وأنه ليس بالضرورة أنه وِلِد وأنه يُولَد في وقته.
(والمُحكمات)وهوكونه/ع/أي الإمام المهدي هو من المُحكمات القرآنية القطعية .
وهناك تطبيقات مُحكمية كثيرة قرآنيا بخصوص جعليّة إمامة المعصومين بعد مقام النبوة وختمها أعرضنا عنها للإختصار.
فكان الغرض البحثي هنا هولفت أنظار الباحثين والمتلقين الى ضرورة فهم المُحكم والمتشابه قرآنيا فهما قويما مُشتملا على فهم المعصومين/ع/ والتأسيس عليه
ومن خلال ضبط فهمه تتحدد المسارات الحقة للعقيدة الإسلامية وخصوصا عقيدتنا بالإمام المهدي/ع/.
((الوظيفة الشرعية للإنسان المسلم والمؤمن تجاه المُحَكم والمتشابه قرآنيا))
=================================
من المعلوم قرآنيا أنّ الآية الشريفة في قوله تعالى
((هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب)) ( 7 )/آل عمران
هي ذاتها حددت الموقف العملي تجاه التعاطي مع المُحكم والمتشابه في الفهم الدلالي لهما فصنّفتّ المتلقين للنصوص القرآنية إلى صنفين رئيسين :
أحدهما/ هم أصحاب الرأي والإستحسان والمريضي القلب والعقيمي الفهم وهولاء يتبعون المتشابه بمعزل عن إرجاعه إلى محكمات الكتاب العزيز إبتغاءً وطلبا للفتنة والضلالة وهذا إنما يحصل منهم بسبب زيغهم وميلهم فكرا وعملا وإعتقادا عن الحق
وشريعته.كما حصل مع أتباع المذهب القائل بأنّ الإمامة واجبة على الناس لا على الله في تنصيبها فحصل ما حصل نتيجة زيغهم هذا.
وأما ثانيهما/ فهم النخبة المعصومة من النبي والأئمة المعصومين /ع/ وأتباعهم الذين يرجعون إليهم في فهم المتشابه قرآنيا ويُسلّمون به تعبديا فلذا قال الله تعالى حكاية عنهم.
((وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب)).
وقد حددت الروايات الموقف العملي لنا تجاه المحكم والمتشابه قرآنيا.
فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق /ع/ أنه قال/ع/:
(( إنّ القرآن محكم ومتشابه فأما المحكم فتؤمن به وتعمل به وتدين به وأما المتشابه فتؤمن به ولاتعمل به وهو قوله تعالى ((فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا))
والراسخون في العلم هم آل محمد/ص/.)) //4/تفسير العياشي/ محمد بن مسعود العياشي/ ج1/ص 162.
وعلى هذا الأساس القرآني والروائي في كيفية التعاطي مع القرآن الكريم وخاصة في محكمه ومتشابه يجب علينا تدبر أيات الله تعالى من خلال إرجاع المتشابه إلى المحكم إرجاعا مستقيما يحفظ لنا مراد القرآن الكريم في متشابهاته ولايجعلنا نقع في الضلالة والفتنة كما وقع الآخرون حينما تمسكوا بظواهر الألفاظ القرآنية فجسموا الله تعالى وقالوا أنّ له يد وعرش ومكان معاذ الله من ذلك وتعالى سبحانه علوا كبيرا.وقالوا ببشرية نصب الإمام لا إلهيته.
(( الحكمة من إشتمال القرآن الكريم على المتشابه))
===========================
بعد ما نعلم إنّ القرآن الحكيم بمجمله نزل تبيانا لكل شيء وبيانا واضحا
قد يرد سؤال على الذهن ما الحكمة من وجود المتشابه في القرآن الكريم وهو غير متضح الدلالة في حد ذاته لأول وهلة ؟
إلاّ بعد إرجاعه إلى المحكم كي تتضح دلالته ومفاده؟
وقد أجاب العلماء والمفسّرون عن ذلك فقالوا :
(إنّ القصور حقيقة هو في عقولنا وعدم قدرتها على فهم المتشابه لوحده من دون إرجاعه إلى المحكم القرآني المبين وإلاّ ففي الواقع لايوجد قصور في القرآن ولامتشابهه
فاللبس في فهم مراد ومعنى المتشابه يحصل عندنا بشكل شك غير مقترن بعلم سرعان ما يتلاشى هذا الشك بمجرد الرجوع إلى المحكم وتحكيمه في تحديد دلالة المتشابه .) إنظر/5/ مواهب الرحمن في تفسير القرآن/ السيد السبزواري/ج5/ص70.(بتصرف مني)
وقد يُراد من تضمين القرآن الكريم للمتشابه هو لأجل تحريك ذهن المتلقي وجعله يُفكّر ويتعاطى علميا مع نصوص القرآن الكريم كمحفز للوعي الجديد الذي يؤسس له القرآن الكريم في منظومته الخالدة للبشرية جمعاء.
حالها حال التعاطي مع فواتح السور القرآنية من الحروف المقطعة والتي هي الأخرى إخترقت نظام اللغة العربية وغايرتها تأسيسيا غرضا منها لبث قيم جديدة وإبتكارات بيانية تعجزهم وتدلل على أنها من الله تعالى .
فوجود المتشابهات قرآنيا لايتعارض مع كونه تبيان لكل شيء كمافي قوله تعالى:
((ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين))/89/ النحل.
بعد ما نُرجِع المتشابهات إلى مُحكمات القرآن الكريم وهي أيضا قد تكون من الحكمة في إختبار المتلقي للنص القرآني وإمتحانه في مدى قدرته على فهم مراد القرآن الكريم أو مدى قدرته على ألرجوع إلى أهل العلم وفَهمة القرآن الكريم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إعداد/ مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف:
==========================
:وقفة معرفية في دلالتهما المَفادية ومُعطياتهما :
:الإمامُ المهدي(عليه السلام) هو مُحكَمٌ قرآني:: في قراءة تطبيقية :
بسم ألله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين.
((مقدّمة مفهوية ولغوية عن مصطلحي المُحكَم والمُتشابه))
==============================
(المُحكَم) وجذره اللغوي ينص على أنّ أصله (حَكَمَ) بمعنى أتقن الشيء ومنعه من الخبط والفساد تقول أحكمتُ الشيء إذا أتقنته فجعلته مُحكما :
/إنظر/ المحيط في اللغة/الصاحب بن عباد/ مادة حكم:
ويظهر مِن تتبع كلمات اللغويين أنّ مفهوم المُحكم لغة وإصطلاحا يتطابق بحد كبير في دلالته المفادية
فلذا قال ابن منظور في معجمه (لسان العرب) في مادة(حكم) أنّ
المُحكمَ هو الذي لاإختلاف فيه ولاإضطراب فتقول أحكمَ فهو مُحكم
وقيل هو مالم يكن متشابها لأنه اُحكِمَ بيانه بنفسه ولم يفتَقر إلى غيره في البيان.
وكيف ما كان فيكون مفهوم ومعنى المُحكم هو الضبط للشيء وإتقانه من جميع الجهات والأغراض.
والإحكام اُستُعمِلَ في القرآن الكريم في موردين :
الأول /بالنسبة إلى جميع القرآن الكريم المشتمل على الأسلوب المُحكم والمٌتقن والصادر من الحكيم العليم الله تعالى
بحيث وصف الإحكام هذا يشمل حتى المتشابهات بإعتبارها صادرة من الله تعالى وهي أيضا بهذا المعنى الأول مُحكمة من تمام الجهات من حيث كونها صادرة من الله تعالى وبإسلوبه الحكيم سبحانه وبإعجازه فلذا قال تعالى مُفصحا عن هذه الحقيقة الحكمية
((كتابٌ اُحكمت آياته ثم فُصِلَت من لدن حكيم خبير))/2/هود.
والمعنى الثاني للمُحكم هو/ في مقابل المتشابه فتصير بهذا المعنى الآيات القرآنية على قسمين :محكمة ومتشابهة: والمراد من المحكمات في هذه الآية الشريفة معلومة الدلالة ومفهومة المراد أي مصونة عن أي طرو التردد والإحتمال عند الأذهان المستقيمة )
إنظر/ مواهب الرحمن في تفسير القرآن/ السيد عبد الأعلى السبزواري/ ج5/ص36. بتصرف مني.
