مرتضى علي الحلي
22-09-2011, 05:59 AM
((الإمامُ جعفر الصادق(عليه السلام) في حكمته السديدة في التعاطي مع القضية المهدوية))
=============================
((تعاطي الإمام الصادق/ع/ مع مهدوية محمد بن عبد الله المحض بن الحسن المُثنى بن الإمام الحسن /ع/ إنموذجا))
===============================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين.
(هوية محمد ذي النفس الزكية)
=================
هو محمد بن عبد الله المحض بن الحسن المُثنى بن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب/ع/
وهو حسني من جهة الأب وحسيني من جهة الأم بإعتبارأنّ زوجة(جده) الحسن المُثنى هي السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين/ع/
ولذا كان والده عبد الله يُلقب بالمحض لهذه السبب النسبي والحسبي أي أنه كان من أولاد النبي خالصا وعبد الله المحض كان في وقته سيد الحسنيين في قبالة النسب و الإمام الصادق/ع/ كان سيد الحسينيين .
وكان عبد الله المحض يفتخربنسبه وحسبه حتى كان يقول :
( انا أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله ولدني رسول الله صلى الله عليه وآله مرتين)
إنظر/مقاتل الطالبيين/أبو الفرج الأصفهاني/ص123.
((دعوة محمد ذي النفس الزكية المهدوية وموقف الإمام جعفر الصادق/ع/ منها))
=================================
طبعا من المعلوم تأريخياً أنّ حركة ودعوة محمد ذي النفس الزكية كانت لها جذورها الثورية منذ أيام الحكم الأموي
ومحمد ذي النفس الزكية كان قد اختفى في فترة الأمويين هو واخوته ابراهيم وادريس حيث تحركوا بسرية تامة في البلدان الأسلامية للتنظيم والأستعداد للثورة ضد الظالمين .
وما أن إقترب سقوط النظام الأموي ورُفعَت شعارات الرضا من آل محمد بقيادة العلويين والعباسيين
ظهرت الدعوة رسميا الى شخصية محمد ذي النفس الزكية وعلى لسان أبيه عبد الله المحض
والذي عقد إجتماعا علنيا لتنصيب ابنه محمد خليفةً للمسلمين وفعلا تم أخذ البيعة وحتى أنّ المنصور العباسي قد بايعه مرتين حينما كانت الحركة التي أطاحت بالأمويين بيد العلويين.ولكن الأمور قد تغيّرت فيما بعد.
وفي وقتها أرسل عبد الله المحض الى الإمام الصادق/ع/ يطلب منه البيعة علنا لمحمد ذي النفس الزكية
ولكن الإمام الصادق/ع/ بحكم كونه إماما معصوما ومنصوبا من الله تعالى تصرف بحكمة وعقلانية واعية تجاه هذا الطلب.
فقال الإمام الصادق/ع/ مُعالجا للموقف ومُصححا:
((لاتفعلوه فإنّ هذا الأمر لم يأتِ بعد وإن كنتَ ترى(ويقصد عبد الله المحض) إنّ ابنكَ هذا هو المهدي فليس به وإن كنتَ تُريد أن تخرجه غضبا لله ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإنّا والله لا ندَعكَ وأنت شيخنا ونبايع ابنك ))
فغضب عبد الله المحض من هذا الخطاب الحكيم وقال: راداً على الإمام الصادق/ع/:
(لقد علمتُ خلاف ما تقول والله ما أطلعك الله على غيبه ولكن يحملك على هذا الحسد لأبني)
فأجابه الإمام الصادق/ع/:
((والله ما ذاك يحملني (أي أنا غير حاسدٍ لأبنك)
ولكن هذا وأخوته وأبنائهم دونكم وضرب بيده على ظهر أبي العباس (السفاح).(الذي صار فيما بعد أول خليفة للعباسيين بعد سقوط دولة بني أمية)
ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن المحض
وقال له/ع/:والله ما هي إليك ولا الى أبنيك ولكنها لهم (ويقصد/ع/ بني العباس) وإنّ أبنيك لمقتولان)
ثم نهض /ع/ وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري فقال:/ع/
(أرأيت صاحب الرداء الأصفر (ويقصد المنصور العباسي)؟
قال :نعم
قال/ع/(فإنّا والله نجده يقتله)
قال له عبد العزيز: أيقتل محمداً ؟
قال الإمام الصادق/ع/ نعم.
