أبو مرتضى عليّ
12-10-2011, 08:31 PM
مفاسد المراء والجدل
.. هنا ذكر بعض الأحاديث التي تبين مفاسد المراء والجدال عرضناها وبيّنا نبذة منها وهي:
في الكافي الشريف بسنده إلى الإمام الصادق عليه السّلام: قالَ: قالَ أميرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السّلام ـ: «إيّاكُمْ وَالْمِراءَ وَالْخُصُومَةَ فَإنَّهُما يُمْرِضانِ الْقُلوبَ عَلَى الإخْوانِ وَيَنْبُتُ عَلَيْهُما النِّفَاقُ» .
وفي الكافي أيْضاً عن أبي عَبدِ الله عليه السّلام قالَ: «إيّاكُمْ وَالْخُصُومَةَ فَإنَّها تَشْغَلْ الْقَلْبَ وَتُورِثُ النِّفَاقَ وَتَكْسِبُ الضِّغائِنِ».
وفيه أيْضاً عن أبي عبد الله عليه السّلام قالَ: «قالَ جَبْرَائِيلُ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وسلم: إيّاكَ وَمُلاحاةَ الرِّجالِ» . أما بيان أن المراء والخصومة في المقام، يمرضان القلب، ويسيئان نظرة الإنسان إلى أصدقائه ويبعثان النفاق في القلب، فقد سبق منا الكلام بأن الأعمال الظاهرية تترك أثاراً في الباطن والقلب، متناسبة مع تلك الأعمال، ونقول هنا بأن تأثير الأعمال السيئة في القلب أسرع وأكثر، لأن الإنسان نتاج عالم الطبيعة ـ المادة ـ وأن القوى الشهوية والغضبية والشيطانية ترافقه وتتصرف فيه، كما ورد في الحديث: «إِنَّ الشَّيْطانَ يَجْري مَجْرَى الدَّمِ مِنْ بَني آدَمَ» ، ولهذا يتجه القلب نحو المفاسد، والأمور المنسجمة مع الطبيعة، ولدى وصول أقل عون أو مدد من الخارج مثل أعضاء الإنسان أو الصديق المنحرف السيء، يتحقق الأثر الشديد في القلب. كما ورد النهي في الروايات الشريفة عن الصداقة والمؤاخاة مع المنحرفين.
الكافي: عَنْ أبِي عَبْدِ الله عليه السّلام قالَ: قالَ أمير الْمُؤمِنينَ ـ عليه السّلام ـ : «لا يَنْبَغي لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أن يُواخِيَ الْفَاجِرَ فَإِنَّهُ يُزَيِّنَ لَهُ فِعْلَهُ وَيُحِبُّ أنْ يَكُونَ مِثْلَهُ وَلا يُعينُهُ عَلى أمْرِ دُنْيَاهُ وَلا أمْرِ مَعادِهِ، وَمَدْخَلُهُ إلَيْهِ وَمَخْرَجُهُ مِنْ عِنْدِهِ شَيْنٌ عَلَيْهِ» .
وعَنْ أبي عبد الله عليه السّلام قالَ: «لا يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أنْ يُواخِيَ الْفَاجِرِ وَلاَ الأحْمَقَ وَلا الْكذّابَ» .
والنكتة المهمة في النهي عن مخالطة أهل المعصية، أو الحضور في مجلس يعصى الله فيه أو التوادّ والتحابّ مع أعداء الله، هي من تأثير أخلاق العصاة والمنحرفين وسلوكهم في الإنسان.
والأهم من كل ذلك هو تأثير روح الإنسان من أعمال نفسه، فإن في ممارسه قليلة للأعمال السيئة، تأثير كبير على الروح، بحيث لا يتيسَّر ولا يمكن التنزه من تلك الآثار وتطهير الروح منها عبر سنين طويلة.
فعلم أن الإنسان لو انصرف إلى المراء والخصومة، لحصلت بعد فترة، ظلمة موحشة في القلب، وأفضت الخصومة اللسانية الظاهرية، إلى الخصومة القلبية الباطنية. وهذا هو السبب الكبير للنفاق والتلون. فلا بد من معرفة أن مفاسد النفاق تعود إلى مفاسد المراء والجدال أيضاً. وقد تقدم منا لدى شرح رواية الحديث عن مساوئ النفاق والتلون، ولا حاجة إلى إعادته هنا.
