مرتضى علي الحلي
17-10-2011, 12:08 AM
((الإمامُ المهدي(عليه السلام) وحتمية السنن الألهية في تحقق الظهور الشريف)):في تطبيق معرفي:
=================================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
إنّ المهدوية بإطلاقها المفهومي والقيمي من مشموليتها لهادوية الأنبياء والأئمة المعصومين/ع/ وختما بمهدوية الإمام المهدي/ع/ هي بذاتها سنة إلهية قطعية حتمية قد تحققت بمصاديقها النبوية والإمامية.
ولم يبقى منها إلاّ سُنَّة الظهور المهدوي الأخير للإمام المهدي/ع/
ثمّ إنّ المقصود بمفهوم السنة الألهية قرآنيا:
هو إطراد(أي تحققها في كل زمان ومكان وجريانها على كل إنسان) وفاعلية القوانين الألهية التكوينية وجوديا:
بمعنى أنّ السنة الألهية تستبطن الشروط والجزاءات في ماهيتها
فمثلا لو تمعنا بسنة وقانون ::
((إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ))الرعد11
لوجدنا أنّ الجزاء التكويني في صورة السنة الألهية الشرطية منحفظاً في تطبيقه الحتمي وهو(تغيير الله تعالى لحال القوم)
في حال تحقق شرطه الوجودي وهو تغيير ما بالنفس على مستوى الفرد والمجتمع.
هذا كشاهد وجيز من صور السنن الألهية في نظام الطبيعة .
وإذا ما أردنا تفعيل تلك السنة الألهية وتوظيفها في تعجيل فرج إمامنا المهدي/ع/ فما علينا إلاّ إستثمار طاقة الشرط وحيويته في التغيير الصالح والمُصلح لحالنا أفرادا وجماعات
وبعدها يقيناً سيتحقق الجزاء وهو الظهور للإمام/ع/ وإن طالت المدة.
لأنّ السنن تختزل في ذاتها أبعادا أخلاقية وفكرية وإجتماعية تتنشط من خلالها إمكانيات الأفراد والمجتمعات في حال وعيها ودركها لمعيارية وغائية السنة الألهية
فالسنن الألهية ما وجدت إلاّ لتنضيج سلوك الأفراد والمجتمعات في تعاطيهم الحياتي مع مفردات وشؤونات قد تحكمهم بقاهريتها مثل الطواغيت البشرية
أو قد لاتحكمهم كالحاجات البشرية المباحة شرعيا
وخيارات الناس المفتوحة في إستثمارها أو عدم إستثمارها بالوجه الحق والعادل.
.
وكمثال على ذلك :هو أنّ الركون الى سلطة الطاغوت والظالم حرام شرعا وقبيح عقلا
وهنا تأتي السنة الألهية الحتمية لتكشف عن جزائها السلبي في صورة تعاطي الناس مع الظالم ونصرته وإعانته
وتنذر بمسيس النار (تعبير كنائي) عن حتمية نزول العذاب الدنيوي على الظلمة وأعوانهم فضلا عن دخولهم النار أخرويا
وهذه السنة الألهية تتجلى في قوله تعالى:
{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }هود113
أي:ولا تركنوا) تميلوا (إلى الذين ظلموا) بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم (فتمسكم) تصيبكم (النار وما لكم من دون الله) أي غيره (أولياء) يحفظونكم منه (ثم لا تنصرون) أي :لاتُمنعون من عذابه .
فإذن السنة الألهية مأخوذٌ في حركتها ومسارها الإختبار والتمحيص والجزاء والنفع والضرر كلٌ بحسب إستحقاقه.
وحتمية وقطعية تحقق جزاءات السنن الألهية مقطوع به قرآنيا وعقليا:
وفي الروايات الصحيحة تنصيص على أنّ علّة غيبة الإمام المهدي/ع/ هي الخوف من القتل من قبل الظلمة والطواغيت
وكما حصل معه /ع/ حين بدء ولادته وإخفاءه/ع/ من قبل أبيه الإمام العسكري/ع/ خوفا عليه من القتل والملاحقة من طاغية ذلك الوقت المهتدي العباسي ومن بعده المعتمد.
وهذه حقيقة أكيدة قد بينها شيخ الطائفة المفيد الثقة /قد/ فقال:
((وكان (أي الإمام العسكري) قد أخفى مولده وستر أمره ، لصعوبة الوقت ، وشدة طلب سلطان الزمان له ، واجتهاده في البحث عن أمره ،
ولما شاع من مذهب الشيعة الإمامية فيه ، وعرف من انتظارهم له ، فلم يُظهر ولده عليه السلام في حياته ، ولا عرفه الجمهور بعد وفاته .
وتولى جعفر بن علي أخو أبي محمد عليه السلام أخذ تركته ، وسعى في حبس جواري أبي محمد عليه السلام واعتقال حلائله ،
وشنع على أصحابه بانتظارهم ولده وقطعهم بوجوده والقول بإمامته ، وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشردهم ، وجرى على مخلفي أبي محمد عليه السلام بسبب ذلك كل عظيمة ، من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذل ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل))
إنظر/الإرشاد/المفيد/ج2/ص336.
وإنّ أغلب الناس في وقت الإمام العسكري/ع/كانوا مُستضعفين ولربما في الغالب خانعين للظالم .
وبفعل الركون للظالم من قبل الناس قد وقعت الغيبة الصغرى بل وحتى الكبرى لأنّ الظلم قد إستمر وأخذ طابع الإستبداد الديني والسياسي.
هذا ومن المعلوم روائيا أنّ الإمام المهدي/ع/ يخرج وليس في عنقه بيعة لأحد أياً كان:
فعن أبي عبد الله(الصادق) ( عليه السلام ) أنه قال :
(( يقوم القائم وليس في عنقه بيعة لأحد ))
إنظر/الغيبة/النعماني/ص196.
وهنا يتبين أكثر وجه وحكمة السنن الألهية في مفاداتها وثمارها في الصورة الإيجابية فيما لو تحققت فعلا.
لكن وخاصة في قانون الركون الى الظالمين لم تتفاعل الأمة مع إمامها المعصوم/ع/ الحاضر من قبل والغائب اليوم في تركها للركون الى الظلمة وعلى مدى التأريخ المنصرم
فأسهمت وبوجه ما في تأخير الظهور الشريف للإمام المهدي/ع/ فضلا عن إسهامها في تطويل حاكمية الظلمة زمنيا مما لم يوفّر عنصر الظهور الحيوي للإمام المهدي/ع/ وهو خروجه وليس في عنقه بيعة لأحد.
فالله تعالى صرّح مرارا: بذلك:أي إطراد وحتمية السنن الألهية.
فقال سبحانه وتعالى:
{قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ }الأنفال38
أي:
قُل لهم ياأيها الرسول محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)
للذين جحدوا وحدانية الله مِن مشركي قومك: إن ينزجروا عن الكفر وعداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم, ويرجعوا إلى الإيمان بالله وحده وعدم قتال الرسول والمؤمنين,
يغفر الله لهم ما سبق من الذنوب فالإسلام يجُبُّ ما قبله.
وإن يَعُدْ هؤلاء المشركون لقتالك -أيها الرسول- بعد الوقعة التي أوقعتها بهم يوم "بدر"
فقد سبقت طريقة الأولين, وهي أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم أننا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة.
وقوله تعالى:
((سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً))الإسراء/77
((مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً)) الأحزاب /38
((سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً))الأحزاب /62
{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الفتح /23
فالتبديل والتحويل في سنن الله تعالى ممنوع حكميا ووجوديا على مستوى عالم التكوين والتشريع.
والعقل القويم يدرك وبصورة إستقلالية ضرورة ولزوم عدم تخلف إرادات الله تعالى في تحققاتها وخاصة الحكمية منها
بمعنى أنّ الله تعالى له أغراض وغايات ترجع في معطياتها الى البشرية لابد من تنجزها فعليا في أرض الواقع والإمكان في هذه الحياة الدنيا وحتى الحياة الآخرة بإعتبارها دار الجزاء والثواب والعقاب.
ومعلوم أنّ التراث العقَدي والمعرفي المتعلّق بقضية الإمام المهدي/ع/ قد إلتفت الى علاقة القضية المهدوية بالسنن الألهية وجوديا فلذا راح أغلب الأئمة المعصومين/ع/ يستدلون بكون غيبة الإمام المهدي/ع/ وقضيته هي معلولة للسنن الألهية
فكانوا /ع/ يُبينون وجه الشبه بين حال الإمام المهدي/ع/ في غيبته وحال الأنبياء/ع/ من قبله .
عن أبي بصير قال :
سمعتُ أبا جعفر(الباقر) عليه السلام يقول :
(( في صاحب هذا الامر(أي الإمام المهدي) سنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من يوسف ، وسنة من محمد صلى الله عليه وآله :
فأما من موسى فخائف يترقب ، وأما من عيسى فيقال فيه ما ( قد ) قيل في عيسى ، وأما من يوسف : فالسجن والغيبة ،
وأما من محمد صلى الله عليه وآله فالقيام بسيرته وتبيين آثاره ثم يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عز وجل ،
قلتُ(أي أبو بصير) : وكيف يعلم أن الله تعالى قد رضي ؟
قال/ع/ : يلقي الله عز وجل في قلبه الرحمة))
إنظر/كمال الدين وتمام النعمة/الصدوق/ص329.
هذا كشاهد معرفي وعقدي لبيان مدى وعي وحذاقة المعصومين في تفهمهم للسنن الألهية وطريقتهم في رفد المؤمنين والمُنتظرين بوعي سديد يجعل من صاحبه مقتنعا في عقيدته بالإمام المهدي/ع/.
وأخيراً إنّ فهم علاقة السنن الألهية وترابطها مع قضية الإمام المهدي/ع/ فهما علميا وأخلاقيا وتربويا وحتى منهجيا يؤسس لعمل صالح يُمهد في تطبيقه لتعجيل فرج الإمام المهدي/ع/ في مُقتَبَل الوقت القادم.
لأنّ قيام الإمام المهدي/ع/ سينطلق من الواقع الموضوعي المُعاش قُبَيل الظهورالشريف وهذا الواقع لا يخرج عن حاكمية السنن الألهية في تأثيرها في التحقق الحتمي للظهور.
نعم وإن كان لله تعالى دوره المُدّخر غيبيا لنصرة الإمام المهدي/ع/ وإعلاء كلمة الله تعالى في الوجود مطلقا:
ولكن يبقى الأمر في وضعه الطبيعي المراد ربانيا.
(( لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))النحل60
((وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))الروم/27
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف.
=================================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
إنّ المهدوية بإطلاقها المفهومي والقيمي من مشموليتها لهادوية الأنبياء والأئمة المعصومين/ع/ وختما بمهدوية الإمام المهدي/ع/ هي بذاتها سنة إلهية قطعية حتمية قد تحققت بمصاديقها النبوية والإمامية.
ولم يبقى منها إلاّ سُنَّة الظهور المهدوي الأخير للإمام المهدي/ع/
ثمّ إنّ المقصود بمفهوم السنة الألهية قرآنيا:
هو إطراد(أي تحققها في كل زمان ومكان وجريانها على كل إنسان) وفاعلية القوانين الألهية التكوينية وجوديا:
بمعنى أنّ السنة الألهية تستبطن الشروط والجزاءات في ماهيتها
فمثلا لو تمعنا بسنة وقانون ::
((إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ))الرعد11
لوجدنا أنّ الجزاء التكويني في صورة السنة الألهية الشرطية منحفظاً في تطبيقه الحتمي وهو(تغيير الله تعالى لحال القوم)
في حال تحقق شرطه الوجودي وهو تغيير ما بالنفس على مستوى الفرد والمجتمع.
هذا كشاهد وجيز من صور السنن الألهية في نظام الطبيعة .
وإذا ما أردنا تفعيل تلك السنة الألهية وتوظيفها في تعجيل فرج إمامنا المهدي/ع/ فما علينا إلاّ إستثمار طاقة الشرط وحيويته في التغيير الصالح والمُصلح لحالنا أفرادا وجماعات
وبعدها يقيناً سيتحقق الجزاء وهو الظهور للإمام/ع/ وإن طالت المدة.
لأنّ السنن تختزل في ذاتها أبعادا أخلاقية وفكرية وإجتماعية تتنشط من خلالها إمكانيات الأفراد والمجتمعات في حال وعيها ودركها لمعيارية وغائية السنة الألهية
فالسنن الألهية ما وجدت إلاّ لتنضيج سلوك الأفراد والمجتمعات في تعاطيهم الحياتي مع مفردات وشؤونات قد تحكمهم بقاهريتها مثل الطواغيت البشرية
أو قد لاتحكمهم كالحاجات البشرية المباحة شرعيا
وخيارات الناس المفتوحة في إستثمارها أو عدم إستثمارها بالوجه الحق والعادل.
.
وكمثال على ذلك :هو أنّ الركون الى سلطة الطاغوت والظالم حرام شرعا وقبيح عقلا
وهنا تأتي السنة الألهية الحتمية لتكشف عن جزائها السلبي في صورة تعاطي الناس مع الظالم ونصرته وإعانته
وتنذر بمسيس النار (تعبير كنائي) عن حتمية نزول العذاب الدنيوي على الظلمة وأعوانهم فضلا عن دخولهم النار أخرويا
وهذه السنة الألهية تتجلى في قوله تعالى:
{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }هود113
أي:ولا تركنوا) تميلوا (إلى الذين ظلموا) بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم (فتمسكم) تصيبكم (النار وما لكم من دون الله) أي غيره (أولياء) يحفظونكم منه (ثم لا تنصرون) أي :لاتُمنعون من عذابه .
فإذن السنة الألهية مأخوذٌ في حركتها ومسارها الإختبار والتمحيص والجزاء والنفع والضرر كلٌ بحسب إستحقاقه.
وحتمية وقطعية تحقق جزاءات السنن الألهية مقطوع به قرآنيا وعقليا:
وفي الروايات الصحيحة تنصيص على أنّ علّة غيبة الإمام المهدي/ع/ هي الخوف من القتل من قبل الظلمة والطواغيت
وكما حصل معه /ع/ حين بدء ولادته وإخفاءه/ع/ من قبل أبيه الإمام العسكري/ع/ خوفا عليه من القتل والملاحقة من طاغية ذلك الوقت المهتدي العباسي ومن بعده المعتمد.
وهذه حقيقة أكيدة قد بينها شيخ الطائفة المفيد الثقة /قد/ فقال:
((وكان (أي الإمام العسكري) قد أخفى مولده وستر أمره ، لصعوبة الوقت ، وشدة طلب سلطان الزمان له ، واجتهاده في البحث عن أمره ،
ولما شاع من مذهب الشيعة الإمامية فيه ، وعرف من انتظارهم له ، فلم يُظهر ولده عليه السلام في حياته ، ولا عرفه الجمهور بعد وفاته .
وتولى جعفر بن علي أخو أبي محمد عليه السلام أخذ تركته ، وسعى في حبس جواري أبي محمد عليه السلام واعتقال حلائله ،
وشنع على أصحابه بانتظارهم ولده وقطعهم بوجوده والقول بإمامته ، وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشردهم ، وجرى على مخلفي أبي محمد عليه السلام بسبب ذلك كل عظيمة ، من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذل ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل))
إنظر/الإرشاد/المفيد/ج2/ص336.
وإنّ أغلب الناس في وقت الإمام العسكري/ع/كانوا مُستضعفين ولربما في الغالب خانعين للظالم .
وبفعل الركون للظالم من قبل الناس قد وقعت الغيبة الصغرى بل وحتى الكبرى لأنّ الظلم قد إستمر وأخذ طابع الإستبداد الديني والسياسي.
هذا ومن المعلوم روائيا أنّ الإمام المهدي/ع/ يخرج وليس في عنقه بيعة لأحد أياً كان:
فعن أبي عبد الله(الصادق) ( عليه السلام ) أنه قال :
(( يقوم القائم وليس في عنقه بيعة لأحد ))
إنظر/الغيبة/النعماني/ص196.
وهنا يتبين أكثر وجه وحكمة السنن الألهية في مفاداتها وثمارها في الصورة الإيجابية فيما لو تحققت فعلا.
لكن وخاصة في قانون الركون الى الظالمين لم تتفاعل الأمة مع إمامها المعصوم/ع/ الحاضر من قبل والغائب اليوم في تركها للركون الى الظلمة وعلى مدى التأريخ المنصرم
فأسهمت وبوجه ما في تأخير الظهور الشريف للإمام المهدي/ع/ فضلا عن إسهامها في تطويل حاكمية الظلمة زمنيا مما لم يوفّر عنصر الظهور الحيوي للإمام المهدي/ع/ وهو خروجه وليس في عنقه بيعة لأحد.
فالله تعالى صرّح مرارا: بذلك:أي إطراد وحتمية السنن الألهية.
فقال سبحانه وتعالى:
{قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ }الأنفال38
أي:
قُل لهم ياأيها الرسول محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)
للذين جحدوا وحدانية الله مِن مشركي قومك: إن ينزجروا عن الكفر وعداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم, ويرجعوا إلى الإيمان بالله وحده وعدم قتال الرسول والمؤمنين,
يغفر الله لهم ما سبق من الذنوب فالإسلام يجُبُّ ما قبله.
وإن يَعُدْ هؤلاء المشركون لقتالك -أيها الرسول- بعد الوقعة التي أوقعتها بهم يوم "بدر"
فقد سبقت طريقة الأولين, وهي أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم أننا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة.
وقوله تعالى:
((سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً))الإسراء/77
((مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً)) الأحزاب /38
((سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً))الأحزاب /62
{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الفتح /23
فالتبديل والتحويل في سنن الله تعالى ممنوع حكميا ووجوديا على مستوى عالم التكوين والتشريع.
والعقل القويم يدرك وبصورة إستقلالية ضرورة ولزوم عدم تخلف إرادات الله تعالى في تحققاتها وخاصة الحكمية منها
بمعنى أنّ الله تعالى له أغراض وغايات ترجع في معطياتها الى البشرية لابد من تنجزها فعليا في أرض الواقع والإمكان في هذه الحياة الدنيا وحتى الحياة الآخرة بإعتبارها دار الجزاء والثواب والعقاب.
ومعلوم أنّ التراث العقَدي والمعرفي المتعلّق بقضية الإمام المهدي/ع/ قد إلتفت الى علاقة القضية المهدوية بالسنن الألهية وجوديا فلذا راح أغلب الأئمة المعصومين/ع/ يستدلون بكون غيبة الإمام المهدي/ع/ وقضيته هي معلولة للسنن الألهية
فكانوا /ع/ يُبينون وجه الشبه بين حال الإمام المهدي/ع/ في غيبته وحال الأنبياء/ع/ من قبله .
عن أبي بصير قال :
سمعتُ أبا جعفر(الباقر) عليه السلام يقول :
(( في صاحب هذا الامر(أي الإمام المهدي) سنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من يوسف ، وسنة من محمد صلى الله عليه وآله :
فأما من موسى فخائف يترقب ، وأما من عيسى فيقال فيه ما ( قد ) قيل في عيسى ، وأما من يوسف : فالسجن والغيبة ،
وأما من محمد صلى الله عليه وآله فالقيام بسيرته وتبيين آثاره ثم يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عز وجل ،
قلتُ(أي أبو بصير) : وكيف يعلم أن الله تعالى قد رضي ؟
قال/ع/ : يلقي الله عز وجل في قلبه الرحمة))
إنظر/كمال الدين وتمام النعمة/الصدوق/ص329.
هذا كشاهد معرفي وعقدي لبيان مدى وعي وحذاقة المعصومين في تفهمهم للسنن الألهية وطريقتهم في رفد المؤمنين والمُنتظرين بوعي سديد يجعل من صاحبه مقتنعا في عقيدته بالإمام المهدي/ع/.
وأخيراً إنّ فهم علاقة السنن الألهية وترابطها مع قضية الإمام المهدي/ع/ فهما علميا وأخلاقيا وتربويا وحتى منهجيا يؤسس لعمل صالح يُمهد في تطبيقه لتعجيل فرج الإمام المهدي/ع/ في مُقتَبَل الوقت القادم.
لأنّ قيام الإمام المهدي/ع/ سينطلق من الواقع الموضوعي المُعاش قُبَيل الظهورالشريف وهذا الواقع لا يخرج عن حاكمية السنن الألهية في تأثيرها في التحقق الحتمي للظهور.
نعم وإن كان لله تعالى دوره المُدّخر غيبيا لنصرة الإمام المهدي/ع/ وإعلاء كلمة الله تعالى في الوجود مطلقا:
ولكن يبقى الأمر في وضعه الطبيعي المراد ربانيا.
(( لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))النحل60
((وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))الروم/27
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف.