حسين عبد الامير
15-09-2011, 02:47 PM
معركة أُحد
تعدّ معركة أُحد من أعظم المعارك في الإسلام. فقد قرر كفّار قريش إعلان الحرب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن تتكفّل قريش نفقاتها، فأعدّت 4 آلاف مقاتل، إضافة إلى النساء اللاتي هدفوا من اشتراكهن: تحريض الرجال على القتال، والصمود وعدم الفرار، وإشعال الحماس في النفوس، وإنّ فرار الرجال يعني أسرهن، فتصبح الغيرة والحمية سبباً للمقاومة والصمود. كما اشترك في الجيش عدد من العبيد والرقيق طمعاً في العتق الذي وعدوا به متى ما نصروا أسيادهم، مثل وحشي الحبشي.
إلاّ أنّ العباس بن عبد المطلب الذي عاش بين قريش كاتماً إيمانه، كتب تقريراً مفصلاً عن تلك الاستعدادات وأرسله مع رجل غفاري إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخبر أصحابه بالأمر.
ثمّ عقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يوم الجمعة اجتماعاً عسكرياً للتشاور مع القادة وأهل الخبرة في وسائل مواجهة العدو، فأشار "عبد اللّه بن أُبي بن سلول" ـ من منافقي المدينة ـ بالقتال داخل المدينة، أي لا يخرج المسلمون منها بل يقاتلونهم حرب الشوارع. إلاّ أنّ فتيان المسلمين شجبوا هذا الرأي وأقروا الخروج من المدينة لملاقاة العدو، بعد أن أيّد الرأي السابق أكابر أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من المهاجرين والأنصار.
وكان حمزة وسعد بن عبادة على رأس القائلين بلقاء العدو خارج المدينة، فأيّد النبي رأي الأكثرية بالخروج للحرب، إذ أنّ محاصرة العدوّ للمدينة وسيطرته على مداخلها وطرقاتها وسكوت جنود الإسلام على ذلك،من شأنه أن يقتل الروح القتالية والفروسية في أبناء الإسلام المجاهدين.
وكان جيش الكفّار قد وصل أطراف المدينة، حتى استقر قرب جبل أُحد، يوم الخميس، الخامس من شهر شوال، فاستعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن لبس لامته والدرع وتقلّد السيف واعتمّ، فخرج من بيته، ممّا آثار المسلمين وهزّهم بشدّة حتّى تصوّر بعضهم أنّهم قد أجبروه صلى الله عليه وآله وسلم على الخروج، فطلبوا منه المعذرة وإجراء أيّ فعل يقصده، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل". ثمّ صلّى الناس الجمعة، وخرج على رأس ألف مقاتل قاصداً أُحد.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم قد رفض اشتراك جماعة من اليهود الذين تحالفوا مع "عبد اللّه بن أُبيّ بن سلول" معهم، فانعزل عن الجيش وعاد بثلث الناس كلّهم من الأوس المتحالفين معه، إلى المدينة، بحجّة أنّ الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" أخذ برأي الفتية والشباب. ولذا لم يشترك اليهودُ والمنافقون في هذه الحرب.
وفي يوم السبت 7 من شهر شوال، اصطف الجيش الإسلامي أمام قوى الشرك المعتدية، فجعل ظهره إلى جبل أُحد كمانع طبيعي يحفظ الخلف، ووضع جماعة من الرماة عند ثغرة في الجبل، عليهم "عبد اللّه بن جبير" وطلب منهم الالتزام بالموقع: "إلزموا مكانكم لا تبرحوا منه إن كانت لنا أو علينا فلا تفارقوا مكانكم".
إلاّ أنّ المسلمين انهزموا بعد انتصارهم في بداية المعركة نتيجة تجاهل هؤلاء الرماة لأوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين أخلوا هذا الموقع الاستراتيجي.
وكانت قريش قد أعدّت تسعة رجال شجعان من بني الدار لحمل الراية، قتلهم الإمام علي عليه السلام جميعاً، كما قتل غلامهم حين برز أيضاً.