((التحديد اللغوي والإصطلاحي لمعنى المتشابه)
===========================
ذكر ابن منظور في لسان العرب في مادة (شبه) وتعني مِثلْ والجمع أشباه
وأشبه الشيءُ الشيءَ أي ماثلهُ
والمُتشابهات هي المتماثلات أي المُختلَطات بغيرها في الفهم والدلالة.
وقال أيضا (والمتشابهات في التنزيل ) قيل في معناها (يُشبه بعضها بعضا)
وذكر ايضاً في معنى المتشابه (إصطلاحا) في مادة المتشابه
فقال هو مالم يُلَّقَ معناه من لفظه وهو على ضربين:
أحدهما/ إذا رُدَّ إلى المُحكَم عُرِفَ معناه
وثانيهما/ مالاسبيل إلى معرفة حقيقته فالمتتبع له مُبتَغِ للفتنة لايكاد ينتهي إلى شيء
تسكن نفسه إليه.
هذا بحسب تحديد اللغويين لمفهوم المتشابه
أما المفسّرون فقد وضّحوا المفهوم أكثر في تطبيقاته.
فقذ ذكر السيد الطباطبائي في هذا المجال بيانه فقال:
(والمراد من المتشابه القرآني هو كون الآية بحيث لايتعيين مرادها لفهم السامع بمجرد سماعها بل يتردد بين معنى ومعنى حتى يَرجع إلى محكمات الكتاب فتعيّن هي معناها وتبينها بيانا فتصير الآية
المتشابه عند ذلك محكمة بواسطة الرجوع إلى الآية المحكمة الأصلية.
ومثال ذلك : عندما تسمع قوله تعالى (( الرحمن على العرش استوى)) /5/ طه.
فهذه آية متشابه ففيها يشتبه المراد على السامع من معنى استواء الرحمن على العرش أول مايسمعه ولكن عندما يُرجعها إلى المحكم الأصلي وهو قوله تعالى
((ليس كمثله شيء))/11/الشورى.
فحينها يستقر الذهن على أنّ المراد ب(الرحمن على العرش استوى) هو التسلط على الملك والإحاطة على الخَلق دون التمكن والأعتماد على المكان المُستَلزم للتجسيم
المستحيل عليه تعالى) ./ //3/ الميزان في تفسير القرآن/السيد الطباطبائي/ج3/ص19.
((مدخل معرفي إلى البحث))
=================
إنّ القرآن الكريم توفرَ في منظومته المعرفية والقيمية على مفاهيم عديدة أغلبها حاكت أساليب المحاورة والبيان عند أهل اللغة من العرب آنذاك ووقت نزول القرآن الكريم وأعجزتهم في طروحاته الجديدة لتدلُ بذاتها على أنها منزّلةٌ من لدنِ حكيم عليم.
ومن أبرز هذه المفاهيم المتكثّرة نصيا في القرآن الكريم هي العام والخاص والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والمجمل والمبيَّن والمطلق والمقيّد وغيرها
فجاءت هذه المفاهيم لتُشكّل وعيا جديدا لنصوص ومرادات القرآن الكريم ولتصوغ العقلية الجديدة بضبغة ربانية حكيمة وفق نظام القرآن الكريم ومفرداته الراقية القيمة والمعنى والعميقة البلاغة والفصاحة.
والغرض الرئيسي من وراء تأسيس الله تعالى لتلك المفاهيم هو لأجل شحذ العقول وتحريرها من الموروث الجاهلي آنذاك وشدّهم معرفيا ووجدانياً لتلقي النصوص القرآنية الجديدة وجعلهم في دوامة التفكير والتأمل في المفاهيم الجديدة التي جاء بها القرآن الكريم كإعجاز بياني وتشريعي وعقدي وأخلاقي لماهو مألوف آنذاك عند العرب خاصة والأمم من غيرهم عامة.