وذكر الإمام الصادق عليه السّلام آثار وعلائم لصاحب الجهل والمراء:
منها: إيذاء الناس، وسوء مجلسه، وهذه من الصفات الذميمة والمفاسد التي تكون سبباً مستقلاً لهلاك الإنسان. وفي الحديث الشريف المنقول من الكافي «مَنْ آذى لي وَليَّا فَقَدْ بارَزَني بِالْمُحَارَبَةَ» والأحاديث في هذا المضمار كثيرة لا يتسع لها هذا البحث المختصر.
ومنها: المراء والتصدّي للحديث والبحث العلمي لأجل التغلب على الآخرين، وإظهار علمه. وأما جعله صلوات الله وسلامه عليه، المراء علامة على المراء، فيمكن أن يكون المقصود من المراء الأول ـ في كلامه عليه السلام ـ الصفة القلبية وملكته الخبيثة، ومن المراء الذي هو آية وعلامة ـ المراء الثاني ـ الأثر الظاهر من المراء.
ومنها: أن يظهر الاتصاف بالحلم رغم أنه غير ملتزم به، وهذا هو النفاق وذو الوجهين والرياء والشرك، كما أن إظهار الخشوع مع الخلو من الورع، من أوضح مصاديق الشرك والرياء والنفاق والتلوّن.
فلمّا علمنا أنّ لهذه الصفة ـ المراء ـ مساوئ عظيمة، وأن كل واحدة منها توجب الموبقات والمهلكات، وجب إنقاذ أنفسنا بالترويض والجهد، من هذه الخصلة المشينة، والرذيلة المفسدة للقلب، المدمرة للإيمان، وتطهير النفس من هذه الظلمة والغبرة، وتزيين القلب وجلائه بخلوص النية، وصدق الباطن.
وهنا نكتة لو وقف عندها الإنسان وتأمل فيها، لا نقصم ظهره، وهي أن الإمام الصادق عليه السّلام يقول بعد ذكره لهذه العلامة: «فَدَقَّ الله مِنْ هذا خَيْشُومَهُ وَقَطَعَ مِنْهُ حَيْزومَهُ» وهذه الجملة إما إخبار أو دعاء؟ وعلى أي حال فإنها ستتحقق، لأنها إذا كانت إخباراً، فإنها إخبار صادقٍ مصدّق، وإن كان دعاءاً فهو دعاء معصوم ووليّ الله، ويكون مستجاباً وهذا كناية عن الذل والهوان والفضيحة. ولعل الإنسان يفتضح في الدنيا والآخرة ويكون مهاناً فيهما. إنه يذل في هذا العالم أمام أناس أراد أن يكون وجيهاً عندهم عبر تظاهره بالعلم فعلى العكس من ذلك ينحط من قدره، ويذهب ماء وجهه، ويصبح مهاناً وذليلاً أمام من كان يسعى للتفوق عليهم. وإنه يذلّ ويهان في عالم الآخرة أمام الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين وأوليائه المعصومين وعباده الصالحين، ولا يكون له شأن عندهم.
إذاً: الويل لنا نحن أصحاب المراء والجدال وذوي الأهواء النفسية والخصومات، حيث ابتلينا بهذه النفس الخبيثة التي لا تعرف الرحمة والحنان، والتي لا تتركنا، إلى أن تهلكنا في جميع النشآت والعوالم، ولم نبادر لإصلاحها إطلاقاً، لقد صممنا آذاننا ولم نستيقظ من سباتنا العميق الباعث على التوغل في عالم المادة.
إلهي أنت مصلح العباد، وبيدك القلوب، وطوع قدرتك وجود الكائنات، وتحت هيمنتك، قلوب العباد، وإننا لا نملك نفعاً ولا ضراً ولا حياةً، ولا موتاً، أَنِرْ يا إلهي بنور فيضك قلوبنا المعتمة، ونفوسنا المظلمة، وأصلح بفضلك ولطفك مفاسدنا، وأنقذ هؤلاء الضعفاء العُجّز...
مقتبس
والسلام في البدء والختام
أبو مرتضى علي
.. هنا ذكر بعض الأحاديث التي تبين مفاسد المراء والجدال عرضناها وبيّنا نبذة منها وهي:
في الكافي الشريف بسنده إلى الإمام الصادق عليه السّلام: قالَ: قالَ أميرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السّلام ـ: «إيّاكُمْ وَالْمِراءَ وَالْخُصُومَةَ فَإنَّهُما يُمْرِضانِ الْقُلوبَ عَلَى الإخْوانِ وَيَنْبُتُ عَلَيْهُما النِّفَاقُ» .
وفي الكافي أيْضاً عن أبي عَبدِ الله عليه السّلام قالَ: «إيّاكُمْ وَالْخُصُومَةَ فَإنَّها تَشْغَلْ الْقَلْبَ وَتُورِثُ النِّفَاقَ وَتَكْسِبُ الضِّغائِنِ».
وفيه أيْضاً عن أبي عبد الله عليه السّلام قالَ: «قالَ جَبْرَائِيلُ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وسلم: إيّاكَ وَمُلاحاةَ الرِّجالِ» . أما بيان أن المراء والخصومة في المقام، يمرضان القلب، ويسيئان نظرة الإنسان إلى أصدقائه ويبعثان النفاق في القلب، فقد سبق منا الكلام بأن الأعمال الظاهرية تترك أثاراً في الباطن والقلب، متناسبة مع تلك الأعمال، ونقول هنا بأن تأثير الأعمال السيئة في القلب أسرع وأكثر، لأن الإنسان نتاج عالم الطبيعة ـ المادة ـ وأن القوى الشهوية والغضبية والشيطانية ترافقه وتتصرف فيه، كما ورد في الحديث: «إِنَّ الشَّيْطانَ يَجْري مَجْرَى الدَّمِ مِنْ بَني آدَمَ» ، ولهذا يتجه القلب نحو المفاسد، والأمور المنسجمة مع الطبيعة، ولدى وصول أقل عون أو مدد من الخارج مثل أعضاء الإنسان أو الصديق المنحرف السيء، يتحقق الأثر الشديد في القلب. كما ورد النهي في الروايات الشريفة عن الصداقة والمؤاخاة مع المنحرفين.
الكافي: عَنْ أبِي عَبْدِ الله عليه السّلام قالَ: قالَ أمير الْمُؤمِنينَ ـ عليه السّلام ـ : «لا يَنْبَغي لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أن يُواخِيَ الْفَاجِرَ فَإِنَّهُ يُزَيِّنَ لَهُ فِعْلَهُ وَيُحِبُّ أنْ يَكُونَ مِثْلَهُ وَلا يُعينُهُ عَلى أمْرِ دُنْيَاهُ وَلا أمْرِ مَعادِهِ، وَمَدْخَلُهُ إلَيْهِ وَمَخْرَجُهُ مِنْ عِنْدِهِ شَيْنٌ عَلَيْهِ» .
وعَنْ أبي عبد الله عليه السّلام قالَ: «لا يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أنْ يُواخِيَ الْفَاجِرِ وَلاَ الأحْمَقَ وَلا الْكذّابَ» .
والنكتة المهمة في النهي عن مخالطة أهل المعصية، أو الحضور في مجلس يعصى الله فيه أو التوادّ والتحابّ مع أعداء الله، هي من تأثير أخلاق العصاة والمنحرفين وسلوكهم في الإنسان.
والأهم من كل ذلك هو تأثير روح الإنسان من أعمال نفسه، فإن في ممارسه قليلة للأعمال السيئة، تأثير كبير على الروح، بحيث لا يتيسَّر ولا يمكن التنزه من تلك الآثار وتطهير الروح منها عبر سنين طويلة.
فعلم أن الإنسان لو انصرف إلى المراء والخصومة، لحصلت بعد فترة، ظلمة موحشة في القلب، وأفضت الخصومة اللسانية الظاهرية، إلى الخصومة القلبية الباطنية. وهذا هو السبب الكبير للنفاق والتلون. فلا بد من معرفة أن مفاسد النفاق تعود إلى مفاسد المراء والجدال أيضاً. وقد تقدم منا لدى شرح رواية الحديث عن مساوئ النفاق والتلون، ولا حاجة إلى إعادته هنا.
وذكر الإمام الصادق عليه السّلام آثار وعلائم لصاحب الجهل والمراء:
منها: إيذاء الناس، وسوء مجلسه، وهذه من الصفات الذميمة والمفاسد التي تكون سبباً مستقلاً لهلاك الإنسان. وفي الحديث الشريف المنقول من الكافي «مَنْ آذى لي وَليَّا فَقَدْ بارَزَني بِالْمُحَارَبَةَ» والأحاديث في هذا المضمار كثيرة لا يتسع لها هذا البحث المختصر.
ومنها: المراء والتصدّي للحديث والبحث العلمي لأجل التغلب على الآخرين، وإظهار علمه. وأما جعله صلوات الله وسلامه عليه، المراء علامة على المراء، فيمكن أن يكون المقصود من المراء الأول ـ في كلامه عليه السلام ـ الصفة القلبية وملكته الخبيثة، ومن المراء الذي هو آية وعلامة ـ المراء الثاني ـ الأثر الظاهر من المراء.
ومنها: أن يظهر الاتصاف بالحلم رغم أنه غير ملتزم به، وهذا هو النفاق وذو الوجهين والرياء والشرك، كما أن إظهار الخشوع مع الخلو من الورع، من أوضح مصاديق الشرك والرياء والنفاق والتلوّن.
فلمّا علمنا أنّ لهذه الصفة ـ المراء ـ مساوئ عظيمة، وأن كل واحدة منها توجب الموبقات والمهلكات، وجب إنقاذ أنفسنا بالترويض والجهد، من هذه الخصلة المشينة، والرذيلة المفسدة للقلب، المدمرة للإيمان، وتطهير النفس من هذه الظلمة والغبرة، وتزيين القلب وجلائه بخلوص النية، وصدق الباطن.
وهنا نكتة لو وقف عندها الإنسان وتأمل فيها، لا نقصم ظهره، وهي أن الإمام الصادق عليه السّلام يقول بعد ذكره لهذه العلامة: «فَدَقَّ الله مِنْ هذا خَيْشُومَهُ وَقَطَعَ مِنْهُ حَيْزومَهُ» وهذه الجملة إما إخبار أو دعاء؟ وعلى أي حال فإنها ستتحقق، لأنها إذا كانت إخباراً، فإنها إخبار صادقٍ مصدّق، وإن كان دعاءاً فهو دعاء معصوم ووليّ الله، ويكون مستجاباً وهذا كناية عن الذل والهوان والفضيحة. ولعل الإنسان يفتضح في الدنيا والآخرة ويكون مهاناً فيهما. إنه يذل في هذا العالم أمام أناس أراد أن يكون وجيهاً عندهم عبر تظاهره بالعلم فعلى العكس من ذلك ينحط من قدره، ويذهب ماء وجهه، ويصبح مهاناً وذليلاً أمام من كان يسعى للتفوق عليهم. وإنه يذلّ ويهان في عالم الآخرة أمام الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين وأوليائه المعصومين وعباده الصالحين، ولا يكون له شأن عندهم.
إذاً: الويل لنا نحن أصحاب المراء والجدال وذوي الأهواء النفسية والخصومات، حيث ابتلينا بهذه النفس الخبيثة التي لا تعرف الرحمة والحنان، والتي لا تتركنا، إلى أن تهلكنا في جميع النشآت والعوالم، ولم نبادر لإصلاحها إطلاقاً، لقد صممنا آذاننا ولم نستيقظ من سباتنا العميق الباعث على التوغل في عالم المادة.
إلهي أنت مصلح العباد، وبيدك القلوب، وطوع قدرتك وجود الكائنات، وتحت هيمنتك، قلوب العباد، وإننا لا نملك نفعاً ولا ضراً ولا حياةً، ولا موتاً، أَنِرْ يا إلهي بنور فيضك قلوبنا المعتمة، ونفوسنا المظلمة، وأصلح بفضلك ولطفك مفاسدنا، وأنقذ هؤلاء الضعفاء العُجّز...
مقتبس
والسلام في البدء والختام
أبو مرتضى علي