وبهذا، فإنّ النتيجة الأوّلية كانت هزيمة الكفّار، مخلِّفين وراءهم غنائم وأموالاً كثيرة، فانتصر المسلمون على عدوّهم القوي عدداً وعدّة، لأسباب منها:
ـ إنّهم قاتلوا في مرضاة اللّه، ونشر عقيدة التوحيد، دون أن يهدفوا إلى مصلحة مادية، ولكنّهم انهزموا بعد انتصارهم الساحق لأسباب، كان أهمها:
ـ تغيّر أهدافهم، فقد اتجهت أنظارهم إلى الغنائم في أرض المعركة، ونسوا أوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعاليمه بالتمسّك بها مهما حدث. وخاصة أُولئك الرماة الحامين ظهر المسلمين على جبل أُحد، حين تركوا مواقعهم ونزلوا إلى الساحة يريدون جمع الغنائم قائلين: "ولِمَ نقيم هنا من غير شيء وقد هَزَم اللّهُ العدو، فلنذهب ونغنم مع إخواننا". وهو الأمر الذي استغله "خالد بن الوليد" الذي كان آنذاك مع المشركين، وكان يترصّد خلوّ الثغرة من الرماة، فقتل باقي الرماة وكانوا عشرة من خمسين، ثمّ هاجم المسلمين الغافلين عن الوضع السّيء، والذين انشغلوا بجمع الغنائم، فتفرقت جموعهم، واجتمع جنود قريش الهاربون فقاتلوا المسلمين قتالاً ضارياً، حتى قُتِلَ منهم سبعون رجلاً. وعندما قتل أحد أبطال المشركين من قريش، حامل لواء الإسلام : "مصعب بن عمير" ظُنّ أنّه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فصاح: قتلت محمداً. فانتشر الخبر بين المسلمين وقريش الذين سرّوا بذلك فصاحوا: "ألا قد قتل محمد". فاضطر المسلمون_ بعد انفراط القيادة ، وإشاعة الفوضى والهرج والمرج في الجيش_ إلى أن يهرب معظمهم إلى الجبل، تاركين أرض المعركة، إلاّ عدداً قليلاً منهم.
وكان خمسة من صناديد قريش قد تعاهدوا على أن يضعوا نهاية لحياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهما كلّفهم الأمر، وهم:
1- عبد اللّه بن شهاب، الذي جرح جبهة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
2- عتبة بن أبي وقاص، الذي رمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأحجار فكسر رباعيته.
3- ابن قميئة الليثي، الذي رمى وجنتي الرسول وجرحهما.
4- عبد اللّه بن حميد، الذي حمل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقتله أبو دجانة بطل الإسلام.
5- أُبي بن خلف، الذي قتله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بيده عندما حمل عليه.
وقد دلّت مواقف الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في هذه المعركة وغيرها على شجاعته وقوّته، وقد أكدها الإمام علي عليه السلام قائلاً: "كنّا إذا احمرّ البأس، اتّقينا برسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يكن أحد أقرب منّا إلى العدو منه". ومن هنا فإنّ سلامة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الحرب، بل وفي عامة الحروب تعود في أكثر أسبابها إلى:
ـ حسن دفاعه عن دينه وعن نفسه، وإلى شجاعته وبأسه في المعارك، إضافة إلى تضحية تلك القلة من أصحابه الأوفياء الذين بذلوا غاية جهدهم للحفاظ على حياته وسلامته واشتهر من هؤلاء:
1- الإمام علي عليه السلام الذي بلغ 26 عاماً من عمره، حيث قتل 12 من رجال قريش، والباقي وهم عشرة قتلهم باقي المسلمين. وهنا سمع هتاف بين السماء والأرض يقول: "لا فتى إلاّ عليّ ولا سيف إلاّ ذو الفقار".
2- أبو دجانة، الذي جعل من نفسه ترساً يقي النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" من سيوف الكفّار.
3- حمزة بن عبد المطلب، الذي دأب على حماية الرسول ص من أذى المشركين دائماً في الظروف القاسية، إلاّ أنّ وحشي العبد قتله في هذه المعركة.
4- أُمّ عمارة، نسيبة المازنية، وقد باشرت القتال وذبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف، ورمت بالقوس حتى جُرِحت.
وقد أُعجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشجاعتها، فأشاد بموقفها يوم أُحد: "لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من فلان وفلان"، فطلبت منه صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو لها بالجنة فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "بارك اللّه عليكم من أهل بيت رحمكم اللّه، اللّهمّ اجعلهم رفقائي في الجنة".
وقد استغل أبو سفيان وقريش انتصارهم فاعتمدوا الإعلام المزيف في ذلك، بأنّ آلهتهم أعظم من إله المسلمين، قاصداً من ذلك التأثير النفسي، فقد رأى أنّ الحملة النفسية والحرب الباردة يمكنها أن تحطم إيمان المسلمين.
أمّا هند زوجة أبي سفيان، فقد مثلت مع بعض النساء بجثث المسلمين، من قطع الأنوف وجدع الآذان وسمل العيون وقطع الأصابع والأرجل والمذاكير، نكاية بالمسلمين وإطفاءً للحقد الدفين. وقد بقرت هند صدر حمزة وأخرجت كبده ولاكته بين أسنانها، دون أن تستطيع أكله فعُرفت بآكلة الأكباد، كما عرف أبناؤها فيما بعد ببني آكلة الأكباد.
وقال الرسول صلى الله عليه وآله عندما شاهد عمّه حمزة: "ما وقفتُ موقفاً قط أغيظ إليّ من هذا".
وهكذا غادر كفّار قريش أرض المعركة إلى مكة، أمّا المسلمون، فبعد أن صلّى بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر، دفنوا الشهداء واحداً واحداً أو اثنين اثنين، عند جبل أُحد.
أمّا الشهداء فكانوا ما بين 70 أو 81 مسلماً على روايات مختلفة، ولم يتجاوز عدد قتلى قريش 22 فرداً، وأمّا النبي صلى الله عليه وآله فقد عالجته السيدة فاطمة عليها السلام والإمام علي عليه السلام حينما رجع إلى المدينة.
* السيرة المحمدية، الشيخ جعفر السبحاني، دار الأضواء، ط1، 1423هـ/2002م، بيروت/لبنان، ص133-138.
تعدّ معركة أُحد من أعظم المعارك في الإسلام. فقد قرر كفّار قريش إعلان الحرب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن تتكفّل قريش نفقاتها، فأعدّت 4 آلاف مقاتل، إضافة إلى النساء اللاتي هدفوا من اشتراكهن: تحريض الرجال على القتال، والصمود وعدم الفرار، وإشعال الحماس في النفوس، وإنّ فرار الرجال يعني أسرهن، فتصبح الغيرة والحمية سبباً للمقاومة والصمود. كما اشترك في الجيش عدد من العبيد والرقيق طمعاً في العتق الذي وعدوا به متى ما نصروا أسيادهم، مثل وحشي الحبشي.
إلاّ أنّ العباس بن عبد المطلب الذي عاش بين قريش كاتماً إيمانه، كتب تقريراً مفصلاً عن تلك الاستعدادات وأرسله مع رجل غفاري إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخبر أصحابه بالأمر.
ثمّ عقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يوم الجمعة اجتماعاً عسكرياً للتشاور مع القادة وأهل الخبرة في وسائل مواجهة العدو، فأشار "عبد اللّه بن أُبي بن سلول" ـ من منافقي المدينة ـ بالقتال داخل المدينة، أي لا يخرج المسلمون منها بل يقاتلونهم حرب الشوارع. إلاّ أنّ فتيان المسلمين شجبوا هذا الرأي وأقروا الخروج من المدينة لملاقاة العدو، بعد أن أيّد الرأي السابق أكابر أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من المهاجرين والأنصار.
وكان حمزة وسعد بن عبادة على رأس القائلين بلقاء العدو خارج المدينة، فأيّد النبي رأي الأكثرية بالخروج للحرب، إذ أنّ محاصرة العدوّ للمدينة وسيطرته على مداخلها وطرقاتها وسكوت جنود الإسلام على ذلك،من شأنه أن يقتل الروح القتالية والفروسية في أبناء الإسلام المجاهدين.
وكان جيش الكفّار قد وصل أطراف المدينة، حتى استقر قرب جبل أُحد، يوم الخميس، الخامس من شهر شوال، فاستعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن لبس لامته والدرع وتقلّد السيف واعتمّ، فخرج من بيته، ممّا آثار المسلمين وهزّهم بشدّة حتّى تصوّر بعضهم أنّهم قد أجبروه صلى الله عليه وآله وسلم على الخروج، فطلبوا منه المعذرة وإجراء أيّ فعل يقصده، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل". ثمّ صلّى الناس الجمعة، وخرج على رأس ألف مقاتل قاصداً أُحد.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم قد رفض اشتراك جماعة من اليهود الذين تحالفوا مع "عبد اللّه بن أُبيّ بن سلول" معهم، فانعزل عن الجيش وعاد بثلث الناس كلّهم من الأوس المتحالفين معه، إلى المدينة، بحجّة أنّ الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" أخذ برأي الفتية والشباب. ولذا لم يشترك اليهودُ والمنافقون في هذه الحرب.
وفي يوم السبت 7 من شهر شوال، اصطف الجيش الإسلامي أمام قوى الشرك المعتدية، فجعل ظهره إلى جبل أُحد كمانع طبيعي يحفظ الخلف، ووضع جماعة من الرماة عند ثغرة في الجبل، عليهم "عبد اللّه بن جبير" وطلب منهم الالتزام بالموقع: "إلزموا مكانكم لا تبرحوا منه إن كانت لنا أو علينا فلا تفارقوا مكانكم".
إلاّ أنّ المسلمين انهزموا بعد انتصارهم في بداية المعركة نتيجة تجاهل هؤلاء الرماة لأوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين أخلوا هذا الموقع الاستراتيجي.
وكانت قريش قد أعدّت تسعة رجال شجعان من بني الدار لحمل الراية، قتلهم الإمام علي عليه السلام جميعاً، كما قتل غلامهم حين برز أيضاً.
وبهذا، فإنّ النتيجة الأوّلية كانت هزيمة الكفّار، مخلِّفين وراءهم غنائم وأموالاً كثيرة، فانتصر المسلمون على عدوّهم القوي عدداً وعدّة، لأسباب منها:
ـ إنّهم قاتلوا في مرضاة اللّه، ونشر عقيدة التوحيد، دون أن يهدفوا إلى مصلحة مادية، ولكنّهم انهزموا بعد انتصارهم الساحق لأسباب، كان أهمها:
ـ تغيّر أهدافهم، فقد اتجهت أنظارهم إلى الغنائم في أرض المعركة، ونسوا أوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعاليمه بالتمسّك بها مهما حدث. وخاصة أُولئك الرماة الحامين ظهر المسلمين على جبل أُحد، حين تركوا مواقعهم ونزلوا إلى الساحة يريدون جمع الغنائم قائلين: "ولِمَ نقيم هنا من غير شيء وقد هَزَم اللّهُ العدو، فلنذهب ونغنم مع إخواننا". وهو الأمر الذي استغله "خالد بن الوليد" الذي كان آنذاك مع المشركين، وكان يترصّد خلوّ الثغرة من الرماة، فقتل باقي الرماة وكانوا عشرة من خمسين، ثمّ هاجم المسلمين الغافلين عن الوضع السّيء، والذين انشغلوا بجمع الغنائم، فتفرقت جموعهم، واجتمع جنود قريش الهاربون فقاتلوا المسلمين قتالاً ضارياً، حتى قُتِلَ منهم سبعون رجلاً. وعندما قتل أحد أبطال المشركين من قريش، حامل لواء الإسلام : "مصعب بن عمير" ظُنّ أنّه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فصاح: قتلت محمداً. فانتشر الخبر بين المسلمين وقريش الذين سرّوا بذلك فصاحوا: "ألا قد قتل محمد". فاضطر المسلمون_ بعد انفراط القيادة ، وإشاعة الفوضى والهرج والمرج في الجيش_ إلى أن يهرب معظمهم إلى الجبل، تاركين أرض المعركة، إلاّ عدداً قليلاً منهم.
وكان خمسة من صناديد قريش قد تعاهدوا على أن يضعوا نهاية لحياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهما كلّفهم الأمر، وهم:
1- عبد اللّه بن شهاب، الذي جرح جبهة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
2- عتبة بن أبي وقاص، الذي رمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأحجار فكسر رباعيته.
3- ابن قميئة الليثي، الذي رمى وجنتي الرسول وجرحهما.
4- عبد اللّه بن حميد، الذي حمل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقتله أبو دجانة بطل الإسلام.
5- أُبي بن خلف، الذي قتله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بيده عندما حمل عليه.
وقد دلّت مواقف الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في هذه المعركة وغيرها على شجاعته وقوّته، وقد أكدها الإمام علي عليه السلام قائلاً: "كنّا إذا احمرّ البأس، اتّقينا برسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يكن أحد أقرب منّا إلى العدو منه". ومن هنا فإنّ سلامة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الحرب، بل وفي عامة الحروب تعود في أكثر أسبابها إلى:
ـ حسن دفاعه عن دينه وعن نفسه، وإلى شجاعته وبأسه في المعارك، إضافة إلى تضحية تلك القلة من أصحابه الأوفياء الذين بذلوا غاية جهدهم للحفاظ على حياته وسلامته واشتهر من هؤلاء:
1- الإمام علي عليه السلام الذي بلغ 26 عاماً من عمره، حيث قتل 12 من رجال قريش، والباقي وهم عشرة قتلهم باقي المسلمين. وهنا سمع هتاف بين السماء والأرض يقول: "لا فتى إلاّ عليّ ولا سيف إلاّ ذو الفقار".
2- أبو دجانة، الذي جعل من نفسه ترساً يقي النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" من سيوف الكفّار.
3- حمزة بن عبد المطلب، الذي دأب على حماية الرسول ص من أذى المشركين دائماً في الظروف القاسية، إلاّ أنّ وحشي العبد قتله في هذه المعركة.
4- أُمّ عمارة، نسيبة المازنية، وقد باشرت القتال وذبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف، ورمت بالقوس حتى جُرِحت.
وقد أُعجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشجاعتها، فأشاد بموقفها يوم أُحد: "لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من فلان وفلان"، فطلبت منه صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو لها بالجنة فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "بارك اللّه عليكم من أهل بيت رحمكم اللّه، اللّهمّ اجعلهم رفقائي في الجنة".
وقد استغل أبو سفيان وقريش انتصارهم فاعتمدوا الإعلام المزيف في ذلك، بأنّ آلهتهم أعظم من إله المسلمين، قاصداً من ذلك التأثير النفسي، فقد رأى أنّ الحملة النفسية والحرب الباردة يمكنها أن تحطم إيمان المسلمين.
أمّا هند زوجة أبي سفيان، فقد مثلت مع بعض النساء بجثث المسلمين، من قطع الأنوف وجدع الآذان وسمل العيون وقطع الأصابع والأرجل والمذاكير، نكاية بالمسلمين وإطفاءً للحقد الدفين. وقد بقرت هند صدر حمزة وأخرجت كبده ولاكته بين أسنانها، دون أن تستطيع أكله فعُرفت بآكلة الأكباد، كما عرف أبناؤها فيما بعد ببني آكلة الأكباد.
وقال الرسول صلى الله عليه وآله عندما شاهد عمّه حمزة: "ما وقفتُ موقفاً قط أغيظ إليّ من هذا".
وهكذا غادر كفّار قريش أرض المعركة إلى مكة، أمّا المسلمون، فبعد أن صلّى بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر، دفنوا الشهداء واحداً واحداً أو اثنين اثنين، عند جبل أُحد.
أمّا الشهداء فكانوا ما بين 70 أو 81 مسلماً على روايات مختلفة، ولم يتجاوز عدد قتلى قريش 22 فرداً، وأمّا النبي صلى الله عليه وآله فقد عالجته السيدة فاطمة عليها السلام والإمام علي عليه السلام حينما رجع إلى المدينة.
* السيرة المحمدية، الشيخ جعفر السبحاني، دار الأضواء، ط1، 1423هـ/2002م، بيروت/لبنان، ص133-138.