د. حامد العطية
19-09-2011, 05:12 AM
توقعنا من شيخ الدليم الاعتذار لا التهديد بقطع الأيدي
د. حامد العطية
نقلت مصادر الأخبار عن المدعو أمير عشائر الدليم علي حاتم السليمان تصريحاً يتهدد فيه حزب الدعوة بقطع اليد إن لم تسلم السلطات الأمنية مجموعة من المتهمين بالإرهاب إلى محافظة الأنبار، التي يقطن فيها هذا الشيخ وأتباعه.
ما يهمني هنا ليس حزب الدعوة، فأنا لست عضواً فيه ولا راضياً عن أداءه لأنبري للدفاع عنه، ولكن لتصريحات شيخ الدليم مغزى خطير يمس واقع ومستقبل هذا البلد، فلا يجوز السكوت عليها.
من يقرأ تصريحات شيخ الدليم يظن أن له منصباً رسمياً أو حزباً سياسياً، وفي الواقع هو مجرد مواطن عادي، مثل غالبية العراقيين، في نظر الدستور والقانون، ولا قيمة أو وزن البتة لكونه شيخ الدليم أو أمير أو حتى ملك شيوخ الدليم.
لأول وهلة يبدو تصريح الشيخ نشاز على معطيات الزمن الحالي والظروف الموضوعية الراهنة، إذ اندثر النظام الملكي عندما كان لشيخ القبيلة رأي مسموع، وولى حكم البعث الطائفي، الذي خص شيوخ وسكان الأنبار بمزايا ومكانة خاصة، وضعتهم فوق أهل جنوب العراق، فهل كلام الشيخ بالفعل خارج على سياق الزمن؟
مقابل المكانة العالية والمزايا الكثيرة التي أغدقها النظام الملكي على شيوخ القبائل الموالين ألزمهم بقواعد وضوابط سلوكية، وإن غض النظام النظر عن نشاط شيخ معارض أطلق هوسات ناقدة أو اكتفى بإرسال "المسلحة" (سيارة شرطة تحمل بندقية رشاشة) لتخويفه،فهو بالتأكيد لم يتهاون مع أي عمل تخريبي أو تحريض على التخريب، آنذاك يرسل الجيش.
ولكن هل استعمل الجيش العراقي لمجابهة تمرد قبلي في الدليم أو غيرها من مناطق السنة؟ يبين الملحق العسكري البريطاني الأسبق في العراق أنثوني بارسون في مذكراته الموسومة (يقولون الأسد: They Say The Lion) بأنه في الخمسينات ضم الجيش العراقي فرقتي مشاة ولواء مدرع، وكان الجنود في الفرقة الأولى ومقرها في الجنوب من الشيعة وضباطها سنة، وكان معظم ضباط وجنود الفرقة الثانية ومقرها في الشمال من الأكراد (ص 11)، ولم يطرأ تغيير على التركيبة الطائفية للجيش العراقي أثناء العهد الجمهوري، وفيما عدا الحرب على إيران واحتلال الكويت ومشاركات محدودة في حروب العرب مع الكيان الصهيوني استعمل الجيش العراقي غالباً لقمع تمردات عشائرية وإثنية في الجنوب والشمال، وكان آخرها قمع الانتفاضة الشيعية في 1991م، أما العشائر العربية السنية فقد كانت وحتى زوال النظام البعثي محط رعاية وحظوة الحكومات العراقية، ولم يستعمل الجيش ضدها.
إذن تصريح شيخ الدليم غير مستغرب لو صدر عنه قبل 2003م ولكن هل تغير الوضع اليوم بحيث يصبح هذا الكلام مستهجناً؟ من المؤكد بأن تمثيل الشيعة على المستويات القيادية في الجيش العراقي الحالي قد ازداد، ولكن وكما في الماضي استعمل هذا الجيش في عمليات عسكرية ضد جماعات مسلحة، معظمها في جنوب العراق ووسطه، وهي مناطق يسكنها الشيعة، وكانت عمليات الجيش في مناطق السنة محدودة، على الرغم من استيطان الإرهاب في هذه المنطقة وفداحة خطره على السلم الأهلي والعملية السياسية.