إنظر/مقاتل الطالبيين/أبوالفرج الأصفهاني/ص140.
وبعد ذلك كله وبعد تولي المنصور العباسي الحكم رسميا ونقضه للعهد وإنحرافه وملاحقته للعلويين ثار محمد ذي النفس الزكية في المدينة المنورة وثار أخيه ابراهيم في البصرة
ولكن المنصور العباسي في النهاية تمكن من القضاء على الثورة وقتل محمد ذي النفس الزكية.
والمهم والمقصود في هذا البحث هو قراءة موقف الإمام الصادق/ع/ تجاه من ادعى المهدوية من أبناء عمه وهو محمد ذوالنفس الزكية وهذا اللقب عُرفَ به لكونه كان إنسانا عابدا وصالحا ومخلِصا.
ولستُ أقصدُ هنا الخوض في تفصيلات الدعوة المهدوية التي قادها محمد ذو النفس الزكية في وقته بقدر ما أقصد من تأسيس وعي جديد وسديد وفق رؤية الإمام المعصوم الصادق /ع/ في القضية المهدوية
وخصوصا ما حمله النص أعلاه الذي دارحواره بينه /ع/ وبين عبدالله المحض .
فأول مُعطى عَقدي وفكري بثه الإمام الصادق /ع/في النص أعلاه
((لاتفعلوه فإنّ هذا الأمر لم يأتِ بعد وإن كنتَ ترى(ويقصد عبد الله المحض) إنّ ابنكَ هذا هو المهدي فليس به))
(لاتفعلوه) وهو النهي الإرشادي من لدن الإمام الصادق/ع/ والذي نص على ممنوعية إنتحال هوية الإمام المهدي/ع/ الموعود
وذلك بقوله/ع /((لاتفعلوه فإنّ هذا الأمر لم يأتِ بعد ))
وهنا يبدوا وعي الإمام الصادق/ع/ بصراحةٍ تكشف عن حكمته وعلمه اللدني من الله تعالى ورسوله بمستقبل الأمور.
وهذا الوعي السديد من لدنه/ع/ يرفدنا بيقين إضافي كمي ونوعي يجب توظيفه في تقوية علاقتنا بمنهاج الإمام الصادق/ع/ وسائر المعصومين وبحقيقة المهدوية الحقة المتجسدة واقعا بخاتم الأئمة المعصومين/ع/
لأنّ الإمام الصادق/ع/ ما كان ليتحدث جزافا دونما أن ينطلق من رؤيا غيبية تلقاها عن آبائه المعصومين/ع/ في رسم مسار وحركة وأفق المسير والمصير البشري .
ولذا كان /ع/ يؤكّد مراراً هذه الحقيقة (حقيقة الأرتباط بالغيب الألهي والتحرك وفق منهاجه المعصوم)
وقد قال/ع/ بهذا الخصوص:
((حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه السلام وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وحديث رسول الله قول الله عز وجل . ))
إنظر/الكافي/الكليني/ج1/ص53.
وفي الشق الثاني من النص يقول الإمام الصادق/ع/
((وإن كنتَ ترى(ويقصد عبد الله المحض) إنّ ابنكَ هذا هو المهدي فليس به))
هنا يوجه الإمام الصادق/ع/ الى ضرورة معرفة الإمام المهدي /ع/ وهويته النسبية والقيمية
فليس المهدي من يتسمى بأسمه(بإعتبارأنّ ابن عبد الله المحض هو محمد )
أوينتسب الى النبي /ص/ بنسبة ما وإن كانت من ذرية الإمام الحسن/ع/ من حهة الأب والى الإمام الحسين/ع/ من جهة الأم.
لا ليس الأمر كذلك بل إنّ الإمام المهدي/ع/ هو آخر الأئمة المعصومين/ع/ ولم يحن وقت ولادته/ع/ فضلا عن وقت ظهوره آنذاك .
ولذا قال الإمام الصادق/ع/ كاشفا أمام الجميع آنذاك أنّ محمدا بن عبدالله المحض ليس هو المهدي الموعود/ع/ وذلك بقوله/ع/:
((وإن كنتَ ترى(ويقصد عبد الله المحض) إنّ ابنكَ هذا هو المهدي فليس به))
وهذا النص القويم يجعلنا على حذر ووجل من الدعوات المهدوية الكثيرة في وقتنا هذا أعني ما يقوم به بعض الأشخاص ظلما وزورا في إستقطاب الناس وأستمالتهم بإسم المهدوية لمآرب فاسدة وباطلة.