وعلى هذا الاساس القرآني الحكيم إذا ما أردنا إستيعاب دلالات النصوص القرآنية فما علينا إلاّ فهم تلك المفاهيم أعلاه وأخص منها المُحكَم والمتشابه واللذان أخذا حيزاً كبيراً في تشكيل ماهية وهوية العقيدة الأسلامية للمسلمين .
فالبعض منهم وخاصة من فَهَمَ حقيقة المُحَكم والمُتشابه وتمكن من إرجاع المتشابهات من النصوص إلى محكمات القرآن الكريم إستطاع صياغة العقيدة الأسلامية بصورتها الحقة والعقلانية قبولا ورفضا وأقصد مدرسة أهل البيت المعصومين /ع/ .
وصياغة مشروعية وحقانية إيمانها بوجود الإمام المهدي/ع/ كإمام منصوب من قبل الله تعالى وكمُحكم قرآني غير قبل للتأويل مفهوميا.
وخصوصا وأنّ مدرسة أهل البيت المعصومين/ع/ تستند في دليلها على مُحكَميّة إمامة الأئمة الأثني عشر ولاسيما خاتمهم وقائمهم الإمام المهدي/ع/ الى النص القرآني المُحكم القطعي الصدور واليقيني الدلالة والمَفاد .
فتمسك المعصومين/ع/ بحقانيتهم وجعليتهم كأئمة منصوبين من لدن الله تعالى وكذا أتباعهم من الشيعة الإمامية شكّل إنطلاقة كبيرة ومتينة في حركتها التأريخية والعقدية في الحيزالفكري والعقلاني والكلامي وحتى القانوني البشري العرفي.
بخلاف الأخرون الذين إشتبه عليهم الأمر فوقعوا في المحذورات الدينية من التجسيم لله تعالى ودعوى إمكانيّة رؤيته حسياً بحكم فهمهم الساذج لمفهوم المحكم والمتشابه وقولهم بأنّ الإمامة واجبة على الخلق سمعا بمعنى أنّ الناس هم من ينتخبون إمامهم بعد وفاة النبي/ص/ .
ولذا علينا اليوم أن نقرأ المحكم والمتشابة من طرق أهل البيت المعصومين /ع/
الذين نزل القرآن الكريم في حجراتهم وكما يقول المثل(وأهل مكةَ أدرى بشعابها)
فمن هنا مرة أخرى علينا الأخذ في فهم القرآن بشكل عام وخاص من مدرسة المعصومين/ع/ فإنها لاتضل من إسترشد بها .
وكما قال رسول الله /ص/(( إني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض))/ 1/المُستَرشد/ محمد بن جرير الطبري(الشيعي) /ص559.
وقال الله تعالى في محكم كتابه العزيز:
((هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب)) ( 7 )/آل عمران.
ومعنى الراسخون في العلم: هنا:ٍ
(( يعني الحجج عليهم السلام الذين أمر سبحانه بالرد إليهم وقطع على حصول العلم بجوابهم في قوله تعالى ::
(( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ))
وهم الذين أمر من لا يعلم بمسألتهم ليعلم في قوله :
(( فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ))
وقد بينا في غير هذا الكتاب ونبينه فيه كون الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أولي الأمر ، وأهل الذكر دون غيرهم .))
إنظر/الكافي /الحلبي/ص 56.
وإذا ما قارنا فهم مدرسة أهل البيت المعصومين /ع/ للمُحكم القرآني ومتشابهه مع المدارس الأخرى سيتضح لنا وجه حقانية العقيدة بالإمام المهدي/ع/ خصوصا
وإن إختلفت معنا المدارس الكلامية الأخرى حول مفهوم الإمامة من أول الأمر ومباشرة بعد رحيل الخاتم محمد/ص/.
فمثلاً القرآن الكريم اسس في نصوصه لقانون جعليّة المعصوم من لدن الله تعالى نبياً كان أو إمام.
وهو ما ذكره سبحانه وتعالى بقوله:
((وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين))/البقرة / 124 .
وهذه الآية الشريفة هي مُحكَم قرآني سديد غير قبل لـلتأويل مفهوميا وهي تنص بصراحة ظاهرة جليا أنّ مقام الإمامة المجعولة من قبل الله تعالى لاينالها إلاّ المعصوم/ع/ نبي هو أو إمام.
فلاحظوا نسبة جعل الإمامة هي لله تعالى لا للبشر (جاعلك لاجاعلوك) كما يُحاول الآخرون حرفَ مسار كيانية الإمامة الألهية الى مجعوليتها البشرية .
والأمر الآخر هو طلب النبي إبراهيم /ع/ وإستفهامه عن ديمومة وبقاء الإمامة الربانية في ذريته فجاءه الجواب الإلهي ببقائها في حيزالذرية المعصومة فحسب لاغير
بدليل نفيها عن الظالمين وبيان عدم إستحقاقهم لها ربانيا
((لاينال عهدي الظالمين)) أي غير المعصومين.
ومعلوم قرآنيا أنّ النبي محمد وآله المعصومين/ع/ ومنهم الإمام المهدي/ع/ يقيناً
هم من ذريّة إبراهيم الخليل/ع/.
فقال تعالى في شأن ذلك:حكاية عن طلب النبي إبراهيم/ع/
((ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم)) /البقرة/ 128 .
((فهذه الآية تدل على أن الأئمة والأمة المسلمة التي دعا لها إبراهيم صلوات الله عليه من ذريته ممن لم يعبد غير الله قط ،
ثم قال : /ع/ فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم فخص دعاء إبراهيم عليه السلام الأئمة والأمة التي من ذريته ، ثم دعا لشيعتهم كما دعا لهم ،
فأصحاب دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة صلوات الله عليهم ، ومن كان متوليا لهؤلاء من ولد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فهو من أهل دعوتهما لان جميع ولد إسماعيل قد عبدوا الأصنام ، غير رسول الله ( صلع ) وعلى وفاطمة والحسن والحسين وكانت دعوة إبراهيم وإسماعيل لهم .
والحديث المأثور عن النبي ( صلع ) أنه قال : أنا دعوة أبى إبراهيم ))
إنظر دعائم الإسلام/القاضي النعمان المغربي/ج1/ص 34.
وعن عبد العزيز بن مسلم قال : كنا مع الإمام الرضا عليه السلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي عليه السلام فأعلمته خوض الناس فيه ، فتبسم عليه السلام ثم قال ::ع::
يا عبد العزيز جهل القوم وخُدعوا عن آرائهم ، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شئ ،
بين فيه الحلال والحرام ، والحدود والأحكام ، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا ،
فقال عز وجل : ((ما فرطنا في الكتاب من شئ ))
وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه وآله :
((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ))
وأمر الإمامة من تمام الدين ، ولم يمض صلى الله عليه وآله حتى بين لامته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق ، وأقام لهم عليا عليه السلام علما وإمام وما ترك لهم شيئا يحتاج إليه الأمة إلا بينه ،
فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله ، ومن رد كتاب الله فهو كافر به .
هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم إنّ الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا إماما باختيارهم ،((وهو موضع الشاهد في بحثنا))
إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال :
(( إني جاعلك للناس إماما ))
فقال الخليل عليه السلام سرورا بها : (( ومن ذريتي ))
قال الله تبارك وتعالى : (( لا ينال عهدي الظالمين )) .
فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال :
(( ووهبنا له إسحاق و يعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين))
فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال جل وتعالى :
(( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ))
فكانت له خاصة فقلدها صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله ، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والايمان ))
إنظر/الكافي/الكليني/ج1/ص200.
وأما المدارس الأخرى فقد فسّروا الإمامة المجعولة ربانيا لإبراهيم/ع/ وذريته من المعصومين بالمعنى اللغوي فحسب فقالوا إمامته بمعنى قدوته الدينية في الناس
ولم يعطوها بُعداً عقديا فيه جنبة الإيمان بضرورة نصب الإمام إلهيا .لكل وقتٍ
بل إقتصروا على حيّز النبوة وقدوتها بمعنى إمامتها للناس لاغير.