نستنتج من هذه المعطيات بأن لسكان المناطق السنية حصانة، تجعلهم في منأى من سطوة الجيش ومحاسبة القانون، فلا غرابة لو صدرت من شيخهم هذه التصريحات، ومصدر هذه الحصانة هم المحتلون الأمريكيون والكيانات الشيعية المشاركة في العملية السياسية، وعلى رأسها حزب الدعوة، فهم سكتوا على استهتار قادة السنة والكثير من أتباعهم بالسلطة والنظام، وشجعوهم بصورة مباشرة وغير مباشرة على مخالفة القوانين.
يتهدد شيخ الدليم حزب الدعوة بقطع اليد، والمعنيون بذلك هم زعيم حزب الدعوة رئيس الوزراء المالكي وكل عضو في الحزب، وكما هو معروف فإن حرية الرأي والتعبير مكفولة دستورياً بشرط التقيد بضوابط مثل الامتناع عن التهديد بالعنف أو التحريض عليه، وشيخ الدليم يلوح باستعمال العنف وحتى قطع اليد لحزب بأكمله مخالفاً بذلك القوانين المرعية، والواجب على رئيس الوزراء المالكي ووزراء وكوادر حزب الدعوة تقديم شكوى للشرطة والقضاء للقبض على شيخ الدليم تمهيداً لمحاكته وفقاً للقانون، فهل سيحدث هذا؟
شيخ الدليم متيقن بأنه محصن ضد القانون ودولة القانون، فلن يلقى القبض عليه ولن يودع السجن ولن يحاكم، لأن يد حزب الدعوة ودولة القانون مشلولة، عندما يتعلق الأمر بالسنة العرب والأكراد، لذا نسأل: ما الفائدة التي تجنيها عشائر الدليم من قطع هذه اليد؟ إلا إذا كان المقصود بهذا التهديد هم الشيعة جمعاء، وهنا أيضاً يبدو رد فعل الشيخ مبالغاً فيه إذ لم تقم قيامة الشيعة بسبب قتل العشرات منهم وسبي نسائهم وأطفالهم في النخيب، وتسابق قادتهم لاصدار صك براءة للسنة من هذه الجريمة الإرهابية البربرية.
هنالك نتيجة واحدة تقودنا لها تصريحات الشيخ هو أن المطلوب من الشيعة، السكوت على سفك الإرهابيين لدماءهم، وأن لا يحركوا ساكنا،ً وأن لا يقتصوا من القتلة بدون اذن الشيخ وأمثاله، وأن يدركوا الحقيقة وهي أنهم، أي الشيعة، مشاركون في الحكم، ولكن بشروط السنة والأكراد.
كنت أتوقع من شيخ الدليم، وبدلاً من التهديد بقطع اليد، الاعتذار للشعب العراقي، وللشيعة بالذات، ولأهالي ضحايا مجزرة النخيب على وجه التحديد، فالقتلة من سكان محافظته، وينتمون لطائفته، وما اقترفوه شائن في كل النواميس والعقائد والأعراف، وهي وصمة عار كبرى تضاف إلى سجل أسود ملطخ بالعار، فهل من شيم العرب المسلمين أن يغدروا برجال عزل مسالمين مروا بديارهم فيقتلونهم ويأسرون نساءهم وأطفالهم ؟ أليس تلك الفعلة وأمثالها بالمئات إن لم يكن بالألاف تنم عن خسة ودناءة وهمجية ومروق من الملة بل الإنسانية؟
إن لم يتفق شيخ الدليم مع هذا الحكم فلنسأل ذلك الشيخ الذي كان يرأس واحدة من كبرى القبائل العربية، ويروي أحد المصادر - وأظنه كتاب القبائل العراقية للعزاوي - قصة هذا الشيخ، الذي صعق لدى معرفته بأن ابنه وثلة من قبيلته أغاروا على قافلة مرت بديرتهم، فقتلوا وسلبوا، فماذا فعل الشيخ؟ هل سأل عن هوية الضحايا الإثنية أو الطائفية أو القبلية؟ وهل هدد بقطع اليد التي تمتد لإبنه بالعقاب؟ لا لقد أمر بقتل ابنه، فلذة كبده، عقاباً له على فعلته الشنعاء، ولم يكتفي بذلك، بل رحل هو وقبيلته عن أرض العراق عائداً إلى الجزيرة العربية لأن تلك الجريمة قد دنست شرفهم وثلمت سمعتهم أمام العراقيين، هذا هو فعل شيوخ القبائل الذي يستحق منا جميعاً الثناء.
18 أيلول 2011م
د. حامد العطية
نقلت مصادر الأخبار عن المدعو أمير عشائر الدليم علي حاتم السليمان تصريحاً يتهدد فيه حزب الدعوة بقطع اليد إن لم تسلم السلطات الأمنية مجموعة من المتهمين بالإرهاب إلى محافظة الأنبار، التي يقطن فيها هذا الشيخ وأتباعه.
ما يهمني هنا ليس حزب الدعوة، فأنا لست عضواً فيه ولا راضياً عن أداءه لأنبري للدفاع عنه، ولكن لتصريحات شيخ الدليم مغزى خطير يمس واقع ومستقبل هذا البلد، فلا يجوز السكوت عليها.
من يقرأ تصريحات شيخ الدليم يظن أن له منصباً رسمياً أو حزباً سياسياً، وفي الواقع هو مجرد مواطن عادي، مثل غالبية العراقيين، في نظر الدستور والقانون، ولا قيمة أو وزن البتة لكونه شيخ الدليم أو أمير أو حتى ملك شيوخ الدليم.
لأول وهلة يبدو تصريح الشيخ نشاز على معطيات الزمن الحالي والظروف الموضوعية الراهنة، إذ اندثر النظام الملكي عندما كان لشيخ القبيلة رأي مسموع، وولى حكم البعث الطائفي، الذي خص شيوخ وسكان الأنبار بمزايا ومكانة خاصة، وضعتهم فوق أهل جنوب العراق، فهل كلام الشيخ بالفعل خارج على سياق الزمن؟
مقابل المكانة العالية والمزايا الكثيرة التي أغدقها النظام الملكي على شيوخ القبائل الموالين ألزمهم بقواعد وضوابط سلوكية، وإن غض النظام النظر عن نشاط شيخ معارض أطلق هوسات ناقدة أو اكتفى بإرسال "المسلحة" (سيارة شرطة تحمل بندقية رشاشة) لتخويفه،فهو بالتأكيد لم يتهاون مع أي عمل تخريبي أو تحريض على التخريب، آنذاك يرسل الجيش.
ولكن هل استعمل الجيش العراقي لمجابهة تمرد قبلي في الدليم أو غيرها من مناطق السنة؟ يبين الملحق العسكري البريطاني الأسبق في العراق أنثوني بارسون في مذكراته الموسومة (يقولون الأسد: They Say The Lion) بأنه في الخمسينات ضم الجيش العراقي فرقتي مشاة ولواء مدرع، وكان الجنود في الفرقة الأولى ومقرها في الجنوب من الشيعة وضباطها سنة، وكان معظم ضباط وجنود الفرقة الثانية ومقرها في الشمال من الأكراد (ص 11)، ولم يطرأ تغيير على التركيبة الطائفية للجيش العراقي أثناء العهد الجمهوري، وفيما عدا الحرب على إيران واحتلال الكويت ومشاركات محدودة في حروب العرب مع الكيان الصهيوني استعمل الجيش العراقي غالباً لقمع تمردات عشائرية وإثنية في الجنوب والشمال، وكان آخرها قمع الانتفاضة الشيعية في 1991م، أما العشائر العربية السنية فقد كانت وحتى زوال النظام البعثي محط رعاية وحظوة الحكومات العراقية، ولم يستعمل الجيش ضدها.
إذن تصريح شيخ الدليم غير مستغرب لو صدر عنه قبل 2003م ولكن هل تغير الوضع اليوم بحيث يصبح هذا الكلام مستهجناً؟ من المؤكد بأن تمثيل الشيعة على المستويات القيادية في الجيش العراقي الحالي قد ازداد، ولكن وكما في الماضي استعمل هذا الجيش في عمليات عسكرية ضد جماعات مسلحة، معظمها في جنوب العراق ووسطه، وهي مناطق يسكنها الشيعة، وكانت عمليات الجيش في مناطق السنة محدودة، على الرغم من استيطان الإرهاب في هذه المنطقة وفداحة خطره على السلم الأهلي والعملية السياسية.
نستنتج من هذه المعطيات بأن لسكان المناطق السنية حصانة، تجعلهم في منأى من سطوة الجيش ومحاسبة القانون، فلا غرابة لو صدرت من شيخهم هذه التصريحات، ومصدر هذه الحصانة هم المحتلون الأمريكيون والكيانات الشيعية المشاركة في العملية السياسية، وعلى رأسها حزب الدعوة، فهم سكتوا على استهتار قادة السنة والكثير من أتباعهم بالسلطة والنظام، وشجعوهم بصورة مباشرة وغير مباشرة على مخالفة القوانين.
يتهدد شيخ الدليم حزب الدعوة بقطع اليد، والمعنيون بذلك هم زعيم حزب الدعوة رئيس الوزراء المالكي وكل عضو في الحزب، وكما هو معروف فإن حرية الرأي والتعبير مكفولة دستورياً بشرط التقيد بضوابط مثل الامتناع عن التهديد بالعنف أو التحريض عليه، وشيخ الدليم يلوح باستعمال العنف وحتى قطع اليد لحزب بأكمله مخالفاً بذلك القوانين المرعية، والواجب على رئيس الوزراء المالكي ووزراء وكوادر حزب الدعوة تقديم شكوى للشرطة والقضاء للقبض على شيخ الدليم تمهيداً لمحاكته وفقاً للقانون، فهل سيحدث هذا؟
شيخ الدليم متيقن بأنه محصن ضد القانون ودولة القانون، فلن يلقى القبض عليه ولن يودع السجن ولن يحاكم، لأن يد حزب الدعوة ودولة القانون مشلولة، عندما يتعلق الأمر بالسنة العرب والأكراد، لذا نسأل: ما الفائدة التي تجنيها عشائر الدليم من قطع هذه اليد؟ إلا إذا كان المقصود بهذا التهديد هم الشيعة جمعاء، وهنا أيضاً يبدو رد فعل الشيخ مبالغاً فيه إذ لم تقم قيامة الشيعة بسبب قتل العشرات منهم وسبي نسائهم وأطفالهم في النخيب، وتسابق قادتهم لاصدار صك براءة للسنة من هذه الجريمة الإرهابية البربرية.
هنالك نتيجة واحدة تقودنا لها تصريحات الشيخ هو أن المطلوب من الشيعة، السكوت على سفك الإرهابيين لدماءهم، وأن لا يحركوا ساكنا،ً وأن لا يقتصوا من القتلة بدون اذن الشيخ وأمثاله، وأن يدركوا الحقيقة وهي أنهم، أي الشيعة، مشاركون في الحكم، ولكن بشروط السنة والأكراد.
كنت أتوقع من شيخ الدليم، وبدلاً من التهديد بقطع اليد، الاعتذار للشعب العراقي، وللشيعة بالذات، ولأهالي ضحايا مجزرة النخيب على وجه التحديد، فالقتلة من سكان محافظته، وينتمون لطائفته، وما اقترفوه شائن في كل النواميس والعقائد والأعراف، وهي وصمة عار كبرى تضاف إلى سجل أسود ملطخ بالعار، فهل من شيم العرب المسلمين أن يغدروا برجال عزل مسالمين مروا بديارهم فيقتلونهم ويأسرون نساءهم وأطفالهم ؟ أليس تلك الفعلة وأمثالها بالمئات إن لم يكن بالألاف تنم عن خسة ودناءة وهمجية ومروق من الملة بل الإنسانية؟
إن لم يتفق شيخ الدليم مع هذا الحكم فلنسأل ذلك الشيخ الذي كان يرأس واحدة من كبرى القبائل العربية، ويروي أحد المصادر - وأظنه كتاب القبائل العراقية للعزاوي - قصة هذا الشيخ، الذي صعق لدى معرفته بأن ابنه وثلة من قبيلته أغاروا على قافلة مرت بديرتهم، فقتلوا وسلبوا، فماذا فعل الشيخ؟ هل سأل عن هوية الضحايا الإثنية أو الطائفية أو القبلية؟ وهل هدد بقطع اليد التي تمتد لإبنه بالعقاب؟ لا لقد أمر بقتل ابنه، فلذة كبده، عقاباً له على فعلته الشنعاء، ولم يكتفي بذلك، بل رحل هو وقبيلته عن أرض العراق عائداً إلى الجزيرة العربية لأن تلك الجريمة قد دنست شرفهم وثلمت سمعتهم أمام العراقيين، هذا هو فعل شيوخ القبائل الذي يستحق منا جميعاً الثناء.
18 أيلول 2011م