وإذا ما تمعنا بدقة في قول الإمام الصادق/ع/ هذا.
فهذا يعني أننا يجب أن نأخذ مواصفات وعلامات الإمام المهدي الحقيقي /ع/ من نفس الإمام الصادق المعصوم/ع/ أو من أي امام معصوم غيره.
لأنّ الإمام الصادق/ع/ حينما حدد عدم كون محمد ذي النفس الزكية المصداق الواقعي للإمام المهدي/ع/ فإنه /ع/ يعرف تماما هوية الإمام المهدي الموعود/ع/.
و الإمام الصادق/ع/ قد بين المواصفات الحقيقة للإمام المهدي/ع/ نسبا ووقتا وعلامةً.وأهمها:
((قال أبو بصير : فقلت : يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت ؟
فقال /ع/: يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى ، ذلك ابن سيدة الإماء ، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون ،
ثم يظهره الله عز وجل فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السلام فيصلى خلفه وتشرق الأرض بنور ربها ،
ولا تبقى في الأرض بقعة عبد فيها غير الله عز وجل إلا عبد الله فيها ، ويكون الدين كله لله ولو كره المشركون))
إنظر /كمال الدين وتمام النعمة/الصدوق/ص346.
وقال /ع/ :
(( يُبعث القائم وليس في عنقه بيعة لأحد ))
إنظر/الإمامة والتبصرة/ابن بابويه القمي/ص116.
يعني أنّ الإمام المهدي/ع/ يظهر في وقتٍ لم يستطع أحد أخذ البيعة منه رسميا .
هذا هو علاج الإمام الصادق /ع/ للإ شتباه العَقدي الذي حصل في وقته/ع/ وعلى يد محمد ذي النفس الزكية
أما التوجيه الآخر الرائع والصحيح الذي قام به الإمام الصادق /ع/ في نفس الوقت حينما تعاطى بإيجابية عالية مع دعوة محمد ذي النفس الزكية ضد الظالمين العباسيين هو الآخرأيضا يستحق القراءة الفاحصة فيه .
فقول وتوجيه الإمام الصادق/ع/ لعبد الله بن الحسن ولأبنه محمد هو حجة عليهم وعلينا شرعا.
وهو::
((وإن كنتَ تُريد أن تُخرجه غضبا لله ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإنّا والله لا ندَعكَ وأنت شيخنا ونبايع ابنك ))
وهذا المقطع القيمي والوظيفي أعلاه واقعا هو أمرٌ مشروع ومقبول بحيث أنّ الإمام الصادق/ع/ يقول لعبد الله المحض إن كنتَ تُريدها ثورة ضد الظالمين تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ومخلصَة لله تعالى فأنا معكم وأُبايعكم بشرط أن لاتدعي لولِدكَ المهدوية.
وهذا القبول من لدن الإمام الصادق/ع/ ببيعة محمد ذي النفس الزكية المشروط بشروطه ومنها عدم التلبس بهوية الإمام المهدي الموعود/ع
يؤسس لضرورة التمهيد للإمام المهدي/ع/ والتعجيل المنهجي بتفعيل خاصية الإخلاص لله تعالى في التحرك وتطبيق وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواجهة الظالمين.
لاأن ننتحل هوية غيرنا ونثور بهم .
وأخيرا إنّ ما ختم به الإمام الصادق/ع/في حديثه مع شيخ الحسنيين (عبد الله المحض) من أنّ الأمر لايرجع الى العلويين وأنّ المنصور سيغلب ويقتل ولديه (محمد وإبراهيم)
وأشهد على ذلك الشهود.
وجاء مُطابقا للواقع وحصل فعلا
فكل ذلك يتطلب منا الوقوف المعرفي على منهاج الإمام الصادق/ع/ في تحديده لهويتنا العقدية والشرعية والأخلاقية .
وخاصة هوية الإمام المهدي الموعود/ع/ ومحدداتها وظروفها ووقتها .
لأنّ معرفة هوية الإمام المهدي /ع/ وإنتظاره الواعي يُسهم فعليا في تعجيل فرجه الشريف .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرتضى علي الحلي /النجف الأشرف.
=============================
((تعاطي الإمام الصادق/ع/ مع مهدوية محمد بن عبد الله المحض بن الحسن المُثنى بن الإمام الحسن /ع/ إنموذجا))
===============================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين.
(هوية محمد ذي النفس الزكية)
=================
هو محمد بن عبد الله المحض بن الحسن المُثنى بن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب/ع/
وهو حسني من جهة الأب وحسيني من جهة الأم بإعتبارأنّ زوجة(جده) الحسن المُثنى هي السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين/ع/
ولذا كان والده عبد الله يُلقب بالمحض لهذه السبب النسبي والحسبي أي أنه كان من أولاد النبي خالصا وعبد الله المحض كان في وقته سيد الحسنيين في قبالة النسب و الإمام الصادق/ع/ كان سيد الحسينيين .
وكان عبد الله المحض يفتخربنسبه وحسبه حتى كان يقول :
( انا أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله ولدني رسول الله صلى الله عليه وآله مرتين)
إنظر/مقاتل الطالبيين/أبو الفرج الأصفهاني/ص123.
((دعوة محمد ذي النفس الزكية المهدوية وموقف الإمام جعفر الصادق/ع/ منها))
=================================
طبعا من المعلوم تأريخياً أنّ حركة ودعوة محمد ذي النفس الزكية كانت لها جذورها الثورية منذ أيام الحكم الأموي
ومحمد ذي النفس الزكية كان قد اختفى في فترة الأمويين هو واخوته ابراهيم وادريس حيث تحركوا بسرية تامة في البلدان الأسلامية للتنظيم والأستعداد للثورة ضد الظالمين .
وما أن إقترب سقوط النظام الأموي ورُفعَت شعارات الرضا من آل محمد بقيادة العلويين والعباسيين
ظهرت الدعوة رسميا الى شخصية محمد ذي النفس الزكية وعلى لسان أبيه عبد الله المحض
والذي عقد إجتماعا علنيا لتنصيب ابنه محمد خليفةً للمسلمين وفعلا تم أخذ البيعة وحتى أنّ المنصور العباسي قد بايعه مرتين حينما كانت الحركة التي أطاحت بالأمويين بيد العلويين.ولكن الأمور قد تغيّرت فيما بعد.
وفي وقتها أرسل عبد الله المحض الى الإمام الصادق/ع/ يطلب منه البيعة علنا لمحمد ذي النفس الزكية
ولكن الإمام الصادق/ع/ بحكم كونه إماما معصوما ومنصوبا من الله تعالى تصرف بحكمة وعقلانية واعية تجاه هذا الطلب.
فقال الإمام الصادق/ع/ مُعالجا للموقف ومُصححا:
((لاتفعلوه فإنّ هذا الأمر لم يأتِ بعد وإن كنتَ ترى(ويقصد عبد الله المحض) إنّ ابنكَ هذا هو المهدي فليس به وإن كنتَ تُريد أن تخرجه غضبا لله ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإنّا والله لا ندَعكَ وأنت شيخنا ونبايع ابنك ))
فغضب عبد الله المحض من هذا الخطاب الحكيم وقال: راداً على الإمام الصادق/ع/:
(لقد علمتُ خلاف ما تقول والله ما أطلعك الله على غيبه ولكن يحملك على هذا الحسد لأبني)
فأجابه الإمام الصادق/ع/:
((والله ما ذاك يحملني (أي أنا غير حاسدٍ لأبنك)
ولكن هذا وأخوته وأبنائهم دونكم وضرب بيده على ظهر أبي العباس (السفاح).(الذي صار فيما بعد أول خليفة للعباسيين بعد سقوط دولة بني أمية)
ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن المحض
وقال له/ع/:والله ما هي إليك ولا الى أبنيك ولكنها لهم (ويقصد/ع/ بني العباس) وإنّ أبنيك لمقتولان)
ثم نهض /ع/ وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري فقال:/ع/
(أرأيت صاحب الرداء الأصفر (ويقصد المنصور العباسي)؟
قال :نعم
قال/ع/(فإنّا والله نجده يقتله)
قال له عبد العزيز: أيقتل محمداً ؟
قال الإمام الصادق/ع/ نعم.
إنظر/مقاتل الطالبيين/أبوالفرج الأصفهاني/ص140.
وبعد ذلك كله وبعد تولي المنصور العباسي الحكم رسميا ونقضه للعهد وإنحرافه وملاحقته للعلويين ثار محمد ذي النفس الزكية في المدينة المنورة وثار أخيه ابراهيم في البصرة
ولكن المنصور العباسي في النهاية تمكن من القضاء على الثورة وقتل محمد ذي النفس الزكية.
والمهم والمقصود في هذا البحث هو قراءة موقف الإمام الصادق/ع/ تجاه من ادعى المهدوية من أبناء عمه وهو محمد ذوالنفس الزكية وهذا اللقب عُرفَ به لكونه كان إنسانا عابدا وصالحا ومخلِصا.
ولستُ أقصدُ هنا الخوض في تفصيلات الدعوة المهدوية التي قادها محمد ذو النفس الزكية في وقته بقدر ما أقصد من تأسيس وعي جديد وسديد وفق رؤية الإمام المعصوم الصادق /ع/ في القضية المهدوية
وخصوصا ما حمله النص أعلاه الذي دارحواره بينه /ع/ وبين عبدالله المحض .
فأول مُعطى عَقدي وفكري بثه الإمام الصادق /ع/في النص أعلاه
((لاتفعلوه فإنّ هذا الأمر لم يأتِ بعد وإن كنتَ ترى(ويقصد عبد الله المحض) إنّ ابنكَ هذا هو المهدي فليس به))
(لاتفعلوه) وهو النهي الإرشادي من لدن الإمام الصادق/ع/ والذي نص على ممنوعية إنتحال هوية الإمام المهدي/ع/ الموعود
وذلك بقوله/ع /((لاتفعلوه فإنّ هذا الأمر لم يأتِ بعد ))
وهنا يبدوا وعي الإمام الصادق/ع/ بصراحةٍ تكشف عن حكمته وعلمه اللدني من الله تعالى ورسوله بمستقبل الأمور.
وهذا الوعي السديد من لدنه/ع/ يرفدنا بيقين إضافي كمي ونوعي يجب توظيفه في تقوية علاقتنا بمنهاج الإمام الصادق/ع/ وسائر المعصومين وبحقيقة المهدوية الحقة المتجسدة واقعا بخاتم الأئمة المعصومين/ع/
لأنّ الإمام الصادق/ع/ ما كان ليتحدث جزافا دونما أن ينطلق من رؤيا غيبية تلقاها عن آبائه المعصومين/ع/ في رسم مسار وحركة وأفق المسير والمصير البشري .
ولذا كان /ع/ يؤكّد مراراً هذه الحقيقة (حقيقة الأرتباط بالغيب الألهي والتحرك وفق منهاجه المعصوم)
وقد قال/ع/ بهذا الخصوص:
((حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه السلام وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وحديث رسول الله قول الله عز وجل . ))
إنظر/الكافي/الكليني/ج1/ص53.
وفي الشق الثاني من النص يقول الإمام الصادق/ع/
((وإن كنتَ ترى(ويقصد عبد الله المحض) إنّ ابنكَ هذا هو المهدي فليس به))
هنا يوجه الإمام الصادق/ع/ الى ضرورة معرفة الإمام المهدي /ع/ وهويته النسبية والقيمية
فليس المهدي من يتسمى بأسمه(بإعتبارأنّ ابن عبد الله المحض هو محمد )
أوينتسب الى النبي /ص/ بنسبة ما وإن كانت من ذرية الإمام الحسن/ع/ من حهة الأب والى الإمام الحسين/ع/ من جهة الأم.
لا ليس الأمر كذلك بل إنّ الإمام المهدي/ع/ هو آخر الأئمة المعصومين/ع/ ولم يحن وقت ولادته/ع/ فضلا عن وقت ظهوره آنذاك .
ولذا قال الإمام الصادق/ع/ كاشفا أمام الجميع آنذاك أنّ محمدا بن عبدالله المحض ليس هو المهدي الموعود/ع/ وذلك بقوله/ع/:
((وإن كنتَ ترى(ويقصد عبد الله المحض) إنّ ابنكَ هذا هو المهدي فليس به))
وهذا النص القويم يجعلنا على حذر ووجل من الدعوات المهدوية الكثيرة في وقتنا هذا أعني ما يقوم به بعض الأشخاص ظلما وزورا في إستقطاب الناس وأستمالتهم بإسم المهدوية لمآرب فاسدة وباطلة.
وإذا ما تمعنا بدقة في قول الإمام الصادق/ع/ هذا.
فهذا يعني أننا يجب أن نأخذ مواصفات وعلامات الإمام المهدي الحقيقي /ع/ من نفس الإمام الصادق المعصوم/ع/ أو من أي امام معصوم غيره.
لأنّ الإمام الصادق/ع/ حينما حدد عدم كون محمد ذي النفس الزكية المصداق الواقعي للإمام المهدي/ع/ فإنه /ع/ يعرف تماما هوية الإمام المهدي الموعود/ع/.
و الإمام الصادق/ع/ قد بين المواصفات الحقيقة للإمام المهدي/ع/ نسبا ووقتا وعلامةً.وأهمها:
((قال أبو بصير : فقلت : يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت ؟
فقال /ع/: يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى ، ذلك ابن سيدة الإماء ، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون ،
ثم يظهره الله عز وجل فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السلام فيصلى خلفه وتشرق الأرض بنور ربها ،
ولا تبقى في الأرض بقعة عبد فيها غير الله عز وجل إلا عبد الله فيها ، ويكون الدين كله لله ولو كره المشركون))
إنظر /كمال الدين وتمام النعمة/الصدوق/ص346.
وقال /ع/ :
(( يُبعث القائم وليس في عنقه بيعة لأحد ))
إنظر/الإمامة والتبصرة/ابن بابويه القمي/ص116.
يعني أنّ الإمام المهدي/ع/ يظهر في وقتٍ لم يستطع أحد أخذ البيعة منه رسميا .
هذا هو علاج الإمام الصادق /ع/ للإ شتباه العَقدي الذي حصل في وقته/ع/ وعلى يد محمد ذي النفس الزكية
أما التوجيه الآخر الرائع والصحيح الذي قام به الإمام الصادق /ع/ في نفس الوقت حينما تعاطى بإيجابية عالية مع دعوة محمد ذي النفس الزكية ضد الظالمين العباسيين هو الآخرأيضا يستحق القراءة الفاحصة فيه .
فقول وتوجيه الإمام الصادق/ع/ لعبد الله بن الحسن ولأبنه محمد هو حجة عليهم وعلينا شرعا.
وهو::
((وإن كنتَ تُريد أن تُخرجه غضبا لله ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإنّا والله لا ندَعكَ وأنت شيخنا ونبايع ابنك ))
وهذا المقطع القيمي والوظيفي أعلاه واقعا هو أمرٌ مشروع ومقبول بحيث أنّ الإمام الصادق/ع/ يقول لعبد الله المحض إن كنتَ تُريدها ثورة ضد الظالمين تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ومخلصَة لله تعالى فأنا معكم وأُبايعكم بشرط أن لاتدعي لولِدكَ المهدوية.
وهذا القبول من لدن الإمام الصادق/ع/ ببيعة محمد ذي النفس الزكية المشروط بشروطه ومنها عدم التلبس بهوية الإمام المهدي الموعود/ع
يؤسس لضرورة التمهيد للإمام المهدي/ع/ والتعجيل المنهجي بتفعيل خاصية الإخلاص لله تعالى في التحرك وتطبيق وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواجهة الظالمين.
لاأن ننتحل هوية غيرنا ونثور بهم .
وأخيرا إنّ ما ختم به الإمام الصادق/ع/في حديثه مع شيخ الحسنيين (عبد الله المحض) من أنّ الأمر لايرجع الى العلويين وأنّ المنصور سيغلب ويقتل ولديه (محمد وإبراهيم)
وأشهد على ذلك الشهود.
وجاء مُطابقا للواقع وحصل فعلا
فكل ذلك يتطلب منا الوقوف المعرفي على منهاج الإمام الصادق/ع/ في تحديده لهويتنا العقدية والشرعية والأخلاقية .
وخاصة هوية الإمام المهدي الموعود/ع/ ومحدداتها وظروفها ووقتها .
لأنّ معرفة هوية الإمام المهدي /ع/ وإنتظاره الواعي يُسهم فعليا في تعجيل فرجه الشريف .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرتضى علي الحلي /النجف الأشرف.