وفهمهم هذا يأتي من عدم إرجاعهم المتشابه عندهم الى مُحكمه القرآني الحكيم
فالآية أعلاه مُحكمة قرآنيا لا متشابهة وهم جعلوها في رتبة المتشابهات دفعا منهم لفهم المعصومين/ع/ الحق في ضرورة نصب ووجود الإمام المعصوم/ع/ بعد النبي/ع/
ولم يكتفوا بهذا بل عملوا على تأويل مفهوم لفظة الإمام قرآنيا بالنبي تارة وأخرى بمعنى الكتاب
وكثيرة هي التطبيقات أذكر مثالا واحدة فقط
مثلا قوله تعالى::
((يوم ندعو كل أناس بإمامهم ))الإسراء/71.
ففسروا الإمام هنا بالنبي أو الكتاب أي كل امة تُدعى بنبيها أو كتابها.
في حين المقصود الحق من الإمام هنا هو إمام الوقت والزمان لكل إمة
لا النبي أو الكتاب وذلك لعدم تماميّة حجيّة النبي أو الكتاب من دون نصب حجة وقتٍ وإمام زمان بعد رحيل النبي/ص/
فكيف تتم دعوة الله تعالى للناس الذين لم يدركوا عصر النبي وعصر الكتاب على زعمهم .؟ من دون نصب إمام معصوم لهم ؟
وعن أبي جعفر (الإمام الباقر)عليه السلام قال :
قال : لما نزلت هذه الآية : ((يوم ندعو كل أناس بإمامهم ))الإسراء/71.
قال المسلمون : يا رسول الله ألستَ إمام الناس كلهم أجمعين ؟
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا رسول الله إلى الناس أجمعين
ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي ، يقومون في الناس فيُكَذَبَون ، ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم ،
فمن والاهم ، واتبعهم وصدقهم فهو مني ومعي وسيلقاني ، ألا ومن ظلمهم وكذبهم فليس مني ولا معي وأنا منه برئ .))إنظر/الكافي/الكليني/ج1/ص215.
والذي يَدعمُ ما نذهب إليه من مُحكميّة وجود الإمام المهدي/ع/ ووجوب بقائه حيّا هو
ورود توصيفات للإمام المهدي/ع/ في دعاء الندبة الصحيح متنا وسندا
وهي:
((يابن طه والمُحكَمات)) دعاء الندبة الشهير:/مفاتيح الجنان/القمي/ص611.
وهذه المفردة على وجازة ألفاظها إلاّ أنها إختزلت قضية الإمام المهدي/ع/ في كون نسبه من ذرية النبي محمد /ص/(طه)
لا كما يُصوّر الآخرون بعدم ضرورة كون المهدي من ذرية النبي وأنه ليس بالضرورة أنه وِلِد وأنه يُولَد في وقته.
(والمُحكمات)وهوكونه/ع/أي الإمام المهدي هو من المُحكمات القرآنية القطعية .
وهناك تطبيقات مُحكمية كثيرة قرآنيا بخصوص جعليّة إمامة المعصومين بعد مقام النبوة وختمها أعرضنا عنها للإختصار.
فكان الغرض البحثي هنا هولفت أنظار الباحثين والمتلقين الى ضرورة فهم المُحكم والمتشابه قرآنيا فهما قويما مُشتملا على فهم المعصومين/ع/ والتأسيس عليه
ومن خلال ضبط فهمه تتحدد المسارات الحقة للعقيدة الإسلامية وخصوصا عقيدتنا بالإمام المهدي/ع/.
((الوظيفة الشرعية للإنسان المسلم والمؤمن تجاه المُحَكم والمتشابه قرآنيا))
=================================
من المعلوم قرآنيا أنّ الآية الشريفة في قوله تعالى
((هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب)) ( 7 )/آل عمران
هي ذاتها حددت الموقف العملي تجاه التعاطي مع المُحكم والمتشابه في الفهم الدلالي لهما فصنّفتّ المتلقين للنصوص القرآنية إلى صنفين رئيسين :
أحدهما/ هم أصحاب الرأي والإستحسان والمريضي القلب والعقيمي الفهم وهولاء يتبعون المتشابه بمعزل عن إرجاعه إلى محكمات الكتاب العزيز إبتغاءً وطلبا للفتنة والضلالة وهذا إنما يحصل منهم بسبب زيغهم وميلهم فكرا وعملا وإعتقادا عن الحق
وشريعته.كما حصل مع أتباع المذهب القائل بأنّ الإمامة واجبة على الناس لا على الله في تنصيبها فحصل ما حصل نتيجة زيغهم هذا.
وأما ثانيهما/ فهم النخبة المعصومة من النبي والأئمة المعصومين /ع/ وأتباعهم الذين يرجعون إليهم في فهم المتشابه قرآنيا ويُسلّمون به تعبديا فلذا قال الله تعالى حكاية عنهم.
((وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب)).
وقد حددت الروايات الموقف العملي لنا تجاه المحكم والمتشابه قرآنيا.
فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق /ع/ أنه قال/ع/:
(( إنّ القرآن محكم ومتشابه فأما المحكم فتؤمن به وتعمل به وتدين به وأما المتشابه فتؤمن به ولاتعمل به وهو قوله تعالى ((فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا))
والراسخون في العلم هم آل محمد/ص/.)) //4/تفسير العياشي/ محمد بن مسعود العياشي/ ج1/ص 162.
وعلى هذا الأساس القرآني والروائي في كيفية التعاطي مع القرآن الكريم وخاصة في محكمه ومتشابه يجب علينا تدبر أيات الله تعالى من خلال إرجاع المتشابه إلى المحكم إرجاعا مستقيما يحفظ لنا مراد القرآن الكريم في متشابهاته ولايجعلنا نقع في الضلالة والفتنة كما وقع الآخرون حينما تمسكوا بظواهر الألفاظ القرآنية فجسموا الله تعالى وقالوا أنّ له يد وعرش ومكان معاذ الله من ذلك وتعالى سبحانه علوا كبيرا.وقالوا ببشرية نصب الإمام لا إلهيته.
(( الحكمة من إشتمال القرآن الكريم على المتشابه))
===========================
بعد ما نعلم إنّ القرآن الحكيم بمجمله نزل تبيانا لكل شيء وبيانا واضحا
قد يرد سؤال على الذهن ما الحكمة من وجود المتشابه في القرآن الكريم وهو غير متضح الدلالة في حد ذاته لأول وهلة ؟
إلاّ بعد إرجاعه إلى المحكم كي تتضح دلالته ومفاده؟
وقد أجاب العلماء والمفسّرون عن ذلك فقالوا :
(إنّ القصور حقيقة هو في عقولنا وعدم قدرتها على فهم المتشابه لوحده من دون إرجاعه إلى المحكم القرآني المبين وإلاّ ففي الواقع لايوجد قصور في القرآن ولامتشابهه
فاللبس في فهم مراد ومعنى المتشابه يحصل عندنا بشكل شك غير مقترن بعلم سرعان ما يتلاشى هذا الشك بمجرد الرجوع إلى المحكم وتحكيمه في تحديد دلالة المتشابه .) إنظر/5/ مواهب الرحمن في تفسير القرآن/ السيد السبزواري/ج5/ص70.(بتصرف مني)
وقد يُراد من تضمين القرآن الكريم للمتشابه هو لأجل تحريك ذهن المتلقي وجعله يُفكّر ويتعاطى علميا مع نصوص القرآن الكريم كمحفز للوعي الجديد الذي يؤسس له القرآن الكريم في منظومته الخالدة للبشرية جمعاء.
حالها حال التعاطي مع فواتح السور القرآنية من الحروف المقطعة والتي هي الأخرى إخترقت نظام اللغة العربية وغايرتها تأسيسيا غرضا منها لبث قيم جديدة وإبتكارات بيانية تعجزهم وتدلل على أنها من الله تعالى .
فوجود المتشابهات قرآنيا لايتعارض مع كونه تبيان لكل شيء كمافي قوله تعالى:
((ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين))/89/ النحل.
بعد ما نُرجِع المتشابهات إلى مُحكمات القرآن الكريم وهي أيضا قد تكون من الحكمة في إختبار المتلقي للنص القرآني وإمتحانه في مدى قدرته على فهم مراد القرآن الكريم أو مدى قدرته على ألرجوع إلى أهل العلم وفَهمة القرآن الكريم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إعداد/ مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف: